تواصل معنا

في زمن الخلافة العباسية . وُلد عبد السلام بن رغبان، المعروف بـ"ديك الجن"، شاعر حمص الذي لم يكن يشبه أحدًا، لا في لغته، ولا في مصيره. أحبّ ديك الجن "ورد"،...

العقاب

"أحلق فوق الحرف.. ولا أهبط إلا على المعنى"
الاشراف
إنضم
20 نوفمبر 2025
المشاركات
6,533
مستوى التفاعل
731
مجموع اﻻوسمة
2
ديك الجن الحمصي... حين صار الحب نصلًا والشعر كفّارة












في زمن الخلافة العباسية .
وُلد عبد السلام بن رغبان، المعروف بـ"ديك الجن"، شاعر حمص الذي لم يكن يشبه أحدًا،
لا في لغته، ولا في مصيره.

أحبّ ديك الجن "ورد"، جارية نصرانية، فأسلمت وتزوّجها،
وكان الحب بينهما نارًا لا تخبو.
لكن حين غاب ليكسب قوتًا، دسّ له أحدهم سمّ الشك،
فعاد وفي قلبه خنجر، وفي يده آخر.
قتلها، ثم اكتشف أن ما بلغه كان كذبًا، وأنها كانت له وحده، قلبًا وجسدًا.

ندم ديك الجن، لكن الندم لا يُعيد الحياة،
فكتب فيها شعرًا يقطر وجعًا، كأن كل بيتٍ منه محاولة غفران،
وكل قافية اعترافٌ لا يُقال إلا بعد فوات الأوان.

إليكم مشهدًا تخيليا قصيرًا يعيد تصوير
لحظة ندم ديك الجن الحمصي، بعد أن قتل محبوبته "ورد
"

في غرفةٍ ضيقةٍ من ضوءٍ خافت، جلس ديك الجن وحده،
والليل ينسدل على قلبه كما ينسدل على المدينة.

كانت يداه ترتجفان، لا من البرد، بل من الذنب.
أمامه رقعة من ورق، وريشةٌ لا تكتب، بل تنزف.
كلما حاول أن يكتب، سال الحبر كدمٍ لا يتوقف.

همس لنفسه، كأنما يعتذر للفراغ:

"يا وردُ، ما أنتِ إلا زهرةٌ ذبحتُها بيدي
فهل يغفر الترابُ ما اقترفتهُ الجراح؟"

ثم كتب، بصوتٍ يشبه البكاء:

"جسَّ الطبيبُ يدي جهلًا فقلتُ لهُ
إنَّ المحبّةَ في قلبي فخلِّ يدي"

تذكّر عينيها حين كانت تضحك، وتذكّر كيف صدّق الوشاية،
وكيف لم يسألها، لم يمنحها فرصةً واحدة للنجاة.

قام من مجلسه، وسار نحو النافذة، ينظر إلى السماء،
كأنما يبحث عن وجهها بين النجوم.

قال:

"قتلْتُها، وقتلتُ في قلبي الحياة
فهل يُبعثُ الحُبُّ بعد أن يُدفن؟"

ثم جلس، وكتب آخر ما استطاع أن يبوح به:
"يا قاتلي ما ذنبي سوى
أنني أحببتُك حبًّا لا يُحتملُ"

وفي تلك اللحظة، لم يكن ديك الجن شاعرًا،
بل كان رجلًا يكتب على قبرٍ، لا على ورق.
وكان الشعر، لا وسيلة للتفاخر، بل كفّارةٌ لا تكفيها القصائد.

"وآنِسَةٍ عَذْبِ الثّنايا وجدتُها
على خُطّةٍ فيها لِذي اللُّبِّ مَتْلَفُ
فَأَصْلَتُ حَدَّ السّيفِ في حُرِّ وَجْهِهَا
وقَلْبِي عليها مِنْ جَوى الوَجْدِ يَرْجفُ
فَخَرَّتْ كما خَرَّتْ مَهَاةٌ أَصابَها
أَخُو قَنَصٍ مُسْتَعْجِلٌ مُتَعَسِّفُ
سَيَقْتُلُني حُزْناً عليها تَأسُّفِي
وهَيهاتَ ما يُجْدِي عَلَيَّ التّأَسُّفُ"

بقلم العقاب​
 
التعديل الأخير:

ندى الورد

ســيـــدة الـقـــصــر
المدير العام
إنضم
17 مايو 2021
المشاركات
131,304
مستوى التفاعل
99,720
الإقامة
من المدينة المنورة
مجموع اﻻوسمة
36
ديك الجن الحمصي... حين صار الحب نصلًا والشعر كفّارة
مااشاء الله عليك تجيدزنثرررا وتنثر الورد
وتجيد الشعر وتنثر الدررر لي عودة والمعذرة لانشغالي عن تقصيري في الردود
 
Comment

العقاب

"أحلق فوق الحرف.. ولا أهبط إلا على المعنى"
الاشراف
إنضم
20 نوفمبر 2025
المشاركات
6,533
مستوى التفاعل
731
مجموع اﻻوسمة
2
ديك الجن الحمصي... حين صار الحب نصلًا والشعر كفّارة
مااشاء الله عليك تجيدزنثرررا وتنثر الورد
وتجيد الشعر وتنثر الدررر لي عودة والمعذرة لانشغالي عن تقصيري في الردود
ندى الورد.. يا سيدة الذوق.

كلماتكِ..
ليست ردا عابرا.
هي "شهادة".. من قامة.. تعرف ميزان الكلمة.

تعتذرين عن الانشغال؟

لا عذر بين "الأهل". يكفي أن طيفكِ.. مر من هنا.
فأضاء المكان.

خذي وقتكِ..
فحضوركِ.. دائما يأتي.. في وقته.

ممتن لروحكِ.



🌹
 
Comment

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
68,900
مستوى التفاعل
26,814
مجموع اﻻوسمة
32
ديك الجن الحمصي... حين صار الحب نصلًا والشعر كفّارة
ياأيها العقاب
شكراً لك على هذه المشهدية المؤثرة والعميقة التي تعيد الحياة إلى حكاية الشاعر ديك الجن و"ورد" بأسلوب يقطر وجعاً. لقد نجحت في تصوير تلك اللحظة الفاصلة بين جنون الحب وعبث الشك.


"وهل يجدي الندم بعد تنفيذ الحكم؟"


إنه السؤال الأبدي الذي لا يجد إجابة تريحه. الندم لا يُعيد نفساً ولا يُجبر كسراً، لكنه الثمن الوحيد الذي يدفعه القاتل لروحه، وهو العزاء المرير الذي يُبقي ذكرى المقتول حيّة في القلب. ندم ديك الجن لم يكن ليُغفر له فعلته أمام القانون أو المجتمع، بل كان كفارةً لنفسه، واعترافاً بأن أصدق الحب قد يُذبح على مذبح جهالةٍ واحدة.


لقد كان "سمّ الشك" هو القاتل الحقيقي قبل السيف. فالحب الذي لم يُحَصَّن بالثقة العمياء يظل هشاً أمام أول وشاية، وهذا هو الرابط المؤلم بين الأمس واليوم.


من الأمس إلى اليوم: مأساةٌ لا تعرف زمناً


في زمن الخلافة العباسية، كانت الغيرة تُفضي إلى السيف؛ واليوم، نرى الغيرة ذاتها أو فقدان الثقة والحاجة إلى التملك تُفضي إلى الجريمة في كل زاوية من العالم العربي، كما في مصر والأردن وغيرهما. الوسائل تختلف (من السيف إلى أدوات أخرى)، لكن جوهر المأساة واحد: قلبٌ أحبّ بصدق ثم شكّ بغباء، ودفع الطرف الأضعف الثمن الباهظ.


إن مأساة ديك الجن وورد هي نموذج لكل علاقة يغيب عنها الحوار وتحضر فيها الوصاية. فلو منحها فرصة للنجاة، لو سألها، لو صدّق عينه وعهده بدلاً من "ما بلغه"، لانتفت الجريمة. ولكن قسوة "الخنجر الذي في القلب" (خنجر الشك) تعمي عن رؤية الحقيقة.


إن الشعر الذي كتبه ديك الجن بعد فوات الأوان، أو الحزن الذي يعتمل في قلوب من يرتكبون الجريمة اليوم، هو دليل على أن "الحُبّ لا يُبعثُ بعد أن يُدفن"، لكنه يبعث الندم والحسرة التي تظل حية لا تموت.


لعل ما نحتاجه ليس فقط رثاء الضحايا، بل فهم عُمق الخنجر الذي هو "الشكّ القاتل" في العلاقات. فكل وردة تُذبح بسبب سوء ظن، أو إحساس بالتملك يتجاوز حدود الاحترام، هي امتداد لمأساة "ورد" الأمس.


ويبقى الشعر، كما ختمتَ: "كفّارةٌ لا تكفيها القصائد"، لكنها تظل شاهدة أبدية على عجز الإنسان أمام أعاصير قلبه

امتناني لهذا النص الابداعي
ختم وتثبيت ومزيد من التألق ارجوه لك
 
Comment

العقاب

"أحلق فوق الحرف.. ولا أهبط إلا على المعنى"
الاشراف
إنضم
20 نوفمبر 2025
المشاركات
6,533
مستوى التفاعل
731
مجموع اﻻوسمة
2
ديك الجن الحمصي... حين صار الحب نصلًا والشعر كفّارة

حين يفوح الجوري.. ينطق الحق

يا عبق المكان.. وسيدته.


هذا الرد.. "مرافعة" إنسانية.. ضد الشك.

أصبتِ..
القاتل لم يكن السيف.
كان "الوهم".. الذي أعمى البصيرة.

ربطكِ بين الأمس واليوم..
دليل وعي..
يرى المأساة.. بعين الحقيقة.

ختمك شرف للنص.

والتثبيت.. رفعة لقدر الكاتب.

شكرا لهذا البذخ.

فالجوري.. لا يهدي إلا.. أطيب الأثر.
ولا يترك خلفه.. إلا "عطرا".. يُسكر الروح.

ممتن لروحكِ.

🌹
 
Comment

ندى الورد

ســيـــدة الـقـــصــر
المدير العام
إنضم
17 مايو 2021
المشاركات
131,304
مستوى التفاعل
99,720
الإقامة
من المدينة المنورة
مجموع اﻻوسمة
36
ديك الجن الحمصي... حين صار الحب نصلًا والشعر كفّارة
مااجمل تلك الحروف يُشبه

جلوس شاعرٍ على حافة قلبه،

ويكاد القارئ يسمع فيه

أنين الحبر وهو يتحوّل

إلى خطيئة مكتوبة.


وإليك ردًا بأسلوبٍ يليق بإنسانٍ


يشعر، لا آلةٍ تردّ هههه:



ما كتبتَه ليس حكايةً فحسب،


بل مرثيّةُ رجلٍ يأكل الندمُ أطرافَ روحه.


لقد جعلتَ من ديك الجن


إنسانًا لا أسطورة:


ضعيفًا حين يجب أن يكون قويًا،


وقويًا حين كان ينبغي


أن يحتمي بالشكّ قبل السيف.


العقاب

هنا


ليست امرأة، بل نافذةٌ أُغلقت إلى الأبد،


ولذلك يبدو ديك الجن واقفًا أمامها


مثل طفلٍ يطرق زجاجًا لن ينفتح مرة أخرى.





لقد جعلتَ اللحظة تتنفّس:


الورق يرتجف، والدمع يتخفّى في الحبر،


والرجل الذي كان يملأ الدنيا شعرًا


يبدو فجأةً عاجزًا عن كتابة بيتٍ لا ينزف.


وفي النهاية،


لم يعد شاعرًا،


بل إنسانًا يحمل وردًا ذبل في يده،


ويعرف أخيرًا أن بعض الأخطاء


لا يرفعها الشعر… بل يخلّدها.



لكن فيه من الروح ما يكفي ليقول لك


لقد لامستَ الجرح… فأحسّ الجرح أنه

يسمع كل التقدير لك

🌹🌹🌹
 
Comment

A.M.A.H

مشرف اقسام الشعر
الاشراف
إنضم
10 أغسطس 2021
المشاركات
7,170
مستوى التفاعل
1,444
مجموع اﻻوسمة
5
ديك الجن الحمصي... حين صار الحب نصلًا والشعر كفّارة
لم تكن حكايةُ ديك الجن مجرّد قصة عاشقٍ قتلته الغيرة فقتل محبوبته؛ بل كانت صفحةً داميةً من تاريخ الروح العربية، حين تتكفّل الأوهام بارتكاب ما تعجز السيوف عنه.

ديك الجن لم يكن شاعرًا عابرًا في سجل العباسيين؛ كان واحدًا من أولئك الذين تُشعلهم النار من الداخل، فتجعل الشعر في أفواههم جمرًا، والحياة حولهم هشيمًا ينتظر الشرارة.

إن مأساة "ورد" ليست حادثة فردية، بل مثال صارخ على ما تصنعه السياسة في المدن، والوشاية في النفوس، والغيرة العمياء في الرجال الذين يملكون قلبًا أكبر من صبرهم. فعصر العباسيين — على ما فيه من حضارة وبريق — كان زمنًا يحكمه خيط رفيع بين المجد والخيبة، وبين الشعر والدم، وبين الحب والرهبة.

لقد عاش ديك الجن في حمص، مدينة تتقاطع عندها الأديان والثقافات والطبائع، وكان قلبه مهيأً لأن يشعله اختلاف صغير. حين أحب "ورد" لم يحب امرأةً فحسب؛ أحب رمزًا للسلام الذي يحلم به الشاعر في مدينة تضج بالصراع. وحين قتلها، قتل حلمًا عاش معه أكثر مما عاش مع البشر.

ومأساة ديك الجن ليست في الجريمة، بل في الوعي المتأخر الذي يفوق الجريمة وجعًا. ذلك الوعي الذي يجعلك ترى الحقيقة بعد أن تُغلق الأبواب، وتنطفئ الأنفاس، وتصير يدك هي التي أمسكت بالخنجر، والحقيقة هي التي سقطت.

لقد كتب شعره لا ليُخلّد وردًا وحدها، بل ليُخلّد خطيئته، وكأنه أراد أن يبقى عالقًا بين الندم والاعتراف، حتى لا ينجو من عذابه، ولا ينسى الناس أن الحب، في التاريخ العربي، كان قادرًا على صنع قصائد… وأن يصنع قتلى أيضًا.

إن قصيدتك — بقلم "العقاب" — أعادت تلك الروح العباسية بكل ما فيها من قسوة العاطفة وحرارة الندم، وأبرزت تلك اللحظة التي يتحوّل فيها الشاعر من سيد اللغة… إلى عبد لخطأ لا يُمحى.

ولعل أقسى ما في مأساة ديك الجن أن التاريخ لم يذكره بوصفه شاعر حمص فحسب؛ بل بوصفه الرجل الذي أحب حد الهلاك، وصدّق الكذب حد الجريمة، وبكى حد أن كتب بنفسه شاهدة قبره وقبرها معًا.

هكذا وحده التاريخ: يُدوّن الحب حين يبلغ قمته، ويُدوّن الندم حين يصبح أثقل من أعمار الرجال.
 
Comment

فتنة العصر

مشرفة عامة
الاشراف العام
إنضم
6 يونيو 2025
المشاركات
49,826
مستوى التفاعل
4,634
مجموع اﻻوسمة
10
ديك الجن الحمصي... حين صار الحب نصلًا والشعر كفّارة
لن أكتب سوى هنيئا للغابة لكاتب
مخضرم بالابداع
حقيقة قلمي يرتجف هيبة عندما
يكتب ثناء لحرفك
انحناءة تبجيل وعبق الورد لسموك
 
Comment

هدوء

💎مستشار اداري
نائب المدير العام
إنضم
24 مارس 2022
المشاركات
52,867
مستوى التفاعل
37,246
مجموع اﻻوسمة
22
ديك الجن الحمصي... حين صار الحب نصلًا والشعر كفّارة
؛

صح البوح والاحساس وهذة الحروف
الأنيقة كأنت
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى