-
- إنضم
- 2 يونيو 2024
-
- المشاركات
- 3,924
-
- مستوى التفاعل
- 2,290
-
- العمر
- 41
-
- الإقامة
- في عالم موازي
- مجموع اﻻوسمة
- 10
ضريبة الصدق
يظنّ التائب في بداية عهده أن الطريق سيُفرش له بالورود، وأن الكون سيصفّق لقراره، وأن الفتن ستتنحّى جانبًا احترامًا لهيبته الجديدة.
لكنه يُصدم بالواقع:
فجأة… تشتعل الفتن، وكأنها كانت نائمة فاستيقظت.
تتزيّن المعصية التي تركها، وتبدو أشهى مما كانت.
وقد يُقدَّر أن يضيق الرزق الحلال، ويُفتح باب الحرام ابتلاءً واختبارًا.
وتتكاثر عليه دوافع الشر، من شياطين الإنس والجن.
فيقف حائرًا، يهمس في نفسه:
«يا رب، لقد جئتُ إليك… فلماذا زاد البلاء؟ أهذا إعراض أم قبول؟».
هنا يجب أن تُفهم القاعدة العميقة:
«اللصّ لا يسطو على بيتٍ فارغ».
حين كنت غافلًا، كان الشيطان مطمئنًا لك؛
لم يكن يبذل جهدًا معك، لأنك كنت تسير في ركبه دون مقاومة.
لكن في اللحظة التي قررتَ فيها التمرّد على الغفلة، والاستدارة الصادقة نحو طاعة الله،
فقد أعلنت الخصومة.
وتغيير الوجهة لا يمرّ بلا مقاومة؛
فالعدو لا يترك أسراه يرحلون دون محاولة استردادهم.
ولذلك، فإن اشتداد الهجوم غالبًا لا يكون دليل رفض،
بل علامة أنك سرت في الاتجاه الصحيح، وأن هذه التوبة لم تكن هامشية ولا شكلية.
ثمّة معنى أعمق يحكم المشهد، وهو سُنّة الله في الصدق.
فالدعاوى سهلة، والكلام ميسور، وكل الناس يقولون:
«نحب الله»، و«نحن مؤمنون».
لكن الله لا يزكّي الدعاوى المجرّدة،
بل يضع العبد في ميدان الاختبار،
ليتميّز الصادق من المدّعي.
فتُعرض عليك الفتنة بعد التوبة، قريبة، مُلحّة، ممكنة،
لا لأن الله يريد إسقاطك،
بل ليظهر:
هل تركتها لأنك عاجز عنها؟
أم تركتها لأنك تخاف الله حقًا؟
هل كانت توبتك اندفاعًا عاطفيًا؟
أم قرارًا إيمانيًا راسخًا؟
هذه ليست عقوبات،
بل محطات فرز،
يُنظر فيها: من يثبت؟ ومن يتراجع؟
فالسلعة غالية،
والجنة لا تُنال بالتمنّي،
بل بالصبر والمصابرة.
إذا اشتدت عليك الرياح بعد استقامتك،
فلا تَفزع.
فالميّت قلبًا وحده من يجرفه التيار بلا مقاومة،
أما الحيّ… فهو الذي يشعر بثقل الماء، لأنه يتحرّك عكسه.
فلا تظنّ التضييق خذلانًا،
ولا تفسّر الاختبار على أنه إقصاء،
فالله لا يبتليك وأنت مقيم على التوبة ليعذّبك،
بل ليهذّبك، ويصفّي قلبك، ويقطع عنه ما سواه.
وتبقى القاعدة التي لا تتبدّل، والميزان الذي لا يختلّ:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾
فاثبت…
فما هي إلا أيام،
ويُقال لك: عبرتَ بسلام.
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : ضريبة الصدق
|
المصدر : قسم الغابة الاسلامي

