هنا لا يشبه الأمس

[الإكليل*]

في هذه المساحة
لا أروي الحكاية كما كانت
بل كما صرت بعدها
هنا
لا يشبه الأمس
لا في الصوت
ولا في الصمت
كل حرف يكتب بأنفاس نجت
وعقل تعافى
وقلب لم يعد يتوسل النجاة
أترك وراء ظهري ما لم يشف
وأمضي خفيفا بلا قافية هوجاء

 

[الإكليل*]

ما عدت أبحث عن فهم لألم قديم
ولا أفتش في الوجوه
عن نسخ
من الذين رحلوا
هنا
لا يرفع الرماد
ولا يكرر السؤال
هنا
تكتب الحياة كما أختارها
لا كما فرضت علي
كل سطر له عنوان
مني

 

[الإكليل*]

لم أعد أحمل قلبي ما لا يليق بثقله
ولا أفتح الأبواب
لمن اعتادوا الخروج
دون وداع
تعلمت أن النجاة لا تعني القسوة
وأن الغفران لا يلزم النسيان
وأن بعض الطرق تطوي
لا لأنها ضاعت
بل لأنني وجدت طريقا لا يشبهها
ولا يشبهني
حين كنت أتهاوى فيها

 

[الإكليل*]

لا أحن إلى ما كنت عليه
ولا أشتاق لشعارات لم تنصفني
ولا أفتقد تلك النسخة
التي كانت تخشى الرحيل
تعلمت أن بعض الخسارات
انتصارات متنكرة
وأن بعض العلاقات
ابتلاءات بأصوات ناعمة
في هذا المكان
أكتب لأنني اخترت الكتابة
لا لأسمع أحدا
ولا لأثبت شيئا
بل لأضع نقطة في آخر سطر
امتد بي طويلا
سطر ظننت أنه لا ينتهي

 

[الإكليل*]

لم أخرج من العتمة
كي أروي ظلامها
بل لأشعل في وجهي النور
وأمضي
لم أنقب في الخراب كي أوثقه
بل لأهدم آخر ركن ظننته وطنا
أنا لست ابن البارحة
ولا ظل
ذلك الحائر الذي كان يمد يده
ليبقي ما يجب أن يفلت
كل ما سرق مني لن أستعيده
لأني أصبحت أقوى منه
هنا لا يشبه الأمس
لأن الأمس لو كان يستحقني
لما غادرته بهذا الكبرياء

 

[الإكليل*]

أنا لست كما كنت عليه
ولا أحمل من الأمس إلا الدرس
لا الندم
ولا الحنين
ولا ملامح الذين مضوا
هذا الحرف ليست بوحا سطحيا
ولا توبة مكتوبة على هيئة كلمات
بل هي إعلان ولادة
لنسخة لم تولد لترضي
بل لتنجو
لتقف
لتبدأ
لن أشرح الماضي
ولن أمسك القارئ من يده
لاخبره من أكون
من أراد أن يعرفني
فليقرأ ما بعد الانطفاء
ففي الحروف التي تنبت من رماد
يسكن المعنى الحقيقي للبدايات
هنا لا يشبه الأمس
لأن الأمس انتهى
وأنا لم أخلق للعودة

 

[الإكليل*]

هنا لا يشبه الأمس
كأن الزمن
خلع معطفه القديم
وارتدى وجها أخر
الضوء أكثر حذرا
والصمت يصغي
كما لو أنه
ينتظر جوابا تأخر عمرا
الوجوه مألوفة
لكنها تمشي بخطى غريبة
كأنها نجت من حكاية
ولم تخبر أحدا
حتى الهواء
لم يعد يحمل ذات النكهة
كأن الأشجار تنكرت لأغصانها
والطرقات فقدت ذاكرة الخطى
هنا لا يشبه الأمس
وهذا القلب رغم نبضه
يشعر كأنه في بلد
لا يعرف اسمه

 

[الإكليل*]

هنا لا يشبه الامس
الحنين يمر كغريب يتلفت
والاماكن تتهامس بلغات لا اعرفها
كأن كل شيء قرر فجأة
أن ينحدر من القمر
معربا عن إستضافة الموت
لعالمه الأسود
هنا لا يشبه الامس
الظلال اطول من المعتاد
والوقت يسير على رؤوس الأصابع
كمن لا يريد ان يوقظ روحا
سبحت بين الأمنيات يوما

 

[الإكليل*]

إذا فقد القلب خواص الأمان
يصير القرب وجعا مؤجلا
ويصبح الصمت أكثر صدقا من الكلام
كل نظرة تسحق
كل همسة تربك
كأنك تمشي على زجاج مكسور
وتبتسم كي لا يلاحظ أحد النزيف
إذا فقد خواص الأمان
تتغير ملامح الأشياء دون أن تتغير
تصير الضحكة واجبا
والحضور عبئا
وكل كلمة
أنا معك
تصبح سؤالا لا جواب له

 

[الإكليل*]

اتهيأ لترويب فكرتي المتعجلة
وضعت قلقي في صحن صغير
سكبته برفق في كأس صمت
وقلبته بمِلعقة الحنين حتى صفا
تعلمت أن لا أطارد السؤال
بل أتركه يهدأ
فالأجوبة لا تظهر في الزحام
بل تخرج على استحياء
حين تنام الأصوات
ويستيقظ المعنى

 

[الإكليل*]

في ركن قصي
في مسائي بالأمس
جلست أصفي فكرة
شابت من التكرار
غسلتها من الظنون
وعصرت منها ضجيج الذاكرة
ثم علقتها على حبل الهدوء
حتى تجف
الفكر مثل الحليب
إن إستعجلت فسد
وإن صبرت عليه
صفا وارتقى
لهذا
أروّب قلبي كل مساء
أخلي الساحة من الزيف
وأستخرج من صدري لب الكلام
وأترك ما عداه للريح

 

[الإكليل*]

قال
فهمت كل شي
ثم نام
وصحا ناسيا من هو
واين وضع البدايه
قال
كل شي يحدث لسبب
ثم حدث له الف سبب
ولا شي تغير
سوى عدد الاسئله في صدره
قال
انا افكر اذا انا موجود
ثم فكر في لا شي
وظل موجودا
فارتبك المنطق
وقدم استقالته
قال
الزمن كفيل بكل شي
فجلس ينتظر
فمر الزمن
واخذ منه كل شي
الا الانتظار
قال
كل شي وهم
فركل الحقيقه
وضرب المنطق
ثم صفع وجهه
ولم يشعر بشي
فقال
ربما انا حقيقه ضمن وهم اخر
قال
اريد ان افهم نفسي
فاكتشف انه يحاور صديقا وهميا
وان جسده يشبهه
لكنه يسير حسب مزاج اخر
قال
اريد ان اصدق
فبحث عن قصه
فلم يجد سوى نهايات قديمه
تتنكر في بدايات جديدة

 

[الإكليل*]

يا انت
ما الذي يدفع ضوء القمر للغرق
في البحر سوى فكرة لم تقال
وما الذي يجعل المدى يضيق
الا حين يتهجى الغياب
كأنه نشيد قديم
لست حائطا تكتب عليه الاحاسيس
حين تنسى
ولا شرفه
يلوح منها الندم ساعه السكون
انا ما قبل الحكايه وما بعدها
صوت يولد حين تصمت الاغاني
وصمت لا يترجم
حين يكثر الاخرون من الشرح
هل تعلمين
بعض الارواح
لا ترى لانها اعلى من الضوء
واعـمق من النظر
تسير بلا حفيف
لكنها تربك النبض في لحظه
ولانك قلت ما يقال
حين يتاخر الجميع
دعيني اقول ما لا يقال
حين يحضر الجميع
الجمال لا يستعار
ولا يؤجل حتى يسقط
في دفتر الذكرى
هو ومضه ترى فقط
حين يتوقف الزمن لوهله
ثم يكمل طريقه خجلا
انتي لم تكوني فصلا يعاد
كنت المدى
الذي لم يكتبه الطقس بعد
فلا تنتظري من خسر الطريق
ان يهديك جهه القلب
انا لا اعود حيث ينتظر ان اثبت
ولا اثبت
حيث تكون الشكوك طقسا دائما
لكنني
حين ارحل
ابقي اثرا لا يمحى
كأن احدهم تنفسني ذات صدفه
ثم لم يعرف كيف يلفظني
دون ان يختنق
وفي الختام
ما كل فوات يبكى عليه
بعضه كان ضروره
كي لا تهدر المعاني في زحمه التأخر

 

[الإكليل*]

للقلب ممتلكات لا ترى
مدائن خفية تسكنها المشاعر القديمة
ابوابها لا تطرق
بل تستشعر
يخزن في اقبيـة الروح
ضحكة لم تكتمل
ونظرة ضاعت بين ربما وكان
وفي اقصى الزاوية
صورة باهتة لحلم تلاشى
ما زالت تنبض
كلما مر النسيم من الذاكرة
ليس كل وجع يقال
بعضه يربى
كأنك تعتني بجرح لا يشفى
تعلمه الصبر
وتمنحه اسمه الاخير
ثم تضعه في صندوق الخلاص
الذي لا يفتح ابدا
هكذا هو القلب
سلطان بلا عرش
وحارس لمدينة لم تبن يوما
يحفظ انقاضه
ويعرف تماما
ان بعض الأنقاض
اجمل من الف عمران

 

[الإكليل*]

هنا لا يشبه الامس
هنا الطعن لا يستأذن
والصبر مقيد بخيوط من لهب
هنا لا قلب يئن كما كان
بل قلب ينزع جلده ويبتسم
كأن الوجع صار طقسا يوميا
نؤديه كما الصلاة
بلا خشوع
بلا دمع
بلا مفر
هنا لا يشبه الامس
فالامس كان يخذلنا بلطف
يبكينا بذوق
يعدنا بكذبة فيها شيء من الدفء
اما هذا اليوم
فصفيق الوجه
بارد الانفاس
يهدم دون ان ينذر
ويمضي دون ان يلتفت
هنا لا يشبه الامس
لان الذي بداخلي لم يعد كما كان
لا يحن
لا يضعف
لا يفتح ابوابه لعابري الخيبة
تعلم ان لا يهب
وان لا ينتظر
تعلم ان الرحيل قد يكون رحمة
وان العودة خيانة لشفاء تأخر كثيرا
هنا لا يشبه الامس
لاني لم اعد اشبه نفسي