-
- إنضم
- 23 فبراير 2023
-
- المشاركات
- 50,390
-
- مستوى التفاعل
- 24,124
- مجموع اﻻوسمة
- 25
ذاكرة رمل ....بقلمي الجوري

الوقت وتلك التكات من ساعة قديمة أعلنت انسحابها من محيطي ، الزمن ذاك النهر الذي لا يهدأ، يتلوى بين الضلوع كحشرة ماضية تبحث عن ضوء خافت. في ركنٍ معتم من عقلي يقبع انا ، محاصرًا بين طبقات من الرمال اللامتناهية، كل حبة منها نبضة من ذاكرتي، ماضٍ ممزق، حاضرٍ ضائع، ومستقبلٍ لا يُرى هكذا أصبحت عيون زائغة بصيرة رحلة منذ الأزل .
يهمس الرمل، يهمس... همسات خافتة، ترسم صورًا مشوشة تتلاشى وتعود،بكل همس من حبة رمل يتعذب قلبي وتشتعل روحي ،كل صورة كذكرى تتلوى في ظلال الوعي. هل كان هناك بيت؟ أم كانت جدرانه من دخان يتبدد؟ امرأة، أم مجرد خيال؟ وجه ضائع، ضحكة شاحبة، صوت يعلو ثم يختفي، كأنما هي همسات الأمواج على شاطئ مهجور.
أسيرأنا، بخطوات ثقيلة، في ممرات متاهة رأسي، حيث تختلط الأزمنة، أتعثر بالأمس حين ألتقطه بين يدي كحبة رمل لا تُمسك. ألمس وجهي، تتسلل الأصابع بين خصلات الهواء، تبحث عن الدفء في مكانٍ ما، عن لمسةٍ ماضية. أكتشف أن ذاكرتي، كما البحر، تتراجع ثم تعاود الظهور، بلا هوادة،قراري أن أتمسك بأي حبة رمل مهما كانت كانت أصعب خطوه فأنا أمسك وهبوب ريح يأخذها دون أن أمتلئ بها هكذا فقط ترحل.
التقاء اللحظات... كيف يمكن لعقل أن يحتفظ برؤية الشمس لأول مرة؟ وكيف يمكن له أن ينسى وجه من أحب؟ أعاود كرة المحاولة علي أمسك بقطعة من الذكريات، لكن أدرك فجأة أنها ليست قطعة صلبة، بل رمل يتسرب بين أصابعي، ويختفي بلا أثر.
جلست على كرسي الهزاز اتأرجح به أماما وخلفا أحاول أن أمسك طرف ذكرى أريد ذلك بشدة يؤلمني رؤية عيون تلك المرأة الصهباء عندما تجلس بجاوري عيونها تتحدث وأدمعها تحرك حبات الرمل لتهمس لي إحداها فأمسك بيد الصهباء عل الهمس يبقى ولا يرحل علي أجعل هذه العينان تبتسمان ولو للحظات.
تتكاثر الأصوات في داخلي، همسات الرمال تتصاعد وتخبو، كأصداء نحيب بعيد. أمسك بأطراف الكرسي أصابعي تكات تحفر بجسده خريطة ضياع الرياح ثقيلة تلف جسدي، كأنها تحمل معه أرواح الأموات، أرواح الذكريات التي رحلت، تاركة وراءها فراغًا يُنهش لبي، فراغًا متسعًا كصحراء لا نهاية لها.
كيف يشعر الإنسان وهو يراقب ذاكرته وهي تُفقده؟ كأنما يودع شظايا روحه الواهنة واحدة تلو الأخرى.تنسل من الروح قبل العقل، ضحكات صامتة تحيط بي ، كتلك التي يفرشها الماضي أمام قدمي، كأنها تهمس لي: "هل تتذكر؟" لكن الرد صمت مُر، عالقٌ أنا في دوامة لا تنتهي.
أبتسم أحيانًا، في لحظات خافتة، عندما ألمح شبحًا من الماضي. ربما كانت يدًا تربت على كتفه، يد بخاتم ورائحة طيبة كالفانيلا تعيدني الى منزل لا أعرفه والى ذكرى أخوة يتعاركون وأم تصرخ وتعيد لا تلمسوا ربيع أتلفت حول الذكرى من هو ربيع،أهو واحد من أخوتي أتحبه أمي أكثر مني لتجتاح الذكرى ضحكة طفولة محفورة بين حبات الرمل،طفل ببنطال مقفع من الاسفل حتى الركب يهمس لأمي لا تخافي على ربيعك امي ويكافؤ إحتضانها له بابتسامة لكن الابتسامة لا تدوم، تتبخر كندى الصباح تحت شمس الحقيقة القاسية.
بينما أواصل الهرولة في متاهتي الداخلية، أشعر بأن الذكريات ليست سوى قطع زجاج حادة، تتغلغل في قلبي ببطء.تنغرز بهدوء، لحظات سعادة خافتة، شغف، حب، ألم، خسارة... كلها تتداخل، تتشابك، تصبح كتلة من الرماد المشتعل في صدغي،لأصرخ أرجوكم توقفوا
يبرز وجهه الصهباء بعمر صغير أحاول توسيع فتحة النافذة علها تنساب على جسدي فترويه، ضباب مشبع بحنان لا يُنسى.إبتسامتها ولمسة يدها لجسدي همس باسمها،كأني لم أفقده يوما كلمات ترتجف، تكاد تختنق بين شفتي: "مريم.." صوت خافت، كأنه يتلاشى بين أصابع الرمل.
عاصفة دمع تتسرب من عيني، لا تبلل الخدين فحسب، بل تغسل روحي من مرارة الفقد. في لحظة من الوعي الخافت، أصرخ وأستجدي الرمال: "أن توقفوا! دعوني أتذكر!"، لكن الرمال تظل لا مبالية، تهب رياحها العاتية، تكتسح ما تبقى من ذاكرتي.لتنزلق بهدوء من بين أكف الذكرى المثقوبة.
وأظل هناك، في قلب العاصفة الرملية، محاصرًا بين الأمس واليوم، بين الحقيقة والوهم، بين الحاضر الذي يتهدم والماضي الذي لا يمكنني الإمساك به. أهمس أخيرًا، بنبرة لم أعد أعرف إذا كانت يأسًا أو يقينًا:
"أنا هنا... ما دمت أتنفس، ما دمت أشعر... فأنا لم أضع بعد رغما عن أنفك سأمسك أي طرف لو كان أوهن من خيط عنكب سأمسك وكل انزلاقك من أكفي لن يمنعني فأنا لم أضع بعد وقفت بعيدا عن ذلك الكرسي المهتز لأرفع يدي وأصرخ أنا ربيع لم أضع بعد .......
تستمر الرمال في الانزلاق، تتراقص في عواصف الزمن، لكنها لا تقدر على محو هذا الهمس الأخير، همس مقاومة إنسانٍ صغير، يسعى للتمسك بذاته رغم كل شيء.
اسم الموضوع : ذاكرة رمل ....بقلمي الجوري
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء