تواصل معنا

تحت ظلال الوقت، بين انقضاءٍ وانتهاء، بين الممكن والمعقول، بين الدهشة والاستهجان، تتسلّل رغبة غريبة في السؤال: ما الذي أفعله هنا؟ كأنّني إنسانة تستنزف عمرها...

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
68,900
مستوى التفاعل
26,814
مجموع اﻻوسمة
32
زعفرانيات (1)















تحت ظلال الوقت، بين انقضاءٍ وانتهاء، بين الممكن والمعقول، بين الدهشة والاستهجان، تتسلّل رغبة غريبة في السؤال:
ما الذي أفعله هنا؟

كأنّني إنسانة تستنزف عمرها في كل دقيقةٍ تمضي على متن هذه الرحلة.
لا يمكن لامرأة أن تكون الربّان والمضيف وسماعة الأمان وذراع التوقّف ومكابح الوقت في آنٍ واحد.
صدقًا، هذا أكبر من احتمال أنثى، بل لو قُلبت الأدوار، لكان أكبر من رجلٍ أيضًا.

العودة إلى الخلف ولو حفاةً على الجمر أهون من التقدّم فوق رمالٍ متحرّكة، كلما خطونا خطوة ابتلعتنا.
نحتاج إلى قرار، وقرارٍ حاسمٍ بالعودة إلى أول خذلان.
لا تقلقي، المرآة مشقّقة، مليئة بالندوب، لكنها لا تخيف.
ليس المطلوب أن تبقي مثالية، بل أن تصحّحي وضعًا خاطئًا لتعيشي بهدوء.


إرمينيا... يريفان.
تفتح العيون صباحًا كما تُفتح الذبائح على المذبح.
طقسٌ يوميّ من الاستسلام؛ الهواء بارد، والحطب في الخارج ينتظر يدًا لم تعد تملك الدفء.
أدرت جسدي بتثاقل، أنزلت قدميّ إلى أرض الغرفة غير المصقولة،
شعرت بالبرودة تتشبّث بي كما يتشبّث الحزن بالذاكرة.
نظرتُ إلى جانبي، كان ينام —
وشخيره يصل إلى إفريقيا.

لففتُ وشاحي على كتفيّ، ونهضت.
كنت أجرّ أقدامي في الواقع كما يجرّ الأسير سلاسله،
وفي رأسي أجرّ خيباتي في الحقيقة؛ أثقل من ثلجٍ لا يذوب.

في الخارج، كانت الثلوج تغمر المكان حتى بدت الأرض بلا ملامح.
اقتربتُ من الحطب — يحتاج إلى تقطيع.
ضربة… تليها ضربة… ثم أخرى.
كأنني أُفرغ شيئًا عالقًا بي، شيئًا لا يُقال.

جمعتُ الحطب، عدتُ إلى الموقد، أشعلت النار،
وضعت إبريق القهوة على اللهب، وجلستُ أرتّب نفسي على نَفَس السيجارة الأولى.
هي وحدها من تجعلني أحتمل الدخول في اليوم.
طقسٌ يشبه الصلاة للمنهكين.

ثم يأتي صوته — صوت الاعتياد المبتذل —
"لماذا؟ ولماذا؟"
يسأل قبل أن ينظّف أسنانه.
رائحة فمه كجرذٍ ميت،
أسنانه متسخّة،
كأنّ النوم لم يخرج منها بعد.

الفرق بيني وبينه لا يُقاس بالعُمر أو الذاكرة.
الفرق أنني أحاول أن أكون إنسانة نظيفة من الداخل أيضًا،
بينما هو يكتفي بغطاء الجسد والعادة.
فمي، يداي، ثيابي، حواسي — كلّها يقظة.
هو، رغم جسده الدافئ، ما زال نائمًا في فكرةٍ قديمة عن الرجولة.


نهضتُ لأسكب قهوتي.
ليس فعلاً شائعًا أن أتأمل،
لكن الثلوج — بثقلها الأبيض وصمتها الكامل — تُرغمني على ذلك.

تجعل كل شيء بطيئًا بما يكفي لأن أفكّر.
حتى انسكاب القهوة يبدو حدثًا يستحق الإصغاء.
أراقب البخار يصعد من الفنجان كما لو أنه روحٌ تُغادر شيئًا محروقًا في الداخل.
ما أغرب أن يكون التأمل أحيانًا ردّ فعل على العجز؛
حين لا يمكنك الهروب، تبدأ بالتفكير.

الخارج أبيض، ناصع، كأنه يريد أن يغسل ما لا يُغسل فينا.
أما الداخل — فأسود كقاع الفنجان،
حيث تبقى الرواسب التي لا يشربها أحد.

أرتشف قهوتي، أراقبه بصمتٍ يتغذّى على الغضب.
يتناول البيض والسجق والخبز البائت — طعام البارحة، طعام الشجار الذي لم يُهضم بعد.
كل لقمةٍ منه تحمل طعم الصراخ الذي تركناه عالقًا في الهواء.

شرائي لتلك الآلة الكاتبة كان الشرارة.
ثورةٌ صغيرة، لكنها كشفت ما كان يختبئ خلف هدوئه الطويل.
صرخ كما يصرخ الثور حين يلمس أحد قرنه،
يقلّل من قيمتي، من جدوى الكلمات التي أكتبها،
وكأنّ الكتابة جريمةٌ تُهدّد سلطانه الصغير.

ثم أمسك بالآلة، ورماها نحو الجدار.
تطايرت القطع في أرجاء الغرفة —
كأنّها أجزاء من صوتي نفسه.
منذ تلك اللحظة، قررتُ أن أسمّي هذا المكان: غرفة الخيبات.

أنهى طعامه واقترب.
أمسك بيدي وهزّ رأسه كمن يمنح نفسه عذرًا للدمار:
"أنا أغار، لا أريد أن يراك أحد، أو يرى عملك، أنا أغار عليكِ."

صمتُّ.
لكن داخلي كان بركان كلماتٍ يفيض ولا يسمع أحد هديره.
أدركت أن الغيرة ليست حبًّا، بل خوفٌ من أن يرى العالم ما عجز هو عن رؤيته.
وأنّ رجولته تضعف كلّما كتبتُ أكثر،
لأن الحروف تُظهر اتّساعًا لا يستطيع أن يسكنه.
أظن أن شيئًا في داخلي تلك الليلة تبعثر إلى ألفِ قطعة.
لم يكن انفجارًا، بل انكسارًا بطيئًا، ككوبٍ يتهشّم في الماء دون صوت.
سحبتُ يدي من يده، ونظرتُ في عينيه؛ رأيتُ ما لم أره من قبل.
لم يكن الجحود، ولا الغضب. كان الهرب — الهرب الصامت الذي تفعله المخلوقات حين تدرك أنّ الأمان لم يعد موجودًا.

رأيت في بؤبؤ عينه طفلًا، لا رجلًا.
طفلًا خائفًا من الظلمة، من الجوع، من الفقد، من نفسه.
طفلًا يختبئ في جسد رجلٍ يُمارس القسوة ليُقنع نفسه أنه كبر.

أغمضتُ عيني، سحبتُ نَفَسًا من سيجارتي،
فلم أسمع صوته، بل سمعت عويل ذلك الطفل.
لم تكن الغيرة التي تذرّع بها سوى محاولةٍ فاشلة ليقول:
أنا خائف، أحبّيني كما تخاف الأمّ على صغيرها.

لكنني لم أعد أملك الحليب ولا الصبر.
لقد أنهكتني محاولات إصلاح الأشياء المكسورة بالحبّ.

كنتُ أظنّ الرجولة طمأنينةً،
ثم اكتشفت أنها ليست كذلك دائمًا،
بل هي القدرة على ألا تكون طفلًا حين تنهار الأشياء.

نظرتُ في عينيه مجددًا وقلت بهدوءٍ يشبه حدّ السكين:
– سأهجرك.
– لا تحاولي ثنيي. هذا قرار نهائي.

ابتسم.
نعم، رأيته يبتسم.
ابتسامةً صغيرة كمن يوقن أن اللعبة لم تنتهِ بعد.
كان يظن أني سأعود كما في كلّ مرة،
أنّ عائلتي ستعيدني إليه كما يُعاد الأثاث إلى مكانه بعد العاصفة.

لكنه لم يرَ الإصرار في عينيّ.
لم يفهم أن المرأة التي اكتشفت طفل الرجل الذي أحبّته
لم تعد قادرة على أن تكون أمه،
ولا ظله،
ولا مهد خوفه.

كانت عشرون سنة من الحمل والجرّ والتكديس والابتسامات المصلوبة على وجهي حين يأتي الضيوف،
كافيةً لأفهم أن الطمأنينة لا تُمنح، بل تُولد فينا،
وأن بعض الرجال لا يكبرون…
بل يتقنون فقط فنّ الاختباء خلف صوتٍ غليظ ويدٍ خشنة.
جمعتُ مالي القليل، ما تبقّى من تعب يدي في هذا البيت،
وركلتُ ما تبقّى من أشيائه بحذاءٍ من ذكرياتٍ قديمة.
خرجتُ.
الثلج يعضّ وجنتي، وحذائي الصيفيّ يبتلّ كطفلٍ يجهل معنى الشتاء.
أعلم أني مجنونة؛
أخرج بثوبٍ بحمالاتٍ عريضةٍ وحذاءٍ مفتوحٍ إلى هذا الجحيم الأبيض،
لكن ذلك الثوب كان ثمرة تعبي:
من حلب الأبقار، ومن علف الدجاج، ومن الجبن الذي صنعته وبعته،
اشتريتُ به قبعةَ قشٍّ وكرامةً مؤقتةً لأحتمي بها من نفسي.

توجّهتُ نحو الساقية.
كانت متجمّدة، صامتة كقلبٍ توقّف عن الخوف.
تأملتُ وجهي المنعكس على سطحها الزجاجيّ،
كأنني أرى امرأةً وُلدت لتوّها من رماد عشرين عامًا مضت.

كنتُ أتمتم، بصوتٍ لا يسمعه سوى الله والريح:
ليست الرجولة ما يتعلّمه الذكر حين يبدأ بتقليد أبيه،​
ولا ما تمنحه التجارب من قسوةٍ أو انتصار.
إنها لحظة وعيٍ عارية، حين يكتشف الإنسان أنّ الطمأنينة لا تُستعار، بل تُخلق من الداخل.
ومن لا سلام له مع ذاته، سيظلّ يحارب العالم كي يثبت أنه رجل.



كنتُ أعرف هذا دون أن أسمّيه.
كنتُ أراه في عينيه، في ارتعاشة الصمت حين يواجه نفسه،
في خوفه من الحبّ أكثر من الحرب،
وفي تلك القسوة التي ليست سوى قناعٍ لنجاةٍ هشّة.

كلما اقتربتُ منه، كنتُ أخطو على أرضٍ من خوفٍ مُبلّل،
يغرق فيها كلما حاولتُ إنقاذه.
فأدركتُ أن المرأة لا تُصدم برجلٍ خذلها،
بل بطفلٍ تخفّى في ملامحه،
وأنّ رهانها لم يكن على رجلٍ يكبرها، بل على فكرةٍ واهيةٍ عن النضج.

فالزمن لا يُنضج أحدًا،
ما يفعله ذلك هو الحزن حين يهذّب القلب،
والفقد حين يعلّم الإنسان أن يحتمل ذاته دون قناعٍ أو وعدٍ خارجي يطمئنه.

الرجولة، كما رأيتها أخيرًا،
ليست عضلاتٍ تمسك بيدٍ حين تتعب،
ولا وعدًا بالبقاء مهما كانت العواصف.
الرجولة هي السكون الذي لا يخاف الوحدة،
السكينة التي تُشبه وطنًا داخليًا لا يحتاج إلى شهودٍ ليكون حقيقيًا.

وحين غادرتُه — لم أغادر رجلًا.
بل ودّعتُ طفلًا لم يُشفَ من بكائه الأول.
وربما، في مكانٍ ما من ذاكرتي،
كنتُ أشعر أني لم أخسر رجولته،
بل كسبتُ سلامي.
لا أعلم إلى أين سأذهب، ولا ما الذي ينتظرني عند أول زاوية من هذا الطريق الأبيض،
لكنّي أعلم شيئًا واحدًا: لقد اتخذت قراري.

قراري بإيقاف نزيفي اليومي،
بأن أتوقف عن منح قلبي لمن لا يسمعه،
وعمري لمن لا يرى أنه حياة.

قررت أن أكون كيانًا لا هامشًا،
أن أعود امرأةً تملك ظلّها، لا تتوارى خلف ظلّ أحد.
أن أظهر في الضوء دون أن أختبئ في خجلٍ صامت.

أعلم أن الرياح ستدفعني إلى الخلف،
وأن سلطة الأهل قد تحاول إعادتي إلى القفص الذي خرجتُ منه،
وأعلم أنه سيستخدم كل حيلةٍ صغيرة، كل بكاءٍ متأخرٍ،
ليعيد الطفولة القديمة إلى المشهد،
لكن شيئًا في داخلي تغيّر.

لقد رآني أتحوّل،
رأى أن الألاعيب التي كانت تُعيدني بالأمس
لم تَعُد تُجدي.
ذلك الضعف الجميل الذي كان يسكنني —
مات بهدوء.

أنا الآن لستُ امرأة تهرب،​
بل إنسانٌ يختار نفسه أخيرًا.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
اسم الموضوع : زعفرانيات (1) | المصدر : قصص من ابداع الاعضاء

هدوء

💎مستشار اداري
نائب المدير العام
إنضم
24 مارس 2022
المشاركات
52,872
مستوى التفاعل
37,249
مجموع اﻻوسمة
22
زعفرانيات (1)
؛

رحلتي بنا ومعك في رحلة من الخيال الواسع
حيث الآنا وتلك الضنون .. فكنا كالطير
نبحث عن ضل من اشجار الزيزفون ..
بعض الهلوسة اقرب للحقيقة ..
فهنا يركن الاحساس لنقطة
البداية والنهاية ..
فترسم الحروف باشكالها المتوهجة ...
ولانملك وقتها سوى الضجيج الذي يتشكل
من عبور حروفك داخلنا ..!




:
كنت هنا
 
Comment

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
68,900
مستوى التفاعل
26,814
مجموع اﻻوسمة
32
زعفرانيات (1)
؛

رحلتي بنا ومعك في رحلة من الخيال الواسع
حيث الآنا وتلك الضنون .. فكنا كالطير
نبحث عن ضل من اشجار الزيزفون ..
بعض الهلوسة اقرب للحقيقة ..
فهنا يركن الاحساس لنقطة
البداية والنهاية ..
فترسم الحروف باشكالها المتوهجة ...
ولانملك وقتها سوى الضجيج الذي يتشكل
من عبور حروفك داخلنا ..!




:
كنت هنا
جميلة هي السباحة بعكس الغيم
والإمطار للأعلى
جميل ان نكون ضد الجاذبية
والأجمل أن نكتب فنترك اثرا
لعابر قد يمر يوما فيجد سلواه
ببضع كلمات تمس قلبه
كل الامتنان لحضورك
وقراءتك ممتنة جدا
 
Comment

فتنة العصر

مشرفة عامة
الاشراف العام
إنضم
6 يونيو 2025
المشاركات
49,826
مستوى التفاعل
4,634
مجموع اﻻوسمة
10
زعفرانيات (1)
ماهذا الجمال الخارق الذي
اخترق العادة في جماله
حبيبتي اشطة في كل مرة تسلكين
طريقة نادرة في السرد تجعلين للحسن
جمال ناطق
شكرا لك من الصميم على ابداعك
ختمي وحبي
💋💋😘😘
 
Comment

A.M.A.H

مشرف اقسام الشعر
الاشراف
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
7,170
مستوى التفاعل
1,444
مجموع اﻻوسمة
5
زعفرانيات (1)
الأستاذة والكاتبة الجوري ، لا أكذبك أن ما قرأته هنا من قصة تلك المرأة المنكسرة والمثقلة بالحب قبل القرار والطموح بعد الجواب هو من أفضل القصص التي قرأتها حتى الآن. التحول الذي بدأ يتطور في البطلة بعد كل سطر شيء عجيب، فما رأيت نفسي إلا في آخر حرف من القصة. تمنيت ألا تنتهي المتعة الموجودة في القصة، أحداث وتساؤلات فلسفية عميقة لتنتصر البطلة في قرار الذات.

لذلك سأخذ بعض العبارات التي كانت مليئة بها القصة في الفلسفة ونأخذها من الجانب الفلسفي.

1 — “ما الذي أفعله هنا؟”

هذا السؤال لا يطلب إجابة، بل يطلب وعيًا.
الوجود لا يبرّر نفسه، ولا يقدّم بطاقة تعريف.
أنتِ هنا لأن الحياة لا تحتاج إلى سببٍ لتبدأ،
بل تحتاج إلى جرأة كي تُعاش.


ليس المهم لماذا نحن هنا،
بل كيف نكفّ عن أن نكون ضيوفًا خائفين في حياتنا.

2 — “كيف أكون الإنسان الذي لا يذوب في الآخرين؟”

العلاقة — أي علاقة — ليست امتحانًا للذوبان،
بل امتحانًا للحدود.
من لا يملك حدودًا،
لن يملك نفسه.
ومن لا يملك نفسه،
سيُعامل الحب كحاجة… لا كتبادل.


احفظي قلبك كما يحفظ الجندي سلاحه.
الاقتراب لا يعني الانصهار،
والعطاء لا يعني التفريط.


3 — “هل الرجولة فعل؟ أم سكينة؟ أم وعي؟”

الرجولة — كما الإنسانية — ليست جنسًا ولا صوتًا ولا سلطة.
إنها قدرة على حمل الذات دون إسقاطها على الآخرين.
الرجولة ليست حماية امرأة،
بل حماية الذات من الطفل الذي لم يكبر.
والقوة الحقيقية هي أن يواجه الإنسان هشاشته من دون ضحية.


الإنسان يصبح قويًا حين لا يحتاج أن يبرهن ذلك.
ويصبح ناضجًا حين لا يخاف من رؤية نفسه بلا أقنعة.

4 — “هل العودة هزيمة؟ أم بداية؟”

ليس هناك “رجوعٌ إلى الخلف” في الوجود.
هناك رجوع إلى الحقيقة.
الانسحاب ليس خسارة،
بل خروج من معركةٍ لم تكن تخصّك.
والبدايات لا تولد من الشجاعة فقط،
بل من اعترافٍ بسيط:
“ما هذا لي.”


الانتصار الوحيد الذي لا يُهزم
هو أن تُنقذي نفسك.


5 — “هل الحب يصلح ما انكسر؟”

الحب يدفئ، نعم.
لكنه لا يرمّم الكسور التي صنعها الخوف.
لا يعيد تربية الطفولة المذعورة في جسد رجل.
ولا يشفي روحًا قررت الاختباء بدل المواجهة.
الحب لا يشفي الهارب،
بل يمنحه مساحة ليهرب أكثر.


لا يوجد حبٌّ كافٍ لإنقاذ من لم يبدأ بإنقاذ نفسه.

6 — “متى يصبح الإنسان حرًّا؟”

عندما يكفّ عن طلب الإذن ليكون ما هو عليه.
عندما يجد طريقه دون مرشدٍ أو شاهد.
عندما لا يعود بحاجةٍ لظلّ أحد،
ولا ليدٍ تُمسك خوفه بالنيابة عنه.
الحرية ليست خروجًا،
بل إعلانٌ داخلي:
“أنا مسؤول عن نفسي، لا عن أوهام الآخرين.”

7 — “هل هذا هروب؟ أم اختيار؟”

الهرب هو فعل الجسد حين يخاف.
أما الاختيار فهو فعل الروح حين تنضج.
الهروب يصنع دائرة تعودين إليها.
الاختيار يصنع مسارًا جديدًا لا يعود إلى الخلف.

الفلسفة تقول:
الهروب يجعلكِ أصغر،
الاختيار يجعلكِ أوضح.

8 — “ماذا أفعل بعدها؟”

لا شيء.
وهذا هو السر.
حين يخرج الإنسان من علاقةٍ مؤذية،
لا يبحث عن خطة،
بل عن تنفّسٍ كافٍ ليعود إلى وزنه الحقيقي.
يكفي أن تمشي اليوم خطوة،
وغدًا نصف خطوة،
وكل يومٍ قليل من السلام.
السلام لا يأتي دفعة واحدة،
بل يتسرّب… كما يتسرّب الشتاء إلى العظم.

---



البطله لا تهرب من رجل.
بل تعود إلى ذاتٍ ظلّت تقرع بابها عشرين سنة.
الأسئلة التي سألتها ليست تعبيرًا عن ضياع،
بل عن وعي بدأ يتكوّن.
والوعي — مهما أوجع —
هو أول أشكال الحرية.


اعتذر على الإطاله ولكن كم التساؤلات

أبدعتي
 
Comment

العقاب

"أحلق فوق الحرف.. ولا أهبط إلا على المعنى"
الاشراف
إنضم
20 نوفمبر 2025
المشاركات
6,540
مستوى التفاعل
740
مجموع اﻻوسمة
2
زعفرانيات (1)
الأستاذة الروائية

الجوري


نصكِ "زعفرانيات (1)" لوحةٌ من وجعٍ ووعيٍ
تتداخل فيها الفلسفة مع الحكاية
وتتحول الحروف إلى مرايا تكشف عمق الإنسان

سردكِ يفيض بالرمزية
ويحملنا بين الثلج والخذلان
بين الغيرة والقرار
حتى نصل إلى لحظة الانعتاق
حيث تولد البطلة من رماد عشرين عامًا
لتعلن حريةً جديدةً وسلامًا داخليًا

لقد أبدعتِ في رسم ملامح الانكسار والتحول
فكان النص شهادةً على قوة الحرف
وعلى أن الكتابة ليست مجرد كلمات
بل حياةٌ تُستعاد من بين الرماد

دمتِ قلمًا يضيء الغابة الأدبية
ويمنحنا زعفرانياتٍ تعبق بالدهشة والوعي

🌹
 
Comment

ندى الورد

ســيـــدة الـقـــصــر
المدير العام
إنضم
17 مايو 2021
المشاركات
131,308
مستوى التفاعل
99,741
الإقامة
من المدينة المنورة
مجموع اﻻوسمة
36
زعفرانيات (1)
شكرًا للكاتبة…
الجميله جوري

لأنكِ لم تكتبي حروفًا فقط،

بل كشفتِ طريقًا يخرج منه

الضوء من بين شقوق التعب.


شكراً لصدقكِ الذي يلامس

أماكن فينا نظنّها ماتت،


وللغتكِ التي لا تمرّ مرورًا عابرًا


، بل تترك أثرًا يشبه الندى


على نافذة القلب.



شكرًا لأنكِ منحتِ الكلمات


جرأةً أن تقول ما لا يُقال،


ولأنكِ صنعتِ من الألم حكمة


، ومن الوجع جمالًا،


ومن التفاصيل حياةً كاملة

تُقرأ بنَفَس واحد.





امتنانٌ كبير لكِ،


ولروحكِ التي تعرف كيف


تضع الحقيقة في قالبٍ يليق بها
 
Comment

sitemap      sitemap

أعلى