تواصل معنا

من مدارج السالكين ♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡ فَصْلٌ اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ...

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡

فَصْلٌ اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ
اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ

فِي اشْتِمَالِ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ.
التَّوْحِيدُ نَوْعَانِ:
نَوْعٌ فِي الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ.
وَنَوْعٌ فِي الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ.
وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ: التَّوْحِيدَ الْعِلْمِيَّ.
وَالثَّانِي: التَّوْحِيدَ الْقَصْدِيَّ الْإِرَادِيَّ.
لِتَعَلُّقِ الْأَوَّلِ بِالْأَخْبَارِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَالثَّانِي بِالْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، وَهَذَا الثَّانِي أَيْضًا نَوْعَانِ:
تَوْحِيدٌ فِي الرُّبُوبِيَّةِ.
وَتَوْحِيدٌ فِي الْإِلَهِيَّةِ.
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ.

فَأَمَّا تَوْحِيدُ الْعِلْمِ:
فَمَدَارُهُ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَعَلَى نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالْمِثَالِ، وَالتَّنْزِيهِ عَنِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا شَيْئَانِ:
مُجْمَلٌ، وَمُفَصَّلٌ.

أَمَّا الْمُجْمَلُ:
فَإِثْبَاتُ الْحَمْدِ لَهُ سُبْحَانَهُ.
وَأَمَّا الْمُفَصَّلُ: فَذِكْرُ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالرَّحْمَةِ وَالْمُلْكِ، وَعَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعِ مَدَارُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

فَأَمَّا تَضَمُّنُ الْحَمْدِ لِذَلِكَ:
فَإِنَّ الْحَمْدَ يَتَضَمَّنُ مَدْحَ الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، مَعَ مَحَبَّتِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ، وَالْخُضُوعِ لَهُ، فَلَا يَكُونُ حَامِدًا مَنْ جَحَدَ صِفَاتِ الْمَحْمُودِ، وَلَا مَنْ أَعْرَضَ عَنْ مَحَبَّتِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ، وَكُلَّمَا كَانَتْ صِفَاتُ كَمَالِ الْمَحْمُودِ أَكْثَرَ كَانَ حَمْدُهُ أَكْمَلَ، وَكُلَّمَا نَقَصَ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ نَقَصَ مِنْ حَمْدِهِ بِحَسَبِهَا، وَلِهَذَا كَانَ الْحَمْدُ كُلُّهُ لِلَّهِ حَمْدًا لَا يُحْصِيهِ سِوَاهُ، لِكَمَالِ صِفَاتِهِ وَكَثْرَتِهَا، وَلِأَجْلِ هَذَا لَا يُحْصِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ، لِمَا لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنُعُوتِ الْجَلَالِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا سِوَاهُ، وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى آلِهَةَ الْكُفَّارِ، وَعَابَهَا بِسَلْبِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ عَنْهَا، فَعَابَهَا بِأَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَهْدِي، وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَهَذِهِ صِفَةُ إِلَهِ الْجَهْمِيَّةِ، الَّتِي عَابَ بِهَا الْأَصْنَامَ، نَسَبُوهَا إِلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُحَاجَّتِهِ لِأَبِيهِ:
{يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: ٤٢]
فَلَوْ كَانَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمَثَابَةِ لَقَالَ لَهُ آزَرُ:
وَأَنْتَ إِلَهُكَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَيَّ؟
لَكِنْ كَانَ مَعَ شِرْكِهِ أَعْرَفَ بِاللَّهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَكَذَلِكَ كَفَّارُ قُرَيْشٍ كَانُوا مَعَ شِرْكِهِمْ مُقِرِّينَ بِصِفَاتِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَقَالَ تَعَالَى:
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف: ١٤٨]
فَلَوْ كَانَ إِلَهُ الْخَلْقِ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِدْلَالٌ عَلَى بُطْلَانِ الْإِلَهِيَّةِ بِذَلِكَ.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡

فَإِنْ قِيلَ:
فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ.
قِيلَ: بَلَى، قَدْ كَلَّمَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَمُوسَى، وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ الْمَلَكِيِّ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَكَلَّمَ اللَّهُ سَائِرَ النَّاسِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كَلَامَهُ الَّذِي بَلَّغَتْهُ رُسُلُهُ عَنْهُ، وَقَالُوا لَهُمْ:
هَذَا كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، وَأَمَرَنَا بِتَبْلِيغِهِ إِلَيْكُمْ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ السَّلَفُ:
مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَ اللَّهِ مُتَكَلِمًا فَقَدْ أَنْكَرَ رِسَالَةَ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ، لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا تَبْلِيغُ كَلَامِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إِلَى عِبَادِهِ، فَإِذَا انْتَفَى كَلَامُهُ انْتَفَتِ الرِّسَالَةُ، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ طه عَنِ السَّامِرِيِّ:
{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [طه: ٨٨]
وَرَجْعُ الْقَوْلِ: هُوَ التَّكَلُّمُ وَالتَّكْلِيمُ، وَقَالَ تَعَالَى:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: ٧٦]
فَجَعَلَ نَفْيَ صِفَةِ الْكَلَامِ مُوجِبًا لِبُطْلَانِ الْإِلَهِيَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْفِطَرِ وَالْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ:
أَنَّ فَاقِدَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَا يَكُونُ إلَهًا، وَلَا مُدَبِّرًا، وَلَا رَبًّا، بَلْ هُوَ مَذْمُومٌ، مَعِيبٌ نَاقِصٌ، لَيْسَ لَهُ الْحَمْدُ، لَا فِي الْأُولَى، وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ لِمَنْ لَهُ صِفَاتُ الْكَمَالِ، وَنُعُوتُ الْجَلَالِ، الَّتِي لِأَجْلِهَا اسْتَحَقَّ الْحَمْدَ، وَلِهَذَا سَمَّى السَّلَفُ كُتُبَهُمُ الَّتِي صَنَّفُوهَا فِي السُّنَّةِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ الرَّبِّ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَكَلَامِهِ وَتَكْلِيمِهِ تَوْحِيدًا، لِأَنَّ نَفْيَ ذَلِكَ وَإِنْكَارَهُ وَالْكُفْرَ بِهِ إِنْكَارٌ لِلصَّانِعِ وَجَحْدٌ لَهُ، وَإِنَّمَا تَوْحِيدُهُ، إِثْبَاتُ صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَتَنْزِيهُهُ عَنِ التَّشْبِيهِ وَالنَّقَائِصِ، فَجَعَلَ الْمُعَطِّلَةُ جَحْدَ الصِّفَاتِ وَتَعْطِيلَ الصَّانِعِ عَنْهَا تَوْحِيدًا، وَجَعَلُوا إِثْبَاتَهَا لِلَّهِ تَشْبِيهًا وَتَجْسِيمًا وَتَرْكِيبًا، فَسَمَّوُا الْبَاطِلَ بِاسْمِ الْحَقِّ، تَرْغِيبًا فِيهِ، وَزُخْرُفًا يُنْفِقُونَهُ بِهِ، وَسَمَّوُا الْحَقَّ بِاسْمِ الْبَاطِلِ تَنْفِيرًا عَنْهُ، وَالنَّاسُ أَكْثَرُهُمْ مَعَ ظَاهِرِ السِّكَّةِ، لَيْسَ لَهُمْ نَقْدُ النُّقَّادِ

{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: ١٧]
وَالْمَحْمُودُ لَا يُحْمَدُ عَلَى الْعَدَمِ وَالسُّكُوتِ الْبَتَّةَ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ سَلْبَ عُيُوبٍ وَنَقَائِصَ، تَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ أَضْدَادِهَا مِنَ الْكِمَالَاتِ الْثُبُوتِيَّةِ، وَإِلَّا فَالسَّلْبُ الْمَحْضُ لَا حَمْدَ فِيهِ، وَلَا مَدْحَ وَلَا كَمَالَ.
وَكَذَلِكَ حَمْدُهُ لِنَفْسِهِ عَلَى عَدَمِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ الْمُتَضَمِّنِ لِكَمَالِ صَمَدِيَّتِهِ وَغِنَاهُ وَمُلْكِهِ، وَتَعْبِيدِ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ، فَاتِّخَاذُ الْوَلَدِ يُنَافِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: ٦٨] .
وَحَمْدُ نَفْسِهِ عَلَى عَدَمِ الشَّرِيكِ، الْمُتَضَمِّنِ تَفَرُّدَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ، وَتَوَحُّدَهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا يُوصَفُ بِهَا غَيْرُهُ، فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ، فَلَوْ عُدِمَهَا لَكَانَ كُلُّ مَوْجُودٍ أَكْمَلَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ أَكْمَلُ مِنَ الْمَعْدُومِ، وَلِهَذَا لَا يَحْمَدُ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بِعَدَمٍ إِلَّا إِذَا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِثُبُوتِ كَمَالٍ، كَمَا حَمِدَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ لَا يَمُوتُ لِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ حَيَاتِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ كَمَالَ قَيُّومِيَّتِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ، لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، لِكَمَالِ عَدْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَحَمِدَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، لِكَمَالِ عَظَمَتِهِ، يَرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا أَنَّهُ يَعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، فَمُجَرَّدُ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ بِكَمَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يُرَى، فَلَيْسَ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ لَا يُرَى كَمَالٌ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا الْكَمَالُ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَاطُ بِهِ رُؤْيَةً وَلَا إِدْرَاكًا، لِعَظَمَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَتَعَالِيهِ عَنْ إِدْرَاكِ الْمَخْلُوقِ لَهُ، وَكَذَلِكَ حَمِدَ نَفْسَهُ بِعَدَمِ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ، لِكَمَالِ عِلْمِهِ.
فَكُلُّ سَلْبٍ فِي الْقُرْآنِ حَمِدَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَلِمُضَادَّتِهِ لِثُبُوتِ ضِدِّهِ، وَلِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ ثُبُوتِ ضِدِّهِ.
فَعَلِمْتُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْحَمْدِ تَابِعَةٌ لِثُبُوتِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ، وَأَنَّ نَفْيَهَا نَفْيٌ لِحَمْدِهِ، وَنَفْيُ الْحَمْدِ مُسْتَلْزِمٌ لِثُبُوتِ ضِدِّهِ.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين

من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡
فَصْلٌ دِلَالَةٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ

فَهَذِهِ دِلَالَةٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
وَأَمَّا دِلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَيْهَا، وَهِيَ:
" اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ، وَالرَّحِيمُ، وَالْمَلِكُ " فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَسْمَاءَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَالَّةٌ عَلَى صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ
الصِّفَاتِ، فَهِيَ أَسْمَاءٌ، وَهِيَ أَوْصَافٌ، وَبِذَلِكَ كَانَتْ حُسْنَى، إِذْ لَوْ كَانَتْ أَلْفَاظًا لَا مَعَانِيَ فِيهَا لَمْ تَكُنْ حُسْنَى، وَلَا كَانَتْ دَالَّةً عَلَى مَدْحٍ وَلَا كَمَالٍ، وَلَسَاغَ وُقُوعُ أَسْمَاءِ الِانْتِقَامِ وَالْغَضَبِ فِي مَقَامِ الرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَبِالْعَكْسِ، فَيُقَالُ:
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ الْمُنْتَقِمُ، وَاللَّهُمَّ أَعْطِنِي، فَإِنَّكَ أَنْتَ الضَّارُّ الْمَانِعُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَنَفْيُ مَعَانِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مِنْ أَعْظَمِ الْإِلْحَادِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى:
{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٨٠] وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى مَعَانٍ وَأَوْصَافٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهَا بِمَصَادِرِهَا وَيُوصَفُ بِهَا، لَكِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَصَادِرِهَا، وَأَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ، وَأَثْبَتَهَا لَهُ رَسُولُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: ٥٨]
فَعَلِمَ أَنَّ الْقَوِيَّ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَمَعْنَاهُ الْمَوْصُوفُ بِالْقُوَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
{فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: ١٠]
فَالْعَزِيزُ مَنْ لَهُ الْعِزَّةُ، فَلَوْلَا ثُبُوتُ الْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ لَهُ لَمْ يُسَمَّ قَوِيًّا وَلَا عَزِيزًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: ١٦٦].
{فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: ١٤].
{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: ٢٥٥] .
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»
فَأُثْبِتَ الْمَصْدَرُ الَّذِي اشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُهُ الْبَصِيرُ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ ".»

يتبع 🌺
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡

وَفِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ الِاسْتِخَارَةِ:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسَتُخَيِّرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ» فَهُوَ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ.
وَقَالَ تَعَالَى لِمُوسَى:
{إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: ١٤٤]
فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ.
وَهُوَ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ الْعَظَمَةٌ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْعَظَمَةُ إِزَارِي، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي»
وَهُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: ١٢].
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِحَيَاةِ اللَّهِ، أَوْ سَمْعِهِ، أَوْ بَصَرِهِ، أَوْ قُوَّتِهِ، أَوْ عِزَّتِهِ أَوْ عَظَمَتِهِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَكَانَتْ مُكَفِّرَةً، لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتُ كَمَالِهِ الَّتِي اشْتُقَّتْ مِنْهَا أَسْمَاؤُهُ.
وأَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنْ أَسْمَاؤُهُ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَعَانٍ وَصِفَاتٍ لَمْ يَسُغْ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُ بِأَفْعَالِهَا، فَلَا يُقَالُ:
يَسْمَعُ وَيَرَى، وَيَعْلَمُ وَيَقْدِرُ وَيُرِيدُ، فَإِنَّ ثُبُوتَ أَحْكَامِ الصِّفَاتِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا، فَإِذَا انْتَفَى أَصْلُ الصِّفَةِ اسْتَحَالَ ثُبُوتُ حُكْمِهَا.
وأَيْضًا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ أَسْمَاؤُهُ ذَوَاتِ مَعَانٍ وَأَوْصَافٍ لَكَانَتْ جَامِدَةً كَالْأَعْلَامِ الْمَحْضَةِ، الَّتِي لَمْ تُوضَعْ لِمُسَمَّاهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى قَامَ بِهِ، فَكَانَتْ كُلُّهَا سَوَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَدْلُولَاتِهَا، وَهَذَا مُكَابَرَةٌ صَرِيحَةٌ، وَبُهْتٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ مَعْنَى اسْمِ الْقَدِيرِ هُوَ مَعْنَى اسْمِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ، وَمَعْنَى اسْمِ التَّوَّابِ هُوَ مَعْنَى اسْمِ الْمُنْتَقِمِ، وَمَعْنَى اسْمِ الْمُعْطِي هُوَ مَعْنَى اسْمِ الْمَانِعِ فَقَدْ كَابَرَ الْعَقْلَ وَاللُّغَةَ وَالْفِطْرَةَ.
فَنَفْيُ مَعَانِي أَسْمَائِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْإِلْحَادِ فِيهَا، وَالْإِلْحَادُ فِيهَا أَنْوَاعٌ هَذَا أَحُدُهَا.

الثَّانِي: تَسْمِيَةُ الْأَوْثَانِ بِهَا، كَمَا يُسَمُّونَهَا آلِهَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ:
عَدَلُوا بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْا بِهَا أَوْثَانَهُمْ، فَزَادُوا وَنَقَصُوا، فَاشْتَقُّوا اللَّاتَ مِنَ اللَّهِ، وَالْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ، وَمَنَاةَ مِنَ الْمَنَّانِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
{يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: ١٨٠]
يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى.
وَحَقِيقَةُ الْإِلْحَادِ فِيهَا الْعُدُولُ بِهَا عَنِ الصَّوَابِ فِيهَا، وَإِدْخَالُ مَا لَيْسَ مِنْ مَعَانِيهَا فِيهَا، وَإِخْرَاجُ حَقَائِقِ مَعَانِيهَا عَنْهَا، هَذَا حَقِيقَةُ الْإِلْحَادِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، فَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْإِلْحَادَ بِالْكَذِبِ، أَوْ هُوَ غَايَةُ الْمُلْحِدِ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إِذَا أَدْخَلَ فِي مَعَانِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَخَرَجَ بِهَا عَنْ حَقَائِقِهَا، أَوْ بَعْضِهَا، فَقَدْ عَدَلَ بِهَا عَنِ الصَّوَابِ وَالْحَقِّ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْإِلْحَادِ.
فَالْإِلْحَادُ إِمَّا بِجَحْدِهَا وَإِنْكَارِهَا، وَإِمَّا بِجَحْدِ مَعَانِيهَا وَتَعْطِيلِهَا، وَإِمَّا بِتَحْرِيفِهَا عَنِ الصَّوَابِ، وَإِخْرَاجِهَا عَنِ الْحَقِّ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَإِمَّا بِجَعْلِهَا أَسْمَاءً لِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَصْنُوعَاتِ، كَإِلْحَادِ أَهْلِ الِاتِّحَادِ، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهَا أَسْمَاءَ هَذَا الْكَوْنِ، مَحْمُودَهَا وَمَذْمُومَهَا، حَتَّى قَالَ زَعِيمُهُمْ:
وَهُوَ الْمُسَمَّى بِكُلِّ اسْمٍ مَمْدُوحٍ عَقْلًا، وَشَرْعًا وَعُرْفًا، وَبِكُلِّ اسْمٍ مَذْمُومٍ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعُرْفًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْمُلْحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
 
Comment

زهرة الاوركيد

نحن الاكتفاء ان كان غيرنا ناقص
نجوم المنتدي
إنضم
6 أغسطس 2021
المشاركات
7,818
مستوى التفاعل
4,953
الإقامة
بلد لا اعرفه
مجموع اﻻوسمة
2
قطوف من مدارج السالكين
جزاك الله خير على الموضوع
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡

فَصْلٌ اسْمُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ بِمُفْرَدِهَا وَيَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ

الْأَصْلُ الثَّانِي:
أَنَّ الِاسْمَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالصِّفَةِ الَّتِي اشْتُقَّ مِنْهَا بِالْمُطَابَقَةِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِالتَّضَمُّنِ وَاللُّزُومِ، فَيَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ بِمُفْرَدِهَا بِالتَّضَمُّنِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الصِّفَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ الْأُخْرَى بِاللُّزُومِ، فَإِنَّ اسْمَ السَّمِيعِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِ الرَّبِّ وَسَمْعِهِ بِالْمُطَابَقَةِ، وَعَلَى الذَّاتِ وَحْدَهَا، وَعَلَى السَّمْعِ وَحْدَهُ بِالتَّضَمُّنِ، وَيَدُلُّ عَلَى اسْمِ الْحَيِّ وَصِفَةِ الْحَيَاةِ بِالِالْتِزَامِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَكِنْ يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي مَعْرِفَةِ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ، وَمِنْ هَاهُنَا
يَقَعُ اخْتِلَافُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَحْكَامِ، فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ لَازِمٌ لِلْحَيَاةِ، وَأَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ لَازِمٌ لِلْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ، وَأَنَّ سَائِرَ الْكَمَالِ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ أَثْبَتَ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مَا يُنْكِرُهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ لُزُومَ ذَلِكَ، وَلَا عَرِفَ حَقِيقَةَ الْحَيَاةِ وَلَوَازِمَهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ صِفَاتِهِ.
فَإِنَّ اسْمَ الْعَظِيمِ لَهُ لَوَازِمُ يُنْكِرُهَا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ عَظْمَةَ اللَّهِ وَلَوَازِمَهَا.
وَكَذَلِكَ اسْمُ الْعَلِيِّ، وَاسْمُ الْحَكِيمِ وَسَائِرُ أَسْمَائِهِ، فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ الْعُلُوَّ الْمُطْلَقَ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ: عُلُوُّ الْقَدْرِ، وَعُلُوُّ الْقَهْرِ، وَعُلُوُّ الذَّاتِ، فَمَنْ جَحَدَ عُلُوَّ الذَّاتِ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الْعَلِيِّ.
وَكَذَلِكَ اسْمُهُ الظَّاهِرُ مِنْ لَوَازِمِهِ: أَنْ لَا يَكُونَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ":
«وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ»
بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ جَحَدَ فَوْقِيَّتَهُ سُبْحَانَهُ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الظَّاهِرِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ هُوَ مَنْ لَهُ فَوْقِيَّةُ الْقَدْرِ فَقَطْ، كَمَا يُقَالُ:
الذَّهَبُ فَوْقَ الْفِضَّةِ، وَالْجَوْهَرُ فَوْقَ الزُّجَاجِ; لِأَنَّ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالظُّهُورِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الْمُفَوَّقُ أَظْهَرَ مِنَ الْفَائِقِ فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ظُهُورُ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ ظَاهِرًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، لِمُقَابَلَةِ الِاسْمِ بِ " الْبَاطِنِ " وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ، كَمَا قَابَلَ الْأَوَّلَ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، بِ " الْآخِرِ " الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ.
وَكَذَلِكَ اسْمُ " الْحَكِيمِ " مِنْ لَوَازِمِهِ ثُبُوتُ الْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ الْمَقْصُودَةِ لَهُ بِأَفْعَالِهِ، وَوَضْعُهُ الْأَشْيَاءَ فِي مَوْضِعِهَا، وَإِيقَاعُهَا عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، فَإِنْكَارُ ذَلِكَ إِنْكَارٌ لِهَذَا الِاسْمِ وَلَوَازِمِهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين

من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡

فَصْلٌ اسْمُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى

إِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ، فَاسْمُ اللَّهِ دَالٌّ عَلَى جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتِالْعُلْيَا بِالدِّلَالَاتِ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى إِلَهِيَّتِهِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِثُبُوتِ صِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ لَهُ مَعَ نَفْيِ أَضْدَادِهَا عَنْهُ.
وَصِفَاتُ الْإِلَهِيَّةِ:
هِيَ صِفَاتُ الْكَمَالِ، الْمُنَزَّهَةُ عَنِ التَّشْبِيهِ وَالْمِثَالِ، وَعَنِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ، وَلِهَذَا يُضِيفُ اللَّهُ تَعَالَى سَائِرَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى إِلَى هَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: ١٨٠]
وَيُقَالُ: الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ، وَالْقُدُّوسُ، وَالسَّلَامُ، وَالْعَزِيزُ، وَالْحَكِيمُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ،

وَلَا يُقَالُ: اللَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّحْمَنِ، وَلَا مِنْ أَسْمَاءِ الْعَزِيزِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
فَعُلِمَ أَنَّ اسْمَهُ اللَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِجَمِيعِ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، دَالٌّ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَالِ، وَالْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى تَفْصِيلٌ وَتَبْيِينٌ لِصِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي اشْتُقَّ مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ، وَاسْمُ اللَّهِ دَالٌّ عَلَى كَوْنِهِ مَأْلُوهًا مَعْبُودًا، تُؤَلِّهُهُ الْخَلَائِقُ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَخُضُوعًا، وَفَزَعًا إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ وَالنَّوَائِبِ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِكَمَالِ رُبُوبِيَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ، الْمُتَضَمِّنَيْنِ لِكَمَالِ الْمُلْكِ وَالْحَمْدِ، وَإِلَهِيَّتُهُ وَرُبُوبِيَّتُهُ وَرَحْمَانِيَّتُهُ وَمُلْكُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ كَمَالِهِ، إِذْ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ ذَلِكَ لِمَنْ لَيْسَ بِحَيٍّ، وَلَا سَمِيعٍ، وَلَا بَصِيرٍ، وَلَا قَادِرٍ، وَلَا مُتَكَلِّمٍ، وَلَا فَعَّالٍ لِمَا يُرِيدُ، وَلَا حَكِيمٍ فِي أَفْعَالِهِ.
وَصِفَاتُ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ:
أَخَصُّ بِاسْمِ اللَّهِ.
وَصِفَاتُ الْفِعْلِ وَالْقُدْرَةِ، وَالتَّفَرُّدِ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ، وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَنُفُوذِ الْمَشِيئَةِ وَكَمَالِ الْقُوَّةِ، وَتَدْبِيرِ أَمْرِ الْخَلِيقَةِ أَخَصُّ بِاسْمِ الرَّبِّ.
وَصِفَاتُ الْإِحْسَانِ، وَالْجُودِ وَالْبِرِّ، وَالْحَنَانِ وَالْمِنَّةِ، وَالرَّأْفَةِ وَاللُّطْفِ أَخَصُّ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ، وَكُرِّرَ إِيَذَانًا بِثُبُوتِ الْوَصْفِ، وَحُصُولِ أَثَرِهِ، وَتَعَلُّقِهِ بِمُتَعَلِّقَاتِهِ.
فَالرَّحْمَنُ الَّذِي الرَّحْمَةُ وَصْفُهُ، وَالرَّحِيمُ الرَّاحِمُ لِعِبَادِهِ، وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالَى:
{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣]
{إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١١٧]
وَلَمْ يَجِئْ: رَحْمَنُ بِعِبَادِهِ، وَلَا رَحْمَنُ بِالْمُؤْمِنِينَ، مَعَ مَا فِي اسْمِ الرَّحْمَنِ الَّذِي هُوَ عَلَى وَزْنِ فَعْلَانِ مِنْ سِعَةِ هَذَا الْوَصْفِ، وَثُبُوتِ جَمِيعِ مَعْنَاهُ الْمَوْصُوفِ بِهِ.
ألَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ:
غَضْبَانُ، لِلْمُمْتَلِئِ غَضَبًا، وَنَدْمَانُ وَحَيْرَانُ وَسَكْرَانُ وَلَهْفَانُ
لِمَنْ مُلِئَ بِذَلِكَ، فَبِنَاءُ فَعْلَانِ لِلسَّعَةِ وَالشُّمُولِ، وَلِهَذَا يَقْرِنُ اسْتِوَاءَهُ عَلَى الْعَرْشِ بِهَذَا الِاسْمِ كَثِيرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: ٥٩]
فَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ، لِأَنَّ الْعَرْشَ مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ قَدْ وَسِعَهَا، وَالرَّحْمَةُ مُحِيطَةٌ بِالْخَلْقِ وَاسِعَةٌ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦]
فَاسْتَوَى عَلَى أَوْسَعِ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَوْسَعِ الصِّفَاتِ، فَلِذَلِكَ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» وَفِي لَفْظٍ «فَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ» .
فَتَأَمَّلِ اخْتِصَاصَ هَذَا الْكِتَابِ بِذِكْرِ الرَّحْمَةِ، وَوَضْعَهُ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَطَابِقْ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]
وَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: ٥٩]
يَنْفَتِحُ لَكَ بَابٌ عَظِيمٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنْ لَمْ يُغْلِقْهُ عَنْكَ التَّعْطِيلُ وَالتَّجَهُّمُ.
وَصِفَاتُ الْعَدْلِ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ، وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ، وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَالْإِعْزَازِ وَالْإِذْلَالِ، وَالْقَهْرِ وَالْحُكْمِ، وَنَحْوُهَا أَخَصُّ بِاسْمِ الْمَلِكِ وَخَصَّهُ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ بِالْعَدْلِ، لِتَفَرُّدِهِ بِالْحُكْمِ فِيهِ وَحْدَهُ، وَلِأَنَّهُ الْيَوْمُ الْحَقُّ، وَمَا قَبْلَهُ كَسَاعَةٍ، وَلِأَنَّهُ الْغَايَةُ، وَأَيَّامُ الدُّنْيَا مَرَاحِلُ إِلَيْهِ.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡

فَصْلٌ ارْتِبَاطُ الْخَلْقِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ

وَتَأَمَّلِ ارْتِبَاطَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ كَيْفَ نَشَأَ عَنْهَا الْخَلْقُ، وَالْأَمْرُ، وَالثَّوَابُ، وَالْعِقَابُ؟
وَكَيْفَ جَمَعَتِ الْخَلْقَ وَفَرَّقَتْهُمْ؟
فَلَهَا الْجَمْعُ، وَلَهَا الْفَرْقُ.

فَاسْمُ الرَّبِّ لَهُ الْجَمْعُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَهُوَ رَبُّ كُلَّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ رُبُوبِيَّتِهِ، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبْدٌ لَهُ فِي قَبْضَتِهِ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ، فَاجْتَمَعُوا بِصِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَافْتَرَقُوا بِصِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ، فَأَلَّهَهُ وَحْدَهُ السُّعَدَاءُ، وَأَقَرُّوا لَهُ طَوْعًا بِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ، وَالْحُبُّ وَالْإِنَابَةُ وَالْإِخْبَاتُ وَالْخَشْيَةُ، وَالتَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ إِلَّا لَهُ.
وَهُنَا افْتَرَقَ النَّاسُ، وَصَارُوا فَرِيقَيْنِ:
فَرِيقًا مُشْرِكِينَ فِي السَّعِيرِ.
وَفَرِيقًا مُوَحِّدِينَ فِي الْجَنَّةِ.

فَالْإِلَهِيَّةُ هِيَ الَّتِي فَرَّقَتْهُمْ، كَمَا أَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ هِيَ الَّتِي جَمَعَتْهُمْ.

فَالدِّينُ وَالشَّرْعُ، وَالْأَمْرُ وَالَنَّهْيُ مَظْهَرُهُ، وَقِيَامُهُ مِنْ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْخَلْقُ وَالْإِيجَادُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْفِعْلُ مِنْ صِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَالْجَزَاءُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ صِفَةِ الْمُلْكِ، وَهُوَ مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ، فَأَمَرَهُمْ بِإِلَهِيَّتِهِ، وَأَعَانَهُمْ وَوَفَّقَهُمْ وَهَدَاهُمْ وَأَضَلَّهُمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَأَثَابَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ بِمُلْكِهِ وَعَدْلِهِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْأُخْرَى.

وَأَمَّا الرَّحْمَةُ فَهِيَ التَّعَلُّقُ، وَالسَّبَبُ الَّذِي بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، فَالتَّأْلِيهُ مِنْهُمْ لَهُ، وَالرُّبُوبِيَّةُ مِنْهُ لَهُمْ، وَالرَّحْمَةُ سَبَبٌ وَاصِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، بِهَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ، وَبِهَا هَدَاهُمْ، وَبِهَا أَسْكَنَهُمْ دَارَ ثَوَابِهِ، وَبِهَا رَزَقَهُمْ وَعَافَاهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، فَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سَبَبُ الْعُبُودِيَّةِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ سَبَبُ الرَّحْمَةِ.

وَاقْتِرَانُ رُبُوبِيَّتِهِ بِرَحْمَتِهِ كَاقْتِرَانِ اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ بِرَحْمَتِهِ، فَ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ {رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٢ - ٣] فَإِنَّ شُمُولَ الرُّبُوبِيَّةِ وَسِعَتْهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْهَا أَقْصَى شُمُولِ الرَّحْمَةِ وَسِعَتِهَا، فَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ بِرَحْمَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، مَعَ أَنَّ فِي كَوْنِهِ رَبًّا لِلْعَالَمِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَكَوْنِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡
فَصْلٌ:
ذِكْرُ أَسْمَاءِ اللَّهِ بَعْدَ الْحَمْدِ

فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ بَعْدَ الْحَمْدِ، وَإِيقَاعِ الْحَمْدِ عَلَى مَضْمُونِهَا وَمُقْتَضَاهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُودٌ فِي إِلَهِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي رَحْمَانِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي مُلْكِهِ، وَأَنَّهُ إِلَهٌ مَحْمُودٌ، وَرَبٌّ مَحْمُودٌ، وَرَحْمَنٌ مَحْمُودٌ، وَمَلِكٌ مَحْمُودٌ، فَلَهُ بِذَلِكَ جَمِيعُ أَقْسَامِ الْكَمَالِ:
كَمَالٌ مِنْ هَذَا الِاسْمِ بِمُفْرَدِهِ، وَكَمَالٌ مِنَ الْآخَرِ بِمُفْرَدِهِ، وَكَمَالٌ مِنِ اقْتِرَانِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.
مِثَالُ ذَلِكَ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: ٦].
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: ٢٦].
{وَاللَّهُ قَدِيرٌ} [الممتحنة: ٧].
{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢١٨].
فَالْغِنَى صِفَةُ كَمَالٍ، وَالْحَمْدُ صِفَةُ كَمَالٍ، وَاقْتِرَانُ غِنَاهُ بِحَمْدِهِ كَمَالٌ أَيْضًا، وَعِلْمُهُ كَمَالٌ، وَحِكْمَتُهُ كَمَالٌ، وَاقْتِرَانُ الْعِلْمِ بِالْحِكْمَةِ كَمَالٌ أَيْضًا، وَقُدْرَتُهُ كَمَالٌ وَمَغْفِرَتُهُ كَمَالٌ، وَاقْتِرَانُ الْقُدْرَةِ بِالْمَغْفِرَةِ كَمَالٌ، وَكَذَلِكَ الْعَفْوُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ:
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٤٣].
وَاقْتِرَانُ الْعِلْمِ بِالْحِلْمِ:
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: ١٢] .

وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ:
اثْنَانِ يَقُولَانِ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ.
وَاثْنَانِ يَقُولَانِ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ.
فَمَا كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَفَا، وَلَا كُلُّ مَنْ عَفَا يَعْفُو عَنْ قُدْرَةٍ، وَلَا كُلُّ مَنْ عَلِمَ يَكُونُ حَلِيمًا، وَلَا كُلُّ حَلِيمٍ عَالِمٌ، فَمَا قُرِنَ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَزْيَنُ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ، وَمِنْ عَفْوٍ إِلَى قُدْرَةٍ، وَمِنْ مُلْكٍ إِلَى حَمْدٍ، وَمِنْ عِزَّةٍ إِلَى رَحْمَةٍ.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: ٩]
وَمِنْ هَاهُنَا كَانَ قَوْلُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨]
أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يَقُولَ:
وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، أَيْ إِنْ غَفَرْتَ لَهُمْ كَانَ مَصْدَرُ مَغْفِرَتِكَ عَنْ عِزَّةٍ، وَهِيَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ، وَعَنْ حِكْمَةٍ، وَهِيَ كَمَالُ الْعِلْمِ، فَمَنْ غَفَرَ عَنْ عَجْزٍ وَجَهْلٍ بِجُرْمِ الْجَانِي، فَأَنْتَ لَا تَغْفِرُ إِلَّا عَنْ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ، وَعِلْمٍ تَامٍّ، وَحِكْمَةٍ تَضَعُ بِهَا الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذِكْرِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الدَّالِّ ذِكْرُهُ عَلَى التَّعْرِيضِ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ فِي غَيْرِ حِينِهَا، وَقَدْ فَاتَتْ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ:
وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، كَانَ فِي هَذَا مِنَ الِاسْتِعْطَافِ وَالتَّعْرِيضِ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ مَنْصِبُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَا سِيَّمَا وَالْمَوْقِفُ مَوْقِفُ عَظَمَةٍ وَجَلَالٍ، وَمَوْقِفُ انْتِقَامٍ مِمَّنْ جَعَلَ لِلَّهِ وَلَدًا، وَاتَّخَذَهُ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ، فَذِكْرُ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ فِيهِ أَلْيَقُ مِنْ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٥]
وَلَمْ يَقِلْ:
فَإِنَّكَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ اسْتِعْطَافٍ وَتَعْرِيضٍ بِالدُّعَاءِ، أَيْ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ وَتَرْحَمْهُمْ، بِأَنْ تُوَفِّقَهُمْ لِلرُّجُوعِ مِنَ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَمِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ:
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» .
وَفِي هَذَا أَظْهَرُ الدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الرَّبِّ تَعَالَى مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَوْصَافٍ وَمَعَانٍ قَامَتْ بِهِ، وَأَنَّ كُلَّ اسْمٍ يُنَاسِبُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ، وَاقْتَرَنَ بِهِ، مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ.
وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡

فَصْلٌ مَرَاتِبُ الْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ:

[الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى تَكْلِيمُ اللَّهِ]

مَرَاتِبِ الْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَهِيَ عَشْرُ مَرَاتِبَ:

الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى:
مَرْتَبَةُ تَكْلِيمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعَبْدِهِ يَقَظَةً بِلَا وَاسِطَةٍ، بَلْ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ أَعْلَى مَرَاتِبِهَا، كَمَا كَلَّمَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤]
فَذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَحْيَهُ إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ خَصَّ مُوسَى مِنْ بَيْنِهِمْ بِالْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيمَ الَّذِي حَصَلَ لَهُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْوَحْيِ الَّذِي ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ كَلَّمَ وَهُوَ التَّكْلِيمُ رَفْعًا لِمَا يَتَوَهَّمُهُ الْمُعَطِّلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ؟
مِنْ أَنَّهُ إِلْهَامٌ، أَوْ إِشَارَةٌ، أَوْ تَعْرِيفٌ لِلْمَعْنَى النَّفْسِيِّ بِشَيْءٍ غَيْرِ التَّكْلِيمِ، فَأَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ الْمُفِيدِ تَحْقِيقَ النِّسْبَةِ وَرَفْعَ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ،
قَالَ الْفَرَّاءُ:
الْعَرَبُ تُسَمِّي مَا يُوصَلُ إِلَى الْإِنْسَانِ كَلَامًا بِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ، وَلَكِنْ لَا تُحَقِّقُهُ بِالْمَصْدَرِ، فَإِذَا حَقَّقَتْهُ بِالْمَصْدَرِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا حَقِيقَةَ الْكَلَامِ، كَالْإِرَادَةِ.
:: يُقَالُ: فُلَانٌ أَرَادَ إِرَادَةً، يُرِيدُونَ حَقِيقَةَ الْإِرَادَةِ.
وَيُقَالُ: أَرَادَ الْجِدَارُ، وَلَا يُقَالُ: إِرَادَةً، لِأَنَّهُ مَجَازٌ غَيْرُ حَقِيقَةٍ، هَذَا كَلَامُهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣].
وَهَذَا التَّكْلِيمُ غَيْرُ التَّكْلِيمِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَرْسَلَهُ بِهِ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَفِي هَذَا التَّكْلِيمِ الثَّانِي سَأَلَ النَّظَرَ لَا فِي الْأَوَّلِ، وَفِيهِ أُعْطِيَ الْأَلْوَاحَ، وَكَانَ عَنْ مُوَاعَدَةٍ مِنَ اللَّهِ لَهُ، وَالتَّكْلِيمُ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ عَنْ مُوَاعَدَةٍ، وَفِيهِ قَالَ اللَّهُ لَهُ:
{يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: ١٤٤]
أَيْ بِتَكْلِيمِي لَكَ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ.

وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ نَادَاهُ وَنَاجَاهُ، فَالنِّدَاءُ مِنْ بُعْدٍ، وَالنِّجَاءُ مِنْ قُرْبٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ:
إِذَا كَبُرَتِ الْحَلْقَةُ فَهُوَ نِدَاءٌ، أَوْ نِجَاءٌ.
وَقَالَ لَهُ أَبُوهُ آدَمُ فِي مُحَاجَّتِهِ:
«أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ؟» ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ لَهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ إِذَا طَلَبُوا مِنْهُ الشَّفَاعَةَ إِلَى رَبِّهِ.
وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فِي رُؤْيَةِ مُوسَى فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ أَوِ السَّابِعَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ، قَالَ:
وَذَلِكَ بِتَفْضِيلِهِ بِكَلَامِ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ التَّكْلِيمُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ جِنْسِ مَا حَصَلَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّخْصِيصِ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَعْنًى، وَلَا كَانَ يُسَمَّى كِلِيمَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ تَعَالَى:
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: ٥١].
فَفَرَّقَ بَيْنَ تَكْلِيمِ الْوَحْيِ، وَالتَّكْلِيمِ بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ، وَالتَّكْلِيمِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
قطوف من مدارج السالكين
•♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡•

فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مَرْتَبَةُ الْوَحْيِ الْمُخْتَصِّ بِالْأَنْبِيَاءِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
؛ {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: ١٦٣].
وَقَالَ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: ٥١] الْآيَةَ.
فَجَعَلَ الْوَحْيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قِسْمًا مِنْ أَقْسَامِ التَّكْلِيمِ، وَجَعَلَهُ فِي آيَةِ النِّسَاءِ قَسِيمًا لِلتَّكْلِيمِ، وَذَلِكَ باعْتِبَارَيْنِ، فَإِنَّهُ قَسِيمُ التَّكْلِيمِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَقِسْمٌ مِنَ التَّكْلِيمِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ إِيصَالُ الْمَعْنَى بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَالْوَحْيُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِعْلَامُ السَّرِيعُ الْخَفِيُّ، وَيُقَالُ فِي فِعْلِهِ: وَحَى، وَأَوْحَى،

قَالَ رُؤْبَةُ:
وَحَى لَهَا الْقَرَارُ فَاسْتَقَرَّتْ
وَهُوَ أَقْسَامٌ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
قطوف من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡

فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ مَرْتَبَةُ التَّحْدِيثِ

وَهَذِهِ دُونَ مَرْتَبَةِ الْوَحْيِ الْخَاصِّ، وَتَكُونُ دُونَ مَرْتَبَةِ الصِّدِّيقِينَ، كَمَا كَانَتْ لِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» .
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ تَقِيَّ الدِّينِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ:
جَزَمَ بِأَنَّهُمْ كَائِنُونَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا، وَعَلَّقَ وُجُودَهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بِ " إِنْ " الشَّرْطِيَّةِ، مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ الْأُمَمِ، لِاحْتِيَاجِ الْأُمَمِ قَبْلَنَا إِلَيْهِمْ، وَاسْتِغْنَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْهُمْ بِكَمَالِ نَبِيِّهَا وَرِسَالَتِهِ، فَلَمْ يُحْوِجِ اللَّهُ الْأُمَّةَ بَعْدَهُ إِلَى مُحَدَّثٍ وَلَا مُلْهَمٍ، وَلَا صَاحِبِ كَشْفٍ وَلَا مَنَامٍ، فَهَذَا التَّعْلِيقُ لِكَمَالِ الْأُمَّةِ وَاسْتِغْنَائِهَا لَا لِنَقْصِهَا.
وَالْمُحَدَّثُ: هُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ فِي سِرِّهِ وَقَلْبِهِ بِالشَّيْءِ، فَيَكُونُ كَمَا يُحَدِّثُ بِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَالصِّدِّيقُ أَكْمَلُ مِنَ الْمُحَدَّثِ، لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِكَمَالِ صَدِّيقِيَّتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ عَنِ التَّحْدِيثِ وَالْإِلْهَامِ وَالْكَشْفِ، فَإِنَّهُ قَدْ سَلَّمَ قَلْبَهُ كُلَّهُ وَسِرَّهُ وَظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ لِلرَّسُولِ، فَاسْتَغْنَى بِهِ عَمَّا مِنْهُ.
قَالَ: وَكَانَ هَذَا الْمُحَدَّثُ يَعْرِضُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَإِنْ وَافَقَهُ قَبِلَهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ، فَعُلِمَ أَنَّ مَرْتَبَةَ الصِّدِّيقِيَّةِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ التَّحْدِيثِ.
قَالَ: وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْخَيَالَاتِ وَالْجَهَالَاتِ:
حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي، فَصَحِيحٌ أَنَّ قَلْبَهُ حَدَّثَهُ، وَلَكِنْ عَمَّنْ؟ عَنْ شَيْطَانِهِ، أَوْ عَنْ رَبِّهِ؟
فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي، كَانَ مُسْنِدًا الْحَدِيثَ إِلَى مَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ، وَذَلِكَ كَذِبٌ.
قَالَ: وَمُحَدَّثُ الْأُمَّةِ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ ذَلِكَ، وَلَا تَفَوَّهَ بِهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، بَلْ كَتَبَ كَاتِبُهُ يَوْمًا:
هَذَا مَا أَرَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.
فَقَالَ: لَا، امْحُهُ وَاكْتُبْ: هَذَا مَا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنْ عُمَرَ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيءٌ.
وَقَالَ فِي الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، فَهَذَا قَوْلُ الْمُحَدَّثِ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ تَرَى الِاتِّحَادِيَّ وَالْحُلُولِيَّ وَالْإِبَاحِيَّ الْشَطَّاحَ، وَالسَّمَاعِيَّ مُجَاهِرًا بِالْقِحَةِ وَالْفِرْيَةِ، يَقُولُ:
" حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي ".

فَانْظُرْ إِلَى مَا بَيْنَ الْقَائِلَيْنِ وَالْمَرْتَبَتَيْنِ وَالْقَوْلَيْنِ وَالْحَالَيْنِ، وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا تَجْعَلِ الزَّغَلَ وَالْخَالِصَ شَيْئًا وَاحِدًا.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
قطوف من مدارج السالكين
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡

فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ مَرْتَبَةُ الْإِفْهَامِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٨]
فَذَكَرَ هَذَيْنِ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا بِالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ، وَخَصَّ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الْمُعَيَّنَةِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سُئِلَ:
" هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ دُونَ النَّاسِ؟ "
فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ عَبْدًا فِي كِتَابِهِ، وَمَا فِي هَذِهِ
الصَّحِيفَةِ، وَكَانَ فِيهَا الْعَقْلُ، وَهُوَ الدِّيَاتُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ".
وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
وَالْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ.

فَالْفَهْمُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَنُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ، يَعْرِفُ بِهِ، وَيُدْرِكُ مَا لَا يُدْرِكُهُ غَيْرُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ، فَيَفْهَمُ مِنَ النَّصِّ مَا لَا يَفْهَمُهُ غَيْرُهُ، مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي حِفْظِهِ، وَفَهْمِ أَصْلِ مَعْنَاهُ.

فَالْفَهْمُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عُنْوَانُ الصِّدِّيِقِيَّةِ، وَمَنْشُورُ الْوِلَايَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَفِيهِ تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدٍ، فَانْظُرْ إِلَى فَهْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عُمَرُ، وَمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَغَيْرِهِمْ عَنْ سُورَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: ١] وَمَا خُصَّ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ فَهْمِهِ مِنْهَا أَنَّهَا نَعْيُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَإِعْلَامُهُ بِحُضُورِ أَجَلِهِ، وَمُوَافَقَةِ عُمَرَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَخَفَائِهِ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ إِذْ ذَاكَ أَحْدَثُهُمْ سِنًّا.
وَأَيْنَ تَجِدُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْإِعْلَامَ بِأَجَلِهِ، لَوْلَا الْفَهْمُ الْخَاصُّ؟
وَيَدِقُّ هَذَا حَتَّى يَصِلَ إِلَى مَرَاتِبَ تَتَقَاصَرُ عَنْهَا أَفْهَامُ أَكْثَرِ النَّاسِ، فَيُحْتَاجُ مَعَ النَّصِّ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَقَعُ الِاسْتِغْنَاءُ بِالنُّصُوصِ فِي حَقِّهِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ صَاحِبِ الْفَهْمِ فَلَا يُحْتَاجُ مَعَ النُّصُوصِ إِلَى غَيْرِهَا.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين

فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ السَّادِسَةُ مَرْتَبَةُ الْبَيَانِ الْعَامِّ

وَهُوَ تَبْيِينُ الْحَقِّ وَتَمْيِيزُهُ مِنَ الْبَاطِلِ بِأَدِلَّتِهِ وَشَوَاهِدِهِ وَأَعْلَامِهِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ مَشْهُودًا لِلْقَلْبِ، كَشُهُودِ الْعَيْنِ لِلْمَرْئِيَّاتِ.
وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، الَّتِي لَا يُعَذِّبُ أحَدًا وَلَا يُضِلُّهُ إِلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥].

فَهَذَا الْإِضْلَالُ عُقُوبَةٌ مِنْهُ لَهُمْ، حِينَ بَيَّنَ لَهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا مَا بَيَّنَهُ لَهُمْ، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ، فَعَاقَبَهُمْ بِأَنْ أَضَلَّهُمْ عَنِ الْهُدَى، وَمَا أَضَلَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا عَرَفْتَ سِرَّ الْقَدَرِ، وَزَالَتْ عَنْكَ شُكُوكٌ كَثِيرَةٌ، وَشُبَهَاتٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعَلِمْتَ حِكْمَةَ اللَّهِ فِي إِضْلَالِهِ مَنْ يُضِلُّهُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْقُرْآنُ يُصَرِّحُ بِهَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَقَوْلِهِ:
{
فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف: ٥].

{وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء: ١٥٥]
فَالْأَوَّلُ: كُفْرُ عِنَادٍ.
وَالثَّانِي: كُفْرُ طَبْعٍ.
وَقَوْلِهِ:
{
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١١٠]

فَعَاقَبَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ بِهِ حِينَ تَيَقَّنُوهُ وَتَحَقَّقُوهُ، بِأَنْ قَلَّبَ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ فَلَمْ يَهْتَدُوا لَهُ.
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّأَمُّلِ، فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ عَظِيمٌ.
وَقَالَ تَعَالَى:
{
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]

فَهَذَا هُدًى بَعْدَ الْبَيَانِ وَالدِّلَالَةِ، وَهُوَ شَرْطٌ لَا مُوجِبٌ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ هُدًى آخَرُ بَعْدَهُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ كَمَالُ الِاهْتِدَاءِ، وَهُوَ هُدَى التَّوْفِيقِ وَالْإِلْهَامِ.
وَهَذَا الْبَيَانُ نَوْعَانِ:
بَيَانٌ بِالْآيَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَتْلُوَّةِ.
وَبَيَانٌ بِالْآيَاتِ الْمَشْهُودَةِ الْمَرْئِيَّةِ.
وَكِلَاهُمَا أَدِلَّةٌ وَآيَاتٌ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَكَمَالِهِ، وَصِدْقِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ رُسُلُهُ عَنْهُ، وَلِهَذَا يَدْعُو عِبَادَهُ بِآيَاتِهِ الْمَتْلُوَّةِ إِلَى التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ وَيَحُضُّهُمْ عَلَى التَّفْكِيرِ فِي هَذِهِ وَهَذِهِ، وَهَذَا الْبَيَانُ هُوَ الَّذِي بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَجُعِلَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: ٤]

فَالرُّسُلُ تُبَيِّنُ، وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِعِزَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ.
 
Comment

بابلي الهوى

.......
نجوم المنتدي
إنضم
28 مايو 2021
المشاركات
6,153
مستوى التفاعل
4,784
الإقامة
.....
مجموع اﻻوسمة
1
قطوف من مدارج السالكين
جزاك الله خيرا
دمت لنا بالف خير
 
1 Comment
جاروط
جاروط commented
جمعاً يارب
 

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين

فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ السَّابِعَةُ الْبَيَانُ الْخَاصُّ

وَهُوَ الْبَيَانُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَهُوَ بَيَانٌ تُقَارِنُهُ الْعِنَايَةُ وَالتَّوْفِيقُ وَالِاجْتِبَاءُ، وَقَطْعُ أَسْبَابِ الْخِذْلَانِ وَمَوَادِّهَا عَنِ الْقَلْبِ، فَلَا تَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْهِدَايَةُ الْبَتَّةَ، قَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ:
{
إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37]
وَقَالَ:
{
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]
فَالْبَيَانُ الْأَوَّلُ شَرْطٌ، وَهَذَا مُوجِبٌ.

 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين
مقتطفات من مدارج السالكين
///////////////////

فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ الثَّامِنَةُ مَرْتَبَةُ الْإِسْمَاعِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر: 19]
وَهَذَا الْإِسْمَاعُ أَخَصُّ مِنْ إِسْمَاعِ الْحُجَّةِ وَالتَّبْلِيغِ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ لَهُمْ، وَبِهِ قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، لَكِنَّ ذَاكَ إِسْمَاعُ الْآذَانِ، وَهَذَا إِسْمَاعُ الْقُلُوبِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ لَهُ لَفْظٌ وَمَعْنًى، وَلَهُ نِسْبَةٌ إِلَى الْأُذُنِ وَالْقَلْبِ وَتَعَلُّقٌ بِهِمَا، فَسَمَاعُ لَفْظِهِ حَظُّ الْأُذُنِ، وَسَمَاعُ حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ وَمَقْصُودِهِ حَظُّ الْقَلْبِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ نَفَى عَنِ الْكُفَّارِ سَمَاعَ الْمَقْصُودِ وَالْمُرَادِ الَّذِي هُوَ حَظُّ الْقَلْبِ، وَأَثْبَتَ لَهُمْ سَمَاعَ الْأَلْفَاظِ الَّذِي هُوَ حَظُّ الْأُذُنِ فِي قَوْلِهِ:
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 2]
وَهَذَا السَّمَاعُ لَا يُفِيدُ السَّامِعَ إِلَّا قِيَامَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، أَوْ تُمَكِّنُهُ مِنْهَا، وَأَمَّا مَقْصُودُ السَّمَاعِ وَثَمَرَتُهُ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ فَلَا يَحْصُلُ مَعَ لَهْوِ الْقَلْبِ وَغَفْلَتِهِ وَإِعْرَاضِهِ، بَلْ يَخْرُجُ السَّامِعُ قَائِلًا لِلْحَاضِرِ مَعَهُ:
{مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [محمد: 16] .

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَمَرْتَبَةِ الْإِفْهَامِ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِوَاسِطَةِ الْأُذُنِ،وَمَرْتَبَةُ الْإِفْهَامِ أَعَمُّ، فَهِيَ أَخَصُّ مِنْ مَرْتَبَةِ الْفَهْمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمَرْتَبَةُ الْفَهْمِ أَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهِيَ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ وَلَوَازِمِهِ وَمُتَعَلَّقَاتِهِ وَإِشَارَاتِهِ، وَمَرْتَبَةُ السَّمَاعِ مَدَارُهَا عَلَى إِيصَالِ الْمَقْصُودِ بِالْخِطَابِ إِلَى الْقَلْبِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا السَّمَاعِ سَمَاعُ الْقَبُولِ.
فَهُوَ إِذَنْ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ:
سَمَاعُ الْأُذُنِ.
وَسَمَاعُ الْقَلْبِ.
وَسَمَاعُ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين

مقتطفات من مدارج السالكين
////////////////

فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ التَّاسِعَةُ مَرْتَبَةُ الْإِلْهَامِ

[الْإِلْهَامُ هُوَ مَقَامُ الْمُحَدِّثِينَ]

فَصْلٌ الْمَرْتَبَةُ التَّاسِعَةُ مَرْتَبَةُ الْإِلْهَامِ
قَالَ تَعَالَى:
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7].
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِ حُصَيْنِ بْنِ مُنْذِرٍ الْخُزَاعِيِّ لَمَّا أَسْلَمَ:
«قُلِ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَقِنِي شَرَّ نَفْسِي» .
وَقَدْ جَعَلَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ الْإِلْهَامَ هُوَ مَقَامُ الْمُحَدَّثِينَ، قَالَ:
وَهُوَ فَوْقَ مَقَامِ الْفِرَاسَةِ، لِأَنَّ الْفِرَاسَةَ رُبَّمَا وَقَعَتْ نَادِرَةً، وَاسْتُصْعِبَتْ عَلَى صَاحِبِهَا وَقْتًا، أَوِ اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ، وَالْإِلْهَامُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي مَقَامٍ عَتِيدٍ.
قُلْتُ:
التَّحْدِيثُ أَخَصُّ مِنَ الْإِلْهَامِ، فَإِنَّ الْإِلْهَامَ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ بِحَسَبِ إِيمَانِهِمْ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ فَقَدْ أَلْهَمَهُ اللَّهُ رُشْدَهُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِهِ الْإِيمَانُ، فَأَمَّا التَّحْدِيثُ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ:
«إِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ فَعُمَرُ» يَعْنِي مِنَ الْمُحَدَّثِينَ، فَالتَّحْدِيثُ إِلْهَامٌ خَاصٌّ، وَهُوَ الْوَحْيُ إِلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ إِمَّا مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7].
وَقَوْلِهِ:
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة: 111].
وَإِمَّا مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68].
فَهَذَا كُلُّهُ وَحَيُّ إِلْهَامٍ.
وَأَمَّا جَعْلُهُ فَوْقَ مَقَامِ الْفَرَاسَةِ فَقَدِ احْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْفَرَاسَةَ رُبَّمَا وَقَعَتْ نَادِرَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ، وَرُبَّمَا اسْتَعْصَتْ عَلَى صَاحِبِهَا وَاسْتُصْعِبَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تُطَاوِعْهُ، وَالْإِلْهَامُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي مَقَامٍ عَتِيدٍ، يَعْنِي فِي مَقَامِ الْقُرْبِ وَالْحُضُورِ.
وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ " الْفِرَاسَةِ " وَ " الْإِلْهَامِ " يَنْقَسِمُ إِلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ، وَخَاصُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوْقَ عَامِّ الْآخَرِ، وَعَامُّ كُلِّ وَاحِدٍ قَدْ يَقَعُ كَثِيرًا، وَخَاصُّهُ قَدْ يَقَعُ نَادِرًا، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْفِرَاسَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِنَوْعِ كَسْبٍ وَتَحْصِيلٍ، وَأَمَّا الْإِلْهَامُ فَمَوْهِبَةٌ مُجَرَّدَةٌ، لَا تُنَالُ بِكَسْبٍ الْبَتَّةَ.
 
Comment

جاروط

مشرف القسم الاسلامي
الاشراف
إنضم
6 يناير 2022
المشاركات
17,346
مستوى التفاعل
10,138
مجموع اﻻوسمة
10
قطوف من مدارج السالكين

قطوف من مدارج السالكين
///////////////////

فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْإِلْهَامِ

الدَّرَجَةُ الْأُولَى نَبَأٌ يَقَعُ وَحْيًا قَاطِعًا مَقْرُونًا بِسَمَاعٍ

فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْإِلْهَامِ

قَالَ:
وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ:

الدَّرَجَةُ الْأُولَى:
نَبَأٌ يَقَعُ وَحْيًا قَاطِعًا مَقْرُونًا بِسَمَاعٍ، إِذْ مُطْلَقُ النَّبَأِ الْخَبَرُ الَّذِي لَهُ شَأْنٌ، فَلَيْسَ كُلُّ خَبَرٍ نَبَأً، وَهُوَ نَبَأُ خَبَرٍ عَنْ غَيْبٍ مُعَظَّمٍ.
وَيُرِيدُ بِالْوَحْيِ وَالْإِلْهَامِ:
الْإِعْلَامَ الَّذِي يَقْطَعُ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ بِمُوجَبِهِ، إِمَّا بِوَاسِطَةِ سَمْعٍ، أَوْ هُوَ الْإِعْلَامُ بِلَا وَاسِطَةٍ.

قُلْتُ:
أَمَّا حُصُولُهُ بِوَاسِطَةِ سَمْعٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلْهَامًا، بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْخِطَابِ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ حُصُولُهُ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ الَّذِي خُصَّ بِهِ مُوسَى، إِذْ كَانَ الْمُخَاطِبُ هُوَ الْحَقَّ عَزَّ وَجَلَّ.

وَأَمَّا مَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَرْبَابِ الرِّيَاضَاتِ مِنْ سَمَاعٍ فَهُوَ مِنْ أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ لَا رَابِعَ لَهَا، أَعْلَاهَا:
أَنْ يُخَاطِبَهُ الْمَلَكُ خِطَابًا جُزْئِيًّا، فَإِنَّ هَذَا يَقَعُ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تُخَاطِبُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ بِالسَّلَامِ، فَلَمَّا اكْتَوَى تَرَكَتْ خِطَابَهُ، فَلَمَّا تَرَكَ الْكَيَّ عَادَ إِلَيْهِ خِطَابٌ مَلَكِيٌّ، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا:
خِطَابٌ يَسْمَعُهُ بِأُذُنِهِ، وَهُوَ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَالثَّانِي:
خِطَابٌ يُلْقَى فِي قَلْبِهِ يُخَاطِبُ بِهِ الْمَلَكُ رُوحَهُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ:
«إِنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً بِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ، وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً، فَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْوَعْدِ،
وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْوَعْدِ»
ثُمَّ قَرَأَ:
{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة: 268]
وَقَالَ تَعَالَى:
{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12]
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا:
قَوُّوا قُلُوبَهُمْ، وَبَشَّرُوهُمْ بِالنَّصْرِ،
وَقِيلَ:
احْضُرُوا مَعَهُمُ الْقِتَالَ، وَالْقَوْلَانِ حَقٌّ، فَإِنَّهُمْ حَضَرُوا مَعَهُمُ الْقِتَالَ، وَثَبَّتُوا قُلُوبَهُمْ.
وَمِنْ هَذَا الْخِطَابِ وَاعِظُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَمَسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى كَنَفَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ، لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ، وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَ الصِّرَاطِ، فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ، فَلَا يَقَعُ أَحَدٌ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يَكْشِفَ السِّتْرَ، وَالدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ»
فَهَذَا الْوَاعِظُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْإِلْهَامُ الْإِلَهِيُّ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ.
وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ بَعْدُ، وَالْجَزْمُ فِيهِ بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى