
رسائل لن تصل…
لم أكتبك لتقرئي، بل لأتذكّر أنني ذات يومٍ كنتُ أُحسن الإصغاء لروحي حين تناديك.
هذه ليست رسائل حبٍّ تقليدية، بل بقايا ضوءٍ نجا من العتمة. كتبتُها لأن الصمت وحده لم يعد يكفي، ولأن بعض المعاني لا تُقال وجهًا لوجه دون أن تفقد طهارتها.
كلّ رسالةٍ منها تمشي عاريةً من الرجاء،
تحملني أكثر مما أحملها، وأعرف أنّها لن تصل…
لكن ما قيمة الوصول، إذا كانت الكتابة ذاتها نوعًا من الخلاص؟
في الرسالة الأولى،
أقول: إنّكِ كنتِ احتمالاً جميلاً لحياةٍ أعمق.
وفي الثانية: أنّي لم أندم على اللقاء، بل على الأشياء التي لم نجرّبها لأننا خفنا أن نخسرها.
وفي الثالثة: أنّي تعلّمت من فُقدك كيف يُصبح الإنسان وطنًا لنفسه.
ثم توقّفتُ عن العدّ،
فالأرقام لا تُقاس بها القلوب. منذ زمنٍ صرتُ أترك الرسائل على حافة الليل،
أربّت عليها كأنّها طيورٌ صغيرة لا تعرف طريق العودة.
لستُ أكتب لأستنجد،
ولا لأُصلح ما انكسر.
أنا فقط أُعيد ترتيب ذاكرتي كما يُعيد البحرُ شكلَه بعد العاصفة:
موجةً أقلّ، لكن أكثر نقاءً.
كلّ رسالةٍ تُغادرني تأخذ شيئًا منّي، وكلّ صمتٍ يجيء بعدَها يعيدني إليّ أكثر.
تلك هي المعادلة التي لم يفهمها الغائبون:
أنّنا نكتب لا لنُعيد من ذهب، بل لنُكمل الطريق من دونهم دون أن نصير قساة.
ربما لن تصلك هذه الرسائل أبدًا، لكنّي واثق أنّ شيئًا ما في هذا الكون سيهتزّ باسمك حين تمرّ كلماتي في الأفق.
فالحنين طاقةٌ لا تفنى، وما يُكتب بصدقٍ يصل وإن لم يُقرأ.
لهذا أكتب، وأترك الورق مفتوحًا للريح،
علّها — بالصدفة — تلتقي روحك في جهةٍ لا أعرفها.
وحينها، لن تكون الرسائل قد ضاعت،
بل وصلت إلى حيث كان يجب أن تصل منذ البداية
