الإكليل*
سيد الحبر الصامت ومؤرخ للمشاعر
-
- إنضم
- 9 أغسطس 2022
-
- المشاركات
- 22,345
-
- مستوى التفاعل
- 15,961
- مجموع اﻻوسمة
- 20
تطفل على المنطق

هناك لحظة
تتوقف فيها اللغة عن خدمتك
تصبح الكلمات ثيابا ضيقة
تصبح الجملة عبئا
تصبح انت
مجرد كتلة من نحيب خافت
تحاول ان تفسر لنفسك
كيف وصلت الى هنا
كيف صار الظل اثقل من الجسد
وكيف فقدت الطريق الى ذاتك
وانت لم تغادر مكانك اصلا
هي لحظة لا تشبه الانكسار
بل تشبه انكشاف الوجع بلا قناع
تجلس فيها امام نفسك
كما يجلس محكوم
امام اخر فصوله الاخيرة
تحدق في اعماقك
وتدرك انك لم تكن قويا يوما
كنت فقط
مشغولا بما يكفي لتؤجل سقوطك
كنت تضع جرحا فوق جرح
وتسميه نضجا
وتضع صمتا فوق صمت
وتسميه حكمة
حتى صار صوتك غريبا عنك
وصار قلبك يعبر الليل بلا مرافق
وكلما حاولت ان تستعيد بقاياك
اكتشفت انك صرت مدينة مخذولة
شوارعها لا تقود الى شيء
ابوابها تقفل وحدها
ونوافذها تراقبك بحياد مؤلم
كأنك غريب
يمر على ذكرياته
ولا يجد فيها مقعدا يجلس عليه
ثم تأتي تلك اللحظة
التي تظن فيها
انك فهمت كل شيء
فتكتشف انك لم تفهم شيئا
وان العمق الذي هربت اليه
ليس عالما سريا للنجاة
بل حفرة واسعة
تكشف لك حجم الفراغ
الذي كنت تتجاوزه كل يوم
وانك كنت تضع قلبك
في مكان اعلى من قدرته
وتطالبه ان يحمل جبالا
ليست من نصيبه
وان يستمر في الخفقان
حتى وهو لم يعد يصدق
ان الخفقان ضرورة
تعود وتضم قلبك اكثر
لا لتمنع الهواء عنه
بل لتمنع نفسك من الانهيار فوقه
تضمه كما يضم الغريق
اخر شيء يطفو
تضمه كأنك تخشى ان يرحل قبلك
تضمه لانك تعرف
ان ما تبقى فيك من قدرة على العيش
يسكن هناك
في تلك الغرفة الواجفة
التي لم تتوقف يوما عن الدفاع عنك
حتى حين كنت انت اول من خذلها
نضم قلوبنا لا خوفا من الهواء
بل خوفا من الحقيقة
الحقيقة
التي تقول
اننا نتألم اكثر مما نظهر
وننجو اقل مما نتصور
واننا نحمل في داخلنا حربا
لم يسمع هديرها احد
ولن يسمعه احد
لاننا اخترنا ان نواصل الطريق
بلا ضوضاء
كأن الصمت هو الدولة الاخيرة
التي لم تسقط بعد
وهكذا
نمضي
نجر خلفنا ندوبا لا نرى حدودها
نسير فوق رماد خطواتنا
ونكتب في داخلنا نصوصا
لا يقرؤها بشر
ونعامل وجعنا
كأنه سر من اسرار الكون
سر لا يفسر
ولا ينطق
ولا يتلاشى
نمضي
لان التوقف موت بطيء
ولان البقاء بالرغم من كل شيء
هو المعركة الوحيدة
التي لا نملك رفاهية خسارتها
ونحاول جاهدين
ان نضم قلوبنا كي لا نمرر الهواء
كأننا نحتضن غيمة من زجاج
كلما ضممناها
تقطعت اطراف ارواحنا
لكننا لا نتراجع
لان الانهيار لم يعد خيارا متاحا
ولان البقاء
صار معركة صامتة
تلتهم فينا ما تبقى من امان
يشبه الوهم
نمشي في دهاليز الذاكرة
وكأننا نسير في ممرات لا نهائية
ممرات تعرف اسماء خيباتنا
اكثر مما تعرف خطواتنا
تتساقط منا ملامح
لم نعد نتذكر متى ارتديناها
وتتشقق في صدورنا
طبقات قديمة من الصبر
كأن الوقت نمر جائع
والنفس ساحة مطاردة لا تنتهي
نعود ونحاول
نحمل جراحنا
كأنها شهادات نجاة
نرفع رؤوسنا ولو ارتجفت
نرتب فوضانا
نمسك بالحياة من حنجرتها
ونقول لها
لن تكسري هذا القلب مهما حاولت
لن تسحقيه
لان ما صنعته الخيبات فينا
اعظم مما يمكن للعالم ان يضيفه
نظل هنا
نواصل الطريق
نعرف اننا ننزف
ونعرف ان الهواء
الذي نخشى مروره
قد يكون هو الشيء الوحيد
القادر على ابقائنا احياء
ومع ذلك
نضم قلوبنا اكثر
نشد عليها بيد مرتجفة
كأننا نخاف
ان تفلت
او تنجو
او تقرر اخيرا
ان تتوقف
عن احتمال
كل هذا الوجع
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : تطفل على المنطق
|
المصدر : خواطر بريشة الاعضاء


