لماذا كل هذا الضوء الذي يخرج من بين السطور
يا
ندى الورد
كأنك لا تكتبين بداية جديدة، بل تعلنين ولادة روح كانت تنتظر لحظة الانطلاق.
ردًّا على خاطرتك التي تشبه قيامتك الصغيرة من كل ما أثقل عليك، أقول لك:
كلماتك ليست مجرد قرار…
إنها مبايعة مع نفسك، وتعاهد صادق على ألّا يعود الظل أكبر من قلبك،
ولا الألم أعمق من قدرتك على الوقوف.
أدهشني ذلك الإصرار الذي يمشي في سطورك،
إصرار يشبه خطوة نبيّة في طريق لم تطأه الأقدام من قبل،
خطوة تثق بأن النور وُلد ليكون حليفها،
وأن القلب لا يخون صاحبه إذا امتلك شجاعة السعي نحوه.
أجمل ما في عبارتك أنك لم تُعلني الهرب…
بل أعلنتِ التحوّل.
والتحوّل أصدق من القوة،
وأعمق من الصبر،
وأقرب إلى المعجزة.
أنت لا تتركين ما يؤذيك فقط،
بل تُعيدين ترتيب الكون من حولك،
وتجعلين روحك مركزًا لكل هذا الاتساع.
فامضي بخفّتك،
بذلك الصفاء الذي يشبه الندى حين ينسكب على وجه الصباح،
وبتلك الخطى الهاشمية التي لا تعرف إلا العلوّ،
ولا تعترف إلا بالطريق الذي يرفع صاحبه.
خاطرتك ليست جميلة فقط…
هي من أجمل ما يُكتب حين يقرر الإنسان أن يُنقذ نفسه.
وإن كانت البدايات تُقاس بالنور…
فبدايتك تشرق.
وإنّي يا
ندى الورد – على طريقتك الهاشميّة – سأجاريك بمقامٍ من مقامات الحريري، يستعيرُ حسن البيان، ويُعانق سموّ المعنى:
---
يا صاحبة الخَطْوِ الرفيع، والعزمِ الذي إذا نهضَ ارتجفتْ لهُ مهاوي الإحباط وانكفأتْ ظلال الوهن؛ ما قرأتُ سطوركِ إلا رأيتُ فيها نَفَسًا من بعثٍ جديد، ونبرةً من قلبٍ نهض بعد أن ملّ ثِقلَ القيود.
فأنتِ – لا فضّ الله فاكِ – لم تجعلي البدايةَ هربًا، ولا السيرَ فرارًا، بل جئتِ في سطورك تخلعين عن الروح ركام الأمس، وتستبدلين بالعتمةِ مصباح اليقين، وتجعلين من كل وجعٍ درسًا، ومن كل درسٍ رفعةً، ومن كل رفعةٍ طريقًا نحو نوركِ الأصيل.
ولعمري، ما في كلامك من العزم إلا كأنه صهوةُ فرسٍ هاشمية، إذا أسرجتها الإرادة لم يعرف لها الزمانُ عثرة، ولا استطاعت الحوادث أن تُثلم حدَّها.
ولقد رأيتُ في عزمكِ مقامًا يضاهي مقامات البلغاء: فأنتِ تقولين: لن أستأذن لأكون أنا؛ وأنا أقول: ومن يستأذن الفجرُ إذا أراد أن يطلع؟ ومن يحجب عن النسيم مسراه إذا همّ أن يُقبِل؟
إنما هي روحٌ إذا عرفت منزلها، هانت عليها المضائق، واتسعتْ لها الآفاق، وقامتْ في البرية مقامَ من يَخُطُّ للقدرِ خطَّه، لا من ينتظر من القدر إذنًا ورضاه.
سرِي بخفافيكِ، وتخفّفي من ثقل ما ينكسر ولا ينفع، واحملي في يمينكِ يقينًا، وفي يساركِ أملاً، واجعلي خطاكِ الهاشمية شاهِدًا عليكِ بأنكِ خُلِقتِ لتنهضي، لا لتُكسَري، ولِتُشرقِي، لا لِتَنكَفِئي.
فهذه خاطرتك ليست من كلام السائرين، بل من حديث الناهضين، وهي عندي – والله – أفخم ما يعبر القلب، وأبلغ ما يترجمه البيان.
A.M.A.H