أبو الحسن ثابت بن سنان .. كبير أطباء بغداد
عُيِّنَ مشرفاً على صحة المساجين في سجون الدولة العباسية، وعلاجهم وتوفير الرعاية الطبية لهم
من هو ثابت بن سنان ؟
هو أبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة مؤرخٌ وطبيبٌ من بغداد اشتهر بجمعه بين العلوم التجريبية والإنسانية حيث كان أديباً، مؤرِّخاً، و فيلسوفا، كما عُرِف طبيباً ورياضياً فلكياً، كانت له بصمة بارزة في تلك العلوم والفنون، رغم أنه لم ينل نصيبه من الشهرة كباقي علماء عصره.
نسبه ونشأته:-
ازداد ثابت بن سنان في أُسرة ضليعة في العلم والطب ونشأ في بغداد عاصمة الخلافة العباسية ومحور العلم في ذلك الوقت، كان والده طبيباً بارعاً تم تعيينه من طرف الوزير أبو عيسى بن الجراح مسؤولاً على علاج المساجين في سجون العباسية وليتولى توفير الأدوية والرعاية الصحية اللازمة لهم، وخولَّه ذلك إدارة البيمارستانات ببغداد وغيرها من الأقطار التابعة للخلافة العباسية، أما جدَّهُ فهو ثابت بن قرة الذي برز اسمه كواحد من أبرز أطباء القرن الثالث الهجري.
مكانة ثابت بن سنان العلمية:-
عاصر ثابت بن سنان حُكم عدد من خلفاء الدولة العباسية، من أبرزهم الخليفة الراضي والخليفة المتقي بالله، المستكفي بالله، والمطيع والذين كانت جمعته بهم معهم علاقات وثيقة.وقد مكنته معرفته إلى جانب قربه من رجال السلطة آنذاك من نيل مناصب مشرفة، إذ عينه الوزير “أبو عيسى بن الجراح” على رأس المشرفين على صحة المساجين في سجون الدولة العباسية، وعلاجهم وتوفير الرعاية الطبية لهم، كما تولى فيما بعد مسؤولية رئاسة بيمارستان بغداد الشهير خلفًا لأبيه، وليصبح إثر ذلك كبير أطباء بغداد.
إلى جانب براعة ثابت بن سنان في المجال الطبي؛ عُرِف علَّامتنا في مجال التاريخ أيضاً حيث كان مؤلفاً مرجعاً مهماً أخد عنه كبار المؤرخين الذين جاؤوا من بعده، وقد عُرف في هذا المجال نتيجة لتأريخه أحداث العالم الإسلامي خلال الفترة الممتدة من خلافة الخليفة المقتدر بالله العباسي حوالي عام 295 هـ/908 م إلى ما قبل وفاته بنحو عامين.
وقد كان أسلوب تأريخه لهذه الفترة على منوال مؤلف “تاريخ الطبري”، وصار على نهجه وتبنى أسلوبه في العرض والتصنيف. لكن بفعل تعاقب الفتن فُقد هذا المؤلف الثمين فلم يصلنا منه سوى بعض النصوص والشذرات.
تعاطى ابن سنان مهنة التدريس أيضاً، فكان يدرس المؤلفات الاغريقية، من قبيل مصنَّفات ابقراط و جالينوس، وقد تخرَّج على يده عدد من الطلاب في مدينة بغداد، كما ساهم ابن سنان في ترجمة عدد من المؤلفات الطبية من اللغات اليونانية والسريانية وتفسيرها وإضافة معلومات جديدة عليها، إذ كان علامتنا متقنا لهذه اللغات وعالماً بأصولها.
ثابت بن سنان بن قرة عاش في عاصمة الخلافة العباسية.
مما ورد في كفاءته:-
ومن الأحداث التي وقعت في حياة الطبيب ثابت بن سنان فتداولها العرب من باب الاعتراف بكفاءة هذا الرجل، أن ابن مقلة سُجن وبتِرَت يده بأمر من الخليفة القاهر وبإشارة من ابن رائق قائد الجيوش. وعندما زاد ألم ابن مقلة امر الخليفة الراضي بالله باستدعاء الطبيب ثابت بن سنان لعلاج ابن مقلة وتخفيف ألمه، وعندما دخل الطبيب وجده جالساً شاحب اللون هزيل الجسد في قمة القلق والوجع، متورم اليد، وفي مكان القطع ثوب غليظ أسود اللون مربوط بخيط قنب.وقد جاء على لسان ابن سنان: “فحللت الخيط ونحّيت الخِرقة فوجدت تحتها على موضع القطع سرْجين الدواب (أي الزبل)، وقد ابتدأ الساعد يسودُّ، فأمرت أن يجعل الكافور موضع السرجين، وأن يطلى الذراع بالصندل وماء الورد والكافور، فشفي”.
حدوث هذه العلَّة عن حدَّة صفراء تنصب إلى الأمعاء فتعمل فيها عمل الكيّ أو حموضة السَّوداء أو مُلوحة البلغم، وقد يعرض عن استطلاق البطن الذي يعرض عن ورم الأمعاء، ويحدُث عن انفتاح أفواه العُروق التي في لفايف الأمعاء الدِّقاق في المعا المنتصبة في رأسه الأعلى، وقد يعرض عن دمٍ حادٍّ ينصب من الكَبِد، وعلاجهُ: أن يُسقى صمغاً عربياً مسحوقاً من درهمين إلى أربعة برب الآس، أو ماء سويق الشَّعير أو بماء بارد أو ماء لبن مطبوخ بحجارة محماة أو قطع حديد أو مع رايب مدبر، فإن كان هناك حُمَّى فلا يجب أن يسقى باللبن ويسقى منه سفوف الطِّين.. وصفته: بزر قطونا مقلو جزء بزر الرّيحان نصف جزء صمغ عربي وطين أرمني ونشاء محمَّصة كُّل واحد على حِدته جزء جزء يُجمع ويُسقى منه ثلاث دراهم، وقد يُجمع معه من بزر البقلة ولسان الَحَمل، فإن احتاجَ إلى تقوية؛ خُلِطَ معه شيء من بزر بنج أو أفيون، فإن احتاجَ إلى زيادة قُوَّة ؛ سُقِيَ من أوَّلِ النَّهار أقراص الحماض ويثبت على السّفوف ويُغذى بالأغذية الموصوفة في باب الذرب اللينة منها.
علاجه لمرض السَّحج.
مؤلفات أبو الحسن ثابت بن سنان :-
ترك الطبيب والعالم أبو الحسن ثابت بن سنان بن قرة كتباً عديدة، قدرت بحوالي 150 كتاباً، نذكر من هذه الكتب والتصانيف:- كتاب وجع المفاصل والنقرس.
- مقالة في صفة كون الجنين.
- كتاب في الحصى المتولد في الكلى والمثانة.
- كتاب أصناف الأمراض.
- كتاب في الوقفات التي في السكون الذي بين حركتي الشريان المتضادتين.
- كتاب في مساءلة الطبيب للمريض.
- رسالة في الجدري والحصبة.
- كناه المعروف بالذخيرة.
- الذخيرة في علم الطب.
- كتاب في النبض.
ثابت بن سنان وكتابه الذخيرة في الطب :-
كتاب الذخيرة في الطب هو أحد أشهر مؤلفات أبو الحسن ثابت بن سنان ، والذي قال عنه الأخير: إنه يشتمل على ما يحتاج إليه من علم الطب في وصف الدَّاء والدَّواء على ما أوجز ما تهيأ لصاحبه في العلوم الطبيعية، وقد جمعه أيام حياته لابنه سنان بن ثابت ، ويتألف من أحد وثلاثين باباً وهي على النحو التالي:الأول: منها في جوامع كلام يُستعان به على حفظ الصِّحَّة.
الثاني: في الوُقوف على الأمراض الخفية في الأعضاء المتشابهة والأعضاء الآلية.
الثالث: في حِفظ الشَّعر على حاله الطبيعية وتقويته وعلاج ما يتولَّد فيه من الأمراض المُفسدة له من داء الثعلب والحيَّة والانتثار والشقاق والحزاز والسَّعفة الرطبة واليابسة وابتداء الصَّلَع وعلاج تعجيل انباته وعلاج أفنائه وخضابه وعلاج القمل والقمقام.
الرابع: في الأمراض الحادثة في سطح جلدة الوجه من الكَلَف والقوابي والبرش والنَّمش والقروح والثآليل والعدسيات فيه، وسائر ما يُنَقِّي البشَرة، ويبسط جلدته من الغسولات والغُمَر.
الخامس: في أنواع الصُّداع العارض من البرد والحرّ والرُّطوبة واليبس والامتلاء والخواء وأنواع الشقيقة، وما يمنع البُخار الذي يحدث عند ذلك من التصاعُد إلى الرَّأس، وما يقويّه حتى لا يقبل ما يرتفع إليه، وما يُنقِّي الدِّماغ من الأدوية، وما يذكي الذهن، وما يخصُّ نفعها للدِّماغ من الأغذية وما يضرُّه من ذلك.
السَّادس: في السَّكتة والفالج واللقوة والتشنُّج من الرُّطوبة والتشنُّج من اليبس والخَدَر والرَّعشة ورياح الأفرسة وهي أنواع الحدب.
السابع: في الماليخوليا والإبليهيسا والسد والدُّوار والسُّبات من الحرارة والسُّبات من البُرودة وهو الصَّرع والسُّبات السهرى والكابوس.
الثامن: في أمراض العين.
التاسع : في أمراض الأذن.
العاشر: في أمراض الأنف.
الحادي عشر: في أمراض الفم وفيه علاج البخر واللهاة والخوانيق ومن يتخلَّص من خناق السَّد وللغريق إذا تخلَّص.
الثاني عشر: في النزلات والسُّعال وسائر أوجاع الصَّدر والقلب.
الثالث عشر: في أمراض المعدة.
الرابع عشر: في أمراض القولنج.
الخامس عشر: في أنواع الاختلاف.
السادس عشر: في أمراض الكبد والطُّحال وأنواع اليرقان، والاستسقاء مع الحرارة والرد وإدرار العرق وحبسه.
السابع عشر: في أمراض الكلى والمثانة والمذاكير والأنثيين وأوجاع المقعدة.
الثامن عشر: في أمراض النِّساء ما خصص بها دون الرِّجال والسُّمنة.
التاسع عشر: في أنواع النُّقرس وأوجاع المفاصل، وعِرق النساء والمديني أصوب.
العشرون: في العرق المديني والثآليل وعلل الأظافير والداحس والعثرة والعقر الذي يعرض عن ضغط الخفين والشِّقاق في اليدين والرِّجلين.
الحادي والعشرون: في الحكَّة والجَرَب وأنواع الشرى والحصف.
الثاني والعشرون: في جميع الأورام الحارَّة والباردة والرَّطبة واليابسة والسلع والدبيلات وحرق النَّار والماء والدهن والكيّ بالنَّار والأدوية وإصلاح ذلك.
الثالث والعشرون: في الجُذام والبرص والبهق الأسود والأبيض.
الرابع والعشرون: في الجراحات والشجاج وميسل الزجاج والشَّوك والنزف منها ومن سائر الأورام في البدن.
الخامس والعشرون: في السُّموم الملسوعة والمشروبة.
السادس والعشرون: في أنواع الحِميات والجدري والحصبة والبحران وأنواع الغشى الحادث في الحميات وغيرها وشيء من النَّظَر في الماء والمجس.
السابعة والعشرون: في تغيير الأهوية والأمراض الحادثة عنها، وعن علاج ذلك، وتدبير دفع مضرَّة الانتقال في اختلاف الأهوية والمياه والبُلدان.
الثَّامن والعشرون: في الكسر والخلع وغير ذلك من أنواع الوشى.
التاسع والعشرون: في صفة طبائع الأبدان ومنافعها ومضارّها، ووصفة سقيها في أنواعها وأجناسها.
الثلاثون: في صفة طبائع الأنبذة ومنافعها ومضارَّها وتدبير شربها وعلاج الخمار وطبع المياه وخاصية أفعالها.
الحادي والثلاثون: في الباه وقطع شهوة الجِماع من الرِّجال والنِّساء.
ضياع معظم مؤلفات ثابت بن سنان .
وفاته:-
توفي ثابت بن سنان في بغداد بعد عمر مديد من التعلّم والتعليم، وخدمة المرضى والتأليف، وذلك يوم 11 ذي القعدة 365 هـ/11 يوليو 975 م.اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : أبو الحسن ثابت بن سنان .. كبير أطباء بغداد
|
المصدر : علماء ومفكرين