-
- إنضم
- 5 يونيو 2022
-
- المشاركات
- 42,444
-
- مستوى التفاعل
- 10,018
- مجموع اﻻوسمة
- 8
دروس في السيرة النبوية
[ى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والعشرون بعد المئتيين 221
وفد بني حنيفة .
ظهور مسيلمة الكذاب في اليمامة .
جاء وفد بني حنيفة من "اليمامة"
كان معهم صاحب الكلمة فيهم : "مسيلمة بن حبيب" ولم يكن يعرف بالكذاب حتى هذا الوقت الذي حضر فيه .....
أما فيما بعد فهو المعروف في كتب السيرة والتاريخ بإسم " مسيلمة الكذاب " بعد أن وصفه النبي ﷺ بالكذاب بنبوءة ااصادقة ....
مسيلمة الكذاب ..
كان نصرانياً من بني حنيفة باليمامة في وسط الجزيرة العربية ....
أقام في القدس " عاصمة فلسطين " عامين يتعلم الدين النصراني .....
وكان هناك أخبار من الرهبان أنهم ينتظرون ظهور نبي تحدث عنه الإنجيل ....
وكان كل واحد من الرهبان يمني نفسه ويرجو أن يكون هو النبي المنتظر .....
فلما عاد "مسيلمة" إلى اليمامة وجد أن عدداً كبيراً من نصارى "بني حنيفة" قد تركوا النصرانية ودخلوا في الإسلام .
بما في ذلك الأمير "ثمامة الحنفي" الذي كان نصرانياً واعتنق الإسلام ....
واشتكى إليه الرهبان من دخول أهل اليمامة في الإسلام .
وكان "مسيلمة" رجلاً متكلماً وشاعراً فأخذ يصنع لقومه الشعر والسجع ....
ويقول هذا مثل الذي يقوله محمد... صلى الله عليه وسلم
هذا مثل الذي ينزل عليه من السماء . وأنا قد أنزل على...
أراد أن يلبس على قومه ...
ولكن أجمع قومه على أن يأتوا المدينة ويقابلوا النبي ﷺ كسائر العرب ....
فلما ذهب وفد "بني حنيفة" إلى المدينة لمبايعة النبي ﷺ ذهب معهم " مسيلمة " وهو يرتدي الصليب ....
وكان قرار قومه إذا دخلوا المدينة أن يستروه بالثياب .
لأن مكانته عندهم كبيرة فلا يراه أحد حتى يحضر إليهم النبي ﷺ فهو لا يقابل أي إنسان هو أكبر من ذلك ، ولكن سيقابل النبي صلى الله عليه وسلم...
فلما أشرفوا على المدينة ستروه بالثياب تعظيماً له
ووقف رجال من قومه أمامه وخلفه وعن جانبيه ينتظرون قدوم النبي ﷺ .
وانظروا إلى "نبوءة" النبي ﷺ قبل قدوم وفد بني حنيفة .
قال تعالى .
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى .
وتفاجأ الصحابة رضي الله عنهم بأن النبي ﷺ حين ذكر له وفد اليمامة من بني حنيفة .
صنع شيئاً لم يصنعه من قبل أبداً عند استقبال أي وفد .
فجاء إلى نخلة وأخذ منها عرق ليس فيه إلا ورقة واحدة .
أخذه بيده ومضى ومعه عدد قليل من أصحابه رضي الله عنهم
فأقبل عليهم ﷺ ورحب بهم وسلم ....
فرفعوا الحجاب من الثياب عن رأس "مسيلمة"
وافسح قومه له المجلس حتى يجلس "مسيلمة" ويكون هو المتكلم فيهم .
فبدأ النبي ﷺ بالحديث قبل أن يتكلموا على غير عادته ...
"المفروض أن يستمع أولاً لخطيب الوفد أو كبيرهم ومن ثم يرد عليهم "
فلما همَّ "مسيلمة" أن يتكلم بدأهم النبي ﷺ بالكلام
وهو يقول ....
"يقسم النبي" : والله يا مسيلمة لإن سألتني هذا العرجون ما أعطيته لك ....
"العرق الخشب الذي في يده"
وإني لأراك الذي أوريته في نومي.. ولن تعدوا أمر الله فيك
ثم صرف النبي ﷺ وجهه عنه
ذهل الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : يارسول الله مالذي أوريته ؟؟
لنا وقفة هنا .
ونأخذ فكرة عن "مسيلمة" .
وهو قادم في طريقه إلى النبي ﷺ ماذا كان يقول لكبار قومه ؟
كان يقول لقومه في الطريق
قال : إن أشركني محمد معه في الأمر وعهد إلي به من بعده آمنت به واتبعته .
"يعني أكون شريكه الآن بالنبوة والرسالة والزعامة يعني: وراثية أنا أصير نبي وأصير رحمة للعالمين من بعده "
وإلا لن أدخل في دينه أبداً..
مسيلمة كان يقول هذا في الطريق لرجال من حوله....
وقومه لم يسبقوه إلى المدينة ولم ينقلوا هذا الخبر للنبي ﷺ
لكن الحبيب المصطفى ﷺ من أول ساعة قابلهم قد علم ما قاله مسيلمة الكذاب
فلذلك قال له النبي قبل أن يتكلم مسيلمة الكذاب :
والله يا مسيلمة لإن سألتني هذا العرجون ما أعطيته لك .
وإني لأراك الذي أوريته في نومي ولن تعدوا أمر الله فيك .
فلما قال له النبي ذلك اضطر الوفد أن يقتربوا من بعضهم كي يتشاورا ....
والتفت الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي ﷺ يسألوه ....
قالوا يارسول الله مالذي أوريته ؟؟
نسمع للحديث من لفظ البخاري رحمه الله :
قال ﷺ بينما أنا نائم أوريت .
في يدي سوارين من ذهب وأهمني شأنهما .
"لأن الذهب محرم في الدنيا على الرجال ....
لذلك قال ﷺ أهمني شأنهما لماذا أنا ألبس هذا الذهب في يدي ؟"
فأوحي إلي وأنا نائم أن انفخهما . فنفختهما فطارا من يدي .
فقال له الصحابة رضي الله عنهم فبما أولتهما يا رسول الله .
قال بكذابان يخرجان في الأمة هذا أحدهما وأشار إلى مسيلمة .
وقد سمع الشقي كلام النبي ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه ويقول عنه كذاب ...
وقد فاجأهم بهذا الحديث وبهذه النبوءة قبل أن يسمع منه أو يسمع من قومه ....
ومع ذلك فالكفر عناد ....
فلما سمع قومه كلام النبي ﷺ اتعظوا وأسلموا وبايعوا النبي ﷺ على الإسلام..
وخاف مسيلمة الكذاب أن يكون هو الوحيد الذي لم يسلم فيفرق بينه وبين قومه وتذهب الزعامة منه ....
فأعلن "مسيلمة" إسلامه نفاقاً وبقي يكتم ما يريد في قلبه
ففقههم النبي ﷺ بالدين وعلمهم القرآن الكريم....
ثم أذن لهم وانطلقوا راجعين إلى بلادهم ....
فقال مسيلمة الكذاب لقومه في طريقه : يا قوم لقد وجد محمد من قريش من يقف معه فلذلك دخل الناس في دينه واتبعوه .
وأنا لم أجد منكم من يقف معي فكان حالنا كما رأيتم .
ولو أنكم شاركتموني الرأي ...
فأنا اقسم لكم بربكم ورب محمد بأنه يوحى إلي كما يوحى إليه
ولقد اشركني الله معه بالأمر وقسم الأرض لنا نصفين فكان نصفها لقريش ونصفها الآخر لبني حنيفة .
استخف عقول الضعفاء من قومه فأيدوه وقالوا له: نحن معك .
عاد "مسيلمة الكذاب " إلى قومه فحاول مرة أخرى وأرسل رسالة إلى النبي ﷺ ... قال فيها :
"من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ...
ألا إني أوتيت الأمر معك ...
فلك نصف الأرض ولي نصفها
ولكن قريشاً قومُ يظلمون .
"يعني قريش يأكلوا حقوق الناس لهم نصف الأرض ولكن يريدونها كلها "
فلما قُرأت الرسالة على النبي ﷺ
"رسالة لا تثير الغضب ولا تحدث ضجة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه رضي الله عنهم : بأنه كذاب ويدعي النبوة وأنه لن يعدوا أمر الله فيه فلن يضر المسلمين بشيء .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فضحك النبي ﷺ والتفت إلى حاملي الرسالة وكانا رجلان .
قال لهما: ما تقولان أنتما ؟؟
فقالا : نقول كما يقول صاحبنا .
قال أتشهدان أني رسول الله .
فقالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله .
فقال لهم النبي ﷺ : آمنت بالله ورسله .
أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لأمرت بضرب عنقكما . ولكن الرسل لا تقتل .
فرد عليه النبي ﷺ برسالة قال فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم .
من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب .
"هنا أخذ هذا اللقب فعرف بالكذاب في قومه .....
السلام على من أتبع الهدى
اما بعد
إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .
رد عليه بنص آية قرآنية .
وارسلت له الرسالة فانقسم قومه إلى نصفين ...
نصفهم على إيمانهم وإسلامهم
والنصف الآخر مع مسيلمة الكذاب لأنه أعطاهم ماتهوى أنفسهم...
و حتى يستعطف مؤيديه
قال لهم : محمد يأمر أصحابه بخمس صلوات في اليوم والليلة ....
يكفيكم صلاتين:صلاة أول النهار وصلاة في آخر الليل .
قال . محمد يحرم على أصحابه الخمر .
لا بأس لكم في شرب الخمر في المناسبات .....
محمد يفرض على أصحابه الزكاة ..
قد اسقطتها عنكم لا تزكوا ...
محمد أنزل عليه القرآن .
وأنا أنزل علي مثله ...
ويسجع لهم ... :
لقد أنعم الله على الحبلى . أخرج منها نسمة تسعى . من بين صفاق وحشا .
وأحل لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة .
يقول لهم : هذا مثل الذي أنزل على محمد .
والطاحنات طحنا . والعاجنات عجنا . والخابزات خبزا . والثاردات ثردا . واللاقمات لقما .
وهكذا ستخف أصحاب القلوب الضعيفة والعقول المتحجرة والذين يريدون الهوى ومتاع الدنيا
وكان ممن تبع مسيلمة الكذاب رجل إسمه : " نهار بن عنفوة " وقيل إسمه : "الرحال"
كان قد أسلم وتعلم شيئا من القرآن الكريم وصحب النبي ﷺ مدة وقد مر عليه رسول الله ﷺ وهو جالس مع "أبي هريرة" رضي الله عنه ومعهم رجل ثالث إسمه : "فرات بن حيان"
فقال لهم الحبيب المصطفى ﷺ أحدكم ضرسه في النار مثل أحد .....
فلم يزال "أبو هريرة وفرات" رضي الله عنهما خائفين حتى إرتد "الرحال" مع مسيلمة الكذاب .
فجاء إليه الذين آمنوا من قومه أهل اليمامة و كانوا يعلمون أنه كاذب ...
فأردوا أن يستهزوء به
قالوا : يا مسيلمة . محمد قد ظهر على يده خوارق و إن للنبي معجزات وقد سمعنا من أمور خارقة من أخبار محمد ﷺ .
قال : لهم ماذا تريدون ؟؟
قالوا : بلغنا أن محمداً قد بصق في عين أحد أصحابه بعد أن قُلعت من مكانها في إحدى الغزوات . "يقصدون الصحابي قتادة رضي الله عنه"
قال مسيلمة : *أحضروا لي رجل أعور ، فأحضروا له رجل أعور .
فبصق في عينهِ من أجلِ أن يُشفى "فعميت عينه الأخرى"
فلو بصق كل الناس في عين شخص لا يعمى .. ولكنها إهانة له وذل وخزي فضحك الناس عليه
قال لهم : هاتوا غيرها .
قالوا له : بلغنا أن محمداً جاء إلى بئر ماء مالح وقليل لا يسقي الظمأن....
فبصق فيه فكثر الماء وامتلأ البئر على الفور .
فذهب مسيلمة معهم إلى بئر فيه ماءٌ قليل .
فبصق فيه مسيلمة فجف الماءُ على الفور لم يبقى فيه نُقطة ماء واحدة .
فلما رأى أصحاب "مسيلمة الكذاب " ذلك انفض عنه ثلثي من تبعه لأنهم رأوا الآيات بأعينهم ....
ومع ذلك ومع أن الله تعالى أعطاه الإنذار اصر على كفره وأنه نبي وأنه يوحى إليه .
وبعد وفاة النبي ﷺ ثار "مسيلمة الكذاب " على الخليفة "أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه"
فهزمت قواته في معركة اليمامة بقيادة سيف الله المسلول "خالد بن الوليد"
وقتل "مسيلمة الكذاب"
والذي قتله هو "وحشي بن حرب"
رضي الله عنه...
هذا أحد الكذابين .
فمن الكذاب الثاني...
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والعشرون بعد المئتيين 222
قصة دخول الإسلام إلى اليمن .
ذكرنا من قبل عن بعض الوفود من اليمن كيف أسلمت...
ولكن لم تدخل "اليمن" كاملة في الإسلام دفعة واحدة ....
إنما كان إسلامها على مراحل
وقلنا في الجزء السابق عن ظهور اثنين من مدعي النبوة وهما :
١ - مسيلمة الكذاب في اليمامة .
٢ - الأسود العنسي في اليمن .
لم يكن اليمن قبل الإسلام دولة لها قيادة موحدة ....
وإنما كان شأنها شأن الجزيرة العربية كلها مجموعة من القبائل
وكلهم في قتال مع بعضهم البعض وتناحر ....
فكانت تضم أكثر من قبيلة
١- قبيلة حمير .
٢ -وكندة في حضر موت
٣ - وهمدان .
وكانت صنعاء وعدن وما حولهما تابعة للحكم "الفارسي"
وكانت نصارى نجران تابعة للحكم "الروماني"
وكما قلنا لم يدخل الإسلام إلى "اليمن" دفعة واحدة ولا في زمن واحد ....
وإنما دخل الإسلام إلى اليمن بالتدريج ....
إما عن طريق الدعوة السلمية...
وإما عن طريق السرايا والبعوث التي كان يرسلها الرسول ﷺ...
المرحلة الأولى .
إسلام أفراد من قبائل مختلفة
وكان أول دخول الإسلام إلى اليمن عندما أسلم أفراد من قبائل مختلفة مثل :
١- "أبي موسى الأشعري" رضي الله عنه من قبيلة "الأشاعرة"
٢ - "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه من "دوس"
٣ - "قيس بن نمط" رضي الله عنه من "همدان"
ونشط هؤلاء للدعوة إلى الإسلام في قبائلهم .
المرحلة الثانية .
إسلام "باذان" حاكم اليمن الذي وضعه الفرس و كان يحكم صنعاء وعدن وما حولهما....
اتذكرون هذا الأسم ؟؟
ذكرنا قصته في "أجزاء الرسائل" التي أرسلها النبي ﷺ للملوك .
ولكن للتذكير نذكرها بإختصار .
كانت قصة إسلامه أن الرسول ﷺ قد أرسل إلى الملوك والحكام في السنة السادسة بعد صلح الحديبية يدعوهم إلى الإسلام
وكان من هؤلاء "كسرى" عظيم فارس الذي غضب من رسالة النبي ﷺ ومزق الرسالة .
ولم يكتفي بذلك .
بل أراد أن يعتقل النبي ﷺ حتى يعاقبه ....
فأرسل كسرى رسالة إلى عامله على بلاد اليمن وكان فارسيا واسمه "باذان" وطلب منه أن يبعث رجلين من رجاله ليأتيا برسول الله إلى "المدائن" عاصمة فارس ....
وكان "كسرى" يريد بذلك إذلال المسلمين لأنه لم يرسل بعض جنوده من عاصمة ملكه "المدائن" وإنما أمر أن يرسل رجلين فقط .
والذي يرسلهما هو أحد عماله .
وبالفعل أرسل "باذان" جنديين من اليمن للقبض على النبي ﷺ .
فطلب منهما النبي ﷺ في هدوء أن ينتظرا إلى اليوم التالي وسوف يرد عليهما ....
وفي اليوم التالي بعث النبي ﷺ إلى الجنديين
وقال لهما : إِن ربِي قتَل ربَّكُم الليلة .
وبالفعل في هذه الليلة قُتِّل "كسرى" على يد إبنه "شيرويه"
فعاد الجنديين إلى "باذان" وأخبراه بنبوءة الحبيب المصطفى ﷺ .
فقال لهما : والله ما هذا بكلام ملك .
فإن كان ما يقول حقاً فهو رسول .
وما لبث أن وصل خطاب "شيرويه بن أبرويز" كسرى يخبره فيه بأنه قد قتل أباه "أبرويز" ويطلب منه البيعة .
وعلم "باذان" الليلة التى قُتِّل فيها "أبرويز" فوجد أنها هي نفس الليلة التي أخبر عنها النبي ﷺ
فأيقن أنه رسول فأسلم وأسلم كل الفرس تقريباً في اليمن .
وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة .
ومات "باذن" بعد ذلك وتولى الأمر بعده إبنه المسلم الفارسي الأصل "شهر بن باذان"
في عهد "شهر بن باذان" ظهر "الأسود العنسي"
من هو الأسود العنسي ؟
قلنا في الجزء السابق أن النبي ﷺ أخبر أصحابه رضي الله عنهم أنه رأى في الرؤيا أنه يلبس سواران من ذهب فاغتم لذلك واوحي إليه أن انفخهما فنفخهما فذهبا ....
فأول النبي ﷺ هذه الرؤيا بظهور اثنين يدعيا النبوة .....
فما لبث أن ظهر
"مسيلمة الكذاب" في اليمامة .
"الأسود العنسي" في صنعاء باليمن .
"الأسود العنسي"
اسمه "عبهلة بن كعب" وقد سمي بالأسود لأنه كان أسود اللون .
والعنسي نسبة إلى قبيلة "عنس" باليمن .
كان سيدا على بعض قبائل اليمن ....
وكان قوي البنية حلو اللسان ويغطي وجهه بخمار ولذلك كان يلقب "بذو الخمار" .
وكان ساحرا مشعوذاً يستخدم السحر لإقناع أتباعه ....
أعلن العصيان على النبي ﷺ وكان ذلك في محرم من السنة الحادية عشر من الهجرة قبل وفاة النبي ﷺ بشهرين فقط...
وتبعته كثير من قبائل اليمن تعصبا لأنها رأت أن الزكاة التي يرسلونها إلى النبي ﷺ في لغتنا اليوم هي ( أتعابهم ) ترسلها اليمن إلى قريش .
استولى "الأسود العنسي" على نجران ثم سار إلى صنعاء ومعه 700 مقاتل .
فخرج إليه "شهر بن باذان" ملك اليمن المسلم الفارسي الأصل .
وتقاتلا فغلبه "الأسود العنسي" وقتله وتزوج من امرأته وكانت فارسية واسمها "آزاد" فأصبحت أغلب مناطق اليمن تحت حكم "الأسود العنسي" لمدة 25 يوم فقط .
وقد أقنع قومه أنه نبي يوحى إليه وارتد خلق كثير من اليمن
فأرسل النبي ﷺ إلى المسلمين في اليمن يأمرهم بقتال "العنسي"
وكان عامل "الأسود العنسي" على الفرس في اليمن اسمه "فيروز الديلمي" وكان من أصل فارسي
وهو ابن عم "آزاد" التي قُتل زوجها وتزوجها "الأسود العنسي"
فاتفق "فيروز" مع بنت عمه "آزاد" على قتل "الأسود العنسي"
فسقته الخمر حتى نام ودخل فيروز وقتل الأسود العنسي .
سمع الحراس صراخه وكان على بابه ألف حارس وسألوا عما يحدث :
فأجابتهم "آزاد" زوجته :
النبي يوحى إليه وهذا الصراخ لأن الوحي نزل عليه لا تزعجوه
ثم أذن المسلمون في صنعاء لصلاة الفجر وأعلنوا الخبر...
وعلم النبي ﷺ بما حدث وهو في المدينة المنورة عن طريق الوحي ....
فقال لصحابته رضي الله عنهم ﷺ لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .
قالوا : من قتله يارسول الله ؟؟
قال قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .
يشهد له النبي ﷺ بالصلاح
وكان مقتله قبل وفاة النبي ﷺ بأيام ....
فلما وصل خبر مقتله للمدينة كان الصحابة رضي الله عنهم مشغولون بدفن الحبيب المصطفى ﷺ ....
وفي عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه جعل "فيروز" والي على بعض اليمن .
ثم أرسل إليه عمر حتى يقدم عليه إلى المدينة المنورة .
فلما جاء وأراد أن يدخل على "عمر" رضي الله عنه زاحمه على الباب ناس من قريش .
فضرب "فيروز" شاب من قريش على أنفه...
فدخل الرجل على "عمر" وأنفه تسيل منها الدماء .
واشتكى الشاب إلى عمر .
فقال عمر رضي الله عنه ماهذا يا فيروز ؟؟
فقال . يا أمير المؤمنين لقد كتبت إلي ولم تكتب إليه .
وأذنت لي بالدخول . ولم تأذن له .
فقال عمر رضي الله عنه القصاص ....
فجلس فيروز على ركبيته وقام الفتى القرشي ليقتص منه .
فقال عمر رضي الله عنه على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيء سمعته من رسول الله ﷺ
قال الفتى : مالذي سمعته من رسول الله يا أمير المؤمنين .
فقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله ﷺ يقول :
لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .
قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .
ثم نظر عمر رضي الله عنه للفتى يسأله أفتراك مقتصا منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله ﷺ
فبكى الفتى وقال: قد عفوت عنه قد عفوت عنه يا أمير المؤمنين
فصاح فيروز . أشهدك يا أمير المؤمنين أن سيفي وفرسي و 30 ألف من مالي هو هبة له .
فقَال عمر رضي الله عنه :
للفتى عفوت مأجورا يا أخا قريش وأخذت مالاً .
المرحلة الثالثة ..
إسلام قبيلة "حمير" .
وأما قبيلة حمير وهي أعظم القوى القَبَلية في اليمن وأعرقها
فقد أرسل إليهم النبي ﷺ أكثر من رسول حتى أسلم أهل حمير وملوك حمير .
وكان ذلك في السنة الثامنة من الهجرة بعد تبوك .
المرحلة الرابعة ..
نصارى نجران ...
بالنسبة لنصارى نجران فقد قدم وفد منهم المدينة
وتحدثنا عن ذلك سابقآ .
وذكرنا آيات المباهلة وقلنا أنهم قد رفضوا الإسلام وأقروا بدفع الجزية .
ثم جاء وفد منهم بعد ذلك وأسلموا....
المرحلة الخامسة ..
همدان ....
أرسل إليهم النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وعمَّمه بيديه ﷺ وعقد له لواء بيده ووضع على اللواء قطعة من عمامته ﷺ .
وأمر أن يكتب كتاب "لعلي" رضي الله عنه رسالة لأهل همدان .
وقال له: انطلق يا علي إلى أهل اليمن واقرأ عليهم كتاب رسول الله ﷺ .
فإنَّ الله يثبت لسانك ويهدي قلبك .
وإن الناس سيتقاضون إليك .
فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .
فإنه أجدر أن تعلم لمن الحق .
وكأنه ﷺ يبشره : بإسلامهم ثم ينصبوك قاضي عليهم .
وإن الناس سيتقاضون إليك فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .
انطلق "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه ومعه كتاب النبي ﷺ ومعه 150 رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم.
"من باب الإحتياط لأن أهل همدان ليسوا مسلمين بعد"
فلما نزل بساحتهم وأتتهم الأخبار بأن رسول محمد من المدينة قد أقبل ومعه جيش .
"هكذا الأخبار وصلتهم"
جمعوا له الجموع وأعدوا له الجيش وأراد الصحابة رضي الله عنهم أن يستعدوا للقتال .
فقال لهم : "علي" رضي الله عنه . على رسلكم .
ننفذ أوامر رسول الله ﷺ .
ألم يأمرني أن أقرأ رسالته عليهم ؟
قالوا : بلى ولكنهم استعدوا لقتالنا .
فقال : ونحن قد استعددنا لهم بوحي الله لرسوله ﷺ .
فتقدم إليهم "علي" رضي الله عنه وحده ليس معه أحد ولم يسل سيفاً ولم يحمل ترساً .
فلما تقدم منهم أخرج الرسالة وقرأها عليهم .
فعندما أتم القراءة تفاجأ الصحابة رضي الله عنهم بأن كل "همدان" وعلى قلب رجل واحد وبلسان واحد يصيحون بأعلى صوتهم :
نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
فأسلمت همدان كلها في ساعة واحدة ....
ثم استقبلوا "علي" رضي الله عنه خير استقبال هو وأصحابه رضي الله عنهم...
وأخذ "علي" رضي الله عنه يعلمهم الدين ويقرأ عليهم القرآن الكريم...
ثم جاءت الخصوم إليه يتقاضون إليه فيقضي بينهم كما أمره النبي ﷺ
يسمع من الطرفين ويقضي
يقول الصحابة رضي الله عنهم كان علي أقضى أصحاب رسول الله .
"أكثرهم حكمة في القضاء "
وذلك ببركة دعاء النبي ﷺ إذ دعى له يوماً .
فقال ﷺ : اللهم وفقه للقضاء .
وهكذا أسلمت همدان وجاء وفد منهم إلى المدينة ليبايعوا النبي ﷺ في السنة العاشرة من الهجرة ....
وقبل أن يصلوا إلى المدينة قال النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم مخبراً عن أهل اليمن أتاكم أهل اليمن . هم أرق أفئدة وألين قلوباً .
من جهة أخرى أرسل النبي ﷺ عدة سرايا إلى بعض القبائل اليمنية التي لم تستجب لدعوة الإسلام .
فأرسل النبي ﷺ "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه إلى قبيلة "دوس"
و أرسل سرية بقيادة "خالد بن سعيد بن العاص" رضي الله عنه
وسرية بقيادة "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
وسريتين بقيادة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وهكذا عندما جاءت السنةالعاشرة كان جميع "أهل اليمن" قد دخلوا في الإسلام
وعندما دخل أهل اليمن جميعاً في الإسلام .
أرسل إليهم النبي ﷺ إثنان من أصحابه :
١- معاذ بن جبل رضي الله عنه
- أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
وكانت مهمتم أن يتوليا قيادة اليمن ....
وقسم لهم النبي ﷺ اليمن إلى قسمين كبيرين ....
عرف كل قسم : "بالمخلاف"وأصبح كل واحد منهما مسؤولاً عن أحد هذه الأقسام .....
ووصى النبي ﷺ عاملاه
وقال لهما يسرا وبشرا ولا تنفرا .
ثم إلتفت إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال وهو يودعه :
يا معاذ عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا .
ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري .
فبكى معاذ بن جبل رضي الله عنه جزعا لفراق الحبيب المصطفى ﷺ .
ننتقل إلى حجة الوداع .
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[ ﷺ .*
الحلقة الثالثة والعشرون بعد المئتيين 223
حجة الوداع . الجزء الأول .
أقبل رمضان من السنة العاشرة من الهجرة...
فصام ﷺ رمضان للمرة العاشر في دار الهجرة ....
واعتكف النبي ﷺ 20 يوماً .
وقد كان يعتكف في كل عام عشرة أيام، هي العشر الأواخر من رمضان .
ودارسه جبريل عليه السلام ما نزل من القرآن مرتين ....
وقد كان جبريل عليه السلام يقرأ عليه ما نزل من القرآن الكريم في رمضان كل عام مرة واحدة .
وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم النبي ﷺ تواجده بينهم في أغلب الساعات وتكثيفه لوعظه وإرشاده لهم....
فاستشعروا كأن النبي ﷺ إنما يودعهم .
وكان قد استشعر هذا هو قبلهم صلى الله عليه وسلم
فقال لأصحابه رضي الله عنهم :
كان أخي جبريل يراجعني القرآن في كل عام مرة .
أما هذه السنة فقد راجعنيه مرتين .
فلما انصرم رمضان ومضت أيام عيد الفطر
أعلن ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم وأرسل إلى جميع المسلمين في كافة البلاد أنه خارجاً للحج في هذا العام فمن أراد أن يشهد الحج مع الرسول ﷺ فليأتي إلى المدينة المنورة كي يأخذوا عنه مناسكهم ....
ولم يحج إلا مرة واحدة في السنة العاشرة للهجرة ...
وذلك أن الحج فُرض بعد "فتح مكة في السنة الثامنة .
ولما حج المسلمون في السنة التاسعة للهجرة كان على رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
ولم يحج معهم في تلك السنة ﷺ
لأن المشركين كانوا لا يزالون مستندين إلى صلح الحديبية
وكانوا يدخلون المسجد الحرام ويطوفون بالبيت عُراة على عادتهم في الجاهلية ....
ويباشرون طقوسهم الوثنية حول الكعبة .
فأراد النبي ﷺ أن يؤجل حجه عاماً حتى يتمَّ تطهير البيت الحرام من شعائر الوثنية .
وأرسل علي بن أبي طالب مع أبي بكر رضي الله عنهما وأمره إذا اجتمع الناس بمنى يوم النحر أن يقرأ عليهم رسالته التي تضمنت
أن لا يحج بعد العام مشرك .
وأن لا يطوف بالبيت عريان .
وتطهير الكعبة من الوثنيين ووثنياتهم ....
و بعد أن طهرها ﷺ عام الفتح من أصنامهم وأوثانهم أصبحت الكعبة رمزاً لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له....
وعادت كما طهّرها إبراهيم عليه السلام للطائفين والعاكفين والركع السجود .
كم مرة اعتمر ﷺ في حياته ؟؟
إعتمر ﷺ 4 مرات وقد ذكرناها من قبل :
١- عمرة الحديبية وكانت في ذي القعدة .
٢- عمرة القضاء وكانت في ذي القعدة .
٣- عمرة بعد رجوعه من حنين أيضآ كانت في ذي القعدة .
٤- عمرة مقرونة مع الحج التي هي موضوع حديثنا ...
كانت عمراته ﷺ في ذي القعدة ليعلن خلاف عقيدته مع قريش .
لأن قريش كانت تقول للعرب "عمرة في الأشهر الحرم فسوق "
"وذي القعدة من الأشهر الحرم"
فكانوا يقولون : العمرة في سائر السنة إلا أشهر الحج ...
يقولون هذا ليجبروا العرب أن تأتي في موسم الحج وفي غير أشهر الحج من أجل مكاسبهم المادية والدنيوية...
فلما أعلن النبي ﷺ أنه خارجاً للحج في هذا العام ...
بدأت الوفود من كافة أنحاء الجزيرة العربية تصل إلى المدينة المنورة يريدون الحج مع النبي ﷺ
وضربت لهم الخيام في أرضها وبساتينها حتى بلغ عدد من وصلوا إلى المدينة أكثر من 120 ألف كما ذكر في بعض كتب السير
ولحق به في الطريق خلق كثير فوصل عددهم 140 ألف تقريباً من أصحابه ﷺ ...
يقول أصحابه رضي الله عنهم والحديث في الصحاح....
قالوا : لقد امتلأت المدينة بوفود الحجيج وكلهم يريد أن يلقى رسول الله ﷺ ....
لنا أن نتخيل هذا المشهد...
كثير ممن أسلموا من القبائل العربية خارج المدينة لم يشاهدوا النبي ﷺ بعد ..
وأعداد هائلة 120 ألف كلهم في شوق له صلى الله عليه وسلم
فلما كان 25 من ذي القعدة وكان يوم جمعة ...
رقى ﷺ منبره وخطب بأصحابه رضي الله عنهم الجمعة ....
ولم يتسع المسجد لهذه الأعداد الهائلة فأي مسجد يسعهم .
ولكن أمر النبي ﷺ رجال خارج المسجد أن يبلغوا الناس عنه .
أي يرددوا كلمات النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة كلمة كلمة حتى يُسمعوا خطابه للناس .
فحثهم على تقوى الله وأن يعقدوا النية للحج .
فقال ﷺ : من حج فلم يرفث ولم يسخط . رجع من حجه كيوم ولدته أمه .
استعد الناس للحج .
وأمر النبي ﷺ أزواجه رضي الله عنهن أن يعدنَّ أنفسهنَّ للحج جميعاً ....
فلما كان يوم السبت .
صلى بهم النبي ﷺ الظهر في مسجده...
ثم دخل الى حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها
فاغتسل واسقط ما يجب إسقاطه من شعور ....
ولبس إحرامه ﷺ في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
للتنبيه لمن أراد الحج والعمرة
الإغتسال ولبس الإحرام لا يعد أنه إحرم .
نقول : إستعد للإحرام .
وتطيب ﷺ ولبَّد شعره .
تلبيد الشعر أي دهنه بالزيت أو أي دهن حسب وجوده في كل زمان"
تقول : أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : فأتيته بالغالية "هو نوع من العطر يكون مزيج بين المسك والعنبر" فأتيته بالغالية فتطيب وأكثر من الطيب حتى وكأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرقه .
"الوبيص هو بريق المسك ولمعانه في مفرقه أي في شعره "
يجوز للمحرم الحاج أو المعتمر قبل عقد نية الإحرام أن يتطيب في بدنه .
ولكن لا يطيب ثياب الاحرام .
ثم فرق شعره نصفين وألقى نصفه على يمينه ونصفه على شماله ﷺ وكان شعره يضرب منكبيه "كتفيه"
إغتسل ﷺ ولبس ثياب الإحرام ثوبين أبيضين ولبد شعره وتطيب .
ثم خرج وقد جُهزت له ناقته على باب حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وأطل على أصحابه رضي الله عنهم بطلعته النورانية أجل وأكمل وأجمل من البدر ليلة الكمال صلى الله عليه وسلم
أكثر الوفود التي أتت للمدينة لم تكن رأته من قبل ...
كثير من أصحابه رضي الله عنهم لم يراه قبل اليوم محرماً .
فلما أطل عليهم ﷺ ضجت المدينة كلها بالصلاة عليه ﷺ .
فحياهم وسلم عليهم ثم ركب ناقته ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم : كان الناس حول النبي ﷺ عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وبين يديه مد البصر ﷺ
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والعشرون بعد المئتيين 224
حجة الوداع . الجزء الثاني .
إحرام النبي ﷺ .
خرج ﷺ حاجاً من المدينة المنورة والناس حوله و عن يمينه وشماله ومن خلفه وبين يديه مد البصر ....
سلك بهم الطريق إلى "ذو الحليفة" ما نعرفه اليوم "آبار علي"
خرج بهم يوم السبت قبل أذان العصر بقليل ....
فصلى بهم العصر بذي الحليفة ركعتين قصراً "هنا بدأ القصر لأننا في سفر"
وأمر أن تنصب الخيام ويبيت الناس في ذلك المكان .
وتساءل أصحابه رضي الله عنهم قالوا : بين المدينة و ذو الحليفة ستة أميال .
فهل يحتاج هذا السفر إلى المبيت ؟
ولكن النبي ﷺ يعلم ما لا يعلمه غيره وذلك بفضل ما علمه الله
قال تعالى :
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا .
كان من الممكن أن يصلي ركعتين ويلبي وينطلق ، ولكنه بات تلك الليلة "ليبين لهم الأحكام"
فصلى بهم المغرب وصلى العشاء ركعتين قصر....
فلما انتهى ﷺ
تقدم إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه
وقال : يا رسول الله لقد جاء المخاض أسماء بنت عميس
زوجته رضي الله عنها تزوجها بالمدينة .
وكانت حاملاً متماً "بلغتنا بشهرها التاسع"
ومع ذلك لم تمتنع من الخروج مع النبي ﷺ في هذه الحجة
قال : لقد جاء المخاض أسماء بنت عميس
وما هي إلا لحظات حتى جاء الخبر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقد ولدت لك ذكراً
فسماه : "محمد" محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم
ولد أول ليلة في حجة الوداع .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ماذا تصنع أسماء رضي الله عنها الآن يا رسول الله ؟
فقال له النبي ﷺ تغتسل ثم تستذفر بثوبٍ سميك .
(( لا تحتاج لشرح ما تفعله المرأة حفاظاً على سيل الدماء لأنها نفساء ))
وتحرم معنا وتفعل كل ما يفعله الحاج إلا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر .
وحدث هذا الموقف أيضآ مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الطريق بعد ذلك .
دخل عليها النبي ﷺ خيمتها فوجدها تبكي .
قال ما بكِ أنفستي ؟
(( هي ليست حامل وإنما يقال للحيض نفاس وللولادة نفاس لأن الرحم تخلص مما فيه وتنفس ))
قال ما بكِ أنفستي ؟؟
قالت . أجل يا رسول الله .
قال وما عليكِ ؟؟ إصنعي كل ما يصنع الحاج ، غير أنك لا تطوفين بالبيت .
فبات ﷺ بهم تلك الليلة ثم صلى بهم "الفجر"... ثم أذنَّ لمن لم يغتسل من الناس أن يغتسل ويستعد .
فاغتسلوا واسقطوا شعورهم ولبسوا إحرامهم .....
استعد الناس....
وصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين في مكانه "أي مكان خيمته" وشرع بنيته وهو جالس
فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
قالها ﷺ في مصلاه وهذه هي : النية .
والنية لا يتلفظ بها وإنما محلها القلب....
وكان ﷺ قد ساق هديه معه من المدينة ....
"الإبل التي تُهدى إلى الكعبة و تنحر ليأكل منها الفقراء والمساكين"
فساق هدياً بالغ الكعبة ، فأشعر وقلد ...
الإشعار .
نأتي إلى سنام الجمل ذكراً كان أو انثى .
يُجرح بشيء حاد قليلاً بسنامه حتى يسيل الدم ويمسح سنامه بالدم .
التقليد .
يعلق على رقبته شيء من جلد أو متاع .
ليعرف الناس أن هذا الإبل لا يباع ولا يشترى هو هدياً بالغ الكعبة ، أي سينحر عند الكعبة .
قيل أن النبي ﷺ ساق 100 بدنه من المدينة .
وقيل ساق 63 على عدد سنين عمره ﷺ .ساقها بين يديه .
فجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن ليحج مع النبي ﷺ لأن النبي ﷺ كان قد أرسله لليمن لهمدان .
جاء علي رضي الله عنه من اليمن ببقيتها فأصبح العدد 100 .
فقدم النبي ﷺ هدياً بالغ الكعبة في هذا العام 100 ناقة طعمة للفقراء والمساكين .
ثم خرج من قبته ﷺ أي خيمته
وركب ناقته واستوت به قائمة
فأعاد تلبيته على سمع الناس مرة أخرى ليسمعوا ....
فتنادى أصحابه رضي الله عنهم قائلون : أوجب رسول الله ﷺ فأحرموا .
فقال الناس : لبيك اللهم لبيك ..
فلما انطلقت به ناقته وخرج من ذو الحليفة وأصبح في البيداء "الصحراء" واجتمع الناس حوله بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله كل واحد يريد أن يأخذ نسكه عن النبي ﷺ ....
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى.....
الحلقة الواحدة والعشرون بعد المئتيين 221
وفد بني حنيفة .
ظهور مسيلمة الكذاب في اليمامة .
جاء وفد بني حنيفة من "اليمامة"
كان معهم صاحب الكلمة فيهم : "مسيلمة بن حبيب" ولم يكن يعرف بالكذاب حتى هذا الوقت الذي حضر فيه .....
أما فيما بعد فهو المعروف في كتب السيرة والتاريخ بإسم " مسيلمة الكذاب " بعد أن وصفه النبي ﷺ بالكذاب بنبوءة ااصادقة ....
مسيلمة الكذاب ..
كان نصرانياً من بني حنيفة باليمامة في وسط الجزيرة العربية ....
أقام في القدس " عاصمة فلسطين " عامين يتعلم الدين النصراني .....
وكان هناك أخبار من الرهبان أنهم ينتظرون ظهور نبي تحدث عنه الإنجيل ....
وكان كل واحد من الرهبان يمني نفسه ويرجو أن يكون هو النبي المنتظر .....
فلما عاد "مسيلمة" إلى اليمامة وجد أن عدداً كبيراً من نصارى "بني حنيفة" قد تركوا النصرانية ودخلوا في الإسلام .
بما في ذلك الأمير "ثمامة الحنفي" الذي كان نصرانياً واعتنق الإسلام ....
واشتكى إليه الرهبان من دخول أهل اليمامة في الإسلام .
وكان "مسيلمة" رجلاً متكلماً وشاعراً فأخذ يصنع لقومه الشعر والسجع ....
ويقول هذا مثل الذي يقوله محمد... صلى الله عليه وسلم
هذا مثل الذي ينزل عليه من السماء . وأنا قد أنزل على...
أراد أن يلبس على قومه ...
ولكن أجمع قومه على أن يأتوا المدينة ويقابلوا النبي ﷺ كسائر العرب ....
فلما ذهب وفد "بني حنيفة" إلى المدينة لمبايعة النبي ﷺ ذهب معهم " مسيلمة " وهو يرتدي الصليب ....
وكان قرار قومه إذا دخلوا المدينة أن يستروه بالثياب .
لأن مكانته عندهم كبيرة فلا يراه أحد حتى يحضر إليهم النبي ﷺ فهو لا يقابل أي إنسان هو أكبر من ذلك ، ولكن سيقابل النبي صلى الله عليه وسلم...
فلما أشرفوا على المدينة ستروه بالثياب تعظيماً له
ووقف رجال من قومه أمامه وخلفه وعن جانبيه ينتظرون قدوم النبي ﷺ .
وانظروا إلى "نبوءة" النبي ﷺ قبل قدوم وفد بني حنيفة .
قال تعالى .
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى .
وتفاجأ الصحابة رضي الله عنهم بأن النبي ﷺ حين ذكر له وفد اليمامة من بني حنيفة .
صنع شيئاً لم يصنعه من قبل أبداً عند استقبال أي وفد .
فجاء إلى نخلة وأخذ منها عرق ليس فيه إلا ورقة واحدة .
أخذه بيده ومضى ومعه عدد قليل من أصحابه رضي الله عنهم
فأقبل عليهم ﷺ ورحب بهم وسلم ....
فرفعوا الحجاب من الثياب عن رأس "مسيلمة"
وافسح قومه له المجلس حتى يجلس "مسيلمة" ويكون هو المتكلم فيهم .
فبدأ النبي ﷺ بالحديث قبل أن يتكلموا على غير عادته ...
"المفروض أن يستمع أولاً لخطيب الوفد أو كبيرهم ومن ثم يرد عليهم "
فلما همَّ "مسيلمة" أن يتكلم بدأهم النبي ﷺ بالكلام
وهو يقول ....
"يقسم النبي" : والله يا مسيلمة لإن سألتني هذا العرجون ما أعطيته لك ....
"العرق الخشب الذي في يده"
وإني لأراك الذي أوريته في نومي.. ولن تعدوا أمر الله فيك
ثم صرف النبي ﷺ وجهه عنه
ذهل الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : يارسول الله مالذي أوريته ؟؟
لنا وقفة هنا .
ونأخذ فكرة عن "مسيلمة" .
وهو قادم في طريقه إلى النبي ﷺ ماذا كان يقول لكبار قومه ؟
كان يقول لقومه في الطريق
قال : إن أشركني محمد معه في الأمر وعهد إلي به من بعده آمنت به واتبعته .
"يعني أكون شريكه الآن بالنبوة والرسالة والزعامة يعني: وراثية أنا أصير نبي وأصير رحمة للعالمين من بعده "
وإلا لن أدخل في دينه أبداً..
مسيلمة كان يقول هذا في الطريق لرجال من حوله....
وقومه لم يسبقوه إلى المدينة ولم ينقلوا هذا الخبر للنبي ﷺ
لكن الحبيب المصطفى ﷺ من أول ساعة قابلهم قد علم ما قاله مسيلمة الكذاب
فلذلك قال له النبي قبل أن يتكلم مسيلمة الكذاب :
والله يا مسيلمة لإن سألتني هذا العرجون ما أعطيته لك .
وإني لأراك الذي أوريته في نومي ولن تعدوا أمر الله فيك .
فلما قال له النبي ذلك اضطر الوفد أن يقتربوا من بعضهم كي يتشاورا ....
والتفت الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي ﷺ يسألوه ....
قالوا يارسول الله مالذي أوريته ؟؟
نسمع للحديث من لفظ البخاري رحمه الله :
قال ﷺ بينما أنا نائم أوريت .
في يدي سوارين من ذهب وأهمني شأنهما .
"لأن الذهب محرم في الدنيا على الرجال ....
لذلك قال ﷺ أهمني شأنهما لماذا أنا ألبس هذا الذهب في يدي ؟"
فأوحي إلي وأنا نائم أن انفخهما . فنفختهما فطارا من يدي .
فقال له الصحابة رضي الله عنهم فبما أولتهما يا رسول الله .
قال بكذابان يخرجان في الأمة هذا أحدهما وأشار إلى مسيلمة .
وقد سمع الشقي كلام النبي ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه ويقول عنه كذاب ...
وقد فاجأهم بهذا الحديث وبهذه النبوءة قبل أن يسمع منه أو يسمع من قومه ....
ومع ذلك فالكفر عناد ....
فلما سمع قومه كلام النبي ﷺ اتعظوا وأسلموا وبايعوا النبي ﷺ على الإسلام..
وخاف مسيلمة الكذاب أن يكون هو الوحيد الذي لم يسلم فيفرق بينه وبين قومه وتذهب الزعامة منه ....
فأعلن "مسيلمة" إسلامه نفاقاً وبقي يكتم ما يريد في قلبه
ففقههم النبي ﷺ بالدين وعلمهم القرآن الكريم....
ثم أذن لهم وانطلقوا راجعين إلى بلادهم ....
فقال مسيلمة الكذاب لقومه في طريقه : يا قوم لقد وجد محمد من قريش من يقف معه فلذلك دخل الناس في دينه واتبعوه .
وأنا لم أجد منكم من يقف معي فكان حالنا كما رأيتم .
ولو أنكم شاركتموني الرأي ...
فأنا اقسم لكم بربكم ورب محمد بأنه يوحى إلي كما يوحى إليه
ولقد اشركني الله معه بالأمر وقسم الأرض لنا نصفين فكان نصفها لقريش ونصفها الآخر لبني حنيفة .
استخف عقول الضعفاء من قومه فأيدوه وقالوا له: نحن معك .
عاد "مسيلمة الكذاب " إلى قومه فحاول مرة أخرى وأرسل رسالة إلى النبي ﷺ ... قال فيها :
"من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ...
ألا إني أوتيت الأمر معك ...
فلك نصف الأرض ولي نصفها
ولكن قريشاً قومُ يظلمون .
"يعني قريش يأكلوا حقوق الناس لهم نصف الأرض ولكن يريدونها كلها "
فلما قُرأت الرسالة على النبي ﷺ
"رسالة لا تثير الغضب ولا تحدث ضجة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه رضي الله عنهم : بأنه كذاب ويدعي النبوة وأنه لن يعدوا أمر الله فيه فلن يضر المسلمين بشيء .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فضحك النبي ﷺ والتفت إلى حاملي الرسالة وكانا رجلان .
قال لهما: ما تقولان أنتما ؟؟
فقالا : نقول كما يقول صاحبنا .
قال أتشهدان أني رسول الله .
فقالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله .
فقال لهم النبي ﷺ : آمنت بالله ورسله .
أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لأمرت بضرب عنقكما . ولكن الرسل لا تقتل .
فرد عليه النبي ﷺ برسالة قال فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم .
من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب .
"هنا أخذ هذا اللقب فعرف بالكذاب في قومه .....
السلام على من أتبع الهدى
اما بعد
إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .
رد عليه بنص آية قرآنية .
وارسلت له الرسالة فانقسم قومه إلى نصفين ...
نصفهم على إيمانهم وإسلامهم
والنصف الآخر مع مسيلمة الكذاب لأنه أعطاهم ماتهوى أنفسهم...
و حتى يستعطف مؤيديه
قال لهم : محمد يأمر أصحابه بخمس صلوات في اليوم والليلة ....
يكفيكم صلاتين:صلاة أول النهار وصلاة في آخر الليل .
قال . محمد يحرم على أصحابه الخمر .
لا بأس لكم في شرب الخمر في المناسبات .....
محمد يفرض على أصحابه الزكاة ..
قد اسقطتها عنكم لا تزكوا ...
محمد أنزل عليه القرآن .
وأنا أنزل علي مثله ...
ويسجع لهم ... :
لقد أنعم الله على الحبلى . أخرج منها نسمة تسعى . من بين صفاق وحشا .
وأحل لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة .
يقول لهم : هذا مثل الذي أنزل على محمد .
والطاحنات طحنا . والعاجنات عجنا . والخابزات خبزا . والثاردات ثردا . واللاقمات لقما .
وهكذا ستخف أصحاب القلوب الضعيفة والعقول المتحجرة والذين يريدون الهوى ومتاع الدنيا
وكان ممن تبع مسيلمة الكذاب رجل إسمه : " نهار بن عنفوة " وقيل إسمه : "الرحال"
كان قد أسلم وتعلم شيئا من القرآن الكريم وصحب النبي ﷺ مدة وقد مر عليه رسول الله ﷺ وهو جالس مع "أبي هريرة" رضي الله عنه ومعهم رجل ثالث إسمه : "فرات بن حيان"
فقال لهم الحبيب المصطفى ﷺ أحدكم ضرسه في النار مثل أحد .....
فلم يزال "أبو هريرة وفرات" رضي الله عنهما خائفين حتى إرتد "الرحال" مع مسيلمة الكذاب .
فجاء إليه الذين آمنوا من قومه أهل اليمامة و كانوا يعلمون أنه كاذب ...
فأردوا أن يستهزوء به
قالوا : يا مسيلمة . محمد قد ظهر على يده خوارق و إن للنبي معجزات وقد سمعنا من أمور خارقة من أخبار محمد ﷺ .
قال : لهم ماذا تريدون ؟؟
قالوا : بلغنا أن محمداً قد بصق في عين أحد أصحابه بعد أن قُلعت من مكانها في إحدى الغزوات . "يقصدون الصحابي قتادة رضي الله عنه"
قال مسيلمة : *أحضروا لي رجل أعور ، فأحضروا له رجل أعور .
فبصق في عينهِ من أجلِ أن يُشفى "فعميت عينه الأخرى"
فلو بصق كل الناس في عين شخص لا يعمى .. ولكنها إهانة له وذل وخزي فضحك الناس عليه
قال لهم : هاتوا غيرها .
قالوا له : بلغنا أن محمداً جاء إلى بئر ماء مالح وقليل لا يسقي الظمأن....
فبصق فيه فكثر الماء وامتلأ البئر على الفور .
فذهب مسيلمة معهم إلى بئر فيه ماءٌ قليل .
فبصق فيه مسيلمة فجف الماءُ على الفور لم يبقى فيه نُقطة ماء واحدة .
فلما رأى أصحاب "مسيلمة الكذاب " ذلك انفض عنه ثلثي من تبعه لأنهم رأوا الآيات بأعينهم ....
ومع ذلك ومع أن الله تعالى أعطاه الإنذار اصر على كفره وأنه نبي وأنه يوحى إليه .
وبعد وفاة النبي ﷺ ثار "مسيلمة الكذاب " على الخليفة "أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه"
فهزمت قواته في معركة اليمامة بقيادة سيف الله المسلول "خالد بن الوليد"
وقتل "مسيلمة الكذاب"
والذي قتله هو "وحشي بن حرب"
رضي الله عنه...
هذا أحد الكذابين .
فمن الكذاب الثاني...
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والعشرون بعد المئتيين 222
قصة دخول الإسلام إلى اليمن .
ذكرنا من قبل عن بعض الوفود من اليمن كيف أسلمت...
ولكن لم تدخل "اليمن" كاملة في الإسلام دفعة واحدة ....
إنما كان إسلامها على مراحل
وقلنا في الجزء السابق عن ظهور اثنين من مدعي النبوة وهما :
١ - مسيلمة الكذاب في اليمامة .
٢ - الأسود العنسي في اليمن .
لم يكن اليمن قبل الإسلام دولة لها قيادة موحدة ....
وإنما كان شأنها شأن الجزيرة العربية كلها مجموعة من القبائل
وكلهم في قتال مع بعضهم البعض وتناحر ....
فكانت تضم أكثر من قبيلة
١- قبيلة حمير .
٢ -وكندة في حضر موت
٣ - وهمدان .
وكانت صنعاء وعدن وما حولهما تابعة للحكم "الفارسي"
وكانت نصارى نجران تابعة للحكم "الروماني"
وكما قلنا لم يدخل الإسلام إلى "اليمن" دفعة واحدة ولا في زمن واحد ....
وإنما دخل الإسلام إلى اليمن بالتدريج ....
إما عن طريق الدعوة السلمية...
وإما عن طريق السرايا والبعوث التي كان يرسلها الرسول ﷺ...
المرحلة الأولى .
إسلام أفراد من قبائل مختلفة
وكان أول دخول الإسلام إلى اليمن عندما أسلم أفراد من قبائل مختلفة مثل :
١- "أبي موسى الأشعري" رضي الله عنه من قبيلة "الأشاعرة"
٢ - "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه من "دوس"
٣ - "قيس بن نمط" رضي الله عنه من "همدان"
ونشط هؤلاء للدعوة إلى الإسلام في قبائلهم .
المرحلة الثانية .
إسلام "باذان" حاكم اليمن الذي وضعه الفرس و كان يحكم صنعاء وعدن وما حولهما....
اتذكرون هذا الأسم ؟؟
ذكرنا قصته في "أجزاء الرسائل" التي أرسلها النبي ﷺ للملوك .
ولكن للتذكير نذكرها بإختصار .
كانت قصة إسلامه أن الرسول ﷺ قد أرسل إلى الملوك والحكام في السنة السادسة بعد صلح الحديبية يدعوهم إلى الإسلام
وكان من هؤلاء "كسرى" عظيم فارس الذي غضب من رسالة النبي ﷺ ومزق الرسالة .
ولم يكتفي بذلك .
بل أراد أن يعتقل النبي ﷺ حتى يعاقبه ....
فأرسل كسرى رسالة إلى عامله على بلاد اليمن وكان فارسيا واسمه "باذان" وطلب منه أن يبعث رجلين من رجاله ليأتيا برسول الله إلى "المدائن" عاصمة فارس ....
وكان "كسرى" يريد بذلك إذلال المسلمين لأنه لم يرسل بعض جنوده من عاصمة ملكه "المدائن" وإنما أمر أن يرسل رجلين فقط .
والذي يرسلهما هو أحد عماله .
وبالفعل أرسل "باذان" جنديين من اليمن للقبض على النبي ﷺ .
فطلب منهما النبي ﷺ في هدوء أن ينتظرا إلى اليوم التالي وسوف يرد عليهما ....
وفي اليوم التالي بعث النبي ﷺ إلى الجنديين
وقال لهما : إِن ربِي قتَل ربَّكُم الليلة .
وبالفعل في هذه الليلة قُتِّل "كسرى" على يد إبنه "شيرويه"
فعاد الجنديين إلى "باذان" وأخبراه بنبوءة الحبيب المصطفى ﷺ .
فقال لهما : والله ما هذا بكلام ملك .
فإن كان ما يقول حقاً فهو رسول .
وما لبث أن وصل خطاب "شيرويه بن أبرويز" كسرى يخبره فيه بأنه قد قتل أباه "أبرويز" ويطلب منه البيعة .
وعلم "باذان" الليلة التى قُتِّل فيها "أبرويز" فوجد أنها هي نفس الليلة التي أخبر عنها النبي ﷺ
فأيقن أنه رسول فأسلم وأسلم كل الفرس تقريباً في اليمن .
وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة .
ومات "باذن" بعد ذلك وتولى الأمر بعده إبنه المسلم الفارسي الأصل "شهر بن باذان"
في عهد "شهر بن باذان" ظهر "الأسود العنسي"
من هو الأسود العنسي ؟
قلنا في الجزء السابق أن النبي ﷺ أخبر أصحابه رضي الله عنهم أنه رأى في الرؤيا أنه يلبس سواران من ذهب فاغتم لذلك واوحي إليه أن انفخهما فنفخهما فذهبا ....
فأول النبي ﷺ هذه الرؤيا بظهور اثنين يدعيا النبوة .....
فما لبث أن ظهر
"مسيلمة الكذاب" في اليمامة .
"الأسود العنسي" في صنعاء باليمن .
"الأسود العنسي"
اسمه "عبهلة بن كعب" وقد سمي بالأسود لأنه كان أسود اللون .
والعنسي نسبة إلى قبيلة "عنس" باليمن .
كان سيدا على بعض قبائل اليمن ....
وكان قوي البنية حلو اللسان ويغطي وجهه بخمار ولذلك كان يلقب "بذو الخمار" .
وكان ساحرا مشعوذاً يستخدم السحر لإقناع أتباعه ....
أعلن العصيان على النبي ﷺ وكان ذلك في محرم من السنة الحادية عشر من الهجرة قبل وفاة النبي ﷺ بشهرين فقط...
وتبعته كثير من قبائل اليمن تعصبا لأنها رأت أن الزكاة التي يرسلونها إلى النبي ﷺ في لغتنا اليوم هي ( أتعابهم ) ترسلها اليمن إلى قريش .
استولى "الأسود العنسي" على نجران ثم سار إلى صنعاء ومعه 700 مقاتل .
فخرج إليه "شهر بن باذان" ملك اليمن المسلم الفارسي الأصل .
وتقاتلا فغلبه "الأسود العنسي" وقتله وتزوج من امرأته وكانت فارسية واسمها "آزاد" فأصبحت أغلب مناطق اليمن تحت حكم "الأسود العنسي" لمدة 25 يوم فقط .
وقد أقنع قومه أنه نبي يوحى إليه وارتد خلق كثير من اليمن
فأرسل النبي ﷺ إلى المسلمين في اليمن يأمرهم بقتال "العنسي"
وكان عامل "الأسود العنسي" على الفرس في اليمن اسمه "فيروز الديلمي" وكان من أصل فارسي
وهو ابن عم "آزاد" التي قُتل زوجها وتزوجها "الأسود العنسي"
فاتفق "فيروز" مع بنت عمه "آزاد" على قتل "الأسود العنسي"
فسقته الخمر حتى نام ودخل فيروز وقتل الأسود العنسي .
سمع الحراس صراخه وكان على بابه ألف حارس وسألوا عما يحدث :
فأجابتهم "آزاد" زوجته :
النبي يوحى إليه وهذا الصراخ لأن الوحي نزل عليه لا تزعجوه
ثم أذن المسلمون في صنعاء لصلاة الفجر وأعلنوا الخبر...
وعلم النبي ﷺ بما حدث وهو في المدينة المنورة عن طريق الوحي ....
فقال لصحابته رضي الله عنهم ﷺ لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .
قالوا : من قتله يارسول الله ؟؟
قال قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .
يشهد له النبي ﷺ بالصلاح
وكان مقتله قبل وفاة النبي ﷺ بأيام ....
فلما وصل خبر مقتله للمدينة كان الصحابة رضي الله عنهم مشغولون بدفن الحبيب المصطفى ﷺ ....
وفي عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه جعل "فيروز" والي على بعض اليمن .
ثم أرسل إليه عمر حتى يقدم عليه إلى المدينة المنورة .
فلما جاء وأراد أن يدخل على "عمر" رضي الله عنه زاحمه على الباب ناس من قريش .
فضرب "فيروز" شاب من قريش على أنفه...
فدخل الرجل على "عمر" وأنفه تسيل منها الدماء .
واشتكى الشاب إلى عمر .
فقال عمر رضي الله عنه ماهذا يا فيروز ؟؟
فقال . يا أمير المؤمنين لقد كتبت إلي ولم تكتب إليه .
وأذنت لي بالدخول . ولم تأذن له .
فقال عمر رضي الله عنه القصاص ....
فجلس فيروز على ركبيته وقام الفتى القرشي ليقتص منه .
فقال عمر رضي الله عنه على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيء سمعته من رسول الله ﷺ
قال الفتى : مالذي سمعته من رسول الله يا أمير المؤمنين .
فقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله ﷺ يقول :
لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .
قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .
ثم نظر عمر رضي الله عنه للفتى يسأله أفتراك مقتصا منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله ﷺ
فبكى الفتى وقال: قد عفوت عنه قد عفوت عنه يا أمير المؤمنين
فصاح فيروز . أشهدك يا أمير المؤمنين أن سيفي وفرسي و 30 ألف من مالي هو هبة له .
فقَال عمر رضي الله عنه :
للفتى عفوت مأجورا يا أخا قريش وأخذت مالاً .
المرحلة الثالثة ..
إسلام قبيلة "حمير" .
وأما قبيلة حمير وهي أعظم القوى القَبَلية في اليمن وأعرقها
فقد أرسل إليهم النبي ﷺ أكثر من رسول حتى أسلم أهل حمير وملوك حمير .
وكان ذلك في السنة الثامنة من الهجرة بعد تبوك .
المرحلة الرابعة ..
نصارى نجران ...
بالنسبة لنصارى نجران فقد قدم وفد منهم المدينة
وتحدثنا عن ذلك سابقآ .
وذكرنا آيات المباهلة وقلنا أنهم قد رفضوا الإسلام وأقروا بدفع الجزية .
ثم جاء وفد منهم بعد ذلك وأسلموا....
المرحلة الخامسة ..
همدان ....
أرسل إليهم النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وعمَّمه بيديه ﷺ وعقد له لواء بيده ووضع على اللواء قطعة من عمامته ﷺ .
وأمر أن يكتب كتاب "لعلي" رضي الله عنه رسالة لأهل همدان .
وقال له: انطلق يا علي إلى أهل اليمن واقرأ عليهم كتاب رسول الله ﷺ .
فإنَّ الله يثبت لسانك ويهدي قلبك .
وإن الناس سيتقاضون إليك .
فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .
فإنه أجدر أن تعلم لمن الحق .
وكأنه ﷺ يبشره : بإسلامهم ثم ينصبوك قاضي عليهم .
وإن الناس سيتقاضون إليك فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .
انطلق "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه ومعه كتاب النبي ﷺ ومعه 150 رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم.
"من باب الإحتياط لأن أهل همدان ليسوا مسلمين بعد"
فلما نزل بساحتهم وأتتهم الأخبار بأن رسول محمد من المدينة قد أقبل ومعه جيش .
"هكذا الأخبار وصلتهم"
جمعوا له الجموع وأعدوا له الجيش وأراد الصحابة رضي الله عنهم أن يستعدوا للقتال .
فقال لهم : "علي" رضي الله عنه . على رسلكم .
ننفذ أوامر رسول الله ﷺ .
ألم يأمرني أن أقرأ رسالته عليهم ؟
قالوا : بلى ولكنهم استعدوا لقتالنا .
فقال : ونحن قد استعددنا لهم بوحي الله لرسوله ﷺ .
فتقدم إليهم "علي" رضي الله عنه وحده ليس معه أحد ولم يسل سيفاً ولم يحمل ترساً .
فلما تقدم منهم أخرج الرسالة وقرأها عليهم .
فعندما أتم القراءة تفاجأ الصحابة رضي الله عنهم بأن كل "همدان" وعلى قلب رجل واحد وبلسان واحد يصيحون بأعلى صوتهم :
نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
فأسلمت همدان كلها في ساعة واحدة ....
ثم استقبلوا "علي" رضي الله عنه خير استقبال هو وأصحابه رضي الله عنهم...
وأخذ "علي" رضي الله عنه يعلمهم الدين ويقرأ عليهم القرآن الكريم...
ثم جاءت الخصوم إليه يتقاضون إليه فيقضي بينهم كما أمره النبي ﷺ
يسمع من الطرفين ويقضي
يقول الصحابة رضي الله عنهم كان علي أقضى أصحاب رسول الله .
"أكثرهم حكمة في القضاء "
وذلك ببركة دعاء النبي ﷺ إذ دعى له يوماً .
فقال ﷺ : اللهم وفقه للقضاء .
وهكذا أسلمت همدان وجاء وفد منهم إلى المدينة ليبايعوا النبي ﷺ في السنة العاشرة من الهجرة ....
وقبل أن يصلوا إلى المدينة قال النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم مخبراً عن أهل اليمن أتاكم أهل اليمن . هم أرق أفئدة وألين قلوباً .
من جهة أخرى أرسل النبي ﷺ عدة سرايا إلى بعض القبائل اليمنية التي لم تستجب لدعوة الإسلام .
فأرسل النبي ﷺ "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه إلى قبيلة "دوس"
و أرسل سرية بقيادة "خالد بن سعيد بن العاص" رضي الله عنه
وسرية بقيادة "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
وسريتين بقيادة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وهكذا عندما جاءت السنةالعاشرة كان جميع "أهل اليمن" قد دخلوا في الإسلام
وعندما دخل أهل اليمن جميعاً في الإسلام .
أرسل إليهم النبي ﷺ إثنان من أصحابه :
١- معاذ بن جبل رضي الله عنه
- أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
وكانت مهمتم أن يتوليا قيادة اليمن ....
وقسم لهم النبي ﷺ اليمن إلى قسمين كبيرين ....
عرف كل قسم : "بالمخلاف"وأصبح كل واحد منهما مسؤولاً عن أحد هذه الأقسام .....
ووصى النبي ﷺ عاملاه
وقال لهما يسرا وبشرا ولا تنفرا .
ثم إلتفت إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال وهو يودعه :
يا معاذ عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا .
ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري .
فبكى معاذ بن جبل رضي الله عنه جزعا لفراق الحبيب المصطفى ﷺ .
ننتقل إلى حجة الوداع .
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[ ﷺ .*
الحلقة الثالثة والعشرون بعد المئتيين 223
حجة الوداع . الجزء الأول .
أقبل رمضان من السنة العاشرة من الهجرة...
فصام ﷺ رمضان للمرة العاشر في دار الهجرة ....
واعتكف النبي ﷺ 20 يوماً .
وقد كان يعتكف في كل عام عشرة أيام، هي العشر الأواخر من رمضان .
ودارسه جبريل عليه السلام ما نزل من القرآن مرتين ....
وقد كان جبريل عليه السلام يقرأ عليه ما نزل من القرآن الكريم في رمضان كل عام مرة واحدة .
وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم النبي ﷺ تواجده بينهم في أغلب الساعات وتكثيفه لوعظه وإرشاده لهم....
فاستشعروا كأن النبي ﷺ إنما يودعهم .
وكان قد استشعر هذا هو قبلهم صلى الله عليه وسلم
فقال لأصحابه رضي الله عنهم :
كان أخي جبريل يراجعني القرآن في كل عام مرة .
أما هذه السنة فقد راجعنيه مرتين .
فلما انصرم رمضان ومضت أيام عيد الفطر
أعلن ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم وأرسل إلى جميع المسلمين في كافة البلاد أنه خارجاً للحج في هذا العام فمن أراد أن يشهد الحج مع الرسول ﷺ فليأتي إلى المدينة المنورة كي يأخذوا عنه مناسكهم ....
ولم يحج إلا مرة واحدة في السنة العاشرة للهجرة ...
وذلك أن الحج فُرض بعد "فتح مكة في السنة الثامنة .
ولما حج المسلمون في السنة التاسعة للهجرة كان على رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
ولم يحج معهم في تلك السنة ﷺ
لأن المشركين كانوا لا يزالون مستندين إلى صلح الحديبية
وكانوا يدخلون المسجد الحرام ويطوفون بالبيت عُراة على عادتهم في الجاهلية ....
ويباشرون طقوسهم الوثنية حول الكعبة .
فأراد النبي ﷺ أن يؤجل حجه عاماً حتى يتمَّ تطهير البيت الحرام من شعائر الوثنية .
وأرسل علي بن أبي طالب مع أبي بكر رضي الله عنهما وأمره إذا اجتمع الناس بمنى يوم النحر أن يقرأ عليهم رسالته التي تضمنت
أن لا يحج بعد العام مشرك .
وأن لا يطوف بالبيت عريان .
وتطهير الكعبة من الوثنيين ووثنياتهم ....
و بعد أن طهرها ﷺ عام الفتح من أصنامهم وأوثانهم أصبحت الكعبة رمزاً لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له....
وعادت كما طهّرها إبراهيم عليه السلام للطائفين والعاكفين والركع السجود .
كم مرة اعتمر ﷺ في حياته ؟؟
إعتمر ﷺ 4 مرات وقد ذكرناها من قبل :
١- عمرة الحديبية وكانت في ذي القعدة .
٢- عمرة القضاء وكانت في ذي القعدة .
٣- عمرة بعد رجوعه من حنين أيضآ كانت في ذي القعدة .
٤- عمرة مقرونة مع الحج التي هي موضوع حديثنا ...
كانت عمراته ﷺ في ذي القعدة ليعلن خلاف عقيدته مع قريش .
لأن قريش كانت تقول للعرب "عمرة في الأشهر الحرم فسوق "
"وذي القعدة من الأشهر الحرم"
فكانوا يقولون : العمرة في سائر السنة إلا أشهر الحج ...
يقولون هذا ليجبروا العرب أن تأتي في موسم الحج وفي غير أشهر الحج من أجل مكاسبهم المادية والدنيوية...
فلما أعلن النبي ﷺ أنه خارجاً للحج في هذا العام ...
بدأت الوفود من كافة أنحاء الجزيرة العربية تصل إلى المدينة المنورة يريدون الحج مع النبي ﷺ
وضربت لهم الخيام في أرضها وبساتينها حتى بلغ عدد من وصلوا إلى المدينة أكثر من 120 ألف كما ذكر في بعض كتب السير
ولحق به في الطريق خلق كثير فوصل عددهم 140 ألف تقريباً من أصحابه ﷺ ...
يقول أصحابه رضي الله عنهم والحديث في الصحاح....
قالوا : لقد امتلأت المدينة بوفود الحجيج وكلهم يريد أن يلقى رسول الله ﷺ ....
لنا أن نتخيل هذا المشهد...
كثير ممن أسلموا من القبائل العربية خارج المدينة لم يشاهدوا النبي ﷺ بعد ..
وأعداد هائلة 120 ألف كلهم في شوق له صلى الله عليه وسلم
فلما كان 25 من ذي القعدة وكان يوم جمعة ...
رقى ﷺ منبره وخطب بأصحابه رضي الله عنهم الجمعة ....
ولم يتسع المسجد لهذه الأعداد الهائلة فأي مسجد يسعهم .
ولكن أمر النبي ﷺ رجال خارج المسجد أن يبلغوا الناس عنه .
أي يرددوا كلمات النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة كلمة كلمة حتى يُسمعوا خطابه للناس .
فحثهم على تقوى الله وأن يعقدوا النية للحج .
فقال ﷺ : من حج فلم يرفث ولم يسخط . رجع من حجه كيوم ولدته أمه .
استعد الناس للحج .
وأمر النبي ﷺ أزواجه رضي الله عنهن أن يعدنَّ أنفسهنَّ للحج جميعاً ....
فلما كان يوم السبت .
صلى بهم النبي ﷺ الظهر في مسجده...
ثم دخل الى حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها
فاغتسل واسقط ما يجب إسقاطه من شعور ....
ولبس إحرامه ﷺ في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
للتنبيه لمن أراد الحج والعمرة
الإغتسال ولبس الإحرام لا يعد أنه إحرم .
نقول : إستعد للإحرام .
وتطيب ﷺ ولبَّد شعره .
تلبيد الشعر أي دهنه بالزيت أو أي دهن حسب وجوده في كل زمان"
تقول : أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : فأتيته بالغالية "هو نوع من العطر يكون مزيج بين المسك والعنبر" فأتيته بالغالية فتطيب وأكثر من الطيب حتى وكأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرقه .
"الوبيص هو بريق المسك ولمعانه في مفرقه أي في شعره "
يجوز للمحرم الحاج أو المعتمر قبل عقد نية الإحرام أن يتطيب في بدنه .
ولكن لا يطيب ثياب الاحرام .
ثم فرق شعره نصفين وألقى نصفه على يمينه ونصفه على شماله ﷺ وكان شعره يضرب منكبيه "كتفيه"
إغتسل ﷺ ولبس ثياب الإحرام ثوبين أبيضين ولبد شعره وتطيب .
ثم خرج وقد جُهزت له ناقته على باب حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وأطل على أصحابه رضي الله عنهم بطلعته النورانية أجل وأكمل وأجمل من البدر ليلة الكمال صلى الله عليه وسلم
أكثر الوفود التي أتت للمدينة لم تكن رأته من قبل ...
كثير من أصحابه رضي الله عنهم لم يراه قبل اليوم محرماً .
فلما أطل عليهم ﷺ ضجت المدينة كلها بالصلاة عليه ﷺ .
فحياهم وسلم عليهم ثم ركب ناقته ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم : كان الناس حول النبي ﷺ عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وبين يديه مد البصر ﷺ
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والعشرون بعد المئتيين 224
حجة الوداع . الجزء الثاني .
إحرام النبي ﷺ .
خرج ﷺ حاجاً من المدينة المنورة والناس حوله و عن يمينه وشماله ومن خلفه وبين يديه مد البصر ....
سلك بهم الطريق إلى "ذو الحليفة" ما نعرفه اليوم "آبار علي"
خرج بهم يوم السبت قبل أذان العصر بقليل ....
فصلى بهم العصر بذي الحليفة ركعتين قصراً "هنا بدأ القصر لأننا في سفر"
وأمر أن تنصب الخيام ويبيت الناس في ذلك المكان .
وتساءل أصحابه رضي الله عنهم قالوا : بين المدينة و ذو الحليفة ستة أميال .
فهل يحتاج هذا السفر إلى المبيت ؟
ولكن النبي ﷺ يعلم ما لا يعلمه غيره وذلك بفضل ما علمه الله
قال تعالى :
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا .
كان من الممكن أن يصلي ركعتين ويلبي وينطلق ، ولكنه بات تلك الليلة "ليبين لهم الأحكام"
فصلى بهم المغرب وصلى العشاء ركعتين قصر....
فلما انتهى ﷺ
تقدم إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه
وقال : يا رسول الله لقد جاء المخاض أسماء بنت عميس
زوجته رضي الله عنها تزوجها بالمدينة .
وكانت حاملاً متماً "بلغتنا بشهرها التاسع"
ومع ذلك لم تمتنع من الخروج مع النبي ﷺ في هذه الحجة
قال : لقد جاء المخاض أسماء بنت عميس
وما هي إلا لحظات حتى جاء الخبر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقد ولدت لك ذكراً
فسماه : "محمد" محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم
ولد أول ليلة في حجة الوداع .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ماذا تصنع أسماء رضي الله عنها الآن يا رسول الله ؟
فقال له النبي ﷺ تغتسل ثم تستذفر بثوبٍ سميك .
(( لا تحتاج لشرح ما تفعله المرأة حفاظاً على سيل الدماء لأنها نفساء ))
وتحرم معنا وتفعل كل ما يفعله الحاج إلا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر .
وحدث هذا الموقف أيضآ مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الطريق بعد ذلك .
دخل عليها النبي ﷺ خيمتها فوجدها تبكي .
قال ما بكِ أنفستي ؟
(( هي ليست حامل وإنما يقال للحيض نفاس وللولادة نفاس لأن الرحم تخلص مما فيه وتنفس ))
قال ما بكِ أنفستي ؟؟
قالت . أجل يا رسول الله .
قال وما عليكِ ؟؟ إصنعي كل ما يصنع الحاج ، غير أنك لا تطوفين بالبيت .
فبات ﷺ بهم تلك الليلة ثم صلى بهم "الفجر"... ثم أذنَّ لمن لم يغتسل من الناس أن يغتسل ويستعد .
فاغتسلوا واسقطوا شعورهم ولبسوا إحرامهم .....
استعد الناس....
وصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين في مكانه "أي مكان خيمته" وشرع بنيته وهو جالس
فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
قالها ﷺ في مصلاه وهذه هي : النية .
والنية لا يتلفظ بها وإنما محلها القلب....
وكان ﷺ قد ساق هديه معه من المدينة ....
"الإبل التي تُهدى إلى الكعبة و تنحر ليأكل منها الفقراء والمساكين"
فساق هدياً بالغ الكعبة ، فأشعر وقلد ...
الإشعار .
نأتي إلى سنام الجمل ذكراً كان أو انثى .
يُجرح بشيء حاد قليلاً بسنامه حتى يسيل الدم ويمسح سنامه بالدم .
التقليد .
يعلق على رقبته شيء من جلد أو متاع .
ليعرف الناس أن هذا الإبل لا يباع ولا يشترى هو هدياً بالغ الكعبة ، أي سينحر عند الكعبة .
قيل أن النبي ﷺ ساق 100 بدنه من المدينة .
وقيل ساق 63 على عدد سنين عمره ﷺ .ساقها بين يديه .
فجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن ليحج مع النبي ﷺ لأن النبي ﷺ كان قد أرسله لليمن لهمدان .
جاء علي رضي الله عنه من اليمن ببقيتها فأصبح العدد 100 .
فقدم النبي ﷺ هدياً بالغ الكعبة في هذا العام 100 ناقة طعمة للفقراء والمساكين .
ثم خرج من قبته ﷺ أي خيمته
وركب ناقته واستوت به قائمة
فأعاد تلبيته على سمع الناس مرة أخرى ليسمعوا ....
فتنادى أصحابه رضي الله عنهم قائلون : أوجب رسول الله ﷺ فأحرموا .
فقال الناس : لبيك اللهم لبيك ..
فلما انطلقت به ناقته وخرج من ذو الحليفة وأصبح في البيداء "الصحراء" واجتمع الناس حوله بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله كل واحد يريد أن يأخذ نسكه عن النبي ﷺ ....
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى.....