تواصل معنا

كلنا نتفق أن هنالك الكثير من الشخصيات التاريخية العربية ساهمت كثيرا في التاريخ كانت لها بصمة قوية في هذه المساحة كل يوم سنعطي شخصية وقصة أتمنى أن تشاركوني...

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
54,750
مستوى التفاعل
62,576
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
23
شخصيات تاريخية عربية...كل يوم شخصية

كلنا نتفق أن هنالك الكثير من الشخصيات التاريخية
العربية ساهمت كثيرا في التاريخ كانت لها بصمة قوية

في هذه المساحة كل يوم سنعطي شخصية وقصة

أتمنى أن تشاركوني


أطيب التحايا لكم🌺
 

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
54,750
مستوى التفاعل
62,576
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
23
شخصيات تاريخية عربية...كل يوم شخصية
الشخصية الأولى

سيد الخلق محمد نبينا الكريم

صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

بعدما رفع الله نبي الله عيسى بن مريم إلى السماء ونجاه من القوم الكافرين ظلت الأرض ما يقارب 6 قرون بلا نبي أو رسول فانتظر الكفر بالله فأذن الله أن يرحم البشرية بخاتم النبيين والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
ولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عام الفيل، ولما ولد هدمت شرفات ايوان كسرى وانطفأت نار المجوس ورجمت الشياطين في السماء بمولد محمد صلى الله عليه وسلم.

ولد يتيمًا فأواه جده عبد المطلب وفرح به ثم لما توفى آواه عمه أبو طالب، وأمه وهو صغير توفيت فأرضعته حليمة السعدية ولما جاءها محمد صلى الله عليه وسلم كان خيرا لها، وبارك الله في غنمها وأموالها وشياهها.

كان وهو صبي يلعب عند حليمة جاءه جبريل عليه السلام ففزع الأولاد وهربوا وبدأ يشق صدره ثم أخرج قلبه وغسله وأخرج حظ الشيطان منه، ثم أرجع قلبه والتأم صدره مرة أخرى.

حفظه الرب عز وجل منذ صغره فلم يسجد لصنم قط ولم يشرب خمر ولم يأتِ فاحشة، ورعى الغنم حاله كحال الأنبياء.

أول زوجة يتزوجها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
تزوج النبي محمد عليه السلاة والسلام من السيدة خديجة بنت خويلد فكانت نعم الزوجة والرفيقة والصاحبة بل لما خرج في تجارة رآه أحد الرهبان واسمها بحيرة قال مَن يرعى هذا الشاب؟ قال إنه عمه أبو طالب فقال الراهب بحيرة: هذا سيكون له شأن كبير وسيكون نبي هذه الأمة.

قال ما أدراك؟!

قال ما جلس أحد في هذا المكان إلا وكان نبي ورأيته يجلس فيه، ثم إن الغمام يظلله حيث شاء ثم رأيت في كتفه خاتم النبوة إنه محمد سيد الأولين والآخرين خير من وطأت قدمه الثرى على هذه الأرض.

أحبه أهل مكة حتى سموه صديقا أمينا فهو الصادق الأمين الذي أحبه كل أهل مكة بلا استثناء وترعرع في مكة المكرمة.

النبي محمد قبل البعثة يختلي بنفسه في الغار
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختلي بنفسه في مكان يسمى غار حراء ويتعبد الله عز وجل فيه ويجلس الأيام والليالي وربما قضى شهرا كاملا في غار حراء لوحده في ظلام الليل وحر النهار وخديجة بنت خويلد تأتيه بالطعام والشراب وكان يجلس ويتعبد الله، ولا ندري.

نزول جبريل على محمد في غار حراء
لكن بينه وبين ربه ربما دعاء أو ذكر أو تسبيح ويجلس في الأيام والليالي وفي ليلة ظلماء كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الغار وفجأة جاءه شيء من وراءه فضمه ولم يستطع التحرك فقال له هذا الشيء: اقرأ. قال أنا : ما أنا بقاريء. قال : اقرأ. قال : ما أنا بقاريء. قال اقرأ: قال ما أنا بقاريء.

قال له اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم.

إنها بداية البعثة وأول قطرة من قطرات الوحي. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى زوجته خديجة بنت خويلد ويقول لها زملوني زملوني دثروني دثروني.

وبدأ النبي يبلغ الناس وذهبت به خديجة بنت خويلد إلى ورقة ابن نوفل فأخبره ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي.

النبي يبلغ الناس بأنه مرسل من الله
بعد بعثته عليه الصلاة والسلام قام على جبل الصفا يبلغ الناس الدين فقال أيها الناس إني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٌ شديد.

وأول من رد عليه عمه أبو لهب قال له تبًا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟!

وعذب أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم فبلال ابن رباح يعذب على الرمضاء ويوضع الصخر على رأسه ويقول أحد أحد.

عمار ابن ياسر تذبح أمه أمامه ويذبح أبوه والنبي يمر عليهم وهم يتعذبون يقول لهم صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.

خباب ابن الأرت يوضع على الجمر حتى يشوى ظهره ويذكرهم بالأمم السابقة يقول لهم كان يؤت بأحدهم في حفرة ويوضع المنشار على رأسه ويفرق نصفين ما يرده ذلك عن دينه شيئًا.

الكفار يعذبون ويقتلون أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم
يطوف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت فيخنق حتى كاد يقتل فما كان يدفعه عنه إلا صاحبه أبو بكر الصديق.

يوم من الأيام كان يسجد في الكعبة فيوضع على راسه سلى الجزور قذارة ناقة بعدما أن ولدت حملوها ورموها على ظهره.

ومرت 13 سنة من الضرب والتعذيب والقتل حتى التجويع لمن يتبعون محمد عليه الصلاة والسلام، وحاصر الكفار محمد وأتباعه 3 سنوات حتى أن البعض كان يأكل ورق البشر وصبر النبي وذهب إلى الطائف يبلغهم بالدين فتبعوه بالحجارة جاءه الملك يقول دعني أطبق عليهم الأخشبين فرد عليه قائلا لا أرجو أن يخرج الله من أًصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا.
 
Comment

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
54,750
مستوى التفاعل
62,576
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
23
شخصيات تاريخية عربية...كل يوم شخصية
يتبع...

الهجرة إلى المدينة المنورة والمشركون يطاردون النبي
لما اشتد البلاء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة المنورة وصاحب أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم وفي ليلة الهجرة نام الإمام علي بن أبي طالب في فراش النبي، وخرج

النبي إلى غار ثور مع أبي بكر وقبل أن يدخل الغار دخل أبو بكر فوجد فيه جحرين غطى أحدهما بثوبه والآخر برجله ونام النبي على رجل أبي بكر ولسعت دابة رجل أبي بكر الصديق ولم يتحرك فدمعت عيناه فسقط جزء منها على خد النبي صلى الله عليه وسلم فاستيقظ قال له مالك يا أبا بكر. قال لا شيء لسعني شيء برجلي، قال أرني رجلك يا أبا بكر فدعا لها ونفث عليها فبرأت.

وظل النبي مع أبي بكر في الغار ليلة كاملة وفي الصباح كان المشركون يبحثون عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصلوا إلى باب الغار فوقفوا عند باب الغار فبكى أبو بكر قال ما يبكيك يا أبي بكر. قال لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا يا رسول الله قال ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!

وظل النبي ورسول الله أيام في هذا الغار، حتى أذن الله له بالذهاب للمدينة المنورة. وتبعهم سراقة وكان مشركا قبل اسلامه فوصل للنبي وابي بكر فنظر خلفه. قال ابو بكر انه سراقة يا رسول الله فقال لا عليك ما ظنك باثنين الله ثالثهما.

وفعلا ساخت قوائم فرس سراقة ولم يستطع القيام.

فرجع النبي إليه يقول يا سراقة هل لك أن ترجع وتعمي علينا ؟

قال وما لي يا محمد؟

قال لك سوار كسرى!!

وفعلا عم عليهم ووصل النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق ووصلا إلى المدينة المنورة واستقبلهم الناس أحسن استقبال.

دولة الاسلام بدءا من المدينة المنورة
عاش النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد الهجرة وكان فيها يهود سالمهم وعاهدهم لكنهم غدروا وأرادوا قتله، وقتل من قتل وأجلى من أجل منهم وأسس الدولة الاسلامية وأقام الجهاد في سبيل الله وانتصر في أول معركة له مع المشركين في بدر.

فتح مكة المكرمة والجهاد في سبيل الله
وفي أحد أصيب واستشهد بعض أصحابه وتجمع المشركون والأحزاب حوله في الخندق فنصره الله وأيده وفتح الله عليه في الحديبية فتحا مبينًا وفي السنة الثامنة رجع إلى مكة المكرمة فاتحًا، إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا.

وظل حياته يجاهد في سبيل الله ويقاتل أعداء الله عز وجل، ونشر الدعوة في كل مكان وأرسل الرسل وبعث الناس بالكتب ووجه هذه الأمة إلى دينها وعلمهم أخلاقهم وكان يقاتل في حنين وهو عمره أكثر من ستين سنة.

وكان يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب.

قاتل في سبيل الله ولم يخش أحد في الله، كان يعلم أصحابه الجهاد والقتال.

ومكث في المدينة عشر سنين من جهاد لآخر حتى وعد أصحابه بفتح بيت المقدس وبفتح مشارق الأرض ومغاربها وأسس أمة إسلامية ودولة إلى اليوم بقيت آثارها وبقيت دعوته وبلغ الرسالة وأدى الأمانة وقاتل في سبيل الله وجاهد في الله حق جهاده حتى لقى ربه عز وجل.

نبينا كان على كبر سنه يجلس مع الوفود حتى من غير المسلمين من أديان شتى يعلمهم شؤون دينهم، وأموره.

كان النبي أعبد الناس لربه وكان يكثر من الصيام والليل كان لله عز وجل وكل ليلة كان يقوم الليل بل كان أحيانا يتجاوز نصف الليل وأكثره.
 
Comment

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
54,750
مستوى التفاعل
62,576
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
23
شخصيات تاريخية عربية...كل يوم شخصية
يتبع

وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
حج الرسول عليه الصلاة والسلام في السنة العاشرة وسميت الحجة بحجة الوداع فقد كان يقول لأصحابه خذوا عني مناسككم فلعلي لا أراكم بعد عامي هذا.

ولما رجع من الحج وفي بداية السنة 11 للهجرة أحس النبي صلى الله عليه وسلم بمرض وازداد به المرض واشتد به الصداع واستأذن أزواجه أن يبيت في بيت عائشة رضى الله عنها فبات عندها ليال طوال واشتد المرض به وكان يقوم يحمل إلى الصلاة.

وفي ليلة من الليالي جاءه بلال ابن رباح يؤذنه بالصلاة فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أصلى الناس قال لا يا رسول الله إنهم ينتظرونك. ثم قال النبي وقد أعلته الحرارة والحمى قال أريقوا علي ماء فصبوا عليه ماء وإذا به يحس بشيء من نشاط فيقوم فلما قام اشتد المرض به فسقط على الأرض وأغمى عليه ثم حمل إلى الفراش ثم قام فقال أصلى الناس فقالوا لا يا رسول الله إنهم ينتظرونك فقال أريقوا علي ماء فصبوا عليه ماء ثم قام ليذهب إلى المسجد فلم يستطع فسقط ثم عاد مرة أخرى إلى الفراش فظل هكذا حتى قال لـ بلال مر أبا بكر فليصل بالناس.

فجاء بلال يأمر أبا بكر أن يصلي بالناس ولأول مرة يصلي رجلٌ آخر بالصحابة والرسول موجود.

فحزنت المدينة واشتد الهم لا يأتي النبي ليصلي الصلوات هكذا، ظل ثلاث ليال بالفراش لا يستطيع أن يصلي بالناس حتى أحس بالنشاط في يوم من الأيام فقام صلى الله عليه وسلم وخطب بالناس وصلى بهم ثم قال إن الله عز وجل خيّر عبدًا بين هذه الدنيا وزهرتها وبين ما عنده فاختار العبد ما عند الله عز وجل، ولم يخبرهم أنه هو فإذا بأبي بكر يبكي بين الناس لأنه علم أنه نعيٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم الصلاة التي بعدها لم يستطع الخروج إليهم فانتشر الحزن بين الناس وعلاهم الغم والهم.

في اليوم الأخير نادى أهل بيته فاطمة رضى الله عليهم وآل بيتهم يوصيهم ويذكرهم، فبكت فاطمة وقالت واكرب ابتاه واكرب ابتاه فقال لا كرب على أبيكِ بعد اليوم.

ولما جاء الضحى كان لوحده مع السيدة عائشة رضى الله عنها ووضعه بين سحرها ونحرها ثم قال بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى.

ثم توفى صلى الله عليه وسلم وانتشر الخبر بالمدينة والناس بين مصدق ومكذب أما عمر ابن الخطاب رضى الله عنه فقال من قال أنه مات لأضربنه بالسيف. ثم جاء أبو بكر ودخل عليه وكشف الغطاء عنه ورآه ميتًا فقبله بين عينيه ثم خرج إلى الناس وقال لهم أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت، ثم قرأ : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين".

ومات النبي صلى الله عليه وسلم ودفن بعد يومين وإذا بفاطمة تقول للذين دفنوه كيف طاوعتكم قلوبكم أن تحثوا التراب على رسول الله. يقول أنس ابن مالك لما قدم المدينة أنار كل شيء ولما مات أظلم في المدينة كل شيء.

وهكذا طويت آخر صفحة من صفحات قصص الأنبياء عليه الصلاة والسلام خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم. توفى حاله كحال جميع البشر...

وبهذا أنهينا قصة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.


أنتهى


منقول...،
 
Comment

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
54,750
مستوى التفاعل
62,576
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
23
شخصيات تاريخية عربية...كل يوم شخصية
حياته قبل الإسلام
نسبه

تخطيط لاسم أبي بكر الصديق ملحوق بدعاء الرضا عنه
هو: «عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان التيمي القرشي»، يلتقي مع النبي محمد في الجد السادس مرة بن كعب.
أبوه: «أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي القرشي»، وأم أبي قحافة: «قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب». أسلم يوم فتح مكة، وعاش بعد ابنه أبي بكر وورثه، وهو أول من ورث خليفة في الإسلام، إلا أنه رد نصيبه من الميراث على ولد أبي بكر، وتوفي سنة 14هـ وله سبع وتسعون سنة.
أمه: «أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمية القرشية». أسلمت في مكة قبل الهجرة مع ابنها أبي بكر، وتوفيت قبل أبي قحافة.



مولده ونشأته

منظر عام لمكة، حيث ولد أبو بكر وترعرع.
ولد أبو بكر في مكة سنة 573م بعد عام الفيل الذي وُلد فيه النبي محمد بسنتين وستة أشهر، فكان أصغر عُمراً منه، ولم يختلف العلماء في أن أبا بكر وُلد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم قال بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر ولم يحددوا عدد الأشهر.

وقد نشأ أبو بكر وترعرع في مكة، وكان من رؤساء قريش وأشرافها في الجاهلية، محبباً فيهم، مألفاً لهم، وكان إليه الأشناق في الجاهلية، والأشناق هي الدِّيات، وكان إذا حمل شيئاً صدَّقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيرُه خذلوه ولم يصدقوه. ويُقال أن الشرف في قريش في الجاهلية كان قد انتهى إلى عشرة رهط من عشرة أبطن، منهم العباس بن عبد المطلب من بني هاشم، وأبو سفيان بن حرب من بني أمية، وعثمان بن طلحة بن زمعة بن الأسود من بني أسد، وأبو بكر من بني تيم، وخالد بن الوليد من بني مخزوم، وعمر بن الخطاب من بني عدي، وصفوان بن أمية من بني جمح، وغيرهم.


دير الراهب بحيرى في بصرى في الشام.
وقد اشتهر أبو بكر في الجاهلية بصفات عدة، منها العلم بالأنساب، فقد كان عالماً من علماء الأنساب وأخبار العرب، وله في ذلك باعٌ طويل جعله أستاذ الكثير من النسابين كعقيل بن أبي طالب وجبير بن مطعم وغيرهما، وكانت له صفة حببته إلى قلوب العرب، وهي أنه لم يكن يعيب الأنساب، ولا يذكر المثالب بخلاف غيره، وقد كان أبو بكر أنسبَ قريش لقريش وأعلمَ قريش بها وبما فيها من خير وشر، وقد رُوي أن النبي محمداً قال: «إن أبا بكر أعلمُ قريش بأنسابها»».

وقد كان أبو بكر تاجراً، قال ابن كثير: «وكان رجلاً تاجراً ذا خُلُق ومعروف، وكان رجالُ قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه وتجارته وحسن مجالسته». وقد ارتحل أبو بكر للتجارة بين البلدان حتى وصل بصرى من أرض الشام، وكان رأس ماله أربعين ألف درهم، وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عُرف به في الجاهلية. ويروى أن أبا بكر قد رأى رؤيا عندما كان في الشام، فقصها على بحيرى الراهب، فقال له: «من أين أنت؟» قال: «من مكة»، قال: «من أيها؟» قال: «من قريش»، قال: «فأي شيء أنت؟» قال: «تاجر»، قال: «إن صدق الله رؤياك، فإنه يبعث بنبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته»، فأَسرَّ أبو بكر ذلك في نفسه.

ويقال أن أبا بكر لم يكن يشرب الخمر في الجاهلية، فقد حرمها على نفسه قبل الإسلام، وكان من أعف الناس في الجاهلية، قالت السيدة عائشة: «حرم أبو بكر الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا في إسلام، وذلك أنه مر برجل سكران يضع يده في العذرة، ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرفها عنه، فقال أبو بكر: إن هذا لا يدري ما يصنع، وهو يجد ريحها فحماها». وقد سأل أحدُ الناس أبا بكر: «هل شربت الخمر في الجاهلية؟»، فقال: «أعوذ بالله»، فقيل: «ولمَ؟» قال: «كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً لعرضه ومروءته». كما رُوي أن أبا بكر لم يسجد لصنم قط، فقد قال أبو بكر في مجمع من الصحابة: «ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي، فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: «هذه آلهتُك الشمُّ العوالي»، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: «إني جائع فأطعمني» فلم يجبني، فقلت: «إني عار فاكسني» فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه».



حياته بعد الإسلام في مكة
إسلامه
كان إسلام أبي بكر وليد رحلة طويلة في البحث عن الدين الذي يراه الحق، والذي ينسجم برأيه مع الفطرة السليمة ويلبي رغباتها، فقد كان بحكم عمله التجاري كثير الأسفار، قطع الفيافي والصحاري، والمدن والقرى في الجزيرة العربية، وتنقل من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، واتصل اتصالاً وثيقاً بأصحاب الديانات المختلفة وبخاصة النصرانية، وقد حدث أبو بكر عن ذلك فقال: كنت جالساً بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعداً، فمر أمية بن أبي الصلت، فقال: «كيف أصبحت يا باغي الخير؟»، قال: «بخير»، قال: «وهل وجدت؟»، قال: «لا»، فقال:
كل دين يوم القيامة إلاما مضى في الحنيفية بورُ
أما إن هذا النبي الذي يُنتظر منا أو منكم، يقول أبو بكر: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي يُنتظر ويُبعث، فخرجت أريد ورقة بن نوفل، وكان كثير النظر إلى السماء كثير همهمة الصدر، فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، فقال: «نعم يا ابن أخي، إنا أهلُ الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي يُنتظر من أوسط العرب نسباً -ولي علم بالنسب- وقومك أوسط العرب نسباً»، قلت: «يا عم، وما يقول النبي؟»، قال: «يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم ولا يظلم ولا يظالم»، فلما بُعث رسول الله ﷺ آمنت به وصدقته.

وقد كان أبو بكر يَعرف النبي محمداً معرفة عميقة في الجاهلية، وكانت الصلة بينهما قوية، وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أنه كان صاحب النبي محمد قبل البعثة، وكان يعلم من صدقه وأمانته وحسن سجيته وكرم أخلاقه ما يمنعه من الكذب على الناس. قال ابن إسحاق: «ثم إن أبا بكر الصدِّيق لقي رسول الله ﷺ فقال: «أحق ما تقول قريش يا محمد؟ مِن تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آبائنا؟»، فقال رسول الله ﷺ: «بلى، إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته»، وقرأ عليه القرآن، فلم يقر ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق». وقد روي عن النبي محمد أنه قال: «ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما عكم عنه حين ذكرته، ولا تردد فيه». كما روي عن النبي أنه قال: «إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» مرتين.

فكان أبو بكر أول من أسلم من الرجال الأحرار، وبذلك قال إبراهيم النخعي وحسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر ومحمد بن سيرين، وهو المشهور عن جمهور أهل السنة. وروى الإمام أحمد ومحمد بن ماجه عن ابن مسعود أنه قال: «أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله ﷺ، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله ﷺ فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر منعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس». وقد جمع الإمام أبو حنيفة بين الأقوال المختلفة في ذِكر أول من أسلم بأن أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن النساء خديجة بنت خويلد، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الغلمان علي بن أبي طالب. ويُقال أن أبا بكر أول من صلى مع النبي محمد، فعن زيد بن أرقم أنه قال: «أول من صلى مع النبي ﷺ أبو بكر الصديق».

وعندما أسلم أبو بكر سُرَّ النبيُّ محمدٌ سروراً كبيراً، فعن السيدة عائشة أنها قالت: «خرج أبو بكر يريد رسول الله ﷺ، وكان له صديقاً في الجاهلية، فلقيه فقال: «يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها»، فقال رسول الله ﷺ: «إني رسول الله أدعوك إلى الله»، فلما فرغ كلامه أسلم أبو بكر، فانطلق عنه رسول الله ﷺ وما بين الأخشبين أحد أكثر سروراً منه بإسلام أبي بكر».
 
Comment

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
54,750
مستوى التفاعل
62,576
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
23
شخصيات تاريخية عربية...كل يوم شخصية
الدعوة إلى الإسلام
بعد إسلام أبي بكر، بدأ يدعو إلى الإسلام مَن وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، فانطلقوا إلى النبي محمد ومعهم أبو بكر، فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، ثم جاء بعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا، كما دعا أبو بكر أسرته وعائلته، فأسلمت بناته أسماء وعائشة، وابنه عبد الله، وزوجته أم رومان، وخادمه عامر بن فهيرة.

ولما اجتمع أصحاب النبي محمد، وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، ألحَّ أبو بكر على النبي في الظهور، فقال: «يا أبا بكر إنا قليل»، فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر الرسول، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيباً والرسول جالس، فكان أولَ خطيب دعا إلى الإسلام، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوه في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووُطئ أبو بكر وضُرب ضرباً شديداً، ودنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر، حتى ما يُعرف وجهُه من أنفه، وجاءت بنو تيم يتعادون، فأجْلَت المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولا يشُكُّون في موته، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة (والد أبي بكر) وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار فقال: «ما فعل رسول الله ﷺ؟»، فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، وقالوا لأمه أم الخير: «انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه»، فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: «ما فعل رسول الله ﷺ؟»، فقالت: «والله ما لي علم بصاحبك»، فقال: «اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه»، فخرجت حتى جاءت أم جميل (وكانت تخفي إٍسلامها)، فقالت: «إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله»، فقالت: «ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك؟»، قالت: «نعم»، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح وقالت: «والله إن قوماً نالوا منك لأهلُ فسق وكفر، إنني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم»، قال: «فما فعل رسول الله ﷺ؟» قالت: «هذه أمك تسمع»، قال: «فلا شيء عليك منها»، قالت: «سالمٌ صالحٌ»، قال: «أين هو؟»، قالت: «في دار الأرقم»، قال: «فإن لله علي أن لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله ﷺ»، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على الرسول محمد، فأكب عليه الرسولُ فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورق له الرسولُ محمدٌ رقةً شديدةً، فقال أبو بكر: «بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار»، فدعا لها النبي محمد ودعاها إلى الله فأسلمت.



هجرته وحياته في المدينة
هجرته
المقالة الرئيسة: هجرة المدينة

منظر عام للمدينة المنورة قديماً، مهجر النبي محمد وأبي بكر، والعاصمة الأولى للدولة الإسلامية.
لما اشتد البلاء على المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، أذن الرسولُ محمد لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فجعلوا يخرجون ويُخفون ذلك، فنزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم، وأقام النبي محمد بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤذن له في الهجرة، ولم يتخلف معه بمكة إلا من حُبس أو فُتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر، وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن النبي محمداً في الهجرة فيقول النبي له: «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً»، فيطمع أبو بكر أن يكونه. ولما رأت قريش أن النبي محمداً قد صار له أصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً وأصابوا منهم مَنعة، فحذِروا خروج النبي محمد إليهم، فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون فيما يصنعون في أمره، فاتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً ليعمدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه، فيتفرَّق دمُه في القبائل جميعها، ولكن النبي محمداً علم بأمرهم وتمكن من الخروج من بيته سالماً.

كانت هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة في يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من بعثته، وكان أبو بكر حين استأذن النبي في الهجرة فقال له: «لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً»، قد طمع بأن يكون النبيُّ إنما يعني نفسه، فابتاع راحلتين، فاحتبسهما في دار يعلفهما إعداداً لذلك، قالت السيدة عائشة:

«كان لا يخطئ رسولُ الله ﷺ أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله ﷺ في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله ﷺ بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها، فلما رآه أبو بكر قال: «ما جاء رسولُ الله ﷺ في هذه الساعة إلا لأمر حدث»، فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله ﷺ وليس عند رسول الله ﷺ أحد إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله ﷺ: «أخرج عني مَن عندك»، قال: «يا رسول الله إنما هما ابنتاي، وما ذاك فداك أبي وأمي؟»، قال: «إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة»، فقال أبو بكر: «الصحبة يا رسول الله؟»، قال: «الصحبة»، قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي.»

غار ثور الذي مكث به النبي محمد وأبو بكر ثلاث ليال أثناء هجرتهما إلى المدينة.
ثم قال أبو بكر: «يا نبي الله، إن هاتين راحلتين كنت أعددتهما لهذا»، فاستأجرا عبد الله بن أريقط الكناني، رجلاً من بني الدئل بن بكر من كنانة، وكان مشركاً يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما، ولم يعلم بخروج النبي أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر وآل أبي بكر، فلما أجمع النبي الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور، وهو جبل بأسفل مكة فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى في الغار، فكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم، يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن النبي محمد وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وكان عامر بن فهيرة يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا، فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفي عليه.

وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما، قالت أسماء: ولما خرج رسول الله ﷺ وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم فقالوا: «أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟»، قلت: «لا أدري والله أين أبي»، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا. وقالت أسماء بنت أبي بكر: «لما خرج رسول الله ﷺ وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله معه: خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: «والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه»، قلت: «كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً»، قالت: وأخذتُ أحجاراً فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: «يا أبت ضع يدك على هذا المال»، قالت: فوضع يده عليه فقال: «لا بأس، إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم»، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك».

وبدأ المشركون باقتفاء أثر النبي، فلما بلغوا جبل ثور اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: «لو دخل ها هنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه»، وعن أنس بن مالك أن أبا بكر حدثه فقال: قلت للنبي ﷺ ونحن في الغار: «لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه؟»، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟».

قال الله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
— التوبة: 40
ومكث النبي وأبو بكر في الغار ثلاث ليال، ثم خرجا حتى وصلا المدينة المنورة، قال الإمام البخاري بسنده إلى ابن شهاب:

«فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله ﷺ لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام (إلى مكة)، فكسى الزبيرُ رسول الله ﷺ وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله ﷺ من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله ﷺ وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: «يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون»، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله ﷺ بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله ﷺ صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله ﷺ يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمسُ رسول الله ﷺ، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناسُ رسولَ الله ﷺ عند ذلك، فلبث رسول الله ﷺ في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله ﷺ، ثم ركب راحلته وسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند مسجد رسول الله ﷺ بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله ﷺ حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله المنزل»، ثم عاد رسول الله ﷺ الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: «بل نهبه لك يا رسول الله»، فأبى رسول الله ﷺ أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً، فطفق رسول الله ﷺ ينقل معهم اللبن في بنيانه، وهو يقول حين ينقل اللبن:
هذا الحمال لا حمال خيبرهذا أبر ربنا وأطهر
ويقول:
لا هم إن الأجر أجر الآخرةفارحم الأنصار والمهاجره
فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يُسَمَّ لي.»
ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف الخزرجي بالسنح، وقيل على خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي.
 
Comment

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
54,750
مستوى التفاعل
62,576
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
23
شخصيات تاريخية عربية...كل يوم شخصية
جهاده
المقالات الرئيسة: غزوات الرسول محمد وسرايا الرسول محمد

رسم فارسي يصوّر غزوة بدر التي شهدها أبو بكر.
شهد أبو بكر مع النبي محمد غزوة بدر والمشاهد كلها، ولم يَفُتْه منها مشهد، فقد شارك أبو بكر في غزوة بدر سنة 2هـ، وكانت له فيها مواقف مشهورة، فلما بلغ النبيَّ محمداً نجاةُ القافلة وإصرارُ زعماء مكة على قتال النبي، استشار أصحابه في الأمر، فقام أبو بكر أولاً فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن. وقد ظهرت من أبي بكر شجاعة وبسالة، وقد شارك ابنه عبد الرحمن في هذه المعركة مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: «لقد أهدفت لي (أي ظهرت أمامي) يوم بدر، فملت عنك ولم أقتلك»، فقال له أبو بكر: «لو أهدفت لي لم أمل عنك».


رسم من القرن الرابع عشر يُظهر استسلام بني النضير للمسلمين.
وشهد أبو بكر غزوة أحد سنة 3هـ، ولما تفرق المسلمون من حول النبي محمد، وتبعثر الصحابة في أرجاء الميدان، وشاع أن الرسولَ محمداً قد قُتل، شقَّ أبو بكر الصفوف، وكان أولَ من وصل إلى الرسول محمد، وقد اجتمع إلى الرسول محمد آنذاك كلُّ من: أبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب، والحارث بن الصمة، وأبو دجانة، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.

وشهد أبو بكر غزوة بني النضير سنة 4هـ، وغزوة بني المصطلق سنة 5هـ، وكانت معه فيها راية المهاجرين، وشهد غزوة الخندق سنة 5هـ، وغزوة بني قريظة سنة 5هـ، وكان فيهما مرافقاً للنبي محمد، كما شهد صلح الحديبية سنة 6هـ، وشهد غزوة خيبر سنة 7هـ، وكان أولَ قائد يرسله النبي محمد، كما شهد سرية نجد، وكان الأمير على المسلمين فيها، وكان الأمير على المسلمين في غزوة بني فزارة أيضاً، وكان أبو بكر من المسلمين الذين ذهبوا مع الرسول محمد ليعتمروا عمرة القضاء سنة 7هـ، كما شهد سرية ذات السلاسل سنة 8هـ.

ولما نقضت قريش صلح الحديبية، وتجهز النبي محمدٌ مع صحابته للخروج إلى مكة، خرج أبو سفيان بن حرب من مكة إلى الرسول محمد فقال: «يا محمد، اشدد العقد، وزدنا في المدة»، فقال النبي محمد: «ولذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم؟»، فقال: «معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الدية لا نغيّر ولا نبدّل»، فخرج من عند النبي محمد يقصد مقابلة الصحابة، فطلب من أبي بكر أن يجدد العقد ويزيدهم في المدة، فقال أبو بكر: «جواري في جوار رسول الله ﷺ، والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم». ولما دخل النبيُّ محمدٌ مكة في عام الفتح سنة 8هـ، كان أبو بكر بجانبه، وقد تمت النعمة على أبي بكر في ذلك الوقت بإسلام أبيه أبي قحافة. وشهد أبو بكر غزوة حنين سنة 8هـ، وكانت قد صبرت مع النبي فئةٌ من الصحابة يتقدمهم أبو بكر، ثم انتصروا بعد ذلك.

كما شهد أبو بكر غزوة تبوك، ولما اختار الرسولُ الأمراء والقادة وعقد الألوية والرايات لهم، أعطى لواءه الأعظم لأبي بكر، وحث الرسولُ محمدٌ الصحابة في غزوة تبوك على الإنفاق، فأنفق كل حسب مقدرته، وكان عثمان بن عفان أكثر من أنفق في هذه الغزوة. وقد قال عمر بن الخطاب في ذلك: أمرَنا رسول الله ﷺ يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: «اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً»، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله ﷺ: «ما أبقيت لأهلك؟»، قلت: «مثله»، وأتى أبو بكر رضيَ الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله ﷺ: «ما أبقيت لأهلك؟»، قال: «أبقيت لهم الله ورسوله»، قلت: «لا أسابقك إلى شيء أبداً». وفي سنة 9هـ، أرسل النبي محمد أبا بكر أميراً على الحج، فخرج أبو بكر أميراً بركب الحجيج، كما شهد أبو بكر حجة الوداع سنة 10هـ.




مرض النبي محمد ووفاته

تخطيط لاسم أبي بكر الصديق.
ابتدأ مرض النبي محمد الذي تُوفّي فيه في أواخر شهر صفر سنة 11 هـ بعد أن أمر أسامة بن زيد بالمسير إلى أرض فلسطين، لمحاربة الروم، فاستبطأ الناسُ في الخروج لوجع النبي محمد، وكان من شدّة وجعه أنّه كان يُغمى عليه في اليوم الواحد مرات عديدة. وفي أحد الأيام، خطب النبي محمد الناس وقال: «إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله»، فبكى أبو بكر، قال أبو سعيد الخدري: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسولُ الله ﷺ عن عبد خُيِّر، فكان رسولُ الله ﷺ هو المُخيَّر، وكان أبو بكر أعلمَنا، فقال رسول الله ﷺ: «إن من أَمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذاً خليلاً غير ربي لاتّخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته، لا يبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر»، وقالت السيدة عائشة: قال لي رسول الله ﷺ في مرضه: «ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر». ولما ثقُل على النبي محمد المرض، أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، قالت السيدة عائشة: لما مرض النبي ﷺ مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن بلال، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فقيل له: «إن أبا بكر رجل أسيف (أي رقيق القلب)، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس»، وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة، فقال: «إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فخرج أبو بكر، فوجد النبيُّ ﷺ في نفسه خفة، فخرج يهادى بين رَجُلَين كأني أنظر إلى رجليه تخطّان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي ﷺ أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه.

ولما كان يوم الاثنين الذي توفي فيه، بعد ثلاثة عشر يوماً على مرضه، خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ففرحوا به، ثم رجع فاضطجع في حجر عائشة بنت أبي بكر، فتُوفي وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الاثنين ربيع الأول سنة 11 هـ، الموافق 8 يونيو سنة 632م وقد تّم له ثلاث وستون سنة. فلما توفي قام عمر بن الخطاب، فقال «والله ما مات رسول الله ﷺ، وليبعثنه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم»، وجاء أبو بكر مسرعاً فكشف عن وجهه وقبّله، وقال «بأبي أنت وأمّي، طبتَ حياً وميتاً»، ثم خرج وخطب بالنّاس قائلاً:

أبو بكر الصديقألا من كان يعبد محمدًا ﷺ، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، وقرأ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ . أبو بكر الصديق
قالت السيدة عائشة: «فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر رضيَ الله عنه، فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشر إلا يتلوها». ثم أقبل الناس يوم الثلاثاء على تجهيز النبي محمد، فقام علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى محمد، بتغسيله وعليه ثيابه.



مبايعته بالخلافة
سقيفة بني ساعدة والبيعة الخاصة
المقالة الرئيسة: سقيفة بني ساعدة
لما علم الصحابة بوفاة الرسول محمد، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة في اليوم نفسه، وهو يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وتداولوا الأمر بينهم في اختيار من يلي الخلافة من بعده، والتف الأنصار حول زعيم الخزرج سعد بن عبادة، ولما بلغ خبرُ اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة إلى المهاجرين، وهم مجتمعون مع أبي بكر لترشيح من يتولى الخلافة، قال المهاجرون لبعضهم: انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيباً.

قال عمر بن الخطاب: فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلين صالحين، فذكر ما تمالأ عليه القوم، فقالا: «أين تريدون يا معشر المهاجرين؟» قلنا: «نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار»، فقالا: «لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم»، فقلت: «والله لنأتينهم»، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: «من هذا؟»، فقالوا: «هذا سعد بن عبادة»، فقلت: «ما له؟»، قالوا: «يوعك»، فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشرَ المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم (أي عدد قليل)، فإذاً هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر (أي يخرجونا من أمر الخلافة)»، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: «على رسلك»، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت، فقال: «ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يُعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم»، فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، والله أن أقدَّم فتُضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: «أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش»، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف فقلت (لأبي بكر): «ابسط يدك»، فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار. وفي رواية أخرى قال عمر: «يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر رضيَ الله عنه؟» فقالت الأنصار: «نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر».

وفي رواية أخرى: فتكلم أبو بكر رضيَ الله عنه، فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله ﷺ من شأنهم إلا وذكره، وقال: «ولقد علمتم أن رسول الله ﷺ قال: «لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار»، ولقد علمت يا سعد (يعني سعد بن عبادة الخزرجي) أن رسول الله ﷺ قال وأنت قاعد: «قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجر الناس تبع لفاجرهم»»، فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء.

وخطب أبو بكر معتذراً من قبول الخلافة فقال: «والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلةً قط، ولا كنت فيها راغباً، ولا سألتها الله عز وجل في سر وعلانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمراً عظيماً ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني». وقد ثبت أنه قال: «وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: أبي عبيدة أو عمر، فكان أميرَ المؤمنين وكنت وزيراً»، كما قال: «أيها الناس، هذا أمركم إليكم تولوا من أحببتم على ذلك، وأكون كأحدكم»، فأجابه الناس: رضينا بك قسماً وحظاً، وأنت ثاني اثنين مع رسول الله ﷺ. وقد قام باستبراء نفوس المسلمين من أي معارضة لخلافته، واستحلفهم على ذلك فقال: «أيها الناس، أذكركم الله أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه»، فقام علي بن أبي طالب ومعه السيف، فدنا منه حتى وضع رجلاً على عتبة المنبر والأخرى على الحصى وقال: «والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله فمن ذا يؤخرك؟».

البيعة العامة وخلافته
بعد أن تمت بيعة أبي بكر البيعة الخاصة في سقيفة بني ساعدة، اجتمع المسلمون في اليوم التالي للبيعة العامة، قال أنس بن مالك: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أيها الناس، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهداً عهده إلي رسول الله ﷺ، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله ﷺ سيدبر أمرنا، وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله ﷺ، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم: صاحب رسول الله ﷺ، وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه»، فبايع الناس أبا بكر بعد بيعة السقيفة.

ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال:

أبو بكر الصديقأما بعد أيها الناس، فإني قد وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. أبو بكر الصديق

المسجد النبوي، حيث تقع قبورُ كل من النبي محمد وأبي بكر وعمر بن الخطاب في المبنى ذي القبة الخضراء.

"خوخة أبي بكر" في المسجد النبوي.
وقال عمر لأبي بكر يومئذ: «اصعد المنبر»، فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة. وقد سأل عمرو بن حريث سعيد بن زيد فقال له: «أشهدت وفاة رسول الله ﷺ؟»، قال: «نعم»، قال له: «متى بويع أبو بكر؟»، قال سعيد: «يوم مات رسول الله ﷺ، كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم، وليسوا في جماعة»، قال: «هل خالف أحد أبا بكر؟» قال سعيد: «لا، لم يخالفه إلا مرتد أو كاد أن يرتد، وقد أنقذ الله الأنصار، فجمعهم عليه وبايعوه»، قال: «هل قعد أحد من المهاجرين عن بيعته؟»، قال سعيد: «لا، لقد تتابع المهاجرون على بيعته».

وقد وردت أخبار كثيرة في شأن تأخر علي بن أبي طالب عن مبايعة أبي بكر، وكذا تأخر الزبير بن العوام، قال ابن عباس: إن علياً والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله ﷺ، فقد انشغلت جماعة من المهاجرين وعلى رأسهم علي بن أبي طالب بأمر جهاز الرسول من تغسيل وتكفين، وقد روى الصحابي سالم بن عبيد أن أبا بكر قال لأهل بيت النبي وعلى رأسهم علي: «عندكم صاحبكم»، فأمرهم يغسلونه.

وقد بايع الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب أبا بكر في اليوم التالي لوفاة الرسول محمد، وهو يوم الثلاثاء، قال أبو سعيد الخدري: لما صعد أبو بكر المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير بن العوام فدعا بالزبير فجاء، فقال له أبو بكر: «يا ابن عمة رسول الله ﷺ وحواريه، أتريد أن تشق عصا المسلمين؟»، فقال الزبير: «لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله ﷺ»، فقام الزبير فبايع أبا بكر، ثم نظر أبو بكر في وجوه القوم، فلم ير علياً بن أبي طالب، فدعا بعلي فجاء، فقال له أبو بكر: «يا ابن عم رسول الله ﷺ وختنه على ابنته، أتريد أن تشق عصا المسلمين؟»، فقال علي: «لا تثريب عليك يا خليفة رسول الله ﷺ»، فقام علي فبايع أبا بكر. وفي رواية حبيب بن أبي ثابت قال: كان علي بن أبي طالب في بيته، فأتاه رجل، فقال له: «قد جلس أبو بكر للبيعة»، فخرج علي إلى المسجد في قميص له، ما عليه إزار ولا رداء وهو متعجل، كراهة أن يبطئ عن البيعة، فبايع أبا بكر ثم جلس، وبعث في ردائه، فجاؤوه به فلبسه فوق قميصه.




زوجاته وذريته
زوجاته
تزوج أبو بكر من أربع نسوة، أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث، وهن على التوالي:

قتيلة بنت عبد العزى بن سعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وهي أم عبد الله وأسماء.
أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة الكنانية، وهي أم عائشة وعبد الرحمن، توفيت في ذي الحجة سنة 4هـ أو 5هـ أو 6هـ.
أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم الشهرانية الخثعمية، وهي أم محمد، كانت زوج جعفر بن أبي طالب، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب.
حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجية الأنصارية، وقيل: مليكة بنت خارجة، وهي أم أم كلثوم.
ذريته
لأبي بكر ستة أولاد، ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهم:

عبد الرحمن بن أبي بكر، أمه أم رومان، وهو شقيق عائشة، توفي سنة 53هـ أو 55هـ أو 56هـ.
عبد الله بن أبي بكر، أمه قتيلة بنت عبد العزى، وهو شقيق أسماء، وهو الذي كان يأتي النبيَّ وأباه أبا بكر بالطعام وبأخبار قريش إذ هما في الغار كل ليلة، توفي أول خلافة أبي بكر في شوال سنة 11هـ.
محمد بن أبي بكر، أمه أسماء بنت عميس، وهو أخو عبد الله بن جعفر لأمه، وأخو يحيى بن علي لأمه.
أسماء بنت أبي بكر، أمها قتيلة بنت عبد العزى، وهي زوج الزبير بن العوام وأم عبد الله بن الزبير، لقبت بذات النطاقين.
عائشة بنت أبي بكر، أمها أم رومان، وهي زوج النبي محمد وأشهر نسائه، لقبت بالصديقة بنت الصديق وأم المؤمنين، وهي أحب الناس إلى النبي محمد، توفيت سنة 57هـ أو 58هـ ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، ودفنت بالبقيع.
أم كلثوم بنت أبي بكر، أمها حبيبة بنت خارجة، وقد ولدت بعد وفاة النبي محمد.

كتب ودراسات عنه
أبو بكر حواري محمد، نظمي لوقا، دار الهلال، القاهرة، 1971،
سيرة العتيق، موسى بن راشد العازمي، دار الصميعي للنشر والتوزيع.
 
Comment

جلينار

لِــيـدِي اَلْحُـــقُـولِ [ شادن🍃]💎
الاشراف العام
إنضم
18 مايو 2023
المشاركات
27,989
مستوى التفاعل
33,110
الإقامة
حقول التوليب
مجموع اﻻوسمة
13
شخصيات تاريخية عربية...كل يوم شخصية
مساحة جميييلة جدددا
الله يعافيك 😊
 
Comment

Elley

نَوتيَلاَ
نجوم المنتدي
إنضم
22 سبتمبر 2023
المشاركات
218
مستوى التفاعل
53
العمر
21
الإقامة
In your heart
شخصيات تاريخية عربية...كل يوم شخصية
طرح رائع وراقي ويستحق القراءة
شكرا على المجهود
دمتم بخير
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى