[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والسبعون بعد المائة
171
الخروج إلى خيبر .
خرج ﷺ إلى "خيبر"
وكان معه 1400 مقاتل من المسلمين الذين بايعوا النبي ﷺ في صلح الحديبية .
وخيبر كما قلنا فيها 10 آلاف مقاتل ....
وكان أهل "خيبر" يرسلون مع المسافرين ركاب الطرق رسائل للمدينة .
"من باب التخويف من باب الإعلام المزيف كما يفعلون اليوم .... من باب الإشاعة .
فاليهود على مر العصور شغلهم الشاغل أمرين أن يمسكوا بعصب إقتصاد العالم والإعلام المزيف .
فكانوا يرسلون مع المسافرين ركاب الطرق رسائل للمدينة .
يقولون لعل أبا القاسم ....
أي النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا لا ينادونه بإسمه محمد إلا ما ندر لكي لا يثبتوا عليه صفة الحمد ﷺ ....
لعل أبا القاسم ، يفكر يوماً في غزو خيبر ، هيهات هيهات .
خيبر فيها 10 آلاف مقاتل مدجج بالسلاح ....
وكم عدد أهل المدينة من أصحابه رضي الله عنهم
هذه هي الرسائل التي كانت تصل للنبي ﷺ ....
والنبي ﷺ يعلم عدتهم ولكنه يعلم كيفية أصحابه رضي الله عنهم لا كمهم ولا يلتفت لعددهم
قول تعالى :
كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ .
في يوم بدر
كان عدد الصحابة 313
قريش كانت 950
والآن يخرج 1400 من الصحابة رضي الله عنهم ليلقى 10 آلاف .
هنا تحرك المنافقون في المدينة على الفور ....
فأرسلوا إلى يهود خيبر يخبرونهم بقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خيبر .
أرسل رأس المنافقين "عبدالله بن أبي ابن سلول"
إليهم يخبرهم بأن محمداً سائر إليكم ، فخذوا حذركم وأدخلوا أموالكم حصونكم واخرجوا إلى قتاله ولا تخافوا منه .
إن عددكم كثير وقوم محمد شرذمة قليلون وهم عزل لا سلاح معهم إلا قليل .
يشجعهم على قتال النبي ﷺ
يخبرهم أن أعداد المسلمون قليلة وليس معهم سلاح إلا القليل لا تخافوا .
فلما وصل الخبر لليهود ...
قالوا بستهزاء : محمد يغزونا ؟
هيهات هيهات "
ولكنهم أخذوا يستعدون ويأخذون احتياطهم
وأرسلوا إلى سيد غطفان "عيينة بن حصن"
تذكرون هذا الاسم الذي سماه النبي ﷺ "الأحمق المطاع"
أرسلوا له : يا عيينة نعطيك نصف ثمار خيبر في سبيل أن تقف معنا من أهل "غطفان" في قتال المسلمين ...
هل تعلمون كم كان عدد ثمارهم في خيبر ....
لقد كانوا يجنون كل عام من نخيلهم 40 ألف من ثمارها
فكانت خيبر ومازالت تمد المدينة ومكة في موسم الحج بالتمر ...
فخيبر من أعظم بقعة في الأرض من حيث ثمار التمر ....
وافق "الأحمق المطاع" على الفور وبدأت تستعد لقتال المسلمين ...
أعدت جيشا ضخما لذلك قوامه 4 آلاف مقاتل
بقيادة "الأحمق المطاع عيينة بن حصن"
علم النبي ﷺ بخبرهم
وكان له ﷺ عيونا من أصحابه رضي الله عنهم حول المدينة يمدونه بالأخبار .
فقرر ﷺ أن يرسل على الفور سرية إلى غطفان حتى يظنوا أن النبي ﷺ سيغزو ديارهم وليس خيبر .
وأمر هذه السرية أن تظهر أمرها ولا تتخفى بل وتحدث صوتا عالياً حتى تلفت إليها الأنظار
وبذلك تخاف "غطفان" على نفسها وتظل في ديارها ولا تخرج لحرب المسلمين في خيبر .
وبالفعل عندما سمع جيش "غطفان" الصوت ...
أنزل الله الرعب في قلوبهم وعادوا مسرعين إلى ديارهم وتركوا يهود خيبر في حرب الرسول صلى الله عليه وسلم منفردين ..
وقرر النبي ﷺ أن ينزل بجيش المسلمين في شمال خيبر .
خيبر موقعها "الشمال الشرقي" للمدينة المنورة
فمن يأتي من المدينة المنورة إلى خيبر سيدخلها من الجنوب .
فلماذا اختار حبيبنا ﷺ أن يدخل خيبر من "الشمال" وليس من الجنوب ؟؟؟
لأن "غطفان" تقع أيضاً " في الشمال الغربي" للمدينة .
فنزل بجيش المسلمين من الشمال حتى يحول بين خيبر وبين غطفان إن فكرت غطفان العودة لحرب المسلمين .
وسار ﷺ لخيبر على بركة الله
وكان معه رجل من أصحابه حسن الصوت يجيد في ارتجاز الشعر "عامر بن الاكوع" رضي الله عنه :
فقال له النبي ﷺ
يا ابن الاكوع اسمعنا من هيناتك "أي أنشد لنا من أشعارك بصوتك الجميل" وحرك بنا الركب .
فسار "عامر بن الأكوع" أمام الركب كي ينشط الرواحل
وهو يردد بصوته الجميل ويرتجز الشعر :
اللهم لولا الله انت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا .
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا .
إنَّ الأُلَى قدْ بَغَوْا عَلَيْنَا وإنْ أرَادُوا فِتْنَةً أبيْنَا .
ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بآخِرِهَا ....
الراوي : البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه .
فقال له ﷺ عند سماع صوته الجميل
يرحمك الله .
وكان حسن الصوت بالحداء إذا حدا أعنقت الإبل أي أسرعت..
فقطعوا الطريق الذي يحتاج 5 ليالي في 3 ليالي ...
وهكذا سار الجيش بروح إيمانية عالية جداً بالرغم من علمهم بالصعوبة الشديدة للمعركة
وبحصون خيبر وكثرة رجالها وكثرة عتادها الحربي .
حتى أنهم كانوا يكبرون ويهللون ويدعون الله تعالى بأصوات مرتفعة
"الله أكبر .. لا إله إلا الله .*
فقال لهم النبي ﷺ :
أربعوا على أنفسكم .
أي أرفقوا بأنفسكم ، لا تبالغوا في رفع أصواتكم"
فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعآ قريباً وهو معكم .
نهاهم ﷺ عن رفع أصواتهم
والمقصود الرفع الخارج عن العادة الذي يؤذي الآخرين .
لأنه أمر أصحابه رضي الله عنهم ان يرفعوا أصواتهم بالتلبية
ولكن لا نرفع الأصوات بالتلبية بشكل يؤذي الآخرين .
وكان "عبدالله بن قيس" رضي الله عنه يسير خلف دابة النبي ﷺ وهو يردد .
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فقال له النبي
يا عبدالله بن قيس .
قال : لبيك يا رسول الله
قال
ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة ؟
فقال بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي .
قال
لا حول ولا قوة إلا بالله .
فلما أشرف على خيبر
قام وصلى النبي ﷺ بأصحابه رضي الله عنهم المغرب والعشاء "جمع تقديم"
بعيداً عن حصونهم حتى لايروه
لأن الدنيا مازالت مضيئة و سقوط قرص الشمس عند المغرب لا يعني العتمة خاصة في المناطق الصحراوية .
حتى إذا دخلت العتمة تقدم بجيشه بهدوء إلى حصونهم .
وأمر المسلمون أن يصلوا الفجر مغلسين
"يصلوا الفجر فوراً عند دخول وقته قبل أن يسفر النهار كي لاتراهم يهود فيباغتهم بغتة"
وكان اليهود إذا أقبل الليل دخلوا حصونهم وأغلقوا أبوابهم .
وفي الصباح يفتحون أبواب حصونهم ويخرجون للعمل
صلى بهم الفجر ...
وبدأ خروج اليهود من الحصن إلى مزارعهم وهم يحملون أدوات الزراعة وهم لا يدرون بالمسلمين
فلما رائهم النبي ﷺ
قال لأصحابه رضي الله عنهم *قفوا *
ثم قال :
اللهم رب السموات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين .
نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها .
ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها .
اقدموا بسم الله فتقدموا .
فلما رأوا اليهود الجيش صاحوا في فزع :
محمد والخميس
الخميس معناه الجيش ....
وقد كان العرب يطلقون على الجيش الخميس لأنه خمسة أقسام ....
مقدمة ، ومؤخرة . وميمينة ، وميسرة ، وقلب .
محمد والخميس !!!!!
وأخذوا يهربون مسرعين إلى حصونهم وصاح بهم النبي ﷺ صيحة سمعها الجيش كله ، وسمعها اليهود
الله أكبر _ الله أكبر ...
خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المُنذرين .
لم يتوقعوا قدوم النبي ﷺ لغزوهم ....
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
[٣/٧/٢٠٢١ ١٠:١٥ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والسبعون بعد المائة
172
علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
يفتح الله عليه حصن خيبر .
هرب اليهود ودخلوا في حصونهم عندما رأوا النبي ﷺ والمسلمون
خيبر مقسمة إلى ثلاثة مناطق :
١- منطقة
النَّطاة هذه المنطقة فيها ثلاث حصون :
حصن ناعم .... حصن الصعب .... حصن القلعة.
٢- منطقة
الشَّق هذه المنطقة فيها حصنين فقط
حصن أبي ..... حصن النِّزار .
٣- منطقة
الكتيبة هذه المنطقة في ثلاثة حصون .
حصن القموص ... الوطيح ... السلالم .
هذه الحصون مصممة بحيث إذا حدث إقتحام لحصن منها
فإنهم يستطيعون الإنسحاب بسهولة إلى الحصن الذي يليه
وفي خيبر حصون وقلاع أخرى
لكنها كانت صغيرة وسقطت بعد ذلك بلا قتال ...
ولذلك كانت "مشكلة خيبر" ليس فقط تفوق اليهود في العدد والعدة ...
لأن اليهود عددهم 10 آلاف مقاتل مقابل 1400 من المسلمين فقط .
ولكن المشكلة الرئيسية هي هذه الحصون لسببين :
السبب الأول :
أن العرب لم تكن تعرف كيف تتعامل في الحرب مع الحصون
وكانت كل حروبهم تعتمد على المواجهة وعلى الكر والفر .
"السبب الثاني "":
أن المسلمين لم يكونوا في مواجهة حصن واحد
ولكن مجموعة كبيرة من الحصون كما ذكرنا وهي 8 حصون ومصممة بحيث إذا حدث إقتحام لحصن ، فإنهم يستطيعون الإنسحاب بسهولة إلى الحصن الذي يليه
ومعنى هذا أن المسلمين إذا نجحوا في إقتحام حصن
فسيلجأ من في هذا الحصن إلى حصن آخر وهكذا فكأنهم يدخلون في عدة حروب وليست حرباً واحدة .
وبدأ بمهاجمة حصن "ناعم" وكان يعتبر خط الدفاع الأول لمكانته الإستراتيجية ....
وكان من أقوى الحصون
وتحصن اليهود داخل الحصن وأخذوا في رمي المسلمين بالسهام وبالحجارة من فوق الحصن .
وكان النبي ﷺ والصحابة الكرام رضي الله عنهم قد وقفوا في منطقة : "المنزلة"
سبب تسميها المنزلة لأنها منخفضة قليلًا عن الأرض
فكان اليهود إذا ألقوا الحجارة الضخمة من داخل الحصن تتدحرج حتى تصل إلى جيش المسلمين وتصيبهم ...
فجاء إلى النبي ﷺ "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه
وقال : يا رسول الله !!
إن هذا المنزل قريب من حصونهم وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندري أحوالهم .
لأن اليهود يرون المسلمين من فوق الحصن ويراقبون تحرك الجيش ومكشوفون لهم
إن هذا المنزل قريب من حصونهم وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندري أحوالهم .
وسهامهم تصل إلينا وسهامنا لا تصل إليهم .
وهو مكان غائر وأرض وخيمة بين النخلات وقد يتسلل اليهود من بين النخلات .
ولو أمرت بمكان خالٍ عن هذه المفاسد نتخذه معسكرا..
فأعجب النبي ﷺ برأي "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه وقال له
شرت بالرأي .
اتذكرون هذا الصحابي الجليل ؟
هو نفس الموقف الذي قام به "الحباب بن المنذر" في غزوة بدر عندما أشار على النبي ﷺ بتغيير مكان معسكر المسلمين وكان ذلك من أسباب الإنتصار في بدر
وسبحان الله الذي جعل لكل إنسان موهبة .
"الحباب بن المنذر" كان يتمتع بهذه الموهبة وهي النظرة الإستراتيجية لجغرافية أرض المعركة .
ولكن ﷺ قال :
إذا أمسينا تحولنا .
لماذا ؟؟؟
لأن النبي ﷺ لا يريد أن يغير من مكانه أمام اليهود حتى لا يعتبر اليهود ذلك إنتصارآ على المسلمين فترتفع معنوياتهم .
فلما جاء الليل غير ﷺ مكان معسكر المسلمين
من "المنزلة إلى مكان : "وادي الرجيع"
وجاء راعي حبشي أسود كان أجيرآ عند يهودي من أسياد خيبر يرعى غنمه
فجاء إلى النبي ﷺ وقال : يا رسول الله أعرض عليّ الإسلام .
"حدثني عن الإسلام "
وكان النبي ﷺ لا يحقر أي إنسان بأن يدعوه لدين الله عزوجل .
فعرضه عليه ...
فدخل الايمان لقلب هذا الرجل
فقال : إن أنا أسلمت فماذا لي ؟
قال . الجنة .
فأسلم !
فلما أسلم قال : يا رسول الله إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم . فكيف أصنع بها ؟
فقال له : اضرب في وجهها فإنها سترجع إلى صاحبها
فقام فأخذ حفنة من حصباء فرمى بها في وجهها وقال ارجعي إلى صاحبك فوالله لا أصحبك
يقول الصحابة : فخرجت مجتمعة كأن سائقآ يسوقها حتى دخلت الحصن .
ثم تقدم رضي الله عنه إلى ذلك الحصن فقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله .
"ولم يسجد لله سجدة واحدة"
فأتي به إلى رسول الله ﷺ محمولأ
فلما نظر إليه النبي ﷺ أعرض عنه "أي التفت فلم ينظر إليه"
فاستغرب الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : يا رسول الله لم أعرضت عنه ؟
فقال لهم النبي ﷺ
لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خير قد كان الإسلام من نفسه حقا
وإن الشهيد إذا أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين .
وإن معه الآن زوجتيه من الحور العين تنفضان التراب عن وجهه .
وتقولان له : ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك .
لذلك أعرض عنه النبي ﷺ حياءً لكي لا ينظر لزوجتيه ...
وعندما أطلعه الله على الجنة وجلس يحدث أصحابه رضي الله عنهم :
قال
ورأيت زوجة من الحور العين في الجنة فقلت زوجة من هذه ؟
فقيل لي زوجة عمر بن الخطاب فأعرضت وجهي عنها لما أعلمه من غيرة عمر .
فبكى عمر وجهش بالبكاء وقال أومنك أغار يا رسول الله ؟
كانت حصون خيبرة محصنة جداً
واستمرت محاولات المسلمين لفتح الحصن وواجه المسلمون مقاومة شديدة
واستشهد أثناء المواجهات "محمود بن مسلمة الأنصاري"
وكان قد حارب حتى أعياه الحرب "تعب" وثقل السلاح "لم يستطع حمل السلاح" وكان الحر شديداً
فألقى عليه اليهود حجر من فوق الحصن فسقط عليه .
فكسرت الخوذة التي يلبسها على رأسه وتهشمت ودخل الحديد في جلد رأسه .
ونزلت جلدة جبينه على وجهه وخرجت عينه من مكانها .
فأدركه المسلمون فأتوا به النبي ﷺ فأرجع الجلدة إلى مكانها وعصبه بخرقة .
فمات رضي الله عنه من شدة الجراحة بعد ثلاثة أيام
وجرح خمسين من الصحابة رضي الله عنهم بسبب رمي السهام والحجارة من الحصن .
أثناء الحصار خرج من الحصن قائد اليهود "مَرحَب" يطلب المبارزة ...
وكان "مَرحَب" عملاقا ضخم الجثة وكان من أشد الفرسان .
وكانوا يقولون أنه يغلب 1000 مقاتل وحده .
فخرج له "عامر بن الأكوع" رضي الله عنه .
هذا الصحابي الذي ارتجز الشعر في الطريق لخيبر وكان صوته جميل وقال له النبي ﷺ
يرحمك الله .
كان "عامر بن الأكوع" رضي الله عنه فارسآ قوياً و معروفاً وكان ضخم الجثة .
دار بينهما قتال شرس ....
وأثناء القتال كان "عامر بن الأكوع" يقاتل بحماسة . فضرب اليهودي ضربة قوية لكن "مَرحَب" ابتعد
فطاشت ضربة "عامر" لم تصب "مَرحَب" وأكملت طريقها فأصابت "عامر" بركبته .
وقتل نفسه بسيفه .
فقال البعض قتل نفسه ...
فقال النبي ﷺ
إنه شهيد وإن له لأجرين .
أصيب بالمسلمون بجوع شديد ولم يكن معهم من الطعام إلا السويق .
السويق هو ذرة يوضع عليها بعض الشيء من الحلو .
ويشربون الماء خلفها...
لذلك سمي هذا الطعام السويق لأنه ينساق بالحلق إنسياقا
اشتكوا للنبي ﷺ الجوع ...
وقبل أن تغيب الشمس رأى النبي ﷺ غنم حول الحصن ترعى
قال
ما خرجت هذه الغنم ترعى من غير راعي ، ولعل لها مداخل ومخارج للحصن .
ثم التفت إلى أصحابه رضي الله عنهم وقال :
من رجل منكم يطعمنا منها ويرى لنا الطريق ؟
فقام رجل من أصحابه من الأنصار "أبو يسر بن عمر" رضي الله عنه
قال : أنا يارسول الله
يقول أبو يسر : فانطلقت كالظليل .
"كالغزال الذي يكون أول عمره يسمى الظليل"
وأخذت الغنم تدخل في مساربها "لها طرق تحت سور الحصن"
فأدركت آخرها
فحملت شاتين تحت إبطي ورجعت وكأني لا أحمل شيئاً "أي رجعت بسرعة"
وكان النبي ﷺ قد دعا له فقال
اللهم متعنا به ونضَّر وجهه .
وانظروا لدعوة النبي ﷺ عاش أبو يسر 112 سنة .
فكان آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم في المدينة
يقول للتابعين : لقد أصابتني دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم
لقد متعني الله ومتع الصحابة ومتعكم أنتم بعمري .
فها أنا أعيش بينكم ولا تجدون صحابي غيري ....
وانظروا إلى "وجهي" وقد جاوزت المئة عام .
وها أنا كأني ابن السابعة عشرة من عمري من دعوة نبينا ﷺ
نضَّر الله وجهك .
يقول : فأتيت للنبي صلى الله عليه وسلم بالشاتين ، فنظر النبي ﷺ إلي
وقال لي
نضَّر الله وجهك .
ثم أمر أن تذبح الشاتين وأن تقطع وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالشواء .
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم يشون ويضعون الشواء في وعاء .
وجلس النبي ﷺ عند الوعاء يضع يده في الوعاء ويمسك اللحم .
ويقول للصحابة رضي الله عنهم
خذوا وأطعموا أصحابنا ، خذوا وأطعموا أصحابنا .
يقول أبو يسر رضي الله عنه والذي بعثه بالحق .
لقد أطعم الجيش كله وما يزال بين يديه لحم مشواه .
قال له التابعين متعجبين كم كنتم ؟
قال : أربعة عشرة مئة 1400 .
قالوا : وهل أكلتم جميعاً ؟
قال : والله قد شبعنا ... وفضل عن زادنا إلى الغد .
من شاتين فقط أطعم الجيش كله ﷺ ....
واستمر القتال 12 يوم ولم يحقق المسلمون أي شيء .
وأصيب النبي ﷺ في ذلك اليوم بالشقيقة وهو ما نسميه الصداع النصفي ....
وكان ذلك يعاوده منذ أن ضُرِبَ على رأسه الشريفة في أحد
صلى الله عليه وسلم..
وكان إذا جاءه ألم الرأس لا يستطيع أن يقوم من مكانه
ولم يستطع الرسول ﷺ أن يخرج للقتال في اليوم التالي وهو اليوم 13 من حصار حصن "ناعم"
فأعطى النبي ﷺ الراية "أي رآيته لعدد من أصحابه رضي الله عنهم يغدون ويعودون ولا يحدثون شيئا ...
وأحبط المسلمون نتيجة كل ذلك فالحصار استمر فترة طويلة ولم يحققوا أي شيء .
بل على العكس استشهد 3 من المسلمون .... وجرح 50 من الصحابة رضي الله عنهم
حتى المبارزة الفردية انهزموا فيها ...
وهذا هو الحصن الأول : ولازالت أمامهم حصون كثيرة .
وشعر النبي ﷺ بالأزمة النفسية التي فيها المسلمون فأراد ﷺ أن يعيد للمسلمين روحهم المعنوية المرتفعة التي كانوا عليها وهم في طريقهم إلى خيبر .
فقال ﷺ ذات ليلة :
لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله .
ويحبه الله ورسوله يفتح الله عليه .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ما تمنيت الإمارة يوماً إلا ليلتها لشهادة رسول الله أن من سيعطى الرآية يحبه الله ورسوله .
وبات الناس ليلتهم و كلهم يرجون أن يحملوا الراية .
في اليوم التالي عند صلاة الفجر ....
وقف المسلمون يصلون الفجر خلف النبي ﷺ .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فكنا نتقاتل على الصف الأول
لأن الكل كان يتمنى هذه الشهادة من رسول الله ﷺ .
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .
فلما انتهت الصلاة التفت ﷺ إلى أصحابه رضي الله عنهم ووقف متكأ على سيفه وأخذ يستعرضنا .
واستعد الجيش والعيون والآذان والقلوب معلقة تنتظر من الذي سيعطيه ؟
يقول عمر رضي الله عنه : فأخذت اتطاول "يجلس على ركبته ويرفع حاله عشان يشوفه رسول الله وكان عمر رجل طويل .
يقول الصحابة رضي الله عنهم كان إذا مشى بين الراكبين كان رأسه يُرى من بينهم ، أي أطول منهم . ومع ذلك يقول أخذت أتطاول لعله يبحث عني .
يقول عمر رضي الله عنه فلما وقع نظر النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثم جاز
قلت : ثكلتك أمك يا عمر لست أنت .
رضي الله عنك يا عمر .
فلما استعرضنا جميعاً قال ﷺ
أين علي ؟
فقالوا : يا رسول الله يشتكي عينيه .
كان علي رضي الله عنه قد أصيب بالرمد في عينيه .
يقول عمر رضي الله عنه ففرحت عسى أن أكون أنا مكانه .
وإذا بالنبي ﷺ يقول
ادعوه لي .
فجيء بعلي رضي الله عنه لا يرى أمامه يقوده رجلين .
فقال علي رضي الله عنه يا رسول الله إني أرمد كما ترى ، لا أبصر موضع قدمي .
فأجلسه النبي ﷺ ثم وضع رأس علي في حجره ونفث في كفه الشريفة وفتح له عينيه فدلكهما
فبرأ حتى كأن لم يكن بهما وجع
يقول علي رضي الله عنه وهو يروي الحديث
قال : فو الذي بعثه بالحق فما رمدت ولا صدعت و ما اشتكيتهما أبداً....
وكان بين يدي النبي ﷺ خرقة سوداء فجدلها النبي صلى الله عليه وسلم على رأس علي رضي الله عنه ثم دفع الراية إلى علي رضي الله عنه
وقال له :
يا علي امضي على بركة الله يفتح الله عليك إن شاء الله .
امضي ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك .
كان عمره رضي الله عنه 26 عام .
فركب علي الفرس وسار ...
فأراد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم على شيء وتذكر أن النبي ﷺ أمره أن لا يلتفت .
فعاد بفرسه إلى الخلف وصاح .... .يا رسول الله اقاتلهم حتى لا أبقي منهم أحدا..
على ماذا اقاتلهم ؟
فضحك النبي ﷺ وقال :
قاتلهم على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى .
"أي حساب بواطنهم وسرائرهم على الله لأنه وحده المطلع على ما فيها من إيمان خالص أو نفاق وكفر .
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله .
فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم .
حمل "علي بن أبي طالب" الراية وانطلق كالسهم والمسلمون خلفه .
فكان أول من وصل من إلى الحصن وغرس الراية في أصل الحصن .
واطلع يهودي من أعلى الحصن
وقال : من أنت ؟
فقال : أنا على بن أبي طالب .
فقال اليهودي : غلبتم و علوتم وحق ما أنزل على موسى .
لماذا قال وحق ما أنزل على موسى .
لأن اليهود كانوا يعلمون أن من يفتح هذا الحصن كما يخبرهم أحبارهم بأنه رجل فيه صفة "العلو"
كلمة قريبة من معنى اسم "علي"
فلا نبالغ ونقول يصرحون أن اسمه "علي"
وخرج إليه بطلهم اليهودي "مَرحَب"
الذي قتل "عامر بن الأكوع" ودعا علي رضي الله عنه للمبارزة
كان مرحب رجل طويل وكان مميز بخيبر ولقبه بطل خيبر ويلبس خوذة من الرخام مثل البيضة "مجورها" ويضعها على رأسه .
وكان يهود تظن أن هذا الرجل لا يقتل .
وكان قد لبس درعين وتقلد بسيفين ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان .
وهو يرتجز ويقول أبيات من الشعر ليضعف عزيمة علي رضي الله عنه .
يقول مرحب .
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
فأجابه علي رضي الله عنه
أنا الذي سمتني أمي حيدره ضرغام آجام وليث قسوره
ثم التقيا فأختلفا بضربيتين "أي بالسيف"
فأراد "مرحب" أن يضرب علي رضي الله عنه بالسيف على رأسه .
فتلقى "علي" ضربته بالترس .
فثبت سيف مرحب بالترس حتى قسمه نصفين فأصبح "علي" بلا ترس .
فأنفتل مرحب كعادة الفرسان عندما يشعر بنفسه أنه انتصر .
وانفتل ثم رجع يريد أن يضرب علي رضي الله عنه مرة أخرى ليقضي عليه .
فنظر علي رضي الله عنه فلم يجد حوله ترس .
فوجد درفة باب الحصن الذي فتح .
فأخذه بيده الشمال واقتلع باب الحصن وجعله ترس بيده يتلقى ضربات "مرحب"
ثم ضربه علي بالسيف ضربة قوية
فشق بسيفه تلك الخوزة الرخامية على رأس مرحب وشق رأسه نصفين .
حتى وصل سيف "علي" من قوة الضربة إلى رئة مرحب فاستقر بها ....
فوقع مرحب على الأرض
يقول الصحابة رضي الله عنهم عندما سقط على الأرض و كأنه جدار إنهار من ضخامته .
يقول "أبو رافع" مولى رسول الله ﷺ كما أخرجه البخاري رحمه الله.. يقول : والذي لا إله إلا هو
لقد اجتمعنا سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معهم نزحزح ذلك الباب كي نميطه عن الطريق ما استطعنا .
رضي الله عن علي وعن الصحابة أجمعين
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[٤/٧/٢٠٢١ ١١:٢٦ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والسبعون بعد المائة
173
فتح جميع حصون خيبر .
ذكرنا أن "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه قتل بطل اليهود "مَرحب"
هنا أصيب اليهود بالرعب والفزع الشديد لأن بطلهم "مَرحب" كان من أشد الفرسان في تاريخ العرب عامة ....
ولم يكن اليهود يتخيلون أبداً أن يقتله أحد من المسلمين .
فلما قتل "مرحب" خرج أخوه "ياسر" يريد الثأر لأخيه
كان فارسآ عملاقاً ضخم الجثة مثل أخيه... وكان أيضاً من أبطال اليهود مثل أخيه الذي قتل .
فكانوا أربعة إخوة معروفون بالقوة وهم :
فلما خرج "ياسر" برز له له "الزبير بن العوام" رضي الله عنه وكان عمره 35 عام .
وكان نحيفاً وطويل القامة .
وبدأ قتال شرس بين بطل اليهود "ياسر" وبين "الزبير بن العوام" رضي الله عنه .
حتى قتل الزبير ، ياسر فأصيب اليهود "بالرعب"
واستطاع المسلمون أن يخلعوا باب الحصن ...
ودار قتال مرير حول الحصن وسقط بعض أشراف اليهود وأبطالهم في القتال حتى إنهارت مقاومة اليهود وأخذوا يتسللون من الحصن هرباً إلى الحصن الذي يليه وهو حصن "الصعب"
كانت الحصون مبنية بطريقة أن يؤدي كل منها إلى الآخر .
ففتح أول الحصون حصن "ناعم" وانتقل اليهود إلى الحصن الذي يليه .
وهو حصن "الصعب"
وبدأ الحصار والهجوم على الحصن..... وكان حصن "الصعب" لا يقل صعوبة عن حصن "ناعم"
وأراد الله تعالى أن يبتلي المؤمنين ويختبرهم اختبارا آخر صعباً إلى جانب صعوبة الحرب وهو "الجوع"
إذ دخل المسلمون في جوع شديد جداً
يقول أحد الصحابة : لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء .
وكان هنالك ثلاثين حمارا خرجت من بعض الحصون
فأخذها رهط من المسلمين وذبحوها ليأكلوها...
"كانت العرب تأكل الحمير عند الضرورة ولم يكن قد نزل تحريم أكل الحمير"
فلما رأى النبي ﷺ النار مشتعلة وشم رائحة اللحم .
قال
على أي شيء توقدون ؟
لأن النبي ﷺ يعلم أن الجيش ليس معه لحم يطبخ .
فقالوا : لحوم الحُمُر الأهلية .
في هذه اللحظة الحرجة ينهى النبي ﷺ عن أكل لحوم الحمير وهم في جوع شديد .
فقال :
لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً وأهرقوها .
كان هذا اختبارا صعباً فوق صعوبة المعركة .
لأن الصحابة رضي الله عنهم في جوع شديد وهناك مجهود كبير يبذل في القتال .
واللحوم قد نضجت ورائحة الشواء ارتفعت .
وبفضل من الله تعالى نجح جميع الجيش في الإختبار ولم يأكل أحد من هذه اللحوم .
وكان ذلك من تربية النبي ﷺ التربية الإيمانية للصحابة رضي الله عنهم...
وبعد هذا الموقف الصعب ، وبعد استجابة جميع الصحابة رضي الله عنهم لأمر النبي ﷺ .
وقف ﷺ يدعو الله تعالى ووقف المسلمون يؤمنون خلفه....
في اليوم التالي
وبعد ثلاثة أيام من الحصار ومحاولة فتح الحصن
خرج أحد مقاتلي اليهود "يوشع"
وطلب المبارزة فخرح إليه "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه فقتله ....
ثم خرج من اليهود أحد فرسانهم "الديان"..... يطلب المبارزة
فخرج إليه "عمارة بن عقبة" رضي الله عنه فقتله .
وشد المسلمون هجومهم على الحصن حتى نجحوا بفضل الله تعالى في فتح الحصن .
وتسلل اليهود هرباً إلى الحصن الثالث في منطقة "النطاة" وهو حصن "القلعة"
وكان حصن "الصعب" الذي فتح بعد دعاء النبي ﷺ أغنى حصون خيبر بالطعام .
فوجدوا في ذلك الحصن من الشعير والتمر والسمن والعسل والسكر والزيت والودك شيئا كثيرا....
ونادى منادي رسول الله ﷺ وقال لهم : كلوا واعلفوا دوابكم ولا تحملوا منه شيئاً ....
فأكل المسلمون حتى شبعوا
وكان من ضمن الطعام الذي وجدوه "البصل والثوم" فأكلوا منه وهم جياع
وكان قد بنى النبي ﷺ للمعسكر مسجداً للصلاة يصلون فيه
فلما كان وقت الصلاة وذهب الناس إلى المسجد و إذا بريح البصل والثوم .
فقال ﷺ :
من أكل الثوم أو البصل من الجوع أو غيره فلا يقربنَّ مسجدنا .
ليس في ذلك نهي عن أكل الثوم والبصل مطلقا .
إنما النهي عن إتيان المسجد لمن أكلهما .
ووجد المسلمين في ذلك الحصن أيضاً "منجنيق" والمنجنيق هو آلة كانت تستخدم في رمي الحجارة الثقيلة على الأسوار فتهدمها .
ولم يكن العرب يعرفون "المنجنيق" .
لأن "المنجنيق" آلة من آلات الحصار وهدم الأسوار .
والعرب لم تكن تعرف في حروبها الحصون والأسوار .
انتقل اليهود إلى الحصن الثالث في منطقة "النطاة" وهو حصن "القلعة"
وكان هو أمنع حصون خيبر لأنه فوق قمة جبل ومن الصعب جداً الوصول إليه .
فضلاً عن مهاجمته وكما يقول الرواة "لا تقدر عليه الخيل والرجال"
وفرض النبي ﷺ الحصار على حصن "القلعة"
واستمر الحصار ثلاثة أيام
و يأتي توفيق الله تعالى ونصره
فألقى الله تعالى الرعب في قلب رجل من اليهود
اسمه "عزول" خاف إن انتصر النبي ﷺ أن يقتل وتؤخذ زوجته وأولاده في السبي وتؤخذ أمواله
فأراد أن يفعل شيء يحفظ به نفسه وأولاده وزوجته وماله
فأتى وتسلل من الحصن وطلب مقابلة النبي ﷺ
ثم قال له : يا أبا القاسم ، إنك لو أقمت السنين تحاصرهم ما بالوا بك .
يعني مهما حاصرتهم لن يهتموا لحصارك .
ولكن هناك طريقة واحدة لفتح الحصن
قال له النبي ﷺ
ما هي ؟
قال أمني "أعطيني الأمان"
قال له النبي
أمنتك .
قال وزوجتي وأبنائي .
قال
نعم
قال . وأموالي .
قال
نعم
قال إن لهم جداول يخرجون بالليل يشربون منها ثم يعودون إلى قلعتهم .
فلو قطعت عليهم الطريق خرجوا لقتالك
فأمر النبي ﷺ أن يقطع عنهم جداول الماء .
فاضطر اليهود إلى الخروج وقتال المسلمين .
ودار قتال في منتهى الضراوة حتى انتصر المسلمون وافتتحوا حصن "القلعة" بعد ثلاثة أيام
وهكذا سقطت الحصون الثلاثة الأولى في منطقة "النطاة" وكان في هذه الحصون أشد اليهود
بعد أن انتهى المسلمون من فتح الحصون الثلاثة في منطقة "النطاة"
انتقلوا إلى المنطقة المجاورة لها وهي منطقة "الشق" وقد قلنا أن بها حصنين :
حصن "أبي" وحصن "النزار"
وبدأ النبي ﷺ بحصن "أبي" .
وتم حصار الحصن .
وخرج أحد اليهود يطلب المبارزة .
فخرج إليه "أبو دجانة" رضي الله عنه فقتله .
ثم دار قتال عنيف وانتصر المسلمون، واقتحم المسلمون حصن "أُبي"
ثم هرب اليهود إلى داخل الحصن الذي يليه وهو حصن "النزار" وهو الحصن الخامس .
وكان هذا الحصن هو أمنع الحصون لأنه كان على جبل مرتفع حتى أن اليهود وضعوا في هذا الحصن نساءهم وأطفالهم وأموالهم .
فكان فيه 2000 من نساء اليهود .
وظن اليهود أنه من المستحيل أن يفتح هذا الحصن
ولذلك تحصنوا داخل الحصن .
ولم يخرج أحد منهم لقتال المسلمين وإنما قاموا برشق المسلمين من فوق الحصن بالنبل والحجارة
وبالفعل استمر الحصار فترة طويلة ولم يستطع المسلمون فتح الحصن .
وكان المسلمون كما قلنا قد وجدوا داخل حصن "الصعب" "المنجنيق .
وأمر النبي ﷺ بنصب المنجنيق
وبدأ يضرب أسوار الحصن حتى تهدم جزء من السور .
فتسلل المسلمون إلى داخل الحصن ودار قتال من أعنف أنواع القتال داخل الحصن .
وتم النصر للمسلمين وفتح المسلمون حصن "النزار"
وأخذت جميع ما فيه من النساء سبايا....
وكان منهن "صفية بن حيي بن أخطب"
والتي أعتقها النبي ﷺ بعد ذلك وتزوجها رضي الله عنها
وكانت هناك حصون صغيرة أخرى .
إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون وهربوا إلى المنطقة الثالثة من خيبر وهي منطقة "الكتيبة"
كما أخبرتكم سابقآ منطقة الكتيبة فيها ثلاثة حصون .
حصن "القموص "
حصن "الوطيح "
حصن "السُلالم "
هربوا وتحصن اليهود مرة أخرى في هذه الحصون
وكانت معنويات اليهود "قد إنهارت تماماً"
وبدأ المسلمون في حصار أول هذه الحصون وهو حصن "القموص" .
استمر الحصار أربعة عشر يوماً ودار قتال مرير حول الحصن .
وفي النهاية عندما شعروا بالموت كما قال كما عنهم الله تعالى :
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ...
عندما شعروا بالنهاية وأن جيش محمد ﷺ لايهزم لجأوا كعادتهم في كل زمان ومكان عندما يشعرون بالقهر والجبن والإنكسار على الفور يهرعون إلى "المفاوضات"
طلب اليهود أن "يتفاوضوا" مع رسول الله ﷺ .
وافق ﷺ على مفاوضتهم على شروط الإستسلام ولم يفاوضهم "على الصلح"
ما الذي تم الإتفاق عليه ؟؟
وما الذي حدث بعد ذلك ؟؟
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والسبعون بعد المائة
174
إستسلام اليهود .
وقدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة لخيبر .
ورملة بنت أبي سفيان أم للمؤمنين رضي الله عنها.
طلب اليهود أن يتفاوضوا مع النبي ﷺ.... و أرسل زعيمهم "كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق"
وكان من نسل هارون أخ نبي الله "موسى عليه السلام" لذلك كان عندهم معظماً ...
ومن قبله إبن عمه "حيي بن أخطب" كان من نسل هارون أيضاً...
وكنانة له زوجة اسمها "صفية بنت حيي بن الأخطب"
التي ستصبح فيما بعد أم للمؤمنين رضي الله عنها
لما علم كنانة أن النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم لن يهزموا ولن ينصرفوا قبل أن ينتصروا ....
أرسل "كنانة بن الربيع" زعيم خيبر إلى النبي ﷺ من طرفه رجل يهودي ....
يقول له : أعطني الآمان أكلمك
فأعطاه النبي ﷺ الأمان
فنزل كنانة وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدر ...
فنزل كنانة ومعه رهط من اليهود وعرض الصلح ...
فقال النبي ﷺ
كنت قد عرضت هذا عليكم من قبل ودعوتكم إلى {{ لا إله إلا الله }} فأبيتم
فأما الصلح الآن فعلى شروطي نحن لا على شروطكم أنتم
تم الإتفاق على شروط "الإستسلام" وليس شروط "الصلح" كما يقول البعض
وكان الاتفاق هو :
١- حقن دماء اليهود
٢- وعلى أن يخرجوا من خيبر بنسائهم وأبنائهم فقط بملابسهم فقط .
٣- أن يتركوا ورائهم كل أموالهم وسلاحهم وديارهم...
٤- وأن يركبوا دواب دون الخيل تحملهم إلى خارج خيبر .
ثم قال له النبي ﷺ بعد ذلك : على أن لا تخفوا شيئاً من من أموالكم...
فإذا كتمت منه شيئاً "أي إذا أخفيت شيئاً من المال"
أستبيح بها دمك وبرأت منكم ذمة الله و ذمة رسوله
ورضي "كنانة" زعيم خيبر بهذه الشروط ....
وشهد رجال من قومه ...
ورجال من أصحاب النبي ﷺ على هذا الإستسلام
وفتح كنانة أبواب الحصون .
وطلب منه النبي ﷺ أن يسلم له
١- الصفراء "كل شيء اسمه ذهب"
٢- والبيضاء "كل شيء اسمه فضة ، لأن الأموال لم تكن أوراق كما نعرفها اليوم ، أموالهم كانت الذهب والفضة"
٣- والخف والكراع "الخيل والإبل وما يتبعها من الأنعام "
٤- والحلقة "السلاح"
وأخذ كنانة يقدم للنبي ﷺ ما بأيدهم من ذهب وفضة وسلاح
فلما انتهى قال له النبي ﷺ
لم يبقى عندك شيء يا كنانة ؟
قال : لا .
قال
فإن أخفيتني شيء لا تنسى برأت منك ذمة الله و ذمة رسوله وكنت مباح الدم .
قال نعم
فضحك النبي ﷺ وقال
يا ابن الربيع هنالك اشياء كثيرة تخفيها .
وما أزال على قولي وصلحي لا تبقي شيئاً وأبرء ذمتك .
فإن لم تصدقني هدرت دمك .
قال : نعم .
فنظر النبي ﷺ فيه وقال
أتممت ولم يبقى عندك شيء ؟
قال: نعم
فصاح النبي ﷺ به صيحة "أرعدت فرائصه"
صاح به
يا ابن الربيع ! إنك لمستخفٌ بأمر السماء
إن أطلعني الله على شيء أخفيته أهدرت دمك .
قال : نعم
{{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }}
"وفي كلمة العالمين يدخل اليهود المغضوب عليهم .
فلهم نصيب من رحمة النبي ﷺ هو لا يريد أن يسفك دمه .
قال له مرة أخرى :
يا ابن الربيع إن اطلعني الله الآن على شيء كتمته وأخفيته استبحت به دمك .
قال له : نعم .
قال
إني ممهلك ومذكرك وسائلك أين "مسك" حيي بن أخطب ؟
فكان "حيي بن أخطب" سيد بني "النضير" يجمع هذه المجوهرات والقطع الثمينة لايضعها في صندوق بل يضعها في مسك شاة .
وهو بلغتنا جلد الخروف بعد أن ينظف يخاط ويجعل مخزن للمال ....
ولنتخيل جلد الخروف إذا مليء من هذه المجوهرات كم يكون ثمنه ؟
ثم صغر مسك الشاة وماعاد يتسع للمجوهرات
فصنع حيي له "مسك من ثور"
فأصبح جلد الثور كله وعاء يضع فيه المجوهرات .
ثم صغر مسك الثور ولم يعد يتسع لهذه المجوهرات
فصنع له "مسك الجمل" من جلده
وعندما أجلاهم النبي ﷺ "لبني النضير" عن المدينة المنورة سمح لهم ﷺ أن يحملوا أموالهم ومجوهراتهم معهم .
ومنعهم من حمل السلاح .
وكان هذا "المسك" الذي جمعه اليهود الذي فيه مجوهراتهم الثمينة والنادرة عند "حيي" لأنه كان زعيمهم .
وسمح النبي ﷺ لحييء عندما أجلاهم ان يأخذ مسكه معه
وذهب حيي لخيبر وأقام هناك وجاء مع الأحزاب وقتل مع من قتلوا بني قريظة .
والنبي ﷺ يعلم أن هذا "المسك" الذي مع حيي مملوء بالمجوهرات والذهب والفضة والأحجار الكريمة ...
ولكن سمح له النبي ﷺ بحمله معه إلى خيبر .
لذلك سأل النبي ﷺ "كنانة" زعيم خيبر ...
فقال له
أين مسك حيي بن أخطب ؟
فضحك وقال : تعلم يا أبا القاسم ما حل بنا من ترحال ونزول وهجرة .
و لقد أنُفق ذلك كله ....
فقال له النبي
يا كنانة !! الوقت قريب .
"يعني قبل سنتين تم الإجلاء من المدينة"
الوقت قريب !! ولا يمكن أن ينفق هذا المال في هذه المدة .
فإن اطلعني الله عن مكانه واستخرجته أنا استبيح به دمك ؟؟
قال: نعم
فغضب النبي ﷺ وقال
قُم يا علي ، قُم يا ابن العوام . إنطلقا إلى دار كنانة .
فإذا دخلت باب بستانه فعد أربع نخلات عن يمينك ثم احفر تحت الخامسة فأتياني بالمسك .
فقاما وانطلقا إلى دار كنانة فعد علي والزبير بن العوام رضي الله عنهم نخلة اثنتان ثلاثة أربعة فحفروا تحت الخامسة .
وما هو إلا شبرٌ من تراب فإذا هو "المسك" مملوء بالمجوهرات .
فحملاه وأتيا به فوضعاه بين يدي الحبيب المصطفى ﷺ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة
ماهذا يا كنانة ؟
ألم يكن هذه "المسك" تحت النخلة الخامسة على يدك اليمنى إذا دخلت بستانك ؟
قال : أجل يا أبا القاسم .
وكاالعادة : أخذ يتوسل ويستجير وأن يغفر له الزلة وأن يصفح عنه
فقال له النبي
كنت قد أمهلتك كثيراً ولكنك أستخففت بأمر السماء .
وأنت تعلم كما كان يعلم "حيي بن أخطب" من قبلك أني نبي وأن النبي يوحى إليه .
قم يا محمد بن مسلمة فاضرب عنقه .
لماذا محمد بن مسلمة ؟؟
لأن أخوه "محمود بن مسلمة" الذي استشهد عندما ألقوا عليه اليهود حجر من فوق الحصن
فقام ليأخذ ثأر أخيه وضرب عنقه ....
وسبيت زوجته وهي صفية بنت حي بن أخطب رضي الله عنها والتي تزوجها النبي ﷺ بعد ذلك .
وكانت هذه الهزيمة من أكبر هزائم اليهود في تاريخهم كما كانت من أعظم انتصارات المسلمين ....
وكان عدد قتلى اليهود في هذه المعركة 93 قتيل...
بينما شهداء المسلمين كانوا 16
ولكن اليهود بعد المعاهدة وبعد أن بدؤا الخروج من خيبر والتوجه ناحية الشام
جاءوا إلى النبي ﷺ
وقالوا : يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها فنحن أعلم بها منكم .
فأستحسن النبي ﷺ رأيهم و وافق عليه ....
لأنه يعلم أن المسلمين لايستطيعون القيام على هذه الأرض لأن أرض خيبر كبيرة وبعيدة عن المدينة .
فأعطى النبي ﷺ أرض خيبر لليهود على أن يكون لهم من الزرع النصف وللمسلمون النصف .
وعين "عبد الله بن رواحة" حتى يقوم بتقدير الزروع ومحاسبة اليهود عليها ....
ولذلك بعد فتح "خيبر" تحسنت كثيراً الظروف الإقتصادية في المدينة ....
لأن "خيبر" كانت من أغنى البلاد في الجزيرة في الزراعة وكان في منطقة "الكتيبة" وحدها 40 ألف نخلة ....
يقول "عبد الله بن عمر" رضي الله عنهما ما شبعنا حتى فتحنا خيبر.
ولكن شرط عليهم النبي ﷺ
أن المسلمين يخرجون اليهود من خيبر متى شاءوا
قال "على أنَّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم"
لماذا اشترط عليهم النبي ﷺ هذا الشرط ؟؟
لأن النبي ﷺ أصبح عنده قاعدة : اليهود معروفون بالغدر والخيانة ونقض العهود .
فكان لابد من إشعارهم بأن وجودهم مهدد حتى يخافوا من أن يغدروا بالمسلمين.
وقد قام بطردهم بالفعل بعد ذلك في خلافة "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه بعد أن غدروا في عهده .
أرسل إبنه "عبدالله بن عمر" رضي الله عنهم إليهم ليحصي له موسم خيبر فسحروه ..
جلس ﷺ يقسم غنائم "خيبر"
وبينما هو يقسم ﷺ وقد نشر أصحابه رضي الله عنهم حرساً حول الحصون .
وإذا برجل يجري ويقول يا رسول الله هذا "جعفر بن أبي طالب" قد أقبل من الحبشة .
"جعفر بن أبي طالب ، اخو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما الذي هاجر للحبشة وناقش النجاشي ثم أسلم على يديه
بقي هو والمسلمون في الحبشة والآن رجعوا واستشهد رضي الله عنه بعد عام وبضعة أشهر في غزوة مؤتة ...
يا رسول الله هذا جعفر بن ابي طالب" قد أقبل من الحبشة
قال النبي صلى الله عليه وسلم
جعفر !!!! يا مرحباً .
فقام النبي ﷺ وترك القسمة وكان يلبس إزارا ورداء كما يلبس المحرم ....
يقول الصحابة رضي الله عنهم فمن فرحته ﷺ قام وألقى رداءه وأخذ يهرول بالإزار فقط "يعني نصفه الأعلى عاري" حتى إذا وقع نظره عليه .
قال :
مرحبا بمن أشبه خَلقي و خُلقي .
"كان أشد الناس شبها بالنبي ﷺ .
قال
مرحبا بمن أشبه خَلقي و خُلقي ، وأيمَّ الله .
قال
وأيمَّ الله ، لا أدري بأيهما أنا أشد فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ؟
"فجعل فرحته بقدوم جعفر يعدل فتح خيبر .*
ثم إعتنقه ﷺ وقبله بين عينيه
رحب النبي ﷺ به وبمن معه من أصحابه رضي الله عنهم ثم أجلسهم حوله .
وقال
مالذي أقدمكم إلى خيبر ؟
فقال جعفر رضي الله عنه قدمنا المدينة من ثلاث أيام
فعلمنا أن رسول الله في خيبر فلم نبت ليلة واحدة حتى لحقنا بك ....
وكان مع جعفر وفد من النجاشي ....
فقام ﷺ يخدمهم بنفسه "
فقال له أصحابه رضي الله عنهم نحن نكفيك يا رسول الله .
فقال
إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين ، وإني أحب أن أكافئهم .
ألم يكرم النجاشي المسلمون عنده وذكرناها .
وهذه أخلاق نبينا ﷺ كان لا ينسى من قدم له المعروف .
وجلس يحدثهم ﷺ
قال
ألا تخبروني بأعجب شيء رأيتم بأرض الحبشة ؟
فقال شباب منهم يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم وعلى رأسها قلة فيها ماء .
"عجوز حاملة جرة فخار على رأسها
فمرت بصبي فدفعها . فوقعت على ركبتيها فانكسرت قلتها "انكسرت الفخارة"
فلما قامت التفتت إليه
قالت : سوف تعلم يا غدر .
إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون .
فستعلم أمري وأمرك عنده "أي عند الله"
فقال ﷺ
صدقت كيف يقدس الله قوماً .
"أي يكون لهم قدسية وتعظيم عند الله"
كيف يقدس الله قوماً ، لا يأخذ لضعيفهم من قويهم .
وكان من جملة من قدم معهم من بلاد الحبشة "رملة بنت أبي سفيان" ابوها سيد قريش و المكناة "أم حبيبة"
لم تاتي مع الرجال إلى خيبر .
بقيت في المدينة وكان قد عقد عليها النبي ﷺ وهي في الحبشة
"أم حبيبة" رضي الله عنها كانت قد أسلمت وخالفت أهلها واتبعت دين الإسلام
فكانت ممن هاجر "الهجرة الثانية" للحبشة مع زوجها عبدالله بن جحش وكانت حامل
وضعت حملها بالحبشة فوضعت انثى وسمتها "حبيبة" وبها تكنى "أم حبيبة"
عندما وضعت حملها واستقروا بالحبشة وعلموا أن "النجاشي" قد أسلم
ركبت الشياطين رأس زوجها "عبدالله بن جحش" وارتد عن الإسلام هناك وتنصر .
وبقيت هي على إسلامها .
فماهي إلا أيام وشهور ابتلاه الله بمرض فأهلكه فمات نصرانيا .
فأصيبت "رملة" بمصابين .
وبلغ أمرها رسول الله ﷺ
المصاب الأول "أنها أسلمت وعادت أباها وقومها وهجرت مكة "
والمصاب الثاني "أن زوجها الذي تعلقت به وهاجرت معه تنصر ومات "
فأصبحت "أرملة " وابنتها "يتيمة"
فما موقف نبينا الكريم ﷺ والذي قال فيه ربه :
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ .
تصوروا حال "أم حبيبة" وهي بالحبشة غريبة أرملة بنتها يتيمة و تنصر زوجها ثم مات .
ماذا تصنع ترجع إلى مكة ؟
أين ستقيم ؟؟ في دار أبيها "أبو سفيان" أشد رجل عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أين تذهب ؟؟ وماذا تفعل ؟؟
فلما سمع النبي ﷺ أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجها منه ..
ويقول له النبي ﷺ وكلتك نفسي[[ يعني أنت يا نجاشي نائباً عن محمد رسول الله بهذا الزواج ]]
وكلتك نفسي بخطبة "رملة بنت أبي سفيان" من أقرب رحم إليها .
[[ اي انظر من المهاجرين أقرب رحم لها اخطبها لي منه ]]
وطار النجاشي فرحاً أن يكون هو وكيل النبي صلى الله عليه وسلم يمثله بهذا الزواج .
فأرسل إلى المهاجرين فحضروا
فقال : من اقربكم رحماً بأم حبيبة بنت أبي سفيان ؟
فقام رجل اسمه "خالد بن سعيد" رضي الله عنه .
فقال له النجاشي إن رسول الله ﷺ قد وكلني أن اخطب رملة له
وأن أتم الزواج هنا "أي العقد في الحبشة"
فأرسل إلى أم المؤمنين "ام حبيبة" جارية من جواري النجاشي فطرقت عليها الباب "وكانت قد اعتزلت الناس المسكينة ليس لها احد"
ففتحت ... فقالت لها إن الملك قد ارسلني إليك ويقول لك
إن رسول الله قد كتب إليه أن يزوجك منه .
فلم تستوعب "ام حبيبة" الخبر !!!
قالت : أعيدي ما قلتي .
فأعادت الجارية .
قالت . أحقاً ما تقولين ؟
رسول الله يخطبني ؟
قالت . نعم .
فقالت . استحلفك بالله أنت واثقة مما تقولين .
رسول الله الذي في المدينة يخطبني أنا ؟
قالت . نعم وقد أرسلني الملك إليك لتحضري عقد الزواج .
فقالت لها . بشرهُ الله بالخير .
ومن شدة فرحتها خلعت "أم حبيبة" ما معها من أساور من فضة واعتطها للجارية .
وتم العقد وامهرها النجاشي من ماله نيابة عن النبي ﷺ 400 دينار ذهبية . مبلغ كبير .
ثم قام النجاشي وأمر بأن تصنع لهم وليمة .
قال لهم النجاشي : اجلسوا، فإن من سنن الأنبياء إذا تزوجوا أن ياكلوا الطعام على التزويج
فدعا بطعام فأكلوا .
وأصبحت أم حبيبة أم للمؤمنين وزوج لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم رجعت الجارية التي بشرتها واعطتها المهر
فقالت لها ام حبيبة رضي الله عنها لم يكن لدي مال عندما بشرتني لأعطيك .
اما الآن فخذي واعطتها 50 دينار من المهر .
قالت لها الجارية لا إن الملك امرني أن أرُجع لك ما اعطيتني إياها...
فلم تأخذ منها المال وأرجعت لها اساور الفضة التي أخذتها .
وقالت وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر وعنبر و حلي .
ثم قالت الجارية ولكن أريد منك حاجة يا "أم حبيبة"
قالت . ما حاجتك ؟؟
قالت . حاجتي إليك أن تقرئي رسول الله ﷺ مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه .
تقول أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها وكانت تلك الجارية كلما دخلت علي تقول لا تنسي حاجتي إليك أن تقرئي رسول الله السلام .
ولما سمع ابوها "ابو سفيان" بهذا الزواج .
سُرا بما فعله النبي ﷺ مع ابنته
ورجعت أم المؤمنين "أم حبيبة" مع جعفر إلى المدينة .
ولما رجع النبي ﷺ من "خيبر" بنى بها
تقول أم المؤمنين "أم حبيبة" وأخبرت النبي ﷺ كيف كانت الخطبة وما فعلت معي جارية النجاشي وأقرأته منها السلام .
تقول . فتبسم ﷺ وقال
وعليها السلام ورحمة الله وبركاته .
اللهم إن أم حبيبة قد أوصلت سلام الجارية لرسول الله .
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والسبعون بعد المائة
175
محاولة قتل النبي ﷺ بالسم
قبل أن يرحل النبي ﷺ من خيبر .... كان هناك إمرأة يهودية اسمها "زينب بنت الحارث" وهي زوجة "سلام بن مشكم"
أخوها "مرحب" الذي بارز "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه فشقه "علي" بالسيف نصفين .
جاءت متظاهرة بالكرم "
جاءت "زينب" وهي تتظاهر بأنها جاءت تكرم النبي ﷺ لأنه عفا عنهم ....
بمعنى أنها تريد أن تشكر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يأخذهم بذنب كنانة عندما نقض العهد وأخفى المال ....
قدمت للرسول صلى الله عليه وسلم شاة مصلية
مشوية
وسألت : أي عضو في الشاة أحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقيل لها : الذراع اليمنى من الشاة .
فجاءت ووضعت عليها السم وأكثرت فيها ....
ثم وضعت السم على الشاة كلها
جاءت مبتسمة وقالت : هذه هدية لك يا رسول الله
تقول يا رسول الله...
إذآ هي مسلمة والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب المطلق ....
وكان معه عدد من أصحابه رضي الله عنهم ولكن كان أقربهم منه "بشر بن البراء" رضي الله عنه
ومن أدب الصحابة رضي الله عنهم لا أحد يأكل قبل أن يمد يده ﷺ . ...
فلما وضعت الشاة بين يديه ﷺ تناول الذراع ...
وكان من سنته أن ياخذ الذراع بكلتا يديه فيقمض منها قرضاً
فأخذ الذراع ووضعه بين أسنانه وكاد أن يقمض منها "يعضّ"
وكان "البشر" رضي الله عنه بعدما تناول النبي ﷺ الذراع قد أخذ قطعة ووضعها في فمه ولاكها ...
فعندما وضعها النبي ﷺ بين أسنانه ردها وقال :
ارفعوا أيديكم
فرفعوا أيديهم ...
فقال
إن هذا الذراع ليخبرني أنه مسموم .
وكان "بشر بن البراء" رضي الله عنه قد أكل من الشاة قطعة وابتلعها...
فقال بشر : والذي بعثك بالحق لقد شعرت بذلك من أكلتي التي أكلت ...
[[ يعني من اللقمة اللي أكلتها شعرت أن الطعام فيه طعم غريب ]]
فقال له النبي ﷺ
فلم لم تلفظها .
قال بشر رضي الله عنه ما منعني أن ألفظها إلا كراهية أن أنغص عليك طعامك....
نفسي لك الفداء يا رسول الله
ثم أمر النبي ﷺ أن يأتوا له بالمرأة التي فعلت ذلك .
فلما حضرت سألها النبي ﷺ
قال
يازينب أوضعتي السم في هذه الشاة ؟
قالت : نعم
فقال
ما حملك على ذلك ؟
قالت : قد بلغت من أهلي ما لايخفى عليك .
لقد قتل في خيبر زوجي وأخي وإبني
فقلت أضع لك السم ...
فإن كنت ملكاً متغطرساً نستريح منك .
وإن كنت نبياً أطلعك الله عليه و لم يضرك .
كلام غير مقنع ....
والسبب أن المغضوب عليهم يعلمون أنهم يستطيعون قتل الأنبياء ولا يمنعهم شيء من قتل النبي ﷺ والدليل
قال تعالى .
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ .
لقد قتل اليهود من قبل الكثير من أنبياء الله وهم يعلمون ذلك .
و هذا هو حال المغضوب عليهم في كل زمان .
فهم ليسوا أهل حرب .
بل أهل دس ومؤامرة وهذا هو حالهم مع المسلمين في كل زمان ...
ولأنها صدقت عفا عنها النبي ﷺ .
وسأله الصحابة رضي الله عنهم ألا تقتلها يا رسول الله ؟
فقال
لا قد عفونا عنها .
"لأن النبي ﷺ لم يكن ينتقم لنفسه أبداً
ولكن عندما تأثر "بشر" بالسم وتغير لونه وأصبح لا يستطيع أن يتحرك من مكانه
ومات في اليوم الثاني
أمر النبي ﷺ أن يحضروا زينب وأن تقتل قصاصآ
لأنها قتلت "بشر" رضي الله عنه
واحتجم النبي ﷺ على "الكاهل" وهو الموضع بين الكتفين .
وظل يعتريه المرض كل عام من أثر هذا السم حتى مات بعد ذلك بثلاثة سنوات متأثرا بذلك السم .
كما روى البخاري رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت .
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ .
يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ .
فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ .
الأبهر وهو أكبر شريان في جسم الإنسان، والذي يوزع الدم المؤكسج إلى جميع أجزاء الجسم ويخرج من البطين الأيسر في القلب .
النبي ﷺ يخبر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن سبب موته "
ولذلك كان ابن مسعود وغيره يقولون أنه ﷺ مات شهيداً
"وذلك إرادة الله ، ليكتمل ﷺ بمراتب الفضل كلها"
كيف وصل خبر انتصار النبي ﷺ في خيبر ؟؟
حدث لا بد أن نذكره ...
أحد الصحابة رضي الله عنهم "الحجاج بن علاط" كان قد أسلم حديثا وشارك في خيبر .
فلما تحقق النصر للمسلمين وهم في خيبر ... جاء إلى النبي ﷺ
وقال : يا رسول الله .
إن لي بمكة مالاً متفرق عند تجار مكة ...
هل تأذن لي يا رسول الله أن آتي مكة وأن أقول أن أقول :
يعني لا أظهر إسلامي لهم وأقول كلام حتى أتمكن من تحصيل أموالي منهم ...
فأذن له النبي ﷺ ...
فذهب "الحجاج" إلى مكة ...
"وكان أهل مكة ينتظرون الأخبار ويسألون الناس ماذا فعل أهل خيبر بمحمد ؟
لأن كل العرب في الجزيرة العربية يترقبون الخبر ويعلمون أن خيبر لا تغلب على الإطلاق
فلما رآه أهل مكة قالوا : هذا الحجاج بن علاط عنده والله الخبر .
فأنطلقوا جميعآ إليه ليسمعوا منه الخبر .
قالوا : أخبرنا يا أبا محمد .
فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر .
"القاطع يقصدون النبي ﷺ يدعون أنه قطع أهل مكة وحاربهم وقطع الرحم .
فضحك الحجاج وقال : لقد هزم محمداً هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ...
وقتل أصحابه رضي الله عنهم قتلاً لم تسمعوا بمثله قط .
وقد أخذوه أهل "خيبر" أسيراً عندهم
وقالوا : لن نقتل محمداً حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه هم بين أظهرهم .
فضاجت قريش كلها بين مصفر ومصفق وراقص وواضع يده على رأسه..
فصاحوا وامتلأت مكة بالأفراح .
ثم قال "الحجاج" أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي
الناس المدانين لي ساعدوني احصل منهم المال فإني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فيء محمد وأصحابه قبل أن يسبقني إليه التجار إلى هناك ....
فجمعوا له كل ماله الذي بمكة
"طبعاً واحد حمل لنا مثل هذه البشارة قامت قريش كلها لتجمع له ماله والذي عليه دين أجبروه على الدفع"
فجاء "العباس" رضي الله عنه عم النبي ﷺ وكان يكتم إسلامه
وقف بجانب "الحجاج" مهموماً مكسوراً مهزوماً حزيناً قد دمعت عيناه ...
قال : يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئت به ؟
فابتسم الحجاج وقال جئتك والله بما يسرك يا أبا الفضل .
والله لقد تركت ابن أخيك قد فتح الله تعالى عليه "خيبر"
وصارت خيبر وأموالها كلها له ولأصحابه رضي الله عنهم
وتركته عروسآ على إبنة "حيي بن أخطب" سيدهم "أي صفيةرضي الله عنها"
ففرح العباس وقال أحقاً ما تقول يا حجاج ؟
قال الحجاج : نعم والله . ولكن اكتم علي الخبر ثلاثا "أي ثلاثة أيام فإني أخشى الطلب"
وبعدها تكلم بما حدثتك فهو والله الحق ....
ثم أخذ "الحجاج" أمواله وانطلق وترك قريش في فرحة لا توصف ينتظرون أهل خيبر أن يحضروا لهم رسول الله أسيراً مكبلاً بالأغلال ....
فلما مرت ثلاثة أيام قام "العباس" رضي الله عنه اغتسل ولبس أجمل الثياب وتعطر ...
ثم جاء إلى قريش وكانوا مجتمعين عند الكعبة
جاء بكل هدوء وسكينة
فنظر إليه رجال قريش وقالوا يا أبا الفضل هذا والله التجلد على حر المصيبة ...
"يعني جاي ولابس ومتعطر وابن أخوك أسير .
هذا تكابر على مرارة مصيبتك جئت بهذا الشكل لترينا أنك غير متأثر ولست بحزين"
فضحك و قال : كلا والله الذي حلفتم به .
ولكن إبن أخي محمداً قد فتح خيبر وصارت له ولأصحابه رضي الله عنهم
وهذه هي بنت سيدهم حيي أصبحت زوجة له ...
فقاموا واقفين مذهولين
قالوا : أحقاً ما تقول ؟؟ من أتاك بهذا الخبر ؟
قال : الذي جاءكم وأخبركم به "الحجاج بن علاط"
ولقد أسلم واتبع دين محمد
وما قال لكم ما قال إلا ليأخذ ماله ثم يلحق به .
فصاحوا : لقد خدعنا والله
ثم لم تمر إلا أيام قليلة حتى جاءهم الخبر....
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ♡ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ♡
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والسبعون بعد المائة
176
زواج النبي ﷺ من أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها.
ذكرنا لكم أن النبي ﷺ أمر بقتل "كنانة بن الربيع بن أبي حقيق"
وكان أحد زعماء اليهود لأنه كان قد أخفى كنز "بني النضير"
وقد كانت شروط الإستسلام تقضي بأن يخرج اليهود من "خيبر" وأن يتركوا أموالهم وديارهم وسلاحهم .
وأن يقتل كل من يخفي مالاً
فلما أخفى "كنانة" أموال "بني النضير" أمر بقتله وسبيت زوجته "صفية بنت حي بن أخطب"
من هي صفية ؟؟
هي إبنة "حيي بن أخطب" أحد زعماء اليهود الذين قتلهم المسلمين في بني قريظة .
وكانت متزوجة قبل "كنانة" من رجل اسمه : "سلام"
أيضاً أحد زعماء اليهود الذين قتلهم المسلمين كذلك .
وعندما أخذت "صفية" في السبي كان عمرها في ذلك الوقت 17 عاما تقريباً
وكانت على صغر سنها قد تزوجت مرتين كما ذكرنا .
كانت "صفية" ذات شرف .
فأبوها كان سيد "بني النضير" وأمها سيدة "بني قريظة"
وكان "بنو النضير" هم أشرف اليهود لأنهم من نسل نبي الله
هارون عليه السلام
أخ نبي الله
موسى عليه السلام .
حتى كان اليهود يجعلون دية الرجل من "بني النضير" ضعف غيره من سائر اليهود .
فلما أمر النبي ﷺ بضرب عنق "كنانة"
قال ﷺ
قم يا محمد بن مسلمة وخذ بثأر أخيك واضرب عنقه .
فقام وضرب عنقه :
ثم قال ﷺ
قم يا بلال فأتني بأهله .
فقام بلال وجاء بزوجتيه أحدهما "صفية بنت حيي"
وأخرى كانت قريبة لها بنت عمها .
وجاء بهما "بلال" رضي الله عنه ومر بهما على قتلى اليهود .
فلما نظرت "صفية" ووجدت أكثر القتلى من أهلها مسكت نفسها
أرادت أن تولول ولكن عادة الناس الأشراف والأكابر يمسكون أنفسهم تجلدن لا صبراً خشية الشماتة .
ولكن ضرتها كانت جاهلة
عندما رأتهم ولولت وشقت ثيابها وصكت وجهها وجلست على الأرض وحثت التراب على رأسها .
فانتبه النبي ﷺ إلى هذه الضجة
فقال
ما هذا ؟
فقيل له : بلال رضي الله عنه ومعه أزواج "كنانة"
فلما أقبلوا ومازالت تلك الفتاة تولول وتصرخ .
فلما رآها أعرض ﷺ بوجهه عنها .
قال
اعزبوا عني هذه الشيطانة . "أي ابعدوها"
ثم نظر النبي ﷺ لبلال بوجه غاضب .
وقال :
يا بلال أمررت بالنساء على قتلاهم ؟
قال . أجل .
قال
أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما ؟
فاستغفر "بلال" وقال : استغفر لي يا رسول الله .
قال
يغفر الله لك .
ثم نظر "لصفية" رضي الله عنها فإذا بلسان حالها ينطق بعكس قومها تماماً .
وإذا بالإيمان يتدفق من وجهها .
فلما نظر النبي ﷺ إليها أطرقت رأسها حياءاً .
ثم لازت من وجهه و وقفت خلف منكبه .
فأمر النبي ﷺ أن ترسل إلى خيمة "ام سلمة" رضي الله عنها
"كان يصحبه من أزواجه في هذه الغزوة أم سلمة"
وأخذت صفية لخيمة "أم سلمة" تكريماً لأدبها
وكان ﷺ يقسم الغنائم كما ذكرنا
فلما فرغ من قسمته ﷺ دخل على خيمة "أم سلمة" ثم نظر إلى صفية .
وقال لها
أنتِ .. ابنة حيي بن أخطب ؟
قالت : أجل يا رسول الله .
"يارسول الله : ينبغي لها أن تقول يا ابا القاسم"
قالت . أجل يا رسول الله .
قال
أمؤمنة انتِ . وتكتمي إيمانك .
قالت : يا رسول الله .
عندما قدمت إلى يثرب ليلة هجرتك ونزلت بقباء وكنت في ذلك الوقت طفلة لا يتجاوز عمري عشرة أعوام .
وسمع أبي "حيي" وأخوه عمي "أبا ياسر" بقدومك .
كانوا يتحدثون عنك كثيراً أنه أقترب ظهور نبي يسمى نبي آخر الزمن ليس بعده نبي .
وكانوا يرجون أن يكون من ولد "اسحاق"
فلما بلغهم ظهورك في مكة انتظروا وقالوا إن كان هو فسيهاجر إلى يثرب .
نعرفها تماماً "أي هذه العلامة" ونعرف أوصافه .
فلما قدمت إلى قباء خرج أبي "حيي" و عمي "أبو ياسر" مغلسين .
"أي صباحا قبل طلوع الشمس"
حتى أتياك إلى قباء وجلسوا إليك وتكلموا معك .
قال لها النبي صلى الله عليه وسلم
اذكر ذلك .
قالت : فرجعا مع مغيب الشمس فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينه .
يحمل أحدهما الآخر "يتكيء أحدهم على الثاني"
قالت : وكنت أحب الأولاد إلى "أبي وعمي" من بين كل أولادهم .
فكانا إذا رجعا أخذاني وحملاني وقبلاني دون أولادهم جميعاً .
ما هششت لهم قط إلا أخذاني وحملاني .
فلما رجعا من عندك من قباء هششت إليهما كما كنت أصنع .
فو الله ما نظر إلي واحد منهما ولم يكلماني .
لا أبي ولا عمي "أبو ياسر"
فوقفت وآجمة "مستغربة" أعي ما اسمع .
فسمعت عمي "أبا ياسر" يقول لأبي : وكان أبي حبر يهود .
قال : أي يا ابن أم : أهو هو ؟
"يعني هو نبي آخر الزمن عرفته من أوصافه"
فقال له أبي : أيِّ وربِ موسى وعيسى إنه هو .
هو الذي نجده عندنا في التوراة وإني أعرفه أكثر مما أعرف ابنتي هذه وأشار إلي .
قال . تعرفه بنعته وصفاته ؟
قال . نعم والله .
قال . فماذا في نفسك منه ؟
قال . عداوته ما حييت ؟؟؟؟
فقال عمي . يا ابن أم أطعني في هذه وأعصني بما شئت .
لا تناصب الرجل العداء .
فإن ظهر أمره دخلنا فيما دخل الناس به ، وإن هلك أصيب على يد غيرنا .
قال . لا .
قال عمي : لَِم تناصبه العداء ؟
قال . لِمَ بعثه الله من ولد "اسماعيل"
ولم يبعثه من ولد "إسحاق.
عداوة قديمة متأصلة .
قال تعالى .
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ ....
قالت صفية رضي الله عنها ووعيت هذا كله فوقع الإيمان في قلبي من ذاك اليوم وأنك نبي .
ولكن كنت لا أملك من أمري شيئاً .
وحين كنت تحت "كنانة"
قلت لكنانة : يا ابن عم "لأن كنانة زوجها ابن عم أبوها "
قلت . يا ابن عم .
إنكم لتعلمون أنه نبي والنبي لا يقهر . فهلا أسلمتم ؟
قالت : فلطمني على وجهي .
ثم قالت : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله خاتم النبين .
فاصطفاها لنفسه ﷺ وألقى عليها الحجاب .
وعرض عليها الزواج فوافقت
وقالت : يا رسول الله .
قد كنت أتمنى ذلك في الشرك
"أي الزواج منك وسنذكر السبب بعد قليل"
فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام ؟
وهكذا تزوجها ﷺ وجعل صداقها هو عتقها .
وبقيت في خيمة أم سلمة أيام وعلمتها الوضوء و الصلاة والطهارة
وقد حاضت في هذه الأيام ثم طهرت
كان الهدف من زواجه ﷺ
رحمة بالسيدة "صفية" رضي الله عنها بإنقاذها من السبي بعد أن كانت من الأشراف .
ثم يشرفها بالزواج منه ﷺ وهو قائد المسملين .
فلما ترك ﷺ "خيبر" وأصبح على بعد حوالى 10 كم من "خيبر"
أراد أن يدخل على السيدة "صفية" فامتنعت عنه ....
فوجد منها النبي ﷺ ولكنه لم يراجعها .
حتى إذا ابتعدوا عن أرض "خيبر" ووقف النبي ﷺ للمبيت .
قامت فاغتسلت وامتشطت وتطيبت .
ثم أرسلت امرأة من طرفها إلى النبي ﷺ .
تقول له إن "صفية" تعرض عليك إما أن تأتيها أو تأتيك .
فذهب النبي ﷺ لخيمتها فوجدها قد أعدت نفسها إعداد عروس لعريس تلك الليلة
فجلس في خيمتها .
قال
نعم يا صفية .
قالت : فداك أبي وأمي وكل آل حيي يا رسول الله أريد أن أحدثك
ونظر النبي ﷺ في وجهها فوجد في عين السيدة "صفية" اخضرارا من أثر ضربة .
فسألها عن ذلك .
فقالت : قبل قدومك يا رسول الله كان قد زوجني أبي من "كنانة" .
في الليلة التي قبل الزفاف رأيت رؤيا في منامي فأعظمتها .
فلما كان الزفاف قصصتها على "كنانة" فإن عنده علم من علم أهل الكتاب .
رأيت القمر قد جاء ماشيا من يثرب إلى خيبر
فلما استقر واكتمل ووقف فوق "خيبر" وقع واستقر في حجري .
فلما قصتت هذه الرؤيا "لكنانة" وأنا أظن أن لها علاقة بعرسنا
فغضب كنانة غضباً لم أرى مثله من قبل ولطمني على وجهي لطمة .
وقال يا عدوة نفسها أتطمعين أن تكوني زوجة عند ملك يثرب محمد ؟
قالت : ومن غضبه أولها وهو لا يدري .
قلت فوقع ذلك في قلبي وقلت في نفسي أرجو ذلك .
فقال لها النبي ﷺ
يا صفية فلماذا رغبتي عني وانتظرتي حتى الآن .
فقالت : خشيت عليك من قرب اليهود فإني خشية والدماء ما تزال حارة .
وإن أنت نمت في خيمتي وعلمت يهود أني أصبحت فراشاً لرسول الله أن يثور الدم في عروقهم من جديد ويثأروا بك غدرا
ووالله ما فعلت ذلك إلا من خوفي عليك من غدرهم يارسول الله .
فزاد هذا الموقف السيدة "صفية" مكانة ومنزلة عند النبي ﷺ .
وتهلل وجه النبي ﷺ ودعا لها بالخير .
ومسح بيده الشريفة على أثر تلك اللطمة فزال ما عليها من آثار وعادت عينها أحسن مما كانت وبنى بها ﷺ .
ومن سنته كان إذا تزوج امرأة جديدة يقسم لها ثلاثة أيام بلياليها "يبقى عندها ثلاثة أيام "
إلا عائشة رضي الله عنها لأنها كانت "بكر" قسم لها سبعة أيام بلياليها .
هناك سؤال يخطر في بال الكثير الآن
كيف دخل النبي ﷺ على صفية رضي الله عنها :
فأين العدة 4 أشهر وعشرة أيام ؟
أولاً :
الذي قام بهذا الفعل النبي ﷺ وهو المشرع عن ربه عز وجل
ثانيا :
كنانة زوج "صفية" السابق مات يهوديآ و ليس بمسلم وزوجته أسلمت بعد موته مباشرة .
"إذن انقطع الرباط بينها وبين زوجها السابق نهائيا"
العدة سببها أمرين :
"الأول" إحترام حق الزوجية للمسلم .
وزوجها السابق كافر وهي قد أسلمت والإسلام يجب ما قبله .
الأمر الثاني : إستبرأء الرحم من حمل سابق .
وقد نهى النبي ﷺ أن يدخل رجل على ذات حمل .
فقال
لا يسقي أحدكم زرع غيره .
ولقد أقامت "صفية" رضي الله عنها في خيمة "أم سلمة" بضعة عشرة يوماً
علمتها أحكام الصلاة والطهارة
وبعد أيام توقفت عن الصلاة بسبب الحيض .
فبدورة واحدة تبين خلو الرحم من الحمل
إذآ هنا استبراء الرحم ولا عدة لكافر .
ولما قدم النبي ﷺ إلى المدينة ومعه السيدة "صفية" رضي الله عنها
سمع بجمالها نساء الأنصار .
فجئن ينظرن إليها وجائت معهن أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها وهي منتقبة تخفي وجهها تريد أن ترى السيدة صفية رضي الله عنها...
فلما رآها النبي ﷺ عرفها "أي أم المؤمنين عائشة وكانت تغار كثيرا رضي الله عنها"
فلما خرجت خرج وراءها ﷺ ثم أخذ بثوبها
وقال لها
كيف رأيتِ ؟
قالت : رأيت يهودية بين يهوديات .
فقال لها النبي ﷺ
لا تقولي هذا ، فقد أسلمت .
وأصبحت "صفية" أم للمؤمنين رضي الله عنها
هل تعلمون كيف كان يدافع عنها النبي ﷺ
لقد هجر أم المؤمنين "زينب بنت جحش" لأنها قالت بها كلمة
و زينب هي أقرب نسب منه ﷺ .
التي زوجه الله إياها في القران الكريم من فوق سبع سموات دون ولي أمر .
قال تعالى
فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ..
وكانت زينب رضي الله عنها تفخر على أمهات المؤمنين جميعاً
تقول : ما منكم امرأة إلا زوجها أبوها أو أخوها ، إلا أنا زوجني الله من فوق سبع سماوات .
هذه زينب رضي الله عنها
يغضب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ويهجرها ويقاطعها ولا يقسم لها بالمبيت ولا يكلمها منذ خرج لحجة الوداع .
وقبل دخوله مكة حتى قبل موته بأيام.....
لماذا ..
لأنها قالت لصفية رضي الله عنها كلمة تقدح في إيمانها .
في حجة الوداع أخذ أزواجه معه جميعاً ﷺ . رضي الله عنهن
في الطريق جاءت صفية رضي الله عنها
وقالت : يارسول الله برك جملي فلم يقم .
فعالجه لها فلم يقم ....
وفي حجة الوداع .
كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من 20 ألف مسلم خرجوا مع النبي ﷺ ليحجوا وغير الناس الذين سيأتون من الأقطار....
فهل يأخر الركب من أجل جمل ؟
فنظر لأزواجه وكان أكثرهن جمال "زينب" معها أكثر من جمل ....
فقال : يا زينب أفقري أختك جملاً حتى نعود .
يعني اعيريها جمل تركبه حتى نرجع..
فقالت زينب وقد غلبتها نفسها رضي الله عنها وأرضاهاوغفر الله لها .
قالت ورددت في ترفع : أنا أعطي يهوديتك هذه "نسبتها لليهود"
فغضب النبي ﷺ غضباً شديداً
وصاح بزينب وقال
مه . بئس ما قلتي يا زينب .
وترك السيدة زينب رضي الله عنها لا يتحدث إليها ولا يكلمها طوال حجة الوداع .
حتى عاد إلى المدينة إلى أن مرض وثقل عليه المرض وبدأ العد التنازلي وعلم أنه مقبوض
ذهب لحجرتها ﷺ .
وكانت "زينب" عندما علمت أنه قد هجرها طوت فراش النبي صلى الله عليه وسلم ونامت على الأرض .
فقام وجاء متعب ﷺ وقد أثقله المرض وكان يتكيء على "علي وعلى العباس" رضي الله عنهم
فقامت زينب رضي الله عنها لما رأته فرحة لم تسعها الأرض من فرحتها قامت تستقبله .
فجاء بنفسه للفراش ﷺ وفرشه ونام تلك الليلة عندها رغم مرضه وتعبه ﷺ نام تلك الليلة عند زينب ، وصالحها .
"ولولا أنه لم يفعل ذلك ما كان كلمها أحد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجرها .
من أجل من ؟؟
من أجل "صفية بنت حيي"
لا من أجل جمال صفية وصغر سنها .
بل لأن "صفية" مؤمنة صادقة آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم لسماع والدها وعمها .
ومن مواقف النبي ﷺ معها .
كانت أزواج النبي ﷺ فريقان
*عائشة و حفصة و سودة فريق مع بعض *
وباقي زوجات النبي ﷺ فريق .
فحاولت السيدة "صفية" التقرب لضرائرها لكنها كانت كثيراً ما توجه إليها الإهانات والسهام الجارحة تعرض بأصلها اليهودي
طبعاً هي الغيرة عند النساء ولو كنَّ أمهات للمؤمنين رضي الله عنهن...
وكان ﷺ يدافع عنها ويقف إلى جوارها .
و من ذلك أن السيدة: "صفية" إشتكت إليه ﷺ وهي تبكي أن "عائشة و حفصة" رضي الله عنهن تكلمتا وقالتا نحن أكرم على رسول الله منك فنحن بنات عمه وكذا وكذا .
فمسح النبي ﷺ دموعها بيده الشريفة :
وقال لها : ألا قلت وكيف تكونان خيراً مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى عليهم الصلاة و السلام.
وكانت أم المؤمنين "صفية" رضي الله عنها كما قلنا ينتهي نسبها إلى نبي الله
هارون عليه السلام
وكان عمها كليم الله
موسى عليه السلام
واستمر دفاع النبي ﷺ للسيدة "صفية" حتى آخر أيامه .
وقبل وفاته بيوم واحد كانت تعتريه الحمى فيغيب عن الوعي ثم يفيق وينظر إلى من حوله ثم يعتريه "ما نسميه الغيبوبة" من شدة الحمى صلى الله عليه وسلم
وهو بهذه الحال وقد اجتمعت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعاً حول فراشه ﷺ .
فكانت أقرب أزواجه إليه السيدة "صفية" رضي الله عنها
فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم تأخذه "الغيبوبة" ثم يفيق .
أشفقت عليه وقالت : إني والله يا نبي الله ليت الذي بك بي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإني أعلم أن الموت حق ولكن لا أطيق أن أراك تغيب ثم تفيق .
فتغامزت عائشة وحفصة بالنظرات ....
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فما راعنا إلا أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيبته ....
وهو يقول
قمنَّ فمضمضنَّ أفواهكن .
فقالوا في دهشة من أي شيء ؟
فقال
من تغامزكن بصفية .
والذي نفس محمداً بيده
لقد أسلمت فحسن إسلامها وآمنت فكمل إيمانها .
رضي الله عنها
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السابعة والسبعون بعد المائة
177
الرسائل إلى الملوك والزعماء .
رسالة الرسول ﷺ إلى هرقل قيصر الروم .
رجع النبي ﷺ وظن الصحابة رضي الله عنهم أنه سيجلس يستريح بعد صلح الحديبية والقضاء على اليهود في خيبر والإنتهاء من كيدهم ....
فإذا به ﷺ بعد عودته بثلاث أيام يقف ويحمد الله ويثني عليه ثم قال :
أيها الناس إن الله بعثني رحمة وكافة .*
فأدوا عني رحمكم الله .
ولا تختلفوا عليّ كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم عليه السلام .
فقال الصحابة رضي الله تعالى عنهم : وكيف اختلف الحواريون على عيسى عليه السلام يا رسول الله؟
قال
دعاهم إلى تبليغ دين الله .
فمن أرسل إلى جهة قريبة اطاع .
ومن أرسل إلى جهة بعيدة كره وأبى .
فقالوا : لن نختلف عليك يا رسول الله .
بدأ النبي ﷺ في إرسال الرسائل إلى الملوك والزعماء داخل وخارج الجزيرة العربية ....
قال تعالى :
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ .
ويقول تعالى :
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا .
لماذا بدأ النبي ﷺ في دعوة الملوك والزعماء داخل وخارج الجزيرة العربية في ذلك الوقت بعد صلح الحديبية ؟
لماذا لم يبدأ في دعوة الملوك والزعماء فور بدء الرسالة ؟
الإجابة هي :
أن صلح الحديبية كان يعني اعتراف قريش بالدولة الإسلامية ....
وقريش هي قبيلة معروفة ليست في الجزيرة فقط .
ولكن في كل دول العالم القديم
وبإعتراف قريش بالدولة الإسلامية أصبح للدولة الإسلامية مكانتها بين دول العالم القديم ....
ولذلك فان من أهم مكاسب صلح الحديبية هو اعتراف قريش بالمسلمين ....
ولو كان النبي ﷺ قد بادر إلى دعوة الملوك والزعماء قبل صلح الحديبية لما التفت أحد إلى هذه الرسائل .
لأنها في ذلك الوقت ستعتبر رسائل مرسلة من جماعة مارقة غير شرعية وليست من دولة لها سيادة ....
فبدأ ﷺ برؤوس تلك الأمم وأعظم دولتين في ذلك الوقت ....
١- كسرى فارس
٢- قيصر الروم .
"كسرى وقيصر" هما لقبان
يعني عظيم فارس وعظيم الروم .
ويقال لعظيم الحبشة "النجاشي"
وكذلك يقال لعظيم الأقباط في مصر "المقوقس"
فأراد النبي ﷺ أن يبدأ بهذه الرؤوس وخاطبهم بلهجة القوي المتمكن ...
كيف لا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤيد من عند الله جل في علاه .
وهو سيد ولد آدم وهو سيد الخلق جميعاً...
فكان كلما خاطب رجل فيهم في رسالة يقول له "أسلم تسلم" بمعنى أنك إن لم تسلم لن تسلم
فأرسل النبي ﷺ في ذلك الوقت عدة رسائل
مع أصحابه رضي الله عنهم وانطلقوا جميعاً من مسجده
١- رسالة إلى هرقل قيصر الروم وحملها {{ دحية الكلبي }} رضي الله عنه
٢- رسالة إلى كسرى ملك فارس وحملها {{ عبد الله بن حذافة }} رضي الله عنه
٣- رسالة إلى المقوقس حاكم مصر وحملها {{ حاطب بن أبي بلتعة }} رضي الله عنه
٤- رسالة إلى النجاشي ملك الحبشة وحملها {{ عمرو بن أمية الضمري }}
ليس النجاشي الذي أسلم عندما نصل لرسالته سنوضح ذلك .
٥ - رسالة إلى {{المنذر بن ساوى}} ملك البحرين وحملها {{ العلاء بن عمرو الحضرمي }} رضي الله عنه .
٦- رسالة إلى {{هوذة بن علي}} ملك اليمامة وحملها {{ سَليط بن عمر }} رضي الله عنه
٧- رسالة إلى {{الحارث بن أبي شَمِر }} ملك دمشق وحملها {{ شجاع بن وهب }} رضي الله عنه
٨- رسالة لأمير {{ بُصرى }} حملها "الحارث بن عمير الاسدي"
بُصرى ليس التي في الشام ...
بُصرى التي ذكرناها بدايةالسيرة التي كان يقيم فيها الراهب بحيرا المعروفة الآن بصيرة الطفيلة...
وهذا الوحيد من الذين حملوا الرسائل الذي قتل ....
من الذي قتله .....؟؟
وعندما أراد النبي ﷺ أن يكتب للملوك
قال له أصحابه رضي الله عنهم يا رسول الله :
إنهم لا يقرؤون كتابا إلا إذا كان مختوما .
فصنعوا للنبي ﷺ خاتم يختم به رسائله مكتوب فيه
{{ محمد رسول الله }}
ونلاحظ في هذا الختم أنه مكتوب من أسفل إلى أعلى :
الله
رسول
محمد
وقد قصد النبي ﷺ ذلك حتى لا يعلو اسم "محمد رسول الله"
وهذا من أدبه ﷺ مع ربه سبحانه وتعالى...
كسرى فارس مقرها "العراق" يعبدون النار ...
قيصر الروم مقرها "الشام" على بقايا تعاليم المسيح عيسى عليه السلام .
أهل كتاب وكانوا في صراع وحروب دائمة ....
عندما كان النبي ﷺ في مكة وجرت حرب بين الروم والفرس
اعتدت الفرس على الروم وهزموهم وأخذوا صليبهم واحتجزوه عندهم لأنهم يعتبرون الصليب رمز عزتهم .
وأهانت الفرس الروم إهانة كبيرة لا يتسع المقام لذكرها.....
الروم كانوا أهل كتاب ....
أما الفرس كانوا يعبدون النار
قريش والعرب كانت تترقب أخبار هاتان الدولتان الكبيرتان
وكانت قريش تميل إلى "الفرس" لأن قريش تعبد الأصنام والفرس تعبد النار ....
فإن إستطاعت الفرس هزيمة الروم لأن الروم أهل الكتاب مثل محمد وصحبه ....
فذلك يعني أننا نستطيع القضاء على محمد ودعوته ....
والنبي ﷺ والمسلمون كانوا يرجون أن تنتصر "الروم"
فلما هزمت الروم اغتم النبي ﷺ والمسلمون لذلك .
وفرحت قريش وأخذت تتوعد من دخل في دين محمد أنه سيأتي يوم لنا ونقضي على دينكم الجديد ...
فأنزل الله على نبيه ﷺ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ .
الله عز وجل يخبر نبيه ﷺ بأن الروم ستغلب الفرس في بضع سنين ....
والبضع عند العرب معروف أقلها ثلاث سنوات وأكثرها تسعة سنوات
وكانت الآيات تأكيد لأهل مكة أن رسول الله مرسل من عند الله تعالى
ففي هذا العام وهذا الوقت الذي أرسل النبي ﷺ رسائله
كان نصر "الروم" على "الفرس " على يد "هرقل" عظيمهم واستعادة الصليب وإجلاء دولة فارس من بلاد الشام .
كما أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم تماماً...
وكان قيصر الروم "هرقل"
"قيصر" لقب لكل ملك يحكم الروم ....
وسبب تسمية الروم لقب "قيصر" لكل ملك يحكمهم ، هو لقب متوارث عندهم ، لأن حاكم الروم الأول اسمه "قيصر"
أمه عندما كانت تلده ماتت في المخاض ، فلما ماتت شقوا بطنها واخرجوه فسموه "قيصر"
ومعنى قيصر في اللغة : البقير وهو شق البطن....
نسميها اليوم ولادة قيصرية ومن هنا أخذنا نحن هذا المسمى .
وكان قيصر يفتخر بذلك ويقول لم أخرج من فرج ....
"أي ولادته غير طبيعية مثل كل الناس بل قيصرية .
لو يأتي هذا قيصر في زماننا وينظر فقد جعل بعض الأطباء أكثر الناس قياصرة.....
ومن هنا أخذ الإسم كل من يحكم الروم بعده كان يأخذ لقب قيصر ....
كان قيصر الروم "هرقل"
قد انتصر الروم على يديه على الفرس ....
وكان يسيطر في ذلك الوقت على :
١- نصف أوروبا الشرقية
٢- تركيا
٣- الشام
٤- مصر
٥- شمال إفريقيا
لو نظرت للخارطة على هذه الدول كلها مطلة على
"البحر الأبيض " لذلك كان يسمى البحر الأبيض في ذلك الوقت "البحيرة الرومانية"
طبعاً كل الدول التي ذكرتها ، كل حكامها كانوا عبارة عن أحجار شطرنج تحت يد قيصر الروم
وباقي الدول أحجار شطرنج للفرس .....
انتصر "هرقل" على الفرس ، وكان مكان إقامته "حمص"
وكان قد نذر إن نصره الله على الفرس أن يأتي مشياً على قدميه من "حمص" إلى "بيت المقدس" شكراً لله على نصره في حربه ضد الفرس .... فخرج ماشيا .
وكان في مشيه إلى "بيت المقدس"
تبسط له البسط وتوضع عليها الرياحين ليمشي عليها.....
وصادف خروجه لبيت المقدس خروج رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل الرسالة
والذي كان يحملها إليه كما قلنا الصحابي الجليل "دحية الكلبي" رضي الله عنه .
كان يريد أن يذهب بالرسالة إلى هرقل في مقره في حمص .
فلما وصل للشام "الأردن" أخبروه أن قيصر موجود الآن في "بيت المقدس بفلسطين"
فحول طريقه إلى فلسطين ليسلمه الرسالة هناك .
كان "دحية" رضي الله عنه : حسن الهيئة وحسن الوجه .
له ميزة خاصة من الله عزوجل وهي أن جبريل عليه السلام كان عندما يأتي إلى النبي ﷺ في صورة بشرية ....
كان يأتيه في صورة رجل حسن الهيئة يشبه "دحية" رضي الله عنه..... وعندما يرى النبي ﷺ جبريل عليه السلام على شكل دحية رضي الله عنه كان يعرفه يقول مرحبا بأخي جبريل .
كان ﷺ يختار السفير حسن الهيئة والوجوه ....
نص رسالة النبي ﷺ إلى هرقل
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم .
سلام على من اتبع الهدى
أما بعد :
فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين .
أي لإيمانك بعيسى ثم بمحمد ...
فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين..
أي الفلاحين وهو يقصد البسطاء من كل رعايا الإمبراطورية الرومانية لأن البسطاء الغالب عليهم الجهل وهم على دين ملكهم ....
فإن آمنت بوحدانية الله آمنوا معك .
وإن كفرت فإثمهم في رقبتك .
ثم ختم الرسالة بقوله تعالى :
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
انطلق بهذه الرسالة "دحية" رضي الله عنه... استأذن بالدخول عليه
فلما دخل أعطاه الرسالة فلما نظر وقرأ له الترجمان مافيها
كان يقف بجانب الترجمان أخ "هرقل"... فلما سمع الترجمان يقرأ.... "من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم"
ضرب صدر الترجمان ضربة شديدة ، ونزع الكتاب من يده، وأراد أن يقطعه...
فقال هرقل لأخوه ما شأنك؟
فقال : تنظر في كتاب رجل قد بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم وما ذكر لك ملكا ؟
فقال له هرقل إنك أحمق صغير .
أتريد أن تمزق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه؟
ولعمري إن كان رسول الله كما يقول
لنفسه أحق أن يبدأ بها مني .
فلما انتهى الترجمان من قراءة الرسالة ...
قال هرقل : هذا كتاب لم أسمع بمثله .
وكان هرقل متدينا وذو علم .
وكان يعلم من الكتب التي قرأها من كتب أهل الكتاب أن هناك نبيا خاتما بعد عيسى عليه السلام وقد بشر به "عيسى وموسى عليهما السلام"
وقرأ صفاته في تلك الكتب .
ولكن "هرقل"
لم يكن يعلم أن هذا الرجل الذي أرسل إليه هذه الرسالة هو هذا النبي أم لا ....
ولذلك لم يتعجل في الرد على "دحية الكلبي"
وأمر جنوده أن يأتوا له ببعض العرب من أهل مكة لكي يسألهم عن هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي ظهر في بلادهم .
وقال هرقل لصاحب شرطته : إقلب الشام ظهرآ إلى بطن حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه ...
طبعاً الآن قريش كانت قد خرجت لتجارتها للشام ...
لأنهم قد خرجوا فور التوقيع على صلح الحديبية بعد أن أمنوا على تجارتهم .
وكان من بين هؤلاء التجار "أبو سفيان بن حرب" زعيم قريش .
فقبض الجنود على بعض التجار من مكة الذين كان يتاجرون في غزة ...
والذي قص ما الذي جرى هو "أبو سفيان بن حرب" نفسه بعد إسلامه...
وهذه القصة موجودة في صحيح البخاري رحمه الله
يقول أبو سفيان : أنه دخل مع أصحابه من التجار إلى مجلس "هرقل"
وكان جالساً على عرشه وعليه التاج وحوله حاشيته من الوزراء والأمراء وقادة الجيش والعلماء ورجال الدين ...
سأل هرقل التجار عن طريق ترجمانه ...
أيكم أقرب نسبآ لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟
فقال أبو سفيان : أنا أقربهم نسبا إليه
"أبو سفيان يلتقي مع النبي ﷺ في الأب الرابع وهو "عبد مناف"
ولم يكن بين التجار من هو أقرب إلى النبي ﷺ من أبو سفيان .
وانظروا إلى السياسة الحكيمة...
"هرقل" يريد أن يصل إلى الحقيقة .
قال هرقل : أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره .
"أي اجعلوا بقية التجار يقفون خلف أبا سفيان"
ثم قال لترجمانه ...
قل لهم : إني سائلٌ هذا الرجل "يعني أبا سفيان" فإن كذبني فكذبوه...
وجعل أصحابه خلفه لأنهم قد يستحون أن يكذبوه في وجهه .
ولكن يمكن أن يكذبوه وهو لا ينظر اليهم .
وهذا يدل على حكمة {{ هرقل }}} ودقته ...
ويدل أيضاً على شدة إهتمامه بقضية الحبيب المصطفى ﷺ
وبدأت أسئلة "هرقل" أو استجواباته و "أبو سفيان" يرد عليه
ولنتخيل الموقف كأنه أمامنا تماماً
هرقل جالس على عرش ملكه ومن حوله حاشيته من الوزراء ، والأمراء ، وقادة الجيش ، والعلماء ، ورجال الدين
"ابو سفيان" يقف أمامه
ورجال قريش يقفون خلف أبو سفيان عيونهم متجهة للملك هرقل ...
ثم تدبروا أسئلة "هرقل" التي تدل على عقلانية وحكمة ...
فالسؤال الواحد لايحتمل "اللت والعجن" في الجواب حتى لا يعطيه جواب و كلام يفسر بأكثر من معنى ...
أسئلة لا تحتمل الجواب عليها إلا "نعم أو .. لا "
وأسئلة يجاب عليها فقط ببضع كلمات...
قال هرقل لترجمانه اسأله
كيف نسبه فيكم ؟؟
قال : هو فينا ذو نسب .
هل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟
[[ هل في شخص قبله ، قال انه نبي قبله ، ماذا يجيب نعم او لا ]]
قال أبو سفيان . لا .
هل كان من آبائه من ملك ؟؟
قال ... لا .
هل أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟؟
قال : بل ضعفاؤهم
أيزيدون أم ينقصون ؟؟
قال : بل يزيدون
فهل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
[[ يعني هل يرتد أحد عن دينه بسبب التعذيب ]]
قال . لا
هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قال . لا
هل يغدر ؟؟
يقول أبو سفيان : لم أجد سؤال أدُخل فيه كلمة ريبة إلا هذا السؤال .
قال : نحن معه في مدة لا ندري ماهو فاعل فيها .
يعني هو لم يغدر من قبل، ولكن نحن الآن في هدنة .
لا نعلم هل سيغدر فيها أم لا .
يقول أبو سفيان : فوالله ما التفت إليها مني...
"يعني تجاهل هذه الكلمة كأني لم أقلها"
يقول أبو سفيان وهو الذي حدث بهذا بلسانه إلى العباس لما رجع
وراوي الحديث العباس وابنه رضي الله عنهما والحديث للبخاري رحمه الله..
يقول : كنت تمنيت أن استطيع أن أكذب فأشوه صورة "محمد" بين يدي "هرقل"
ولكن خشيت أن يؤثر علي الكذب بين قومي ...
وقال :
فهل قاتلتموه ؟
قال . نعم
فكيف كان قتالكم إياه ؟
قال . الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه .
ماذا يأمركم ؟؟
قال : يأمرنا ويقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا .
وينهانا عما كان يعبد آباؤنا .
ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة ...
"لاحظوا قول أبو سفيان ينهانا عما كان يعبد آباؤنا .
يعني كأنه يقول عذره في عدم اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم
وأراد أبو سفيان أن يطعن في صدق النبي ﷺ .
فقال . أخبرك عنه أيها الملك خبراً تعرف به أنه قد كذب
قال : وما هو ؟
قال : إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح .
[[ يقصد حادثة الاسراء والمعراج ]]
فوقف أحد البطاركة المسؤولون عن المسجد الأقصى وكان بجانب هرقل
قال : صدق أيها الملك
فنظر إليه هرقل
فقال : ما أعلمك بهذا ؟
قال : إني كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد .
فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني
"أي لم أستطيع إغلاقه "
فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول جبلآ
"كأن الباب جبل لا نستطيع تحريكه"
فدعوت النجارين فنظروا إليه
فقالوا : لا نستطيع أن نحركه حتى نصبح
فلما أصبحت جئت إليه فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب ،وإذا فيه أثر مربط الدابة ...
فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا لهذا الأمر
فقال هرقل لقومه : يا قوم ألستم تعلمون أن بين يدي الساعة نبياً بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم ؟
قالوا . بلى .
قال : فإن الله قد جعله في غيركم
ثم نظر "هرقل" لأبي سفيان ولحاشيته من الوزراء والأمراء والعلماء ورجال الدين .
وبدأ يذكر سبب هذه الأسئلة بالتحديد وما هي استنتاجاته
فقال للترجمان قل له .
سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب
وكذلك الرسل تبعث في أشرف نسب قومها
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فقلت لا
فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بمن قبله
"أي يقلد غيره"
وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فقلت لا
فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال . فقلت لا .
فلم يكن ليصدق مع الناس ويكذب على الله
وسألتك هل أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم
فقلت أن ضعفائهم
فالضعفاء هم اتباع الرسل
لان على مر الزمن دائما الضعفاء هم من يتبعون الرسل اما الاشراف ما عندهم استعداد للتنازل هم اكبر من هيك .
وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون
وكذلك أمر الايمان حتى يتم
وسألتك أيرتد أحد سخطةً لدينه بعد أن يدخل . فقلت لا
وكذلك حلاوة الايمان لا تدخل قلباً ، فتخرج منه
وسألتك هل يغدر ، فقلت لا
وكذلك الرسل لا تغدر
وسألتك بما يأمركم ؟؟
فذكرت إنه يأمركم ان تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان .
ويأمركم بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة .
إعلم يا هذا "هرقل : يقول لابي سفيان"
إعلم يا هذا إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين
وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم
فلو أني أعلم أني أخلص إليه
[لو أستطيع أن أصل إليه ]]
لتجشمت لقاءه [[ أي تحملت المشقة للقاءه ]]
ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه
[[غسلت رجليه طبعا وغسل القدمين من الطقوس الدينية المسيحية يقوم بها القساوسة الآن يوم واحد في العام في {{خميس العهد }} لإظهار الحب والتواضع .
وعندهم أن عيسى عليه السلام قد غسل أقدام تلاميذه .
ثم طوى الرسالة ، وقبَّلها و وضعها على رأسه ، ثم أمر أن تحفظ في الديباج
"يعني كيس من حرير"
يقول أبو سفيان : فلما قال هرقل ما قال كثر عنده الصخب .
"أي ارتفعت أصوات الحاشية من حوله ينكرون على هرقل ما قال"
فأمر أن نخرج . فخرجنا ....
فنظرت إلى أصحابي وقلت :
لقد بلغ من أمر "ابن أبي كبشة" أن يخافه ملك بني الأصفر .
وكان المشركون يصفون النبي صلى الله عليه وسلم ﷺ ابن أبي كبشة : سخرية منه واستخفاف لا يقولون بن عبد المطلب ، ينسبونه لزوج مرضعته حليمة"
كثر الصخب وارتفعت الأصوات عند "هرقل" فقام وانطلق متوجهًا من الأقصى إلى حمص .
وأخذ معه حامل الرسالة "دحية" رضي الله عنه
فلما وصل لمقر حكمه في حمص
أمر أن يجتمع عنده عظماء الروم في دسكرة له "اي مقر القيادة"
فلما اجتمعوا أمر أن تغلق الأبواب
ثم قال . يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟؟
فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب .
لم يعجبهم الكلام .
غضبوا وقاموا يهربوا مثل الحمار الوحشي عندما يلحقه أسد
فوجدوا الأبواب قد أغلقت..
فقالوا له : اتدعونا أن نترك النصرانية ونصير عبيدا لأعرابي ؟
فقال لجنده ردوهم عليّ :
وقال . إني قلت مقالتي أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت
فسجدوا له ورضوا عنه .
"خاف يسحبوا الملك منه وينقلبوا عليه .
لو تفطن "هرقل" لقوله ﷺ في الكتاب
أسلم تسلم
لسلم لو أسلم من كل ما يخافه
ولكن التوفيق بيد الله تعالى
وكان "قيصر" يوقن من الكتب التي قرأها أنه في يوم الأيام سيتحول كل الملك الذي بين يديه إلى الرسول ﷺ .
ووجد هرقل نفسه بعد ذلك منجرفا ومنقادا لحرب المسلمين في "مؤتة و تبوك"
ثم بعد ذلك الحروب المتتالية في الشام ومصر في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهم
كان هذا هو موقف الدولة الرومانية .
أكرم هرقل "دحية" وحمله بالهدايا وأكرمه غاية الإكرام
وقبل أن يغادر دحية رضي الله عنه...
جاءت رسالة لهرقل من والي دمشق ...
انظروا إلى تعامل هرقل واستقباله لرسالة النبي ﷺ و المرسل....
وانظروا إلى عماله من العرب كيف استقبلوا الأمر ...
"شرحبيل" وكان والي على البلقاء ...
عندما رأى حامل الكتاب .
قال له : إلى أين ؟؟
قال : إلى ملك بُصرى .
قال : لعلك من رسل محمد الذي يزعم أنه نبي ؟
قال . نعم .
فما كان من "شرحبيل بن عمرو الغساني" عربي أصيل...
فضرب عنقه فورا قبل أن يستلم الكتاب ...
يريد أن يعطي الثقة الكاملة لمن ولاه...
الخوف ليس من الكبار الخوف من الأذناب...
وهكذا بعض العرب إذا كان عنده ولاء.... حتى يبيض وجه لهرقل الذي ولاه و يظهر له إخلاصه
غضب النبي ﷺ غضباً شديداً وحزن ...
لم يقتل من رسله إلا هذا
لأن الرسل في عرف الأمم لا تقتل حامل الرسالة....
لا يقتل لا يتحمل ما كتب فيها
وبسبب مقتل حامل الرسالة كانت "غزوة مؤتة"
التي وقف فيها الكون كله
سنذكرها لاحقآ بعد عمرة القضاء إن شاء الله تعالى
وانظروا للوالي الآخر من العرب كذلك...... عظيم دمشق
ولاه "هرقل" على دمشق اسمه "الحارث بن أبي شَمِر"
والذي حمل الرسالة إليه هو الصحابي "شجاع بن وهب رضي الله عنه"
عندما أتاه حامل الرسالة ....
قرأ الرسالة.... عندما قرأ الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم .
أحمر وجهه الحمش وغضب...
وقال : من ينزع مني ملكي ؟؟
إني سائر إليه...... ولو كان باليمن لجئته إليه
وقال لصاحب الرسالة : اخبر صاحبك ما سمعت ......
ونادى : يا قائد الجند جهز لي جيشا اغزو المدينة ....
فتذكر بأنه ليس هو صاحب الأمر والنهي وأنه عبارة عن حجر شطرنج وضعه هرقل بهذا المكان ....
فأرسل رسولاً من طرفه إلى "هرقل" في حمص ....
يقول له : فعلت وفعلت وأنا أجهز جيش لغزو المدينة ....
يريد الإذن منه....
يقول دحية رضي الله عنه :
جاء رسول "بن أبي شمر" ملك الشام لهرقل وأنا عنده ....
فغضب هرقل غضباً شديداً .
وأمر أن يرسل إليه لا تفعل ولا تزعج الرجل وأكرم وفادة حامل الرسالة ....
فجاءت الرسالة لابن أبي شمر من هرقل .
فقام "بن أبي شمر" واعتذر للرسول وحامل الرسالة وأكرمه وحمله هدايا...
و هكذا بيبرد رأسهم لما يجيهم الأمر من فوق .
وما أشبه اليوم بالأمس
وسبحان الله ربنا الذي قال
وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس ....
هرقل عظيم الروم استقبل الرسالة وكاد أن يسلم .....
والذين تحت يده من العرب هم الذين أساؤوا التعامل...
الأنوار المحمدية سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثمانون و السبعون بعد المائة
178
رسالة النبي ﷺ إلى كسرى ملك الفرس .
أرسل النبي ﷺ إلى "كسرى" ملك فارس رسالة يدعوه فيها إلى عبادة الله تعالى وحده..
ذكرنا أن "فارس" هي واحدة من أكبر دولتين في العالم في ذلك الوقت .....
لأن العالم في ذلك الوقت كان مقسماً بين
الإمبراطورية الفارسية في الشرق ....
والإمبراطورية البيزنطية في الغرب ....
وكسرى هو لقب كل من يحكم الإمبراطورية الفارسية ...
كما أن "قيصر" كان هو لقب كل من يحكم الإمبرطورية البيزنطية
كسرى الذي أرسل إليه النبي ﷺ الرسالة كان إسمه "خُسرو الثاني" وكان لقبه "إبرويز" يعني : المنتصر .
لأنه كان قد حقق انتصارات كبيرة على الروم ....
والذي حمل الرسالة هو "عبد الله بن حذافة" رضي الله عنه .
وعبد الله بن حذافة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أسره الروم .
وحاول ملك الروم أن يجعله يتنصر فرفض
"والقصة طويلة"
ولكن وصل الأمر إلى أن ملك الروم .
قال له : تنصر أشركك في ملكي فأبى ... رضي الله عنه
فأمر به أن يصلب ثم أمر أن ترمى عليه السهام فلم يجزع
عبد الله بن حذافة رضي الله عنه
فأمر قيصر بإنزاله وأمر بقدر فصب فيها الماء وأغلي عليه وأمر بإلقاء أسير فيها حتى ذابت عظامه .....
فأمر بإلقائه إن لم يتنصر
فلما ذهبوا به بكى ....
قال : ردوه .
فقال له : لم بكيت ؟
قال : تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هكذا في سبيل الله تعالى فتعجب ملك الروم .
وقال له : قبَّل رأسي وأنا أخلي عنك .
فقال : وعن جميع أسرى المسلمين ؟؟
فقال : نعم .
فقبل رأسه فأطلق سراحهم ...
فلما رجعوا إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقصوا عليه ما حدث ...
وقف عمر رضي الله عنه وقام إلى "عبد الله بن حذافة" وقبل رأسه ...
هذا هو الصحابي الجليل الذي حمل الرسالة لكسرى .
"عبد الله بن حذافة" رضي الله عنه
شخصية صلبة جداً ومعتزة بنفسها ... ولذلك فلن يهتز عندما يدخل على كسرى وهو في ملكه
ولذلك إختاره النبي ﷺ لهذه المهمة ....
كان يعلم النبي ﷺ أن الكبرياء في نفس "كسرى" غير ما هو عند "هرقل"
لأن هرقل رجل "كتابي" أي من أهل الكتاب فهو يعظم ذكر شيء اسمه أنبياء...
أما "كسرى" رجل يعبد النار فلا يوجد عنده هذا الطبع .
فقال النبي ﷺ لحامل الرسالة "عبدالله"
تسلم الكتاب لأمير البحرين .
"أمير البحرين الذي هو من طرف كسرى ، عامل عند كسرى ويرفعه هو إلى كسرى"
يعني مهد له المسألة حتى تلين نفس كسرى ويتقبل الأمر
وفعل عبدالله بن حذافة ذلك ودفعه لأمير البحرين وأمير البحرين رفعه إلى كسرى .
طلب أمير البحرين الأذن من كسرى فأذن بحامل الكتاب أن يدخل عليه ....
فدخل "عبد الله بن حذافة" على كسرى وهو يحمل رسالة النبي ﷺ .
فأومأ كسرى إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده ...
فقال عبدالله رضي الله عنه إنما أمرني رسول الله أن أدفعه لك يدآ بيد وأنا لا أخالف أمراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال كسرى لرجاله : اتركوه يدنو مني .
فاقترب من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده .
لننظر ونتفكر كيف كان النبي ﷺ يخاطب كل واحد بما ينبغي وبما يليق
فإن "قيصر الروم" كما قلنا نصراني ينسب لأهل الكتاب .
ولكن كسرى "فارسي" و لا يدينون بدين بل يعبدون النار .
فصيغة كتابه لقيصر "النصراني" تختلف عن صيغة خطابه لكسرى "الناري"
دفع كسرى الخطاب إلى المترجم وقرأ فيه ...
بسم الله الرحمن الرحيم .
كل رسالة كان يرسلها كانت تبدأ بالبسملة ...
قال ﷺ كل شيء لا يبدأ فيه بإسم الله فهو أبتر . أي مقطوع البركة .
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس * *سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله .
وأدعوك بدعاء الله .
فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين .
فإن تُسلم تَسلم . وإن أبيت فإن عليك إثم المجوس .
هنا انتهت الرسالة
هل لاحظتم ؟
لم يقل له مثل قيصر
يؤتك الله أجرك مرتين .
لأن قيصر كان يدين بالنصرانية
فإن اتبعتني يؤتيك الله الأجر مضاعف .
أجر إيمانك بعيسى عليه السلام وأجر إيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم..
وختم رسالته ﷺ لقيصر بآية
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
ولم يختم رسالته لكسرى بهذه الآية ...
فكان ﷺ يخاطب كل رجل بما يليق به رسائله .
فليس الخطاب الواحد يصلح للناس جميعاً .
وما أن سمع "كسرى" رسالة النبي ﷺ حتى استشاط غضباً وأخذته العزة بالإثم...
وخطف الرسالة من يد المترجم ومزقها ....
وهو يقول في غطرسة : عبد من رعيتي يكتب اسمه قبلي .
ثم أرسل عامله على بلاد اليمن على الفور ...
"لأن اليمن كانت تابعة للإمبراطورية الفارسية"
وكان عامله على اليمن إسمه "باذان" .
طلب منه كسرى أن يبعث رجلين من رجاله ليأتي برسول الله إلى "المدائن" عاصمة فارس ....
وكان "كسرى" يريد بذلك إذلال الرسول ﷺ وإذلال المسلمين
لأنه لم يرسل بعض جنوده من عاصمة ملكه "المدائن" وإنما أمر أن يرسل رجلين فقط
والذي يرسلهما هو أحد عماله
وبالفعل أرسل "باذان" جنديين من اليمن للقبض على النبي ﷺ .
ذكرنا من قبل كيف يكون العرب من غير عقيدة ودين.
ذيل الروم من العرب قتل حامل الرسالة ...
وذيل الفرس الآن يمتثل فوراً لسادته ويرسل رجلان ضخمان أقرعان...
خرج الرجلان وفي الطريق مروا بالطائف ...
فعلم أهل الطائف أن كسرى يطلب محمد صلى الله عليه وسلم
ففرحوا واستبشروا ....
وقال بعضهم لبعض : أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك
كفيتم الرجل .
سمع "عبدالله بن حذافة"
كل هذا ....
ورجع إلى المدينة مسرعآ وأخبر النبي ﷺ بما حدث وأنه قد أرسل إلى عامله باليمن رجال ليأخذوك إليه ومزق الرسالة
فسخر النبي صلى الله عليه وسلم وضحك ...
وقال :
مزق الله ملكه .
"وقد كان ذلك في غضون سنوات قليلة من ذلك الموقف"
مزَّق الله تعالى مُلك كسرى تماماً وسقطت الإمبراطورية الفارسية على أيدي المسلمين في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهم
ووصل الجنديين إلى "المدينة المنورة"وكانوا يحلقون رؤوسهم واللحية و شاربهم طويل...
فلما رءاهم النبي ﷺ أشاح بوجهه عنهما ...
أي لم يستطع أن ينظر إليهما "
قال :
من أمركم بتغير خلق الله ؟
قالا : ربنا "ربهم يعني كسرى"
وأبلغوا النبي ﷺ بما قال "كسرى"
وقالا له وإن أبيت فهو من قد علمت ...
فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك
وكان الوقت ليل ....
قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم :
اذهبا الآن و أتاني غداً .
فأخذهم أحد الصحابة رضي الله عنهم وآواهم عنده ...
وفي وقت الصبح عند الضحى أتي بهما إلى النبي ﷺ
فلما دخلا عليه :
قال لهما النبي ﷺ
أدعوكما إلى الله أن تسلمان وتؤمنان بالله وأني محمد رسول الله .
فأرتعدت فرائصهما من هذه الكلمات ووقفا ولم يجيبا بشيء
وقالا : وإنما نحن رسل نبلغ
فقال لهما :
إرجعا إلى صاحبكما في اليمن وأخبره .
إِنَّ ربي قتل ربَّه هذه الليلة بعد منتصف الليل وإن إبنه شيرويه هو الذي قتله .
وبالفعل في هذه الليلة :
قتل كسرى فارس "خسرو الثاني" الملقب "أبرويز" على يد إبنه شيرويه ...
فلما قال النبي ﷺ ذلك للجنديين فزعا ...
وقالا له : هل تدري ما تقول ؟
إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا أفنكتب عنك هذا ونخبر الملك باذان ؟
"يعني هل تعلم أن الذي تقوله شيء كبير ، فإن كسرى من رسالة منك أقام الدنيا وأقعدها
فكيف إذا أخبرناه أنك تقول عنه أنه مقتول على يد إبنه "
فقال النبي ﷺ في كل هدوء وثقة :
نعم أخبراه ذاك عني .
وقولا لباذان إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى وينتهي إلى الخف والكراع .
"أي كل البلاد التي تحت سيطرته ستكون تحت سلطة النبي ﷺ حتى الأنعام والمواشي"
وقولا له :
إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك .
في الطريق قال أحدهما للآخر إن صدق فهو حقاً رسول من عند الله .
وصل الجنديان إلى "باذان" ملك اليمن وأخبره برسالة النبي ﷺ
قالا له : إن للرجل هيبة لا يجرؤ أحد أن يدنو منه .
إذا حدثنا ترتعد فرائصنا .
وقد أخبرنا أن ربه قد قتل ربنا
وأن إبنه "شيرويه" قد إعتدى عليه فقتله وأن إبنه قد انتزع الملك منه ....
قال باذان إن كان نبيا حقا فسيكون ما قال ...
ننظر فإن صحت أخباره آمنا به واتبعناه ..
وما لبث أيام حتى جاءه خطاب من "شيرويه" إبن كسرى الزعيم الجديد في بلاد فارس
إلى "باذان" عامله على اليمن .
يقول فيه إنه قد قتل أباه أبرويز ...
لأن أبرويز قد قتل الكثير من أشراف فارس ...
ويطلب منه بيعة أهل اليمن .
فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه "أي النبي" فلا تزعجه حتى يأتيك أمري ...
يظن أن باذان قد قبضه لا ترسله إلى دعه عندك"
وعلم "باذان" الليلة التي قتل فيها "أبرويز"
فوجد أنها هي نفس الليلة التى أخبر عنها النبي ﷺ .
فأيقن أنه رسول الله وأن الذي أخبره هو وحي من عند الله تعالى ....
لأن المسافة بين المدينة والمدائن هائلة وبعيدة...
ويستحيل على أهل هذا الزمن بأي صورة من الصور أن يعرفوا الأحداث التي تحدث في بلد آخر إلا بمعجزة خارقة .
وهنا أخذ "باذان" قرار الإسلام فوراً
أسلم "باذان" من معجزة إعلامية للنبي ﷺ .
وأسلم أبناؤه وأسلم كل الفرس تقريباً في اليمن .
وأسلم الرسولان اللذان بعثهما باذان إلى رسول الله .
ثم أسلم بعد ذلك كثير من أهل اليمن .
وكان إسلام اليمن إضافة كبيرة جداً لقوة المسلمين .
أما كسرى فارس الجديد "شيرويه" فلم يفكر في الإسلام
وظلت العلاقات بين الدولة الإسلامية والفارسية متجمدة .
إلى أن بدأت المواجهات بين الدولتين في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين وجزاه ربنا خير الجزاء على ما قدموا للإسلام والمسلمين وجمعنا بهم في جنات النعيم.
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٠/٧/٢٠٢١ ٧:١٠ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و الثمانون بعد المائة
179
المقوقس حاكم مصر .
كان "المقوقس" مسيحيا وتابعآ للإمبراطورية الرومانية .
نأخذ صورة عن حال مصر
فعندما نقول : "القبط" في مصر
لم تكن مصر من "العرب" يعني الأقباط لم يكونوا من العرب
والذي قرأ التاريخ يعرف تماماً هذا الكلام ولا يستغربه ....
فكان الذين يسكنون مصر أقباط وليسوا من العرب ....
وكيف أصبحت مصر عربية ومن أكبر دول العرب ؟؟
بعد فتحها على يد "عمرو بن العاص" رضي الله عنه وسكنها الصحابة رضي الله عنهم
وأصبح بين أهل مصر والصحابة رضي الله عنهم من العرب مصاهرة فكثرت العرب فيها وأصبحت عربية ...
نحن نتكلم عن مصر في عهد النبي ﷺ
اما الآن فمصر هي من أهم دول العرب بل تسمى أم العرب.
وكانت لغة أهلها "اللغة القبطية" اللغة الأم قبل الفتح الإسلامي
وكان لهم دراية باللغة العربية
وعندما انتشر الإسلام في مصر وانتشار الصحابة رضي الله عنهم فيها تغلبت اللغة العربية فيها وانتشرت فأصبحت اللغة العربية "لغة القرآن" هي اللغة الأم في مصر ....
أما اللهجة العامية "اللهجة المصرية" جاءت من تأثرها مع بعض اللغات .
فأشربت العربية بلغات أخرى مع أن مصر أصبحت لغتها الأم هي العربية .
ولكن بقيت متأثرة
باللغة القبطية ، والإنجليزية واليونانية ، والتركية ، والفارسية ، والإيطالية ، والفرنسية ...
وذلك بسبب موقعها بين القارات أسيا وإفريقيا ...
كان الأقباط في مصر وعظيمهم "المقوقس" يدينون بالنصرانية .
فخاطبهم ﷺ بالصيغة التي خاطب فيها عظيم الروم "هرقل" لأنهم أهل كتاب .
والذي حمل الرسالة هو "حاطب بن أبي بلتعة" رضي الله عنه .
وعندما توجه "حاطب" إلى مصر ، وجد "المقوقس" قد رحل إلى الإسكندرية "مقر حكمه"
فتوجه إليه وسلمه رسالة النبي ﷺ .
وكان نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم .
من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط .
سلام على من اتبع الهدى .
أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام . أسلم تسلم .
يؤتك الله أجرك مرتين .
فإن توليت فإنما عليك إثم القبط .
[[ تماماً كما قال لهرقل عظيم الروم .
الأجر الأول إيمانك بالمسيح عيسى عليه السلام وإتباعك له
والأجر الثاني إيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعك له
ثم ختم الرسالة بالآية الكريمة كما ختمها لقيصر ...
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .
يقول حاطب رضي الله عنه : عندما أعطيته الرسالة قرأها وأمعن النظر فيها
وأعاد القراءة أكثر من مرة
ثم طوى الرسالة وقبلها ووضعها في قطعة من حرير ...
ثم وضعها في صندوق وأمن عليها جارية خاصة له مقربة له بالقصر .
وأمر أن يجهز لي مكان للراحة في قصره .
يقول حاطب رضي الله عنه فبعد أن أخذت راحتي دعاني لمجلسه وقد جمع عنده أكابر حاشيته
ثم قال لي : إذا كان صاحبك كما تقول نبي...
والنبي مؤيد من ربه ...
قال حاطب : نعم .
فقال المقوقس : إذآ ما منعه إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده مكة إلى غيرها أن يهلكهم الله فلا يبقى له عدو .
فقال له حاطب رضي الله عنه بكل هدوء
قال : ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله ؟
قال : بلى .
قال حاطب رضي الله عنه فماله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه ويصلبوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى .
لكنه صبر حتى رفعه الله إليه ؟
فتبسم المقوقس وقال : أحسنت جواباً .
أنت حكيم جاء من عند حكيم
ثم قال : لقد قرأت الرسالة وفهمتها فأمهلني الآن ...
يقول حاطب رضي الله عنه فمكثت عنده ثلاثة أيام لم يراجعني بشيء فلم يقرب ولم يبعد .
"يعني لم يعلن أنه يريد أن يسلم ولم يرفض"
ثم دعاني بعد ثلاثة أيام إلى مجلسه ....
وأخذ يسألني عن الإسلام ، ويسأل عن النبي ﷺ ...
ثم قال المقوقس لي هذه صفته .
وكنت أعلم أن نبياً قد بقي وكنت أظن أن مخرجه بالشام .
فأراه قد خرج من أرض العرب
ثم دعا كاتبه وكتب إلى النبي ﷺ
وهو الوحيد الذي رد على النبي برسالة
نص الرسالة :
لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط .
[[ لم يقدم اسمه على إسم النبي ]]
سلام عليك .
أما بعد
فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه .
وقد علمت أن نبياً قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام .
[[ أي من بني اسرائيل ]]
وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم .
وكسوة وقد أهديت لك بغلة تركبها والسلام .
أرسل المقوقس الهدايا للنبي ﷺ .
منها جاريتين
"مارية القبطية" التي تزوجها النبي ﷺ التي أنجبت له "إبراهيم " عليه الصلاة والسلام
"و سيرين" التي تزوجها "حسان بن ثابت" رضي الله عنه.
نكمل بمشيئة الله تعالى تفاصيل الهدايا ونتائج هذه الرسالة للمقوقس ..
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقه الثمانون بعد المائة
180
هدايا المقوقس للنبي ﷺ .
وزواجه من مارية القبطية
اقتنع "المقوقس" بالإسلام وأيقن بنبوة النبي ﷺ لكنه لم يدخل في الإسلام ....
يقول حاطب رضي الله عنه أرسل معي المقوقس هدايا للنبي ﷺ .
١ -
الجاريتان"
مارية القبطية رضي الله عنها أنجبت "إبراهيم عليه الصلاة والسلام... ابن النبي ﷺ
لأن النبي ﷺ تسرى بها
والتسري هو أن يجعلها زوجة ولكنها ليست حرة .
و للتنبيه :
الإسلام لم يبتدع التسري على الإطلاق
التسري كان معروفا في كل الأمم قبل الإسلام .
فقد ورد أن "إبراهيم عليه السلام" تسرى بهاجر التي وهبه إياها ملك مصر .
فولدت له إسماعيل عليه السلام
فهو ليس من اختراع الإسلام كما يريد الأعداء
بل جاء الإسلام ووضع شروط ونظام للتسري وحفظ حقوقهم
تسرى النبي ﷺ بمارية القبطية
فقد عرض عليها ﷺ الإسلام فأسلمت ....
فأراد أن يعتقها ثم يخطبها ثم يضمها إلى أمهات المؤمنين ويتخذ لها حجرة .
فحرجته بغاية الأدب
وقالت يا رسول الله لقد تربيت على الرهبانية عند القبط حتى اتقنت ديننا .
فألفت نفسي الرق والعبودية وأخشى أن لا أكون بمستوى الأحرار ...
فإني أكون أقرب لخدمتك وأنا أمة...
فتسرى بها وهي أمة...
فحملت بمولود لرسول الله وهو "إبراهيم عليه السلام " الذي ولد وعاش 18 شهر .
فلما بدأت تظهر صفاته الخلقية كان أشبه الناس خلقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا يستطيع أحد أن يفرق بين صورة وجهه وصورة وجه أبيه النبي ﷺ .
لكنه مات في عام والنصف فقط
وفي شرعنا وقد قلنا أن الإسلام جعل شروط للتسري
ومن تلك الشروط
الأمة المملوكة الرقيقة إذا أنجبت غلامآ فإن إبنها يحررها ....
فلما أنجبت "مارية" مولودها للنبي ﷺ .
فلم تعد "مارية القبطية" أمة وإن كانت هي تريد أن تبقى أمة
فأصبحت حرة
ومادامت هي أم "ابراهيم" ابن النبي ﷺ فهي "أم للمؤمنين" رضي الله عنها
هل يطلق على "مارية" لقب أم المؤمنين ام لا يطلق لأنها أمة .
البعض يقول لا يطلق عليها لقب أم المؤمنين لأنها أمة
وقد فاتهم أن الأمة وإن لم تكن زوجة النبي ﷺ
أي أمة أنجبت لزوجها غلاماً يحررها وتصبح حرة .
وهذا حكم شرعي أجمع عليه جميع المذاهب..... السلف والخلف ليس عليه خلاف على الإطلاق .
فلذلك نقول : أم المؤمنين "مارية القبطية" رضي الله عنها
والذين يتمسكون برأيهم وينكرون لها هذه الصفة وأنها جارية .
إليهم هذا الحديث في صحيح البخاري رحمه الله
"عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت .
والله ما ترك رسول الله ﷺ عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة .
توفت مارية رضي الله عنها بعد النبي ﷺ في عهد عمر بن الخطاب .
ودفنت بالبقيع بجانب ولدها إبراهيم ابن النبي ﷺ .
والجارية الثانية معها هي اختها "سيرين"
كان مقوقس القبط قد رباهما في قصره وتعلمتا دين النصرانية
كانتا مقربتان إليه لم يربيهما ويعتني بهما ليرسلهما في الآخر إلى النبي ﷺ .
ولكن عندما قرأ الرسالة رأى أن خير ما عنده يقدمه للنبي صلى الله عليه وسلم هو هاتين الجاريتين .
هذا في الظاهر ....
وفي الحقيقة كما قال ﷺ عنه عندما قرأ حاطب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم رسالة المقوقس .
تبسم النبي ﷺ ضاحكاً
وقال لاصحابه رضي الله عنهم
ثعلب مراوغ .
وتأتي صدق نبوته ﷺ .
ويبقى المقوقس على النصرانيه حتى تأتي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
يأمر بفتح مصر علي يد "عمرو بن العاص" ويولي عمرو بن العاص أميراً على مصر ، ويموت هذا المقوقس في ولاية عمرو بن العاص ولم يسلم ....
فعندما أرسل المقوقس الجاريتين كهديتين
في الظاهر تكريمآ للنبي ﷺ .
أما في الحقيقة أرسلهما عيون له
مادام جاريتان ستكونان في بيت النبي ﷺ فتكونا عينا للمقوقس في بيت النبوة .
فهو بيت المسلمين الأول ليعلمنَّه ماذا يدور من تدريب أو ترتيب للمستقبل أو سياسة .
ولم يكن بحسبانه أنهما ستسلمان وتكونا من خيار الصحابة رضي الله عنهم
فالأولى "مارية" أصبحت أم للمؤمنين .
والجارية الثانية "سيرين" أخت مارية أهداها النبي ﷺ إلى شاعره الأنصاري "حسان بن ثابت" رضي الله عنه فأعتقها حسان وتزوجها وأصبحت صحابية جليلة رضي الله عنها
مارية وأختها سيرين ولدتا في محافظة "منيا"في صعيد مصر وكانتا من كبار عائلات الأقباط المصريين آنذاك
وسلبهما المقوقس هي وأختها سيرين من أهلهما الذين كانوا من أعيان المصريين .
يقول المقوقس في الرسالة : "وأرسلت لك جاريتان لهما مكان في القبط عظيم"
فمارية من صميم مصر وذلك يعني أن أهل مصر "أخوال إبراهيم " ابن النبي ﷺ .
الهدية الثانية .
وأهدى للنبي ﷺ "طبيب مخصي"
يعني كان "عبد مخصي"
وكانوا قديماً السادة يخصون العبيد
والخصي هو إزالة الرجولة منه فلا يستطيع الأقتراب من النساء حتى يأمنوا عليه أعراضهم في القصور "
كان طبيب خصي وقد تعلم الطب وبرع فيه
فأرسل المقوقس للنبي ﷺ
"طبيب وجاسوس في آن واحد"
فممكن أن يضعه النبي صلى الله عليه وسلم في بيته
"هذا كان تفكير المقوقس فيكون عين أخرى له"
فماذا صنع النبي ﷺ ؟؟
قبل كل الهدايا
ولكنه قال للطبيب بعد أن أكرمه واستضافه .
قال له
ارجع لصاحبك وقل له .
إنا معشر أمة لا نأكل حتى نجوع . وإذا أكلنا نقوم دون الشبع .
فلا نحتاج لطبيب .
"فإن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء"
في كل أدب وتقدير أعطانا درس في السلوك
"ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"
رأى النبي ﷺ يوماً أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها وقد أكلت يوماً مرتين .
تقول رضي الله عنها والحديث في "صحيح مسلم"
قالت: فوكزني بأصبعه في بطني
وقال
ليس لك همٌّ إلا بطنك يا عائشة ؟
"الطبيب المخصي رده النبي ﷺ
الهدية الثالثة .
ألف مثقال من "الذهب الخالص" وزعها النبي ﷺ فوراً على فقراء المسلمين ....
أمام عين الطبيب المخصي
حتى إذا مارجع ينقل ما رأى إلى صاحبه المقوقس النبي ﷺ لا يحتاج إلى مال .
والهدية الرابعة .
بغلة شهباء .
ومعنى شهباء "أي لونها أبيض "
سأل المقوقس حاطب رضي الله عنه ماذا يركب نبيكم إذا أراد التنقل ؟؟
قال : يركب ما تيسرله ، يركب الفرس أحيانا ، ويركب الجمل أحيانا ويركب الأتان أي [[ انثى الحمار ]]
فعلم المقوقس أنه لا توجد بغال عند العرب ..
يجعلون الجماع والمعاشرة بين "الأتان و الحصان"
فيأتي المولود بغل لا هو لأبوه ولا لأمه
فأرسل المقوقس له بغلة بيضاء
وكانت غريبة واستغربها الصحابة رضي الله عنهم أي نوع من الدواب هذا ؟؟
فأوضح لهم النبي ذلك
فقال علي رضي الله عنه: _ لو حملنا الحمر على الخيل لكان لنا مثل هذه ....
"يعني جعلنا الحمير تعاشر الخيل سيكون لنا مثل هذه البغلة"
فقال النبي ﷺ :
إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون .
وسماها النبي ﷺ دلدل "أي البغلة"
وكان من خلقه صلى الله عليه وسلم أن يسمي كل شيء له به علاقة .
يسمي ثيابه ، سلاحه ، يسمي دوابه ، كلنا نعرف أن اسم دابته "القصواء"
فسمى البغلة "دلدل" وكان يركبها دائما في داخل المدينة
الهدية الخامسة .
"زق من عسل"
والزق هو جلد الشاة المذبوحة منزوع منه الشعر .
مدبوغ بطريقة معينة يجعلوه وعاء للمواد السائلة اسمه "زق"
أرسل له زق من عسل وهو من أطيب أنواع العسل
من مدينة اسمها "بنها" من صعيد مصر تبعد عن القاهرة 45 كم تقريباً
هذه المدينة شبه جزيرة لأن المياه تحيط بها من الشرق والغرب والجنوب .
ثمارها وخيراتها كثيرة و إلى يومنا هذا مشهورة بالعسل وذلك لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها
وما كانوا على عهد النبي ﷺ يعرفون الغش مثل أيامنا ما يطعموا النحل سكر ما كان عندهم سكر .
فكان من ألذ أنواع العسل حتى أن النبي ﷺ أحبه كثيراً حتى أنه دعا في عسل "بنها" بالبركة
وإلى يومنا هذا إخوانا في مصر يعرفون أن "بنها" مشهورة بالعسل .
الهدية السادسة .
ثياب من نسيج قطن مصر ومعها "بسط" أي قطع سجاد للأرض
فنظر إليها النبي ﷺ .
وكلما وجد صورة صليب في الثياب أو البسط أتلفها فوراً
وأبقى التي ليس عليها صور استعملها ولبسها .
الهدية السابعة .
بعض العود والمسك "أي الطيب ما نسميه العطر" استخدمه ﷺ جميعا
وسأل المقوقس "حاطبا" رضي الله عنه عن النبي ﷺ .
قال يا حاطب : هل يكتحل نبيكم ؟
فقال له : نعم وينظر في المرآة ويرجل شعره .
ولا يفارق خمسآ في سفر كان أو في حضر :
وهي المرآة والمكحلة والمشط والمسواك والمدرى
"المدرى عود رفيع ، يفرق به بين شعر الرأس ويحك به لأن حكه بالأصبع يخرب الشعرة ويلويها"
فأرسل له المقوقس :
مربعة "نسميها علبة" ليضع فيها المكحلة وقارورة الدهن والمشط والمقص والمسواك .
ومكحلة من عيدان شامية ومرآة ومشطا .
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها
قالت : سبع لم تفارق رسول الله ﷺ في سفر ولا حضر .
القارورة التي يكون فيها الدهن "علبة العطر"
و المشط . والمكحلة . والمقراض "المقراض أي المقص" والمسواك . والمرآة .
وفي رواية أخرى زاد بعضهم "والإبرة ، والخيط"
نرجع الى ام المؤمنين "مارية" رضي الله عنها
تسرى بها النبي ﷺ وهي أمة وأسكنها في دار الحارث "أي في جوار المسجد" لأنها ليست أم للمؤمنين الآن .
فلم يحب أن يضع لها حجرة بين أزواجه رضي الله عنهن
وأراد أن يبعدها شيئاً ما عن السيدة عائشة رضي الله عنها "شديدة الغيرة" حتى لا تراها
وتقول عائشة رضي الله عنها : ما ادخلت علي زوجة من أزواج رسول الله ما ادخلته مارية القبطية .
مع أن النبي ﷺ لم يقسم لها ليلة كباقي زوجاته ومع هذا تقول عائشة رضي الله عنها
"ما ادخلت علي زوجة من أزواج رسول الله ما ادخلته مارية القبطية"
لكن عندما شاع الخبر الذي أبهج المدينة كلها بأن "مارية" قد حملت من رسول الله
أمر رسول الله "حتى يبعدها أيضاً من عائشة رضي الله عنها " أمر أن يتخذ لها بيت في العوالي جهة مسجد قباء .
أبعدها هناك لأن النبي ﷺ يعلم أن النساء فطرهن الله على الغيرة ....
حتى إذا كمل حملها و وضعت إبنها "ابراهيم" عليه السلام
و من فرحة الصحابة رضي الله عنهم به يوم مولده أولم كل بيت في المدينة فرحاً بهذا المولود للنبي صلى الله عليه وسلم
لأن النبي ﷺ قد بلغ عمره هذا العام 60 .
وفرحة كبيرة أن يرزق بغلام بهذا العمر .
صلوات ربي وسلامه عليه .
وماهي إلا سنوات قليلة فتحت مصر في عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه بقيادة "عمرو بن العاص" رضي الله عنه .
ودخلت مصر ضمن الدولة الإسلامية .
حتى أصبحت من أهم الدول العربية والإسلامية وأخرجت للإسلام والمسلمون عمالقة وعلماء .
وكان للمصريين بصمات واضحة على جبين العلوم الشرعية عبر التاريخ الإسلامي .
فكان منها آلاف العلماء الأجلاء الذين ملأوا الدنيا نوراً وهداية
وكانوا منارات وقامات يشار إليهم إلى يومنا هذا .
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...