"البيت الذي لايطل على شيء“ (الفصل الثاني)


"متى نفرح فيكِ“
في اليوم التالي، أُقيمت مأدبة عشاء.
خادمةٌ ترتّب الكؤوس الكريستالية بدقّة جراح،
وطاهٍ يُعيد ترتيب طبق لم يُطلب،
وضيوفٌ يتبادلن المجاملات كأنهن يتنفسن نُسَخًا من بعضهن.
جلست سعاد بين أمّها وخالتها، ترتدي الأبيض المائل للثلج، كأنها قطعة سكر،
تبتسم حين يُطلب منها، وتخفض عينيها حين تُسأل: “متى نفرح بكِ؟”
لم تكن تفهم معنى هذا السؤال،
هي فقط بعيدة تفكر في حبيبها السري وكيف تفرغ من الداخل دون أن تُحدث صوتًا.
كانت الأم تُراقب التفاصيل كأنها تُنقّح حكاية للعرض، عينٌ على الضيوف، وعينٌ على ابنتها،
تبتسم حينًا، وتضغط على يد ابنتها حينًا آخر…
أما الخالة سعاد، فكانت تتحدث كثيرًا…
تضحك وتقول:
“أنا قلت لها من أول… البنات ما يُتركون كذا، يصير فيهم عقل أكثر من اللازم!”
ثم تضيف وكأنها تهمس سراً بصوتٍ عالٍ:
“الزواج حظّ يا سعاد… بس لا تنتظرين الحظ لما يعتق!”
كلامها خفيف، لكنه يُحدِث ثِقلًا،
كأنها تُنقذ الحديث من الموت، لكنها تغرقه في سطحية لا ترحم
إحدى الضيفات، بملامح مشدودة وكلمات مقطّرة بالعطر، قالت:
“سعاد تشبه الأميرات… لكنها تُفكر كثيرًا، وهذا ما يؤخر البنات.”
ثم اتكأت أخرى على حافة المجاملة وأضافت:
“الدراسة مهمة… لكن العُمر يركض، يا بنتي.”
ضحكة خافتة، بلا طعم، عبرت الطاولة.
أما سعاد؟
كانت تأكل ببطء… كأن كل لقمة تُذكّرها بأنها لا تريد شيئًا من هذا.
كان البيت يومها مشرقًا…
لكن الإشراق لم يكن ضوءًا.
في الليل، بعد أن انطفأت الأنوار،
أزاحت سعاد الستارة عن نافذة غرفتها،
رأت المباني المواجهة، العالية، الزجاجية، المضيئة… لكنها بعيدة.
قالت لنفسها : رغم وجعها… ضحكت لأنها تمنت لو أن حبيبها سمع هذا… ولو مرة. ”
ثم أغمضت عينيها.
نامت… ولم تلعب مع قطة الجيران.
نامت… والمزهريات بلا رائحة.
ونام البيت… دون أن يشعر أحد أنه يعيش فيه
-نهاية الفصل الثاني-
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : "البيت الذي لايطل على شيء“ (الفصل الثاني)
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء
الصمت في “البيت الذي لا يطل على شيء” ليس مجرد غياب للكلام، بل هو مرآة الأحاسيس الخفية، التي ستتكشف أكثر في الفصول القادمة، حيث يزداد الصخب في الداخل رغم الهدوء الظاهر… فأبقِ عينيك متيقظة، فالرحلة ما زالت على وشك أن تبدأ