تواصل معنا

مسألة : وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها. وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد...

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
مسألة :

وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها.

وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال : وقال ابن سيرين :

إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب ، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية :

فاستعذ وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب . وقال بعضهم :

كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته ، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
مسألة :

وقال الشافعي في الإملاء:

يجهر بالتعوذ حكم الجهر بالاستعاذة ، وإن أسر فلا يضر.

وقال في الأم:

بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة.

واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى :

هل يستحب التعوذ فيها ؟

على قولين ، ورجح عدم الاستحباب ، والله أعلم .

فإذا قال المستعيذ :

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم :

أعوذ بالله السميع العليم.

وقال آخرون : بل يقول :

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، قاله الثوري والأوزاعي.

وحكي عن بعضهم أنه يقول :

أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لمطابقة أمر الآية ، ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ، والأحاديث الصحيحة - كما تقدم - أولى بالاتباع من هذا ، والله أعلم .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير


مسألة :

ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : بل للصلاة ، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد ، والجمهور بعدها قبل القراءة .

ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث.

وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله.

وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ، ولا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني.

وقال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ].

وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا ، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا ، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير

فصل :

والاستعاذة معناها :

هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ، والعياذة تكون لدفع الشر ، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي :

من ألوذ به فيما أؤمله

ومن أعوذ به ممن أحاذره



لا يجبر الناس عظما أنت كاسره

ولا يهيضون عظما أنت جابره
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
فصل معنى الاستعاذة

#####//###

ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي :

أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف :

( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ].

فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال :

( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ].

وقال تعالى في سورة:

" قد أفلح المؤمنون " :

( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ].

وقال تعالى في سورة حم السجدة :

( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

والشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير. وقيل :

مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ، ومنهم من يقول :

كلاهما صحيح في المعنى ، ولكن الأول أصح ، وعليه يدل كلام العرب ؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان ، عليه السلام :

أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال

فقال :

أيما شاطن ، ولم يقل : أيما شائط .

وقال النابغة الذبياني - وهو :

زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان - :

نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين



يقول : بعدت بها طريق بعيدة .



[ وقال سيبويه :

العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان ولو كان من شاط ، لقالوا : تشيط ] .

والشيطان مشتق من البعد على الصحيح ؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ، قال الله تعالى :

( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] .

وفي مسند الإمام أحمد ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن.

فقلت : أوللإنس شياطين ؟

قال : نعم .



وفي صحيح مسلم عن أبي ذر - أيضا - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود .

فقلت : يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر؟

فقال : الكلب الأسود شيطان .

وقال ابن وهب :

أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال :

ما حملتموني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي .

إسناده صحيح .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
والرجيم معناه : فعيل بمعنى مفعول ، أي :

أنه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى :

( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ].

وقال تعالى :

( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 6 - 10 ].

وقال تعالى :

( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ].

إلى غير ذلك من الآيات .

[ وقيل : رجيم بمعنى راجم ؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر ] .
 
Comment

أسامه

نجوم المنتدي
إنضم
26 يناير 2023
المشاركات
13
مستوى التفاعل
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
بارك الله فيكم
طرح مفيد وجميل
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير

" بسم الله الرحمن الرحيم "
افتتح بها الصحابة كتاب الله ، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، ثم اختلفوا :
هل هي آية مستقلة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من أول كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها [ إنما ] كتبت للفصل ، لا أنها آية ؟ على أقوال للعلماء سلفا وخلفا ، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع .
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم
وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا ، وروي مرسلا عن سعيد بن جبير . وفي صحيح ابن خزيمة ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عنها .
وروى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا .
وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما .
وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا " براءة " :
ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعلي .
ومن التابعين :
عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري.
وبه يقول:
عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله .
وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما :
ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور.
وقال الشافعي في قول ، في بعض طرق مذهبه :
هي آية من الفاتحة وليست من غيرها ، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة ، وهما غريبان .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وقال داود :
هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل .
وحكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله .
هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
فأما ما يتعلق بالجهر بها بسم الله الرحمن الرحيم ، فمفرع على هذا ؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها ، وكذا من قال :
إنها آية من أولها.
وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا ؛ فذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة ، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا ، فجهر بها من الصحابة:
أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاوية.
وحكاه ابن عبد البر ، والبيهقي عن عمر وعلي.
ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة ، وهم :
أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهو غريب .
ومن التابعين :
عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبي قلابة ، والزهري ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأبي وائل ، وابن سيرين ، ومحمد بن المنكدر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وابنه محمد ، ونافع مولى ابن عمر ، وزيد بن أسلم ، وعمر بن عبد العزيز ، والأزرق بن قيس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبي الشعثاء ، ومكحول ، وعبد الله بن معقل بن مقرن .
زاد البيهقي :
وعبد الله بن صفوان ، ومحمد ابن الحنفية .
زاد ابن عبد البر :
وعمرو بن دينار .

والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة ، فيجهر بها كسائر أبعاضها ، وأيضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ :
إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وروى أبو داود والترمذي ، عن ابن عباس :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال الترمذي : وليس إسناده بذاك .
وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : صحيح.
وفي صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
كانت قراءته مدا ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يمد " بسم الله " ، ويمد " الرحمن " ، ويمد " الرحيم .
وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته :
( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين .
وقال الدارقطني : إسناده صحيح .

وروى الشافعي ، رحمه الله ، والحاكم في مستدركه ، عن أنس :
أن معاوية صلى بالمدينة ، فترك البسملة ، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك ، فلما صلى المرة الثانية بسمل .

وفي هذه الأحاديث ، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها ، فأما المعارضات والروايات الغريبة ، وتطريقها ، وتعليلها وتضعيفها ، وتقريرها ، فله موضع آخر .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل ، وطوائف من سلف التابعين والخلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد بن حنبل .

وعند الإمام مالك :
أنه لا يقرأ البسملة بالكلية ، لا جهرا ولا سرا ، واحتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب الحمد لله رب العالمين .
وبما في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال :
صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين .
ولمسلم :
لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها .
ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل ، رضي الله عنه .

فهذه مآخذ الأئمة - رحمهم الله - في هذه المسألة وهي قريبة ؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر ، ولله الحمد والمنة .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير

قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره :
حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني ، حدثنا سلام بن وهب الجندي ، حدثنا أبي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم . فقال :
هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب .

وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، عن سليمان بن أحمد ، عن علي بن المبارك ، عن زيد بن المبارك ، به .

وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال المعلم :
اكتب ، قال ما أكتب ؟
قال : باسم الله.
قال له عيسى : وما باسم الله ؟
قال المعلم : ما أدري .
قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة.

وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب : زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . وهذا غريب جدا ، وقد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات ، والله أعلم .

وقد روى جويبر ، عن الضحاك ، نحوه من قبله .

وقد روى ابن مردويه ، من حديث يزيد بن خالد ، عن سليمان بن بريدة ، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم .

وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران ، عن أبيه ، عن عمر بن ذر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال :
لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه .


[ وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال :
من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ :
بسم الله الرحمن الرحيم ، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد ، ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث :
فقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها لقول الرجل :
ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفا وغير ذلك ] .


وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده :
حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، قال :
سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال :
عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت :
تعس الشيطان .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب .

هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال :
كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال :
لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة . فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل بسم
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة : 2]
القراء السبعة على ضم الدال من قوله : ( الحمد لله وهو مبتدأ وخبر).
وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج أنهما قالا:
الحمد لله بالنصب وهو على إضمار فعل.
وقرأ ابن أبي عبلة : ( الحمد لله بضم الدال واللام إتباعا للثاني
الأول) وله شواهد لكنه شاذ.
وعن الحسن وزيد بن علي :
الحمد لله بكسر الدال إتباعا للأول الثاني .

قال أبو جعفر بن جرير :
معنى الحمد لله الشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد من دونه ، ودون كل ما برأ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، ولا يحيط بعددها غيره أحد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق ، وغذاهم به من نعيم العيش ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه ، من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم ، فلربنا الحمد على ذلك كله أولا وآخرا .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
[ وقال ابن جرير : الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا : الحمد لله ] .

قال : وقد قيل : إن قول القائل : ( الحمد لله ، ثناء عليه بأسمائه وصفاته الحسنى ، وقوله : الشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه ، ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد والشكر مكان الآخر .

[ وقد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق وابن عطاء من الصوفية . وقال ابن عباس : الحمد لله كلمة كل شاكر ، وقد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل : الحمد لله شكرا ] .

وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر ؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية ، والشكر لا يكون إلا على المتعدية ، ويكون بالجنان واللسان والأركان ، كما قال الشاعر :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا

ولكنهم اختلفوا : أيهما أعم ، الحمد أو الشكر ؟ على قولين ، والتحقيق أن بينهما عموما وخصوصا ، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه ؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية ، تقول : حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه . وهو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول ، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه ، لأنه يكون بالقول والعمل والنية ، كما تقدم ، وهو أخص ؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية ، لا يقال : شكرته لفروسيته ، وتقول : شكرته على كرمه وإحسانه إلي . هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين ، والله أعلم .
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري : الحمد نقيض الذم ، تقول : حمدت الرجل أحمده حمدا ومحمدة ، فهو حميد ومحمود ، والتحميد أبلغ من الحمد ، والحمد أعم من الشكر . وقال في الشكر : هو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف ، يقال : شكرته ، وشكرت له . وباللام أفصح .

[ وأما المدح فهو أعم من الحمد ؛ لأنه يكون للحي وللميت وللجماد - أيضا - كما يمدح الطعام والمال ونحو ذلك ، ويكون قبل الإحسان وبعده ، وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضا فهو أعم ] .

ذكر أقوال السلف في الحمد

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو معمر القطيعي ، حدثنا حفص ، عن حجاج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال عمر : قد علمنا سبحان الله ، ولا إله إلا الله ، فما الحمد لله ؟ فقال علي : كلمة رضيها الله لنفسه .

ورواه غير أبي معمر ، عن حفص ، فقال : قال عمر لعلي ، وأصحابه عنده : لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، قد عرفناها ، فما الحمد لله ؟ قال علي : كلمة أحبها [ الله ] لنفسه ، ورضيها لنفسه ، وأحب أن تقال .

وقال علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، قال : قال ابن عباس : الحمد لله كلمة الشكر ، وإذا قال العبد : الحمد لله ، قال : شكرني عبدي . رواه ابن أبي حاتم .

وروى - أيضا - هو وابن جرير ، من حديث بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : أنه قال : الحمد لله هو الشكر لله والاستخذاء له ، والإقرار له بنعمه وهدايته وابتدائه وغير ذلك .

وقال كعب الأحبار : الحمد لله ثناء الله . وقال الضحاك : الحمد لله رداء الرحمن . وقد ورد الحديث بنحو ذلك .

قال ابن جرير : حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني عيسى بن إبراهيم ، عن موسى بن أبي حبيب ، عن الحكم بن عمير ، وكانت له صحبة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قلت : الحمد لله رب العالمين ، فقد شكرت الله ، فزادك .

وقد روى الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا روح ، حدثنا عوف ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، قال : قلت : يا رسول الله ، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي ، تبارك وتعالى ؟ فقال : أما إن ربك يحب الحمد .

ورواه النسائي ، عن علي بن حجر ، عن ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، به .

وروى الترمذي ، والنسائي وابن ماجه ، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير ، عن طلحة بن خراش ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله . وقال الترمذي : حسن غريب .

وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ . وقال القرطبي في تفسيره ، وفي نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال : الحمد لله ، لكان الحمد لله أفضل من ذلك . قال القرطبي وغيره : أي لكان إلهامه الحمد لله أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا ؛ لأن ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى ، قال الله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا [ الكهف : 46 ] . وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم : أن عبدا من عباد الله قال : يا رب ، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها ، فصعدا إلى السماء فقالا يا رب ، إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها ، قال الله - وهو أعلم بما قال عبده - : ماذا قال عبدي ؟ قالا يا رب إنه قد قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . فقال الله لهما : اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها .

وحكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا : قول العبد : الحمد لله رب العالمين ، أفضل من قول : لا إله إلا الله ؛ لاشتمال " الحمد لله رب العالمين " على التوحيد مع الحمد ، وقال آخرون : لا إله إلا الله أفضل لأنها الفصل بين الإيمان والكفر ، وعليها يقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله كما ثبت في الحديث المتفق عليه وفي الحديث الآخر في السنن : أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وقد تقدم عن جابر مرفوعا : أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله . وحسنه الترمذي .

والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد ، وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث : اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله الحديث .

رب العالمين والرب هو : المالك المتصرف ، ويطلق في اللغة على السيد ، وعلى المتصرف للإصلاح ، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى .

[ ولا يستعمل الرب لغير الله ، بل بالإضافة تقول : رب الدار ، رب كذا ، وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل ، وقد قيل : إنه الاسم الأعظم ] . والعالمين : جمع عالم ، [ وهو كل موجود سوى الله عز وجل ] ، والعالم جمع لا واحد له من لفظه ، والعوالم أصناف المخلوقات [ في السماوات والأرض ] في البر والبحر ، وكل قرن منها وجيل يسمى عالما أيضا .

قال بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] الحمد لله الذي له الخلق كله ، السماوات والأرضون ، ومن فيهن وما بينهن ، مما نعلم ، وما لا نعلم .

وفي رواية سعيد بن جبير ، وعكرمة ، عن ابن عباس : رب الجن والإنس . وكذلك قال سعيد بن جبير ، ومجاهد وابن جريج ، وروي عن علي [ نحوه ] . وقال ابن أبي حاتم : بإسناد لا يعتمد عليه .

واستدل القرطبي لهذا القول بقوله : ( ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] وهم الجن والإنس . وقال الفراء وأبو عبيدة : العالم عبارة عما يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين ولا يقال للبهائم : عالم ، وعن زيد بن أسلم وأبي عمرو بن العلاء : كل ما له روح يرتزق . وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم - وهو آخر خلفاء بني أمية ويعرف بالجعد ويلقب بالحمار - أنه قال : خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السماوات وأهل الأرض عالم واحد وسائر ذلك لا يعلمه إلا الله ، عز وجل .

وقال قتادة : رب العالمين ، كل صنف عالم . وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى رب العالمين قال : الإنس عالم ، والجن عالم ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم ، أو أربعة عشر ألف عالم ، هو يشك ، من الملائكة على الأرض ، وللأرض أربع زوايا ، في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم ، وخمسمائة عالم ، خلقهم [ الله ] لعبادته . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .

[ وهذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الفرات ، يعني ابن الوليد ، عن معتب بن سمي ، عن تبيع ، يعني الحميري ، في قوله : رب العالمين قال : العالمين ألف أمة فستمائة في البحر ، وأربعمائة في البر .

[ وحكي مثله عن سعيد بن المسيب ] .

وقد روي نحو هذا مرفوعا كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده :

حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبيد بن واقد القيسي ، أبو عباد ، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قل الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها فسأل عنه ، فلم يخبر بشيء ، فاغتم لذلك ، فأرسل راكبا يضرب إلى اليمن ، وآخر إلى الشام ، وآخر إلى العراق ، يسأل : هل رئي من الجراد شيء أم لا ؟ قال : فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد ، فألقاها بين يديه ، فلما رآها كبر ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خلق الله ألف أمة ، ستمائة في البحر وأربعمائة في البر ، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد ، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه . محمد بن عيسى هذا - وهو الهلالي - ضعيف .

وحكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال : لله ألف عالم ؛ ستمائة في البحر وأربعمائة في البر ، وقال وهب بن منبه : لله ثمانية عشر ألف عالم ؛ الدنيا عالم منها . وقال مقاتل : العوالم ثمانون ألفا . وقال كعب الأحبار : لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز وجل . نقله كله البغوي ، وحكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : إن لله أربعين ألف عالم ؛ الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها ، وقال الزجاج : العالم كل ما خلق الله في الدنيا والآخرة . قال القرطبي : وهذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين ، كقوله : قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين والعالم مشتق من العلامة ( قلت ) : لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته كما قال ابن المعتز :

فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,143
مجموع اﻻوسمة
10
تفسير سورة الفاتحة لابن كثير
( الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة : 3]
وقوله : ( الرحمن الرحيم ) تقدم الكلام عليه في البسملة بما أغنى عن إعادته .

( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : 4]
قرأ بعض القراء : ملك يوم الدين وقرأ آخرون : مالك .
وكلاهما صحيح متواتر في السبع .
ويقال : مليك أيضا.
وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ : ملكي يوم الدين وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى ، وكلاهما صحيحة حسنة ، ورجح الزمخشري " ملك " ؛ لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله :
( لمن الملك اليوم)
وقوله :
( قوله الحق وله الملك)
وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ ملك يوم الدين على أنه فعل وفاعل ومفعول ، وهذا شاذ غريب جدا .
وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئا غريبا حيث قال :
حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرمي ، حدثنا عبد الوهاب عن عدي بن الفضل ، عن أبي المطرف ، عن ابن شهاب : أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون :
( مالك يوم الدين)
وأول من أحدث ملك مروان .
قلت : مروان عنده علم بصحة ما قرأه ، لم يطلع عليه ابن شهاب ، والله أعلم .

وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها :
( مالك يوم الدين) ومالك مأخوذ من الملك ، كما قال :
( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) [ مريم : 40 ]
وقال :
( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) [ الناس : 1 ، 2 ]
وملك : مأخوذ من الملك كما قال تعالى :
( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [ غافر : 16 ]
وقال : ( قوله الحق وله الملك ) [ الأنعام : 73 ]
وقال : ( الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) [ الفرقان : 26 ] .

وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين ، وذلك عام في الدنيا والآخرة ، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئا ، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه ، كما قال :
( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ]
وقال تعالى : ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) [ طه : 108 ].
وقال : ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 105 ] .

وقال الضحاك عن ابن عباس :
( مالك يوم الدين)
يقول : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما ، كملكهم في الدنيا.
قال : ويوم الدين يوم الحساب للخلائق ، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، إلا من عفا عنه . وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف ، وهو ظاهر .

وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ، ثم شرع يضعفه .

والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم ، وأن كلا من القائلين بهذا وبما قبله يعترف بصحة القول الآخر ، ولا ينكره ، ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا ، كما قال :
( الملك يومئذ الحق للرحمن ) [ الفرقان : 26 ]
والقول الثاني يشبه قوله :
( ويوم يقول كن فيكون) [ الأنعام : 73 ] والله أعلم .

والملك في الحقيقة هو الله عز وجل ؛ قال الله تعالى :
( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا :
أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله ، وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض ؟
أين الجبارون ؟
أين المتكبرون ؟
وفي القرآن العظيم :
( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار)
فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى :
( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) ،( وكان وراءهم ملك)،( إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا)
وفي الصحيحين :
( مثل الملوك على الأسرة ) .

والدين الجزاء والحساب ؛ كما قال تعالى :
( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق)
وقال : ( أئنا لمدينون) أي مجزيون محاسبون.
وفي الحديث : الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت أي حاسب نفسه لنفسه. كما قال عمر رضي الله عنه :
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم :
( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) .
 
Comment

sitemap      sitemap

أعلى