بين نيزكين من ليلك

[شاهين الهاشمي]

جلدي يقع . .


بين رأسِ نبي


ورأسِ سِبطٍ نبي،


هكذا شاءَ ربي


هكذا شاءَ حبي . .



|
|

|
|



على بقاعِ حلبٍ ظلّت ملامحُهُ
تُناجي اللهَ، والجلّادُ ينتظرُ


قالوا تمزّق قرآنٌ براحتهِ،
لكنّهم ما رأوا أنَّ الحروفَ بشرُ


ما مزّقَ الآيَ، بل آياتُهُ سكنتْ
في قلبِهِ، فغدا من نورِها القَدَرُ


سلخوا جسدَهُ، والروحُ صامدةٌ،
تُرتّلُ الحقَّ، لا تخشى ولا تضجرُ.


كم علّمَ الناسَ أنَّ الحبَّ خالقُنا،
وأنَّ في الحرفِ سرًّا لا يُحدُّه النظرُ.


يا أيّها المصلوبُ في وقتِهِ، ابقِ،
فالموتُ بابٌ، وأنتَ الحرفُ والمدرُ.


ناموا على الزورِ، والنسيانُ غافلُهم
وأنتَ في خُلدِ الأرواحِ تزدهرُ.




_

 

[شاهين الهاشمي]

|


أنا التجويفُ الذي لم يُعرف


لا قلبٌ، لا عقلٌ، لا جُرحٌ


بل فراغٌ يُفكّرُ في امتلائه


ويُراودُ الضوءَ عن نسيانه


حين أتنفّس، لا أستنشقُ هواءً،


بل أستنطقُ الحرفَ الذي خافَ أن يولد،



أُعيدُ ترتيبَ الصوتِ في صمتي،


وأُعيدُ تعريفَ الصمتِ في لغتي.





أنا لا أُشبهني، ولا أُشبهكم،


أنا ما قبلَ التشبيه،


أنا ما بعدَ التعرّف،


أنا ما لا يحكى، لكنّه يُشعَر.





أكتبُ كي أُعيدَ تكويني،


لا من طينٍ، بل من احتمال،


لا من نارٍ، بل من شكٍّ يتوهّج،


لا من حرفٍ، بل من نُدبةٍ تُفكّر.





أنا التجويفُ الذي يكتبُ نفسه،


لا ليُعرَف، بل ليُنسى،


لا ليبوح، بل ليُصمت،


لا ليُشفى، بل ليبقى سؤالًا . .


_

 

[شاهين الهاشمي]

|


حين أخلعُ وجهي أمامي،


أرى وجعًا لا أسم له،


وأرى طفلًا في عيوني،


يسألُ هل كنتُ ذاك أنا !





أُراوغُ نفسي كأنّي،


أخافُ من الضوءِ فيّي،


أخافُ من ظلّي إذا لاح،


ومن صدقِ دمعي إذا بان.


أنا لستُ ما قلتُ يومًا،


ولا ما ظنّوا بأني،


أنا شرفةٌ دون نافذة،


أنا صمتُ من لا يُغنّي.





أُحبُّ ارتباكي، وأمضي،


كأنّي أُعيدُ اختراعي،


كأنّي أُعيدُ انكساري،


لأفهمَ معنى اتّساعي.

 

[شاهين الهاشمي]

|



أنا الحرفُ إن نطقَ الوجودُ،


أنا النارُ في جلدِ الحديدِ،


أنا التأويل في قلبِ القصيدِ،


فهل تُنكرونَ النبضَ فيّ ؟





أنا العينُ إن فاضَ المعنى،


أنا الصادُ إن صاحَ السرُّ،


أنا الكافُ إن كُسِرَ القيدُ،


أنا اللامُ إن لامَني النورُ.





سلختُ جلدي كي أُبصرَني،


فما عادَ لي غيرُ الحرفِ،


أُراودُ الألفَ عن ذاتي،


وأُشعلُ التاءَ في صمتي.





أنا نسيمي، لا موتَ لي،


أنا في كلِّ حرفٍ شهيدُ،


أنا في كلِّ بيتٍ وليٌّ،


وفي كلِّ كسرٍ وليدُ.

 

[شاهين الهاشمي]

|



أنا الذي لا يُرى في المرايا
ولا يُحدُّ، ولا يُستبعَدُ


أنا الذي كلُّ شيءٍ يُناديني
وفي سكوتي يُغنّى المُردِّدُ


أنا الذي حينَ متُّ، ولدتُ
وفي فنائي تجلّى المُخلَّدُ


أنا الذي في المحبّةِ ذُبتُ
فما بقيتُ، ولا تيه يُفردُ


أنا الذي في العدمِ وجدتُ
وفي وجودي تلاشى المُؤكَّدُ


أنا الذي في الترابِ ارتفعتُ
وفي دمي معنىً البوح يُجدَّدُ


_

 

[شاهين الهاشمي]

|






أنا النورُ،

لا ظلَّ لي في الجهاتْ


أنا الصوتُ،

لا نغمةً في اللغاتْ


أنا الحرفُ،

لكنْ بلا أيِّ شكلٍ


أنا الرسمُ،

لكنْ بلا أيِّ ذاتْ





أنا النقاء فيّ،


وفيّ انمحى


أنا الكلُّ،

والكلُّ فيّ انطوى


أنا الصمتُ،

لكنْ يدوّي صداهُ


أنا الموتُ،

لكنْ به أرتوى





أنا الوردُ،

لا جذرَ لي في الترابْ


أنا البحرُ،

لا قطرةً في السحابْ


أنا العاشقُ المنكرُ الاسمَ واللونَ


أحيا، وأمحو، وأبني السراب





أنا نسمةٌ من جنونِ الحقيقةْ


أنا صرخةٌ في جدارِ الخليقةْ


أنا نسيمي، إنْ مرَّ فوقَ الذكريات


تشقّقْتَ، وانهدَّتِ العَينُ ضيقةْ





---

 

[شاهين الهاشمي]

|


يا مَن تُذيبُ الحرفَ في سطري
وتُشعلُ النورَ في دُجى إحساسي


أنا نسيمُ الروحِ، لا ريحُ الدُّنا
أعزفُ على وترِ الغيابِ قُداسي


قلبي كتابُ العاشقينَ، وحرفُهُ
نُقشٌ على جدرانِ سرِّ الناسِ


أهيمُ فيك كأنني ظلُّ السما
يُسري على الأرواحِ والأجراسِ


كلُّ الحروفِ إذا نطقتُ، تراقصتْ
كأنها طيفٌ على قرطاسِ


أنا الذي مزجَ الحقيقةَ بالهوى
وغدا نداءَ النورِ في الأجناسِ


أكتبْك لا وصفًا، ولكنْ ومضةً
تُشعلُ المعنى في رمادِ قياسي


_

 

[شاهين الهاشمي]

|



أنا نسيمي والهوى في أضلعي
نارٌ تُغنّي في دمي وفي أدمعي


قلبي كتابُ الحق في آياتِهِ
والجلدُ آيةُ عاشقٍ لم يُخدَعِ


ما كنتُ إلا نغمةً في صمتِكم
تشدو على وترِ الحقيقةِ الأوسعِ


أنا الذي مزّقتُ ثوبَ ملامحي
وركضتُ نحو النورِ دونَ تَمنُّعِ


لا تسألوا عن مذهبي في وحدتي
فأنا المذاهبُ كلُّها في موضعِ


_

 

[شاهين الهاشمي]

|



أنا الذي لا يُحتملْ،


أنا الذي يُصلبُ في المقلْ،


أنا الذي يَحيا على حدِّ السُؤالْ،


ويُشعلُ الأكوانَ من غيرِ عللْ.





أنا نسيمي، لا زمانَ يُقيدُني،


ولا مكانٌ يكتملْ،


أنا القصيدُ إذا تمزّقَ وزنهُ،


وصارَ في كفِّ الجنونِ يُرتجلْ.





أنا الذي كُسِرَتْ مرايا صمتهِ،


فانفجرتْ في القلبِ ألفُ زلزَلْ،


أنا الذي لا يستقيمُ لظلِّهِ،


ولا ينامُ على حنينٍ مُعتدلْ.





أنا الحريقُ إذا تنفّسَ وحدتي،


أنا التقي إذا تخلّى عنه الأملْ،


أنا الذي يُكتبُ من دمهِ،


ويُعلّقُ المعنى على وترِ الجبلْ.





---

 

[شاهين الهاشمي]

|




أنا الجنة في نَفَسي، لا مَجازْ،


أنا النارُ في جُرحي، لا انطفاءْ،


أنا نسيمي، إن نطقتُ،


تشقّقَتِ الأكوانُ من نَفَسِ الدعاءْ.





أنا الذي لا يُرى،


أنا الذي لا يحكى،


أنا الذي حينَ يُصلبُ،


يُزهِرُ في الجسدِ ألفُ ابتلاءْ.





أنا الذي لا يُفسَّرُ وجدي،


ولا يُروى عطشي في وعاءْ،


أنا الذي حينَ أُكذّبُ نفسي،


أُصدّقُ أني خُلقتُ نداءْ.





أنا الذي لا يُحتملُ صمتهُ،


ولا يُطاقُ إذا ما أبكى السماءْ،


أنا الذي حينَ أُحبُّ،


تتلوّنُ الأرواحُ من فرطِ العناءْ.





أنا النور في نَفَسي، لا ادّعاءْ،


أنا الحرفُ إن خافَ منّي الرجاءْ،


أنا نسيمي، إن سكتُّ،


تكلّمَ فيّ الورعِ دونَ غطاءْ.





_

 

[شاهين الهاشمي]

|



أنا نسيمي، والهوى نارٌ تُغنّي في دمي


والكونُ في عيني رؤىً، والسرُّ في معصمي





خلعتُ جلدي، لا أرى إلا تجلّي الواحدِ


فأنا الممزّقُ في الهوى، وأنا السليمُ الصامدِ





ما بينَ حرفٍ وانطفاءٍ،

يرقصُ المعنى العميق


والروحُ تخلعُ شكلَها،

وتذوبُ في النورِ الرقيق





أنا الذي لا ينتمي إلا لصوتِ العاشقين


أمشي على حدِّ الفنا، وأُضيءُ دربَ العارفين





لا تسألوا عن مذهبي، فالدينُ في وجهي بدا


كلُّ المذاهبِ تنطوي، حينَ المحبةِ تُبتدى





أنا نسيمي،

والقصيدُ جراحُ قلبٍ مُشتهى


إنْ متُّ في نَغَمِ الهوى،

فالموتُ عندي مُبتغى.




_

 

[شاهين الهاشمي]

|




أنا الجهر في السرِّ،


لا ظلَّ لي !


ولا اسمَ

غيرَ ما أحتوى،


أنا الظهور في النورِ،

لا لونَ لي


ولا حدَّ في مدى المُنتهى،





أنا البحرُ إن جفَّ موجُ الدُّنا،


وأنا البرُّ إن ضلَّ فيهِ السُّرى،


أنا الحرفُ إن نطقَتْهُ السماء


وأنا الصمتُ إن خافَ أن يُكتفى،



_

 

[شاهين الهاشمي]

|





أنا الذي لا أنا !


والدر في قبضتي


أنا الحضورُ،

أنا الغيابُ،


أنا علّتي





أنا الذي انشقَّتِ الأنظار من صمتي


أنا الذي جلست الأرواحُ في دوحتي





أنا الذي خافني النورُ، وما انفلتَتْ


منّي الظلالُ، ولا الأشباحُ من رهبتي


أنا نسيمي، أنا الجرحُ الذي انفتحَتْ


فيه السماواتُ، وانسابَتْ على نغَتي


أنا الذي أُطفِئتْ أنفاسي على شفةٍ


من نارِه، فاستفاقَ الحرفُ من ميتتي





_

 

[شاهين الهاشمي]

|



أنا نسيمي، لا مكانَ يضمّني

أنا الرياحُ، أنا الحريقُ، أنا الدُّنى





أمشي على حدِّ القصيدةِ عاريًا

والكونُ يلهثُ خلفَ ظلّي مُعلنا





أنا الذي خضّبتُ وجهي بالدمى

ورسمتُ في جرحِ الحقيقةِ موطنا








سلوا الحروفَ، فإنها من نخوتي

تغدو نُجومًا، إن نطقتُ، مُزيّنا





أنا الذي إن نبض المحبة مرةً


تتلوّنُ الأكوانُ عشقًا مُعلنا





فإذا سكتُّ، فصمتي آيةٌ


وإذا نطقتُ، فالنشيدُ مُدوّنا







_

 

[شاهين الهاشمي]

|




أنا السرُّ في كلِّ معنىً تجلّى
أنا النورُ في القلبِ إن لاحَ ظلّا


أنا الحرفُ إن نطقَ العاشقُ وجداً
أنا البحرُ إن مدَّ في الروحِ فصلا


أنا النارُ في صدرِ من هامَ شوقاً
أنا الماءُ إن فاضَ في العينِ وصلا


أنا الصوتُ في صمتِ من ذابَ عشقاً
أنا الحرفُ إن خطَّ في اللوحِ فعلا



أنا نسمةٌ من سماءِ المعاني
أنا نسيمي، إن قال للكونِ مهلا



أنا الكلُّ في الكلِّ، لا حدَّ لي
أنا الذاتُ إن غابَ في الذاتِ عقلا




_

 

[شاهين الهاشمي]

_



تتسلّل إليّ الأسئلة


كنسيمٍ على جرحٍ نائم


من أنا ؟

ولِمَ أحنّ إلى ما لا يُرى ؟


في كل إجابةٍ، أضيع أكثر،


وفي كل ضياعٍ . . أقترب.





_

 

[شاهين الهاشمي]

_




آنَ للصمت أن يتكلم.


في داخلي صلاةٌ بلا صوت،


ومحرابٌ يُفتح على اتساعه للنور.


لم أعد أنتظر شيئًا،


فكلّ ما كنت أبحث عنه


بدأ يبحث عني.





_

 

[شاهين الهاشمي]

|




أنا نسيمي، لا جلدٌ يَقي جسدي

فَكُلُّ ما فوقَ هذا اللحمِ مُنتهِدي



شققتُ ذاتيَ لا خوفًا ولا ألَمًا

بل كي أُريكَ تجلّي الضوء في خَلَدي


أنا القصيدةُ، لا تُلقى على ورقٍ

بل تُستعارُ من الأرواحِ والنَّشَدِ


أُغنّي النورَ في جُرحٍ، وأراقصُهُ

حتى يُغنّي دمي في نغمةِ الأبَدِ


يا من تُريدُ حدودَ العشقِ، خذ جسدي

فالعاشقُ الحقُّ لا يُبقي على الجَسَدِ


أنا الذي خَطَّ في الأكوانِ أغنيتي

فاستيقظَ الحرفُ من نومٍ بلا أمدِ





_

 

[شاهين الهاشمي]

|






أنا الذي خيطُ الجرح ردائي

والنورُ من جفني على أغواري





أنا الذي مزّقتُ ذاتي طائعًا

كي أستعيدَ الحب في أشعاري





أنا الذي في كلّ موتٍ نغمةٌ

تُحيي الحياةَ بنبضةِ الإيثارِ





أنا الذي في الجلدِ نارٌ هادئةٌ

لكنّ قلبي غيمةٌ في الدارِ





أنا الذي لا يستقيمُ لسانُهُ

إلا إذا غنّى على المنشارِ





أنا نسيمي، والقصيدةُ صرخةٌ

تُلقي على الأجسادِ سرَّ النارِ






_

 

[شاهين الهاشمي]

|




أنا الجلدُ، لا تسألوني عني

قد شققتُ الحروفَ لأُعلنَ ظني




أنا نسيمي، نَفَسُ الحب فيّ

كلُّ ما ليسَ هو، فهو منّي




أحملُ النارَ في راحتي، لا أخافُ

وأُقايضُ دمي بنشيدِ التمنّي




كلُّ حرفٍ كتبتُهُ صارَ جرحًا

كلُّ جرحٍ غدا من قصيدي يغنّي






ـــ