تواصل معنا

سيرة الحبيب المصطفى ﷺ . الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة 133 تفقد شهداء أحد / الجزء الثاني . وقف ﷺ على جثة حمزة ومصعب رضي الله عنهما كما ذكرنا وبكى...

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة 133
تفقد شهداء أحد / الجزء الثاني .

وقف ﷺ على جثة حمزة ومصعب رضي الله عنهما كما ذكرنا وبكى ....
وأخذ يقف على جثة كل شهيد
فلما رأى في القتلى رجلان من الأنصار "كان معروف عنهما أنهما كانا صديقين والجميع يعرف صداقتهما"
وكان واحد منهما إسمه
"عبدالله بن حِرام" بكسر الحاء تجنب للفظ كلمة حَرام .
والخطأ الذي يقع فيه الكثيرون يذكرون اسمه "عبدالله بن حرام" من غير تشكيل....
هذا الصحابي يكون "والد جابر بن عبدالله" الذي له روايات بالحديث عندما تسمعوا حديث نبوي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهم.

والآخر اسمه "عمرو بن الجموح"
ذكرت لكم قصته وإسلامه سابقآ .
كان له صنم مصنوع من الخشب وقد سماه "مناف" يتقرب إليه ويسجد بين يديه .
هذا الصنم مناف كان يلجأ إليه عند المصائب أو إذا أراد حاجة سجد له وطلب حاجته
كان يحبه أكثر من أهله وماله .
وكان شديد الإسراف في تقديسه وتزيينه وتطييبه وتلبيسه .
حتى أسلم رضي الله عنه وأرضاه
كان طاعن في السن وكان في إحدى ساقيه عرج .

عبدالله بن حِرام و عمرو بن الجموح كانا صديقان حميمان
فلما استعد النبي ﷺ وأصحابه للخروج لمعركة أحد
جاء ليخرج مع الجيش "عمرو بن الجموح" وكان له من الأبناء خمسة شباب كلهم خرجوا مع الجيش ... قالوا له : يا أبانا كلنا أعددنا أنفسنا للخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما أنت فقد عفاك الله فلا حرج عليك .
فدخل "عمرو" للمسجد ودموعه تسيل على خديه وهو رافع صوته .
يقول : يارسول الله انظر لبني هؤلاء يقفون بيني وبين الخروج في سبيل الله تعالى...
فماذا عليهم إذا وطأت بعرجتي هذه أرض الجنة ؟
فنظر النبي ﷺ إليه وإلى بنيه
فقال له : أما أنت فقد عفاك الله من كبر سنك وبلائك "أي عرجتك"
وأما أنتم فما عليكم أن تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة .

فخرج عمرو بن الجموح مع الجيش ، ورفع يديه للسماء
وقال : اللهم لا تردني إلى أهلي خائباً أبداً .
وإني يارب أحب أن أطأ بعرجتي هذه أرض الجنة .
وخرج مع صديقه الحميم "عبدالله بن حِرام" وأستشهدا في معركة أحد....

فلما نظر النبي ﷺ وهو بين جثث الشهداء .. وقد مثلت بهما قريش ... تذكر الرسول ﷺ ما قاله قبل خروجه وكان أبنائه يقفون حول النبي صلى الله عليه وسلم أمام جثة أبيهم
فبكى ﷺ وقال: والذي نفسي بيده لقد رأيته يطأ بعرجته أرض الجنة .

فقال أبنائه يارسول الله كان قد تواعد مع صديقه "عبدالله بن حِرام" الذي كان لا يفارقه ....
كانا يتواعدن أن يلتقيا في الجنة إذا فرقهم الموت ...
فقد قالا قبل الخروج إن تفرقنا فموعدنا في الجنة .

فقال لهم النبي ﷺ اجعلوهما في لحد واحد ولفوهما في ثوب واحد ولا تفرقوا بينهما .

فهما من تلك الساعة في ثوب واحد وفي لحد واحد إلى أن تقوم الساعة .

وقف النبي ﷺ على جثة "حنظلة بن عامر" رضي الله عنه
أما حنظلة هذا ، الملقب فيما بعد "بغسيل الملائكة"
والده كان مشرك مع قريش .
وحنظلة شاب مؤمن صادق الإيمان من المهاجرين .
أراد النبي ﷺ أن يزوجه من المدينة من الأنصار .
والنفاق يلعب دور في كل زمان
وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجه ويبحث له عن زوجة فكان النبي صلى الله عليه وسلم كولي أمره .
فجاء رئيس المنافقين يبيض وجه "ابن سلول"
فقال إن بنتي زوجة لمن يخطب له النبي صلى الله عليه وسلم
طبعاً نفاقاً لا إيماناً .....
فهكذا المنافقون في كل زمان ...
وتمت الخطبة ... وقبل الدخول عليها والبناء جاء أمر الخروج لمعركة أحد...
فاستأذن حنظلة النبي ﷺ أن يبني بعروسه هذه قبل خروجه مساء ليلة الجمعة "أي ليلة المعركة" ثم يلحق بالجيش .
فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ... فبقي هذا الشاب .
وخرج النبي ﷺ لأحد بعد صلاة الجمعة قريب من العصر .
وبقي حنظلة وبنى بعروسه ليلة السبت .
"ولا يخفى علينا عريس مع عروسه للفجر وهو لايدري بعد هل سيكون هنالك معركة أم لا ؟"
فلما كان الفجر وقبل أن يغتسل ويصلي ...
سمع نداء الناس أن الحرب مع قريش ستبدأ .
فتعجل وأخذ سلاحه وأسرع بالخروج .... فلحقته زوجته للباب .... وقالت له : إنك لم تغتسل
قال لها : الجنابة لن تحول بيني وبين الجهاد في سبيل الله .
فإني أخشى إن بقيت حتى أغتسل أن يفوتني موقفاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فخرج والمسلمون لا يعلمون بأمره وأنه بنى بزوجته ....
ولكن زوجته عندما خرج أرسلت تستدعي أربعة من رجال قومها
فلما حضروا أخذت تشهدهم أن حنظلة قد بنى بها قبل أن يخرج للجهاد في سبيل الله تعالى
فقالوا لها : أنتِ عروس فلماذا تشهدينا ؟؟؟
قالت : لإني أعتقد أنه لن يرجع ، ولعلي قد علقت بحمل منه فإني أريد أن أغلق باب الغيبة والريبة .

عملت بهذه القاعدة "رحم الله من جب الغيبة عن نفسه"
كيف استشهد حنظلة في معركة أحد .
رأى أبو سفيان عندما ولى هارباً..
فلحقه حنظلة وهو يقول : يا رأس الكفر .
فضرب حنظلة بسيفه ساق فرسه فسقط أبو سفيان من على الفرس ....
فرفع حنظلة عليه السيف
فصرخ أبو سفيان... يا بني غالب
فإذا رجل من قوم أبو سفيان خلف حنظلة فرفع رمحه وطعن به حنظلة فوقع شهيداً رضي الله عنه....
فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم على جثته أشار بأصبعه إليه ...
وقال لأصحابه رضي الله عنهم : هذا صاحبكم رأيت الملائكة تغسله بين السماء والأرض بأطباق من الفضة ...
فقال : نسأل صاحبته "أي زوجته"
فلما رجعوا سألوها فأخبرتهم ...
فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك كان ....
أي غسلته الملائكة عندما استشهد لأنه كان على جنابة .
فسمي حنظلة .. بغسيل الملائكة..
رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...






[ سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائة 134
دفن شهداء معركة أحد ...

تفقد النبي ﷺ القتلى والجرحى
فقال لأصحابه رضي الله عنهم : من يأتيني بخبر سعد بن الربيع‏
سعد بن الربيع رضي الله عنه كان ممن بايع النبي ﷺ بيعة العقبة الثانية ....
وكان أحد نقباء الأنصار
ولما هاجر النبي ﷺ، آخى بينه وبين عبد الرحمن بن عوف .
افتقده النبي ﷺ
فذهب "زيد بن ثابت" ليبحث عن "سعد بن الربيع" فوجده وقد طعن اثنى عشر طعنة وهو في آخر رمق ....
فقال له زيد : يا سعد إن رسول الله أمرني أن أنظر أنت في الأحياء أم في الأموات .
قال سعد : فإني في الأموات
فأبلغ رسول الله ﷺ السلام
وقل له : إن سعدا يقول جزاك الله عني خير ما جزى نبياً عن أمته ... وأخبره أنني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وقد أنفذت مقاتلي ...
وأبلغ قومك مني السلام...
وقل لهم : إن سعدآ يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف .
ثم فاضت روحه رضي الله عنه .
فرجع زيد إلى النبي ﷺ فأخبره
فقال ﷺ رحمه الله نصح لله ولرسوله حياً وميتاً .

ووجدوا في الجرحى "الأُصيرم عمرو بن ثابت" وكانوا من قبل يعرضون عليه الإسلام وهو يرفضه .
فسألوه : ما الذي جاء بك . مناصرة لقومك أم رغبة في الإسلام‏ ؟‏
فقال : بل رغبة في الإسلام . فأنا آمنت بالله ورسوله ثم قاتلت مع رسول الله ﷺ حتى أصابني ما ترون ثم فاضت روحه .
فذكروه لرسول الله ﷺ فقال: هو من أهل الجنة .
يقول أبو هريرة‏ رضي الله عنه ولم يُصلِ لله صلاة قط

وكان في القتلى رجل من اليهود اسمه "مُخَيرِيق"
كان حبراً عالماً من أحبار يهود
كان رجلا غنيا كثير الأموال .
كان يعرف رسول الله بصفته وما يجد في علمه ولكنه لم يسلم .
فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد أسلم
وكما قلنا معركة أُحد كانت يوم السبت .
فوقف وقال : يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق .
قالوا : إن اليوم يوم السبت .
قال : لا سبت لكم... ثم أخذ سيفه وعدته .
وقال‏ : إن أصُبت فأموالي كلها لمحمد يصنع فيها ما شاء ثم قاتل حتى قتل .
وأخذ النبي ﷺ أمواله وجعلها صدقة على الفقراء .
وقال ﷺ مُخيرِيق خير يهود .

ثم بعد أن تفقد الجرحى أمر ﷺ بدفن أصحابه رضي الله عنهم
بعد أن صلى الظهر بهم جلوساً وصلوا خلفه جلوساً .
"لأنهم جرحى متعبين"
ثم أمرهم أن يدفنوا الشهداء جماعات حتى تحتوي الحفرة الواحدة "الشهيدين والثلاث"
حتى لا يشق عليهم
"لأن حفر قبر لكل شهيد وهم جرحى يصعب عليهم ذلك"
فقد بلغ عدد الشهداء 70 شهيداً رضي الله عنهم أجمعين
من قبيلة الخزرج 41
من قبيلة الأوس 24
من المهاجرين 4
من اليهود 1

ولم يعرف بالتحديد كم كان عدد قتلى المشركين ؟؟
البعض قال 37 والبعض قال أكثر...
ولكن كان العدد فوق المئة وذلك بدليل قوله تعالى :
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا .
شهداء المسلمين 70 .
أنتم أصبتم بسبعين وأصبتوهم بمثليها أي العدد مضاعف يكون 140 .
وبعض كتب السيرة يرفعه لأعلى من هذا العدد.. والله أعلم...

أمرهم النبي ﷺ أن يدفنوا الشهداء جماعات حتى تحتوي الحفرة الواحدة "الشهيدين والثلاث" حتى لا يشق عليهم
ودفنوا جثث المشركين أيضاً
بعض كتب السيرة تقول "أن قريش منهم من حمل قتيلهم .
ومنهم واراه الرمال قبل أن يرحلوا .

وكم الفارق بين هدي هذا الدين وأخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم.
وبين الكفر وأهله .
تذكرون يوم بدر عندما هربت قريش ، وتركت خلفها قتلاهم ومتاعهم ورجالهم ....
عندما قتل منهم سبعين ووقع بالأسر سبعين ...
فلم يفارق ﷺ أرض بدر حتى دفن جثث المشركين جميعاً .
"لم يُمثل بجثثهم ولم يتركها للطير والسباع .

بخلاف قريش في معركة أحد تُمثل بجثث المسلمين ولا تتركهم بحالهم .

لأن الله تعالى قال وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ...

دفن الصحابة رضي الله عنهم إخوانهم من الشهداء ...

فقال ﷺ ادفنوا الشهداء في مضاجعهم .
"في مواضع مقتلهم"
ادفنوا الشهداء في مضاجعهم . إنَّا نحب أحد ، وأحد يحبنا .
إن أحد جبل على باب الجنة .
"الجنة ليس فيها جبال .
ولكن سترون جبل أحد يا من زرتم المدينة في حج أو عمرة ورأيتم جبل أحد .
سترون جبل أحد أيضاً عندما تدخلون الجنة إن شاء الله تعالى على باب الجنة تماماً تدخلون من باب الجنة وأنتم تنظرون إليه .
تكريماً لدماء النبي صلى الله عليه وسلم التي سآلت عليه ودماء الشهداء رضي الله عنهم...

فكان النبي ﷺ بعدها كلما خرج من المدينة وعاد إليها ....
يقف وينظر إلى جبل أحد ويشير لأصحابه رضي الله عنهم :
ويقول هذا جبل يحبنا ونحبه ، وهو جبل على باب الجنة .

✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....







[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المائة 135
الرجوع للمدينة بعد غزوة أحد . والشوق لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم

دفن الشهداء ورجع النبي ﷺ وركب فرسه ولم يكن معه من الخيل غيرها....
والجميع رجعوا مشياً على الأقدام كما خرجوا لم يكن معهم إلا فرس واحد .
رجع النبي ﷺ والصحابة رضي الله عنهم من حوله...
وكانت قد وصلت الأخبار للمدينة بأن النبي ﷺ قد قتل
فهاجت المدينة وارتفع صوت البكاء بها وخرجت النساء حتى العجّز كلهن خرجن يستطلعن الخبر .....
فما أن دخل الموكب للمدينة فأخذت تتلقاهم طلائع النساء .
فكان أول من تلقاه من النساء "حمنة بنت جحش"
"بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخت عبدالله بن جحش رضي الله عنه وقد استشهد في المعركة وخالها حمزة رضي الله عنه.
فلقيتهم وهي تسأل وتقول : أرسول الله بخير ؟؟
فلقيها النبي ﷺ فقال لها يا حمنة أحتسبي .
قالت : من يارسول الله ؟
قال خالك حمزة أسد الله ورسوله قالها وهو يبكي...
فأحتسبت وقالت إنا لله و إنا إليه راجعون .
قال يا حمنة احتسبي أيضاً .
قالت : من يارسول الله ؟
قال أخوكِ عبدالله بن جحش .
فاحتسبت وقالت إنا لله و إنا إليه راجعون .
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم احتسبي يا حمنة أيضاً .
قالت : من يارسول الله ؟
قال زوجك مصعب .
فناحت وولولت ....
فقال ﷺ سبحان الله إن الرجل من زوجته لبمكان .
"لقد نعي إليها خالها وأخوها ولم تولول ونعي لها زوجها فصاحت وبكت .....
قال لها النبي ﷺ يا حمنة لما فعلت هذا ؟
قالت : يا رسول الله ذكرت قوله تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم
وإن له أيتام

قال ﷺ اللهم اخلفها في أيتامه خيراً .

أكبر مصيبة تصيب المرأة هو فقد زوجها بشرط إذا رزقهم الله بالسكينة والمودة والرحمة
وللأسف الكثير من بيوت المسلمين اليوم تفتقد هذا الرزق بين الأزواج...
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين

مضى النبي ﷺ وإذا بامرأة تشتد بين المسلمين وتقول بفزع : ماذا فعل رسول الله ؟
فتلقاها الناس وقالوا يا أمةَ الله احتسبي واصبري .
قالت : من ؟؟
قالوا . قد قتل أبوكِ ؟؟
قالت : إنا لله وإنا إليه راجعون . ما عن هذا سألتكم .
ماذا فعل رسول الله ؟؟
قالوا : يا أمةَ الله احتسبي .
قالت : من ؟؟
قالوا : قد قتل أخوكِ .
قالت . ما عن هذا سألتكم .
يتخذ الله من عباده شهداء....
ماذا فعل رسول الله ؟
قالوا : يا أمةَ الله احتسبي .
قالت من ؟
قالوا : قتل ولديكي "اولادها الإثنين والولد فلذة الكبد"
قالت : إنا لله و إنا إليه راجعون .
ما عن هذا سألتكم : أقول ماذا فعل رسول الله ؟؟؟
"يخبروها بقتل أبيها وأخيها وابنيها وهي تقول إنا لله وإنا إليه راجعون.... ماذا فعل رسول الله"
قالوا : يا امةَ الله احتسبي واصبري .
قالت . من ؟
قالوا : زوجكِ .
قالت : إنا لله و إنا إليه راجعون .
ما عن هذا سألتكم ماذا فعل رسول الله ؟
قالوا لها وهم مدهوشين من ردة فعلها .
قالوا : رسول الله بخير كما تحبين وتشتهين .
قالت : أرونيه أنظر إليه .
وكان النبي ﷺ يسير خلف الجيش يُقدم أصحابه أمامه ...
ويقول لهم خلوا ظهري للملائكة فإن الملائكة تسير من ورائي .
فلما دنى النبي ﷺ وهي واقفة مع من نعوا لها من قتل من أهلها
فلما اقترب النبي صلى الله عليه وسلم :
قالوا لها : هذا هو رسول الله
فقالت : دعوني اسلم عليه
فشقوا لها الطريق ...
وقالوا : يارسول الله نعينا لها الأب والأخ والأبناء والزوج ....
فاحتسبت وهي تقول ماذا فعل رسول الله ؟؟
فلما دنت ورأت رسول الله
قالت : أما وقد سلمت لنا يارسول الله فلا نبالي بمن عقب بعدك ....

إنها العقيدة لأنهم يعلمون أن قوام هذا الدين العظيم بوجود هذا النبي ﷺ...

ومضى ﷺ وإذا بامرأة مسنة كبيرة بالعمر تكون والدة "سعد بن معاذ" رضي الله عنه
وهي تسأل الجموع أين رسول الله ؟؟
لقد بلغنا أنه قتل ....
قالوا لها هو بخير
قالت : لا والله لا أنصرف حتى أراه وأكلمه ....
فلما دنى النبي ﷺ وإذا بسعد ولدها هو الذي يقود فرس النبي ﷺ .
قال سعد رضي الله عنه يا رسول الله هذه أمي .
قال ﷺ أهلاً بها ومرحباً . ادنوها يا سعد فدنت .
فقال ﷺ يا أم سعد احتسبي
قالت : من يارسول الله ؟
قال ﷺ ولدك عمرو بن معاذ .
أخو سعد وقد أستهشد
قالت : إنا لله و إنا إليه راجعون .
مادمت عدت لنا سالماً يارسول الله فكل مصاب بعدك جلل .

واقتربت من ابنها سعد وقبّلته وشمّته "إنه قلب الأم "
ثم قالت وهي تكفكف دموعها الحمد لله الذي ردك سالماً إلينا يارسول الله ...
فقال لها النبي ﷺ أبشري يا أم سعد وبشري من وراءكِ .
"أي نساء الأنصار والمهاجرين وجميع نساء المؤمنين إلى أن تقوم الساعة أمهات الشهداء وزوجاتهم وأولادهم وأهلهم.
خذوا بشارة نبيكم ﷺ .
اسمعوا يا أمهات الشهداء رسالة نبيكم من ربه ...
أخبريهم يا أم سعد .
أن الله عز وجل قد كلم الشهداء وأسكنهم الفردوس الأعلى .
وجعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش .
وحين سألهم ماذا تريدون ؟
قالوا : أن تردنا إلى الدنيا . فنقتل فيك ... مرة .
ثم نرد إلى الدنيا فنقتل فيك ... مرة .
ثم نرد إلى الدنيا ونقتل فيك .
فقال الله تعالى للشهداء : أما وقد سبق القول مني أنهم إليها لا يرجعون .
قالوا : يارب فمن يخبر أهلنا من خلفنا بما وجدنا .
"أي بأن الله قد كلمنا وأكرمنا"
ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة .
قال لهم الله : أنا أبلغهم عنكم .
وهبط جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ :
بقوله تعالى :
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....









[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والثلاثون بعد المائة 136
حكم البكاء على الميت

ثم مضى ﷺ إلى بيته .
ومر ﷺ ببعض بيوت الأنصار فسمع بكاء نساء الأنصار على قتلاهم ويذكرون مآثرهم...
فهز رأسه ﷺ و بكى وقال ولكن حمزة لا بواكي له .
"يعني لا يبكي على حمزة أحد لأن أكثر قرابة حمزة كانوا في مكة" رضي الله عنه.
لم يمنع النبي ﷺ البكاء على الشهداء .
فسمعها سعد فما أن وصل النبي ﷺ على باب مسجده
فلم يستطع أن ينزل من على فرسه فأنزلاه" :
سعد بن معاذ" سيد الأوس
و "سعد بن عبادة" سيد الخزرج ثم اتكأ عليهما حتى دخل بيته
ثم أمر الصحابة رضي الله عنهم جميعاً أن ينطلقوا إلى بيوتهم ويداوون جراحهم .
فانطلق "سعد بن معاذ" رضي الله عنه وجمع نساء الأنصار من بني "عبد الأشهل" لأن سعد هو سيد بني عبد الأشهل
قال : والله لا تبكي امرأة منكم قتيلً لها حتى تأتوا باب المسجد وتبكوا عم رسول الله ﷺ..
فذهبت نساء الأنصار إلى باب المسجد عند بيت النبي ﷺ وجلسنّ يبكين حمزة عند بيت الرسول ﷺ .
فسمع النبي الصوت ....
فقال ما هذا ؟
فقيل له : إنهن نساء بني عبد الأشهل يارسول الله يبكين حمزة بن عبد المطلب ويذكرنّ مأثره .
فخرج واستمع إليهن وقال
رحم الله الأنصار . رحم الله ابنائكم وخفف عليكن مصابكم وأخلف الله عليكن فيها خيراً .
ارجعن إلى بيوتكن مأجورات ثم دخل .
ولكن بقيت النساء يبكين حمزة رضي الله عنه..
وأمر النبي ﷺ أن يؤخروا صلاة المغرب إلى العشاء "جمع تأخير" حتى يداوون جراحهم لأن وقت المغرب ضيق .
قال ﷺ نصليه مع العشاء إن شاء الله .
ودخل وغلبته عيناه فنام .
كان متعب ﷺ ....
فما استيقظ ﷺ إلا وقد مضى من العشاء وقت طويل .
فلما استيقظ سمع صوت بكاء على باب المسجد .
قال ﷺ ماهذا ؟
سمع صوت بكاء على باب المسجد
قال ماهذا ؟
قالوا له : هذه نساء الأنصار يبكين حمزة بن عبد المطلب .
قال مستغرباً منذ الليل ؟
"أي من قبل المغرب إلى الآن"
منذ الليل ....
وكلنا نعرف كم يتعب البكاء الإنسان فخرج مسرعاً إليهن
وقال كفى .. كفى .. يا نساء بني عبد الأشهل . لقد أوجبتنّ ولقد واسيتنّ .
ألا إني أعزم عليكن وأنا محمد رسول الله ، أن لا تنوحنّ على ميت بعد اليوم .
"يعني بعد اليوم لا نواح في الإسلام"

ومن ذلك اليوم لم تبكي مؤمنة على ميت بندب ونواح ....
ولنا وقفة هنا لنربط الكلام ببعضه :
عندما مات ابن النبي ﷺ ابراهيم عليه السلام... ابن مارية القطبية
ولم ينجب من أزواجه غير خديجة رضي الله عنهن
وكان يشبه رسول الله ﷺ كأنه هو... فرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً لأن بعد هذا العمر رزقه الله ولد يحمل اسمه
ولكنه مات وعمره 17 شهر .
فحزن عليه كثيراً صلى ﷺ
وهنا حكمة الله تعالى
لم يكن ﷺ له ولد ذكر ....
الجميع يسأل ما الحكمة ؟؟
إرادة الله وحكمته فوق الجميع
ولحكمة من الله أن النبي ﷺ لم يعش له ولد
ليكون محمد ﷺ هو خاتم الأنبياء والمرسلين .
فلو بقي له ولد ذكر وكبر وأصبح شاباً لكان نبياً .
و الرسول ﷺ هو خاتم الأنبياء ولا ينبغي أن يكون نبي بعده...
ولو أنه لم يصبح نبي
لكان ذلك انتقاصاً لمقام النبي ﷺ عند ربه تعالى
فبرسول الله ﷺ ختمت النبوة .
فلما مات ابنه ابراهيم وكان يحمله النبي ﷺ بين يديه عندما فاضت روحه ...
أجهش النبي ﷺ بالبكاء فسُمع صوته ﷺ خارج البيت ...
فقيل : يارسول الله ألم تنهنا عن ذلك منذ يوم أحد ؟
قال ﷺ ما عن هذا نهيتكم .
إن العين لتدمع . وإن القلب ليحزن وإن على فراقك يا إبراهيم لمحزنون ، وإنا لا نقول إلا مايرضي الرب . إنا لله وإنا إليه راجعون
إنما نهيتكم أن يضرب الرجل وجهه أو يشق جيبه أو يقول في ذلك ما لا يرضي الله .

فالبكاء على الميت "مشروع"
هذا أمر من فطرة البشر .
والرسول ﷺ يقول البكاء من الرحمة ومن لا يَرحم لا يُرحم .
فالبكاء مشروع ....
والمنهي عنه : ضرب الوجه وشق الثياب ونطق كلمات لا ترضي الله تعالى...
يقول ﷺ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب .
ولكن يعذب بهذا أو يرحم . وأشار إلى لسانه ﷺ .
وقد بكى أيضاً ﷺ على ابن بنته عندما توفى .
فقال له سعد بن عبادة رضي الله عنه ما هذا يا رسول الله ؟
قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء .

و يجوز للمرأة ان تودع زوجها ولا حرج حتى بعد الغسل .
لا مانع شرعاً من أن تودع الزوجة زوجها الميت بتقبيله بعد غسله وتكفينه ....
وكذلك يجوز للزوج أن يودع زوجته الميتة...
تقول عائشة رضي الله عنها : لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي ﷺ غير نسائه

وقبل وفاته ﷺ .
تقول عائشة رضي الله عنها : رجع إلي رسول الله ﷺ من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي ... وأقول : وارأساه..
فقال : بل أنا وارأساه . ما ضرك لو متِّ قبلي وكفنتك ثم صليتُ عليكِ ودفنتكِ .
"الرسول ﷺ يخبر عائشة رضي الله عنها إذا أنتِ متي قبلي كفنتك ودفنتك"
وقد قام علي رضي الله عنه بغسل فاطمة بنت رسول الله ﷺ ....

كل هذه أحاديث صحيحة صريحة تدل على جواز تغسيل الرجل زوجته الميتة .
وكذلك تغسيل المرأة لزوجها الميت .
فإذا جاز للرجل أن يغسل زوجته المتوفاة .
وللزوجة أن تغسل زوجها المتوفى .
أليس من باب أولى توديع كل من الزوجين الآخر بعد وفاته .

خلاصة الكلام
بعض الناس إذا أصابتهم مصيبة يظل طوال حياته محصورا في تلك الدائرة لا يخرج منها .
ولا يريد أن يخرج منها
والرسول ﷺ يعلمنا أننا نحزن مثل كل البشر .
ولكن نحزن ليوم أو يومان أو أسبوع أو حتى شهر .
ولكن لا نظل في هذه الدائرة طوال حياتنا .
لابد أن نقلب الصفحة وننظر أمامنا ولا ننظر تحت أقدامنا .
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ...
نسأل الله تعالى حسن الخاتمة.

ثم صلى النبي ﷺ بأصحابه رضي الله عنهم المغرب والعشاء جمع تأخير .

لم يكن انتصار لقريش على المسلمين في غزوة أحد...
وذلك لأنهم :
١- لم تحقق قريش الهدف الأول من غزوة أحد وهو قتل النبي ﷺ .
٢- لم تقم قريش بأسر أي أحد من المسلمين .
٣- قام المسلمون بدفن شهدائهم في أحد بأنفسهم بينما لم تتمكن قريش من ذلك في "بدر"
٤- انسحبت قريش فوراً بعد انتهاء المعركة .
ولم تقم في أرض المعركة ثلاثة أيام كما هي عادة الجيوش المنتصرة في ذلك الوقت .
٥- تواعدت قريش بالرجوع لبدر . لأنها فشلت بتحقق أهدافها .
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....









[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والثلاثون بعد المائة 137
غزوة حمراء الأسد .
الجزء الأول .
مازلنا في أعقاب غزوة أحد ....
ومن آثار غزوة أحد في المدينة وبعد المصاب الذي أصيب به المسلمون .
انتشرت إشاعات في المدينة "اليهود" والمنافقين ....
أخذ اليهود يشككون في الدين ويقولون بأنه لو كان محمداً نبياً لما أصيب .
هذه شائعة المغضوب عليهم "اليهود"
وأخذوا يقولون لأهل المدينة من الأنصار : ألم نقل لكم ليس هذا النبي المنتظر ؟؟
لو كان هو : نحن نعرف وصفه في كتبنا وكنا آمنا به قبلكم ؟
لو كان نبي من عند الله لما هُزم
النبي يؤيده الله وماكان نصره في معركة بدر إلا حظ .
أما الرسل لا تهزم أبداً....
نحن أهل الكتاب نعرف عن الأنبياء أكثر منكم ....
طبعاً ضعاف النفوس تأثروا بهذا الكلام ....
وأخذ اليهود يشككون الناس من ضعاف النفوس في دينهم .....

ألم يقولوا عن الله عز وجل : "يد الله مغلولة" غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ...
أيسلم من ألسنتهم النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أيسلم من السنتهم المسلمون ؟
أيسلم من ألسنتهم المجاهدون؟


يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون .

أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ...

سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ...

وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ ..


فلما سمع النبي ﷺ شائعاتهم وقد وصلته عن طريق الصحابة رضي الله عنهم كان وقت الفجر ....
"غزوة أحد " كانت يوم السبت .
ورجع النبي ﷺ وصلى بأصحابه رضي الله عنهم المغرب والعشاء جمع تأخير .
وفي صلاة الفجر يوم الأحد اليوم التالي عزم النبي ﷺ للخروج ومطاردة قريش .
لأكثر من سبب :
وكان هذا القرار الصعب جدآ وهو خروج جيش المسلمين لمطاردة المشركين .
ولكن كان له أكثر من فائدة وله أكثر من الهدف .

١ - ليرد على كيد هؤلاء اليهود والمنافقين .

٢- ليرد اعتبار المؤمنين ويرفع معنوياتهم .
فلا شك أن خروجهم لقتال قريش بعدما أصيبوا في أحد سيرفع من روحهم المعنوية ويعيد لهم ثقتهم بأنفسهم .

٣- ليُشعر قريش بعدم الهزيمة وأن في المسلمين قوة خشية عودة قريش لغزو المدينة .
وقد وصله خبر أن قريش عند عودتها لمكة كانت تقول لقد أصبتم شوكتهم وقتلتم بعضهم .
ولكن بقي فيهم رؤوس يدبرون لكم ....
فلو ملتم على مدينتهم فاستأصلتموهم لكان خير لكم .
فكان "أبو سفيان" يريد أن يرجع للمدينة ...
وكان "صفوان بن أمية " ينهى عن ذلك ...
فقال ﷺ عندما سمع ذلك
قال: لقد أرشدهم صفوان وما كان برشيد .
"يعني هو ليس برشيد وعاقل ولكن أرشدهم بهذه المسألة"
لقد أرشدهم صفوان ، وماكان برشيد ، والذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة كأمس الذاهب .
"سومت لهم أي في السماء حجارة سجين التي أهلك الله بها جيش الفيل كانت مسومة"
أي كتب على كل حجر إسم الشخص الذي ستصيبه .
ولو رجعوا للمدينة لكان كأمس الذاهب أي لكانوا عبرة مثل أصحاب الفيل"

٤- هو إذا لم تكن قريش تريد مهاجمة المدينة فإن مجرد خروج المسلمين لمطاردة قريش سيعيد للمسلمين بعض الهيبة التي يعلم النبي ﷺ أن المسلمون سيعانون من فقدها بعد غزوة "أحد" وخصوصاً أن الدولة الإسلامية الوليدة في الجزيرة العربية محاطة بعشرات القبائل التي تضمر الكراهية والعداوة للمسلمين ....
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
حزاااكم الله خير
على المرور
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والثلاثون بعد المائة 138
غزوة حمراء الأسد .
الجزء الثاني .

عزم النبي ﷺ على لحاق جيش قريش وفي نفس الوقت كان ﷺ يعلم أن الصحابة رضي الله عنهم غير مستعدون للقتال .
لأن أغلب الصحابة رضي الله عنهم فيهم الجرحى وفيهم إصابات بليغة .
والروح المعنوية للجيش في أدنى حالاتها...

وفي فجر يوم الأحد اليوم التالي لمعركة أحد خرج الرسول ﷺ لصلاة الفجر ...
فلما انتهى ﷺ من صلاة الفجر .
أمر بلال رضي الله عنه أن ينادي :
إن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس .
فكان قرار النبي ﷺ ألا يخرج معه لمطاردة قريش إلا من شهد "أحد" فقط؟؟
أما هؤلاء ال 300 الذين انسحبوا من منتصف الطريق إلى "أحد" فلا يخرجون معهم
لأنه بعد "أحد" أصبح الصحابة رضي الله عنهم في المدينة يفرقون بين جماعة المؤمنين وبين المنافقين.....
وكان هذا من مكاسب "أحد"
لأنه بعد "بدر" ظهرت بقوة هذه الطائفة المدمرة للمجتمع وهي طائفة المنافقين وكانوا مختلطين بالمؤمنين .
فجاءت "أحد" وانسحب هؤلاء المنافقون .
فأصبح الصحابة رضي الله عنهم يفرقون بين المؤمن والمنافق
والرسول ﷺ لا يريد أن يكون معه غير المؤمنين .
لأن هؤلاء المنافقون يخذلون الجيش وتكون أضرارهم أكثر من منافعهم ....

وجاء رأس المنافقين "عبد الله بن أبي بن سلول"
وقال : أنا خارج معك يارسول الله .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا والله : لن يخرج معنا إلا من خرج معنا بالأمس .

أستجاب جميع الصحابة رضي الله عنهم لأمر الرسول ﷺ و لم يتخلف منهم أحد .
مع أنهم جميعاً تقريباً يعانون من الجروح والأصابات البليغة لم يأت صحابي واحد يعتذر للرسول في عدم الخروج رضي الله عنهم جميعا"
خرج "أسيد بن حضير" مثلاً :
وبه سبع جراحات ....رضي الله عنه.
ومن الصحابة رضي الله عنهم من خرج و به جراح أكثر...

وكان هناك أخوين : "عبد الله بن سهل، ورافع بن سهل" رضي الله عنهما
وكانت بهما جراح كثيرة وبليغة ولم يجدان خيل ولا بعير يركبانه .
فقالا : والله إن تركنا غزوة مع رسول الله لغبن: "أي خسارة كبيرة"
والله لا نستطيع الركوب ولا المشي ...
وقال رافع : لا والله ما بي مشي "أي لا أستطيع المشي؟؟ لكثرة الجراح"
فقال عبد الله : انطلق بنا نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم
نمشي فإذا عجزنا تحملني نوبة واحملك نوبة ....
فإذا عجزنا زحفنا ولا نتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فخرجا يمشيان بثقل ثم ضعف رافع ولم يستطع المشي
فحمله أخوه عبدالله : فضعف عبدالله فأخذا يزحفان .
فبقيا هكذا يمشيان فإذا تعبوا حمل كل واحد الآخر فإذا تعبوا كانا يزحفان .
فأمتدح الله تعالى هذا الموقف العظيم من الصحابة رضي الله عنهم.. فنزل قوله تعالى :
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ..

خرج الرسول ﷺ من بيته بملابس الحرب وهو مجروح في وجنته من أثر الحلقتين .
ومجروح أيضاً في جبهته وباطن شفته السفلى ومجروح في ركبتيه ومتألم من عاتقه الأيمن من أثر ضربة "ابن قمئة"
ثم دخل المسجد وصلى ركعتين وقد اجتمع الناس في المسجد
ثم دعا بفرسه فركبه وكان طلحة واقفا ينظر؟؟
فلما رآه النبي ﷺ قال له:
يا طلحة أين سلاحك ؟
قال : قريب يارسول الله .
ولكن انظر إليك كيف تركب الفرس وأنت بهذه الجراح .
قال : لا عليك .
يقول طلحة رضي الله عنه : ولا أنا أهم بجراح رسول الله مني بجراحي ...
"يعني أنا مهموم بجراح رسول الله أكثر من جراحي ورسول الله مازال خده ينزف من آثار الحلق التي دخلت في وجهه بالأمس"
فأنطلق طلحة ولبس سلاحه وكان طلحة قد جرح 39 جرح وشلت يده واغشي عليه في أحد "
ثم رجع طلحة رضي الله عنه
فقال له النبي ﷺ يا طلحة أين ترى قريش ؟
وكان طلحة خبير بالطرق؟؟
أين تتوقع وصلوا اي منطقة"
قال : هم بالسيالة يارسول الله . والله أعلم .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أظن . "أي هكذا توقعت"

خرج الرسول ﷺ وسار بجيشه حتى وصل إلى منطقة يطلق عليها "حمراء الأسد" على بعد حوالي 20 كم جنوب المدينة وعسكر بجيشه هناك
عندما وصلوا أمر النبي ﷺ أن يجمعوا الحطب بالنهار
ولما جاء الليل أمرهم أن يوقدوا النار بالليل ...
حتى إذا نظر أحد إلى معسكر المسلمين من مكان بعيد يعتقد أن عددهم كبير .
"وبالفعل انتشر ذكر معسكر المسلمين ونيرانهم وعددهم الكبير في كل مكان في الجزيرة"

عندما جاء الليل وصل إلى معسكر المسلمين في "حمراء الأسد" عبدالله ورافع .
تأخرا كثيراً لأنهما كانا لايستطيعان المشي ...
وكانا يزحفان عندما يتعبان .
فلما رآهما النبي ﷺ قال لهما آلآن جئتما ؟
قالا : نعم .
قال ما حبسكما عني ؟

فأخبراه بعلتهما وأن الطريق طويل وكيف كانا يزحفان حتى وصلوا ....
ولم يكن عندهم خيل يركباه؟؟؟
فدعا لهما الرسول ﷺ بخير
ثم التفت إلى أصحابه رضي الله عنهم ممن كان حوله
وقال : إن طالت بكم مدة "أي إن طالت بكم الأيام "
إن طالت بكم مدة كان لكم مراكب من خيل و بغال وابل وغير ذلك وليس بذلك بخير لكم .

ينبيء الصحابة رضي الله عنهم أن ليس ملك الدنيا والتطور خير لكم .
إن طالت بكم مدة كان لكم مراكب من خيل و بغال وابل وغير ذلك .
ماذا غير ذلك ؟؟
ﷺ لو قال لهم "سيارات ودراجات وقطارات وطيارات

ماذا سيستوعب الصحابة رضي الله عنهم من ذلك
قال تعالى :
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ...

فقال قائل : يا رسول الله مثل ماذا ؟؟
فقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله لكم ما لا تعلمون .
فماذا أقول لكم ؟؟
فانبأهم النبي ﷺ بمراكب عصرنا وكأنه ينظر إلينا...
أي من يخرج من المدينة ويركب سيارته يمشي مسافة 20 كيلو متر .
كم سيأخذ معه وقت ؟؟ دقائق معدودة .

قال سيكون لكم مراكب وما ذلك بخير لكم .
وها نحن نشهده صلى الله عليه وسلم :
سيارات وطيارات ودراجات وما هو بخير لنا...
لأن الايمان قد خلا من قلوبنا وشغلتنا الدنيا عن الآخرة لدرجة أننا على استعداد أن نغوص في وحل الربا من أجل أن نأخذ قرض ربوي لنشتري سيارة نركبها ...
أليس هذا الواقع ؟؟ وليس بذلك بخير لكم..
فمن هنا ليس بخير لنا...
فكم من متاع الدنيا أبعد الخلق عن الخالق...

نسأل الله تعالى أن نوفق إلى إغتنام الحياة الدنيا بكل عمل صالح يقربنا إلى الله تعالى
وأن نسخر ما رزقنا فيها من النعم
في طاعته ومحبته...
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...









[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المائة 139
غزوة حمراء الأسد .
الجزء الثالث والأخير .

عسكر النبي ﷺ وصحابته رضي الله عنهم وأرسل العيون تستطلع أخبار جيش "أبو سفيان"
فمر بهم رجل اسمه "معبد بن أبي معبد الخزاعي"
" أمه أم معبد" التي ذكرنا حديثها يوم الهجرة ومر بها النبي ﷺ وسألها الزاد صاحبة الخيمة
إبنها معبد هذا لم يسلم بعد ولكنه علم أن هذا صاحب قريش النبي المرسل ... فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليه وقال : يا محمد!!
لم يقل له يارسول الله لأنه لم يسلم بعد .
لم تكن العرب تعرف الكذب والنفاق إلا من مخالطة...
كان لا يُخلف موعده حتى لو ضربت عنقه لا يرضى الكذب مهما كان الثمن .
قال : يامحمد لأنه لم يسلم ولكن قلبه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يجامله ويقول يارسول الله وهو لم يسلم ....
قال : يا محمد لقد عز علينا والله ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله أعلى كعبك وأن المصيبة كانت بغيرك .
فوالله لا أدري ما أقول فهل من خدمة نؤديها لك ؟
فقال له رسول الله ﷺ إن رأيت قريش في طريقك فأخبرهم .
"يعني أخبرهم بخروجنا"
وبالفعل مضى "معبد" حتى وصل إلى جيش المشركين وكانوا في منطقة اسمها الروحاء ....
كانوا يبعدون عن النبي ﷺ 47 كم تقريباً..
لما وصل معبد كان أبوسفيان يقرر العودة لمهاجمة المدينة بالفعل ....
وكان صفوان يعارض رأيهم بالرجوع وكان صفوان أيضاً من زعماء قريش ...
ولكن كانت الأغلبية الساحقة ترى العودة لمهاجمة المدينة وبالفعل استعد الجيش للعودة .
ولكن قبل أن يتحرك الجيش وصل إليهم "معبد بن أبي معبد" وتعمد أن يخاطب أبو سفيان .
فأستقبله أبو سفيان ...
هكذا كانت العرب تتلقط الأخبار من الركبان لأنه مافي هو الإعلام
أراد أبو سفيان أن يعلم أخبار المدينة و ماهو موقف أهل المدينة .
"لأن أكثر الشهداء في أحد كانوا من الأنصار كما ذكرنا"
فقال أبو سفيان هذا معبد وعنده الخبر .
ما وراءك يا معبد ؟
قال : ورائي ما يسوؤك؟؟
قال : ويحك ماذا تعني ؟!!
"ولم يكن يعلم أبو سفيان أن معبد قلبه وروحه مع رسول الله"
فقال معبد : تركت محمداً وأصحابه قد خرجوا لطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا...
قد اجتمع معه من كان تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج وتعاهدوا على أن لا يرجعوا حتى يلقوكم فيثأروا منكم وغضبوا لقومهم غضباً شديداً .
وندموا على ما فعلوا فيهم من الحنق شيء لم أر مثله قط .
"الحنق الغيظ الشديد يعني مخنوقين من الغيظ مستلحمين عليكم"
طبعاً معبد هنا "هول وكبر له الموضوع"
قال أبو سفيان : ويلك ما تقول ؟
والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم‏...
قال معبد : لا تفعل أبا سفيان فإني ناصح .
ومما خلع قلبي عندما رأيتهم نظمت لهم شعراً .
"من المنظر الذي رأيت نظمت بهم شعراً أصف الحال التي هم بها"
قال ابو سفيان : أسمعني ماذا قلت ؟
"والعرب كان لسانهم ينطق الشعر فوراً ، ولا يحتاجوا لدراسة الشعر ونرجع لمعاني الكلمات...
فأنظروا إلى شعره :
فقال "معبد" ولقد أسلم فيما بعد نقول رضي الله عنه .
قال :
كادت تهد من الأصوات راحلتي
إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى بأسد كرام لا تنابلة
عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظُلت عدواً أظن الأرض مائلةً
لما سموا برئيس غير مخذول
فقلت ويل إبن حربٍ من لقائكمُ
إذا تغطمطت البطحاء بالجيل
إني نذير لأهل البسل ضاحية
لكل ذي إربة منهم ومعقولِ
من جيش أحمد لا وخش تنابلة
وليس يوصف ما أنذرت بالقيل


ففزع أبو سفيان وارتجف قلبه
وقال : ويلك أين هم الآن ؟؟
قال : والله ما أرى أن ترحل حتى ترى نواصي خيلهم قد أقبلت اهربوا بسرعة .

كان الشعر هو الوسيلة الإعلامية القوية بين العرب في ذلك الوقت.....
وبالفعل خارت عزائم قريش وقرروا العودة سريعًا إلى مكة
هربت قريش .....

وفي الطريق أراد أبو سفيان أن يخوف المسلمين كي لا يلحقوا بهم .
فمر به ركب من قبيلة "عبد القيس" يريد المدينة....
فقال‏ أبو سفيان : هل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبا إذا أتيتم إلى مكة ‏؟‏
قالوا‏ : نعم‏
قال‏ : فأبلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الكرة لنستأصله ونستأصل أصحابه رضي الله عنهم

فلما مر ركب "عبد القيس" بالنبي ﷺ أخبروه برسالة أبو سفيان أن جيش قريش في الطريق إليهم ليستأصلهم .
لكن هذا لم يؤثر في المسلمين بل زادهم إيماناً وثباتا وتوكلًا على الله تعالى...
فقال النبي ﷺ لما سمع ما قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .
فقال الصحابة رضي الله عنهم من خلفه حسبنا الله ونعم الوكيل

امتدح الله تعالى هذا الموقف الرائع الفريد من المسلمين .
حيث قال تعالى :
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .

انصرف أبو سفيان ومن معه خائفين .....
وظفر النبي ﷺ منهم برجل اسمه "عزة الشاعر"
اتذكرونه ؟
ذكرنا قصته لما وقع أسير في بدر وكان فقير .
قال : يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهداً أن لا أعود لمثل ما فعلت .
وأخذ عليه النبي ﷺ عهداً أن لا يقاتله ولا يكثر عليه جمعآ ولا يظاهر عليه أحدا .

فنقض العهد وخرج مع قريش في غزوة أحد وصار يستنفر الناس ويحرضهم على قتاله بأشعاره ....
هرب أبو سفيان مع قريش وتركوه نائم تحت شجرة
فأمسك به الصحابة رضي الله عنهم.... فلما جيء به للنبي ﷺ
قال : يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهداً أن لا أعود لمثل ما فعلت .
فقال ﷺ لا والله لا تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعت محمداً مرتين .
لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين .
فأمر النبي ﷺ بضرب عنقه..
بقي المسلمون في "حمراء الأسد" ثلاثة أيام
ثم عادوا إلى المدينة .
وقد حققت هذه الغزوة أهدافها التي أرادها النبي ﷺ :
١- تخويف قريش وتراجعها عن مهاجمة المدينة
٢- إعادة بعض الهيبة للدولة الإسلامية بعد أحد.
٣- رفع الروح المعنوية لجيش المسلمين بعد أحد

هذا هو رسول الله ﷺ النبي القائد وهؤلاء هم أصحابه رضي الله عنهم...
خرجوا في اليوم التالي مباشرة لمعركة أحد وهم مثخنين بالجراح ....
لنعرف كيف كانت تلك الشخصيات المؤمنة الصلبة
الذي تم تربيتها على يد النبي ﷺ في زمن قياسي .

تلك الشخصيات التي استطاع النبي ﷺ أن يغير بها وجه التاريخ ....
فكنا نحن وأنتم ثمرة هذه الشخصيات .
أوصلوا لنا مفتاح الجنة ومفتاح الفوز والنجاة فنطقنا :
لا إله إلا الله .. محمد رسول الله .
هذه هي السيرة التي غفلت عنها الأمة...
فمن عرف السيرة النبوية استقام قلبه وسمت روحه
فكانت عبادته لله على : بصيرة وفهم عن الله وعن رسوله ﷺ .
وكان أقرب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...






[سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الأربعون بعد المائة 140
تحريم الخمر .

بعد غزوة أحد وفي السنة الثالثة للهجرة نزل تحريم الخمر ....
لم يأتي تحريم الخمر فجأة بل كان بالتدريج ......
وكثير من التشريعات جاءت بالتدريج مثل الصلاة والصيام والزكاة والجهاد وأحكام الميراث وعقوبة الزنا وغير ذلك ....
فالتدرج في التشريع من أسس وركائز التشريع الإسلامي .
لأنه ليس من الممكن أن ينقلب المجتمع الجاهلي الفاسد إلى مجتمع صالح بين عشية وضحاها ....
وهكذا جاء تحريم الخمر متدرجاً في أربعة آيات من كتاب الله تعالى..

المرحلة الأولى :
أول ما نزل من الخمر هو قول الله تعالى في سورة النحل .
وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

يعني ثمرات النخيل "أي البلح" والأعناب "العنب"
تتخذون منه سكراً :
تخرجوه عن طبيعته فيصبح خمرا .
ورزقاً حسنا "لما تأكلوا مثل ما هو من غير أي تدخل هو رزق حسن .
وإذا تدخلت وغيرت طبيعته وجعلته مسكرآ فهو ليس رزقاً حسنا .

قال رِزْقاً وصفه بأنه حَسَناً فكان يجب أن نتنبه إلى أن الله تعالى يمهد لموقف الإسلام من الخمر ...
فهو لم يصف السكر" بأي وصف ، وجعل للرزق وصفا هو الحسن
وانتهت الآية بقوله تعالى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُون
يعنى لو عقلتم هذه الآية فقط لعلمتم أن الخمر أمر قبيح .
ولعلمتم أنه أمر لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه لكم .

المرحلة الثانية . :
نزل بعد ذلك قول الله تعالى في سورة البقرة .
يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا .
الخمر معناه الستر "أي توارى واختفى..

وقوله تعالى وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا .
فلذلك لما نزلت هذه الآية ترك بعض الصحابة رضي الله عنهم شرب الخمر .
وقالوا لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير .

المرحلة الثالثة . :
جاء أحد المسلمين وقد شرب الخمر قبل أن تحرم نهائيا وجاء ليصلي :
فقال "قُلْ ياأيها الكافرون * أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ : بدل لا أعبد
فنزل قوله تعالى تأديباً في سورة النساء :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ .

فقام بلال رضي الله عنه بعد نزول هذه الآية ينادي وقت الصلاة : ألا لا يقربن الصلاة سكران ....
وهكذا تضاءل جداً الوقت الذي يمكن أن تشرب فيه الخمر لأن الصلاة تستغرق أوقات اليوم كله .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يقول بعد هذه الآية .
اللهم أنزل علينا في الخمر بياناً شافياً .

المرحلة الرابعة : تحريم الخمر .
بعد غزوة أحد
نزل قوله تعالى في سورة المائدة .:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
فلما نزلت هذه الآية قال الصحابة رضي الله عنهم انتهينا انتهينا
وعندما نزلت هذه الآية كان البعض يشرب الخمر .....
فتوقف فورًا وكسر الآنية التي يشرب منها....
وألقى الصحابة رضي الله عنهم الخمور التي في منازلهم في الطرقات حتى أصبحت المدينة موحلة كأن مطرآ قد نزل عليها
هكذا كان نزول تحريم الخمر متدرجآ لأنهم كانوا واقعين بكثرة في شرب الخمر .

الرد على من يجادل في تحريم الخمر . :
البعض يجادل أنه لم ينزل تحريم الخمر في القرآن صراحة...
قال الله اجتنبوه لم يحرمها ؟
فقد قال تعالى .
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله .
هنا في هذه الاية واضح تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله
لقوله تعالى حرمت
لكن لما ذكر الله الخمر لم يذكر كلمة حرمت عليكم الخمر
قال تعالى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)

أين التحريم : قال اجتنبوه .
الإجتناب أشد من التحريم
مثلاً : لو أن الله تعالى قال لنا أن الأكل من الشجرة الفلانية حرام .
فيحرم عليك الأكل من ثمر هذه الشجرة .....
ولكن لو جلست تحتها تستظل بظلها من غير أن تأكل منها لا أحد يستطيع أن يتهمك أنك قمت بشيء محرم فأنت لم تأكل منها .
ولو أن الله عز وجل قال "اجتنبوا هذه الشجرة"
"أي لا يمكن لنا أن نستظل بظلها ولا نأكل منها ولا نقربها أبداً "
لذلك وضح لنا النبي ﷺ معنى الإجتناب في هذا الحديث الصحيح :
لعن الله الخمر وشاربها . وساقيها . وبائعها . ومبتاعها . وعاصرها . ومعتصرها . وحاملها والمحمولة إليه .
يعني إياكم أن تقتربوا منها
وفي رواية وآكل ثمنها .

ويقول ﷺ "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر"
ويقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما "لاتسلِّموا على شربةِ الخمر"

الرد على من يقول أن المخدرات ليست حراما .
البعض يقول أن الحشيش والمخدرات ليست حراماً لأنه لم يأت فيها نص ؟
قلنا الخمر معناه الستر "أي اختفى وتوارى"
وهؤلاء الذين قال عنهم النبي ﷺ لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها .
ولكي يغلق عليهم النبي ﷺ باب الجدال وأن لا حجة لكم عند الله بعد ذلك ...
قام بتعريف الخمر تعريفاً جامعاً يحرم جميع أنواع المسكرات طبيعية كانت أو صناعية قليلة كانت أم كثيرة :
فقال ﷺ كلٌّ مسكر خمرٌ . وكل مسكرِ حرامٌ .
وقال: مَا أَسْكَرَ كثيرهُ فقليله حرامٌ .

ولذلك أجمع العلماء على تحريم كل أنواع المخدرات...
بل قال البعض أنها أشد تحريمآ من الخمر .

حاولت الدول الغربية تجربة تحريم الخمر في مجتمعاتها ..
وقد قامت بجهود جبارة للحد من شرب الخمر ولكنها باءت جميعها بالفشل ...
غرامات وإعدام ودعايات ولكن كلها باءت بالفشل ....

الوازع الديني . : هو أكثر عامل يساعد على العلاج من الإدمان..
لقد خصصنا هذا الجزء عن نزول تحريم شرب الخمر بعد غزو أحد حتى نقارن بين :
١- تجربة الصحابة رضي الله عنهم الناجحة في الإقلاع عن شرب الخمر .
٢- وتجربة كل دول العالم الفاشلة في الحد من شرب الخمر .

وقد نجح الصحابة رضي الله عنهم بسبب الوازع الديني
ولذلك أقول أن الوازع الديني هو أكثر عامل يساعد على العلاج من الإدمان سواء إدمان خمر أو مخدرات ....

تعظيم الأمر و النهي يكون في الإمتثال
أعظم التعظيم الوقوف عند
أوامر الله تعالى ونواهيه
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...






[١: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والأربعون بعد المائة 141
سرية أبو سلمة .
وصعوبة موقف المسلمين بعد أحد .

من آثار اهتزاز هيبة المسلمين بعد أحد
وصل إلى النبي ﷺ بعد أحد بثلاثة أشهر فقط...
أخبار أن بعض العرب من قبيلة "بني أسدِ" تستعد للإغارة على المدينة .
فقد تركت أحُد آثار في نفوس العرب هزت صورة المسلمين العسكرية ....
فظنوا أن كل من يريد أن يغزو المدينة يمكن له أن ينال منهم .
فلما بلغ النبي ﷺ ذلك لم يمهلهم وإنما أرسل إليهم سرية قوامها 150 من الصحابة رضي الله عنهم
وجعل عليهم أميرا "أبو سلمة"
رضي الله عنه : ابن عمة رسول الله ، أمه "برة بنت عبد المطلب" و أخو النبي في الرضاعة .
فقد أرضعته وأرضعت النبي ﷺ ثويبة مولاة أبي لهب ولقد اعتقها أبو لهب حين بشرته بمولد النبي ﷺ .
فعقد له لواء وقال له النبي ﷺ
اغدو على بركة الله وأنزل خيلك قوم "أسدِ" فإنهما يجمعون للإغارة على المدينة .
وأخذ معه دليل يجنبه طريق القوافل كي يأخذ القوم على غرة...
فإن سياسة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في الحرب وغيرها "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"
وأوصلها النبي صلى الله عليه وسلم آخذاً بالأسباب
قال له : سر ليلاً وأكمن نهاراً تعم عنك الأخبار .
فسار على بركة الله حتى فاجأ القوم وهم مجتمعين عند ماء لهم .
ففروا منه فأخذ جميع ما يملكون من إبل وشاة وغنائم ورجع خلال سبع أيام للمدينة المنورة
عادوا إلى المدينة وسميت هذه السرية "سرية أبو سلمة"
رضي الله عنه.
من آثار اهتزاز هيبة المسلمين بعد أحد أيضاً
أن فارس مغامر اسمه "خالد بن سفيان الهذلي"
أراد أن يستغل اهتزاز هيبة المسلمين بعد أحد وأن يستغل حالة الكراهية الموجودة في الجزيرة العربية ضد المسلمين
وبدأ يدعو لغزو المدينة واتخذ لنفسه مقر في "وادي عرنة" وهو مكان قريب من مكة يبعد عن الحرم حوالي 20 كم تقريباً
وبدأ بالفعل يتجمع عنده المقاتلين من المرتزقة الذين طمعوا في نهب خيرات المدينة
وصلت هذه الأخبار إلى النبي ﷺ فقرر ألا يمهل هذا الرجل حتى يكثر جمعه وأن يرسل له من يقتله وكان ذلك أيضا في "محرم من السنة الثالثة"

واختار النبي ﷺ لهذه المهمة الصعبة شاب عمره 28 عام "عبد الله بن أنيس الجهني"
اختاره النبي ﷺ لهذه المهمة فكان النبي يختار أصحابه رضي الله عنهم لكل مهمة من يناسبها
فيختار للقيادة من يتمتع بسداد الرأي وحسن التصرف
ويختار للدعوة والتعليم من يتمتع بغزارة العلم والمهارة في اجتذاب الناس .
ويختار للوفادة على الملوك والأمراء من يتمتع بحسن المظهر وفصاحة اللسان .
وفي الأعمال الفدائية يختار من يجمع بين الشجاعة وقوة القلب والقدرة على التحكم في المشاعر .

ولذلك اختار ﷺ "عبد الله بن أنيس الجهني" رضي الله عنه للقيام بهذه المهمة الصعبة والخطيرة جداً "وهي مهمة قتل خالد بن سفيان الهذلي"
وهي أشبه بالعمليات الفدائية التي تقوم بها الآن قوات الصاعقة
لأن "خالد بن سفيان الهذلي" كان من أشد وأقوى وأشرس المقاتلين العرب ....
أرسل إليه النبي ﷺ فلما حضر "عبدالله" قال له النبي ﷺ بلغني أن "خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي : يجمع لي الناس ليغزو المدينة .
فائته فأقتله ...
فقال عبد الله بن أنيس رضي الله عنه
لبيك يا رسول الله ولكن انعته لي حتى أعرفه .
"أي أوصفه لي؟؟؟
فقال له النبي ﷺ إذا رأيته وجدت له قشعريرة!!!
"يعني يقشعر جسمك من شكله"
فانطلق "عبدالله بن أنيس" حتى وصل إلى "عرنة" فلما رآه وجد ما وصف له رسول الله صلى الله عليه وسلم...
فلما وصل "عبدالله بن أنيس" رضي الله عنه إلى خالد بن سفيان ... قال خالد من الرجل ؟
فقال له : رجل سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك في ذلك .
سمعت أنك تجمع الناس لقتال محمد وغزو مدينته فكنت مشاركآ معكم"
فقال له : أجل أنا في ذلك "
فمشى عبد الله معه قليلًا وهو يحدثه ثم رفع سيفه وقتله .
فلم يراه أحد وانطلق راجعآ إلى المدينة ....
وقيل تسلل ليلاً إلى خيمته وقتله

فلما دخل على النبي ﷺ استقبله النبي متهلل الوجه مشرقاً فرحاً
وقال ﷺ له أفلح الوجه يا عبدالله .

فقال عبدالله : أجل قتلته يارسول الله .
فقام النبي ﷺ ودخل حجرته واحضر عصا وأعطاه أياها ؟
وقال له أمسك هذه عندك يا عبدالله .
"لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه العصا أخذها وخرج"
فخرج ومعه العصا !!
قال له الصحابة رضي الله عنهم يا عبد الله ما هذه العصا ؟؟
قال : أعطانيها رسول الله وأمرني أن احتفظ بها
قالوا : أولا ترجع للنبي ﷺ وتسأله عنها .
فرجع إلى النبي ﷺ
قال : يا رسول الله لمَِ أعطيتني هذه العصا ؟
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا عبدالله إنها آية بيني وبينك يوم القيامة .
"الناس يوم القيامة قد ماجوا وهاجوا وفزعوا وفر الإبن من أمه وأبيه وزوجته وأولاده وإخوته .

ترفع هذه العصا وأنا سأعرفك من هذه العصا و أتولى أمرك "

وبقيت هذه العصا مع عبدالله بن أنيس رضي الله عنه حتى ضمت معه في كفنه ودفنت معه .
وسيبعث من قبره وهو يحملها رضي الله عنه وأرضاه .
سرية أبو سلمة ومهمة عبدالله رضي الله عنهم بعد معركة أحد .
تدل على مدى يقظة النبي ﷺ في المدينة وأصحابه رضي الله عنهم
وتدل على حزم وحسم الرسول ﷺ في التعامل مع الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها المدينة .

ولذلك ربما من يقرأ السيرة تكون هذه هي أول مرة يسمع عن سرية "أبو سلمة" أو حادثة قتل خالد بن سفيان"
لأن النبي ﷺ تعامل مع المشكلة في بدايتها وأنهاها .

ولو كان ﷺ قد انتظر في المدينة حتى يحدث هجوم عليها لكانت مشكلة كبيرة .

و انظروا إلى تربية النبي ﷺ لصحابته الكرام رضي الله عنهم
أن يكون ثوابهم يوم القيامة
لا أن تكون لهم جوائز دنيوية زائلة فحسب بل كان صلى الله عليه وسلم يعلق قلوبهم و أرواحهم بالآخرة والعمل لها.

والأخرة خير وأبقى
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى....















[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية و الأربعون بعد المائة 142
حادثة شهداء الرَّجيع ...
قد علمت العرب أن محمد ﷺ كلما اجتمعوا لمحاربته باغتهم في أرضهم ودفن تلك الفكرة في أرضها لإنه يحكم المدينة تحت شعار :
ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذَلّوا .
وهو لا يقبل الذل ﷺ فكلما سمع بتحركهم باغتهم وقاتلهم في ديارهم قبل أن يقدموا للمدينة .

فلجأوا إلى سياسة أخرى وهي الخدعة !!
أن يتظاهروا أنهم مسلمون فيطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم رجال يعلموهم القرآن الكريم والإسلام .
و سعى نفر من مكة إلى رجال من قبيلتي "عضل والقارة"
هم بالأصل من قبيلة واحدة "هذيل"
قالوا لهم : نعطيكم مبلغ من المال في مقابل أن تذهبوا لمحمد في يثرب وتتظاهروا أنكم مسلمون وتطلبون أن يرسل معكم من يفقهكم في الدين .
ثم تحضروا هؤلاء الرجال من أصحاب محمد وتسلموهم لنا .

لماذا اختارت قريش قبيلتي "عضل والقارة" لهذه المهمة ؟
لأنهما من القبائل المتحالفة مع المسلمين وبذلك لن يشك النبي ﷺ في أنهما يضمران له الغدر .

اتفقوا مع قريش !!!
وانطلق رجال من قبيلتي "عضل والقارة" إلى المدينة المنورة
فلما وصلوا دخلوا على رسول ﷺ وتظاهروا أنهم مسلمون .
قالوا : يا رسول الله .
إن فينا إسلاماً "أي انتشر الإسلام في قومنا"
فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن الكريم .... ويعلمونا شرائع الإسلام .
"النبي ﷺ لا يعلم الغيب المطلق .
فإذا أطلعه الله تعالى على شيء من أمور الغيب .
أصبح بالنسبة له علم وبالنسبة للآخرين غيب .
فعلم الغيب المطلق "لله عزوجل وحده"
وإذا لم يُطلع الله نبيه على شيء ، فهو بشر لا يعلم الغيب"

ولقد علمنا النبي ﷺ أن نأخذ الأمور بالظواهر ونترك سرائر الناس لله عزوجل .
فقبل منهم ظاهر قولهم "أي بأنهم مسلمون" ولم يُطلعه الله تعالى على خديعتهم .
فأستجاب لهم النبي ﷺ وأرسل معهم عشرة من أصحابه رضي الله عنهم
"بعض كتب السيرة تقول كان عددهم سبعة "
وجعل عليهم أميرا "عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح" رضي الله عنهم.
في الطريق وعندما أصبحوا قريباً من بئر يقال له
"الرجيع" قريب من قريتهم "هذيل" خرج إليهم قريب من 200 مقاتل من هذيل
وكان منهم 100 رامي .
لأنهم علموا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الواحد منهم يقتل أكثر من عشرة .
هكذا وصفهم الله تعالى :
إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ...
علموا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تغلبهم الكثرة .
فلذلك كثروا الكثرة أكثر 200 مقابل 10 فقط .

فأخذ الصحابة رضي الله عنهم سيوفهم وأخذوا يقاتلوهم حتى أحاطوا بهم في تل مرتفع .
وعلم القوم إن هم قاتلوهم سيقتلون منهم مئة قبل أن يُقتلوا فهم لا يهابون الموت ابداً .

حاولوا أن يغروهم بالإستسلام ووعدوهم بعدم قتلهم .
قالوا لهم : نحن نعطيكم عهداً وذمة لا نقتلكم ولا نكسب بقتلكم شيء وإنما نريد أن نبيعكم لقريش عبيداً ونكسب المال والثمن .
ولكن قائد السرية "عاصم بن ثابت" رفض أن ينزل في ذمة كافر...
وقال : إني نذرت ألا أقبل جوار مشركٍ أبداً .
لا والله لا أنزل في ذمة مشرك أبداً ولا تمس يدي يد مشرك .
وأخذ هو وأصحابه يرمونهم بالسهام .
وأخذ المعتدين من "هذيل" يرمونهم بالسهام ويرمونهم بالحجارة .
و بدأ يسقط من المسلمين قتلى وسقط بعض القتلى أيضآ من الجانب الآخر .
فنيت سهام المسلمين فأخذوا يقاتلونهم برماحهم وسيوفهم حتى تكسرت رماح المسلمين .
هنا كسر "عاصم بن ثابت" غمد سيفه "أي كناية على أنه سيقاتل حتى الموت"

"عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح" رضي الله عنه هذا الصحابي شهد معركة "بدر و أحد"
يوم أحد كان همه أن يصيب حملة اللواء في قريش وكانوا من "آل أبي طلحة"
فقد تعاقب على اللواء أخوين أمهم اسمها "سلافة"
وكانت سلافة هذه مع نساء قريش يوم معركة أحد جالسة قريبة من حملة اللواء .
وكانت تنظر إلى أبناءها الذين يحملون اللواء .
فلما حمل اللواء ابنها و اسمه : "مسافع" ضربه "عاصم بن ثابت" بسهم وقال له خذها وأنا ابن أبي الأقلح .
فكان السهم الذي أصابه ليس قاتلاً فوراً ولكنها كانت إصابة بليغة .
فأعطى اللواء لأخيه وذهب يجري لأمه و وضع رأسه في حِجرها .
قال لها : السهم يا أماه .
فأنتزعت السهم وهي تقول من أصابك يا ولدي ؟
قال : سمعت الرامي يقول "خذها وأنا أبن أبي الأقلح"
فما أن رفعت السهم خرجت روح ابنها .
حتى جاءها ابنها الثاني و قد أصابه سهماً يقول كما قال أخوه
قالت : من أصابك ؟
قال : ابن أبي الأقلح .
فقتل لها ولدين .
فلما رجعت من معركة أحد نذرت وعممت خبرها .
"من يمكّني من رأس عاصم لأشربن به القحف ولأعطينَّ حامله مئة من الأبل .
نذرت 100 ناقة مكافأة لمن يأتيها برأس عاصم وأنها إن قدرت على رأسه لتجعلنه وعاء لشرب الخمر .

الصحابي عاصم رضي الله عنه من خيار الصحابة رضي الله عنهم
عندما أسلم و وضع يده بيد النبي ﷺ .
قال : أعاهد الله وأعاهدك يا رسول الله بعد أن مسّت يدي يدك بالبيعة .
لن تمس يدي يدا مشركٍ أبداً ولا أسمح لمشركٍ أن يمسني أبداً .
و وفى بهذا العهد فهو الآن أمير هذا الركب .

فقال عاصم أميرهم : لا والله لا أنزل في ذمة مشرك أبداً ولا تمس يدي يد مشرك .
فما زال يقاتلهم حتى رأى أنهم قاتلوه .
فرفع طرفه للسماء وقال :
اللهم أبلغ نبيك عنا السلام .
وأبلغه ما نزل بنا من الذين غدروا .
اللهم إني قد وفيت لك بعهدي ما دمت حياً .
اللهم وفّي لي بعهدي معك بعد موتي .
اللهم إني حميت دينك أول نهاري فاحم لي لحمي آخره .

"لكي لا يمس جسده أحد لأنه يعلم بالنذر وقد شاعة الأخبار بأن سلافة تريد أن تشرب الخمر في قحف رأسه.
وقد خصصت مكافأة لذلك.
وأخذ يقاتل حتى قتل وقتل معه الصحابة رضي الله عنهم ولم يبق إلا ثلاثة فقط :
خبيب بن الدثنة . زيد بن الدثنة . عبدالله بن طارق .
رضي الله عنهم أجمعين .

فأخذوا يتفاوضوا مع هؤلاء الثلاثة على الإستسلام
ووعدوهم بعدم قتلهم .
فوافقوا على ذلك .
ولكنهم بمجرد أن استسلموا إليهم ربطوهم بأوتار قسيهم .
"يعني فكوا حبال الأقواس وربطوهم بها"
فقال عبد الله بن طارق :
هذا أول الغدر . مادام اتفقنا وسلمنا انفسنا ليش تربطونا .
ورفض أن يسير معهم وأخذ يقاومهم وهم يجرجروه .
فلما أجهدهم قتلوه .

ولم يبقى إلا اثنين "خبيب ، وزيد"
وقبل أن ننتقل من هذه المعركة المصغرة بحجمها والعظيمة في معانيها ....
انظروا ماذا جرى فيها .
القوم قتلوا "عاصم" ويريدون أن يرجعوا لقريش وكان همهم أن يأخذوا رأس "عاصم" فإن فيه 100 ناقة نظراً لنذر سلافة .
فحاولوا أن يقطعوا رأس "عاصم بن ثابت"
وعاصم بن ثابت قد طلب من الله أني قد وفيت فوفي لي يارب كما وفيت .
والنبي ﷺ يقول إن تصدق الله يصدقك .
فانظروا إلى عظمة الله جل في علاه .
فأنزل الله من جنوده :
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
فأنزل الله مظلة من "الدبر" على عاصم رضي الله عنه .
"والدبر هي ذكور النحل وتسمى الزنابير بلغتنااليوم الدبور"
فأخذت تحوم على جثته فما دنى أحد منه إلا لدغته لدغة مؤلمة .
فقالوا : دعوه إلى الليل .
فاذا جاء الليل ذهب عنه الدبر .
لأن الدبابير تبيت إذا أقبل الليل.
فلما جاء الليل بعث الله تعالى غمامة حلقت فوقهم بالمنطقة وصبت ماءً غزيراً منهمراً حتى سالت سيلًا كبيرا فحمل جسده فلم يتمكنوا من الرأس ولا الجثة .
"رجل صدق مع الله : فقلب الموسم شتاء"
"إن تصدق الله يصدقك"
لم يكن في السماء سحابة واحدة ولم يعرف قبره رضي الله عنه حتى الآن .
هذا ما يقال عنه "
كرامات الله لعباده الصالحين

بقي معهم أسيرين فقط
1- خبيب رضي الله عنه .
2- زيد رضي الله عنه .
ومضوا بالأسيرين وانطلقوا بهما إلى قريش وباعوا "خبيب" إلى بنو الحارث بن عامر .
لأن خبيب هو الذي قتل أبوهم الحارث بن عامر في بدر .

وباعوا "زيد بن الدثنة" إلى صفوان بن أمية ليقتله انتقاما لمقتل أبيه "أمية بن خلف" في بدر كذلك..

وقصتنا الآن مع "خبيب رضي الله عنه
أخذ بنو الحارث "خبيب" وحبسوه عندهم حتى تنقضي الأشهر الحرم .
قالوا : إذا انقضت الأشهر الحرام أخرجناه خارج الحرم إلى التنعيم وقتلناه هناك خارج الحرم .
فأخذوا ينتظرون انتهاء الشهر الحرام ليقتلوهما بطريقة تتفنن بها قريش لتشفي غليلها من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

جلس "خبيب بالأسر" و وضعوا بيده القيد واغلقوا عليه باباً .
وكان في البيت بنات الحارث يعيشون فيه ومتزوجات .
فأمروا بنات الحارث أن يرقبنه ويطعمنه ويسقينه حتى يبقى على قيد الحياة .
راوي الحديث عن هذه الوصلة من حياته .
بنت الحارث واسمها "زينب" عندها جارية اسمها "ماوية"
كانت ماوية تحضر الطعام لخبيب وتراقبه وتنظف حجرته حتى ينتهي الشهر الحرام .
وزينب بنت الحارث هي "السيدة المسؤولة" عن حماية خبيب .

جاءت ماوية : يوماً وقبل أن تدخل خوفاً أن يكون فك القيد فنظرت من شق الباب فوجدت "خبيب" وفي يديه الحديد يحمل قطف عنب كأنه رأس رجل .
تقول : لقد رأيته يأكل من قطف عنب كأنه رأس رجل وما بمكة يومئذ ثمرة .
وإنه لموثق في الحديد .
ففتحت الباب لتنظر هل خانها بصرها ؟
قالت متعجبة : ما هذا يا خبيب ؟
قال : عنب كما ترين دونكِ فأكلِ "تفضلي كلي منه"
فأخذته وتذوقته: فإذا هو عنب .
فرجعت تجري إلى مولاتها "أي سيدتها زينب بنت الحارث"
قالت : يا سيدتي ماهذا الأسير الذي عندنا ؟ قالت ماذا ؟
قالت : أتعلمين في أرض الله عنباً في هذا اليوم "يعني في هذا الموسم في عنب"
قالت : لا .
قالت : تعالي معي فأنظري إن هذا الأسير يأكل عنباً من أشهى ما يُأكل .
فهرعت إليه "زينب" لترى .
فرآته يأكل العنب وبين يديه قطف كبير من العنب .
قالت : ما هذا يا خبيب ، من أتاك به ؟
قال : تسألين من أتاني به ؟
وهل في أرض الله عنب في هذه الأيام ؟
قالت : لا
قال : إذن هو من عند الله .
أما علمتِ يا زينب بقصة أم عيسى عليه السلام السيدة مريم بنت عمران .
أما سمعتِ خبرها إذ كفلها زكريا .
وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ...

أنَّى لك هذا ؟ سؤال تعجب .

قال خبيب رضي الله عنه :
لزينب "قصة مريم" عليها السلام
قالت له : لم أعلم بذلك
قال خبيب رضي الله عنه ولكن الله أعلمنا..
قالت : أتطعمني من هذا العنب .
قال : دونكِ فأكلِ "ظنته سحر خدعة بصرية"
فأكلت منه حتى رضيت
فقالت : يا خبيب أنت رجل مبارك .
ولكنكَ أسيرُنا فلا أستطيع أن أفك قيدك .
وأنا امرأة فهل من خدمة نسديها لك في أي وقت ؟
قال : نعم إذا انتهى الشهر الحرام وعلمتِ أنهم قاتلي غداً أريد حديدةً أستعد بها للقاء ربي .
قالت : كيف ؟؟
قال : اريد حديدةً موس أزيل بها شعر ابطي وشعر وسطي
"يعني ما نعرفه اليوم شفرة أي ليحلق شعر العانة والإبط لكي يلقى الله وهو نظيف"
قال : وأريد ماء اغتسل به .
قالت : لك هذا !!

انظر كيف يعظم الصحابة سنة الرسول ﷺ .
خبيب رضي الله عنه يعلم أنه سيقتل وهو حريص على سنة الإستحداد.

مضت الأيام وانصرم شهر محرم
فعلمت زينب أنهم قاتلوه غداً وسيخرجوه للتنعيم .
فوفت بوعدها فأحضرت الموس والماء وأرسلت بالموس مع طفل لها صغير .
وقالت : أعطه للأسير وقل له أن أمي ستأتيك بالماء .
"لأن الصغير لا يستطيع أن يحمل الماء ولكي تتركه على راحته يستحد ويحلق الشعر .
فلما أرسلت الصبي بالموسي
تقول : فطنت .
فقلت : ويلاه ماذا صنعت ؟
أرسلت الصبي بالموس ليقتلنه الآن ويأخذ بثأره فوراً .
ففزعت وأخذت تجري إليه مسرعة حتى تُرجع الصبي .
ولكن الصبي جرى وكان قد سبقها ... فوصلت فنظر إليها "خبيب" رضي الله عنه
فوجدها مرتاعةً .
تقول : فنظرت إليه فوجدته قد أجلس الصبي على فخذه يطعمه بيده ما بقي عنده من عنب .
فلما رآها خبيب فزعة قال لها : يا زينت أتخوفتي على الصبي أن أقتله ؟
قالت : أجل .
قال : ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى أبداً..
فإن ديني قد هذب خُلقي .
فلا يجوز قتل الصبي بغير ذنب فهو لم يقاتلني يوماً .
ولقد طلبت منك الموس فلا يجوز لي أن اغدر .
فلا أستعمل الموس إلا لإزالة الشعر .
فذهلت منه وتعجبت من فعله أكثر وأكثر .
ودخل الإيمان لقلبها ....
وقالت : أهكذا هو دينكم يا خبيب ؟
قال : أجل .
وإلا ما الفرق بيني وبين أي رجل من قريش فإني عربي قرشي كما تعلمين .
فلماذا لا أقتل ولا آخذ بالثأر هكذا علمنا ديننا يا زينب .
فأخذت الصبي وتركته يستحد ويستحم .

واستأذنت من أهلها أن تكون ممن يشهد مصرعه ومصرع "زيد بن دثنة"
فخرجت مع نسوة وساروا خلف الرجال إلى التنعيم
قالت : وقد سبقنا قبل يوم إلى ذلك الموقع بعض الرجال والعبيد .
وقد أمرهم أبو سفيان أن يجعلوا له خشبة .
"حفروا في الأرض ووضعوا خشبة ليصلبوه عليها ويتفننوا في قتله"
فلما اجتمعوا و أوثقوه بالخشبة اقترب منه أبو سفيان
وقال : أنشدك الله يا خبيب أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟
فقال له خبيب : لا والذي بعثه بالحق ما أحب ولا أرضى .
ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالساً في أهلي سالماً معافا .
فقال خبيب رضي الله عنه : لأبي سفيان
قال : دعوني أصلي ركعتين .
فظنوا أنه جزع من الموت يريد أن يؤخر عمره قليلاً .
ثم صلى بكل خشوع .
وعندما انتهى التفت إليهم من صلاته... وقال لهم : والله لولا أن تظنوا بي جزع من الموت لطولت في الصلاة أكثر ولكن هيَّ .
فكان أول من سن صلاة ركعتين عند القتل خبيب رضي الله عنه.

ثم أوثقوه ورفعوه على خشبة
واقترب منه أبو سفيان
وقال له : يا خبيب ارجع عن الإسلام وأنا أطلق سراحك
قال : لا والله لو كانت لي مئة نفس وأزهقتموها نفساً نفساً ما رجعت عن ديني أبداً .
فأحضروا 40 غلام من غلمان قريش في سن التمييز .
"يعني أعمارهم 7 و 8 سنين وأعطوا كل واحد منهم رمحاً صغيراً
ويقولوا لكل غلام من الأربعين هذا "خبيب" قتل أبوك يوم بدر يا غلام هذا قاتل أبوك فأقتله
حتى يتفننوا في قتله وأطلقوا الصبية عليه يطعنونه بهذه الرماح الصغيرة .
فلما رأى خبيب أنه الموت لا محالة بهذه الطريقة وأرادوا أن يقهرونه في دينه فلم يجعلوا وجهه للكعبة و ووجهوه إلى المدينة أي عكس الكعبة للشمال .
فرفع خبيب رضي الله عنه طرف عينه للسماء .
وقال : اللهم إني لا أرى إلا وجه مشرك وعدو
اللهم أقرء نبيك عني السلام وأعلمه ما تصنع بنا قريش اليوم .
ثم قال : اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحدا .

راوي هذا الحديث هو الذي أصبح أمير للمؤمنين بعد ذلك "معاوية بن أبي سفيان" وكان عمره 22 عام .
هو الذي يروي لنا مقتل خبيب رضي الله عنه
وزينب أسلمت وماوية أسلمت أيضاً.
يقول معاوية : كنت واقفاً مع والدي أبا سفيان فلما دعا "خبيب" رضي الله عنه هذا الدعاء ألقاني أبو سفيان على الأرض واضطجع .
"جلس واجلس إبنه على الأرض بسرعة"
"لأن العرب كانت تعتقد أن الرجل اذا دُعي عليه في وجهه واضطجع لجنبه لم تصبه هذه الدعوة"

قلت : لماذا يا أبي فعلت هذا ؟
قال : كي لا تصيبنا دعوة خبيب .

يقسم معاوية رضي الله عنه ويقول لقد رأيت من رأى مصرعه إلا من أسلم منهم .

فوالله قتلوا جميعاً بددا يعني متفرقين أي ليس عند أهلهم ولا في معركة قتلوا متفرقين جميعا"

لنترك خبيب رضي الله عنه الآن مع الخشبة والصبية والرماح ، وننتقل مباشرة في نفس هذه اللحظة إلى المدينة المنورة إلى مسجد الحبيب المصطفى ﷺ .

يقول الصحابة رضي الله عنهم في هذه اللحظة كان يحدثنا النبي ﷺ بما فعلت قريش بأصحابه رضي الله عنهم ويقول قد لقوا أصحابكم ما لقوا من قريش .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فسكت ﷺ
وأغفى اغفاءة كالتي تأتيه عند نزول الوحي .
ثم سمعناه يقول : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا "خبيب"
قال الصحابة رضي الله عنهم فدهشنا
ففتح عينيه ونظر إلينا
وقال : إن أخاكم خبيب تقتله قريش الآن .
وقد طلب من الله تعالى أن يقرأني عنه السلام .
فهذا جبريل يقرئني سلام خبيب رضي الله عنه.
ثم قام النبي ﷺ وقد دمعت عيناه ودخل لحجرته والدموع على خده .
نرجع لقريش فلقد نفذت خطتها بأن جعلت الصبية يتمرنون على طعنه .
يقول من أسلم فيما بعد و شهد مصرعه منهم ...
تقول زينب و ماوية : فلا ندري إذ انفتلت خشبته حين همت روحه أن تصعد فأستدار وجهه إلى البيت الحرام .
"خشبة مزروعة في الأرض ما الذي يفتلها ؟؟
فسمعنه يقول : الحمد لله الذي وجهني إلى قبلة يرضاها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .

وكان ممن حضر "سعيد بن عامر" وقد أسلم بعد ذلك واستعمله "عمر بن الخطاب" على الشام .
فكان يغشى عليه أحيانا وهو جالس بين الناس "يغمى عليه فجأة"
فشكاه الناس ذلك لعمر !!
قالوا له : يا أمير المؤمنين : إن الرجل مصاب .
فلما قدم على "عمر" قال له : يا سعيد ما هذا الذي يصيبك ؟
فقال سعيد بن عامر والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس .
ولكني كنت فيمن حضر "خبيب بن عدي" حين قتل وسمعت دعوته .
فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي على.
رضي الله عنه

وأما "زيد بن الدثنة" رضي الله عنه قتل أيضآ
وقبل مقتله سأله أبو سفيان كذلك قبل موته .
أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟
فقال زيد كما قال أخيه ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي .
فقال أبو سفيان وهو يضرب كفًا بكف
"ما رأيت ولا علمت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمدا"

فلما فرغ النبي ﷺ من الخبر كفكف دموعه ورجع إلى أصحابه رضي الله عنهم.
وقال ﷺ إن القوم عزموا على ترك صاحبكم خبيب على خشبته تضربه الرياح والرمال والشمس .

انطلق يا زبير أنت والمقداد .
فتسللا حتى تدخلا التنعيم ليلاً وأنزلا صاحبكما من خشبته .
"حتى ينطلق الرجل من المدينة لمكة تحتاح خمسة أيام تقريباً
فبقي خبيب على خشبته أيام تضربه الشمس والرياح والرمال وعنده رجال يحرسونه .
تأتي قريش نهاراً تتمتع وتستلذ بالنظر إليه .
ثم يتركونه ليلاً مع عشرة من رجالهم يحرسونه .

راوي الحديث الزبير رضي الله عنه :
يقول : فوصلت أنا والمقداد فوجدناه يحرسه عشرة من الرجال .
فغافلناهم حتى دنوت من الخشبة ففككت وثاقه ولم أستطع أن أحمله .
فإنه كان غضاً طرياً طيب الريح كأنه حي على خشبته .
الزبير رضي الله عنه يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رجع
قال : فأنفلت من يدي فوقع على الأرض فكانت له هدة "أي صوت"
فانتبه القوم فأستترت خشية أن يعلموا بنا ، ولكي أعود وآخذه .
فلما انتبه القوم وأحاطوا بالمكان أخذت أنظر فلم أرى جثة خبيب يا رسول الله .
وأخذوا يبحثون يقولون سقط عن الخشبة فأين ذهب ؟
فأبتلعت الأرض خبيب رضي الله عنه.
فقال النبي ﷺ للزبير .
صدقت فلقد أخبرني بذلك جبريل فقد ابتلعته الأرض .
فسمي خبيب .. بليع الأرض .

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

هكذا فليكن الإيمان في قلوب الرجال....
لنا بهم أسوة حسنة بعد رسول الله ﷺ .
رضي الله عن الصحابة أجمعين.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى...
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والخمسون بعد المائة 153
غزوة الأحزاب..... المقدمة .

"غزوة الأحزاب "و تسمى "غزوة الخندق"
فيها الكثير من العبر والدروس....

ذكرنا من قبل أن الرسول ﷺ قام بطرد اليهود "بني النضير" من المدينة بعد محاولتهم قتل النبي ﷺ بعد أن أشار إليهم كبيرهم "حيي بن أخطب" أن يلقوا عليه صخرة كبيرة من على سطح دارهم ....
اتجه اليهود "بني النضير" بعد طردهم إلى الشام...
وذهب البعض الآخر ورؤسائهم مثل "حيي بن أخطب" وغيره إلى "خيبر"
تبعد عن المدينة 180 كم تقريباً
وأصبحت "خيبر" بعد انتقال "بني النضير" إليهم هي أكبر تجمع لليهود في الجزيرة ......

ظل اليهود في "خيبر" يراقبون الصراع بين المسلمين في المدينة من جهة وقريش وغيرهم من المشركين من جهة أخرى ...

وكانت قلوبهم تمتلئ غيظاً وحقداً على النبي ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم وهم يتمنون أن ينتهي الصراع لصالح الكفار ....
وأن يتم القضاء على الإسلام وعلى النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم...
ولكن اليهود وجدوا أن المسلمون بعد معركة "أحد" وتوابعها
وهو "الرجيع و بئر معونة" أصبحوا يحققون انتصارآ كل يوم ... ويكتسبون أرضاً جديدة وتزداد أعدادهم خاصة بعد دخول "بني المصطلق" جميعاً في الإسلام .
وفشل قريش في "بدر الآخرة" وانسحابها وخوفها من مواجهة المسلمون مرة أخرى .

فقالوا : أي اليهود الى متى نقف مكتوفي الأيدي ؟؟
يجب أن نتحرك ...
فقرروا بخبثهم المعروفين به أن يجمعوا كل القبائل العربية في جيش ضخم يتوجه إلى المدينة ويوجه ضربة للمسلمين تكون ضربة قاضية وقاتلة لا حياة بعدها‏ ....
فخرجوا من خيبر وكان عددهم 21 رجلاً من سادات اليهود "خيبر"
وسادات "بني النضير" إلى قريش وعلى رأسهم "حيي بن أخطب" أشد الناس عداوة لرسول الله ﷺ .

استغل هذه الفرصة وهو إسلام "بني المصطلق" وغيظ قريش من ذلك....
وصلوا مكة وجلسوا مع "سادة قريش" وأخذوا يحرضونهم على غزو المدينة ووعدوهم بأن يكون معهم كل العرب ....
وأخذوا يذكرون قريش في قتلى بدر وأنهم لم يحققوا نصراً في معركة "أحد "
ويقولون لهم : ليتكم قتلتم محمداً وأصحابه يوم أحد .
وأخذ "حيي بن أخطب" ينفث فيهم سمومه للثأر من جديد
وذكر لهم "بني المصطلق"
دخلوا في دينه جميعاً وها أنتم ترون
إما يغزو فينتصر ... وإما الناس تدخل في دينه لحسن معاملته فيصبحون من أصحابه ...
ماذا تنظرون ؟؟
يجيش جيشاً فيأخذ مكة منكم

قالوا : له ماذا ترى يا حيي ؟
قال : أرى أن نكون نحن وأنتم يداً واحدة عليه فنحزب الأحزاب ونباغته في مدينته ....
فقال له أبو سفيان : يا حيي أنتم أهل الكتاب الأول.... وأنتم على دين سماوي كما يزعم محمد
قال : نعم
قال : اناشدك الله الذي تعبد والكتاب المقدس الذي تقرأ .
أديننا خيرٌ أم دينُ محمد ؟؟
أبو سفيان يريد أن يستوثق....
فأقسم حيي بالله و بالكتاب المقدس أن دينكم خير من الدين الذي جاء به محمد ....
يقسم لقريش أن دين الأوثان وعبادة الأصنام خير من دين محمد ...
ففضحه الله في القرآن الكريم
فأنزل فيه آيات تتلى إلى قيام الساعة...
قال تعالى
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً ♡ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ♡

فشجع قريش كلام حيي بن أخطب واطمأنت قلوبهم أن دينهم خير من دين محمد .
شجعهم كلامه فأطمأنت قلوبهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم...
فأجابتهم قريش أننا معكم
قريش وجدت في ذلك :
١- انقاذ لسمعتها وهيبتها بعد أن فقدتها قريش في غزوة "بدر الآخرة"
٢- إنقاذ تجارتها بعد أن نجح المسلمين في قطع طريق تجارة قريش إلى الشام نهائيا .

ثم توجه وفد "خيبر" بعد ذلك إلى قبائل "غطفان" وهي من أكبر القبائل العربية .....
ودعوهم إلى حرب النبي ﷺ مقابل أن يعطوهم نصف ثمار خيبر لمدة عامين....
فاستجابت لهم عدد كبير من بطون غطفان وكان قائدهم "عيينة بن حصن الفزاري" وهذا الذي قام بعمل صلح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عندما رجع النبي ﷺ من "بني المصطلق" منتصراً ظن "عيينة" أنه سيلحقه هو وقومه الأذى من المسلمون يوم ما .
فخاف و فكر بالأمر ....
فذهب إلى النبي ﷺ دون أن يدخل في الإسلام
قال : أنا أصالحك يا محمد وأنا معك وإن كنت على غير دينك .
فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أرضاً يرعى بها حول المدينة ...
"عيينة بن حصن الفزاري" سيد غطفان ....
فلما نظر الصحابة رضي الله عنهم وتسألوا لماذا سايره النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ؟؟
فقال : لهم النبي ﷺ إن هذا الرجل الأحمق المطاع .
"مامعنى الأحمق المطاع هو الحاكم الأحمق بالأوامر يطيعه الناس ولكنه أحمق لا يعرف مصلحة رعيته ولا عشيرته"
قال : هذا الأحمق المطاع ، إذا غضب غضب لغضبه ألف سيف دون أن يعرفوا سبب غضبه .
"يعني الإنقياد الأعمى "
يعني : هذا أحمق مطاع إذن نسترضيه ونعطيه قطعة أرض يرعى فيها أحسن ما يجي للمدينة ألف مقاتل أحمق مثله
ثم قال ﷺ : إن شر الناس من ودعه الناس اتقاء شره .

هذا الأحمق المطاع انضم معهم مع أنه كان مع صلح مع النبي ﷺ .
وأخذ هذا الوفد من اليهود وعلى رأسهم حيي بن أخطب يطوف على كل قبائل العرب الكبيرة
فاستجاب لهم البعض ولم يستجب البعض الآخر .
واتفقوا على موعد لقاء كل هذه الجيوش للتوجه لغزو المدينة .

هكذا قام اليهود "خيبر" بمهمة تحريض وتجميع والتنسيق بين القبائل ....

خرجت قريش وحلفائها بقيادة "أبو سفيان بن حرب"
في 4000 مقاتل منهم 300 فارس
وخرجت "غطفان" في 3000 مقاتل
وخرجت باقي القبائل العربية .
حتى وصل مجموع الأحزاب كلهم 10000 مقاتل .
عدد ضخم جداً...

وكان هذا الجيش هو أكبر جيش شهدته الجزيرة منذ جيش أبرهة في عام الفيل ....
وكانت القبائل إذا وصل عدد مقاتليها إلى 1000 يفتخرون بذلك وتعتبر من القبائل القوية .

ولم يكن الهدف من هذا الجيش هو مجرد الإنتصار على المسلمين في معركة عابرة...
ولكن الهدف هو
١ - غزو المدينة .
٢- قتل النبي ﷺ وقتل الصحابة رضي الله عنهم.
٣- القضاء على الإسلام نهائياً فلا تقوم له قائمة بعد ذلك .

10000 مقاتل .. وعدد أهل المدينة كلهم 3000 .... مؤمنين و غيرهم...

والذي ثبت وصح أن الذين ثبتوا مع النبي ﷺ 1300 مقاتل فقط يوم الخندق .
تحركت جيوش العرب لغزو المدينة .....

في مسجد الحبيب المصطفى ﷺ في المدينة المنورة
وصل الخبرهم للنبي ﷺ
فقد كان في مكة "العباس بن عبد المطلب" عم النبي المؤمن سراً ويكتم إيمانه
كان مقيم في "مكة" وكان عين للنبي ﷺ .
فأرسل بالخبر للنبي ﷺ مبكراً
وساعده أيضاً في إيصال الخبر "بني المصطلق" لأنهم كما قلنا على طريق القوافل
ووصلت هذه الأخبار المرعبة الى المدينة....
وعلم النبي ﷺ أن جيوش الأحزاب أمامها حوالي أقل من شهر لتصل إلى المدينة .
فجمع أصحابه رضي الله عنهم وأطلعهم على الأمر
فقال : أشيروا علي ؟

ولكن الصحابة رضي الله عنهم مازالوا يحسون بألم المخالفة في معركة أحد .
إذ أشار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بالتحصن .
فأبى الشباب إلا ان يخرجوا لمواجهة قريش وقال للرماة لا تبرحوا مكانكم وخالف الرماة أمره...
فأخذوا درساً وهذ صفة المؤمن
لا يلدغ من جحر واحد مرتين .

اتعظ الصحابة رضي الله عنهم في أحد فردوا اليوم الأمر للنبي ﷺ....
فقالوا : الأمر اليوم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ماذا ترى يارسول الله ؟؟
قال : أرى أن نتحصن في المدينة .
فأمتثل الصحابة لأمر النبي ﷺ

لماذا كان التحصن في المدينة ؟
بسبب طبيعتها الجغرافية لأنها تقع بين "حرتان"

ما معنى الحرة ؟
المدينة المنورة كان قديماً فيها بركان لما قذف حممه البركانية .
وهي صخور تخرج من باطن الأرض وعندما ترتطم بالأرض تبرد وتصبح على شكل صخور سوداء ملساء حادة
تسمى هذه الصخور "الحرة"
هذه الصخور البركانية مستحيل أن يمشي عليها أي انسان أو دابة أو حتى دبابة أو مدرعة .
وهي موجودة حتى الآن
وإن كان العمران قد وصل إلى بعض أطرافها....
فالمدينة تقع بين "حرتان" في شرقها وغربها
"مثل الحاجز حماية للمدينة من الشرق والغرب وجزء من الجنوب"
الآن أصبح للمدينة مدخلين فقط
من الجنوب مساكن يهود من "بني قريظة"
ويوجد فيها جزء من الحرة الغربية أيضآ
فمن الصعب جداً أن يدخل جيش "الأحزاب" من الجنوب ....
وبالتالي فلا يمكن لجيش أن يدخل من هذه الجهة أيضًا
بقي لهم مدخل واحد وهو من "الشمال"
فالمدينة محصنة بطبيعتها الجغرافية سواء من الشرق أو الغرب أوالجنوب .
والجهة الوحيدة التي يمكن أن ينفذ منها جيش إلى المدينة هي جهة "الشمال"

أجمع الصحابة رضي الله عنهم على رأي النبي ﷺ في عدم الخروج لقتال المشركين .
وإنما التحصن في "المدينة"

ولكن كان التفكير هو كيف يمكن حماية شمال المدينة ؟
وما هي خطة الدفاع عن شمال المدينة ؟

وهنا تحدث "سلمان الفارسي" رضي الله عنه وأرضاه
سلمان من فارس ما يسمى اليوم "إيران " تقع في وسطها تسمى الأهواز .
وله قصة طويلة في البحث عن الإسلام حتى انتهى إلى المدينة قبل الهجرة ....
ثم أسلم بعد الهجرة مباشرة ولكنه كان عبدآ عند رجل من اليهود ولم يعتق إلا قبل غزوة الأحزاب بقليل .
وكان معروفا بالحكمة حتى أن علي بن ابي طالب كان يطلق عليه لقمان الحكيم .
قال سلمان رضي الله عنه :
يا رسول الله :
إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا .
أي : من مكايد الفرس في الحرب إذا خافوا عدو حفرنا خندق .
فكان اقتراح "سلمان الفارسي"
رضي الله عنه هو حفر خندق من جهة شمال المدينة ....
يبدأ هذا الخندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية وهي مسافة تبلغ 6 كم تقريباً
سُر النبي ﷺ بالفكرة واستحسنها هو والصحابة رضي الله عنهم وقرروا تنفيذ هذه الفكرة على الفور.....
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....





[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والخمسون بعد المائة 154
حفر الخندق غزوة الأحزاب .

أخذ النبي ﷺ برأي "سلمان الفارسي" رضي الله عنه
ثم قام النبي ﷺ يتفحص أرض المدينة ....
"أي يرى أين يجب أن يحفر هذا الخندق"
فانتقل إلى شمال المدينة كما قلنا مدخل المدينة الوحيد .
وتم اختيار مكان الخندق
وكان في أضيق مكان بين الحرة الشرقية والحرة الغربية .
وخط ﷺ مكان الخندق بين الحرتين وأمر بالبدء في حفر الخندق فوراً...

وحدد النبي ﷺ مواصفات الخندق كالآتي
١- الطول من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية والمسافة تبلغ بينهما 6 كم تقريباً..

٢- عرض الخندق 8 متر .
بحيث لا تستطيع فرسان العدو عبوره بالقفز .

٣ _ العمق يكون ٤ متر
بحيث إذا سقط فيه أحد لايستطيع أن يخرج منه.

و وزع النبي ﷺ العمل على أصحابه رضي الله عنهم.

فجعل من الصحابة رضي الله عنهم مجموعات كل مجموعة عددها 10 رجال ..
وأعطى كل مجموعة مسافة 20 متر لحفرها...
ووضع خط لكل مجموعة في الجزء المسؤولين عن حفره

وبدء المسلمون العمل فوراً
وكان العمل صعباً جداً وشاقاً لأسباب عديدة ...

١- أن المشروع ضخم جداً ووقت اتمام المشروع ضيق ...
فكان الصحابة رضي الله عنهم يعملون في النهار لمدة 16 ساعة في اليوم تقريباً..

2- أن أرض المدينة أرض صخرية يصعب جداً الحفر فيها .

٣- أن أدوات الحفر لم تكن تكفي كل هذا العدد ...
فكانوا يستخدمون أحيانا أدوات يصعب الحفر بها
وكان العمل باليد والمعول الفأس
والمكتل أي ما نعرفه اليوم الكريك يحمل فيها العامل التراب .
والمسحاة يعني المجرفة لأنها تمسح الأرض وتزيل التراب .

٤ - أن الموسم كان شتاء والبرد كان قارصاً والسنة كانت مجدبة .
والمدينة تعاني من نقص شديد في المواد الغذائية .
فكانت تمر الأيام والصحابة رضي الله عنهم يعملون ولا يجدون ما يأكلونه فالوقت شتاء ولا يوجد تمر على الشجر وأهل المدينة يعملون بالزراعة والكل مشغول بحفر الخندق ....

وبدأ الصحابة رضي الله عنهم يعملون والحبيب المصطفى ﷺ معهم يعمل يحفر كأي واحد منهم وكلما قال له الصحابة رضي الله عنهم : عنك يا رسول الله .. فيقول لهم إنما انا رجل منكم .
فكان يضرب بالمعول ويحمل بالمكتل ويملئ التراب بالمسحاة .
حتى إن التراب ليستر جسده عنهم ﷺ .
وهكذا كان الحفر فأتموا هذه المهمة في 6 أيام ولياليها فقط .
حفروا مدخل المدينة من الشمال كامل من الحرة إلى الحرة
بالعرض الذي ذكرناه والعمق...

بعض من الأحداث حصلت أثناء حفر الخندق .
عندما وزع النبي ﷺ المجموعات للحفر كل 10 من الصحابة رضي الله عنهم جزء
قال "سلمان الفرسي رضي الله عنه": للرسول ﷺ "هل تأذن لي يارسول الله أن أخذ حصة عشرة ....
فإنه طبيعة عملي وأعرفه فلقد حفرنا كثيراً في مدائن فارس"
فأختار أن يأخذ حصة عشرة .
فلما نظر الصحابة رضي الله عنهم أن سلمان رضي الله عنه أخذ حصة عشرة رجال في حفر مسافة 20 متر في عمق 4 متر لوحده...
"قال : الصحابة هذا عمل مُشَّرف
و الناس تتنافس في الرجل صاحب الخير .
فقال الأنصار : سلمان منا "لأنه من سكان المدينة ما جاء من مكة مهاجرا"
فقال المهاجرون : لا سلمان منا معشر المهاجرين .
"لأنه ليس من أهل المدينة لأنه جاء من خارجها"
نحن جئنا من مكة وهو جاء من فارس...
وهكذا ارتفعت أصوات المنافسة بين مهاجرين وأنصار
الأنصار يقولون سلمان منا .
المهاجرون يقولون سلمان منا .
فوقف النبي ﷺ بينهم ورفع كلتا يديه بينهم وهو يقول :
لا عليكم ، لا عليكم "يعني لا تتنافسوا"
"سلمان منا أهل البيت .

تبت يدآ أبي لهب وتب "
مع أنه عم النبي صلى الله عليه وسلم
ما الذي أسقط هذا .. ورفع ذاك

إنها التقوى ودين الإسلام....

✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....









[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والخمسون بعد المائة 155
أحداث وقعت عند حفر الخندق
*الجزء الأول *:

عند حفر الخندق عُرضت لسلمان الفارسي رضي الله عنه صخرة في حصته في الحفر فكسرت حديدهُ...
"يعني الفأس والمجرفة"
وأعيت قواه "أي اتعبته"
فأسنتصر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال : يا عمر أعني على هذه الصخرة ....
فنزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصخرة فكسرت حديده وأعيت قواه ....
فقال عمر رضي الله عنه لا بد لنا أن نخبر رسول الله ﷺ عنها .

فجاء عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يعمل ﷺ في جهة أخرى في الخندق
قال : يا رسول الله عُرضت لسلمان رضي الله عنه صخرة كسرت حديدنا وأعيت قِوانا
فقال له النبي ﷺ أنا نازل لها إن شاء الله .

فجاء ﷺ وعندما همَّ أن ينزل بالخندق فرفع إزاره وإذا به قد ربط على بطنه حجر من شدة الجوع صلى الله عليه وسلم

فكان ﷺ يشد على بطنه الحجر ليسند ظهره ليقوى على العمل .

فرآه الصحابة رضي الله عنهم ﷺ بهذا المنظر يربط حجر على بطنه .....
وهنا درساً الصبر على الجوع..
مع أنه سنرى معجزاته ﷺ في الخندق بعد قليل وكيف يطعم الجيش كله من حفنة طعام...

ثم قفز ﷺ في الخندق وقال : إليَّ بالمعول فأخذ الفأس .
وكان الوقت قبل الغروب بقليل والفصل شتاء
فأخذ الفأس وقال *بسم الله ، الله أكبر *
وضرب ضربة
يقول الصحابة رضي الله عنهم فأبرقت برقةً أضأت ما بين الحرتين والله ولكأنه بيت مظلم أُشعل فيه مصباح .
فكبر النبي ﷺ وكبر الصحابة رضي الله عنهم خلفه .
ثم ضرب ضربة أخرى فأبرقت مثلها .
فكبر وكبر أصحابه خلفه .
"من غير أن يسألوه لماذا التكبير"
ثم ضرب ضربة ثالثة فأبرقت فكبر وكبروا .
فأنهالت الصخرة كالكثيب "يعني كأنها تل من الرمل"

فقال لهم : دونكم وصخرتكم .
فأخذوا يجرفونها بالمسحاة
قالوا : يا رسول الله أبرقت ثلاثاً .
فكبرت فما سر ذلك ؟؟
قال عندما برقت لي المرة الأولى أضيئت لي القصور الحمر من أرض الروم .
وأخبرني جبريل عليه السلام أنكم ظاهرون عليها وتنفق كنوزها في سبيل الله .
وعندما أبرقت المرة الثانية أضيئت لي قصور كسرى
وإني رأيت قصوره كأنها أنياب الفيلة .
ثم التفت إلى سلمان رضي الله عنه قال : يا سلمان أليس فيها كذا وكذا وكذا ؟"لأنها بلدته "
يقول سلمان رضي الله عنه والذي بعثه بالحق أخذ يصف لي قصور كسرى وكأنه يعيش فيها .
وكلما قال وصف أقول :أشهد أنك رسول الله ..
قال والذي نفسي بيده يا سلمان ، لتفتحن قصور كسرى وقصور قيصر .
فلا قيصر بعده ولا كسرى . ولتنفق كنوزهما كلها في سبيل الله
ولكن هذا يكون بعدي يا سلمان
"يعني بعد موتي"
يقول سلمان وهو راوي الحديث .
والذي بعثه بالحق لقد رأيت هذا كله ....
وكان سلمان هو أمير المدائن في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم...

قال وفي الثالثة عندما أبرقت
أضأت لي أرض عدن "اي اليمن" والله إني لأنظر أبواب صنعاء من مكاني هذا ....
وكان ﷺ يقوم الليل كله يصلي ويدعو الله ...صلاة وتهجد
١- صلاة ٢- وتضرع لله ودعاء
٣- وقائد وإمام ..... في آن واحد ﷺ

عندما رأى الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع...
كان هناك من الصحابة "جابر بن عبدالله" رضي الله عنه
"أبوه عبدالله بن جبير تذكرون هذا الإسم أمير الرماة يوم أحد الذي لم يتحرك من مكانه وقتل رضي الله عنه . هذا إبنه جابر"

رأى "جابر بن عبد الله" رضي الله عنه
النبي ﷺ وقد ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع .
فلم يحتمل أن يرى النبي ﷺ وهو يعاني ذلك الجوع ....
فاستأذن النبي ﷺ أن يذهب إلى بيته رضي الله عنه
قال : يارسول الله ائذن لي إلى البيت ....
فأذن له النبي ﷺ :
فذهب "جابر" الى زوجته رضي الله عنهم وقال لها يا أم عبد الله
رأيت بالنبي ﷺ شيئاً لا أصبر عليه ....
رأيته يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ....
كيف يجوع رسول الله بيننا فهل عندك طعام الليلة ؟

قالت : حفنة من شعير وشويهة
"الشويهة انثى الماعز صغيرة بالعمر ما يكون فيها لحم كثير"
قال : و كم عندنا من شعير ؟؟
قالت : حفنة "يعني قليل
فقاما فذبحا الشاة وطحنا الشعير ....
ووضعوا اللحم في البرمة "
فانتظروا حتى قرب أن ينضج
فقام جابر رضي الله عنه ليدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت زوجته : يا جابر لا تفضحنا مع الناس فليس عندنا ما نطعم أحد...
إلا رسول الله وإن كان معه نفر من أصحابه رضي الله عنهم
قال : لا عليك اصنعي ما قلت
وذهب "جابر" رضي الله عنه إلى الرسول ﷺ
يقول جابر رضي الله عنه فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلوت به ....
وقلت : يارسول الله بأبي أنت وأمي رأيت الجوع في وجهك
وإن عندنا طُعيم نريد أن نقدمه لك ....
طعيم تصغير لكلمة طعام يعني
نريد أن تحضر عندنا يا رسول الله أنت و رجلان معك أو ثلاثة
فقال له النبي ﷺ : وكم هو طعامك يا جابر ؟
فقلت : شويهة وحفنة شعير...
فقال ﷺ: ما شاء الله ، كثيرٌ طيب .
ثم نادى النبي ﷺ بأعلى صوته
وقال : يا بلال اصرخ في أهل الخندق ، أن حيهلا .
"اي تعالوا مسرعين هلموا أهلاً وسهلاً
اصرخ في أهل الخندق أن حيهلا فقد صنع لكم جابر "سؤرا"
"والصحابة لا يعرفون معنى سؤرا"
فضحك سلمان الفارسي رضي الله عنه وقال : فداك أبي وأمي يارسول الله من أعلمك بكلمة "سؤر" ؟
قال له النبي ﷺ : أليست هي لغتكم في فارس ، إذا كان عندكم وليمة عظيمة قلتم عنها "سؤرا" .
قال : أجل والذي بعثك بالحق
فقال له النبي ﷺ وإن الخندق خندق سلمان .
يعني أنت صاحب الخندق يا سلمان واليوم نتكلم بلغتك .
فقام الجيش كله : وارتبك "جابر"
قال جابر رضي الله عنه فدارت بي الأرض حيرةً وخجلاً ....
فلا أستطيع أن أرد قول الرسول ولا أدري ما أقول للناس ؟
قال جابر رضي الله عنه وتقدم النبي ﷺ إلي وشبك يده بيدي
وهو يقول : كم طعامكم يا جابر ؟
وأقول له شويهة وحفنة شعير...
فيقول : كثير طيب ، كثير طيب .

ومشى النبي ﷺ ومشى معه كل أهل الخندق ....
حتى إذا دنى من المدينة ....
قال : انطلق يا جابر فأخبر زوجتك لا تخبز عجينها ولا تنزل برمتها عن لنار حتى أحضر .

ذهب إلى زوجته مسرعاً ، فلما دخل ...
قالت له : هل حضر رسول الله ولبى دعوتك ؟؟
فقال لها وقد تغير لونه
قال : نعم ، نعم ومعه أهل الخندق جميعاً
فصاحت في جابر رضي الله عنهما وقالت : ويحك بك وبك
ماذا سنطعم الناس الليلة ؟؟
هل أنت دعوتهم أم رسول الله ؟؟
قال : والله ما دعوتهم إنما رسول الله دعاهم وجاء بأهل الخندق جميعآ مهاجرين وأنصار .
قالت له : هل سألك وأعلمته أن الطعام لا يكفي الا رجل أو رجلين ؟
فقال جابر رضي الله عنه :نعم !
فقالت: الله ورسوله أعلم ، لا عليك إن لرسول الله شأن الليلة
قال جابر رضي الله عنه فلما قالت ذلك كشفت عني غماً شديداً.....
هكذا فلتكن النساء
اطمأنت وطمأنت زوجها
يسأل التابعون جابر رضي الله عنه : كم عددكم تلك الليلة يا جابر ؟؟
قال : ثلاثة عشرة مئة .يعني 1300 رجل
فلما وصلوا جلسوا بين النخيل "ما في بيت يوسعهم"

ثم دخل ﷺ على جابر رضي الله عنه... قال : أين طعامكم ؟؟
قالوا : هذا هو يا رسول الله .
فوضع العجين وقال بيديه هكذا وهكذا "أي أخذ يجور العجين"
ثم دعاء بالبركة.. ثم نفث فيه ...
لا كما تقول بعض كتب السيرة بصق فيه لا
مع أنه بصقته تاج رؤوسنا ﷺ وإن بصاقه أطهر من كل طاهر .
إلا أن "مكارم أخلاقه ﷺ تأبى عليه أن يبصق
معنى نفث أي نفخ فيه نفخة خفيفة
وقيل : قرأ من القرآن ما شاء له الله أن يقرأ ... ثم نفث فيه
ثم رد العجين على بعضه وستره
قال : أين برمتكم ؟
قالوا : ها هي على النار فكشفها وصنع فيها ما صنع للعجين ثم سترها ....
ثم أخذ يقطع العجين
ويقول :يا أم عبد الله اخبزي واستري ما تخبزي "يعني الخبز إذا طلع غطيه"
فمازال يقطع ويرمي لها ، وهي تخبز ..... ويقطع ويرمي
يقول جابر رضي الله عنه والذي بعثه بالحق نبياً حتى أصبحت دارنا تل من الخبز .
ثم قال : إلينا بالأدوات واستعيروا من جيرانكم "يعني صحون"
ثم قام وقال لأصحابه رضي الله عنهم . لا تطاغطوا عشرة فعشرة .
"لا تتزاحموا الأكل كثير ، كل عشرة يقعدوا على صحن"
فجاؤوا له بالأدوات
فوضعها ﷺ وأخذ يكسر من الخبز ويضع عليه المرق ثم يأخذ اللحم ويفته ويدفعه إلى أصحابه رضي الله عنهم
ويقول لهم : كلوا واشبعوا لا عليكم كثير طيب ، كثيرٌ طيب .
يعني لا تجاملوا تقولوا نخلي لبعضنا شوي ، لا الطعام كثير طيب ....
قال جابر رضي الله عنه وهذا الحديث في "البخاري ومسلم رحمهما الله أخرجه الشيخان"
قال : والذي بعثه بالحق لقد مضى أصحابنا يأكلون سائر الليل حتى شبعوا وانصرفوا منتصف الليل ....
ورسول الله يقطع من العجين ويسكب من المرق ويفت من اللحم .....
حتى قال : هل بقي من احد ؟
قلت : لا يارسول الله انصرفوا جميعاً .
فجلس ﷺ وأكل هو آخرهم
ثم التفت لزوجة جابر رضي الله عنهما
وقال لها: كُلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة .
يقول جابر رضي الله عنه والذي بعثه بالحق نبياً فإذا عجيننا كما هو وبرمتنا كما هي .

هذا الذي يطعم الجيش ولا يرضى أن يأكل وغيره جائع...
هذا هو القائد الذي يقول لأصحابه رضي الله عنهم : إنما أنا رجل مثلكم .
ويربط على بطنه الحجر من شدة الجوع صلى الله عليه وسلم...
هذا إذا وقف يوم القيامة والنار قد علا صوتها وفزع الخلائق جميعاً منها عند رؤيتها والملائكة ممسكة بها بسبعون ألف زمام وعلى كل زمام سبعون ألف من الملائكة يمسكون بها ولو تركوها لأتت على الخلائق جميعاً ما أبقت منهم أحد .
تكاد تميز من الغيظ .....
وجثى الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام على ركبهم وجبريل عليه السلام لاذ بساق العرش الكل يقول : نفسي نفسي
وقد غضب الله غضباً لم يغضب مثله من قبل...
فيقف ﷺ ويقول أمام جميع الخلق :
أنا لها وإن ثقلت.....
فإذا قام ﷺ يخر ساجداً تحت العرش يدعو ربه يارب يارب ....
وقد علا صوت جهنم بالضجيج
يصرخ مالك خازن النار بجهنم . أصمتِ فإن محمداً يناجي ربه .
فتصمت أدبآ وتوقيرآ صلى الله عليه وسلم كي لا يعلو صوتها على صوته ....
هذا نبي الله وخير خلق الله ﷺ
امتي..... امتي في ذلك اليوم العظيم...
صلى الله عليه وسلم....
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...













[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والخمسون بعد المائة 156
أحداث وقعت عند حفر الخندق .
الجزء الثاني .

كان أثناء حفر الخندق .....
زيد بن ثابت رضي الله عنه شاب صغير بالعمر وكان ينقل التراب .
فنظر إليه النبي ﷺ : وابتسم وقال في حقه أما إنه نِعمَّ الغلام .
ومن شدة التعب نام "زيد"
فجاء "عمارة بن حزم" وأخذ سلاحه يريد أن يمازحه"
فلما قام فزع على سلاحه وأخذ يبحث عنه...
فقال له رسول الله ﷺ يا بار قد نمت حتى ذهب سلاحك .
ثم التفت النبي ﷺ إلى أصحابه رضي الله عنهم وقال :
من له علم بسلاح هذا الغلام ؟
فقال عمارة رضي الله عنه : أنا يا رسول الله وهو عندي...
فقال : رده عليه .
ونهى أن يروع المسلم ويؤخذ متاعه لاعباً .

إستند العلماء في تحريم أخذ متاع الغير مع عدم علمه بذلك .

ومازال نبينا ﷺ يحث أصحابه رضي الله عنهم : على العمل في الخندق وكلما وجد بأصحابه رضي الله عنهم الجوع والتعب نشَّطهم وشجعهم بأبيات شعر لأبن رواحة رضي الله عنه .

للتنبيه :
نبينا ﷺ لم ينشد الشعر على الإطلاق .
ولكنه ردده سمعه من ابن رواحة وردده ....
وما سأذكره الآن متفق عليه عند الشيخان "البخاري ومسلم"
ولكن اسردها بطريقة مفهومة .

عن البراء بن عازب رضي الله عنه :
قال : إني لأنظر لرسول الله ﷺ يعمل معنا فإذا لم يكن بين يديه مكتل ...
"يعني نأخذها من جنبه حتى لا يشتغل ﷺ يحمل التراب في ثوبه ....
فإنه ليرفع ثوبه ويحمل به التراب حتى وآرى التراب بياض بطنه ﷺ .
وهو يرتجز شعراً ويقول :

اللهم لا عيش إلا عيش الآخره *فارحم الأنصار والمهاجره

ينشطهم ويشجعهم على العمل ﷺ
فيجيبه أصحابه مهاجرين وأنصار :
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبدا
فينشط الناس في العمل

وكانوا إذا بردت همتهم
أخذ يتمثل بالشعر تمثلآ :
بقول ابن رواحة رضي الله عنه وهو ينقل التراب وقد وآرى الغبار جلد بطنه الشريف

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلنْ سكينة علينا
وثبت الأقدام إذ لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا

فإذا قال .... أبينا
كررها ثلاثاً ويمد بها بصوت عال مكررا لها :
أبينا .... أبينا ... أبينا

فيجيبه أصحابه رضي الله عنهم
أبينا ... أبينا ... أبينا
بهذا التحفيز والتنشيط أنُجز الخندق في ستة أيام ولياليها .

ولكن ليس كل الناس سواء
إذا كان الأنبياء عليهم السلام قد رفع الله بعضهم فوق بعض درجات ....
وكذلك الصحابة رضي الله عنهم والمؤمنون ليس كلهم في مستوى واحد .....
فهناك ضعاف نفوس وكان بين صفوفهم "منافقون"

فكيف كانت صورتهم في العمل بالخندق ؟؟
المؤمنون كانوا يعملون بجد ولا يفترون عن النبي ﷺ ساعة واحدة ...
وإذا اضطر أحدهم للذهاب استأذن النبي صلى الله عليه وسلم وقضى حاجته بأسرع ما يكون ورجع إلى مكان عمله...
فإن وجد أحداً من الصحابة رضي الله عنهم قد أخذ مكانه أخذ مكان عمل آخر .
والنبي ﷺ إمامهم و يعمل معهم .
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : كان يعمل معنا ويضرب بمعوله ويأخذ بالمسحاة ويحمل بالمكتل .....
فإن لم يجد شيء يحمل التراب به حثا التراب بيديه في ثوبه وحمله .
فأعياه التعب ﷺ فاتكأ إلى صخرة فأغفا من شدة التعب .
يقول أبو بكر رضي الله عنه
فقلت : يا عمر رضي الله عنه دونك نقف عند رأس رسول الله نصد الناس عنه لعله يأخذ قسطاً من الراحة .
فقمت أنا وعمر : عند رأسه نُنحي الناس عن طريقه .
فلما أفاق : قال ما هذا ؟؟
فقال ابو بكر رضي الله عنه أغفيت يارسول الله قليلاً .
قال هلاَّ أفزعتموني "يعني هلا صحيتوني" إنما أنا واحد منكم .
درس لكل قائد هكذا يمكن أن يملك قلوب رعيته إذا كان واحداً منهم .

فأما المنافقون الذين كانوا في قلوبهم مرض كانوا يتسللون هرباً من العمل ويعتذرون بالأعذار الكاذبة والنبي ﷺ أشد الناس حياءً .
فنزل قوله تعالى :
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ .
عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ "أي حفر الخندق"

فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ .
هنا الصلاحية للنبي صلى الله عليه وسلم يأذن أو لا يأذن ..

فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .

لماذا يستغفر لهم الله ؟؟
مادام مؤمن وأخذ الأذن من رسول الله لماذا يستغفرله النبي صلى الله عليه وسلم :
ماهو الذنب الذي ارتكبه هذا الصحابي ؟
لان هذا الإستئذان والذهاب لشأن شخصي ينقص أجره في عمل الخندق .....

حتى لو استأذن؟ نعم حتى لو استأذن :
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
استغفر لهم مقابل ذلك النقص حتى لا يفوته أجره يريد الله أن يعوضه .

لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا .
يعني لا تنادوا يا محمد .

الله جل في علاه لم يناديه في القرآن الكريم ولا في آية واحدة "يا محمد"
وارجعوا إلى القرآن وابحثوا على لفظ "يا محمد" لن تجدها .
ولكن ستجد .. يا ابراهيم .. يا موسى .. يا نوح .. يا عيسى .
كل الأنبياء عليهم السلام من أولي العزم ناداهم الله بأسمائهم
إلا نبينا ﷺ لم يناده الله باسمه قط :
بل ناداه يا أيها النبي أو يا أيها الرسول .

ونهانا أن نناديه باسمه تكريماً له ﷺ

وما جاء اسمه في القرآن الكريم إلا في مجال التعريف لا النداء في أربع آيات :
وَمَا مُحَمَّد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ .
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ .
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ .
وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ .

قال تعالى :
لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا .

لواذاً يتسلل و يهرب بحجج واهية عندي شغلة..... بطني يوجعني..... راسي يؤلمني لِواذاً .

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .

وعندما انتهوا من حفر الخندق قال النبي ﷺ
لأصحابه رضي الله عنهم : هل بقي من شيء ؟
قالوا : ثلمة من هناك "أي مضيق فيها صخرات"
قال: ارفعوا الحجارة عندها واجعلوه ترساً واحرصوا على تلك الثغرة .
"اي انتبهوا وشددوا الحراسة"
فإني أرى عدوكم الليلة "
وقام ﷺ تلك الليلة يصلي في خيمته وكلما أحس بخطر يخرج من خيمته ....
ويقول بصوت عالي من هناك ؟
فيقول سعد: خادمك سعد بن أبي وقاص
يقول له من معك ؟
يقول : الزبير .
يقول لهم دونكم تلك الثلمة . فلا أرى إلا قريش تطوف بها .
قال : فانطلقنا فإذا قريش قد وصلت إليها ....
وصلت قريش فلما رأوا الخندق ذهلوا .....
قالوا : ماهذه المكيدة لم تكن العرب تعرفها .
فقال اليهودي الذي جمعهم "حيي بن أخطب " قيل لي أن في أصحابه رجل فارسي .
فهذا من مكيدته لعله هو الذي أشار عليهم .
فطافوا بالخندق .. لا يمكن اقتحامه ؟
وأخذوا يفكرون ويتشاورون .
ولا يمكن لهم الدخول من الحرتين كما وصفنا
والجهة الجنوبية فيها "بنو قريظة" وحصونهم مشبكة بالأشجار....
✨✨✨✨✨✨










[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقه السابعة والخمسون بعد المائة 157
محاولة اختراق الخندق .

وصل جيش الأحزاب للمدينة وذهلوا عندما رأوا الخندق .
فكان طول الخندق منهم من قال حوالي فوق 3 كم 5000 ذراع أي 3000 متر تقريباً...
وعرضه 8 متر
وعمقه 4 متر .
فلا يستطيع أحد إذا سقط فيه أن يخرج منه :
وجعل المسلمون مخلفات الحفر ناحية المدينة فشكلت ساترآ يمكن للمسلمين الإختباء خلفه ورمي جنود العدو بالسهام إذا حاولوا العبور أو حتى الإقتراب من الخندق .....
وتوزع المسلمون أمام الخندق ليمنعوا المشركين من أي محاولة للتخطي وعبور الخندق
أو أي محاولة لردم جزء من الخندق ومن ثم العبور عليه والوصول إلى المدينة .

وصلت الأحزاب إلى المدينة ففوجئت بالخندق وكان كما ذكرنا أمر لم تعرفه العرب من قبل
ووقف "أبو سفيان بن حرب" سيد قريش ...
وقال : هذه حيلة لم تعرفها العرب .
فقال له حيي بن أخطب سيد يهود ....
قال : سمعت أن بين أصحاب محمد رجل فارسي وهذه مكيدته ....
وأظن هو الذي أشار عليهم بحفر الخندق .
وشاهد المسلمون هذا الجيش الضخم .....
وهو عدد لم تشهده الجزيرة العربية من قبل 10 آلاف مقاتل .
ولكن عندما شاهد الصحابة رضي الله عنهم هذا العدد الكبير الضخم
قالوا :
هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله .

فأنزل الله قوله تعالى :
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا .

وتمركز المسلمون خلف الخندق وكان مقر قيادة النبي ﷺ عند جبل "سلع"
وأمر النبي ﷺ أن تكون النساء والأطفال داخل الحصون بحيث إذا حدث اقتحام للخندق ، ووقعت "حرب " تكون النساء والأطفال داخل الحصون .

أخذ فرسان المشركين يدورون حول الخندق غضباً يحاولون أن يجدوا نقطة ضعف ينفذون منها إلى المدينة .
وأخذ المسلمون يرمونهم بالسهام حتى لا يقتربوا من الخندق أو أن يحاولوا أن يردموا جزء من الخندق فيبنوا طريقاً يعبروا عليه ....
وبدأت مناوشات بين الطرفين .
كان المشركون فيها مصرون على اقتحام الخندق واستبسل المسلمون في المقابل في منع المشركين من ذلك .

عز على قريش أن تقف خيالتها وفرسانها وقادتها مكتوفي الأيدي أمام الخندق
فأخذوا يستفزون بعضهم بعضاً .
ما بين :
  • خالد بن الوليد
  • وعكرمة بن ابي جهل
  • وصفوان بن امية
  • وعمرو بن ود

واستطاع رجال من فرسان المشركين اقتحام الخندق في أحد الأماكن الضيقة
فجالوا بخيلهم "يعني من باب التنشيط"
اقبالاً وادباراً إقبالاً وإدباراً حتى حمسوها وجاؤوا إلى أضيق مكان في الخندق .
واقتحموا الخندق ...
فأقتحمت الخيل الخندق بثلاثة رجال منهم :
عكرمة بن أبي جهل
ورجل من ربيعة وعلى رأسهم "عمرو بن ود"

من هو "عمرو بن ود"
رجل كبير في العمر قارب على 90 عام .
ولكنه مضرب الأمثال في الشجاعة والبطولة في قريش .
كان أقوى فارس في الجزيرة العربية ويطلق عليه "فارس العرب"
وأطلق عليه "بطل العرب" وأطلق عليه أيضاً "فارس ياليل"
وقصة هذا اللقب أنه كان يسير في إحدى الليالي بفرسه مع عدد من أصحابه ...
فهجم عليه 10 فرسان من قطاع الطرق في وادِ .
فهرب كل أصحابه وأخذ هو يصارعهم وحده حتى قتلهم جميعاً...
فعرف من ذلك اليوم "بفارس ياليل"
هذا الرجل شهد بدراً وقاتل قتال الأبطال وأصابته الجراح ولكنه لم يمت ....
وعندما فر قومه فر معهم ولم يشهد "أحُد" لأن جراحه في بدر ما زالت تؤثر به .
فجاء اليوم مع الاحزاب وكان قد حرم على نفسه منذ يوم بدر الدهن .
"يعني لن يمس رأسه الدهن . الزيت" حتى يأخذ بثأره من المسلمين .
عجز عن القدوم في "أحد" وها هو اليوم جاء ليأخذ الثأر .
"يعني ٣ سنوات لم يمس رأسه الدهن".....

يقول الصحابة رضي الله عنهم عندما رأوه عندما حضر للخندق كان ثائر الرأس
"شعره منفوش منكوش"
وكان معلماً بعلامة "يعني وضع علامة تميزه عن غيره"
وكان قد أقسم قبل أن يخرج من مكة لن يرجع إلا منتصراً أو محمولاً .
وكما قلنا أشرف عمره على 90 عام ....
الذي اقتحم الخندق وكان أول من يصل إلى أرض المدينة من بين 10 آلاف مقاتل لا يوصف بهذا الوصف .
اقتحموا الخندق فأصبح موضعهم داخل أرض المدينة بين الخندق وجبل سلع .
وجبل سلع كما قلنا قد جعله النبي ﷺ ظهراً له .

ونادى عمرو بن ود من للمبارزة يا أصحاب محمد ؟؟
أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها ؟
هل فيكم من أرسله إلى الجنة أو يدفعني إلى النار ؟
فوثب له على الفور "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه وكان عمره 23 عام .
واستأذن النبي ﷺ وقال :
أنا له يا رسول الله
فأذن له النبي ﷺ
لم يمسك به النبي صلى الله عليه وسلم خليك يا ابن عمي خلي غيرك هذا عمرو : لا لا .
وخاف الصحابة فلم يقم له إلا علي رضي الله عنه
كل هذه الروايات مكذوبة وللأسف مذكورة في الكثير من كتب السيرة
وللأسف أيدي التدنيس واضحة لتلميع علي رضي الله عنه والإنتقاص من شأن الصحابة رضي الله عنهم

نهض علي بن ابي طالب رضي الله عنه
وقال : أنا له يا رسول الله
وقال له النبي ﷺ : نعم وعلى بركة الله .... أخذ النبي ﷺ سيفه عن جنبه وأعطاه لعلي رضي الله عنه
وقال له : هذا سيف محمد رسول الله .
ثم أخذ قطعة قماش وجدلها على رأس علي
وقال له : قم على بركة الله .
اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته .
ثم قال له النبي ﷺ: تقدم يا علي .

فانطلق إليه "علي بن أبي طالب" وهو يقول شعراً :
لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّة وبصيرة والصدق منجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز

لما سمع النبي ﷺ شعر علي رضي الله عنه
قال : قام الإيمان كله ، إلى الكفر كله .

يعني : انظروا الآن الجولة بين الإيمان والكفر .

ومشى إليه "علي رضي الله عنه" على قدميه لم يركب فرس .
و "عمرو بن ود" على فرسه يجول ويصول .....

ثمّ خاطب ابن عبد ودٍ .
قال : يا عمرو ، إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى اثنتين : إلا اخترت خيرهما .
وإني مخيرك بين ثلاث .
قال عمرو : أجل .
فقال علي رضي الله عنه :
إني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتسلم لرب العالمين .

فقال عمرو : يا ابن أخي أخر عني هذه .
ابن اخي كلمة تودد عند العرب وهذا الطلب مرفوض هات غيرها ....
فقال له علي رضي الله عنه أما أنها خير لك لو أخذتها .

أما الثانية :
ترجع إلى بلادك وتحمل قومك على العودة .
وتدع محمداً فإنه رجل منكم و عزه عزكم وشأنه شأنكم .
فإن يك محمداً صادقا كنت أسعد الناس به .
وإن يك غير ذلك كان الذي تريد .
فقال : هذا ما لا تتحدث به نساء قريش أبداً .

ثم قال علي فالثالثة ، أدعوك إلى البراز .
فقال عمرو : فمن أنت يا ابن أخي ؟
قال : أنا "علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب ابن عم رسول الله ﷺ .
قال عمرو : يا فتى إن أباك كان وداً لي .
"أي صديقي المقرب "
وإني أكره أن اهرق دمك "
وإن من أعمامك من هو أسنّ منك فأرجع من حيث أتيت وليبرز لي غيرك .
و إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك وقد كان أبوك لي نديماً .
فردَّ علي رضي الله عنه عليه
وقال : أما أنا فإني أبغض الكفر فيك ....
وإن أحب شيء إلى قلبي اليوم أن أهرق دمك .
فأستفزه وثار وغضب غضباً شديداً .
فجال بالفرس جولتين ثم أسرع وسل سيفه كأنه شعلة نار .
وأقبل عمرو مهاجماً علي رضي الله عنه : ورفع السيف فوق علي يريد أن يضربه ...
فتلقاها علي بالترس فعلق سيف عمرو في ترس علي رضي الله عنه... فضربه علي ضربةً واحدة . فإذا هو قتيل ....

ضربة واحدة كما دعا الله وكان يرجو ....
مِنْ ضَرْبَة نَجلاء يَبقى ذكرُها عِندَ الهَزاهِزْ

كبر النبي ﷺ وكبر الصحابة رضي الله عنهم وعلا صوتهم بالتكبير .....

عندما رأى الذين اقتحموا الخندق من المشركين مع "عمرو بن ود" مقتله بهذا الشكل على يد "علي رضي الله عنه" أسرعوا بالفرار...
فأما : "عكرمة بن أبي جهل"
ألقى السيف والرمح من يده لكي لا يعيقه الهرب من الخندق .
هرب بشكل جنوني .
ولما هرب رجل من المشركين أيضاً
لحقه "الزبير بن العوام رضي الله عنه" أدركه عند حافة الخندق وعلاه بالسيف .
فضربه بالسيف من على عاتقه فقسمه نصفين حتى وصل السيف إلى ظهر الفرس فأتمها .
فكان قد قسمه والفرس الذي يركبه إلى نصفين .
فقال الصحابة رضي الله عنهم للزبير : ياله من سيف .
قال لهم : بل قولوا يالها من ساعد .
والله ماكان السيف إنما هو ساعد استعان بالله عليه .

وحينما قتل "علي رضي الله عنه : عمرو بن ود" أقبل نحو رسول الله ﷺ ووجهه يتهلل
فقال له الصحابة رضي الله عنهم هلاّ سلبته درعه فإنه ليس في العرب درع مثلها ؟
فالتفت علي رضي الله عنه إلى الجهة التي فيها النبي ﷺ بأدب وأطرق رأسه .
وقال : عندما ضربته يا رسول الله وسقط على الأرض استقبلني بسوءته .
"يعني عورته : فأستحييت أن انظر إليه .

فلما هرب "عكرمة بن أبي جهل" بهذا الشكل المخزي
قام "حسان بن ثابت رضي الله عنه" يهجو عكرمة
والشعر : كان له تأثير عليهم أكثر من السيف .
فقال :
فَرَّ وَأَلقى لَنا رُمحَهُ
لَعَلَّكَ عِكرِمَ لَم تَفعَلِ
وَوَلَّيتَ تَعدو كَعَدوِ الظَليمِ
يركض كيف يكون شكله استهزاء ما إِن تَجورُ عَنِ المَعدِلِ
وَلَم تُلقِ ظَهرَكَ مُستَأنِساً


فتأثر عكرمة واشتعل غضباً من هذا الشعر ....
ولما رجع عكرمة لأبي سفيان من غير سيف ولا رمح.... وقتل عمرو بن ود .
قال أبو سفيان : هذا يوم ليس لنا به نصيب
امطروهم نبالكم .
فأخذوا يتراشقون النبال .. والصحابة رضي الله عنهم : يردوا عليهم بالنبل.....
حتى شغلوهم عن صلاة الظهر والعصر والمغرب .
غابت الشمس ولم يصلوا وهم ثابتين مكانهم .....
"لم تكن صلاة الخوف قد شرعت بعد"
حتى كادت أن يسقط قرص الشمس
قاموا للصلاة فأمر النبي ﷺ بلال ان يؤذن .....
ثم أقام : فصلى بهم ﷺ الظهر ركعتين .
ثم أقام : فصلى بهم ﷺ العصر ركعتين ...
ثم أقام فصلى بهم ﷺ المغرب .
وكان قد دخل العشاء فقام وصلى ﷺ بهم العشاء ....

أربع أوقات في وقت واحد .
ثم قال ﷺ : لقد شغلونا عن صلاة الوسطى ملأ الله قبورهم ناراً .

لماذا قبورهم ؟؟
لأنه من مات وقد ختم عليه بالكفر استحق له أن يمتلء قبره ناراً .

بعض الروايات من المؤسف في السيرة
يقولون : ملأ الله بيوتهم و قلوبهم وهذه الروايات ضعيفة

ثانياً : كيف يملأ الله قلوبهم ناراً ؟؟
لعله يتوب لعله يسلم وبعد ذلك سنرى أن الكثير منهم أسلموا وانضموا للصحابة رضي الله عنهم...
ملأ الله قبورهم وليس قلوبهم .
لأنه إنما الأعمال بالخواتيم .

ورسالة لمن ينكرون عذاب القبر فهذا الدعاء من النبي ﷺ أن يملأ الله قبورهم ناراً...

✨✨✨✨✨












[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائة 158
بني قريظة ينقضون العهد .

لم يستطع جيش الأحزاب اقتحام الخندق وقد كان الحاصر
منهم من قال :
اسبوعين ومنهم من قال ثلاثة أسابيع .
ولكن أرجح الروايات أنهم حاصروا المدينة 18 يوم .

وهذه المدة من الوقت كانت صعبة على المشركين جداً .
لأنهم جاؤا إلى المدينة وهم غير مستعدون لفرض الحصار لمدة طويلة .....
وبالتالي فليس لديهم مؤن تكفي هذا الجيش كل تلك المدة .
ولكن استمرت المناوشات والطقس كان بارداً جداً ولا يوجد ربيع ترعاه الإبل والخيل ....
لم تحمل قريش معها مؤونة زائدة فقد ظنت أنها جولة يوم أو يومين وينتهي الأمر .
وكانت قريش تعتقد إذا وصلت المدينة أن ترعى إبلها وخيلها في مزارع المدينة .
فلما رأت قريش الخندق خاب ظنها وأقامت في شر مقام واحتاروا في أمرهم .
فلا مجال لإقتحام الخندق .

وكان مع جيوش الأحزاب "حيي بن أخطب" سيد يهود "بني النضير" والذين أجلاهم النبي ﷺ عن المدينة .
"حيي بن أخطب" الذي كان له الدور الأكبر في تجميع هذه الأحزاب....
فكما قلنا كان للمدينة مدخلين
من الشمال وقد حفر مكانه "الخندق"
ومن الجنوب الذي فيه يهود "بني قريظة" الذين كان معهم عهد مع النبي ﷺ ....

وكان العهد ينص في بنوده
"إن داهم عدو المدينة يدفعوا عنها لإنهم من أهلها"
فلما رأى "حيي بن اخطب" أن لا فرصة ولا مجال لتحقيق هذه الحملة من الأحزاب إلا إخوانه من يهود بني قريظة....

اجتمع مع زعماء الأحزاب وطمأنهم أنه سيحل مشكلة الخندق .....
وأن يجعل الخندق مقبرة للمسلمين بدلاً أن كان حصناً لهم .

قالوا : يا حيي كيف ذلك ؟؟
قال : إخواننا من بني قريظة
قالوا : كيف ؟؟
قال : يفتحوا لنا أبواب حصونهم وأنا سأقنعهم بذلك .
لأن بني قريظة كما ذكرنا في الجنوب للمدينة .
ولو فتحوا الأبواب للمشركين لاجتاحوا المدينة فما بالك لو حاربوا مع المشركين ....
فاعجب جيش المشركين بفكرة هذا اليهودي الخبيث ....

فاستأذنهم وانطلق لبني قريظة من جنوب المدينة ...
وكان سيد بني قريظة "كعب بن أسد القرظي" هو صاحب عقدهم وعهدهم ....
واليهود كما أخبرنا الله عز وجل وعلمنا أنهم جميعاً لهم نفس الصفة لا تتغير ولا تتبدل .
ولكن في هذا الوقت كان "كعب سيد بني قريظة" قد تعلم درساً قاسياً لما حصل لإخوانه من "يهود بني قينقاع وبني النضير"
فأخذ عهداً على نفسه أن يلتزم بعهده مع النبي ﷺ ....
وكان قد وفى بعهده مع النبي ﷺ ولم يرى من النبي صلى الله عليه وسلم إلا صدقاً ووفاءً .
فلما جاءت الأحزاب أغلق أبواب الحصون والتزم بالمعاهدة .
فلما سمع "كعب" بقدوم حيي رفض أن يفتح له باب الحصن ورفض استقباله .
فناداه "حيي" من وراء الحصن .
قال : ويحك يا كعب افتح لي .
فقالوا له : كعب لا يريد أن يرى أحداً .
فأخذ يناديه من وراء الحصن .
يا كعب افتح لي باب الحصن اكلمك...
فأطل عليه كعب من نافذة الحصن...
وقال : ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم "منحوس"
ماذا تريد ؟؟
ألا تذكر ما فعلت بقومك ؟؟
"قومه بني النضير" عندما أشار عليهم أن يلقوا صخرة من سطح الدار على رسول الله ﷺ وهو ضيف عندهم .
فنزل جبريل عليه السلام وأخبره بمكرهم ونقضهم العهد .
ألا تذكر ما فعلت بقومك ؟؟
وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أرى منه إلا وفاءً وصدقآ
قال : دعني أدخل وأكلمك .
قال كعب : لا تكلمني ولا أكلمك وأغلق بابه مرة أخرى في وجهه .
فصاح حيي : ويحك افتح لي أكلمك .
قال : ما أنا بفاعل .

انظروا ماذا قال له وانظروا إلى مكر يهود أخبث خلق الله على الإطلاق .
قال : والله إنك يا كعب ما أغلقت بابك دوني إلا خوفاً على جشيشتك أن آكل معك منها .
"الجشيشية ما نسميه بالعامية "جريشة القمح إذا طحن طحناً قليلاً ، حتى لا يصبح طحين ، يطبخ حتى ينضج ثم يضع عليه اللحم صار : جريشة"

فغضب كعب "لأنه وصفه بالبخل"
فقال كعب : ويحك أنا أخاف على جشيشتي ؟
افتحوا له باب الحصن : ففتح له باب الحصن فدخل .
ففتح له فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام .
"يعني بحر هائج من الجيوش"
قال : وما ذاك؟
قال : جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال .
أي مدخل المدينة وراء الخندق .
وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى "إلى جانب أحد"
وهذا غير الأحابيش والأعراب مجموعهم 10 آلاف .

وقد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه ....
ثم أنت تغلق الأبواب في وجهي ؟
فقال كعب : جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هرق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ....
"جهام قد هرق ماؤه" هو السحاب والغيوم على المنطقة .
ولاماء فيه يرعد ويبرق في مكان آخر....
ويحك يا حيي دعني وما أنا عليه ....
إني على عهدٍ مع الرجل "أي رسول الله" و لم أرى من محمداً إلا وفاءً وصدقآ..
فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمع له .
"الذروة والغارب : هو مثل عند العرب إذا تنح الخيل أو الجمل ووقف لا يريد المشي .
فيأتي صاحبه ويضع يده على عنقه من الخلف ويمسح شعره إلى سنامه بلطف....
يعني ما زال حيي يتكلم مع كعب ويضحك عليه بالكلام المعسول حتى أطاعه كعب .
فوافقه على نقض عهده مع رسول الله ﷺ لكي يستأصلوا محمداً وصحبه رضي الله عنهم
وينتهوا منه ومن دينه إلى الأبد

قال كعب : ولكن إن انهزمت الأحزاب يا حيي ؟؟
ماذا سيكون مصيرنا ؟؟؟
قال له حيي : أعاهدك يا كعب لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك .
فوقف حبرهم "ابن سعدى" يعظهم ويذكرهم ....

ويقول لهم : اقسم بربِ موسى وعيسى إنكم لتعلمون أنه النبي المنتظر .
ومن يحارب نبي الله يخذل
إن لم تنصروا فدعوه...
ولا تنقضوا عهدكم معه .
وأخذ يحذرهم عواقب الغدر ولكنهم لم يسمعوا له ..
فنقض "كعب بن أسد" العهد وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله ﷺ .
وأعطى كعب لحيي كلمة عهد أن اجمع قومك يا حيي وحددوا يوماً لكي افتح لكم أبواب الحصن ...
فإذا فتحوا أبواب الحصن أين يذهب المسلمون ؟؟
الخندق في الجهة الشمالية
والحرتين من الغرب والشرق
"لا تستطيع الخيل أن تمشي فيها أبدا "
والمكان الوحيد للنجاة أصبح عند بنو قريظة ....
ومن هناك سيدخل العدو ....
فماذا سيكون مصير المسلمين
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
 
Comment

سيناا

محبوب الجماهير
عضو مميز
إنضم
27 أكتوبر 2021
المشاركات
32,767
مستوى التفاعل
6,607
مجموع اﻻوسمة
12
دروس في السيرة النبوية
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد

ربي يجعل هذا الطرح في ميزان حسناتك🌹
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
هلا بالغلا كلله
سيناا @سيناا
انرت يالذووق
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائة 158
بني قريظة ينقضون العهد .

لم يستطع جيش الأحزاب اقتحام الخندق وقد كان الحاصر
منهم من قال :
اسبوعين ومنهم من قال ثلاثة أسابيع .
ولكن أرجح الروايات أنهم حاصروا المدينة 18 يوم .

وهذه المدة من الوقت كانت صعبة على المشركين جداً .
لأنهم جاؤا إلى المدينة وهم غير مستعدون لفرض الحصار لمدة طويلة .....
وبالتالي فليس لديهم مؤن تكفي هذا الجيش كل تلك المدة .
ولكن استمرت المناوشات والطقس كان بارداً جداً ولا يوجد ربيع ترعاه الإبل والخيل ....
لم تحمل قريش معها مؤونة زائدة فقد ظنت أنها جولة يوم أو يومين وينتهي الأمر .
وكانت قريش تعتقد إذا وصلت المدينة أن ترعى إبلها وخيلها في مزارع المدينة .
فلما رأت قريش الخندق خاب ظنها وأقامت في شر مقام واحتاروا في أمرهم .
فلا مجال لإقتحام الخندق .

وكان مع جيوش الأحزاب "حيي بن أخطب" سيد يهود "بني النضير" والذين أجلاهم النبي ﷺ عن المدينة .
"حيي بن أخطب" الذي كان له الدور الأكبر في تجميع هذه الأحزاب....
فكما قلنا كان للمدينة مدخلين
من الشمال وقد حفر مكانه "الخندق"
ومن الجنوب الذي فيه يهود "بني قريظة" الذين كان معهم عهد مع النبي ﷺ ....

وكان العهد ينص في بنوده
"إن داهم عدو المدينة يدفعوا عنها لإنهم من أهلها"
فلما رأى "حيي بن اخطب" أن لا فرصة ولا مجال لتحقيق هذه الحملة من الأحزاب إلا إخوانه من يهود بني قريظة....

اجتمع مع زعماء الأحزاب وطمأنهم أنه سيحل مشكلة الخندق .....
وأن يجعل الخندق مقبرة للمسلمين بدلاً أن كان حصناً لهم .

قالوا : يا حيي كيف ذلك ؟؟
قال : إخواننا من بني قريظة
قالوا : كيف ؟؟
قال : يفتحوا لنا أبواب حصونهم وأنا سأقنعهم بذلك .
لأن بني قريظة كما ذكرنا في الجنوب للمدينة .
ولو فتحوا الأبواب للمشركين لاجتاحوا المدينة فما بالك لو حاربوا مع المشركين ....
فاعجب جيش المشركين بفكرة هذا اليهودي الخبيث ....

فاستأذنهم وانطلق لبني قريظة من جنوب المدينة ...
وكان سيد بني قريظة "كعب بن أسد القرظي" هو صاحب عقدهم وعهدهم ....
واليهود كما أخبرنا الله عز وجل وعلمنا أنهم جميعاً لهم نفس الصفة لا تتغير ولا تتبدل .
ولكن في هذا الوقت كان "كعب سيد بني قريظة" قد تعلم درساً قاسياً لما حصل لإخوانه من "يهود بني قينقاع وبني النضير"
فأخذ عهداً على نفسه أن يلتزم بعهده مع النبي ﷺ ....
وكان قد وفى بعهده مع النبي ﷺ ولم يرى من النبي صلى الله عليه وسلم إلا صدقاً ووفاءً .
فلما جاءت الأحزاب أغلق أبواب الحصون والتزم بالمعاهدة .
فلما سمع "كعب" بقدوم حيي رفض أن يفتح له باب الحصن ورفض استقباله .
فناداه "حيي" من وراء الحصن .
قال : ويحك يا كعب افتح لي .
فقالوا له : كعب لا يريد أن يرى أحداً .
فأخذ يناديه من وراء الحصن .
يا كعب افتح لي باب الحصن اكلمك...
فأطل عليه كعب من نافذة الحصن...
وقال : ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم "منحوس"
ماذا تريد ؟؟
ألا تذكر ما فعلت بقومك ؟؟
"قومه بني النضير" عندما أشار عليهم أن يلقوا صخرة من سطح الدار على رسول الله ﷺ وهو ضيف عندهم .
فنزل جبريل عليه السلام وأخبره بمكرهم ونقضهم العهد .
ألا تذكر ما فعلت بقومك ؟؟
وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أرى منه إلا وفاءً وصدقآ
قال : دعني أدخل وأكلمك .
قال كعب : لا تكلمني ولا أكلمك وأغلق بابه مرة أخرى في وجهه .
فصاح حيي : ويحك افتح لي أكلمك .
قال : ما أنا بفاعل .

انظروا ماذا قال له وانظروا إلى مكر يهود أخبث خلق الله على الإطلاق .
قال : والله إنك يا كعب ما أغلقت بابك دوني إلا خوفاً على جشيشتك أن آكل معك منها .
"الجشيشية ما نسميه بالعامية "جريشة القمح إذا طحن طحناً قليلاً ، حتى لا يصبح طحين ، يطبخ حتى ينضج ثم يضع عليه اللحم صار : جريشة"

فغضب كعب "لأنه وصفه بالبخل"
فقال كعب : ويحك أنا أخاف على جشيشتي ؟
افتحوا له باب الحصن : ففتح له باب الحصن فدخل .
ففتح له فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام .
"يعني بحر هائج من الجيوش"
قال : وما ذاك؟
قال : جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال .
أي مدخل المدينة وراء الخندق .
وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى "إلى جانب أحد"
وهذا غير الأحابيش والأعراب مجموعهم 10 آلاف .

وقد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه ....
ثم أنت تغلق الأبواب في وجهي ؟
فقال كعب : جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هرق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ....
"جهام قد هرق ماؤه" هو السحاب والغيوم على المنطقة .
ولاماء فيه يرعد ويبرق في مكان آخر....
ويحك يا حيي دعني وما أنا عليه ....
إني على عهدٍ مع الرجل "أي رسول الله" و لم أرى من محمداً إلا وفاءً وصدقآ..
فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمع له .
"الذروة والغارب : هو مثل عند العرب إذا تنح الخيل أو الجمل ووقف لا يريد المشي .
فيأتي صاحبه ويضع يده على عنقه من الخلف ويمسح شعره إلى سنامه بلطف....
يعني ما زال حيي يتكلم مع كعب ويضحك عليه بالكلام المعسول حتى أطاعه كعب .
فوافقه على نقض عهده مع رسول الله ﷺ لكي يستأصلوا محمداً وصحبه رضي الله عنهم
وينتهوا منه ومن دينه إلى الأبد

قال كعب : ولكن إن انهزمت الأحزاب يا حيي ؟؟
ماذا سيكون مصيرنا ؟؟؟
قال له حيي : أعاهدك يا كعب لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك .
فوقف حبرهم "ابن سعدى" يعظهم ويذكرهم ....

ويقول لهم : اقسم بربِ موسى وعيسى إنكم لتعلمون أنه النبي المنتظر .
ومن يحارب نبي الله يخذل
إن لم تنصروا فدعوه...
ولا تنقضوا عهدكم معه .
وأخذ يحذرهم عواقب الغدر ولكنهم لم يسمعوا له ..
فنقض "كعب بن أسد" العهد وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله ﷺ .
وأعطى كعب لحيي كلمة عهد أن اجمع قومك يا حيي وحددوا يوماً لكي افتح لكم أبواب الحصن ...
فإذا فتحوا أبواب الحصن أين يذهب المسلمون ؟؟
الخندق في الجهة الشمالية
والحرتين من الغرب والشرق
"لا تستطيع الخيل أن تمشي فيها أبدا "
والمكان الوحيد للنجاة أصبح عند بنو قريظة ....
ومن هناك سيدخل العدو ....
فماذا سيكون مصير المسلمين
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...











[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والخمسون بعد المائة 159
زلزلة المؤمنون ..

نقضت بني قريظة عهدها مع النبي ﷺ وقررت الإنضمام لجيش الأحزاب ضد المسلمون
فوصل الخبر للنبي ﷺ بغدر "بني قريظة"
وكان هذا الخبر تحول خطير جداً في المعركة لصالح الأحزاب
لأنه المدخل الوحيد لدخول المدينة من الجنوب والذي كان تحت سيطرة "بني قريظة"

عندما وصل الخبر إلى النبي ﷺ بغدر "بني قريظة"
بعث إليهم الزبير بن العوام رضي الله عنه ليستطلع له الخبر .
فلما وصل إلى حصونهم وجدهم يرممون حصونهم استعداداً للحرب فعاد مسرعاً إلى النبي ﷺ وأخبره بذلك .

فأراد النبي ﷺ أن يتأكد من ذلك فأرسل :
إليهم "سعد بن معاذ" رضي الله عنه سيد الأوس .
وكان "سعد بن معاذ" من قبل حليف "بني قريظة" قبل الإسلام
وأرسل معه "سعد بن عبادة" رضي الله عنه سيد الخزرج .
ومعهما "عبدالله بن رواحة"
وقال لهم النبي ﷺ : انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحقاً ما بلغنا عنهم أم أنها شائعة .
إن كانت شائعة فاجهروا بها على الناس حتى يطمئنوا .
وإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس .

انطلقوا حتى أتوهم فلما رأوهم "يهود بني قريظة" أغلقوا في وجههم أبواب حصونهم .
فنادهم "سعد بن معاذ" من وراء الحصون :يا كعب ... فأطل كعب
قال له سعد : ألا تفتح لنا ؟؟
قال : ماذا تريدون نحن في حرب
قال سعد : بلغنا عنكم امراً . فجئنا إليكم نستوثق
قال : وما بلغكم عنا ؟؟
قال : بلغنا أنكم نقضتم عهدكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا : من رسول الله هذا ؟؟
قال : ويحك محمد رسول الله .
قال : ومن قال لك أن محمداً رسول الله ؟
وكان "سعد بن معاذ" رضي الله عنه ذو حدة "يغضب وينفعل بسرعة"
فغضب سعد وثار
فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه
"أرأيتم هؤلاء الذين كان بينهم وبين سعد عهد قبل الإسلام "
فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم الذي بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ....
"يعني اللي بينا وبينهم الآن شأن مهم أرقى وأعلى من المشاتمة"
قال سعد وهو مغضب : لا والله لا أنصرف عنهم حتى اسمعهم ما يرضي الله ورسوله
سعد هذا رضي الله عنه "الخندق" كلها لسعد بن معاذ وسترون ذلك .
ما قال كلمة يوم "الخندق" إلا نزل القرآن الكريم بعدها بنفس النص الذي نطق به سعد رضي الله عنه...
وما دعى دعوة يومها إلا استجيب له كما أراد رضي الله عنه
"سعد بن معاذ" عجزت النساء أن يلدنَّ مثل سعد .
"لمن يتسألون ماذا فعل سعد رضي الله عنه : أسلم وعمره 30 واستشهد وعمره 36 فماذا فعلت يا سعد في 6 سنوات حتى اهتز لموتك عرش الرحمن"
ستعلمون من هو سعد رضي الله عنه
فماذا قال سعد رضي الله عنه
قال سعد : يا إخوة القردة والخنازير
"فكانت أول مرة تُسمع هذه الكلمة بين العرب تُطلق على اليهود نطق بها سعد رضي الله عنه
قال : يا اخوة القردة والخنازير .
إني لأرجو الله أن يهزم الأحزاب وحده فينقلبوا بغيظهم فلا ينالوا خيرا .
ونزل القرآن الكريم يقول كما نطق سعد رضي الله عنه :
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ .....

ثم قال : ثم نأتيكم ونحاصركم في جحوركم هذه فتنزلوا على حكمنا ....

سنرى في الأجزاء القادمة عندما حاصرهم النبي ﷺ وقال لهم انزلوا على حكم الله ورسوله قالوا لا إنما ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه

فرجع الصحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله ﷺ
وقالوا له : عضل والقارة .
"يعني غدر كغدر عضل والقارة .
وهي القبائل التى غدرت بالمسلمين عند بئر "الرجيع"
فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه الغدر .
فاغتم ﷺ لهذا الخبر حتى أنه غطى رأسه بالثوب ولم يكلم أحداً حين جاءه الخبر عن بني قريظة.....
فاضطجع ومكث طويلاً فلم يكلم أحداً.... فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه اضطجع وعرفوا أنه لم يأته عن بني قريظة خير .

ثم إنه رفع رأسه وقال : أبشروا بفتح الله ونصره .

هنا لنا وقفة .
لماذا قال لهم ﷺ أبشروا بفتح الله ونصره .
لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا قد اعتمدوا أن جهة الجنوب فيها بنو قريظة يحمون ظهرنا ....
أما الآن فقد نقضت عهدها "بنو قريظة" وأصبحوا عدواً بدل أن يكونوا مدافعين ...
إذن قال النبي صلى الله عليه وسلم "حقيقة....
أبشروا بفتح الله ونصره .
أين موضع هذه الكلمة : مع ما دهانا من الأمور وقد نقضت قريظة عهدها واتفقت علينا مع الأحزاب وسيدخلون علينا من كل باب ؟

فما معنى أبشروا بفتح الله ونصره .
لأننا كبشر كنا معتمدين على حماية ظهرنا من قبل يهود...
أما الآن فقد قطعنا الأمل من كل شيء وأحيط بالصحابة رضي الله عنهم من كل جانب .
إذن إلى أي جهة سيتوجهون بقلوبهم بصدق ليس إلا لله تعالى
وهو الذي يقول جل في علاه
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ .

مادام الآن انقطعت جميع الأسباب إذآ ستتوجهون إلى الله حقيقةً لجوء المضطر .
فأبشروا بفتح الله ونصره .
وهذه سنة الله في خلقه

قال تعالى واصفاً الرسل :
حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا .

ولكن وبرغم هذه المحاولات من الرسول ﷺ لعدم انتشار هذا الخبر بين المسلمين ....
ولكن انتشر هذا الخبر الخطير جدآ بين المسلمين ...
وكان هذا الموقف من أكثر المواقف حرجا في تاريخ الدعوة الإسلامية......
ومن أشد الإبتلاءات التي مر بها المسلمون .
خبر ليس بالسهل على الإطلاق .
خبر جعل الصحابة رضي الله عنهم في موقف لا أحد يتصوره .
ونسمع وصف حالهم في ذلك الموقف من الله عز وجل .
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ .
"من فوقكم أي من جهة بن قريظة لأنها مرتفعة ولأنها جهة القبلة جعلها الله من فوق"
"وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ أي الأحزاب المرابطة جهة الخندق"

ثم يصف الله تعالى حال المسلمين عند سماعهم الخبر .
وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدً .

أرأيتم وصف الله تعالى لأصحاب النبي ﷺ يقول عندما سمعتم هذا الخبر .


هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا .
هنالك اي عند ذلك الوصف الذي ذكرناه ابتُلي المؤمنون .
اعتبره بلاء... وأي بلاء أعظم من هذا ؟؟

ونرجع إلى سياق الآيات
يصف الله تعالى حال المنافقين في المدينة في ذلك الوقت ...
قال تعالى
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا .
كان المنافقون يقولون : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر .
وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط .
ساعتها فُتح المجال للمنافقون ومن شدة خوفهم لم يستطيعوا أن يتصنعوا الإيمان ويكتموا نفاقهم .

مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا .
وبدأ المنافقون في التسرب من الصف والهرب .

وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا .

قالت طائفة منهم "المنافقين" يا أهل يثرب من شدة الخوف ولأنهم مرضى قلوب نسيوا يقولوا : المدينة وبرز طبعهم الأصلي "النفاق" ونطقوا بالتسمية الجاهلية للمدينة قالوا "أهل يثرب" لا مقام لكم فأرجعوا .
يعني لماذا قاعدين تحرسوا الخندق على الفاضي ارجعوا لبيوتكم عشان ما تبينوا أنكم محاربين .
اتركوا محمد ومن معه عند الخندق .....

وطائفة منهم يستأذنوا النبي يقولون بيوتنا عورة
يعني : يقولوا للنبي "قريظة" نقضت عهدها نحن بيوتنا عورة يعني مكشوفة بوجه العدو خلينا نروح نحمي أولادنا ونسائنا .

وهكذا بدأت تنقية صفوف المسلمين من شوائب المنافقين .

وكانت هذه ودائما كما ذكرنا هي حكمة الله تعالى في الإبتلاء آت والفتن....
والله عزوجل يكذبهم "كذابين" ويقول :
وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا .
وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا .
ورضي الله عن "سعد بن معاذ" وقد نزلت الآيات بعد انتهاء غزوة الخندق ....
عندما جاءت هذه الطائفة من المنافقون يستأذنون رسول الله ويقولون بيوتنا عورة وقريبة من "قريظة"
ونخشى على النساء والذرية فهل تأذن لنا نحمي بيوتنا ونصد عنكم ما استطعنا من "بني قريظة"
والنبي ﷺ صدقهم وكاد أن يأذن لهم بالذهاب ....
فدخل "سعد بن معاذ" رضي الله عنه : على غير موعد فوجدهم يستأذنون والنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يأذن لهم...
قال : ما شأنهم يا رسول الله .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : يريدون أن يستأذنون فإن بيوتهم عورة ليحموا النساء والذرية ....
فقال سعد : لا والذي بعثك بالحق ماهي بعورة إن يريدون إلا فرارا .
فنزل القرآن الكريم كما نطق سعد :
يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا .
قال سعد : هذه عادتهم معنا دائماً يا رسول الله .
ما دهمنا أمر إلا خذلونا و استأذنوا ....
فلا تأذن لهم يا رسول الله
فلم يأذن النبي ﷺ لهم ونزل القرآن الكريم يفضحهم كما نطق سعد بن معاذ رضي الله عنه

ما قال "سعد بن معاذ رضي الله عنه" كلمة يوم الخندق إلا نزل القرآن الكريم بعدها بنفس النص الذي نطق به سعد .
وما دعى دعوة يومها إلا استجيب له كما أراد .
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .

النبي ﷺ كان قد أمر قبل الخندق كما قلنا أن تجلس النساء والأطفال فوق الحصون .
اما الآن وقد نقضت عهدها اليهود لم يعد هنالك أمان .
فممكن اليهود أن يدخلوا ويقتلوا النساء والذرية وينهبوا البيوت .
فاضطرب الصحابة رضي الله عنهم وأصبحت قلوبهم ليست معهم قلوبهم عند أولادهم ونسائهم ....
وصدق الله فقد زلزل المؤمنون .
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدً .
هذه الزلزلة جعلت الصحابة رضي الله عنهم يفاوضون النبي ﷺ .
يقولون : يارسول الله ألا نرسل منا من يحفظ النساء والذرية ؟
قال : أجل نرسل كل ليلة طائفة "يعني رجال" يظهرون التكبير ويطوفون ببيوتنا .....
فتسمع بهم يهود "أي قريظة" فيعلمون أننا لم نترك نساءنا من غير رجال وحرس ويعودون إلينا بالنهار "لأن بالنهار لا خوف . الخوف في الليل"
وتوجه النبي ﷺ إلى ربه في كشف هذه الغمة .

حال الصحابة رضي الله عنهم الآن لايعرفون في أي يوم اتفقت يهود بني قريضة مع الأحزاب على نقطة الصفر ليفتحوا لهم أبواب حصونهم ؟

✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....




: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الستون بعد المائة 160
الحرب خدعة .

اهتز المسلمون وزلزلوا زلزالاً شديداً وبلغت القلوب الحناجر
وأرسل النبي ﷺ مجموعات من الصحابة رضي الله عنهم يطوفون حول بيوت المدينة ليلاً يجهرون بالتكبير لتعلم يهود "بنو قريظة" أن هناك حرس على البيوت ورجال ....

وأرسل اليهود عيونهم إلى داخل المدينة، وأخذوا يطوفون بالحصون التي بها النساء والأطفال والشيوخ ، ليختبروا إمكانية مهاجمة هذه الحصون..

مما وقع حقيقة في ذلك الوقت "في معركة الخندق" عندما بلغت القلوب الحناجر وينفع المسلمين اليوم :
عندما قام النبي ﷺ بإرسال الناس أفواجاً ومجموعات بين بيوت المسلمين يكبرون في الليل ويحمون بيوت المسلمون في المدينة .
جاء إلى النبي ﷺ شاب من الأنصار واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال : هل تأذن لي يا رسول الله أن أذهب مع من يطفون ويكبرون "وكان في نفسه حاجة"
فأذن له النبي فلما قام هذا الشاب ...
قال له النبي ﷺ خذ سلاحك .
"قام من غير السلاح إذن ليس ذاهباً للحراسة في نفسه حاجة"
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : خذ سلاحك .
فأخذ رمحه وسيفه
فلما كان في وسط المدينة قال: لأمير المجموعة
"زيد بن حارثة" رضي الله عنه
قال : هل تأذن لي أن آتي بيتي فأنا حديث عهد بعرس .
"
قال له زيد رضي الله عنه : نأذن لك ولكن لا تُطّل .
فلما دخل لداره
وجد زوجته العروس قائمة بين البابين ....
باب الحوش الخارجي وباب الدار الداخلي ، بالوسط
فظن فيها السوء فوراً رفع هذا الشاب الرمح يريد أن يضربها
فقالت : لا تعجل ادخل وانظر ماذا يوجد في دارك ؟
فإذا هي حية كبيرة ملتفة جالسة على فراشه ....
فلما رأى الحية على فراشه
غرز الرمح في رأس الحية وأخرجها إلى الحوش ووضع الرمح الذي فيه الحية على جدار الدار فأضطربت الحية في رأس الرمح "يعني تهتز تخرج روحها"
تقول زوجته : وسقط الشاب إلى الأرض ميتا فوراً
تقول : فوالله ما أدري أيهما أسرع موتاً هو أم الحية ؟؟
فصاحت....
فسمع زيد رضي الله عنه الصوت فرجع مسرعاً مع رجاله
قال : ما الأمر ؟
فقصت عليهم ما حدث
فقالوا : لا حول ولا قوة إلا بالله
فأخذوا يقلبوه ، فوجدوه ميت ولم يجدوا به أثر لدغة وليس به شيء ...
فوضعوه على فراشه وتركوا رجل يحرس باب الدار .
ثم رجعوا وأخبروا النبي ﷺ بما حدث
فقال ﷺ : إن في المدينة جن أسلموا .
فإذا بدأ لأحدكم شيئاً من ذلك فليأذنه ثلاث .
"أي أن يقسم عليه بالله ثلاثا أن يخرج من بيته ، أي إنسان وجد أفعى أو عقرب ونحوه في بيته قبل أن يقتلها يقف من بعيد ويقول لها اقسم عليك بالله أن تخرجي من بيتي يقولها ثلاث"
فإن لم يمضي "أي يخرج" فأعلموا أنه شيطان فاقتله .
ولكن كان هذا الشاب قد قتل جني مسلم فأخذ أهله بثأره فوراً فقتلوا الشاب .....

"وانظروا مشيئة الله تعالى إذا أراد شيئا هيأ له أسبابه"
ثم أرسل النبي ﷺ 20 رجل من أصحابه ومنهم رجال من ذوي المتوفى ليدفنوه ....
فحملوه فسلكوا به من الوادي العقيق ...
فكان في ذلك الوقت "أبو سفيان" قد اشتكى لحيي بن أخطب .
أنه قد نقصت المؤنة من جيش قريش ....
فقال : يا حيي نفذت علائفنا ونقصت مؤونتنا وهلكت الخف والكراع ....
"يعني الإبل والخيل هلكت لا يوجد شيء يأكلهوه "
فهل لدى "بني قريظة" من علف و قوت .
قال له : نعم .
ثم ذهب وكلم له "كعب" سيد بني قريظة .
فقال له كعب : المال مالك .
فأرسل أبو سفيان عشرين ناقة لتحمل لهم الطعام والعلف من بني قريظة ....
فلما حُمَّلت تماماً وانطلقوا وتوجهوا يريدون الخندق من الخارج كان لا بد لهم أن يمروا من وادي العقيق .

فكان العشرون من الصحابة رضي الله عنهم يحملون جثة هذا الشاب الذي مات وكان الوقت نهار ....
فألتقوا بقافلة المشركين .
فأقتتل المسلمون معهم فهزمهم المسلمون وأخذوا القافلة بكل ما فيها ....
وكان أهل المدينة في جوع وعسر شديد ....
سبحانك ربي ما أعظمك وما أجملك : أراد أن يطعمهم
ثم رجعوا بعد أن دفنوا هذا الشاب إلى النبي ﷺ
واذا معهم عشرون جمل محمل .
قال لهم النبي ﷺ: ماهذه .
قالوا : غنمناها من رجال قريش أرسلت بها قريظة إلى قريش .
فكان موت الشاب سبب في غنيمة تفرج كرب الخندق .
ولما وصل الخبر لأبي سفيان
قال : إن حيي لرجل مشؤوم .

سروا بهذه الغنيمة وفرَّجت عنهم بعض الكرب ...
ولكن ما زال الصحابة رضي الله عنهم مكتئبون لأنهم على أعصابهم لا يعلمون متى ستفتح قريظة للأحزاب أبواب الحصون .

في صباح الاربعاء كان النبي ﷺ
يفكر فيما يمكن أن يفعله لمواجهة هذا الموقف الصعب
وأراد الرسول ﷺ أن يفكك هذا التحالف ففكر الرسول ﷺ أن يعرض بعض المال على قبائل "غطفان" في سبيل أن تنسحب غطفان وتترك حصار المدينة
وكان هذا المال الذي فكر الرسول ﷺ أن يعرضه على "غطفان" هو "ثلث ثمار المدينة"
وكان الرسول النبي ﷺ واثقا أنه إذا عرض على "غطفان" هذا العرض فإنها ستوافق
لأن "غطفان" لم يكن بينها وبين المسلمين عداءاً شديد .
والنبي ﷺ كان على عهد معهم ولكنهم نقضوا العهد تذكرون سيدهم "عيينة" ذكرناه من قبل الذي قال عنه النبي ﷺ: الأحمق المطاع .
والذي شجعها على الخروج لغزو المسلمين هو أن يهود "خيبر" اتفقوا معهم على أن يعطوهم نصف ثمار خيبر لمدة عامين .
فإذا عرض الرسول ﷺ أن يعطيهم من ثمار المدينة
دون قتال فلابد أنهم سيوافقوا وينسحبوا ....
فإذا انسحبوا سيصبح جيش الأحزاب 4000 بالإضافة إلى يهود "بني قريظة" وهؤلاء يمكن للمسلمين الإنتصار عليهم .
كما حدث في بدر وكما حدث في الجزء الأول من معركة أحد .

أرسل النبي ﷺ إلى "عيينة بن حصن" سيد غطفان
فجاء ومعه بعض الرجال
فأدخله النبي ﷺ خيمته وعرض عليه الأمر ....فوافق عيينة
فقال له النبي ﷺ اجلس على ما أنت عليه حتى نستأذن السعدين .
لأن تمر المدينة للأنصار وسادة الأنصار السعدين .
١- سعد بن معاذ سيد الأوس .
٢- سعد بن عبادة سيد الخزرج .

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فلما حضروا
وكان عيينة جالساً وفي ظنه أنه انتصر وقد حاز على ثلث تمر المدينة وها هو محمد يطلب مني الصلح ....
وكان جالساً وقد مد رجليه
فدخل سعد بن معاذ متوشحاً سيفه فلما رأى "عيينة" سيد غطفان يمد رجليه في حضرة النبي ﷺ ....
وقبل أن يعلم ما الخبر نظر إليه وصرخ به ....
قال : يا عين الهجرس .
"الهجرس يعني الثعلب أي يا عين الثعلب"
يا عين الهجرس أتمد رجليك في حضرة النبي ﷺ ؟
والله لولا أنك في مجلسه وفي خيمته لأنفذت خصيتيك بهذا الرمح ....
وصرخ سعد في وجهه أقبض رجليك ....
فقبض عيينة رجليه .
ثم اخفض رأسه "سعد بن معاذ" وألتفت إلى رسول الله ﷺ بكل أدب وهدوء
وقال : سمعاً وطاعةً يارسول الله : أرسلت في طلبنا .
فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالذي تفاوض به مع عيينة .
وقال : مارأيكما ؟

فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه بكل أدب يا رسول الله .
إذا كان هذا أمر من السماء قد أمرك الله به فليس لنا من الأمر شيئاً امضي على بركة الله .

وإن كان هذا الأمر تحبه وترضى فيه وترى فيه خيرا فنحن طوع أمرك .
أم إن كان شيء تصنعه لنا ؟ فلنا فيه رأي ....
"يعني : تخفف عنا المصيبة لأن العرب ماحاربتنا إلا لوجودك بالمدينة إذا خفت علينا
لنا فيه رأي"
فقال النبي ﷺ : بل شيء أصنعه لكم .
والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة.
وكالبوكم من كل جانب.
فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم .
فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله .
قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه .
وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرىً أو بيعاً .
أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا به وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ؟؟
أنعطيهم الدنية في ديننا ؟؟

لا والذي بعثك بالحق لا نعطيهم إلا حد السيف فليجهدوا علينا ما استطاعوا .
"يعني دعهم يحزبوا كل الناس ، لا تحمل همنا يا رسول الله .
ما لنا بهذا من حاجة .....
فتهلل وجه النبي ﷺ كأنه القمر وسُر بكلام سعد وأقره .
وعلم أن الأنصار هم الأنصار لم تهزهم هذا الأحداث كلها
ثم انصرف عيينة خائباً لم ينل خيراً ....

ومرة ثانية ينزل النبي ﷺ على رأي يخالف رأيه .
وهذه هي مكانة "الشورى" في الإسلام .
ولم يكن هذا الرأي رايا عنتريا غير مدروس ...
ولكن كان نظرة "استراتيجية" صائبة تماما....
لأن الإتفاق مع "غطفان" كان سيحل المشكلة لاشك فتنسحب غطفان ويتفكك التحالف وتنهزم قريش واليهود ....
ولكن في نفس الوقت كان سيكون له تداعيات سلبية وخطيرة جداً في المستقبل
لأن ذلك كان سيكون معناه :
أن غطفان قد حققت انتصارا على المسلمين .
وبذلك تهتز صورة المسلمين أمام الجزيرة كلها .
وسيفتح باب الإبتزاز المستمر للمدينة .
فكلما أرادوا مال جاءوا وحاصروا المدينة ....
خاصة أن قبائل غطفان من "المرتزقة" الذين يعيشون على قطع الطرق ومهاجمة القبائل .
وقت الظهر قام النبي ﷺ بالصحابة رضي الله عنهم يوم الأربعاء لصلاة الظهر فجمعهم للصلاة ....
فصلى بهم وطمأنهم وقال لهم ﷺ
يا أيها الناس .
لا تتمنوا لقاء العدو .
واسألوا الله العافية .
فإن لقيتم العدو فأصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف .
يحثهم على الجهاد في سبيل الله
ثم بسط كفيه للسماء .
يدعو الله تعالى :
اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب .
اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم .
فقال له بعض أصحابه رضي الله عنهم : يا رسول الله قد بلغت منا القلوب الحناجر ....
فهل من شيء نقوله حتى تطمئن القلوب ؟
قال النبي ﷺ نعم .
قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا .
الحديث رواه البخاري

وفي مغرب هذا اليوم في ذلك الموقف العصيب جداً والذي يعتبر من أحرج لحظات الدولة الإسلامية ....
حدث أمر غير متوقع على الإطلاق وهو إسلام رجل اسمه "نعيم بن مسعود"
هو أمر غير متوقع في ذلك الوقت بالتحديد...
لأن "نعيم بن مسعود" من قبيلة "غطفان" وهي كما نعلم أحد القبائل المحاصرة للمدينة...
فكيف يمكن لرجل من الجيش "المُحَاصِر" القوي أن يترك هذا الجيش القوي وينضم إلى الجيش الأضعف "المُحَاصَر" المهدد بالفناء في أي لحظة .

أسلم "نعيم بن مسعود" جاء قبل الغروب وهو من قبيلة "عيينة" من غطفان الذي خرج مطروداً من سعد بن معاذ وهو في خيمة النبي ﷺ في الصباح
ليكون له دور كبير جداً في رفع الحصار عن المسلمين...
"ولو كان قد أسلم قبل ذلك لما كان له هذا الدور المحوري والهام جداً في غزوة الأحزاب"
جاء نعيم بن مسعود إلى الرسول ﷺ فأستأذن بالدخول
"ظنوه رسولاً جاء من طرف عيينة والرسل معروفة عند العرب لا تقتل"
فلما دخل اجلسه النبي ﷺ في خيمته وقال له ماذا وراءك يا نعيم .
قال له نعيم : يا رسول الله .
يا رسول الله كلمة لا يقولها إلا مؤمن .
الكافر يقول يا محمد يا أبا القاسم....
قال : يا رسول الله إني رجل قد أسلمت .
وإن قومي غطفان لم يعلموا بإسلامي .
فمرني بما شئت
من الذي ألقى الإيمان في قلبه ذلك اليوم ؟
إنه "الله" جل جلاله...
فقال له : النبي صلى الله عليه وسلم : إنما أنت رجل واحد
يعني أن انضمامك إلى الجيش لن يكون فيه فارق كبير لأنك شخص واحد
ولكن خذّل عنا ما استطعت
فإن الحرب خدعة

قال نعيم رضي الله عنه : يارسول الله ، إني أحتاج أن أقول الكذب؟
فهل تأذن لي ؟
قال له النبي صلى الله عليه وسلم :قل ما شئت ، فإن الحرب خدعة
أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم {{ لنعيم بن مسعود }} أول الخيط : وفتح له الباب إلى الإبداع...
و الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن {{نعيم بن مسعود}} عنده هذه القدرة الخاصة
وقد حاول {{ أبو سفيان بن حرب }} أن يستخدم :
{{نعيم بن مسعود}} في تخويف المسلمين في غزوة بدر الآخرة، وفشل {{ نعيم }} في تخويف المسلمين...
وبالفعل قام {{ نعيم بن مسعود }} رضي الله عنه وأرضاه
بخدعة عجيبة لم تخطر على بال أحد من الصحابة رضي الله عنهم
خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم
ويمم وجهه نحو يهود {{ بني قريظة }}
وكان قبل ذلك الوقت معروفا لديهم وكثير التردد عليهم
وهو صديق حميم لسيد بني قريظة {{ كعب }} وصديق أيضا لحيي بن اخطب
فدخل عليهما فرحبا به
فقال لهما : يا كعب ويا حيي
قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم....
قالا له : أجل ، صدقت أنت رجل غير متهم عندنا

فقال نعيم :إني ناصحاً لكم
فإن قريشاً قد ملت المقام [[ يعني لهم ١٥ يوم ملوا وزهقوا لا يريدون الحرب ]]
وقد تشائم أبو سفيان من استيلاء أصحاب محمد على القافلة ، وأن هذا الرجل [[ قصده النبي ]] لا يؤمن جانبه
هل نسيتم ما صنع بإخوانكم من بني {{ النضير وقينقاع }}
وقريش ليسوا مثلكم
البلد بلدكم فيه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره...

وإن قريشاً قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره
يعني بيوتهم ونسائهم في مكة
فإن أصابوا فرصة انتهزوها
وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم...

قالوا :والله قد فتحت أذهاننا ، وما العمل يا نعيم ؟! !!
قال :لا تقاتلوا معهم حتى يُعطوكم رهائن
قالوا : كيف ؟
قال :خذوا من سادة قريش وغطفان {{كذا رجل }}
قيل عشرة وقيل أكثر
من أشرافهم يدخلوا معكم في الحصن ، فلا يستطيع القوم أن يرجعوا بلادهم ، وسادتهم وأشرافهم ، في حصنكم فاياكم أن تقاتلوا محمد ، إلا وأشراف قريش عندكم في الحصن
قالوا : لقد أشرت بالرأي
قال : ولكن اكتموا عني
قالوا : نفعل ..
ثم ذهب نعيم إلى جيش الأحزاب في نفس الليلة ...
واجتمع مع سادة قريش
وقال :يا أبا سفيان تعلمون ودي لكم ونُصحي لكم
أحدثكم حديثا وتكتموا عني
قالوا : نعم افعل ، ما أنت عندنا بمتهم ...
ماذا عندك يا نعيم ؟ !!!
قال :كنت عند {{بني قريظة }}
[[ طبعاً هم يعلمون أن نعيم صديق لهم ]]
قال : وسمعت منهم حديث ما سرني ، فما أحببت أن أبيته ليلة ، حتى يكون بين يديك وأنت سيد القوم يا أبا سفيان
قال ابو سفيان : ما وراءك يا نعيم تكلم
قال :إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه...
وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يوالونه عليكم...
فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم
قالوا : أجل قد أشرت بالرأي

ثم ذهب إلى غطفان وقال لهم ما قاله لقريش...
وهكذا شعرت قريش بالقلق
وكذلك غطفان
فأرسلوا رسالةً إلى اليهود وقالوا : إنا لسنا بأرض مقام ، وقد هلك الكراع والخف [[ الإبل والخيل التي معهم هلكوا من الجوع
فانهضوا بنا حتى نناجز محمداً
يعني افتحوا لنا الحصون ندخل على محمداً وأصحابه ]]
فأرسل بنو قريظة رد لهم :
{{ إنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن }}

فقالت قريش وغطفان : صدقكم والله نعيم...
فبعثوا إلى اليهود وقالوا :
{{ إنا لا نُرسل إليكم أحداً فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدًا }}
فقال اليهود: صدقكم والله نعيم

فدبت الفرقة بين الفريقين، وهكذا استطاع
{{نعيم بن مسعود}} رضي الله عنه وأرضاه
بحيلته أن يقضي على هذا التحالف الخطير الذي كان بين {{ الأحزاب وبين يهود بني قريظة }}
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....









سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الواحدة والستون بعد المائة 161
إنسحاب الأحزاب وتحقق النصر

نحن الآن في آخر أيام الخندق ، وقد دام حصار المسلمون
على أرجح الروايات {{ ١٨ }} يوم
بعد أن وقع الخلاف بين{{ الأحزاب ، وبني قريظة }} على يد {{ نعيم بن مسعود}} رضي الله عنه
بالرغم من أن الكفار جائوا للحرب دون اتفاق مع {{بني قريظة }}

ولكن أن يحقق الجيش ميزة ثم يفقدها ، فهذا يحبطه حتى ولو لم تكن معه هذه الميزة من أول الأمر....
وقبل إنسحاب الأحزاب بيوم
اشتدت قريش على خيمة النبي صلى الله عليه وسلم بنبالها
تحاول بكل ما استطاعت ، أن تحقق هدفها وهو قتل النبي صلى الله عليه وسلم
فكان هدفهم جميعاً ، خيمة النبي صلى الله عليه وسلم يرمونها بالنبال فأحاط الصحابة رضي الله عنهم بخيمته صلى الله عليه وسلم ، إحاطة السوار بالمعصم ، يصدون السهام والنبال عن خيمته فأقبل {{ سعد بن معاذ رضي الله عنه }}
وعليه درع مقلصة [[ أي صغيرة عليه لم تستر يديه ]]
ومر مسرعاً من أمام مكان مرتفع قد تجمع فيه النساء
وكانت أمه [[ أي أم سعد ]] والسيدة عائشة من ضمن هذه النساء رضي الله عنهم
ينظرون إلى ماذا يجري حول خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
وفي يد {{ سعد }} رمح ويجري مسرعاً لخيمة النبي صلى الله عليه وسلم
وقد شاعت الأخبار أن الأحزاب صبوا كل غضبهم ، على خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت له أمه :أي بني تعجل فلقد تأخرت عن رسول الله [[ يعني تأخرت المفروض تكون أول المدافعين عن خيمة النبي صلى الله عليه وسلم ]]
تقول السيدة عائشة : فما سرني درعه التي يلبس ، فإنها غير سابغة [[ أي ساترة ]] قد بانت منها ذراعيه.....
فقلت : يا أم سعد ، وددت لو أن درع سعد أسبغ فإني أخشى عليه
فقالت أمه :ليقضي الله ماهو قاضٍ [[ تسلم الأمر لله تعالى ]]

فأقبل{{ سعد }} ووقف بباب خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
يصد السهام عن خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
فجاء سهم وصاحبها ينادي خذها وأنا {{ ابن القمئة }} فنزل السهم في أكحل سعد الأيسر
[[ أي الشريان الرئيسي في يده]] فنفر الدم وسمع النبي صلى الله عليه وسلم ، بإصابة سعد رضي الله عنه... قال النبي صلى الله عليه وسلم : ابن قمئة ؟؟
قالوا :أجل يا رسول الله
قال : أقمه الله في نار جهنم
فوضع سعد يده اليمنى على مكان الجرح ، والدم ينزف بشدة
ثم رفع طرفه للسماء ....
انظروا إلى هؤلاء الرجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
رجال صدق
{{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }}

رفع طرفه للسماء يناجي ربه
وقال :
اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً ، فأبقني لها ما بقيت ، فإنه لا شيء أحب إلي من أن اجالد قوماً [[ أي اقاتل ]] كذبوا نبيك وأخرجوه
وإن كان قد وضعت الحرب بيننا وبينهم [[ يعني لا معركة أخرى معهم ]]
فاجعله طريقي إلى الجنة [[ ارزقني الشهادة ]]
ولا تخرج نفسي حتى تقر عيني من {{ بني قريظة }}
سبحان الله ما أعظم إيمانك يا {{ سعد رضي الله عنك وارضاك }}

١_ يريد أن يعلم هل الحرب مستمرة أم انتهت ؟
٢_ثم يريد الشهادة من هذه الإصابة.
٣_ثم لا يريد الموت قبل أن تقر عينه من {{ بني قريظة }}

فما أن انتهى {{ سعد بن معاذ رضي الله عنه }} من دعائه إلا وقد انقطع الدم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يمرض في خيمة قريبة من مسجده

مضى النهار وانصرف المشركون عن خيمة النبي صلى الله عليه وسلم
وأرسل {{ أبو سفيان }} رسالة للنبي صلى الله عليه وسلم
يقول فيها :
كنت قد خرجت إليك بعشرة آلاف ، وأنا أعزم على أن لا أرجع لمكة ، حتى استأصلك وصحبك ودينك ، ولكنك احتميت وراء خندق وكان من أمرك ما كان والأيام بيننا سجال ....

فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم جواباً
أما بعد :
فإنَّ ما عزمت عليه ، يحول الله بينك وبينه وسيأتي عليك يوم
أكسر فيه {{ الآت والعزى }} على مرأى منك ، وبيدي مفاتيح الكعبة وسأذكرك بذلك يا {{ سفيه بني غالب }}

قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي تلك الليلة ، وكانت ليلة شديدة البرد مظلمة في آخر الشهر ... وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن يرسل أحد الصحابة رضي الله عنهم ويدخل إلى داخل جيش الأحزاب
يستطلع لهم خبر القوم
وجاءت {{ القدرة الإلهية }} في تلك الليلة :
أرسل الله تعالى على معسكر الكفار ريحا شديدة باردة قاسية البرودة....
فقلبت قدورهم ، وأطفئت نيرانهم ، واقتلعت خيامهم ، بينما كانت هذه الرياح هينة عند معسكر المسلمين ولم يكن بينهما إلا عرض الخندق....

فماذا حدث في تلك الليلة
سيحدثنا عن تلك الليلة الصحابي الجليل :
{{ حذيفة بن اليمان }} رضي الله عنه والحديث في البخاري ومسلم رحمها الله

جلس {{ حذيفة }} يحدث التابعين [[ الشباب الذين جاؤوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم
جلس يحدثهم ، عن غزوة الخندق ، فلما انتهى
قال قائل لأبي حذيفة : وشهدتم هذا كله مع رسول الله ؟ !!
[[ متعجب لأن أحداث كثيرة حصلت في الخندق ]]
قال : أجل
فقال قائل منهم : ليتني كنت معكم ، فوالله ما أدع رسول الله صلى عليه وسلم يمشي على الأرض خطوة ، لأحملنه على ظهري ....
وقال الآخر : ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً....

فقال حذيفة رضي الله عنه :لا تتمنوا ذلك يا إخوة الإسلام
لقد رأيتُني ليلة ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلة الخندق :
[[ويعني ليلة الخندق أي الليلة الآخيرة ]]
ونحن ثلاث مئة أو قريب من ذلك :

يقول : قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الليلة
ثم استقبلنا ينظر فينا واحداً واحد...
ثم قال : إنه كائن حدث في القوم هذه الليلة :
يبشر أصحابه رضي الله عنهم
إنه كائن حدث في القوم هذه الليلة ....

ألا رجل يأتني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة ؟
يقول حذيفة رضي الله عنه : فو الله الذي بعثه بالحق ، لم يقم منا رجل واحد
[[ برد شديد ، وظلمة و خوف ، وقريش قد استشرت واستأسدت ]]
قال فأعادها : ألا رجل يأتني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة ؟؟
قال : فوالله ما قام منا رجل واحد ....
[[ طبعا الذين حول الرسول ال ٣٠٠ من كبار الصحابة رضي الله عنهم أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وأبو دجانة وحذيفة وغيرهم من خيرة الصحابة ، ولكن الموقف ليس بالسهل أبداً ]]
يقول حذيفة : ما قام منا رجل واحد
ثم نظر إلي .. وقال : أحذيفة ؟؟
قال: وأنا أجلس على ركبتي فتقاصرت إلى الأرض....
قلت : لبيك يا رسول الله
قال : تسمع صوتي منذ الليلة ولا تجيب ؟!! قم
قال حذيفة : فقمت واقفاً بين يديه ....
وقلت : والذي بعثك بالحق ما قمت إلا حياءً منك
فقال لي : اذهب فأتني بخبر القوم ....
قلت : والذي بعثك بالحق لا أخشى الموت ، ولكن أخشى أن يأسروني في هذه الليلة الباردة ، فيفتني القوم عن ديني...
فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تؤسر
قلت : يا رسول الله ، وليس على إلامرط لزوجتي لا يستر جميع بدني [[ أي ثوب من صوف ]]
[[ أي أرجف من البرد ]]
قال : لا عليك برد حتى ترجع إلي [[ يعني : لن تشعر بالبرد حتى ترجع ]]
ثم بسط النبي صلى الله عليه وسلم يديه
وقال : اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ، ومن تحته ...
يقول حذيفة رضي الله عنه :فلما انطلقت ...
قال لي النبي صلى الله عليه وسلم :
ااتيني بخبر القوم ولا تذعرهم عليَّ....
[[ أي لا تقتل أحد منهم ، لا تعمل أي حركة ، أنت رسول استطلاع فقط ، لا تقوم بأي عمل قتالي ضدهم ، فقط تأتي بأخبارهم ]]
فقلت : سمعاً وطاعة يا رسول الله
يقول حذيفة رضي الله عنه : فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام ....
[[ يعني ذهب البرد الذي كان يشعر به، وشعر بالدفء كأنه في حمام ]]
فلما دخل حذيفة رضي الله عنه في الجيش في الجهة المقابلة للخندق ، فإذا بالريح شديدة ، لا تدع خيمة إلا قلعتها ، كانت ريحآ شديدة باردة قاسية البرودة ، تقلب قدورهم ، وأطفئت نيرانهم ، واقتلعت خيامهم
تعسف الرمال في وجههم ، وليس بيننا وبينهم إلا عرض الخندق
الله اكبر الله اكبر
فلا يوجد عند المسلمين ريح ،
إنها إرادة الله تعالى
يقول حذيفة رضي الله عنه : فأخذت اتسلل حتى جئت قوماً بينهم نار
[[ هو لا يعرف من هم القوم ، لأنهم أعداد كثيرة وكل مجموعة معكسرة بجهة ]]
قال : حتى جئت قوماً بينهم نار
وعلى ضوء النار رأيت رجلاً جسيماً ، يضع كفيه فوق النار ويمسح بها خاصرته
وأنا لا أعرف {{ أبا سفيان }} آنذاك .... فلما دنوت منهم علمت أنه {{ أبا سفيان }} من كلامه مع القوم .. ووالله لقد أخذت سهمي ووضعته في قوسي و لوشئت لغرزته في كبده تماماً
فإذا بصوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ....
{{{ آآتيني بخبر القوم ولا تذعرهم عليَّ }}.... فلم أفعل ...

ثم جلس {{ حذيفة }} بين القوم
فسمع {{ أبو سفيان }} يقول وكأنه أحس أنه دخل فيهم من ليس منهم ....
فقال :يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه ؟
[[ أي يتعرف كل واحد على من بجانبه ]]
يقول حذيفة رضي الله عنه : فبادرت وضربت بيدي على فخذ الذي على يميني
وقلت له : من أنت ؟
قال : معاوية بن أبي سفيان
ثم ضربت بيدي على فخذ الذي على شمالي وقلت له :من أنت ؟؟
قال: عمرو بن العاص
وغفل القوم عنه....

قال : فلم يفطنوا لي ولم يسألني أحد من أنا...
ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام [[ أي هذا المكان لا يصلح أن تقيموا فيه ]]
لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، وأخشى أن تتفق قريظة ومحمدآ الليلة عليكم
فارتحلوا فإني مرتحل !!!
قال : فقام وجلس على بعيره دون أن يحل عقاله....
[[ من كثر ماهو مستعجل ، البعير مربوطه أيده ]]
فوقف بعيره على ثلاثة أرجل ، وقفز به البعير قفزتين ..
فضحك عليه صفوان بن أمية بملء فمه ...
وقال : يا سيد قومه حُل بعيرك أولاً...
فقام ابنه معاوية وحل له عقال البعير ....
ثم التفت أبو سفيان إلى القوم
وقال : يا خالد بن الوليد ، تدبر أمر الساقه [[ يعني مؤخرة الجيش ]] وإني متقدمكم إلى مكة ...
قال : فانطلق وترك قومه قبل أن يرحلوا ....

قال حذيفة رضي الله عنه : فمكثت واختبأت
وأخذ القوم يستعدون للرحيل
ثم عدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في الطريق
استقبلني رجلان عليهما ثياب بيض ، وعمائم ، يركبون الخيل
فقال لي أحدهما : اخبر صاحبك [[ أي النبي صلى الله عليه وسلم ]]
أن قريش : {{ لن تغزوه بعد اليوم أبداً ، وأنه هو الذي يغزوها }}
فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يقول حذيفة رضي الله عنه : فوالذي بعثه بالحق ، تركته يصلي ورجعت إليه وهو قائم يصلي
وعليه برد يماني فلما دخلت خيمته ، عدت اقرقف كما كنت من قبل [[ رجع إليه البرد ]]
فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من صلاته أخبره حذيفة رضي الله عنه بخبر القوم ....

وأخبره عن الرجلين :
يقول حذيفة رضي الله عنه
فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : أعلمت من كان يكلمك؟
قلت : الله ورسوله أعلم
قال لي : هذا أخي جبريل عليه السلام...
ثم غطاني بالعباءة التي كان يصلي فيها....
يقول : فنمت حتى الفجر ، فما ايقذني إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم ، قُم يا نومان ، لقد طلع الفجر [[ أي يا كثير النوم ]]
يقول فصلينا الفجر ، ثم وقف النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أصحابه رضي الله عنهم
أن الله قد هزم الأحزاب وحده
وأرسل عليهم جند من جنوده وهي الريح
وأرسل الملائكة عليهم السلام [[ لا تقاتلهم لأنه لا معركة ]]
ولكن الملائكة عليهم السلام كانت تتبع أدبار الخيل تضربها فتسرع ، حتى قطعوا في يوم واحد مسافة ثلاثة أيام ، من شدة الخوف ....

انسحبت {{ قريش }} :
ثم انسحبت {{ غطفان }}

وشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم : الأحزاب وهم ينسحبون واستمر إنسحابهم من الفجر إلى قريب الظهر .....
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم
الآن نغزوهم ولايغزونا

[[ وقد تحقق ذلك بالفعل، فقد كانت هذه هي آخر محاولة للعرب لغزو المدينة ، لأن كل العرب قد اجتمعوا لحرب المسلمين وفشلوا فشلاً ذريعآ ، ولذلك فلابد أنهم لن يكرروا هذه المحاولة الفاشلة مرة أخرى على الإطلاق ]]
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
قولوا الله اكبر لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده
فلا شيء بعده فأخذوا يرددونها وانطلقوا إلى منازلهم .....

حققت {{ غزوة الأحزاب }}
فوائد عظيمة منها :
١_كشفت الغزوة مرة أخرى وميزت بين المؤمنين الصادقين، وبين المنافقين....

٢_ كشفت حقيقة وحقد {{ بني قريظة }}

٣_ رفعت جداً من هيبة المسلمين وجعلت الوضع الإقليمي الجديد
[[ وهو أن المسلمين أصبحوا هم القوة الأولى في الجزيرة، لدرجة أن كل العرب قد تجمعوا عليهم ولم ينجحوا ]]

٤_ تأكد أمام المسلمين وأمام قريش وكل العرب أن قريش هي الطرف الأضعف في مقابلة المسلمين ، لدرجة أنها استعانت بكل حلفائها وبكل العرب ولم تنجح في هزيمة المسلمين
وذلك فضل الله تعالى

انسحبت الأحزاب كما طلب {{ سعد بن معاذ رضي الله عنه }}
ألم يقل لبني قريظة عندما شاتموه وأغضبوه ،ونالوا من النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: سعد بن معاذ رضي الله عنه : إني لأرجو الله أن يرد الأحزاب بغيظهم لا ينالون خيرا ، ويغني الله نبيه عنكم
ثم نأتيكم إلى جحوركم يا {{إخوة القردة والخنازير }} ونحاصركم وتنزلوا على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
فأنزل الله تعالى كما نطق سعد رضي الله عنه :
{{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا }}

رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى داره....
ونزلت النساء والصغار والشيوخ من الحصون ....

فما أن كان الظهر حتى كان الجميع في منازلهم
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والنبي صلى الله عليه وسلم في حجرتها
فإذا منادي ينادي من خلف الحجرة....
يا رسول الله !!!
قالت :فقام النبي صلى الله عليه وسلم وخرج فخشيت أن يكون خبراً ، أن قريش قد رجعوا
فخرجت ألتمس الخبر فوقفت عند الباب ....
فإذا برجل على {{ بغلة شهباء }} يلبس عمامة حمراء
قالت : فنظرت إليه فإذا به يقول للنبي صلى الله عليه وسلم
: أوضعت السلاح ؟؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم
[[وقد وضع المسلمون السلاح أيضآ ]]
قال له :ولكن الملائكة لم تضع السلاح بعد ...
فأتبعني إلى {{ بني قريظة }} فإني متقدمك إليهم ومزلزل بهم حصونهم ...
فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم قلت له : بأبي وأمي أنت يا رسول الله ، من الذي كان يكلمك ؟؟
قال: أرأيته يا عائشة وسمعتي ما قال ؟؟
قلت : نعم
قال : هذا أخي جبريل عليه السلام .... ثم لبس صلى الله عليه وسلم لباس الحرب ، وأمر بلال رضي الله عنه أن يؤذن للحرب فاجتمع الصحابة رضي الله عنهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم
بأن يتوجهوا فوراً لحرب يهود {{ بني قريظة }}
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....








[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والستون بعد المائة 162
غزوة بني قريظة .

لبس النبي ﷺ ملابس الحرب مرة أخرى وأمر بلال بن رباح رضي الله عنه أن ينادي المسلمين .
لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة .
وهكذا خرج الرسول ﷺ وخرج المسلمون واستعمل على المدينة "عبد الله بن أم مكتوم" رضي الله عنه...
فلقد استعمله النبي ﷺ على المدينة 14 مرة .
يصلي بالناس ويرعى شؤون المدينة ....
وأعطى النبي ﷺ الراية "لعلي بن ابي طالب" رضي الله عنه وأرضاه
فسبق الجيش إلى "بني قريظة" وغرس الراية في أصل الحصن
فأخذ بني قريظة ينالون من النبي ﷺ على مسمع "علي" رضي الله عنه فلم يرد عليهم
وإنما قال : السيف بيننا وبينكم

و اتجه المسلمون إلى "بني قريظة"
وكانت المسافة من المسجد النبوي إلى "بني قريظة" حوالي 10 كم تقريباً
وأدرك البعض صلاة العصر في الطريق .
ولكنهم لم يصلوا العصر لأن النبي ﷺ قال :
لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة .

فاختلف الصحابة رضي الله عنهم في الأمر هل يصلون العصر قبل أن يخرج وقتها ؟
أم يأخرونها عن وقتها حتى يصلون إلى "بني قريظة"

فصلى البعض.... وأخر البعض
وقالوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم
لم يكن يقصد النهي عن صلاة العصر إلا في "بني قريظة"
وإنما كان يقصد أن يسرع الصحابة بالخروج إلى "بني قريظة"
بينما لم يصلي البعض الآخر العصر وتمسك بأوامر الرسول ﷺ تمسكاً حرفياً حتى فاتته صلاة العصر في وقتها .

فلما أخبروا النبي ﷺ
أقر الفريق الأول على صلاته العصر في وقتها .
وأقر الفريق الآخر الذي فاتته صلاة العصر .
فكان قد فتح باب الاجتهاد لأصحابه رضي الله عنهم بين يديه وهو على قيد الحياة .

فلما اقترب النبي ﷺ من حصون "بني قريظة"
نادى عليهم من وراء الحصن يا كعب يا حيي .

فلما برزوا له..... قال :
انزلوا إلي يا "إخوة القردة والخنازير" كما قال لهم سعد بن معاذ تماماً .

فقال له حيي : يا أبا القاسم :
ما عهدناك صخاباً ولا فحاشاً .
فما زاد النبي ﷺ على أن كررها
انزلوا إلي يا إخوة القردة والخنازير .

ثم ضرب عليهم الحصار ....
اجتمع المسلمون عند "بني قريظة" وفرضوا عليهم الحصار ، وأخذوا يرمونهم بالسهام
فلما رأى ذلك "كعب بن أسد" سيد قريظة وقف في قومه ودعاهم الدخول بالإسلام وقال لهم :
لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم .
وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب حيث لم يكن من بني إسرائيل .
فادخلوا في الإسلام تأمنون على دمائكم وأموالكم ونسائكم وأبنائكم .

ولكن رفض كل يهود "بني قريظة" الدخول في الإسلام .
وقالوا : لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره .

وطلب "بني قريظة" من الرسول ﷺ أن يرسل إليهم أحد الصحابة وهو "أبو لبابة" رضي الله عنه
حتى يستشيروه .
"لأنه كان أقرب الصحابة إليهم لأنه كانت له معهم صلات نسب وعلاقات تجارية"
فوافق الرسول ﷺ
قال : يا أبا لبابة... إذهب إلى حلفائك فإنهم أرسلوا إليك من بين الأوس .

فلما دخل عليهم ابو لبابة
أول ما رأوه قام إليه الرجال
وبكى النساء والصبيان في وجهه "بسبب الحصار وما نزل بهم"
فرق لهم "أبو لبابة"

ثم أرادوا أن يستشيروه
قالوا : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد ؟
فقال لهم : نعم .
وأشار لهم بيده إلى حلقه ....

بهذه الإشارة من أبو لبابة كأنه يقول لهم إياكم أن تنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانت هذه الإشارة من "أبي لبابة" سقطة كبيرة وخطأ عظيم منه .... رضي الله عنه...
يقول أبو لبابة رضي الله عنه : فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله .
فانتبه على نفسه ..
فنزل من عند "بني قريظة" مسرعاً وهو يبكي ولم يرجع إلى النبي ﷺ .
بل ذهب إلى المسجد النبوي وربط نفسه في أحد أعمدة المسجد بسلسلة ثقيلة....
وقال : والله لا أحُلُّ نفسي منها حتى يحلني رسول الله بيديه .
ولا أذوق طعاماً ولاشراباً حتى يتوب الله على أو أموت .

فلما بلغ رسول الله ﷺ خبره وكان استبطأه .
قال : أما لو جاءني لا ستغفرت له .
وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه .
فأنزل الله تعالى : قوله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

وكان النبي ﷺ كلما مر من جانبه لا ينظر إليه ولا يكلمه وبقي أيام على هذه الحال تحت الشمس الحارقة .
وكانت زوجته أو بنته تحُله إذا أراد الصلاة أو قضاء الحاجة .
فإذا فرغ أعادته إلى الرباط .
ثم نزلت توبته في القرآن العظيم في سورة التوبة بقوله تعالى .
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

فلما نزلت الآية أسرع الصحابة رضي الله عنهم ليخبروه بالبشرى .
فقال أبو لبابة رضي الله عنه
والله لاأَحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله ﷺ هو الذي يحُلُّني .
فجاءه رسول الله ﷺ فحله بيده .

شدد الحصار عليهم...
وألقى الله الرعب في قلوبهم .
فقالوا : ننزل على حكم "سعد بن معاذ" رضي الله عنه

ألم يرجو الله سعد رضي الله عنه :
إني لأرجو الله أن يهزم الأحزاب وحده فينقلبوا بغيظهم فلا ينالوا خيرا .
ويغني الله نبيه عنكم ثم نأتيكم ونحاصركم في جحوركم هذه فتنزلوا على حكمنا ....
وها هم يريدون أن ينزلوا على حكم سعد رضي الله عنه

فأرسل الرسول ﷺ في طلب "سعد بن معاذ" رضي الله عنه
وكان سعد لا يزال في المدينة لأنه كان قد أصيب في الأحزاب في وريده ....
قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لا تؤذوه أحملوه على دابة صغيرة .
فحملوه على حمار صغير و وضعوا تحته وسادة
وأحاط به رجال قومه
وكانت قدماه تخطان على الأرض "لأنه على دابة صغيرة حتى لا يؤذوا جرحه"
ورجال من قومه من الأوس يقولون له : يا سعد أحسن في مواليك فإن رسول الله قد حكمك فيهم لتحسن فيهم .
يا سعد أحسن إليهم
وسعد لا يرد عليهم....
فلما أكثروا عليه الطلب
قال : "لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم"
ولما انتهى سعد رضي الله عنه إلى النبي ﷺ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه "مهاجرين وانصار"
فلما أطل سعد رضي الله عنه التفت النبي ﷺ إلى الانصار .
وقال : قوموا إلى سيدكم فأنزلوه .
"أي قوموا احترام لقدوم سيدكم حتى ينزل ويأخذ مكانه ."
فقام الأنصار رضي الله عنهم
النبي ﷺ أمر الأنصار لأن سعد من سادة الأنصار ولم يأمر المهاجرين .
يا معشر الأنصار قوموا إلى سيدكم
فقام الأوس والخزرج ....
وقام معهم النبي ﷺ .
فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم قام المهاجرون أيضاً احتراماً لقيام النبي ﷺ .
إذن ماذا حدث ؟؟

فلما أنزلوه جلس سعد إلى الرسول ﷺ .
ثم قال له النبي ﷺ يا سعد إن هؤلاء نزلوا على حُكمِك فاحكم فيهم .

فقام سعد رضي الله عنه وهو يتكيء على رجلين
فوقف سعد فحمد الله وأثنى عليه .... ثم التفت إلى الجهة التي فيها وجوه اليهود وقومه من الأنصار... وقال : وعليكم عهد الله وذمته أن حكمي نافذ فيكم لايرد ؟
قالوا‏ : نعم .
ثم نظر إلى المسلمين .
قال‏ : وعلى المسلمين‏ ؟‏
فقال له الصحابة : نعم .
ثم التفت إلى الجهة التي فيها رسول الله ﷺ وأطرق رأسه أدباً وإجلالاً وتعظيماً ....
وقال : وعلى من ها هنا‏ ؟‏
فقال له النبي ﷺ : نعم وعليَّ
فقال سعد رضي الله عنه :
إنِّي أحكُمُ فيهم أنْ تُقتَلَ رجالهم وتُسبَى ذراريُّهم وتُقسَمَ أموالُهم .

يقول الصحابة رضي الله عنهم فما رآعنا الا و النبي ﷺ وقد وثب قائماً :
وهو يقول : والذي نفسي بيده
لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله من فوق سبع سموات .

وعلى الفور بدأ المسلمون بتنفيذ حكم سعد رضي الله عنه
وهو قتل الرجال المقاتلين وسبي النساء والأبناء ومصادرة الأموال ....

وقتل "حيي بن أخطب" الذي كان له الدور الأبرز في تجميع القبائل ....
وهو والد أم المؤمنين "صفية" رضي الله عنها التي تزوجها النبي ﷺ بعد ذلك بعامين .
وعندما قدموا "حيي" لتضرب عنقه ....
التفت إلى النبي ﷺ وقال : والله ما لمت نفسي في عدواتك يوماً ولكن من يَخذل الله يُخذل

ورغم مرارة ما ذاقه النبي ﷺ منهم لم يزل صاحب الخلق العظيم ﷺ .
فلما قسمت النساء من السبايا
قال لأصحابه رضي الله عنهم : لاتفرقوا بين الأم و وأولادها .

ولم يقتل النبي ﷺ إلا المقاتلين فقط
وهنالك من أسلم منهم لم يقتل
ولم يقتل الذين لم يشتركوا في القتال .
وتعامل بالرحمة مع السبايا فلم يبعد طفل أو طفلة عن أمه .

وموضوع قتل هذا العدد من بني قريظة" هام جداً لأنه من أكثر الشبهات التي يستخدمها أعداء الإسلام في الطعن على الإسلام

ويتهمون فيها الإسلام ويتهمون النبي ﷺ بالوحشية .

سبحان الله
لو كانت الأحزاب انتصرت بمعاونة "بني قريظة" ماذا كان حصل للمسلمين ؟
لكان المسلمون قد تعرضوا لنفس هذه العقوبة وأشد .
وهي قتل رجالهم وسبي نسائهم وأبنائهم وتفريق أموالهم...


"سعد بن معاذ" رضي الله عنه
فقد أمر النبي ﷺ أن يضرب له خيمة في المسجد النبوي
وذهب الرسول صلى الله عليه وسلم و المسلمون إلى بيوتهم واستراح سعد تلك الليلة .
ورفع طرفه الى السماء يناجي ربه :
اللهم إني سألتك ثلاثاً فأعطيتني اثنتين وبقي لي عندك واحدة .
اللهم أفجرها وأجعلها طريقي للجنة . أي الجرح .
فأنفجرت جرحه "كما دعا الله تماماً" وسالت منه الدماء حتى خرجت خارج الخيمة .
واقترب الأجل
يقول الصحابة . فما راعنا وإلا والنبي ﷺ يخرج من إحدى حجراته مسرعاً يجر ردائه خلفه وهو
يقول لأصحابه رضي الله عنهم قوموا ، قوموا فأشهدوا موت رجل يهتز له عرش الرحمن .
قوموا فقد سبقتكم الملائكة إليه .
قال : فدخل على خيمة سعد
فقال : لسعد من كان معه في الخيمة ها هو رسول الله قد حضر يا سعد .
ففتح عينيه سعد ونظر للنبي ﷺ .
وقال : يا رسول الله لقد سألت الله الآن أن لا يقبض روحي حتى يكون آخر ما يقع عليه بصري من هذه الدنيا هو وجهك يارسول الله .
فإني أشهد أن لا اله الا الله وأنك رسول الله .
وفاضت روحه رضي الله عنه وأرضاه....
وأمر النبي ﷺ أن يحمل إلى البقيع ويدفن فيها بجانب المسجد النبوي .
وعندما حملوا جنازته كانت خفيفة .
فتعجبوا لذلك "لأنه كان طويلا جسيما"
قالوا : يا رسول الله والله ما رأينا جنازة خفيفة كجنازة سعد .

فقال لهم النبي ﷺ وهل تركت لكم الملائكة ما تحملونه من النعش .

هذا هو سعد رضي الله عنه الذي اهتز عرش الرحمن فرحاً بقدومه

مات "سعد بن معاذ" شاباً عمره 36 عاما .
ولم يتجاوز عمره في الإسلام 6 سنوات .
إلا أن إنجازاته في الإسلام يعجز أن يفعلها الكثيرون في أعمار طويلة .... رضي الله عنه.

✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الثالثة والستون بعد المائة 163
سرية محمد بن مسلمة .
و سرية زيد بن حارثة .
رضي الله عنهم

نحن الآن في العام السادس من الهجرة ... ويسمى هذا العام 《عام السرايا》
أرسل فيه النبي ﷺ في 11 شهر فقط 16 سرية .....

وخرج بنفسه ﷺ ثلاث مرات
وهو أكبر عدد من السرايا في سنة واحدة ......
وفي بعض هذه السرايا وقعت بعض المصادمات وبعض القتلى والجرحى ....
بينما لم يقع في بعضها أي مصادمات.....
وكان الهدف من هذه السرايا هو إخافة الأعراب والأعداء الذين لم يستكينوا بعد ولم يتأدبوا لشرعه ﷺ ..... بتأديب بعض القبائل العربية حول المدينة الذين شاركوا جيش الأحزاب في غزو المدينة ..... حتى لا يفكروا مرة ثانية بالإقتراب من المدينة .
نذكر بعضها فقط للإستفادة من الدروس والعبر .....

سرية {{محمد بن مسلمة}} إلى "بني القرطاء"
أرسل النبي ﷺ {{محمد بن مسلمة}} في 30 راكباً إلى بني القرطاء .
فلما أغاروا عليهم هربوا فأخذوا إبلهم و مواشيهم
وعف {{محمد بن مسلمة}} رضي الله عنه عن نسائهم فلم يأخذ النساء والذرية سبايا .....
وكانت من أكبر الغنائم التي غنمها المسلمون ثم رجعوا إلى المدينة

في طريق العودة رأى {{ محمد بن مسلمة }}
راكبآ يعدو في الطريق فظن أنه من الرجال الذين فروا من القوم
فانطلق المسلمون نحوه وأخذوه أسيراً والصحابة رضي الله عنهم لا يعرفونه ....
وهذا الرجل لم يعرفهم عن نفسه ولم يكلمهم .....
والسبب :
لأنه كان عند العرب عزة نفس لا يقبلون الذل أبداً .
فلم يُعرَّف القوم عن نفسه
وهذا الرجل اسمه {{ثمامة بن أثال}} سيد بني حنيفة من أهل "اليمامة" الذي من قومه خرج "مسيلمة الكذاب"
أسروه والصحابة لايعرفونه .

فلما قدموا به المدينة ليس معهم أسرى غيره ....
فعندما رآه النبي ﷺ عرفه فقال لأصحابه رضي الله عنهم أتدرون من الرجل ؟
قالوا : لا يا رسول الله
فقال لهم : هذا {{ثمامة بن أثال}} سيد بني حنيفة فأحسنوا إليه .
فربط الصحابة رضي الله عنهم {{ثمامة}} في أحد سواري المسجد....
ودخل الرسول ﷺ إلى أحد بيوته....
وقال لأهله : *إجمعوا ما كان عندكم من طعام فأبعثوا به إليه *
وأحسن إليه النبي ﷺ
ثم مر به ﷺ وقال له : ماذا عندك يا ثمامة ؟
فقال ثمامة عندي خيراً يا محمد .
إن تقتلني تقتل ذا دمٍ "يعني إن قتلتني أنا سيد القوم سيأتي قومي لأخذ الثأر"
وإن تُنعم تُنعم على شاكر "يعني إن تنعمت علي وتركتني ستجدني شاكراً لمعروفك"
وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت "لأنه سيد قومه ومعه من المال الكثير....

فتركه النبي ﷺ ومضى ولم يكلمه...
في اليوم الثاني مر من عنده وقال له : ماذا عندك يا ثمامة ؟
فقال ثمامة عندي خيراً يا محمد .
إن تقتلني تقتل ذا دمٍ .
وإن تُنعم تُنعم على شاكر .
وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت .

فتركه النبي ﷺ ومضى ولم يكلمه....
في اليوم الثالث مر من عنده
وقال له : ماذا عندك يا ثمامة؟
فقال ثمامة : لك عندي ما قلته لك بالأمس .
تركه هكذا عن قصد في المسجد ثلاثة أيام حتى يسمع بلال رضي الله عنه وهو يؤذن الله أكبر الله أكبر ....
ويرى المسلمون كيف يحضرون للصلاة عند الفجر ويسمع القرآن الكريم من النبي ﷺ وهو يصلي بهم ....
وكيف يتعاملون مع بعضهم البعض بالحب والود والرحمة
وحتى يسمع حديث وكلام النبي ﷺ عن الله عزوجل وجماله وعظمته ورحمته وعن حقيقة هذه الدنيا .....
قال : لك عندي ما قلته لك بالأمس .
فقال لأصحابه رضي الله عنهم أطلقوا ثمامة .....
هكذا دون أن يطلب منه فداء مع أن ثمامة كان قد عرض أن يدفع فداء كبيراً عن نفسه .
كل ذلك كان طمعاً في إسلام ثمامة .....
فلما أطلقوا {{ ثمامة }} ذهب قريباً من المسجد ودخل بين النخيل والأشجار واغتسل .
ثم دخل إلى المسجد ووقف في وسط المسجد ....
والنبي ﷺ بين أصحابه رضي الله عنهم...
وقال : يا محمد .. يامحمد :
والله ما كان على الأرض كلها وجهٌ أبغضَ إليَّ من وجهك
فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي...
يا محمد :
والله ما كان على الأرض كلها دين أبغض إليَّ من دينك .
فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ .
يا محمد :
والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك .
فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ .
وإني يا محمد أعلن أمام الجميع غير مكره ولا حانث....
أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله .
ففرح النبي ﷺ بإسلامه "لأنه سيد قومه والناس تتبع أسيادهم"
وأمر النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم أن يقرؤوه القرآن ويفقهوه في الدين .

فلما قضى أياماً قال للنبي ﷺ
قال : يا رسول الله إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة .
يعني عندما أسرني أصحابك كنت ذاهباً للعمرة .
فماذا ترى ؟
اتأذن لي الآن في العمرة ؟
فأذن له الرسول ﷺ ودعا له بخير ....
فانطلق {{ ثمامة }} رضي الله عنه سيد بني حنيفة لأداء العمرة ....
فدخل مكة ورفع صوته بالتلبية
ولم يفعلها أحد من المسلمين قبله فكان أول من اعتمر ورفع صوته بالتلبية جهراً :
ثمامة رضي الله عنه

رفع صوته على مسمع قريش
فتركوه حتى إنتهى من عمرته طاف وسعى فأخذوه
وقالت له قريش : يا ثمامة صبوت ؟؟
قال : لا ، بل أسلمت مع محمد رسول الله ﷺ .
قالوا : وجئت تغيظنا بتلبية محمد ....
قدموه لتضرب عنقه
فقام رجل من قريش
وقال : ويحكم أنسيتم أنه سيد {{ بني حنيفة }} ؟؟
ومن أين تأتيكم الحبوب وأعلاف ماشيتكم ؟؟
ومن أين تأتيكم كذا وكذا ؟؟
أخذ يعد لهم خيرات اليمامة التي كانت تأتيهم في رحلة الشتاء و الصيف ....

فتوقفوا عن عقوبته
ولكنه وقف {{ ثمامة }} رضي الله عنه في صحن الكعبة معلناً وهو يقسم بالله....
فقال : والله وأقسم برب هذا البيت لا يأتيكم حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي ﷺ .
وخرج من عندهم .....

وبر في قسمه ومنع قومه من اليمامة أن يرسلوا لقريش شيء
ولايأذنوا لتاجرٍ في مكة أن يدخل اليمامة على الإطلاق
وكانت اليمامة ريف مكة

منع قومه وأمرهم بمقاطعة قريش ....
فكان أول من قام "بالمقاطعة الإقتصادية" في الإسلام
حتى جهدت قريش وضاقت أحوال مكة بهذه المقاطعة ...
ثم كتبت قريش إلى النبي ﷺ يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى {{ ثمامة رضي الله عنه أن يسمح بإرسال المواد الغذائية إلى مكة .
فأرسل أبو سفيان رسالة إلى النبي ﷺ يقول فيها ...
يا محمد :
تزعم أن الله أرسلك رحمة للعالمين وأنك تأمر بصلة الرحم .
فما رأينا من رحمتك إلا السيف وها أنت تقطع أرحامك في مكة
فإن رجل من أصحابك قد منعهم قوتهم فجاع العيال وهلك الكبار .

ومن كرم أخلاقه ﷺ أرسل إلى {{ ثمامة رضي الله عنه أن لا يمنع من خيرات اليمامة عن مكة شيء ....
وأن تبقى الأمور على ما كانت عليه قبل إسلامه
هذا بالرغم من أن قريش كانت قد حاصرت المسلمين في شعب أبي طالب ثلاثة سنوات كاملة حتى كان المسلمون يأكلون أوراق الشجر

وحتى قال أحد الصحابة رضي الله عنهم كنا نبعر كما يبعر البعير
ولكن لم يرضى النبي ﷺ أن تجوع قريش وأن يجوع الشيوخ والنساء والأطفال
صلى الله عليه وسلم

كانت هناك حربا اقتصادية يشنها النبي صلى الله عليه وسلم على قريش صحيح ....
ولكن عن طريق التعرض لعير قريش ....
ولكن هذه الحرب الإقتصادية كانت تصيب قريش في أموالها ولا تصيبها في طعامها

فلما رأى ثمامة رضي الله عنه خُلق النبي ﷺ مع قريش
الذين جمعوا له "الأحزب" بالأمس القريب وكيف يعاملهم النبي ﷺ
قام {{ ثمامة رضي الله عنه ودعا قومه إلى الإسلام فأسلموا .

وكما قال الشافعي رحمه الله :
أحسن إلى الأحرار تملك رقابهم
فخير تجارات الكرام إكتسابها
ولا تمشين في منكب الأرض فاخراً
فعما قليل يحتويك ترابها


فلما أسلم قوم ثمامة رضي الله عنه
قام شاعر "بني حنيفة" معتزآ بإسلام سيده {{ ثمامة رضي الله عنه الذي كان أول من رفع صوته بالتلبية في مكة .
وقال :
ومنا الذي لبى بمكة معلناً برغم
أبي سفيان في الأشهر الحرمِ


هذا كله من خلق النبي ﷺ
قال تعالى .
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ .
وحتى لا يظن البعض أن ما قام به النبي ﷺ يدل على ضعف المسلمين ....

فبعد أشهر من إسلام {{ ثمامة رضي الله عنه شاع الخبر بين العرب كيف أحسن النبي صلى الله عليه وسلم إليه وظنوا أنهم في ضعف.... يعفو ويصفحوا

فجاء رجال من "عُكَل وعُرَينة"
جاء رجال من هذه القبيلتين وأعلنوا إسلامهم في مسجد النبي ﷺ وبايعوه على السمع والطاعة ....
فلما نظر فيهم النبي ﷺ وجدهم مصفرة وجوههم ضعاف نحال لا يناسبهم جو المدينة ....
فأمر أن يلحقوا بإبل الصدقة
"وإبل الصدقة ترعى خارج المدينة في الهواء الطلق"
وأمرهم أن يشربوا من ألبان وأبوال تلك الإبل ....
"وكان بها شفاء" بفراسة النبي ﷺ عرف أن الداء الذي فيهم لا يطرده إلا بول الإبل وحليبها
حتى إذا عافاهم الله وقويت أجسادهم "وكان عددهم بضعة عشر".... فلما تعافوا وقويت أجسادهم إعتدوا على راعي الإبل "وهو من المسلمين من المدينة"
وليتهم قتلوه فقط بل مثلوا به
فسملوا عينيه بشوك طويل "يعني خلعوا عيونه ومثلوا به مثلة قبيحة....
قطعوا يده ورجله وقلعوا عينيه وغرزوا الشوك في لسانه
ثم ألقوه في الحرة ....
المدينة يحيط بها حرتين وهي صخور بركانية سوداء ليس فيها شجر....
ألقوه في الحرة وهو مثقل بالجراح حتى مات رضي الله عنه

وأخذوا {{ إبل الصدقة }} كلها وارتدوا عن الإسلام وهربوا

فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ...
أرسل خلفهم رجل من الصحابة
عداء لا يُسبق ورامياً لا يُخطيء "كرز بن جابر الفهري" رضي الله عنه وأرسل معه 20 من الصحابة رضي الله عنهم...
وأمره النبي ﷺ أن يلحق بهم وأن يردهم إلى المدينة أحياء ولا يقتلهم .....

فأدركوهم في الطريق وأحاطوا بهم وأسروهم وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة ....

وانظروا ماذا فعل النبي ﷺ وهو المشرع لنا عن ربه تعالى ليعلمنا
أين تكون الرحمة ومحاسن الأخلاق ؟
وأين تكون الشدة والبطش ؟
حتى نتعلم كيف نعامل المفسدين في الأرض.....

كما قال الشاعر
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

فأمر ﷺ أن تسمل أعينهم كما سملوا عين الراعي .
[[ فحميت المسامير على النار وقلعت أعينهم ]]

ثم أمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ....
[[ تقطع اليد اليمنى والقدم اليسرى ]]

ثم أمر أن يلقوا في الحرة ....
وأخذوا يطلبون الماء من شدة العطش فأمر النبي ﷺ أن لا يسقوا حتى يموتوا .
فماتوا عطاشا......

فأنزل الله على نبيه مؤيداً لفعله
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

فلم يسمل النبي ﷺ بعد ذلك عينا ....
إما قتل أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض
كل مفسد حسب جرمه ....

فعلم العرب حول المدينة أن عند محمد رسول الله :
١- الكرم والرحمة في موضعه .
٢- والشدة والبطش في موضعه .
وأن محمد ﷺ لا يعامل الناس كلهم بمعاملة واحدة فكل إنسان يعامل حسب فعله.
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨

سرية زيد بن حارثة .
رضي الله عنه
في {{ جمادى الأول }} من السنة السادسة من الهجرة
أرسل الرسول ﷺ {{ زيد بن حارثة }} رضي الله عنه
ومعه 170 راكبا إلى العيص لإعتراض عير لقريش .

العيص هو مكان يبعد عن المدينة 220 كم تقريباً وهو في طريق تجارة قريش إلى الشام .

وهذه هي ثاني مرة يرسل فيها الرسول ﷺ سرية إلى هذا المكان لإعتراض عير لقريش .
كانت المرة الأولى هي أول سرية يرسلها الرسول ﷺ عندما أرسل عمه {{حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه رضي الله عنه في الشهر السابع من الهجرة لإعتراض عير قريش .
وكانت أول سرية في الاسلام .

خرجت سرية "زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى "العيص"
لاعتراض عير لقريش في إطار "الحصار الإقتصادي" والحرب الإقتصادية التي يشنها الرسول ﷺ على قريش .....
واستطاعت سرية {{ زيد بن حارثة رضي الله عنه أن تستولي على القافلة بالكامل وأسروا بعض رجالها

بينما أفلت قائد العير وهو {{ أبو العاص بن الربيع }}
أتذكرون هذا الأسم ؟؟
أبو العاص بن الربيع ، هو الذي كان متزوجا من السيدة "زينب" رضي الله عنها بنت الرسول ﷺ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى.....











[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والستون بعد المائة 164
الخروج إلى الحديبية... البداية

بعد غزوة الأحزاب ، قلنا أن النبي ﷺ أرسل عدد كبير من السرايا في السنة السادسة من الهجرة
فكانت ثمرة هذه السرايا
{{ أن المسلمين هم القوة الإقليمية الأولى في الجزيرة }}
واتجه ميزان القوى بوضوح لصالح المسلمين على حساب قريش .....

في ذلك الوقت وفي شهر شوال من السنة السادسة من الهجرة رأى النبي ﷺ {{ رؤيا في منامه }}
أنه ﷺ وصحابته رضي الله عنهم يدخلون المسجد الحرام وقد حلقوا شعورهم
[[ أي أنهم يدخلون مكة معتمرين ]]
ورؤيا الأنبياء وحي من الله تعالى ....

على الفور أعلن ﷺ أنه سيخرج لأداء {{ العمرة }} ودعا كل المسلمين في المدينة للخروج معه ....
وكذلك الأعراب حول المدينة
كانت الفكرة مفاجأة للجميع فالحرب بين المسلمين وقريش قائمة ....
ولم تكن قد مرت على غزوة {{ الأحزاب }} ومحاولة قريش غزو المدينة سوى عام واحد
ومجرد الإقتراب من مكة فيه خطورة شديدة.....
ومع ذلك كانت قوانين الجزيرة العربية وأعراف قريش نفسها تقضي بأنها لا تتعرض قريش لمن يدخل {{ مكة المكرمة }}
مهما كانت بينه وبين قريش من خلافات :
بل على العكس عليها أن تقوم
١- بحمايته
٢- اطعامه وسقايته
٣- خدمته
وقد كان معروفا أن الرجل الذي يرى قاتل أبيه في مكة
فلا يستطيع أن يتعرض له حتى يخرج من الحرم .
فمكة كانت لكل العرب في الجاهلية ... ففيها {{ بيت الله }}
حتى في "الإسلام"
لا يحق منع أي مسلم من دخول مكة المكرمة ....
فهي حق لكل المسلمين ....
وقد توعد الله بالعذاب الأليم والخزي لمن يمنع مسلم واحد من دخول الحرم مهما كنت معه على خلاف ....

قال تعالى .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم .

ومع ذلك لم يكن الأمر بهذه السهولة على الصحابة رضي الله عنهم... لأنه ليس هناك ما يضمن أن قريش ستحترم هذه الأعراف ....
وقد انتهكت قريش أعرافها قبل ذلك كثيرا ....
ولو كان الأمر هكذا سهلاً لذهب بعض المسلمين لأداء العمرة بصورة فردية ولكن هذا لم يحدث ....
ولو حدث لأسرته قريش...
لم تحدث سوى حالتين عمرة فقط منذ هجرة النبي ﷺ
الأولى : بعد الهجرة مباشرة وقد قام بها {{ سعد بن معاذ }} رضي الله عنه وأرضاه .
وعندما عرفه {{ أبو جهل }} تصدى له ومنعه من إستكمال طوافه بالكعبة .

والمرة الثانية بعد الهجرة بثلاثة سنوات قام بها {{ثمامة بن اثال}} سيد بني حنيفة .
وقد رفع صوته وجهر بالتكبير .
وقد تعرضت له قريش كذلك ولكنها لم تستطع منعه لمكانته .

إذآ الأمر ليس سهلا ....
وليس هناك ما يضمن أن قريش لن تتعرض للمسلمين .
بل على العكس تاريخ قريش مع المسلمين يقول : "أن خروج المسلمين لأداء العمرة فيه خطورة شديدة جداً "
ولذلك لم يستجب للنبي ﷺ سوى المؤمنين فقط ....
بينما رفض المنافقون الخروج إلى هذه الرحلة المهلكة من وجهة نظرهم ....
وكذلك لم يخرج الأعراب الذين حول المدينة .

فكان عدد الذين خرجوا مع النبي ﷺ 1400 من الصحابة رضي الله عنهم..
لكنه كان صف نقي خالص ليس فيه منافقون وليس فيه أناس إيمانهم ضعيف .

وإذا كان الصف نقي طاهر فلابد أن النصر قريب .
كما كان في بدر وكما في قصة طالوت ....
وغير ذلك من المشاهد .

خرج ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم في {{ ذي القعدة }} في نهاية السنة السادسة من الهجرة
وكان مع المسلمين عدد كبير من الإبل لذبحها في مكة .
وهو ما يسمى {{ الهدي }}
والهدي هو ما يهدى من الأنعام إلى الحرم تقرباً إلى الله تعالى وأفضله هو {{ الإبل }}

وكانت تعليمات النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم هو الخروج بسلاح المسافر فقط .
لأنه خرج لأداء العمرة ولم يخرج للحرب ....
ولم يحملوا معهم ملابس الحرب حتى ولو على سبيل الإحتياط..

"وسلاح المسافر هو السلاح الذي يحمله من يريد السفر ولا يزيد عن سيف أو خنجر .
أما المحارب فإنه يرتدي الدرع ويحمل الترس ويتقلد السيف ويحمل قوسه وسهامه وحربته
وكان الخروج بسلاح المسافر فقط حتى يؤكد النبي ﷺ أنه لم يخرج لحرب وإنما خرج لأداء العمرة .

وكان فيه دليل على شجاعة المسلمين وثقتهم بأنفسهم .
وصل ﷺ والمسلمون إلى {{ ذي الحليفة }} وهي التي نطلق عليها الأن "آبيار علي"
وهو المكان الذي يحرم منه القادمون من المدينة إلى مكة
وأحرم المسلمون من هذا المكان وبدؤوا بالتلبية :
{{ لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك }}

وصلت الأخبار إلى قريش بخروج النبي ﷺ والمسلمون لأداء العمرة ....
وأجمعت قريش رأيها على منعهم دخول مكة والتصدي لهم ...
وكان النبي ﷺ في طريقه يسير على بركة الله تعالى..

فعندما وصل المسلمون إلى منطقة {{ كراع الغميم }}
"منطقة تبعد عن مكة 63 كم تقريباً...
وجدوا أن قريش قد جمعت جيشاً لصد المسلمين عن التقدم في اتجاه مكة ...

وكان هذا الجيش مكون من قريش نفسها ومن الأحابيش .
وكان هذا أول مظهر من مظاهر نية قريش منع المسلمين من أداء العمرة ....
وعدم إحترامها للأعراف التي تقضي بعدم التعرض لمن يأتي إلى مكة معتمرآ...

استشار النبي ﷺ صحابته رضي الله عنهم لأن الأمر خطير .
كان رأي البعض هو قتال هؤلاء الأحباش...
وكان ممن تكلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه
فقال : يا رسول الله :
الله ورسوله أعلم إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد .
ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه...
"أي أننا لا نبدأ أحداً بقتال لأننا خرجنا معتمرين ... ولكننا مع ذلك نكمل طريقنا إلى مكة فإذا إعترض هذا الجيش طريقنا قاتلناه ....
وإذا لم يعترض طريقنا وكان لمجرد التخويف أكملنا طريقنا إلى مكة"
فقبل النبي ﷺ و الصحابة رضي الله عنهم هذا الرأي واستحسنوه ....
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم :
هل من رجل يأخذ بنا عن غير طريقهم فندخل مكة من غير الطريق المألوف ؟
لأن الطريق من المدينة إلى مكة معروف طريق أهل الشام .
فأراد أن يخالف تجمعهم وينحرف عن الطريق المعروف فيباغتهم ويدخل مكة لأنه إذا وصل و دخل مكة فلا قتال بالحرم ....
فقال رجل له خبرة بالطرقات
قال : أنا يا رسول الله
فسلك بهم عقبة وثنية...
"أي طريق وعر ومنحني لا يتسع هذا الطريق إلا لرجلين وثلاثة وهكذا ساروا طوال الليل"
فسار النبي ﷺ بالمسلمين في طريق منحرف متجنبا جيش مكة ....
وأكمل المسلمون طريقهم ولم يعترض جيش قريش والأحباش المسلمون .

فلما وصل النبي ﷺم إلى منطقة تسمى "عسفان" تبعد عن مكة حوالي 40 كم تقريباً علمت قريش بذلك
فأرسلت قريش لهم فرقة قوية من الفرسان :
عددها 200 فارس .
وكان على رأسهم "خالد بن الوليد" ووقف ورآءهم جيش مكة من قريش والأحابيش .

في ذلك الوقت جاء موعد "صلاة الظهر" ووقف المسلمون يصلون الظهر ...
والمسلمون لم يأخروا الصلاة عن وقتها إلا في "غزوة الأحزاب" فقط... وقف ﷺ مطمئنا لصلاة الظهر ووقف خلفه المسلمون
كان "خالد بن الوليد" قائد فرسان المشركين يراقبهم من بعيد
وشاهد المسلمون وهم يركعون ويسجدون والأمر يتكرر منهم
ووجد أن هناك فرصة سانحة لمهاجمة المسلمين وهم في صلاتهم...
فسأل من حوله هل سيصلي المسلمون مثل هذه الصلاة مرة أخرى ؟
فقال لهم بعضهم : نعم إن لهم صلاةً بعد هذه "أي العصر" هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم

فتجهز "خالد بن الوليد" وجهز كتيبته للإنقضاض على المسلمين في صلاة العصر ...
واستعد جيش مكة لذلك الغدر من المسلمين .
"وهذا يدل على خوف جيش مكة الشديد من المسلمين حتى وهم بسلاح المسافر ...
وقريش بكامل عتادها وحتى وهم يملكون 200 فارس .
ولم يكن مع المسلمين فارس واحد .
فنزل جبريل على النبي ﷺ بتشريع "صلاة الخوف"
فلما حضرت صلاة العصر
ووقف ﷺ يصلي بالمسلمين "صلاة الخوف" لأول مرة...
فصلى وصلى خلفه نصف الصحابة رضي الله عنهم
والنصف الثاني من الصحابة وقف خلف المسلمون لحراستهم وأتم ﷺ صلاة ركعتين .
ثم وهو في التشهد سلم الصحابة "أي انهوا الصلاة...
وبقي النبي ﷺ ولم يسلم وانصرف الصحابة رضي الله عنهم ووقفوا للحراسة .
ثم جاء النصف الثاني الذي كان يقوم بمهمة الحراسة فصلى مع النبي ﷺ ....

فلما رأى "خالد بن الوليد" ذلك وهو يراقبهم من بعيد ذهل
وقال متعجباً : إن القوم ممنوعون !!!
كان هذا الموقف له أثر كبير في إسلام "خالد بن الوليد" سيف الله المسلول رضي الله عنه
لأنه أسلم بعد صلح الحديبية بشهور قليلة...

بعد أن صلى المسلمون العصر
عاد "خالد بن الوليد" بكتيبته إلى مكة ليخبر قريش أن محمدًا ومن معه لم يأتوا لقتال ....
وقد ساقوا الهدي وأشعروها وقلدوها محرمين معتمرين .
وكانت مكة في قمة ارتباكها وغير قادرة على اتخاذ أي قرار
ثم إنحرف الرسول ﷺ بالمسلمين مرة أخرى متجنباً جيش مكة .
وأكمل المسلمون طريقهم حتى اقتربوا جداً من مكة ووصلوا إلى وادي "الحديبيبة" أرضه منبسطه ....

سبب تسميته "الحديبية"
لأن فيه {{ بئر }} ماءه قليل يبض الماء بضاً
يجلس الذي يريد أن يشرب منه ساعة حتى يملئ قربته وهو يحني ظهره "فيحدب" ظهر الرجل ...
ومن هذا البئر أخذ المكان إسمه.

وأصبح الموقف شديد الحرج ففي أي لحظة يمكن أن يقع القتال....

في ذلك المكان "الحديبية" أراد النبي ﷺ أن يكمل طريقه ويدخل مكة ....
بركت ناقته "القصواء" ورفضت أن تتحرك ... فزجرها النبي ﷺ فلم تقم وحاول الصحابة رضي الله عنهم أن يدفعونها وأخذوا يقولون لها : حل حل
"حل كلمة عند العرب يزجرون بها الإبل إذا احرنت عن المسير"
ولكنها رفضت التحرك
فقال الصحابة رضي الله عنهم خلأت القصواء .
"يعني أحرنت ورفضت المسير"
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يرفع صوته في وجوهنا :
ويقول ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل .
والذي نفسي بيده لا يسألوني "أي قريش" خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها .

القصواء تسير بأمر الله تقودها الملائكة .
فلما رفضت التحرك علم النبي ﷺ أنها مأمورة .
وحبسها الله ومنعها دخول مكة كما منع فيل أبراهة ...
فهم النبي ﷺ عن ربه مشيئة الله لعدم دخوله مكة ليحفظ الله نبيه وأصحابه رضي الله عنهم من غدر قريش .

لذلك هو ﷺ مستعد لقبول حلول أخرى غير أن يدخل المسلمون مكة ويؤدون عمرتهم .
لأن عدم تحرك الناقة وهو أمر ليس من طبيعتها فيه إشارة من الله تعالى إلى عدم الدخول في قتال مع أهل مكة في ذلك الوقت وفي ذلك المكان لحكمة عند الله تعالى ....
فعسكر النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم في ذلك الوادي "الحديبية"
فقال الناس : يارسول الله نزلت بنا على غير ماء وإن بئر "الحديبية" لا يستقي منها الراكب أو الراكبان ونحن كثير
فقال لهم النبي ﷺ : انظروا هل بها من ماء ؟

فجاؤا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا ليس فيها إلا الدلوين او الثلاث ؟
فأخذ ﷺ سهماً من كنانته وأعطاه لأحد أصحابه رضي الله عنهم .. فقال إنزل فيها "أي البئر" وأغرسه فيها باسم الله .
فنزل الرجل وقال بسم الله وغرس السهم في وسط البئر
يقول الصحابه رضي الله عنهم
قالوا : والذي بعثه بالحق لقد أخذ الماء يفور وله هدير كأنه الماء يغلي بالقدور ....
فما أن أسرعنا حتى أخرجنا صاحبنا وإلا كان قد غرق ...
ففار الماء وفاض حتى ملأ البئر .
وكانت فتحة البئر كبيرة يجلس الناس حوله ....
فجلس أصحاب النبي ﷺ حول البئر يغترفون الماء لايحتاجون لحبل أو دلو ينتشلون الماء
✨✨✨✨
اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....







سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والستون بعد المائة 165
مفاوضات الحديبية .

بركت القصواء ناقة النبي ﷺ
وفي ذلك الوقت كانت قريش في قمة ارتباكها لا تعرف ما الذي تصنعه ؟
لا هي قادرة على قتال المسلمين .
ولا هي قابلة دخول المسلمين إلى مكة .
قال لهم خالد بن الوليد لقد جاؤوا معتمرين محرمين
قالوا وإن جاء معتمراً محرماً
لا يدخلها علينا عنوة "يعني رغم عنا"
فماذا فعلت قريش ؟
أرسلت إلى زعماء القبائل المحيطة بمكة ليحضروا ويشهدوا معهم أن محمداً ﷺ جاء معتدياً إلى مكة .

فحضر إليهم سريعاً :
١- بديل بن ورقاء "سيد خزاعة"
٢- حليس بن علقمة "سيد الأحابيش"
٣- عروة بن مسعود الثقفي "سيد الطائف"

أرسل النبي ﷺ أحد الصحابة رضي الله عنهم وهو {{ خِراش بن أمية }} رضي الله عنه إلى قريش ليخبرهم أنه جاء معتمراً وأنه لم يأتِ للحرب .
وما إن دخل مكة حتى اعترضته قريش وعقروا الناقة التي كان يركبها ....
وكادوا يفتكون به لولا أن منعهم سيد الأحابيش ....
فرجع إلى النبي ﷺ وأخبره بما حدث ....

فقالت قريش : قم يا "بديل بن ورقاء" فانظر لنا أمر محمد .
و "بديل بن ورقاء" هو سيد {{ خزاعة }} وخزاعة كان فيها المسلم والكافر .
ولكن خزاعة كانت قلوبهم تميل مع النبي ﷺ مسلمهم وكافرهم .
أي كانت متعاطفة مع رسول الله ﷺ في مواقفها .

لماذا لم ترسل قريش أحد من سادتها ؟؟
حتى لا تظهر بمظهر الساعي إلى الصلح الخائف من المواجهة فاختارت سيد خزاعة .

فقام {{ بديل }} ومعه نفر من رجال قومه حتى جاء النبي ﷺ وسلم عليه
ثم جلس إلى النبي ﷺ .
فقال بديل : ما أقدمك إلى مكة يا محمد ؟؟
قال له النبي ﷺ : كما ترى نحن محرمون قد قدمنا الهدي . وقلدناه واشعرناه .
نريد أن نعظم هذا البيت ونتطوف به كسائر العرب .

ورأى {{ بديل }} صدق النبي ﷺ وأن أصحابه رضي الله عنهم شعثاً غبراً محرمين وليسوا معتدين .
قد رفعوا أصواتهم بالتلبية
فأراد {{ بديل }} أن يحل هذه الأمر من أجل أن لا يقع بين المسلمين وقريش قتال .

فأخذ يحاول إخافة النبي ﷺ .
فقال : يا محمد أنا أصدقك ولكن قومك قد أجمعوا أن لا تدخلها عليهم عنوة .
وإني تركت "كعب ابن لؤي . وعامر بن لؤي" قد نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العُوذ المطَافِيل .

كعب وعامر بن لؤي يقصد قبيلة {{ كنانة }}
جاؤوا معهم العوذ والمطافيل هو وصف للأبل التي تحلب والتي لا تحلب .
اي أنهم مستعدون حتى لو أقاموا سنة لن يسمحوا لك أن تدخل .
يعني مستعدين يضيعوا موسم الحج وسنة كاملة وهم يحاربوك ولن يسمحوا لك بالدخول .
وهم مقاتلوك وصادَوك عن البيت‏ .....

فماذا رد عليه الحبيب المصطفى ﷺ ؟؟
قال له ﷺ : إنا لم نجيء لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين .
وإن قريشاً قد أنهكتهم الحرب وأضرت بهم .
فإن شاءوا ماددتهم ، ويخلوا بيني وبين الناس .
وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا .
وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي "أي تقطع رقبتي" أو لينفذن الله أمره .





فإن شاءوا ماددتهم ، ويخلوا بيني وبين الناس . :
أي تكون هناك هدنة بين المسلمين وبين قريش مدة من الزمن لا يمنعون فيها أحد أو يرهبونه أو يضغطون عليه في عدم دخوله الإسلام .
وكان هذا هو الذي يسعى اليه ﷺ .

وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا .
النبي ﷺ يعرض عليهم الإسلام حتى يذكرهم أنه نبي مرسل من عند الله تعالى.

وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي "أي تقطع رقبتي" أو لينفذن الله أمره .

فلم يعرف {{ بديل }} ما يرد به على النبي ﷺ ولكنه أفحم وسكت ....
فقال : يامحمد سأبلغهم ما تقول :فإنما أنا رسول بينك وبينهم .
ثم رجع {{ بديل بن ورقاء }} إلى قريش وحدثهم بما قال النبي ﷺ.... ونصحهم ألا يصدونه عن البيت فإن من حق كل العرب حج هذا البيت وهو جاء محرماً معتمراً لا مقاتلاً ومعتدياً كما تزعمون ....
ولكن قريش اتهمت {{ بديل}} أن له ميل للنبي ﷺ وقالت له : اجلس لم تكفنا شيئاً .

واختارت قريش أن ترسل رجل آخر لا يكون ميله للنبي ﷺ
فأختارت {{ الحليس بن علقمة }} وهو سيد الأحابيش .

الأحابيش:هم الأعراب المحيطون بمكة والمدينة ليسوا من قريش ولا قبائل معروفة .
فهم خليط من الأعراب المحيطين تحبشوا مع بعضهم أي تجمعوا فاطلق عليهم اسم {{ الأحابيش }}
وكانوا قد عاهدوا قريش أن يعينوها في موسم الحج حتى يؤدي الناس حجهم بلا اعتداء
وكان سيد الأحابيش المطاع أمره فيهم {{ الحليس بن علقمة }}
أرسلت قريش {{ الحليس بن علقم }} سيد الأحابيش مع عدد من أصحابه
وكان النبي ﷺ جالساً يرقب من سترسل قريش ؟
فلما رآه النبي ﷺ مقبلًا من بعيد
قال لأصحابه : لقد أرسلوا إليكم ، قوم يعظمون البدن وهذا {{ الحليس }} سيد الأحابيش وهو رجل يتأله .
أي يتعبد ويعظم شعائر الله وقومه متدينون يحترمون من جاء لأداء العمرة .
إنه رجل يتأله فقدموا الهدي في وجهه ليراه .
فلما اقترب أرسلوا الإبل المجهزة للهدي في وجهه....
واستقبله الصحابة رضي الله عنهم وهم يلبون
فلما رأى {{ الحليس}} هذا
قال ؟ سبحان الله ! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت .

وعاد {{ الحليس }} إلى قريش حتى أنه لم يكلم النبي ﷺ .
بل رجع مسرعاً لأنه يعظم شعائر الله تعالى...
وقال لهم : ويحكم يا قريش تصدون عن البيت من يعظم شعائر الله ؟
إني رأيت ما لا يحل منعه وما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ....
وأخذ يعنفهم ويقول : إنكم تعنفون على محمد وتسيؤون به الظنون .
ما جاء معتدياً كما تزعمون بل جاء معتمرا...
فلما أثقل عليهم بالكلام
قالوا له اجلس يا حليس فإنما أنت أعرابي ولا علم لك...
فغضب الحليس .
وقال : يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم .
يُصدّ عن بيت الله الحرام من جاءه معظِّماً .
والذي نفس {{ الحليس }} بيده ، ورب هذا البيت لتخلّون بين محمداً وما جاء به أو لأنفرن بالأحابيش "أي آخذ قومي وأرحل نفرة رجل واحد حتى أكون مع محمد عليكم .

"لايعني أنه سيدخل الإسلام.. قصده : يقف وينصر النبي صلى الله عليه وسلم حتى يدخل مكة ويعتمر"
فلما رأت قريش ذلك استرضوه وأجلسوه
وقالوا : لا عليك يا حليس ، سنأخذ منه ونعطي "يعني ستكون بيننا وبينه مفاوضة"

فجلس {{ الحليس }} على حذر وهو يريد أن يقف في وجه قريش إن صدت رسول الله عن أداء العمرة .

ثم اختارت قريش بعد ذلك {{ عروة بن مسعود الثقفي }} وهو سيد الطائف .

هو الذي نزل فيه قول الله تعالى :
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم .
عندما قال الوليد بن المغيرة لو كان ما يقول محمداً حقا
لكان نزول هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أي مكة و الطائف .
إما نزل على : أنا الوليد بن المغيرة أو سيد الطائف
{{عروة بن مسعود }}
وقد أسلم {{ عروة بن مسعود }} وله قصة استشهاد رائعة بعد حصار الطائف وكان الرسول ﷺ يقول عنه أنه يشبه المسيح عيسى عليه السلام .
قالت قريش تذهب إليه يا عروة ؟
قال لهم لقد رأيت وسمعت ما كان بينكم وبين من أرسلتم قبلي ....
وأنا رجل لا أرضى الإتهام ....
"يعني أنكم لا تحسنوا الظن بأحد ....

فأنا لا أرضى الإتهام وأنتم تعلمون يا سادة قريش
أنكم الوالد وانا الولد .
"لأن أمه من قريش يعني انتوا اخوالي : يعني لن أقف مع محمد ضد أخوالي"
وتعلمون أني جئت بقومي حتى أكون معكم .
قالوا : أنت لست متهم
قال : فإن أتيته وقلت رأيي فيه ، فأنا لا أرضى أن تخالفوني الرأي
فأقنعوه بالذهاب .
أرسلت قريش {{ عروة بن مسعود }} ولم ترسل أحد من سادة قريش حتى لا تظهر بمظهر الساعي إلى الصلح الخائف من المواجهة....
واختارت {{ عروة }} لأنه شخصية معروفة وله مكانته الكبيرة في الجزيرة كلها .
أقبل {{ عروة بن مسعود }} ومعه رجال من قومه حتى أناخ راحلته عند رسول الله ﷺ ثم أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم
فلما اقترب عروة سيد {{ ثقيف }} والصحابه تعرف أنه يميل مع قريش .
خاف الصحابة رضي الله عنهم على النبي ﷺ الغيلة "أي الغدر" .
فقام رجل من أصحاب النبي ﷺ "المغيرة ابن شعبة الثقفي"
"يكون "عروة" عمه أخ أبيه
أي أن الذي سيفاوض النبي ﷺ هو عم هذا الصحابي الجليل .
فلبس {{ المغيرة }} المغفر وتقلد سيفه ووقف على رأس النبي ﷺ يحرسه خوف من أن يغدر به القوم ....
فجلس {{ عروة }} إلى النبي ﷺ وتربع له النبي صلى الله عليه وسلم وجلس عروة على ركبتيه
فقال عروة لماذا قدمت يا محمد ؟؟
قال : ألا ترى يا عروة نحن محرمون ومقلدون الهدي ومشعرون ....
رافعين الصوت بالتلبية شعثاً غبراً نريد أن نتطوف بهذا البيت كسائر العرب ....
قال : يا محمد لقد تركت قريش وقد جمعوا لك وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت .
وإنك لا تدخلها عنوة "أي رغم عنهم" وهم لا يرضون أن تدخلها هذا العام .
فإذا أبيت قاتلوك وقد لبسوا لك جلود النمور "تعبيراً عن القوة"
وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين :
أن تجتاح قومك ولم نسمع برجلٍ اجتاح أصله قبلك .
(( يعني تقاتل أهلك في بلدك وهذا الشيء منكر فهي بلدك .
وما سمعنا رجل جاء برجال غرباء من خارج بلده ليقتل أهله .

أو بين أن يخذلك من نرى معك
فإني لا أرى معك إلا أوباشاً من الناس لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم .
"يعني هؤلاء اللي محتمي فيهم إذا قاتلتك قريش سيهربون ويتركوك لأنهم عبارة عن عصابة اوباش قطاع طرق حتى أنا لا أعرفهم ولا أعرف أنساب لهم

فغضب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لهذه المقالة
نحن أوباش الناس لا أنساب لنا

فهم من صميم قريش وخيارها
فقام أبو بكر ورد عليه....

قام أبو بكر مغضباً وقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : " امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ "

وهذه الجملة جاءت في حديث رواه البخاري رحمه الله : عن عروة بن مسعود لما جاء مفاوضاً عن المشركين في الحديبية للنبي ﷺ فقال : " فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا وَإِنِّى لأَرَى أَوْبًاشَا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ ))

عجب الصحابة رضي الله عنهم
أبو بكر المعروف بالحلم والهدوء والسكينة .

ولم ينكر النبي ﷺ على {{ أبي بكر }} ما قاله ...

صدم {{ عروة }} من رد {{ أبي بكر }}
ووصلت له الرسالة وآضحة تماماً أن الصحابة رضي الله عنهم مستعدون بالتضحية بحياتهم في سبيل الرسول ﷺ .
قال عروة وهو مصدوم ومغضب من هذا يا محمد ؟
فبتسم النبي ﷺ وقال له : ألا تعرف ابن أبي قحافة يا عروة إنه أبا بكر .
قال عروة أبا بكر ؟
قال نعم يا عروة .
قال عروة : أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها بعد لأجبتك !

كان {{ عروة بن مسعود }} قد استعان في حمل دية يعني عليه دم في الجاهلية أي قبل الإسلام
فكان يطلب عروة من الناس أن يعينوه في دفع الدية .
فأعانه أبو بكر بنصف الدية...
فكانت هذه يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند عروة بن مسعود .
فكان لأبي بكر فضيلة على عروة....

فقال : أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها بعد لأجبتك .
اي معروفك السابق يمحو شتمك لي اليوم .

ثم رجع {{ عروة }} يكلم النبي ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم لا يرد عليه ...
فأخذ يلاطف الحبيب المصطفى ﷺ يمس لحية النبي ﷺ برؤوس أصابعه
ليست هذه الحركة احتقاراً
بل هي عادة عند العرب بالتودد والتلطف .
ولكن لا تكون هذه الحركة إلا من سيد إلى سيد ومن كبير إلى كبير

مد يده إلى لحية النبي ﷺ يلاطفه كعادة العرب حتى يقبل رأيه ....
المغيرة ابن أخيه واقف على رأس النبي ﷺ يحرسه خوفاً من الغدر وكان يلبس المغفر يعني وجهه لا يبين لا يعرفه عمه عروة ....
فكان كلما مد {{ عروة }} يده ليمس لحية النبي ﷺ ويلاطفه
يقرع {{المغيرة بن شعبة }} يقرع بذيل السيف على يده
ويقول له بشدة : اكفف يدك عن مس لحية رسول الله قبل ألا تصل إليك !

فلما أكثر {{المغيرة }} من ضربه ليد {{عروة }}
اشتعل غضباً عروة
وقال : ليت شعري من أنت ؟؟
يا محمد من هذا ؟؟
والله ما رأيت من بين العرب أفض وأغلظ منه من هذا الرجل يا محمد ؟
فابتسم النبي ﷺ وقال له هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة يا عروة .
قال : المغيرة ؟
قال نعم هذا المغيرة بن شعبة يا عروة .
فنظر إلى ابن أخيه
وقال : يا غدر ما غسلت ديتك إلا بالأمس القريب ....
[[ كان الدم الذي تحمله عروة و أعانه عليه أبو بكر كان عن ابن أخيه المغيرة الذي حمل دما قبل إسلامه....
وجعل {{ عروة }} يراقب الصحابة رضي الله عنهم
فلقد كان يظنهم : أوباش من الناس عصابات في أي لحظة يخذلون رسول الله

فلما حضرت الصلاة وأحضروا له الماء ليتوضأ أخذ الصحابة يقتتلون على وضوئه
وعاد {{ عروة }} إلى المشركين مرعوب وقد تغيرت مفاهيمه .
كما قلنا كان يظن أن مع النبي صلى الله عليه وسلم أوباش من الناس وعصابة ....

فاسمعوا ماذا قال لقريش الآن .
قال لهم . أي قوم !
والله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي .
والله ما رأيت ملكاً من الملوك قط يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً .
والله ما أمر أمراً إلا ابتدروا إلى أمره .
وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده .
ولا يحدون البصر في وجهه تعظيماً له .
وإذا نظر إلى مكان التفتوا جميعاً نظروا إلى ما ينظر إليه ...
وإذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه ....
ولا يبصق بصقة إلا وقعت في كف رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده ....
وإني ناصح لكم .
فوالله إنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم .
فوالله لقد رأيت قوماً لا يسلمونه أبداً وفيهم عين تطرف .
وإني نصحت لكم
فخذوا رأيكم واتركوا محمداً وشأنه ....
فإن أصابته العرب فذلك ما ترجون وإلا فعزه عزكم .
قالوا : اجلس يا عروة .
قال : ما أنا بجالس !!!
لقد أخذت عليكم عهداً أن لا تتهمونني .
قالوا : ما أنت بمتهم .
ولكن اجلس دعنا نأخذ ونعطي
قال : كم تأخذون وتعطون ؟؟
لا والله لا أشهد لكم مهزلة ولا عيبة ....
"يعني مفاوضتكم مع محمد وكل الذين ذهبوا وأرسلتموهم إليه وكلامهم عنه .
يقولون لكم دعوه يعتمر .
لماذا ترسلون الرسل إذن ؟؟
إذا لم يقنعكم هذا كله فهذا يعتبر مهزلة وعيب عليكم .
فنهض من قومه من أهل ثقيف واتجه للطائف .

فضعفت شوكة قريش
قالوا : أردنا امراً فقلبه محمد علينا رأساً على عقب .

أرادوا بذلك ان يشهدوا العرب على أن محمد يتعدى عليهم في الأشهر الحرم .
فشهدت عشائر العرب كلها بسادتها بأنه جاء معظماً لبيت الله واصلاً للرحم لا يريد حرباً

✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....






[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والستون بعد المائة 166
بيعة الرضوان .

بعد أن كسُرت شوكة قريش في المفاوضات وأصبحوا أمام العرب في موقف {{ المتهم }}
أخذت قريش تفكر في قبول الصلح مع المسلمين ....
ولكن كانت هناك معارضة من شباب قريش المتحمس أو المتهور ...
لأن هؤلاء الشباب نشأوا على كراهية الإسلام وكراهية النبي ﷺ .... لأنه عندما جاء الإسلام كانت أعمارهم مابين 6 إلى 9 سنين .
أي رضعوا كراهية الإسلام ...
و غير ذلك مات الكثير من آبائهم وأقاربهم في مواجهات مع المسلمين ....
مثل عكرمة بن أبي جهل الذي قتل أبوه في بدر وغيره الكثير
ولذلك فهم لا يتصورون عقد صلح مع المسلمين ....

حاولوا هؤلاء الشباب منع أي طريق للصلح ....
فقامت مجموعة منهم وعددهم 50 شاب من قريش
في التسلل إلى معكسر المسلمين ليقتلوا بعض أصحاب رسول الله ﷺ بغرض أن يوقعوا الفتنة بين الفريقين ....
وتكون شرارة الحرب بين رسول الله ﷺ وقريش .

وكان النبي ﷺ قد وضع حراسة قوية حول معسكر المسلمين على مدار الساعة .
وجعل قيادة هذا الحرس لمحمد بن مسلمة رضي الله عنه .

فلما اقترب هؤلاء الشباب من قريش من معسكر المسلمين .
أحاط بهم الصحابة رضي الله عنهم وتم القبض عليهم وقيدوهم وجاؤوا بهم إلى النبي ﷺ وهم مقيدون ....
كانت عملية القبض على هؤلاء الشباب صعبة جداً لأن عددهم كبير وهم مسلحون .
ولأن القبض عليهم تم دون إراقة دماء من كلا الجانبين .

فلما رءاهم النبي ﷺ وأخبره الصحابة رضي الله عنهم بخبرهم ... قال ﷺ : اطلقوا سراحهم .

50 شاب من قريش يطلق سراحهم دون حتى أن يطلب فيهم فداء ...
حتى يفسد عليهم مخططهم في إفساد جهود المصالحة .
وبذلك جعل ﷺ هذه الحادثة أمر في صالحه .
أكد به أنه قد جاء للعمرة وليس للقتال ....
وأن طلبه للهدنة جاء من مركز القوي وليس الضعيف .

وقد ذكر تعالى هذا الموقف في سورة الفتح :
فقال تعالى .
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا .

واستمر وجود المسلمون في {{ الحديبية }} أكثر من ثلاثة أسابيع .
ففكر النبي ﷺ أن يرسل أحد الصحابة رضي الله عنهم للكلام مع قريش مباشرة بالرغم من أن قريش أرسلت إليه رجال من سادات العرب ...
وقد نقل لهم النبي ﷺ ما يريد
ولكن رسول الله ﷺ أراد أن يكون الكلام موجهاً مباشرة من المسلمين إلى قريش .
لأن الوسيط قد لا ينقل الصورة كما هي ، أو كما يريد النبي صلى الله عليه وسلم...

فاختار النبي ﷺ أن يرسل إليهم "عثمان بن عفان" رضي الله عنه .

لماذا اختار النبي ﷺ "عثمان رضي الله عنه لهذه المهمة ؟؟
لأن عثمان من {{ بني أمية }} وهي من البطون القوية .
فكان في قريش أقوى بطنين
١- بني هاشم . التي منها النبي ﷺ
٢- بني أمية . التي منها عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وكان التنافس بين البطنين على الزعامة قديم جداً وله جذور بعيدة ....
في هذا الوقت كانت الزعامة في مكة "لبني أمية" وكان سيد مكة "أبو سفيان" وهو من بني أمية
بعد أن كانت لعم النبي ﷺ أبو طالب من بني هاشم .

واستمر هذا التنافس حتى بعد استقرار الإسلام وكانت الحرب والفتنة الكبرى بين "على بن أبي طالب" من بني هاشم و "معاوية بن أبي سفيان" من بني أمية .

إذآ عثمان بن عفان رضي الله عنه من بني أمية ولن يجرؤ أحد من إيذاء عثمان رضي الله عنه في مكة .
وكان "عثمان" معروف بالحلم والحكمة .
فله قدرة على التفاوض و "عثمان" شخصية محبوبة جداً في مكة قبل إسلامه وحتى بعد إسلامه لأنه كان من طبعه الكرم .
ودائما الإنسان الكريم يكون محبوباً

لكل هذه الأسباب :
اختار النبي ﷺ عثمان رضي الله عنه .... أرسل النبي ﷺ "عثمان" لقريش .
وكانت مهمته أن ينقل رسالة النبي ﷺ أن المسلمين قد جاءوا لأداء العمرة ولم يأتوا لقتال أحد
وأن النبي ﷺ يعرض عليكم ثلاثة أمور .

١- أن يدخلوا في الإسلام .
٢- أن تكون هناك هدنة بين المسلمين وبين قريش لا يكون فيها قتال .
ولكن الشرط الأساسي في هذه الهدنة أن يخلو بينه وبين الناس ....
يعني قريش لا تمنع أحد في الجزيرة من دخول الإسلام .

٣- وإذا رفضوا هذين الشرطين فيكون القتال .

وكان في مكة مسلمون مستضعفين يكتمون إسلامهم خوفًا من بطش قريش .
فلما سمعوا ... بقدوم الحبيب المصطفى ﷺ هاجت قلوبهم بالشوق لرؤية رسول الله ﷺ
متشوقين لرؤيته وهو يطوف بالكعبة .
فقال النبي ﷺ لعثمان : إذا وصلت مكة فبشر هؤلاء المستضعفين من المسلمين أن النبي ﷺ يبلغكم السلام .
ويبشركم أن الله تعالى سيعز الإسلام والمسلمين ويوصيكم بالصبر .
توجه "عثمان بن عفان رضي الله عنه... فلما انطلق عثمان قال الصحابة رضي الله عنهم للنبي ﷺ لقد فاز بها عثمان فالآن يطوف بالبيت
فقال لهم النبي ﷺ : ما ظننته يطوف بالبيت ونحن محاصرون .
فقالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص إليه ؟

انظروا ماذا قال لهم النبي ﷺ
قال : ذلك ظنِّي به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف ولو مكث سنة ما طاف بها حتى أطوف

وصل عثمان رضي الله عنه ودخل مكة .
وانطلق إلى رجل من قريش من "بني أمية "
"أبان بن سعيد بن العاص الأموي" وطلب منه عثمان رضي الله عنه أن ينزل في جواره .
مع أن العرف هو عدم قتل الرسل ....
ولكن هذا يدل على شدة العداوة التي كانت بين قريش والمسلمين .
وكان "أبان بن سعيد" صديق حميم في الجاهلية لعثمان .
فأدخله في جواره .
استقبلته قريش ورحبت به
"كما قلنا عثمان كان محبوباً في قريش .
بل وعرضوا عليه أن يطوف بالبيت عندما وجدوه ينظر إلى الكعبة .
وقالوا له يا عثمان إن شئت فطف بالبيت
فقال عثمان ؟
هو لم يكن موجود عندما قال ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم
ذلك ظنِّي به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف ولو مكث سنة ما طاف بها حتى أطوف .

والله لا أطوف حتى يطوف رسول الله ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم ولو مكثت بها سنة .

وظل "عثمان" في مكة ثلاثة أيام كاملة...
فعثمان لم يكن متعجلآ بالخروج
١- لأنه كان يريد أن يأخذ ردا من قريش على رسالة النبي ﷺ .
٢- لأن الرسالة التي يريد أن ينقلها من النبي ﷺ إلى المستضعفين سراً تتطلب وقتا كبيراً .

هنا قامت قريش بنشر إشاعة في معسكر المسلمون
وهي "إشاعة مقتل عثمان"
لماذا ؟؟
ليختبروا ردة فعل النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم بهذه الإشاعة .

وبالفعل وصلت تلك الإشاعة للنبي ﷺ بمقتل عثمان رضي الله عنه في مكة .
النبي ﷺ عرف بفراسته أنها إشاعة .
كيف لا وهو الذي يقول اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله .
إذاً المؤمن ينظر بنور الله تعالى
فكيف النبي ﷺ .
فقام ﷺ في أصحابه وقد شاع الخبر في صفوفهم
وطلب منهم مبايعته على القتال وعدم الفرار بيعة الموت
كأن النبي ﷺ يقول لقريش تريدون أن تعرفوا ردة فعلنا
هذه هي مبايعة على الموت وهم يعرفون من هم المسلمون في الحروب .... فأجتمعوا عند شجرة في أرض الحديبية .
وقد عرفت هذه البيعة : ببيعة الشجرة .
لأنها تمت تحت شجرة في الحديبيبة
واسم الشجرة "شجرة السمُرة" وهي شجرة كبيرة وضخمة

عرفت ببيعة "الرضوان" لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم أنه قد "رضي الله" عن أصحاب هذه البيعة :
فقال تعالى .
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا .

وعرفت أيضا {{ ببيعة الموت }}
فبسط النبي ﷺ يده .
فأقبل الصحابة رضي الله عنهم لمبايعته حتى ركبوا على ظهور بعضهم البعض .

بايع الصحابة رضي الله عنهم النبي ﷺ .
فلما انتهوا وضع النبي ﷺ يده فوق الأخرى .
وقال هذه يد عثمان .
وهذا دليل أن النبي ﷺ كان يعلم أنها اشاعة .
فكيف يبايع عثمان على الموت و هو مقتول ....

ولكن النبي ﷺ كان يريد أن يعلم قريش ردة فعله ألستم تريدون معرفة ردة فعلنا ؟؟
هذه هي ردة فعلنا مبايعة على الموت ....

ووصلت أخبار هذه البيعة إلى قريش فأصابها الخوف والهلع
ولذلك بعد هذه البيعة مباشرة وافقت قريش على "الصلح"
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
[٢٨‏/٦‏/٢٠٢١ ٧:٥٩ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والستون بعد المائة 167
بنود صلح الحديبية .

بايع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم النبي ﷺ تحت الشجرة بيعة الرضوان .
وصل الخبر إلى قريش أن الصحاب رضي الله عنهم قد بايعوا النبي ﷺ على الموت .
فأصاب قريش الرعب والخوف والهلع من هذه البيعة .
فقالوا لعثمان رضي الله عنه . انطلق وقل لمحمد أن قريش وافقت على الصلح .

وأرسلت قريش "سهيل بن عمرو" وهو شخصية هادئة طيبة
فلما قدم "سهيل" ومعه رجال من قريش ورآه النبي ﷺ من بعيد
قال لأصحابه رضي الله عنهم قد سهل لكم أمركم ما أرسلت قريش هذا إلا لأنهم يريدون الصلح .

والسؤال هو ...
لماذا اختارت {{ قريش }} هذه الشخصية الهادئة الطيبة السهلة ليتفاوض مع النبي ﷺ .
أليس من الطبيعي أن ترسل شخصية صعبة يتفاوض مع النبي ﷺ حتى يحصل على أكبر قدر من المكاسب ؟
لماذا لم ترسل للمفاوضة أحد من الصقور مثل :
"عمرو بن العاص"
أو "خالد بن الوليد"
أو "عكرمة بن أبي جهل"
أو "صفوان بن أمية"
أو "أبو سفيان بن حرب"

السبب هو أن قريش
١- كانت تريد الصلح
٢- خائفة من الحرب
٣- خائفة من البيعة
التي أخذها النبي ﷺ من المسلمين بيعة الموت .

فكانت قريش لا تريد أن ترسل أحد يمكن أن يصل بالأمور الى طريق مسدود ومن ثم الى الحرب والقتال .
لذلك قال النبي ﷺ عندما رأى سهيل
قال قد سهل لكم أمركم ، ما أرسلت قريش هذا إلا لأنهم يريدون الصلح .

فقدم سهيل مع رجال من قريش
فسلم وجلس إلى النبي ﷺ
فقال : يا محمد إن قريش قد أرسلتني إليك أمثلهم فأعطيك وأخذ منك .

البند الأول .
١- أما الأولى يا محمد هي :
أن يرجع المسلمون ولا يدخلون مكة لأداء العمرة هذا العام ولا تدخل عليهم عنوة أبداً ترجع إلى بلدك . أي المدينة .

فصاح أصحاب النبي ﷺ
وقالوا : بلدنا وبلد رسول الله هي مكة .
فأشار إليهم النبي ﷺ أن اسكتوا .... فسكتوا .
فأكمل سهيل :
ترجع إلى بلدك هذا العام لا تدخلها ، على أن يأتوا العام القادم لأداء العمرة .
فيدخلون مكة بسيوفهم فقط . والسيوف في القرب أي في أغمادها .
ويظلون في مكة ثلاثة أيام فقط .
ثم يخرجوا منها بعد ذلك وتترك قريش لهم مكة هذه الأيام الثلاثة .
لا يشارككم بها أحد من قريش .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم رضينا .

البند الثاني .
وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش عشر سنين .
فقال النبي ﷺ رضينا .

البند الثالث .
للعرب الخيار من أحب أن يدخل في عقد محمد "أي دينك" وعهده دخل فيه .
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
فقال النبي ﷺ رضينا .

البند الرابع .
من جاءك من قريش مسلماً بدون إذن وليه ترده إلينا .
ومن جاءنا من أصحابك مرتداً بإذن وبغير إذن لا نرده إليك .
(( أي أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش .
ولا تعيد قريش من إرتد من المسلمين إلى المدينة ))

فصاح أصحاب النبي ﷺ ....
لا نعطي الدنية في ديننا والله ونحن على الحق وأنتم على الباطل .
فأشار النبي ﷺ إليهم بيده ان اسكتوا.... فسكتوا
فقال النبي ﷺ رضينا .

لنقف مع هذه البنود نعلق عليها باختصار ....

البند الأول .
وكان هذا هو أهم بند عند قريش أن لا يدخل المسلمون لأداء العمرة .
لماذا ؟
لأن دخول المسلمين لأداء العمرة "من وجهة نظرهم" سيهز هيبتهم ويحط كبريائهم في الجزيرة العربية ....

البند الثاني .
وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش عشر سنين .
وهذا البند في صالح المسلمين .
لماذا ؟
لأنه سيتيح للمسلمين التفرغ لبناء دولتهم .
والتفرغ للدعوة لأن الدعوة في حالة الأمان أفضل من الدعوة في حال الحرب .
وأيضاً لإعطاء فرصة للمسملين لمحاربة عدوهم الثاني في الجزيرة العربية بعد قريش وهم اليهود ....
وهذا ما حدث بالفعل بعد الحديبية أن توجه المسلمون لحرب اليهود في "خيبر"
ولم يكن هذا البند في صالح قريش إلا في جانب واحد فقط وهو فك الحصار الإقتصادي الذي كان يفرضه النبي ﷺ على قريش ....
وهو جانب مادي بحت لن يفيد قريش كثيراً في صراعها مع المسملين .

البند الثالث .
من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
وهذا البند في صالح المسلمين لماذا ؟؟
لأن قريش كما قلنا لكم من قبل كانت من أقوى قبائل الجزيرة
وجميع القبائل في الجزيرة لها مصالح اقتصادية وغير اقتصادية مع قريش .
فكانت قريش تمنع القبائل من الدخول في حلف مع النبي ﷺ
ولذلك بعد هذه المعاهدة دخلت الكثير من القبائل في حلف مع النبي ﷺ .
أولهم كانت قبيلة "خزاعة" كانت من القبائل الكبيرة في الجزيرة
فبعد هذه المعاهدة قامت خزاعة ودخلت في الإسلام.

البند الرابع ..
١- أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش .
٢- ولا تعيد قريش من إرتد من المسلمين إلى المدينة .
الجزء الثاني : من هذا البند
لا يضر المسلمين في شيء بل على العكس هو في صالح الدولة الإسلامية .
لأن المسلمين لا يريدون في الصف الإسلامي إلا المؤمنين فقط .
ووجود غير المؤمنين في المدينة يضعف المسلمين ويمكن أن يكون عيناً لقريش .
أما الجزء الأول : من البند وهو أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش .
فقد أثار ذلك إعتراض كل الصحابة رضي الله عنهم تقريباً ووجدوا فيه ظلما للمسلمين
وتحدث "عمر بن الخطاب" إلى النبي ﷺ .
وقال : يا رسول الله لم نعطِ الدنية في ديننا ؟
لأن الطبيعي أن تكون المعاملة بالمثل فلا يعيد المسلمون كذلك من أسلم من أهل مكة إلى قريش .
ولكن النبي ﷺ أراد أن يعطي قريش في هذه المعاهدة شيئاً مقابل أشياء كثيرة أخذها منهم
وطالما هناك تفاوض ومعاهدة فلابد أن تأخذ شيئا وتعطي شيئًا .
والا فما معنى التفاوض ...
وحقيقةً قريش لم تستفد من هذا البند شيئا لأنه بعد الصلح ومع أول حالة ....
كان هناك "إمرأة " أسلمت وتركت مكة وهاجرت إلى المدينة .
فنزلت آية ألغت هذا البند بالنسبة للنساء .....
قال تعالى في سورة الممتحنة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

ثم يقول تعالى .
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ .

هذا البند كان بالنسبة للرجال ولم تستفيد منه قريش ....
وسنرى كيف بعد فترة انقلب هذا البند ضد قريش و كان وبالاً عليها .

إذآ كانت المعاهدة في "صالح المسلمين

والله يعلم وأنتم لا تعلمون

ولم يصل المسلمون إلى ذلك إلا بعد 6 سنوات كاملة هي عمر الدولة الإسلامية قدم فيها الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم كثير من التضحيات والدماء والشهداء ....

بعد أن تم الإتفاق بين الطرفين كانت الكتابة للبنود في صحيفة يوقع عليها الطرفان ....

فقال سهيل : اكتب هذا يا محمد وليشهد عليه رجال من صحبك ورجال من صحبنا .
النبي ﷺ أمي لا يعرف القراءة والكتابة كما كان أغلب العرب
وهذا لتمام معجزة القرآن العظيم .
فقال النبي ﷺ ادنو يا علي واكتب .
فكان الذي يكتب المعاهدة هو "علي بن أبي طالب"
رضي الله عنه والرسول ﷺ هو الذي يملي عليه الكلمات .
وهذه إشارة قوية إلى أن اليد العليا في المعاهدة كانت للمسلمين لأنهم هم الذين يملون المعاهدة ويكتبوها ....
فقال النبي ﷺ لعلي رضي الله عنه : قال اكتب يا علي بسم الله الرحمن الرحيم .
فنهض سهيل و وقف
وقال :ومن الرحمن الرحيم هذا ؟؟
فوالله ما ندري ما هو : اكتب ما نعرفه نحن "باسمك اللهم"
فقال الرسول ﷺ نعم .
وقال لعلي امُحها يا علي واكتب باسمك اللهم .
فكتب علي باسمك اللهم
ثم قال النبي ﷺ اكتب يا علي هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله .
فاستوقفه "سهيل" مرة أخرى وقال : يا محمد لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك...
ولكن اكتب هذا ما تصالح عليه "محمد بن عبد الله" مع "سهيل بن عمرو"
يعني كيف نكتب في صحيفة أنك رسول الله ونوقع عليها ونحن لا نعترف بنبوتك ونقاتلك ونصدك عن البيت .

فقال النبي ﷺ إني رسول الله وإن كذبتموني .
امُحها يا علي واكتب هذا ما تصالح عليه "محمد بن عبد الله" مع "سهيل بن عمرو" .
وكان علي قد أتم كتابة محمد رسول الله .
فقال علي : لا والله لا امحوها
فقال النبي امحها يا علي واكتب كما قال سهيل .
فقال علي رضي الله عنه : والذي بعثك بالحق لا امحها واضطرب الصحابة من حولهم .
فأخذ النبي ﷺ الممحاة
وقال : يا علي أين هذه الكلمة . أرني مكانها ؟
فأشار له "علي رضي الله عنه مكان الكلمة فمحاها النبي ﷺ بنفسه .

هذا الموقف يدل على مرونة الحبيب المصطفى ﷺ لأن الأمور التي إعترض عليها "سهيل بن عمرو" أمور شكلية .
ليس هناك مخالفة شرعية في عبارة "باسمك اللهم"
ولا هناك مخالفة في كلمة "محمد بن عبد الله"
والنبي ﷺ يريد أن يمرر المعاهدة لأنها في صالح المسلمين ....
وهي نصر وفتح للمسلمين .

ولو توقف أمام هذه الأمور الشكلية تحت أي دعوى مثل المحافظة على كرامة المسلمين أو غير ذلك .
فلن يكون هناك معاهدة ولسارت الأحداث في اتجاهات أخرى غير التي خطط لها النبي ﷺ .

فمحاها النبي بنفسه .
وقال اكتب يا علي هذا ما تصالح عليه "محمد بن عبد الله" مع "سهيل بن عمرو" .
ثم نظر النبي ﷺ إلى علي وقال :
يا علي والذي نفسي بيده لتعطينا من نفسك مثلها يوماً وأنت على الحق .
أي سيكون لك يا علي نفس هذا الموقف وأنت على الحق .
ومضت الأيام وانتقل الحبيب المصطفى ﷺ إلى الرفيق الأعلى
ومضت خلافة أبو بكر الصديق و الفاروق وذو النورين رضي الله عنهم..... حتى جاءت خلافة "علي" رضي الله عنه و وقع الخلاف مع معاوية رضي الله عنه.... واشتد القتال حتى وصلوا لطاولة "التفاوض" فجاء إلى علي رضي الله عنه "عمرو بن العاص" للمفاوضة يمثل "معاوية بن أبي سفيان"

فعندما أرادوا أن يكتبوا الكتاب
قال علي للكاتب : اكتب هذا ما تصالح عليه "أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" مع "معاوية بن أبي سفيان"
فقال عمرو بن العاص : لا والله لو كنا نعلم أنك أميراً للمؤمنين ما قاتلناك ....
بل اكتب هذا ماتصالح عليه "علي بن أبي طالب" مع "معاوية بني أبي سفيان"
فبكى علي رضي الله عنه وجهش بالبكاء وهو يقول :
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله
وقال علي للكاتب : اكتب كما يريد .
والله لقد قالها لي النبي ﷺ ونحن في "الحديبية"

بعد كتابة المعاهدة كان هناك
ردود فعل من الصحابة رضي الله عنهم لم تحدث من قبل .....
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....














[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والستون بعد المائة 168
ردود فعل الصحابة رضوان الله عليهم على صلح الحديبية

كانت البنود كما قلنا لم ترضي أحد من الصحابة رضي الله عنهم
ولم تكن بوحي من الله تعالى
فسورة الفتح نزلت فيما بعد
ولكن النبي ﷺ قبلها
كانت بنود صلح الحديبية أربعة وهي

البند الأول .
أن يرجع المسلمون ولا يدخلون مكة لأداء العمرة هذا العام ، على أن يأتوا العام القادم لأداء العمرة،
هنا صاح الصحابة رضي الله عنهم نرجع إلى مكة هذا العام ونحن محرمون وهدينا مقلد ومشعر لا ندخل ولا ننحر ؟؟
فقال النبي ﷺ يا سهيل وما عليكم لو خليتم بيننا و بين البيت ساعة من نهار . فنطوف بالبيت وننحر هدينا ؟
قال : سهيل لا تتحدث العرب أخذنا ضغطَّة "يعني انضغطنا غصب من عنا"
ترجع هذا العام بلا عمرة وترجع في العام القادم .....

فقال النبي ﷺ لعلي رضي الله عنه : اكتب ....
هذا الذي افقد الصحابة صوابهم
كيف نرجع والنبي صلى الله عليه وسلم قد رأى في منامه أننا ندخل البيت آمنين ومحلقين ومقصرين .
والآن يوقع على بند على أن لا ندخل ؟
والنبي صلى الله عليه وسلم يشير لهم بيده أن اصمتوا
فقام عمر رضي الله عنه وارتفع صوته بين يدي النبي ﷺ كيف نرجع محرمين ؟
فقام له ابو عبيدة بن الجراح
قال : يا عمر أيرضى رسول الله وتأبى ؟

فجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولكن على غير رضا .

البند الثاني .
وضع الحرب بين المسلمين وبين قريش عشر سنين

البند الثالث .
من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه .....
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .

البند الرابع .
أن يعيد المسلمين من أسلم من أهل مكة بعد الصلح لقريش .
ولا تعيد قريش من إرتد من المسلمين إلى المدينة .

أثار البند الأخير استياء وغضب ومعارضة جميع الصحابة رضي الله عنهم تقريباً
والسبب : أن النبي ﷺ لم يتمسك بأن تكون المعاملة بالمثل ....
فتقوم قريش برد من إرتد من المسلمين إلى المدينة .
ولكن النبي ﷺ كان لا يريد في الصف الإسلامي إلا المؤمنين فقط .
ووجود غير المؤمنين في المدينة يضعف المسلمين ويمكن أن يكون عينا لقريش .
وقد أوضح ﷺ وجهة نظره تلك للصحابة رضي الله عنهم
فقال لهم :
إن من ذهب منا إليهم "أي إرتد عن الإسلام ورجع" فأبعده الله
ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً .

"يعني الذي يترك الإسلام ويرتد ويعود إلى المشركين أبعده الله
ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً .
يعني سيكون هناك حل قريب لمشكلة هؤلاء نتيجة بنود صلح الحديبية .....

وهذا ما حدث بالفعل حيث تم فتح مكة بعد ذلك بعامين فقط

وبعد أن تم الإتفاق على بنود الصلح ....
وقبل أن يتم توقيع المعاهدة بين النبي ﷺ و "سهيل بن عمرو"
حدث أمر لم يكن متوقعاً زاد من هم الصحابة رضي الله عنهم وكربهم ....
"يعني بلغتنا زاد الطينة بلة"

عندما أرادوا التوقيع سمعوا ضجة في صفوف الناس فقام الرجال ينظرون ....
فقال النبي ﷺ لمن حوله ما الأمر ؟؟
وإذا هو رجل من قريش مقبل عليهم مسلماً وكان مستضعفاً في مكة حبسته قريش .
"أبو جندل" رضي الله عنه
من هو "ابو جندل" هذا ؟؟
هو ابن "سهيل بن عمرو"
"نعم هو ابن "سهيل" الذي يكتب المعاهدة الآن مع النبي ﷺ .

كان "أبو جندل" قد أسلم و أبوه "سهيل بن عمرو" قد قيده وحبسه في بيته حتى لا يهاجر إلى المسلمين في المدينة....
وكان أبوه "سهيل" يشرف عليه كل يوم حتى لا يتضامن ويتعاطف عليه أحد من الناس
وبخروج أبوه "سهيل" من مكة للمفاوضة كانت له فرصة واستطاع "أبو جندل" أن يهرب من بيت أبيه
ووصل لمعسكر المسلمين بالحديبية وهو مقيد بالأغلال
لأن مفتاح القيد كان مع أبوه "سهيل بن عمرو" الذي جالس يتفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم..... وكان أبو جندل يسير ويرسف في أغلاله "يجر جنازير القيد" يرسف في أغلاله
فجاء به الصحابة رضي الله عنهم لمجلس النبي ﷺ

وعندما رآه أبوه "سهيل بن عمرو" وثب قائماً
قال يا محمد : هذا أول ما أقاضيك عليه "أبو جندل" على أن ترده الساعة معي .
والصحابة رضي الله عنه ينظرون ومضطربه قلوبهم من هذه المعاهدة ....

فأراد الحبيب المصطفى ﷺ أن يتدارك هذا الموقف .....
حاول ﷺ أن يجد مخرجا لهذا الموقف الحرج
فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا سهيل إننا لم نوقع الكتاب بعد فأعتبره سابقاً لها .
قال : لا والله يا محمد لا أقاضيك على شيء أبداً ....
[[ يعني أنا إذا ما أخذت معي "أبو جندل" ورجعته لمكة لن يكون هناك صلح .....
فقال له النبي ﷺ : إذآ فأجزه لي.
[[ يعني أعطه لي كرماً منك ]]
قال سهيل : ما أنا بمجيزه لك
فقال ﷺ : بلى تفعل يا سهيل .
قال سهيل : ما أنا بفاعل .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : بلى تفعل .
لأن النبي ﷺ يعرف معدن الرجال ويعلم أن سهيل رغم كفره رجل حيي .....
وعند فتح مكة قال لأصحابه إذا رأيتم سهيل بن عمرو لا تحدوا النظر في وجهه لأنه رجل حيي
وقد أسلم بعد فتح مكة رضي الله عنه واصبح من صفوف الصحابة رضي الله عنهم.

ولكن في هذا الموقف لم يقبل سهيل لأن القضية تتعلق بإبنه
ولم يكتف "سهيل بن عمرو" بذلك بل قام يضرب إبنه ضرباً شديداً
والمسلمون يشاهدون كل ذلك ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئا "لأبو جندل" .
ومما زاد من ألم المسلمين أكثر وأكثر أن "أبو جندل" أخذ يستغيث بالمسلمين وأخذ يصيح بأعلى صوته.....
"يا معشر المسلمين .
يا رسول الله : أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟
فقال له النبي ﷺ إنا عقدنا بيننا وبين القوم عهداً ، وإنا لا نغدر بهم .
يا أبا جندل اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً .

كان هذا الموقف شديد الصعوبة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الصحابة رضي الله عنهم....
ولكن لم يكن أمام الرسول ﷺ إلا أن يتصرف هكذا .
لأن هناك معاهدة والمسلمون لا ينقضون عهودهم أبداً.

ومن شدة تأثر المسلمين بهذا الموقف ومن شدة اعتراضهم وعدم موافقتهم على هذا البند من الصلح قام "عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يتحمل هذا الموقف حين رأى "أبو جندل" يضربه أبوه....
والنبي ﷺ يرفض أن يأخذ "أبو جندل" في صفوف المسلمين عملآ ببنود المعاهدة .
فقام "عمر بن الخطاب" واقترب من "أبي جندل" وأخذ يقرب منه مقبض السيف حتى يأخذ السيف "أبو جندل" منه ويقتل أبوه
اقترب منه وخاطبه
وقال له : اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب ....
"يتكلم معه عمر رضي الله عنه ويقرب له مقبض السيف يعني خذه اقطع رقبته"
يقول عمر رضي الله عنه : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه .

وتم توقيع الصلح وأخذ سهيل إبنه "أبو جندل" ونسخة من كتاب الصلح ومع النبي ﷺ نسخة ....
انصرف "سهيل بن عمر" بإبنه المسلم "أبو جندل" وساد الحزن والكآبة على وجوه الصحابة رضي الله عنهم
ورأى النبي ﷺ ما على وجه أصحابه رضي الله عنهم من كدر وقهر وكآبة وثقل هذه المعاهدة على نفوسهم .
فقال : قوموا إلى هديكم فأنحروا واحلقوا رؤوسكم يرحمكم الله .
كما جاء عند البخاري رحمه الله

فوالله ما قام رجل واحد إلى هديه ونحر ....
فنظر النبي ﷺ إلى وجههم
وقال : قوموا الى هديكم فأنحروا واحلقوا رؤوسكم يرحمكم الله .
للمرة الثانية ....
فوالله ما قام رجل واحد "وذلك من ثقل الموقف"

فقال للمرة الثالثة
ألا تسمعون ؟ قوموا إلى هديكم فأنحروا واحلقوا رؤوسكم .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فوالله ما قام رجل واحد
وكأنهم لم يسمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم من ثقل تلك المعاهدة .

فتركهم النبي ﷺ خشية أن يبقى مخالفة فينزل غضب الله عليهم

ملاحظة ...
الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لم يستجيبوا للنبي ﷺ .
ليس عصيان رضي الله عنهم
حال الصحابة بعد توقيع هذا الصلح كانوا مذهولين
يعني إنسان صابه الحزن والكآبة ....

مثل المضروب على رأسه...
كانوا يحلمون بالطواف حول الكعبة والعمرة .
وحادثة أبو جندل وكيف ضربه أبوه وأرجعه لمكة وبنود الإتفاق
جعل من الصحابة رضي الله عنهم مذهولين لا يسمعون .


أمر الرسول ﷺ الصحابة رضي الله عنهم بالنحر فما قام منهم أحد ....
فتركهم ودخل خيمة أم المؤمنين "أم سلمة رضي الله عنها" وكانت تصحبه في هذه الرحلة .

فلما دخل كان مغضباً ....
وكان إذا غضب عرف ذلك الغضب في وجهه ﷺ ....
تحمر عيناه ويسطع وجهه نوراً وتحمر وجنتيه كأنه فقيء في وجهه حب الرمان .
أي نور وجهه مع بياضه منقط باللون الاحمر ﷺ .

دخل خيمته ﷺ وهو يقول :
إنا لله وإنا إليه راجعون لا حول ولا قوة إلا بالله .
فقالت أم سلمة بأبي وأمي أنت ما الأمر ؟
قال هلك المسلمون .
قالت : وما أهلكهم ؟
قال أمرتهم فلم يأتمروا .
أخاطبهم وهم ينظرون إلى وجهي ويسمعون كلامي فلا يقوم منهم أحد .
فقالت أم سلمة رضي الله عنها
بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
إنك تعلم كم حمَّلت أصحابك في هذا الصلح فوق ما يطيقون أو كانوا يريدون .
فكأنما أصابهم "الذهول" فلم يسمعوا قولك .
قالت : إن شئت أن لا يتأخر عنك أحد ولا يخالفك .
فأخرج انت بأبي وأمي فانحر هديك وأحلق رأسك دون أن تكلمهم .
فوالذي بعثك بالحق لن يتخلف عنك واحد .
فجلس النبي ﷺ حتى زالت معالم الغضب من وجهه
ثم اضطبع برداءه .....
"والإضطباع يعرفه الحاج والمعتمر أن يكشف كتفه الأيمن فيجمع طرفي ردائه على كتفه الشمال"
فاضطبع بردائه ثم خرج .
ثم جاء إلى حربة مركوزة أمام خيمته فأخذها وتوجه صامتاً لم يكلم أحداً إلى هديه لينحر ...
ثم قال بأعلى صوته والصحابة يسمعون
بسم الله ، الله اكبر .
فلما رأوه الصحابة وثبوا من مكانهم مسرعين حتى ركب بعضهم فوق بعض ...
وهم يقولون : الله اكبر . رسول الله ينحر ونحن جلوس ؟
ودعا حالقه فحلق له وحلق الصحابة رضي الله عنهم

يقول راوي الحديث : حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً ....
"يعني كان كل واحد من الصحابة يحلق للآخر و نفوسهم مضطربة وهم في غم وغضب ....
لدرجة أنهم كادوا يصيبون بعضهم بعضاً وهم يحلقون .

انتهت هذه الأزمة الكبيرة والمؤقتة بفضل الله عز وجل
ثم حكمة أمنا "أم سلمة" رضي الله عنها زوجة النبي ﷺ .

ومن هنا جاء "حكم المحصر"
فكما قلنا أن المسلمين قد أحرموا من "ذي الحليفة" وساقوا معهم عدد كبير من الهدي .
و الهدي هو ما يهدى من الأنعام إلى الحرم تقرباً إلى الله تعالى.
وهو مستحب....
والذي يذهب لأداء العمرة ثم لا يستطيع أن يدخل مكة
لأي سبب يقال عنه أنه "محصر" وينبغي عليه في تلك الحالة أن ينحر الهدي ويتحلل من إحرامه في المكان الذي احصر فيه وقد وقع أجره على الله.....
تعتبر له عمرة وإذا كان حاجاً يعتبر له قد حج .

تم الصلح ونحر الهدي وتحللوا
ولكن نفوس الصحابة رضي الله عنهم لم تطب بعد وعلى رأسهم "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه .
وكلنا نعرف من عمر والنبي ﷺ يثني على عمر ويقول إن الشيطان ليهابك يا عمر . وسماه المحدث الملهم .
قال لقد كان فيمن قبلكم من الأمم محدثون "أي ملهمون من قبل الله" إن يكن في أمتي فعمر .


عمر رضي الله عنه لم يعجبه هذا الصلح فإلى من يفشي سره وعدم رضاه ؟؟
لم يثق إلا بأبي بكر الصديق
فدخل على أبي بكر في خيمته
قال : يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟
قال . بلى .
قال . أليس نبينا نبياً حقاً ؟
قال . بلى .
قال . أليس ما ينطق عن الهوى ؟؟
قال . بلى
قال . ألم يخبرنا في المدينة أننا ندخل البيت مطمئنين محلقين ومقصرين .
قال . بلى
قال . فلم لم يتم ذلك ؟؟
فقال أبو بكر يا عمر إنه رسول الله حقاً .
فالزم غرزه حتى تموت "أي موضع قدمه" واتهم نفسك ورأيك ....
ثم لا والله لا أدعك ياعمر حتى تقوم معي الآن .
"وأخذ بمجامع ثوبه" حتى تقوم معي الآن وأجلسك بين يدي رسول الله وتسمعه ما أسمعتني

فأخذه بمجامع ثوبه ودخل به على خيمة النبي ﷺ
وقال : يارسول الله بأبي أنت وأمي اسمع ما يقول عمر ؟
وسكت أبو بكر .
فأعاد عمر رضي الله عنه العبارات نفسها .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : والله إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، لقد اخبرتك أن ندخل البيت محلقين ومقصرين ....
ثم أخذ النبي ﷺ بمجامع ثياب عمر وجذبه إليه...
وقال أقلت لك أنك تأتيه هذا العام ؟
قال . لا
فقال له النبي فإنك آتيه ومتطوف به إن شاء الله .

ولم تكن سورة الفتح قد نزلت بعد حتى يتلو عليهم النبي صلى الله عليه وسلم منها آية .

فسكت عمر رضي الله عنه واتهم نفسه ورأيه ورضي برأي النبي ﷺ .

وفي الطريق إلى المدينة نزلت على النبي ﷺ "سورة الفتح .
فإذا بالصحابة رضي الله عنهم بالطريق يصيحون يوحى إلى النبي ، يوحى إلى النبي .
صلى الله عليه وسلم

يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه في تلك اللحظة .

قال : فأحسست أن قلبي يخرج من حلقي وقلت "ويل أمك يا عمر" لقد أنزل الله بك قرآن يتلى إلى قيام الساعة .....
من أنت ياعمر حتى تخالف رأي النبي ﷺ ؟؟
وقلت : فتح لي باب من النفاق
فمازال الناس ينادون يوحى لرسول الله يوحى لرسول الله حتى سمعت صوتاً ينادي .
أين عمر ؟؟ أين عمر ؟؟
أجب رسول الله يا عمر وقد توقف الناس ونزلوا عن رواحلهم ....
فبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
يقول عمر رضي الله عنه فوالله ما حملتني رجلاي .
وقلت "ليت أمك لم تلدك يا عمر ، ليت أمك لم تلدك يا عمر"
فمشيت الهوينة حتى أتيت النبي ﷺ فرأيت وجهه مشرقاً ليس به علامات الغضب .
فنظر إلي وابتسم وقال لي أقبل يا عمر .
قال : فأقبلت
فقال لي لقد أنزل الله علي سورة هذه الساعة أحب إلي من الدنيا وما فيها وأحب الي مما طلعت عليه الشمس .
وعندما تلاها علي جبريل قال لي هنيئاً لك يا محمد .
فقلت له : هنيئاً لك يا رسول الله .
فقرأ عليهم النبي ﷺ سورة الفتح .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)


فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
بشر الله نبيه والمؤمنين بفتحين وليس فتح واحد .
لأنهم لو دخلوا الآن هل يكونون آمنين على أنفسهم ؟
قد يكونون بالطواف فتغدر بهم قريش ويحيطون بهم ويقتلونهم .
اذآ لن يكونوا آمنين والله يريد أن يكونوا آمنين

لَا تَخَافُونَ .
الصحابة خايفين في غيابهم من غزو "يهود خيبر" على المدينة .
فأكثر المقاتلين الآن مع رسول الله .
فكانوا في طريقهم للعمرة وقلوبهم على أهلهم في المدينة .

فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا .
أي كانت يهود خيبر تريد غزو المدينة
فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
حتى ما تضيعوا وقتكم وترجعوا فوراً للمدينة لتقضوا على يهود خيبر الذين كانوا يكيدون للمسلمين وغزو المدينة .

فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
أي سترجعون للمدينة الآن وتفتحون خيبر فكان هذا الفتح القريب ....
بشرهم الله بفتح خيبر
ويأتي بعده الفتح الثاني وهو فتح مكة .

قرأ النبي الآيات وسمعها عمر رضي الله عنه وحمد الله أن ليس فيها أدنى إشارة لموقفه .

وليس فيها طعن ولا لمز له .
ومع ذلك كله مازال عمر يخاف ذلك اليوم الذي علا فيه صوته بين يدي النبي ﷺ .
حتى وهو على فراش الموت يسأل حذيفة بن اليمان "حافظ سر النبي الذي أخبره النبي ﷺ عن أسماء المنافقين"
يبكي عمر رضي الله عنه قبل موته .... ويقول لحذيفة أنشدك الله يا حذيفة هل ذكر رسول الله اسمي في المنافقين .

ويضع خده على التراب وهو في النزع ويمرغ خده بالتراب
وهو يقول . ويلٌ لعمر إن لم يغفر له رب عمر .
رضي الله عنه وأرضاه

كيف كان هذا الصلح وبالاً على قريش وماذا حدث بعدها .
هذا ما سنعرفه بالأجزاء القادمة
بمشيئة الله تعالى...
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[٣٠‏/٦‏/٢٠٢١ ١١:١٥ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والستون بعد المائة 169
قصة الصحابيين أبو بَصير و أبو جَندل رضي الله عنهما .
وهجرتهما إلى المدينة المنورة .

رجع الحبيب المصطفى ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم إلى المدينة المنورة بعد صلح "الحديبية"
وكان ختامها نزول سورة "الفتح" فجلت الغمة عن ما بقي في نفوس الصحابة رضي الله عنهم
وعلموا بنص قرآني صريح أن صلح الحديبية هو فتح .
مضى ﷺ تاركاً تلك الشجرة التي تمت البيعة تحتها .

ماذا حدث لتلك الشجرة ؟؟
في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بلغه أن الحاج والمعتمر يعرجون على "الحديبية" فيجلسون تحت تلك الشجرة فيتبركون بها .
فقال عمر رضي الله عنه: الله ، الله .
أخشى أن تعبد بعدي من دون الله .
"شجرة تمت البيعة تحتها وانتهى الأمر" فأمر أن تقطع وذهب إليها بنفسه وقطعها .
يقول "سعيد بن المسيب" رحمه الله من كبار التابعين .
قال : حدثني أصحاب النبي ﷺ .
قالوا بعد أن قطعها عمر رضي الله عنه نُسينا طريقها .
فوالله ماعاد رجل فينا يعرف أين مكانها ؟
"حتى لا تكون فتنة على المسلمين"
وسميت شجرة "الرضوان" ومنذ عهد عمر إلى يومنا هذا لا أحد يعرف :
هل كانت هنا ام هنا ام هناك ؟


أما نتائج هذه المصالحة .
فكان من بنودها أن يردوا من جاء من قريش مسلماً .

ولم تمضي إلا بضع أيام "أقل من اسبوعين "
جاء رجل من مكة إلى المدينة "أبو بصير"
"أبو بصير" كان من ثقيف ولكنه كان يعيش في مكة .
"يعني ليس من صميم قريش من ثقيف الطائف ولكن يقيم في مكة"
وقد أسلم "أبو بصير" وتعرض للتعذيب الشديد من أهل مكة .
ثم استطاع الهرب منهم واتجه إلى "المدينة" مشياً على الأقدام .
فلما وصل للمدينة المنورة ودخل المسجد والنبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم من حوله .
فسلم وردوا عليه السلام ورحب به النبي ﷺ .
ثم قال ما أقدمك يا أبا بصير ؟
قال حب الله ورسوله .

يعلم "أبو بصير" أنه الآن واقع بين أمرين أحلاهما مر .
١- إما أن لا يقبله النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له ارجع من حيث أتيت .
٢- أو ينتظر رسل قريش فيسلمه إليهم وفاء منه بالمعاهدة .

ومع ذلك يخرج هارباً من سجنه وقاطعاً مسافة 470 كم مشياً على قدميه وليس معه غير حفنة من تمر .
وإذا وجد ماء في الطريق شرب .
فدخل هزيلاً مغبراً متعباً من السفر .
ومن مكارم أخلاق النبي ﷺ لا يقول له ارجع من حيث أتيت .
قال ﷺ : ما أقدمك يا ابا بصير ؟؟
قال : حب الله ورسوله
قال له النبي ﷺ ثبَّتَ الله محبة الله ورسوله في قلبك اجلس يا أبا بصير .
فما هو إلا يومين وإذا برسل قريش تأتي ....
أرسلت اثنين من الرجال لإحضار "أبا بصير"
رجل اسمه "خنيس بن جابر العامري" من بني عامر .
كان لا يعرف الطريق إلى المدينة فأرسلت معه قريش رجل يدله على الطريق اسمه "كوثر" وكان دليل معه يعرف الطريق .

ومعهما كتاب من "ابو سفيان" و "سهيل بن عمرو" يطلبان فيه من النبي ﷺ رد "أبا بصير" إلى قومه .

وكان النبي ﷺ بالمسجد ومعه "أبو بصير"
فأعطوا النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب فدفعه إلى رجل من الصحابة ليقرؤه و "ابو بصير" يسمع نص الكتاب .
أما بعد : إلى محمد بن عبد الله .
قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أصحابنا .
فابعث إلينا بصاحبنا .
فالتفت النبي ﷺ إلى "ابا بصير" وتعلوه إشراقة ونور وابتسامة ليس عابساً ولا غاضب .
فقال أبو بصير فوراً يا رسول الله أتردني إلى المشركين يفتنونني عن ديني ؟
فقال له الحبيب المصطفى ﷺ يا "ابا بصير" إنا قد أعطينا القوم واعطونا .
واشهدنا بيننا وبينهم ، وإن ديننا لا يأذن لنا بالغدر فلا بد أن نوفي بعهدنا .
فأرجع مع صاحبيك الى قومك . وسيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً .
قم يا "ابا بصير" فأرجع مع القوم .

فقام أبو بصير ولكنه على مضض وعلى كره بعد أن تشرف بالمدينة المنورة .
ومجلسه مع الصحابة والنبي ﷺ .
أيرجع الآن إلى بلاء قريش وتعذيبهم ؟؟
خرج ولكن الإيمان يضطرب بين جنبيه .
ودع النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم وانطلق معهم في أول النهار .

اضطر النبي ﷺ إلى تسليم "أبو بصير" إلى هذين الرجلين من قريش كما فعل مع "أبو جندل"
ومرة أخرى كان هذا الموقف الصعب جدا على النبي ﷺ وعلى صحابته الكرام رضوان الله عليهم جميعاً .

في طريق العودة وما أن وصلوا عند "ذي الحليفة" ميقات أهل المدينة .
كان قد دخل وقت الظهر ....
فاستاذنهم "ابو بصير" أن يصلي فقد حان وقت الظهر .
قالوا . أجل وهو وقت راحتنا أيضاً .
طبعاً في هذه الأيام قضى أيامه يحفظ فيها من القرآن ما حفظ .
وتعلم من الفقه ما تعلم .
فكانت أحكام كثيرة قد شرعت خلال 6 سنوات في المدينة لم يعلم بها أهل مكة .
فتعلم صلاة قصر المسافر وهو مسافر فقام وصلى ركعتين .
ثم أخرج جراب فيه تمر ودعاهم للطعام .
فأخرجوا سفرتهم واشتركوا معه في طعامهم وجلسوا يأكلون ثلاثتهم .
وبعد أن فرغوا من الطعام قام "كوثر" الدليل ليقضي حاجته وابتعد .
وبقي خنيس وأبو بصير فأخذ خنيس يحدث أبا بصير
وسبحان الله "كل إناء بالذي فيه ينضح"
شعر بنفسه أنه قام بعمل كبير وهو الآن لم يصل لقريش و سيدخل مكة مفتخراً .
و كيف استطاع أن يرد فاراً .
هكذا نفوس الناس فلم يصبر حتى يصل لمكة .

فأراد أن يغيظ ابا بصير ...
وفي أول الطريق أخرج "خنيس" سيفه ثم أخذ يُقلبه ثم رفعه وأخذ يهزه في وجه "أبو بصير"
ويقول له مفتخراً . اي ابا بصير .
لأضربن بسيفي هذا يوماً الأوس والخزرج "أي أصحاب محمد" حتى يدخل الليل [[ يعني طول النهار ، وكلامه كان استفزاز ]]
فقال له أبو بصير : وهل سيفك هذا صارماً الى هذا الحد ؟
وهل يثبت قائمهُ في يدك طوال نهار حتى يدخل الليل ؟؟
فقال . أجل والله إنه لجيد لقد فعلت به كذا وقتلت به كذا انت لا تعرفه .
فقال أبو بصير . أتأذن لي أن أنظر إليه ؟
قال : أجل خذه فأنظر .
"وهكذا إذا أراد الله أمراً هيأ له الأسباب"
فمن غرور ذلك الفاسق ناوله السيف .
فأخذ "أبو بصير" السيف وأخذ يقلبه بين يديه ينظر إليه .
ثم مكَّن يده من قبضته ثم أطاح به حتى أبرده .
أي قتل خنيس العامري حتى أبرده .

وعاد الرجل الآخر "كوثر" الدليل فوجد صاحبه مقتولا .
فأصابه الذعر "وكاد يفقد عقله"
فجعل طرف ثوبه بين أسنانه وأخذ يجري ...
فنظر إليه أبو بصير رضي الله عنه وأخذ يضحك فهو لا يريد قتلهما يريد الفكاك فقط .
وبكل هدوء أتم "أبا بصير" جمع متاعه وأخذ راحلة المقتول وركبها وتوجه للمدينة بكل هدوء .
أما "كوثر"
مازال يجري من ذي الحليفة حتى وصل المسجد النبوي يعني حوالي 13 كم تقريباً
وكان النبي ﷺ قد فرغ من صلاة العصر وجلس يحدث أصحابه رضي الله عنهم
"ولم يكن للمسجد باب يغلق .
رأوه من بعيد مقبل ولم يعرفوا من هذا الرجل ....
فقال لهم النبي ﷺ إن هذا الرجل قد رأى ذعراً .

لماذا اتجه للمدينة وهو مرعوب هذا الرعب كله ؟؟ لأنه علم أنه لن يجد رحمة مثل التي عند الحبيب المصطفى ﷺ .
قال ﷺ إن هذا الرجل رأى ذعراً .

فلما دخل عليهم عرفوه ....
فانطلق مزعوراً مرعوباً حتى جلس خلف كتفي النبي ﷺ وهو يصيح ويقول مستجيرٌ بك يا محمد .
قال له النبي ويلك ما الأمر ؟
قال : واللات قد قتل صاحبكم صاحبي .
وهو قاتلي وأنا مستجيرٌ بك يا محمد .
فأمنه النبي ﷺ وأجلسه واسقاه الماء حتى زال عنه الرعب .

جاء "أبو بصير" رضي الله عنه وأرضاه بكل هدوء يركب بعير الرجل المقتول "خنيس"
فأناخ البعير بباب المسجد ودخل وسلم والنور يشرق من وجهه .
وقال . السلام على رسول الله .
قال ﷺ وعليك السلام .
قال . يا نبي الله !
أما أنت قد أوفى الله ذمتك و قد رددتني إليهم .
ثم أنجاني الله منهم واعتصمت بديني ورجولتي ولا حرج عليك .
وهذا سلب المقتول "وضع سيف المقتول والترس والمتاع والناقة"
هذا سلب المقتول أضعه بين يديك .
فقال النبي ﷺ يا ابابصير إني إذا خمسته "أي اعتبرته غنيمة" رأوني قريش لم أوفى لهم بالذي عاهدتهم عليه .
ولكن شأنك بسلب صاحبك اذهب حيث شئت ولا تقم في المدينة .

اذهب واختر أي مكان اهرب فيه أنت حر ولا تقيم في المدينة .
فقال أبو بصير رضي الله عنه يا رسول الله أعطني رجالاً أفتح لك مكة .
فالتفت النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم
وقال : ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال .
ويل أمه كلمة مدح عند العرب
يعني ويل أمه على هل الخلفة مخلفه رجل بكل بمعنى الكلمة
مسعر حرب : يقدر يشعل حرب ويوقع فيهم الرعب .
بس لو كان مع رجال حوله
سمع "أبو بصير" العبارة : وهو صاحب بصيرة رضي الله عنه .
ففهم هذه العبارة وعاهد نفسه أن يكون كذلك .

فاستأذن "أبو بصير" وودع النبي ﷺ والصحابة رضي الله عنهم وخرج لا أحد يدري أين توجه ؟؟

أما الدليل "كوثر" فأمنه النبي ﷺ مع رجلين من أصحابه حتى لا يعتدى عليه في الطريق حتى أوصلوه إلى أطراف مكة .
ودخل وأخبر قريش بالذي حدث .
فقام "سهيل بن عمرو" .
قال ماهذا الذي عاهدنا محمد عليه . لقد نقض محمداً عهده .
فقام له أبو سفيان ولأول مرة من بداية السيرة يقول أبو سفيان حقاً وصدقاً ويلهم رشداً .
فقال أبو سفيان وما على محمد ؟
"ما علاقة محمد".اذ دفع صاحبكم إلى رسلنا .
ولكن الرجل قد قتل صاحبكم ولم يكن بإذن محمد .
وهذا هو "كوثر" يقول لكم لم يقبله في مدينته بل أخرجه منها .
فماذا تريدون من محمداً أكثر من هذا ؟؟
فأسند "سهيل بن عمرو" ظهره لباب الكعبة .
وقال ورب هذا البيت لا أرفع ظهري عن بابها حتى تدفع دية صاحبي .
فقال له ابو سفيان ومن يؤدي ديته لك ؟
قال . أنتم .
قال : نحن لم نأمر بقتله ولم نختره رسولاً .
أنت الذي إخترته .
قال . إذن يؤديها محمد .
قال أبو سفيان . إنه للسفه . وما على محمد من ديته ؟
وقد قتله رجل منا كان طريداً لم يقبله محمداً في صحبه .
ثم أخذ بمجامع ثياب "سهيل" وانتزعه عن الكعبة وأبعد ظهره عن بابها .
وصرخ به و قال : اصرف عنا هذا البلاء .

فلم تدفع دية القتيل لا من قريش ولا من النبي ﷺ .
وارتضت قريش بما جرى .
ويكفيهم أن محمد ﷺ قد سلمه ولم يقبله بين أصحابه رضي الله عنهم في المدينة وففى بعهده .

وكان "أبو بصير" قد إتجه واختار موقعا حساساً
"حتى يعمل فيه بنبوءة النبي ﷺ مسعر حرب لو كان معه رجال"
إتجه إلى منطقة "العيص" على بعد 220 كم تقريباً من المدينة .
وهي في طريق تجارة قريش إلى الشام .
وظل "أبو بصير" رضي الله عنه في هذا المكان وكلما مرت به قافلة من "قريش" إعترضها وقتل منها ....
وأخذ من غنائمها ما استطاع
وسمع به المسلمون المستضعفون في "مكة" وعرفوا مكانه .
فأخذوا يهربون واحدا وراء الأخر ويتوجهون إليه

وكان ممن لحق به "أبو جندل" حتى تجمع مع "أبي بصير"
وكانت مجموعة قوامها 70 رجلاً
ولما حضر "أبو جندل" .
قال له : "أبو بصير" يا أبا جندل أنت أميرنا وإمامنا ، نصلي وراءك ونقتدي بأمرك .

وأخذوا يهاجمون قوافل "قريش" التي تمر بهذه المنطقة وهي طريق تجارة قريش الرئيسي إلى الشام .
ما تحركت لقريش تجارة إلا نهبوها .
ولا مر فيهم راكب إلا قتلوه .

سمع العرب بذلك ...
فخرج أيضاً إليهم مستضعفين من المسلمين من قبائل العرب من حولهم حتى بلغ عددهم عدة أهل بدر 313 أميرهم أبو جندل ابن "سهيل بن عمرو"

جن جنون قريش ماذا نفعل ليس لهم حل .
قوم بين الجبال والساحل وليس لهم مقر .
ماذا نفعل لهم وقد تمكنوا من قطع تجارة قريش فأرهقوها .
هذا كله قبل أن يمضي عام على الصلح ..... شهران فقط .
ألم يقل لهم الصادق الأمين ﷺ إن الله سيجعل لكم فرجاً ومخرجاً .

اجتمعت قريش و اختارت "أبا سفيان" ومعه رهط من قومه وفداً إلى رسول الله ﷺ إلى المدينة .
ومعهم كتاب موقع من "سهيل بن عمرو" والشهود الذين كانوا معه في يوم صلح الحديبية .
جاء أبو سفيان يرجو النبي ﷺ ويناشده الله والرحم .
يقول له : انشدك ربك والرحم الذين بيننا إلا قبلت رجاءنا يا محمد .
قال : وماهو طلبكم ؟
قال : أن تأوي إلى جماعتك "ابو بصير" و "ابو جندل" وكل من أراد أن يهاجر .
وامسح هذا البند من الصلح بيننا ....
فنظر النبي ﷺ في وجه أصحابه رضي الله عنهم وقال لهم على سمع أبو سفيان .
قال: أرأيتم حين رضيت وأبيتم ؟
فقبل النبي ﷺ : وكان هذا من صالح المسلمين .
ثم أمر أحد أصحابه أن يكتب كتاباً وبحضور "أبو سفيان"
أمر أن يكتب إلى "أبي بصير" و "أبو جندل" أن يقدما إلى المدينة ومن معهم من المستضعفين .
ورجع أبو سفيان إلى مكة .
وانطلق الرسول بكتاب النبي ﷺ إلى "أبي بصير" و "أبي جندل" بالساحل .
فما أن وصل حامل الرسالة وإذا "أبا بصير" قد حضره الموت رضي الله عنه وأرضاه
فقيل له يا أبا "بصير" هذا كتاب رسول الله .
فأخذ الكتاب وقبله و وضعه على عينيه ثم قرأ الكتاب وهو يجود بنفسه .
وهو يقرأ الرسالة ويردد "الصلاة والسلام على رسول الله"
وفاضت روحه رضي الله عنه وهو يقرأ ....
وقع الكتاب على صدره ....
فأمر أبو جندل أن يجهز "أبو بصير" فجهزوه و صلوا عليه ودفنوه في موقعه .
وانطلق أبو جندل و من معه إلى مدينة الحبيب المصطفى ﷺ
هذه نبوءة النبي ﷺ حين قال لأبي جندل .
يا أبا جندل إصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجا .


يتبع إن شاء الله "غزوة خيبر"
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
[١‏/٧‏/٢٠٢١ ٧:١٨ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السبعون بعد المائة 170
غزوة خيبر أسبابها .

تحدثنا عن صلح الحديبية الذي كان في شهر "ذي الحجة" من السنة السادسة من الهجرة .
وبعد 20 يوماً فقط من صلح الحديبية وفي شهر "محرم" من السنة السابعة من الهجرة قام ﷺ بغزو اليهود في "خيبر"

ما هي خيبر
شمال شرق المدينةالمنورة وتبعد عنها مسافة 165 كم تقريباً
و "خيبر" كلمة من لغة اليهود معناها "الحصن" لأن فيها حصون ....
هي عبارة عن مجموعة حصون واليهود يعيشون داخل هذه الحصون ولذلك كان يسميها البعض "خيابر" صيغة الجمع
فيها 10 آلاف مقاتل وكانت أكبر مكان يتجمع فيه اليهود....
في المدينة كان من اليهود ثلاث قبائل فقط ورد ذكرها لكم بالتفصيل :
١- بني قينقاع ... وقد نقضوا العهد .
وقد أجلاهم النبي ﷺ بعد قيامهم بالإعتداء والتحرش بعرض إمرأة مسلمة .
و قتل رجل مسلم قام بالدفاع عنها .

٢- بني النضير .... نقضوا العهد .
وقد أجلاهم أيضاً النبي ﷺ بعد نقضهم العهد و محاولتهم قتل النبي ﷺ...

٣- بني قريظة .... نقضوا العهد .
بعد خيانتهم ونقضهم العهد وانضمامهم للأحزاب في حربهم ضد المسلمين .
وطلبوا أن يحكم عليهم سعد بن معاذ رضي الله عنه
وكان حكم "سعد بن معاذ رضي الله عنه" عليهم
بقتل رجالهم وسبي نسائهم وأموالهم.
وحكم عليهم "سعد" بحكم الله تعالى من فوق سبع سماوات
فكان الجزاء من جنس العمل .

اليهود الذين أجلاهم النبي ﷺ الكثير منهم إتجه نحو خيبر .
فأصبحت "خيبر" وكر للدسائس
فاليهود الآن مركزهم الثقلي في "خيبر" ويمتدون لتيماء وتبوك .
أما بالنسبة لليهود سكان "خيبر" فلم يظهروا العداء للمسلمين .
حتى نزل فيهم كبار اليهود الذين أجلاهم النبي ﷺ عن المدينة .
كانوا كلهم حقد وكراهية للإسلام وللمسلمين وللنبي ﷺ .
وكانوا يرغبون بالعودة إلى الديار في المدينة المنورة التي أجلاهم عنها النبي ﷺ .
فمنذ أن نزلوا في "خيبر" أصبحت هي وكر الدسائس والمؤامرات وإثارة الحروب ضد المسلمين ....
من خيبر خرج وفد اليهود لحشد قريش والأحزاب لغزو المدينة "وقد ذكرناها"
فكانوا هم من يكيدون للنبي ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم

وقد ذكرنا لكم كيف أن النبي ﷺ بعد غزوة الأحزاب أرسل السرايا لتأديب القبائل العربية حول المدينة الذين شاركوا الأحزاب في غزوهم المدينة .
والنبي ﷺ كما تعلمنا من السيرة هو "النبي القائد" صلى الله عليه وسلم...
لم ينسى ما فعلوه أهل "خيبر" بحشدهم الأحزاب ومؤامرتهم لغزو المدينة .

لماذا بعد غزوة الأحزاب لم يجيش النبي صلى الله عليه وسلم جيش لغزو خيبر على الفور وهي التي كانت رأس الأفعى ؟؟
لأنه في ذلك الوقت لم يكن ممكناً غزو "خيبر"
و لأن النبي ﷺ كان مشغولاً بحربه مع قريش ولم يكن يريد أن يفتح جبهتين للمواجهة في نفس الوقت ...
فكان ﷺ يخشى أن تباغت قريش المدينة إذا خرج لحرب "خيبر" وخصوصاً أنه معروف أن خيبر مدينة حصينة جداً وأعداد اليهود بها كبيرة .
"يعني محاربة خيبر ، وفتحها ستأخذ وقت طويل"

فأجل حرب ملف "خيبر" حتى تأتي الفرصة المناسبة .

بلغه ﷺ بعد صلح الحديبية أن اليهود لم يرق لهم هذا الصلح الذي أبرم بين النبي ﷺ وبين قريش .

فقد كانت اليهود تعتمد على قريش في معاداة النبي ﷺ وحربه ...
وسعت اليهود لتحريض قريش على نقض الصلح .
بلغ النبي ﷺ ذلك ولكن قريش رفضت نقض الصلح .
إذآ إذا فشلت يهود بإقناع قريش اليوم ستنجح غداً
ولعل اليهود إذا فشلت مع قريش في إقناعها نقض عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم فربما تسعى لغيرها من القبائل للتحريض على الرسول ﷺ ولغزو مدينته .

فهل ينتظر نبينا ﷺ يهود "خيبر" أن يجيشوا له الأحزاب مرة أخرى ثم يأتون إلى المدينة لغزوها .

وهو الذي يقول ﷺ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .

فبعد 20 يوماً من صلح الحديبية وعلى الفور كان قرار النبي ﷺ التوجه لخيبر .
لماذا بعد صلح الحديبية وبهذه السرعة ؟
١- أمن النبي ﷺ جانب "قريش"
ألم نذكر أن بنود الصلح 4 منها هدنة لمدة 10 سنوات بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش من غير حروب.

٢- مواجهة خيبر لا بد منها على الفور ليحصل استقرار الدولة الإسلامية .

٣- خبر صلح الحديبية لم يعجب اليهود .
وبلغه ﷺ أنهم يفكرون بغزو المدينة عند ذهابهم للعمرة( عمرة القضاء )
"ألم يكن في البند أن يرجع المسلمين هذا العام ولا يطوفون بالبيت ويأتون في العام القادم .
وتترك لهم قريش الكعبة .
فأخذ يهود خيبر يخططون لغزو المدينة عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم للعمرة في العام القادم .

٤- نبينا ﷺ كان لا يأمن أن تنقض قريش بنود صلح الحديبية .
فأراد أن يكسب هذه الهدنة في التخلص من اليهود .

وعندما أراد ﷺ الخروج لخيبر كره خروج المنافقون معه إلى حربها .
السبب
لأن وجود المنافقون في الجيش يضعف الصف الإسلامي .
ولأن هناك علاقة حميمية بين "المنافقون وبين اليهود" منذ كان اليهود موجودون في المدينة .
ولذلك فلا يأمن أن يكون وجود المنافقون في الجيش عيونا لليهود داخل الجيش المسلم ؟

والنبي ﷺ يعرف المنافقين
بدليل أنه ﷺ أعطى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه "أسمائهم " وقال له لا تخبر أحداً.
و وصاه إذا رأيت من يستخلفني من بعدي "أي الخلفاء الراشدين" أراد أن يستخدم رجل منهم فأنصحه ....
"فنحن لنا الظاهر . والله يعلم السرائر .
لعل هذا المنافق يوما ما يتوب . فالهداية من الله سبحانه وتعالى
فلم يفضح النبي ﷺ المنافقون في حياته....

لذلك أعلن النبي ﷺ ألا يخرج معه في الجيش إلا من شهد "الحديبية فقط"
وبذلك ضمن ﷺ ألا يخرج في الجيش إلا المؤمنون فقط .
لأن الله تعالى شهد لمن بايع بيعة "الرضوان" بالإيمان

قال تعالى
لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

وخرج ﷺ بجيش قوامه 1400 رجل من الصحابة رضي الله عنهم من أصحاب الإيمان الخالص لله تعالى..
وعندما خرج النبي ﷺ من المدينة متوجهاً لخيبر جاء وفد إلى المدينة من أهل اليمن كانوا قد أسلموا ....

وكان معهم شاب نحيل لم يتجاوز 30 عام "عبد الرحمن بن صخر " رضي الله عنه...
وكانت تبدو عليه ملامح الفقر والبؤس الشديد .
وكانت له هرة صغيرة يحملها على كتفيه يطعمها ويعطف عليها
هل عرفتم من هذا الشاب ؟؟
إنه "أبو هريرة" رضي الله عنه وأرضاه .

هذا "أبو هريرة" الذي جاء مسلماً
كان أكثر صحابي نقل حديث النبي ﷺ على وجه البرية .
والذي لا يخلو كتاب يتحدث عن الإسلام من ذكر كنيته الشهيرة "أبي هريرة"
لم يصحب الرسول لأكثر من 4 سنوات فقط .
من أصل 23 سنة من عمر الدعوة الإسلامية
حفظ عن النبي ﷺ في هذه الفترة كثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم....
وكان من أهل الصفة .
"أهل الصفة من فقراء المدينة كانوا يجلسون عند الصفة .
وكان النبي ﷺ يعطف عليهم كثيراً ودائماً ينفق عليهم مما أفاء الله عليه .
لذلك لزم النبي ﷺ وحفظ من الأحاديث الكثير ...

كان لطيفاً جداً وخلوق ومرح صاحب دعابة ....
وكان النبي ﷺ يحبه ويناديه "أبا هر"

ظل ملازما للنبي ﷺ لا يفارقه أبداً وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة 47 عام
رضي الله عنه وأرضاه

جاء "أبو هريرة" إلى المدينة مؤمناً مهاجراً وكان المسلمون قد خرجوا إلى "خيبر"
فصلى الصبح في المدينة ثم لحق بالمسلمين في "خيبر "
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والسبعون بعد المائة 171
الخروج إلى خيبر .

خرج ﷺ إلى "خيبر"
وكان معه 1400 مقاتل من المسلمين الذين بايعوا النبي ﷺ في صلح الحديبية .
وخيبر كما قلنا فيها 10 آلاف مقاتل ....
وكان أهل "خيبر" يرسلون مع المسافرين ركاب الطرق رسائل للمدينة .
"من باب التخويف من باب الإعلام المزيف كما يفعلون اليوم .... من باب الإشاعة .
فاليهود على مر العصور شغلهم الشاغل أمرين أن يمسكوا بعصب إقتصاد العالم والإعلام المزيف .

فكانوا يرسلون مع المسافرين ركاب الطرق رسائل للمدينة .
يقولون لعل أبا القاسم ....
أي النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا لا ينادونه بإسمه محمد إلا ما ندر لكي لا يثبتوا عليه صفة الحمد ﷺ ....
لعل أبا القاسم ، يفكر يوماً في غزو خيبر ، هيهات هيهات .
خيبر فيها 10 آلاف مقاتل مدجج بالسلاح ....
وكم عدد أهل المدينة من أصحابه رضي الله عنهم
هذه هي الرسائل التي كانت تصل للنبي ﷺ ....
والنبي ﷺ يعلم عدتهم ولكنه يعلم كيفية أصحابه رضي الله عنهم لا كمهم ولا يلتفت لعددهم
قول تعالى :
كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ .
في يوم بدر
كان عدد الصحابة 313
قريش كانت 950
والآن يخرج 1400 من الصحابة رضي الله عنهم ليلقى 10 آلاف .

هنا تحرك المنافقون في المدينة على الفور ....
فأرسلوا إلى يهود خيبر يخبرونهم بقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خيبر .
أرسل رأس المنافقين "عبدالله بن أبي ابن سلول"
إليهم يخبرهم بأن محمداً سائر إليكم ، فخذوا حذركم وأدخلوا أموالكم حصونكم واخرجوا إلى قتاله ولا تخافوا منه .
إن عددكم كثير وقوم محمد شرذمة قليلون وهم عزل لا سلاح معهم إلا قليل .
يشجعهم على قتال النبي ﷺ
يخبرهم أن أعداد المسلمون قليلة وليس معهم سلاح إلا القليل لا تخافوا .
فلما وصل الخبر لليهود ...
قالوا بستهزاء : محمد يغزونا ؟
هيهات هيهات "
ولكنهم أخذوا يستعدون ويأخذون احتياطهم
وأرسلوا إلى سيد غطفان "عيينة بن حصن"
تذكرون هذا الاسم الذي سماه النبي ﷺ "الأحمق المطاع"
أرسلوا له : يا عيينة نعطيك نصف ثمار خيبر في سبيل أن تقف معنا من أهل "غطفان" في قتال المسلمين ...
هل تعلمون كم كان عدد ثمارهم في خيبر ....
لقد كانوا يجنون كل عام من نخيلهم 40 ألف من ثمارها
فكانت خيبر ومازالت تمد المدينة ومكة في موسم الحج بالتمر ...
فخيبر من أعظم بقعة في الأرض من حيث ثمار التمر ....

وافق "الأحمق المطاع" على الفور وبدأت تستعد لقتال المسلمين ...
أعدت جيشا ضخما لذلك قوامه 4 آلاف مقاتل
بقيادة "الأحمق المطاع عيينة بن حصن"

علم النبي ﷺ بخبرهم
وكان له ﷺ عيونا من أصحابه رضي الله عنهم حول المدينة يمدونه بالأخبار .

فقرر ﷺ أن يرسل على الفور سرية إلى غطفان حتى يظنوا أن النبي ﷺ سيغزو ديارهم وليس خيبر .
وأمر هذه السرية أن تظهر أمرها ولا تتخفى بل وتحدث صوتا عالياً حتى تلفت إليها الأنظار
وبذلك تخاف "غطفان" على نفسها وتظل في ديارها ولا تخرج لحرب المسلمين في خيبر .
وبالفعل عندما سمع جيش "غطفان" الصوت ...
أنزل الله الرعب في قلوبهم وعادوا مسرعين إلى ديارهم وتركوا يهود خيبر في حرب الرسول صلى الله عليه وسلم منفردين ..
وقرر النبي ﷺ أن ينزل بجيش المسلمين في شمال خيبر .

خيبر موقعها "الشمال الشرقي" للمدينة المنورة
فمن يأتي من المدينة المنورة إلى خيبر سيدخلها من الجنوب .
فلماذا اختار حبيبنا ﷺ أن يدخل خيبر من "الشمال" وليس من الجنوب ؟؟؟
لأن "غطفان" تقع أيضاً " في الشمال الغربي" للمدينة .

فنزل بجيش المسلمين من الشمال حتى يحول بين خيبر وبين غطفان إن فكرت غطفان العودة لحرب المسلمين .

وسار ﷺ لخيبر على بركة الله
وكان معه رجل من أصحابه حسن الصوت يجيد في ارتجاز الشعر "عامر بن الاكوع" رضي الله عنه :
فقال له النبي ﷺ يا ابن الاكوع اسمعنا من هيناتك "أي أنشد لنا من أشعارك بصوتك الجميل" وحرك بنا الركب .
فسار "عامر بن الأكوع" أمام الركب كي ينشط الرواحل
وهو يردد بصوته الجميل ويرتجز الشعر :
اللهم لولا الله انت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا .
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا .
إنَّ الأُلَى قدْ بَغَوْا عَلَيْنَا وإنْ أرَادُوا فِتْنَةً أبيْنَا .

ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بآخِرِهَا ....
الراوي : البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه .

فقال له ﷺ عند سماع صوته الجميل يرحمك الله .
وكان حسن الصوت بالحداء إذا حدا أعنقت الإبل أي أسرعت..

فقطعوا الطريق الذي يحتاج 5 ليالي في 3 ليالي ...

وهكذا سار الجيش بروح إيمانية عالية جداً بالرغم من علمهم بالصعوبة الشديدة للمعركة
وبحصون خيبر وكثرة رجالها وكثرة عتادها الحربي .
حتى أنهم كانوا يكبرون ويهللون ويدعون الله تعالى بأصوات مرتفعة
"الله أكبر .. لا إله إلا الله .*
فقال لهم النبي ﷺ : أربعوا على أنفسكم .
أي أرفقوا بأنفسكم ، لا تبالغوا في رفع أصواتكم"
فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعآ قريباً وهو معكم .
نهاهم ﷺ عن رفع أصواتهم
والمقصود الرفع الخارج عن العادة الذي يؤذي الآخرين .
لأنه أمر أصحابه رضي الله عنهم ان يرفعوا أصواتهم بالتلبية
ولكن لا نرفع الأصوات بالتلبية بشكل يؤذي الآخرين .

وكان "عبدالله بن قيس" رضي الله عنه يسير خلف دابة النبي ﷺ وهو يردد .
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فقال له النبي يا عبدالله بن قيس .
قال : لبيك يا رسول الله
قال ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة ؟
فقال بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي .
قال لا حول ولا قوة إلا بالله .

فلما أشرف على خيبر
قام وصلى النبي ﷺ بأصحابه رضي الله عنهم المغرب والعشاء "جمع تقديم"
بعيداً عن حصونهم حتى لايروه
لأن الدنيا مازالت مضيئة و سقوط قرص الشمس عند المغرب لا يعني العتمة خاصة في المناطق الصحراوية .
حتى إذا دخلت العتمة تقدم بجيشه بهدوء إلى حصونهم .
وأمر المسلمون أن يصلوا الفجر مغلسين
"يصلوا الفجر فوراً عند دخول وقته قبل أن يسفر النهار كي لاتراهم يهود فيباغتهم بغتة"

وكان اليهود إذا أقبل الليل دخلوا حصونهم وأغلقوا أبوابهم .
وفي الصباح يفتحون أبواب حصونهم ويخرجون للعمل
صلى بهم الفجر ...
وبدأ خروج اليهود من الحصن إلى مزارعهم وهم يحملون أدوات الزراعة وهم لا يدرون بالمسلمين
فلما رائهم النبي ﷺ
قال لأصحابه رضي الله عنهم *قفوا *
ثم قال :
اللهم رب السموات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين .
نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها .
ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها .
اقدموا بسم الله فتقدموا .
فلما رأوا اليهود الجيش صاحوا في فزع :
محمد والخميس
الخميس معناه الجيش ....
وقد كان العرب يطلقون على الجيش الخميس لأنه خمسة أقسام ....
مقدمة ، ومؤخرة . وميمينة ، وميسرة ، وقلب .
محمد والخميس !!!!!

وأخذوا يهربون مسرعين إلى حصونهم وصاح بهم النبي ﷺ صيحة سمعها الجيش كله ، وسمعها اليهود
الله أكبر _ الله أكبر ...
خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المُنذرين .

لم يتوقعوا قدوم النبي ﷺ لغزوهم ....
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
[٣‏/٧‏/٢٠٢١ ١٠:١٥ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والسبعون بعد المائة 172
علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
يفتح الله عليه حصن خيبر .

هرب اليهود ودخلوا في حصونهم عندما رأوا النبي ﷺ والمسلمون

خيبر مقسمة إلى ثلاثة مناطق :

١- منطقة النَّطاة هذه المنطقة فيها ثلاث حصون :
حصن ناعم .... حصن الصعب .... حصن القلعة.

٢- منطقة الشَّق هذه المنطقة فيها حصنين فقط
حصن أبي ..... حصن النِّزار .

٣- منطقة الكتيبة هذه المنطقة في ثلاثة حصون .
حصن القموص ... الوطيح ... السلالم .

هذه الحصون مصممة بحيث إذا حدث إقتحام لحصن منها
فإنهم يستطيعون الإنسحاب بسهولة إلى الحصن الذي يليه
وفي خيبر حصون وقلاع أخرى
لكنها كانت صغيرة وسقطت بعد ذلك بلا قتال ...
ولذلك كانت "مشكلة خيبر" ليس فقط تفوق اليهود في العدد والعدة ...
لأن اليهود عددهم 10 آلاف مقاتل مقابل 1400 من المسلمين فقط .
ولكن المشكلة الرئيسية هي هذه الحصون لسببين :
السبب الأول :
أن العرب لم تكن تعرف كيف تتعامل في الحرب مع الحصون
وكانت كل حروبهم تعتمد على المواجهة وعلى الكر والفر .

"السبب الثاني "":
أن المسلمين لم يكونوا في مواجهة حصن واحد
ولكن مجموعة كبيرة من الحصون كما ذكرنا وهي 8 حصون ومصممة بحيث إذا حدث إقتحام لحصن ، فإنهم يستطيعون الإنسحاب بسهولة إلى الحصن الذي يليه
ومعنى هذا أن المسلمين إذا نجحوا في إقتحام حصن
فسيلجأ من في هذا الحصن إلى حصن آخر وهكذا فكأنهم يدخلون في عدة حروب وليست حرباً واحدة .

وبدأ بمهاجمة حصن "ناعم" وكان يعتبر خط الدفاع الأول لمكانته الإستراتيجية ....
وكان من أقوى الحصون
وتحصن اليهود داخل الحصن وأخذوا في رمي المسلمين بالسهام وبالحجارة من فوق الحصن .
وكان النبي ﷺ والصحابة الكرام رضي الله عنهم قد وقفوا في منطقة : "المنزلة"
سبب تسميها المنزلة لأنها منخفضة قليلًا عن الأرض
فكان اليهود إذا ألقوا الحجارة الضخمة من داخل الحصن تتدحرج حتى تصل إلى جيش المسلمين وتصيبهم ...
فجاء إلى النبي ﷺ "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه
وقال : يا رسول الله !!
إن هذا المنزل قريب من حصونهم وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندري أحوالهم .
لأن اليهود يرون المسلمين من فوق الحصن ويراقبون تحرك الجيش ومكشوفون لهم
إن هذا المنزل قريب من حصونهم وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندري أحوالهم .
وسهامهم تصل إلينا وسهامنا لا تصل إليهم .
وهو مكان غائر وأرض وخيمة بين النخلات وقد يتسلل اليهود من بين النخلات .
ولو أمرت بمكان خالٍ عن هذه المفاسد نتخذه معسكرا..

فأعجب النبي ﷺ برأي "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه وقال له شرت بالرأي .
اتذكرون هذا الصحابي الجليل ؟
هو نفس الموقف الذي قام به "الحباب بن المنذر" في غزوة بدر عندما أشار على النبي ﷺ بتغيير مكان معسكر المسلمين وكان ذلك من أسباب الإنتصار في بدر
وسبحان الله الذي جعل لكل إنسان موهبة .
"الحباب بن المنذر" كان يتمتع بهذه الموهبة وهي النظرة الإستراتيجية لجغرافية أرض المعركة .
ولكن ﷺ قال : إذا أمسينا تحولنا .
لماذا ؟؟؟
لأن النبي ﷺ لا يريد أن يغير من مكانه أمام اليهود حتى لا يعتبر اليهود ذلك إنتصارآ على المسلمين فترتفع معنوياتهم .

فلما جاء الليل غير ﷺ مكان معسكر المسلمين
من "المنزلة إلى مكان : "وادي الرجيع"
وجاء راعي حبشي أسود كان أجيرآ عند يهودي من أسياد خيبر يرعى غنمه
فجاء إلى النبي ﷺ وقال : يا رسول الله أعرض عليّ الإسلام .
"حدثني عن الإسلام "
وكان النبي ﷺ لا يحقر أي إنسان بأن يدعوه لدين الله عزوجل .
فعرضه عليه ...
فدخل الايمان لقلب هذا الرجل
فقال : إن أنا أسلمت فماذا لي ؟
قال . الجنة .
فأسلم !
فلما أسلم قال : يا رسول الله إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم . فكيف أصنع بها ؟
فقال له : اضرب في وجهها فإنها سترجع إلى صاحبها
فقام فأخذ حفنة من حصباء فرمى بها في وجهها وقال ارجعي إلى صاحبك فوالله لا أصحبك
يقول الصحابة : فخرجت مجتمعة كأن سائقآ يسوقها حتى دخلت الحصن .
ثم تقدم رضي الله عنه إلى ذلك الحصن فقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله .
"ولم يسجد لله سجدة واحدة"
فأتي به إلى رسول الله ﷺ محمولأ
فلما نظر إليه النبي ﷺ أعرض عنه "أي التفت فلم ينظر إليه"
فاستغرب الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : يا رسول الله لم أعرضت عنه ؟
فقال لهم النبي ﷺ لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خير قد كان الإسلام من نفسه حقا
وإن الشهيد إذا أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين .
وإن معه الآن زوجتيه من الحور العين تنفضان التراب عن وجهه .
وتقولان له : ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك .

لذلك أعرض عنه النبي ﷺ حياءً لكي لا ينظر لزوجتيه ...
وعندما أطلعه الله على الجنة وجلس يحدث أصحابه رضي الله عنهم :
قال ورأيت زوجة من الحور العين في الجنة فقلت زوجة من هذه ؟
فقيل لي زوجة عمر بن الخطاب فأعرضت وجهي عنها لما أعلمه من غيرة عمر .
فبكى عمر وجهش بالبكاء وقال أومنك أغار يا رسول الله ؟

كانت حصون خيبرة محصنة جداً
واستمرت محاولات المسلمين لفتح الحصن وواجه المسلمون مقاومة شديدة
واستشهد أثناء المواجهات "محمود بن مسلمة الأنصاري"
وكان قد حارب حتى أعياه الحرب "تعب" وثقل السلاح "لم يستطع حمل السلاح" وكان الحر شديداً
فألقى عليه اليهود حجر من فوق الحصن فسقط عليه .
فكسرت الخوذة التي يلبسها على رأسه وتهشمت ودخل الحديد في جلد رأسه .
ونزلت جلدة جبينه على وجهه وخرجت عينه من مكانها .
فأدركه المسلمون فأتوا به النبي ﷺ فأرجع الجلدة إلى مكانها وعصبه بخرقة .
فمات رضي الله عنه من شدة الجراحة بعد ثلاثة أيام
وجرح خمسين من الصحابة رضي الله عنهم بسبب رمي السهام والحجارة من الحصن .

أثناء الحصار خرج من الحصن قائد اليهود "مَرحَب" يطلب المبارزة ...
وكان "مَرحَب" عملاقا ضخم الجثة وكان من أشد الفرسان .
وكانوا يقولون أنه يغلب 1000 مقاتل وحده .
فخرج له "عامر بن الأكوع" رضي الله عنه .
هذا الصحابي الذي ارتجز الشعر في الطريق لخيبر وكان صوته جميل وقال له النبي ﷺ يرحمك الله .
كان "عامر بن الأكوع" رضي الله عنه فارسآ قوياً و معروفاً وكان ضخم الجثة .
دار بينهما قتال شرس ....
وأثناء القتال كان "عامر بن الأكوع" يقاتل بحماسة . فضرب اليهودي ضربة قوية لكن "مَرحَب" ابتعد
فطاشت ضربة "عامر" لم تصب "مَرحَب" وأكملت طريقها فأصابت "عامر" بركبته .
وقتل نفسه بسيفه .
فقال البعض قتل نفسه ...
فقال النبي ﷺ إنه شهيد وإن له لأجرين .

أصيب بالمسلمون بجوع شديد ولم يكن معهم من الطعام إلا السويق .
السويق هو ذرة يوضع عليها بعض الشيء من الحلو .
ويشربون الماء خلفها...
لذلك سمي هذا الطعام السويق لأنه ينساق بالحلق إنسياقا

اشتكوا للنبي ﷺ الجوع ...
وقبل أن تغيب الشمس رأى النبي ﷺ غنم حول الحصن ترعى
قال ما خرجت هذه الغنم ترعى من غير راعي ، ولعل لها مداخل ومخارج للحصن .
ثم التفت إلى أصحابه رضي الله عنهم وقال : من رجل منكم يطعمنا منها ويرى لنا الطريق ؟
فقام رجل من أصحابه من الأنصار "أبو يسر بن عمر" رضي الله عنه
قال : أنا يارسول الله
يقول أبو يسر : فانطلقت كالظليل .
"كالغزال الذي يكون أول عمره يسمى الظليل"
وأخذت الغنم تدخل في مساربها "لها طرق تحت سور الحصن"
فأدركت آخرها
فحملت شاتين تحت إبطي ورجعت وكأني لا أحمل شيئاً "أي رجعت بسرعة"
وكان النبي ﷺ قد دعا له فقال اللهم متعنا به ونضَّر وجهه .

وانظروا لدعوة النبي ﷺ عاش أبو يسر 112 سنة .
فكان آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم في المدينة
يقول للتابعين : لقد أصابتني دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم
لقد متعني الله ومتع الصحابة ومتعكم أنتم بعمري .
فها أنا أعيش بينكم ولا تجدون صحابي غيري ....

وانظروا إلى "وجهي" وقد جاوزت المئة عام .
وها أنا كأني ابن السابعة عشرة من عمري من دعوة نبينا ﷺ نضَّر الله وجهك .

يقول : فأتيت للنبي صلى الله عليه وسلم بالشاتين ، فنظر النبي ﷺ إلي
وقال لي نضَّر الله وجهك .
ثم أمر أن تذبح الشاتين وأن تقطع وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالشواء .
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم يشون ويضعون الشواء في وعاء .
وجلس النبي ﷺ عند الوعاء يضع يده في الوعاء ويمسك اللحم .
ويقول للصحابة رضي الله عنهم خذوا وأطعموا أصحابنا ، خذوا وأطعموا أصحابنا .
يقول أبو يسر رضي الله عنه والذي بعثه بالحق .
لقد أطعم الجيش كله وما يزال بين يديه لحم مشواه .
قال له التابعين متعجبين كم كنتم ؟
قال : أربعة عشرة مئة 1400 .
قالوا : وهل أكلتم جميعاً ؟
قال : والله قد شبعنا ... وفضل عن زادنا إلى الغد .
من شاتين فقط أطعم الجيش كله ﷺ ....

واستمر القتال 12 يوم ولم يحقق المسلمون أي شيء .
وأصيب النبي ﷺ في ذلك اليوم بالشقيقة وهو ما نسميه الصداع النصفي ....
وكان ذلك يعاوده منذ أن ضُرِبَ على رأسه الشريفة في أحد
صلى الله عليه وسلم..
وكان إذا جاءه ألم الرأس لا يستطيع أن يقوم من مكانه
ولم يستطع الرسول ﷺ أن يخرج للقتال في اليوم التالي وهو اليوم 13 من حصار حصن "ناعم"

فأعطى النبي ﷺ الراية "أي رآيته لعدد من أصحابه رضي الله عنهم يغدون ويعودون ولا يحدثون شيئا ...

وأحبط المسلمون نتيجة كل ذلك فالحصار استمر فترة طويلة ولم يحققوا أي شيء .
بل على العكس استشهد 3 من المسلمون .... وجرح 50 من الصحابة رضي الله عنهم
حتى المبارزة الفردية انهزموا فيها ...
وهذا هو الحصن الأول : ولازالت أمامهم حصون كثيرة .

وشعر النبي ﷺ بالأزمة النفسية التي فيها المسلمون فأراد ﷺ أن يعيد للمسلمين روحهم المعنوية المرتفعة التي كانوا عليها وهم في طريقهم إلى خيبر .
فقال ﷺ ذات ليلة : لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله .
ويحبه الله ورسوله يفتح الله عليه .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ما تمنيت الإمارة يوماً إلا ليلتها لشهادة رسول الله أن من سيعطى الرآية يحبه الله ورسوله .
وبات الناس ليلتهم و كلهم يرجون أن يحملوا الراية .

في اليوم التالي عند صلاة الفجر ....
وقف المسلمون يصلون الفجر خلف النبي ﷺ .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فكنا نتقاتل على الصف الأول
لأن الكل كان يتمنى هذه الشهادة من رسول الله ﷺ .
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .

فلما انتهت الصلاة التفت ﷺ إلى أصحابه رضي الله عنهم ووقف متكأ على سيفه وأخذ يستعرضنا .
واستعد الجيش والعيون والآذان والقلوب معلقة تنتظر من الذي سيعطيه ؟

يقول عمر رضي الله عنه : فأخذت اتطاول "يجلس على ركبته ويرفع حاله عشان يشوفه رسول الله وكان عمر رجل طويل .
يقول الصحابة رضي الله عنهم كان إذا مشى بين الراكبين كان رأسه يُرى من بينهم ، أي أطول منهم . ومع ذلك يقول أخذت أتطاول لعله يبحث عني .
يقول عمر رضي الله عنه فلما وقع نظر النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثم جاز
قلت : ثكلتك أمك يا عمر لست أنت .
رضي الله عنك يا عمر .
فلما استعرضنا جميعاً قال ﷺ أين علي ؟
فقالوا : يا رسول الله يشتكي عينيه .
كان علي رضي الله عنه قد أصيب بالرمد في عينيه .

يقول عمر رضي الله عنه ففرحت عسى أن أكون أنا مكانه .
وإذا بالنبي ﷺ يقول ادعوه لي .
فجيء بعلي رضي الله عنه لا يرى أمامه يقوده رجلين .
فقال علي رضي الله عنه يا رسول الله إني أرمد كما ترى ، لا أبصر موضع قدمي .
فأجلسه النبي ﷺ ثم وضع رأس علي في حجره ونفث في كفه الشريفة وفتح له عينيه فدلكهما
فبرأ حتى كأن لم يكن بهما وجع
يقول علي رضي الله عنه وهو يروي الحديث
قال : فو الذي بعثه بالحق فما رمدت ولا صدعت و ما اشتكيتهما أبداً....

وكان بين يدي النبي ﷺ خرقة سوداء فجدلها النبي صلى الله عليه وسلم على رأس علي رضي الله عنه ثم دفع الراية إلى علي رضي الله عنه
وقال له : يا علي امضي على بركة الله يفتح الله عليك إن شاء الله .
امضي ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك .
كان عمره رضي الله عنه 26 عام .
فركب علي الفرس وسار ...
فأراد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم على شيء وتذكر أن النبي ﷺ أمره أن لا يلتفت .
فعاد بفرسه إلى الخلف وصاح .... .يا رسول الله اقاتلهم حتى لا أبقي منهم أحدا..
على ماذا اقاتلهم ؟
فضحك النبي ﷺ وقال :
قاتلهم على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى .
"أي حساب بواطنهم وسرائرهم على الله لأنه وحده المطلع على ما فيها من إيمان خالص أو نفاق وكفر .
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله .
فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم .

حمل "علي بن أبي طالب" الراية وانطلق كالسهم والمسلمون خلفه .
فكان أول من وصل من إلى الحصن وغرس الراية في أصل الحصن .
واطلع يهودي من أعلى الحصن
وقال : من أنت ؟
فقال : أنا على بن أبي طالب .
فقال اليهودي : غلبتم و علوتم وحق ما أنزل على موسى .
لماذا قال وحق ما أنزل على موسى .
لأن اليهود كانوا يعلمون أن من يفتح هذا الحصن كما يخبرهم أحبارهم بأنه رجل فيه صفة "العلو"
كلمة قريبة من معنى اسم "علي"
فلا نبالغ ونقول يصرحون أن اسمه "علي"

وخرج إليه بطلهم اليهودي "مَرحَب"
الذي قتل "عامر بن الأكوع" ودعا علي رضي الله عنه للمبارزة
كان مرحب رجل طويل وكان مميز بخيبر ولقبه بطل خيبر ويلبس خوذة من الرخام مثل البيضة "مجورها" ويضعها على رأسه .
وكان يهود تظن أن هذا الرجل لا يقتل .
وكان قد لبس درعين وتقلد بسيفين ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان .
وهو يرتجز ويقول أبيات من الشعر ليضعف عزيمة علي رضي الله عنه .
يقول مرحب .
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب

فأجابه علي رضي الله عنه
أنا الذي سمتني أمي حيدره ضرغام آجام وليث قسوره

ثم التقيا فأختلفا بضربيتين "أي بالسيف"
فأراد "مرحب" أن يضرب علي رضي الله عنه بالسيف على رأسه .
فتلقى "علي" ضربته بالترس .
فثبت سيف مرحب بالترس حتى قسمه نصفين فأصبح "علي" بلا ترس .
فأنفتل مرحب كعادة الفرسان عندما يشعر بنفسه أنه انتصر .
وانفتل ثم رجع يريد أن يضرب علي رضي الله عنه مرة أخرى ليقضي عليه .
فنظر علي رضي الله عنه فلم يجد حوله ترس .
فوجد درفة باب الحصن الذي فتح .
فأخذه بيده الشمال واقتلع باب الحصن وجعله ترس بيده يتلقى ضربات "مرحب"
ثم ضربه علي بالسيف ضربة قوية
فشق بسيفه تلك الخوزة الرخامية على رأس مرحب وشق رأسه نصفين .
حتى وصل سيف "علي" من قوة الضربة إلى رئة مرحب فاستقر بها ....
فوقع مرحب على الأرض
يقول الصحابة رضي الله عنهم عندما سقط على الأرض و كأنه جدار إنهار من ضخامته .

يقول "أبو رافع" مولى رسول الله ﷺ كما أخرجه البخاري رحمه الله.. يقول : والذي لا إله إلا هو
لقد اجتمعنا سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معهم نزحزح ذلك الباب كي نميطه عن الطريق ما استطعنا .

رضي الله عن علي وعن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[٤‏/٧‏/٢٠٢١ ١١:٢٦ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والسبعون بعد المائة 173
فتح جميع حصون خيبر .

ذكرنا أن "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه قتل بطل اليهود "مَرحب"
هنا أصيب اليهود بالرعب والفزع الشديد لأن بطلهم "مَرحب" كان من أشد الفرسان في تاريخ العرب عامة ....
ولم يكن اليهود يتخيلون أبداً أن يقتله أحد من المسلمين .

فلما قتل "مرحب" خرج أخوه "ياسر" يريد الثأر لأخيه
كان فارسآ عملاقاً ضخم الجثة مثل أخيه... وكان أيضاً من أبطال اليهود مثل أخيه الذي قتل .
فكانوا أربعة إخوة معروفون بالقوة وهم :
  • مرحب
  • ياسر
  • عامر
  • الحارث
فلما خرج "ياسر" برز له له "الزبير بن العوام" رضي الله عنه وكان عمره 35 عام .
وكان نحيفاً وطويل القامة .
وبدأ قتال شرس بين بطل اليهود "ياسر" وبين "الزبير بن العوام" رضي الله عنه .
حتى قتل الزبير ، ياسر فأصيب اليهود "بالرعب"

واستطاع المسلمون أن يخلعوا باب الحصن ...
ودار قتال مرير حول الحصن وسقط بعض أشراف اليهود وأبطالهم في القتال حتى إنهارت مقاومة اليهود وأخذوا يتسللون من الحصن هرباً إلى الحصن الذي يليه وهو حصن "الصعب"

كانت الحصون مبنية بطريقة أن يؤدي كل منها إلى الآخر .
ففتح أول الحصون حصن "ناعم" وانتقل اليهود إلى الحصن الذي يليه .
وهو حصن "الصعب"
وبدأ الحصار والهجوم على الحصن..... وكان حصن "الصعب" لا يقل صعوبة عن حصن "ناعم"

وأراد الله تعالى أن يبتلي المؤمنين ويختبرهم اختبارا آخر صعباً إلى جانب صعوبة الحرب وهو "الجوع"
إذ دخل المسلمون في جوع شديد جداً
يقول أحد الصحابة : لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء .
وكان هنالك ثلاثين حمارا خرجت من بعض الحصون
فأخذها رهط من المسلمين وذبحوها ليأكلوها...
"كانت العرب تأكل الحمير عند الضرورة ولم يكن قد نزل تحريم أكل الحمير"
فلما رأى النبي ﷺ النار مشتعلة وشم رائحة اللحم .
قال على أي شيء توقدون ؟
لأن النبي ﷺ يعلم أن الجيش ليس معه لحم يطبخ .
فقالوا : لحوم الحُمُر الأهلية .
في هذه اللحظة الحرجة ينهى النبي ﷺ عن أكل لحوم الحمير وهم في جوع شديد .
فقال : لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً وأهرقوها .
كان هذا اختبارا صعباً فوق صعوبة المعركة .
لأن الصحابة رضي الله عنهم في جوع شديد وهناك مجهود كبير يبذل في القتال .
واللحوم قد نضجت ورائحة الشواء ارتفعت .
وبفضل من الله تعالى نجح جميع الجيش في الإختبار ولم يأكل أحد من هذه اللحوم .
وكان ذلك من تربية النبي ﷺ التربية الإيمانية للصحابة رضي الله عنهم...
وبعد هذا الموقف الصعب ، وبعد استجابة جميع الصحابة رضي الله عنهم لأمر النبي ﷺ .
وقف ﷺ يدعو الله تعالى ووقف المسلمون يؤمنون خلفه....

في اليوم التالي
وبعد ثلاثة أيام من الحصار ومحاولة فتح الحصن
خرج أحد مقاتلي اليهود "يوشع"
وطلب المبارزة فخرح إليه "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه فقتله ....
ثم خرج من اليهود أحد فرسانهم "الديان"..... يطلب المبارزة
فخرج إليه "عمارة بن عقبة" رضي الله عنه فقتله .

وشد المسلمون هجومهم على الحصن حتى نجحوا بفضل الله تعالى في فتح الحصن .
وتسلل اليهود هرباً إلى الحصن الثالث في منطقة "النطاة" وهو حصن "القلعة"

وكان حصن "الصعب" الذي فتح بعد دعاء النبي ﷺ أغنى حصون خيبر بالطعام .
فوجدوا في ذلك الحصن من الشعير والتمر والسمن والعسل والسكر والزيت والودك شيئا كثيرا....
ونادى منادي رسول الله ﷺ وقال لهم : كلوا واعلفوا دوابكم ولا تحملوا منه شيئاً ....
فأكل المسلمون حتى شبعوا
وكان من ضمن الطعام الذي وجدوه "البصل والثوم" فأكلوا منه وهم جياع
وكان قد بنى النبي ﷺ للمعسكر مسجداً للصلاة يصلون فيه
فلما كان وقت الصلاة وذهب الناس إلى المسجد و إذا بريح البصل والثوم .
فقال ﷺ : من أكل الثوم أو البصل من الجوع أو غيره فلا يقربنَّ مسجدنا .
ليس في ذلك نهي عن أكل الثوم والبصل مطلقا .
إنما النهي عن إتيان المسجد لمن أكلهما .
ووجد المسلمين في ذلك الحصن أيضاً "منجنيق" والمنجنيق هو آلة كانت تستخدم في رمي الحجارة الثقيلة على الأسوار فتهدمها .
ولم يكن العرب يعرفون "المنجنيق" .
لأن "المنجنيق" آلة من آلات الحصار وهدم الأسوار .
والعرب لم تكن تعرف في حروبها الحصون والأسوار .

انتقل اليهود إلى الحصن الثالث في منطقة "النطاة" وهو حصن "القلعة"
وكان هو أمنع حصون خيبر لأنه فوق قمة جبل ومن الصعب جداً الوصول إليه .
فضلاً عن مهاجمته وكما يقول الرواة "لا تقدر عليه الخيل والرجال"

وفرض النبي ﷺ الحصار على حصن "القلعة"
واستمر الحصار ثلاثة أيام

و يأتي توفيق الله تعالى ونصره
فألقى الله تعالى الرعب في قلب رجل من اليهود
اسمه "عزول" خاف إن انتصر النبي ﷺ أن يقتل وتؤخذ زوجته وأولاده في السبي وتؤخذ أمواله

فأراد أن يفعل شيء يحفظ به نفسه وأولاده وزوجته وماله
فأتى وتسلل من الحصن وطلب مقابلة النبي ﷺ
ثم قال له : يا أبا القاسم ، إنك لو أقمت السنين تحاصرهم ما بالوا بك .
يعني مهما حاصرتهم لن يهتموا لحصارك .
ولكن هناك طريقة واحدة لفتح الحصن
قال له النبي ﷺ ما هي ؟
قال أمني "أعطيني الأمان"
قال له النبي أمنتك .
قال وزوجتي وأبنائي .
قال نعم
قال . وأموالي .
قال نعم
قال إن لهم جداول يخرجون بالليل يشربون منها ثم يعودون إلى قلعتهم .
فلو قطعت عليهم الطريق خرجوا لقتالك

فأمر النبي ﷺ أن يقطع عنهم جداول الماء .
فاضطر اليهود إلى الخروج وقتال المسلمين .
ودار قتال في منتهى الضراوة حتى انتصر المسلمون وافتتحوا حصن "القلعة" بعد ثلاثة أيام
وهكذا سقطت الحصون الثلاثة الأولى في منطقة "النطاة" وكان في هذه الحصون أشد اليهود

بعد أن انتهى المسلمون من فتح الحصون الثلاثة في منطقة "النطاة"
انتقلوا إلى المنطقة المجاورة لها وهي منطقة "الشق" وقد قلنا أن بها حصنين :
حصن "أبي" وحصن "النزار"
وبدأ النبي ﷺ بحصن "أبي" .
وتم حصار الحصن .
وخرج أحد اليهود يطلب المبارزة .
فخرج إليه "أبو دجانة" رضي الله عنه فقتله .
ثم دار قتال عنيف وانتصر المسلمون، واقتحم المسلمون حصن "أُبي"

ثم هرب اليهود إلى داخل الحصن الذي يليه وهو حصن "النزار" وهو الحصن الخامس .
وكان هذا الحصن هو أمنع الحصون لأنه كان على جبل مرتفع حتى أن اليهود وضعوا في هذا الحصن نساءهم وأطفالهم وأموالهم .
فكان فيه 2000 من نساء اليهود .
وظن اليهود أنه من المستحيل أن يفتح هذا الحصن
ولذلك تحصنوا داخل الحصن .
ولم يخرج أحد منهم لقتال المسلمين وإنما قاموا برشق المسلمين من فوق الحصن بالنبل والحجارة
وبالفعل استمر الحصار فترة طويلة ولم يستطع المسلمون فتح الحصن .
وكان المسلمون كما قلنا قد وجدوا داخل حصن "الصعب" "المنجنيق .
وأمر النبي ﷺ بنصب المنجنيق
وبدأ يضرب أسوار الحصن حتى تهدم جزء من السور .
فتسلل المسلمون إلى داخل الحصن ودار قتال من أعنف أنواع القتال داخل الحصن .
وتم النصر للمسلمين وفتح المسلمون حصن "النزار"
وأخذت جميع ما فيه من النساء سبايا....
وكان منهن "صفية بن حيي بن أخطب"
والتي أعتقها النبي ﷺ بعد ذلك وتزوجها رضي الله عنها

وكانت هناك حصون صغيرة أخرى .
إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون وهربوا إلى المنطقة الثالثة من خيبر وهي منطقة "الكتيبة"
كما أخبرتكم سابقآ منطقة الكتيبة فيها ثلاثة حصون .
حصن "القموص "
حصن "الوطيح "
حصن "السُلالم "
هربوا وتحصن اليهود مرة أخرى في هذه الحصون
وكانت معنويات اليهود "قد إنهارت تماماً"
وبدأ المسلمون في حصار أول هذه الحصون وهو حصن "القموص" .
استمر الحصار أربعة عشر يوماً ودار قتال مرير حول الحصن .
وفي النهاية عندما شعروا بالموت كما قال كما عنهم الله تعالى :
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ...
عندما شعروا بالنهاية وأن جيش محمد ﷺ لايهزم لجأوا كعادتهم في كل زمان ومكان عندما يشعرون بالقهر والجبن والإنكسار على الفور يهرعون إلى "المفاوضات"
طلب اليهود أن "يتفاوضوا" مع رسول الله ﷺ .
وافق ﷺ على مفاوضتهم على شروط الإستسلام ولم يفاوضهم "على الصلح"
ما الذي تم الإتفاق عليه ؟؟
وما الذي حدث بعد ذلك ؟؟
✨✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...







[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والسبعون بعد المائة 174
إستسلام اليهود .
وقدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة لخيبر .
ورملة بنت أبي سفيان أم للمؤمنين رضي الله عنها.

طلب اليهود أن يتفاوضوا مع النبي ﷺ.... و أرسل زعيمهم "كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق"
وكان من نسل هارون أخ نبي الله "موسى عليه السلام" لذلك كان عندهم معظماً ...
ومن قبله إبن عمه "حيي بن أخطب" كان من نسل هارون أيضاً...
وكنانة له زوجة اسمها "صفية بنت حيي بن الأخطب"
التي ستصبح فيما بعد أم للمؤمنين رضي الله عنها

لما علم كنانة أن النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم لن يهزموا ولن ينصرفوا قبل أن ينتصروا ....
أرسل "كنانة بن الربيع" زعيم خيبر إلى النبي ﷺ من طرفه رجل يهودي ....
يقول له : أعطني الآمان أكلمك
فأعطاه النبي ﷺ الأمان
فنزل كنانة وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدر ...
فنزل كنانة ومعه رهط من اليهود وعرض الصلح ...
فقال النبي ﷺ كنت قد عرضت هذا عليكم من قبل ودعوتكم إلى {{ لا إله إلا الله }} فأبيتم
فأما الصلح الآن فعلى شروطي نحن لا على شروطكم أنتم
تم الإتفاق على شروط "الإستسلام" وليس شروط "الصلح" كما يقول البعض
وكان الاتفاق هو :
١- حقن دماء اليهود
٢- وعلى أن يخرجوا من خيبر بنسائهم وأبنائهم فقط بملابسهم فقط .
٣- أن يتركوا ورائهم كل أموالهم وسلاحهم وديارهم...
٤- وأن يركبوا دواب دون الخيل تحملهم إلى خارج خيبر .
ثم قال له النبي ﷺ بعد ذلك : على أن لا تخفوا شيئاً من من أموالكم...
فإذا كتمت منه شيئاً "أي إذا أخفيت شيئاً من المال"
أستبيح بها دمك وبرأت منكم ذمة الله و ذمة رسوله

ورضي "كنانة" زعيم خيبر بهذه الشروط ....
وشهد رجال من قومه ...
ورجال من أصحاب النبي ﷺ على هذا الإستسلام
وفتح كنانة أبواب الحصون .
وطلب منه النبي ﷺ أن يسلم له
١- الصفراء "كل شيء اسمه ذهب"
٢- والبيضاء "كل شيء اسمه فضة ، لأن الأموال لم تكن أوراق كما نعرفها اليوم ، أموالهم كانت الذهب والفضة"
٣- والخف والكراع "الخيل والإبل وما يتبعها من الأنعام "
٤- والحلقة "السلاح"
وأخذ كنانة يقدم للنبي ﷺ ما بأيدهم من ذهب وفضة وسلاح
فلما انتهى قال له النبي ﷺ لم يبقى عندك شيء يا كنانة ؟
قال : لا .
قال فإن أخفيتني شيء لا تنسى برأت منك ذمة الله و ذمة رسوله وكنت مباح الدم .
قال نعم
فضحك النبي ﷺ وقال يا ابن الربيع هنالك اشياء كثيرة تخفيها .
وما أزال على قولي وصلحي لا تبقي شيئاً وأبرء ذمتك .
فإن لم تصدقني هدرت دمك .
قال : نعم .
فنظر النبي ﷺ فيه وقال أتممت ولم يبقى عندك شيء ؟
قال: نعم
فصاح النبي ﷺ به صيحة "أرعدت فرائصه"
صاح به يا ابن الربيع ! إنك لمستخفٌ بأمر السماء
إن أطلعني الله على شيء أخفيته أهدرت دمك .
قال : نعم

{{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }}

"وفي كلمة العالمين يدخل اليهود المغضوب عليهم .

فلهم نصيب من رحمة النبي ﷺ هو لا يريد أن يسفك دمه .
قال له مرة أخرى : يا ابن الربيع إن اطلعني الله الآن على شيء كتمته وأخفيته استبحت به دمك .
قال له : نعم .
قال إني ممهلك ومذكرك وسائلك أين "مسك" حيي بن أخطب ؟

فكان "حيي بن أخطب" سيد بني "النضير" يجمع هذه المجوهرات والقطع الثمينة لايضعها في صندوق بل يضعها في مسك شاة .
وهو بلغتنا جلد الخروف بعد أن ينظف يخاط ويجعل مخزن للمال ....
ولنتخيل جلد الخروف إذا مليء من هذه المجوهرات كم يكون ثمنه ؟
ثم صغر مسك الشاة وماعاد يتسع للمجوهرات
فصنع حيي له "مسك من ثور"
فأصبح جلد الثور كله وعاء يضع فيه المجوهرات .
ثم صغر مسك الثور ولم يعد يتسع لهذه المجوهرات
فصنع له "مسك الجمل" من جلده

وعندما أجلاهم النبي ﷺ "لبني النضير" عن المدينة المنورة سمح لهم ﷺ أن يحملوا أموالهم ومجوهراتهم معهم .
ومنعهم من حمل السلاح .
وكان هذا "المسك" الذي جمعه اليهود الذي فيه مجوهراتهم الثمينة والنادرة عند "حيي" لأنه كان زعيمهم .
وسمح النبي ﷺ لحييء عندما أجلاهم ان يأخذ مسكه معه
وذهب حيي لخيبر وأقام هناك وجاء مع الأحزاب وقتل مع من قتلوا بني قريظة .
والنبي ﷺ يعلم أن هذا "المسك" الذي مع حيي مملوء بالمجوهرات والذهب والفضة والأحجار الكريمة ...
ولكن سمح له النبي ﷺ بحمله معه إلى خيبر .

لذلك سأل النبي ﷺ "كنانة" زعيم خيبر ...
فقال له أين مسك حيي بن أخطب ؟
فضحك وقال : تعلم يا أبا القاسم ما حل بنا من ترحال ونزول وهجرة .
و لقد أنُفق ذلك كله ....
فقال له النبي يا كنانة !! الوقت قريب .
"يعني قبل سنتين تم الإجلاء من المدينة"
الوقت قريب !! ولا يمكن أن ينفق هذا المال في هذه المدة .
فإن اطلعني الله عن مكانه واستخرجته أنا استبيح به دمك ؟؟
قال: نعم
فغضب النبي ﷺ وقال قُم يا علي ، قُم يا ابن العوام . إنطلقا إلى دار كنانة .
فإذا دخلت باب بستانه فعد أربع نخلات عن يمينك ثم احفر تحت الخامسة فأتياني بالمسك .

فقاما وانطلقا إلى دار كنانة فعد علي والزبير بن العوام رضي الله عنهم نخلة اثنتان ثلاثة أربعة فحفروا تحت الخامسة .
وما هو إلا شبرٌ من تراب فإذا هو "المسك" مملوء بالمجوهرات .
فحملاه وأتيا به فوضعاه بين يدي الحبيب المصطفى ﷺ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة ماهذا يا كنانة ؟
ألم يكن هذه "المسك" تحت النخلة الخامسة على يدك اليمنى إذا دخلت بستانك ؟
قال : أجل يا أبا القاسم .
وكاالعادة : أخذ يتوسل ويستجير وأن يغفر له الزلة وأن يصفح عنه
فقال له النبي كنت قد أمهلتك كثيراً ولكنك أستخففت بأمر السماء .
وأنت تعلم كما كان يعلم "حيي بن أخطب" من قبلك أني نبي وأن النبي يوحى إليه .
قم يا محمد بن مسلمة فاضرب عنقه .
لماذا محمد بن مسلمة ؟؟
لأن أخوه "محمود بن مسلمة" الذي استشهد عندما ألقوا عليه اليهود حجر من فوق الحصن

فقام ليأخذ ثأر أخيه وضرب عنقه ....
وسبيت زوجته وهي صفية بنت حي بن أخطب رضي الله عنها والتي تزوجها النبي ﷺ بعد ذلك .
وكانت هذه الهزيمة من أكبر هزائم اليهود في تاريخهم كما كانت من أعظم انتصارات المسلمين ....

وكان عدد قتلى اليهود في هذه المعركة 93 قتيل...
بينما شهداء المسلمين كانوا 16

ولكن اليهود بعد المعاهدة وبعد أن بدؤا الخروج من خيبر والتوجه ناحية الشام
جاءوا إلى النبي ﷺ
وقالوا : يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها فنحن أعلم بها منكم .
فأستحسن النبي ﷺ رأيهم و وافق عليه ....
لأنه يعلم أن المسلمين لايستطيعون القيام على هذه الأرض لأن أرض خيبر كبيرة وبعيدة عن المدينة .

فأعطى النبي ﷺ أرض خيبر لليهود على أن يكون لهم من الزرع النصف وللمسلمون النصف .
وعين "عبد الله بن رواحة" حتى يقوم بتقدير الزروع ومحاسبة اليهود عليها ....
ولذلك بعد فتح "خيبر" تحسنت كثيراً الظروف الإقتصادية في المدينة ....
لأن "خيبر" كانت من أغنى البلاد في الجزيرة في الزراعة وكان في منطقة "الكتيبة" وحدها 40 ألف نخلة ....
يقول "عبد الله بن عمر" رضي الله عنهما ما شبعنا حتى فتحنا خيبر.
ولكن شرط عليهم النبي ﷺ
أن المسلمين يخرجون اليهود من خيبر متى شاءوا
قال "على أنَّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم"
لماذا اشترط عليهم النبي ﷺ هذا الشرط ؟؟

لأن النبي ﷺ أصبح عنده قاعدة : اليهود معروفون بالغدر والخيانة ونقض العهود .
فكان لابد من إشعارهم بأن وجودهم مهدد حتى يخافوا من أن يغدروا بالمسلمين.

وقد قام بطردهم بالفعل بعد ذلك في خلافة "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه بعد أن غدروا في عهده .
أرسل إبنه "عبدالله بن عمر" رضي الله عنهم إليهم ليحصي له موسم خيبر فسحروه ..


جلس ﷺ يقسم غنائم "خيبر"
وبينما هو يقسم ﷺ وقد نشر أصحابه رضي الله عنهم حرساً حول الحصون .
وإذا برجل يجري ويقول يا رسول الله هذا "جعفر بن أبي طالب" قد أقبل من الحبشة .
"جعفر بن أبي طالب ، اخو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما الذي هاجر للحبشة وناقش النجاشي ثم أسلم على يديه
بقي هو والمسلمون في الحبشة والآن رجعوا واستشهد رضي الله عنه بعد عام وبضعة أشهر في غزوة مؤتة ...

يا رسول الله هذا جعفر بن ابي طالب" قد أقبل من الحبشة
قال النبي صلى الله عليه وسلم جعفر !!!! يا مرحباً .
فقام النبي ﷺ وترك القسمة وكان يلبس إزارا ورداء كما يلبس المحرم ....
يقول الصحابة رضي الله عنهم فمن فرحته ﷺ قام وألقى رداءه وأخذ يهرول بالإزار فقط "يعني نصفه الأعلى عاري" حتى إذا وقع نظره عليه .
قال : مرحبا بمن أشبه خَلقي و خُلقي .
"كان أشد الناس شبها بالنبي ﷺ .
قال مرحبا بمن أشبه خَلقي و خُلقي ، وأيمَّ الله .
قال وأيمَّ الله ، لا أدري بأيهما أنا أشد فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ؟

"فجعل فرحته بقدوم جعفر يعدل فتح خيبر .*
ثم إعتنقه ﷺ وقبله بين عينيه

رحب النبي ﷺ به وبمن معه من أصحابه رضي الله عنهم ثم أجلسهم حوله .
وقال مالذي أقدمكم إلى خيبر ؟
فقال جعفر رضي الله عنه قدمنا المدينة من ثلاث أيام
فعلمنا أن رسول الله في خيبر فلم نبت ليلة واحدة حتى لحقنا بك ....
وكان مع جعفر وفد من النجاشي ....
فقام ﷺ يخدمهم بنفسه "
فقال له أصحابه رضي الله عنهم نحن نكفيك يا رسول الله .
فقال إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين ، وإني أحب أن أكافئهم .
ألم يكرم النجاشي المسلمون عنده وذكرناها .
وهذه أخلاق نبينا ﷺ كان لا ينسى من قدم له المعروف .
وجلس يحدثهم ﷺ
قال ألا تخبروني بأعجب شيء رأيتم بأرض الحبشة ؟
فقال شباب منهم يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم وعلى رأسها قلة فيها ماء .
"عجوز حاملة جرة فخار على رأسها
فمرت بصبي فدفعها . فوقعت على ركبتيها فانكسرت قلتها "انكسرت الفخارة"
فلما قامت التفتت إليه
قالت : سوف تعلم يا غدر .
إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون .
فستعلم أمري وأمرك عنده "أي عند الله"
فقال ﷺ صدقت كيف يقدس الله قوماً .
"أي يكون لهم قدسية وتعظيم عند الله"
كيف يقدس الله قوماً ، لا يأخذ لضعيفهم من قويهم .

وكان من جملة من قدم معهم من بلاد الحبشة "رملة بنت أبي سفيان" ابوها سيد قريش و المكناة "أم حبيبة"
لم تاتي مع الرجال إلى خيبر .
بقيت في المدينة وكان قد عقد عليها النبي ﷺ وهي في الحبشة
"أم حبيبة" رضي الله عنها كانت قد أسلمت وخالفت أهلها واتبعت دين الإسلام
فكانت ممن هاجر "الهجرة الثانية" للحبشة مع زوجها عبدالله بن جحش وكانت حامل
وضعت حملها بالحبشة فوضعت انثى وسمتها "حبيبة" وبها تكنى "أم حبيبة"
عندما وضعت حملها واستقروا بالحبشة وعلموا أن "النجاشي" قد أسلم
ركبت الشياطين رأس زوجها "عبدالله بن جحش" وارتد عن الإسلام هناك وتنصر .
وبقيت هي على إسلامها .
فماهي إلا أيام وشهور ابتلاه الله بمرض فأهلكه فمات نصرانيا .
فأصيبت "رملة" بمصابين .
وبلغ أمرها رسول الله ﷺ
المصاب الأول "أنها أسلمت وعادت أباها وقومها وهجرت مكة "
والمصاب الثاني "أن زوجها الذي تعلقت به وهاجرت معه تنصر ومات "
فأصبحت "أرملة " وابنتها "يتيمة"
فما موقف نبينا الكريم ﷺ والذي قال فيه ربه :
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ .
تصوروا حال "أم حبيبة" وهي بالحبشة غريبة أرملة بنتها يتيمة و تنصر زوجها ثم مات .
ماذا تصنع ترجع إلى مكة ؟
أين ستقيم ؟؟ في دار أبيها "أبو سفيان" أشد رجل عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أين تذهب ؟؟ وماذا تفعل ؟؟
فلما سمع النبي ﷺ أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجها منه ..
ويقول له النبي ﷺ وكلتك نفسي[[ يعني أنت يا نجاشي نائباً عن محمد رسول الله بهذا الزواج ]]
وكلتك نفسي بخطبة "رملة بنت أبي سفيان" من أقرب رحم إليها .
[[ اي انظر من المهاجرين أقرب رحم لها اخطبها لي منه ]]
وطار النجاشي فرحاً أن يكون هو وكيل النبي صلى الله عليه وسلم يمثله بهذا الزواج .
فأرسل إلى المهاجرين فحضروا
فقال : من اقربكم رحماً بأم حبيبة بنت أبي سفيان ؟
فقام رجل اسمه "خالد بن سعيد" رضي الله عنه .
فقال له النجاشي إن رسول الله ﷺ قد وكلني أن اخطب رملة له
وأن أتم الزواج هنا "أي العقد في الحبشة"
فأرسل إلى أم المؤمنين "ام حبيبة" جارية من جواري النجاشي فطرقت عليها الباب "وكانت قد اعتزلت الناس المسكينة ليس لها احد"
ففتحت ... فقالت لها إن الملك قد ارسلني إليك ويقول لك
إن رسول الله قد كتب إليه أن يزوجك منه .
فلم تستوعب "ام حبيبة" الخبر !!!
قالت : أعيدي ما قلتي .
فأعادت الجارية .
قالت . أحقاً ما تقولين ؟
رسول الله يخطبني ؟
قالت . نعم .
فقالت . استحلفك بالله أنت واثقة مما تقولين .
رسول الله الذي في المدينة يخطبني أنا ؟
قالت . نعم وقد أرسلني الملك إليك لتحضري عقد الزواج .
فقالت لها . بشرهُ الله بالخير .
ومن شدة فرحتها خلعت "أم حبيبة" ما معها من أساور من فضة واعتطها للجارية .
وتم العقد وامهرها النجاشي من ماله نيابة عن النبي ﷺ 400 دينار ذهبية . مبلغ كبير .
ثم قام النجاشي وأمر بأن تصنع لهم وليمة .
قال لهم النجاشي : اجلسوا، فإن من سنن الأنبياء إذا تزوجوا أن ياكلوا الطعام على التزويج
فدعا بطعام فأكلوا .
وأصبحت أم حبيبة أم للمؤمنين وزوج لرسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم رجعت الجارية التي بشرتها واعطتها المهر
فقالت لها ام حبيبة رضي الله عنها لم يكن لدي مال عندما بشرتني لأعطيك .
اما الآن فخذي واعطتها 50 دينار من المهر .
قالت لها الجارية لا إن الملك امرني أن أرُجع لك ما اعطيتني إياها...
فلم تأخذ منها المال وأرجعت لها اساور الفضة التي أخذتها .
وقالت وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر وعنبر و حلي .
ثم قالت الجارية ولكن أريد منك حاجة يا "أم حبيبة"
قالت . ما حاجتك ؟؟
قالت . حاجتي إليك أن تقرئي رسول الله ﷺ مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه .
تقول أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها وكانت تلك الجارية كلما دخلت علي تقول لا تنسي حاجتي إليك أن تقرئي رسول الله السلام .
ولما سمع ابوها "ابو سفيان" بهذا الزواج .
سُرا بما فعله النبي ﷺ مع ابنته
ورجعت أم المؤمنين "أم حبيبة" مع جعفر إلى المدينة .
ولما رجع النبي ﷺ من "خيبر" بنى بها
تقول أم المؤمنين "أم حبيبة" وأخبرت النبي ﷺ كيف كانت الخطبة وما فعلت معي جارية النجاشي وأقرأته منها السلام .
تقول . فتبسم ﷺ وقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته .
اللهم إن أم حبيبة قد أوصلت سلام الجارية لرسول الله .

✨✨✨✨✨✨










[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والسبعون بعد المائة 175
محاولة قتل النبي ﷺ بالسم

قبل أن يرحل النبي ﷺ من خيبر .... كان هناك إمرأة يهودية اسمها "زينب بنت الحارث" وهي زوجة "سلام بن مشكم"
أخوها "مرحب" الذي بارز "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه فشقه "علي" بالسيف نصفين .

جاءت متظاهرة بالكرم "
جاءت "زينب" وهي تتظاهر بأنها جاءت تكرم النبي ﷺ لأنه عفا عنهم ....
بمعنى أنها تريد أن تشكر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يأخذهم بذنب كنانة عندما نقض العهد وأخفى المال ....
قدمت للرسول صلى الله عليه وسلم شاة مصلية مشوية
وسألت : أي عضو في الشاة أحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقيل لها : الذراع اليمنى من الشاة .
فجاءت ووضعت عليها السم وأكثرت فيها ....
ثم وضعت السم على الشاة كلها

جاءت مبتسمة وقالت : هذه هدية لك يا رسول الله
تقول يا رسول الله...
إذآ هي مسلمة والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب المطلق ....
وكان معه عدد من أصحابه رضي الله عنهم ولكن كان أقربهم منه "بشر بن البراء" رضي الله عنه
ومن أدب الصحابة رضي الله عنهم لا أحد يأكل قبل أن يمد يده ﷺ . ...
فلما وضعت الشاة بين يديه ﷺ تناول الذراع ...
وكان من سنته أن ياخذ الذراع بكلتا يديه فيقمض منها قرضاً
فأخذ الذراع ووضعه بين أسنانه وكاد أن يقمض منها "يعضّ"
وكان "البشر" رضي الله عنه بعدما تناول النبي ﷺ الذراع قد أخذ قطعة ووضعها في فمه ولاكها ...
فعندما وضعها النبي ﷺ بين أسنانه ردها وقال : ارفعوا أيديكم
فرفعوا أيديهم ...
فقال إن هذا الذراع ليخبرني أنه مسموم .
وكان "بشر بن البراء" رضي الله عنه قد أكل من الشاة قطعة وابتلعها...
فقال بشر : والذي بعثك بالحق لقد شعرت بذلك من أكلتي التي أكلت ...
[[ يعني من اللقمة اللي أكلتها شعرت أن الطعام فيه طعم غريب ]]
فقال له النبي ﷺ فلم لم تلفظها .
قال بشر رضي الله عنه ما منعني أن ألفظها إلا كراهية أن أنغص عليك طعامك....
نفسي لك الفداء يا رسول الله
ثم أمر النبي ﷺ أن يأتوا له بالمرأة التي فعلت ذلك .

فلما حضرت سألها النبي ﷺ
قال يازينب أوضعتي السم في هذه الشاة ؟
قالت : نعم
فقال ما حملك على ذلك ؟
قالت : قد بلغت من أهلي ما لايخفى عليك .
لقد قتل في خيبر زوجي وأخي وإبني
فقلت أضع لك السم ...
فإن كنت ملكاً متغطرساً نستريح منك .
وإن كنت نبياً أطلعك الله عليه و لم يضرك .
كلام غير مقنع ....

والسبب أن المغضوب عليهم يعلمون أنهم يستطيعون قتل الأنبياء ولا يمنعهم شيء من قتل النبي ﷺ والدليل
قال تعالى .
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ .
لقد قتل اليهود من قبل الكثير من أنبياء الله وهم يعلمون ذلك .
و هذا هو حال المغضوب عليهم في كل زمان .
فهم ليسوا أهل حرب .
بل أهل دس ومؤامرة وهذا هو حالهم مع المسلمين في كل زمان ...

ولأنها صدقت عفا عنها النبي ﷺ .
وسأله الصحابة رضي الله عنهم ألا تقتلها يا رسول الله ؟
فقال لا قد عفونا عنها .
"لأن النبي ﷺ لم يكن ينتقم لنفسه أبداً
ولكن عندما تأثر "بشر" بالسم وتغير لونه وأصبح لا يستطيع أن يتحرك من مكانه
ومات في اليوم الثاني
أمر النبي ﷺ أن يحضروا زينب وأن تقتل قصاصآ
لأنها قتلت "بشر" رضي الله عنه

واحتجم النبي ﷺ على "الكاهل" وهو الموضع بين الكتفين .
وظل يعتريه المرض كل عام من أثر هذا السم حتى مات بعد ذلك بثلاثة سنوات متأثرا بذلك السم .

كما روى البخاري رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت .
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ .
يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ .
فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ .
الأبهر وهو أكبر شريان في جسم الإنسان، والذي يوزع الدم المؤكسج إلى جميع أجزاء الجسم ويخرج من البطين الأيسر في القلب .
النبي ﷺ يخبر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن سبب موته "
ولذلك كان ابن مسعود وغيره يقولون أنه ﷺ مات شهيداً
"وذلك إرادة الله ، ليكتمل ﷺ بمراتب الفضل كلها"

كيف وصل خبر انتصار النبي ﷺ في خيبر ؟؟
حدث لا بد أن نذكره ...
أحد الصحابة رضي الله عنهم "الحجاج بن علاط" كان قد أسلم حديثا وشارك في خيبر .
فلما تحقق النصر للمسلمين وهم في خيبر ... جاء إلى النبي ﷺ
وقال : يا رسول الله .
إن لي بمكة مالاً متفرق عند تجار مكة ...
هل تأذن لي يا رسول الله أن آتي مكة وأن أقول أن أقول :
يعني لا أظهر إسلامي لهم وأقول كلام حتى أتمكن من تحصيل أموالي منهم ...
فأذن له النبي ﷺ ...
فذهب "الحجاج" إلى مكة ...
"وكان أهل مكة ينتظرون الأخبار ويسألون الناس ماذا فعل أهل خيبر بمحمد ؟
لأن كل العرب في الجزيرة العربية يترقبون الخبر ويعلمون أن خيبر لا تغلب على الإطلاق
فلما رآه أهل مكة قالوا : هذا الحجاج بن علاط عنده والله الخبر .
فأنطلقوا جميعآ إليه ليسمعوا منه الخبر .
قالوا : أخبرنا يا أبا محمد .
فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر .
"القاطع يقصدون النبي ﷺ يدعون أنه قطع أهل مكة وحاربهم وقطع الرحم .
فضحك الحجاج وقال : لقد هزم محمداً هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ...
وقتل أصحابه رضي الله عنهم قتلاً لم تسمعوا بمثله قط .
وقد أخذوه أهل "خيبر" أسيراً عندهم
وقالوا : لن نقتل محمداً حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه هم بين أظهرهم .
فضاجت قريش كلها بين مصفر ومصفق وراقص وواضع يده على رأسه..

فصاحوا وامتلأت مكة بالأفراح .
ثم قال "الحجاج" أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي
الناس المدانين لي ساعدوني احصل منهم المال فإني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فيء محمد وأصحابه قبل أن يسبقني إليه التجار إلى هناك ....
فجمعوا له كل ماله الذي بمكة
"طبعاً واحد حمل لنا مثل هذه البشارة قامت قريش كلها لتجمع له ماله والذي عليه دين أجبروه على الدفع"
فجاء "العباس" رضي الله عنه عم النبي ﷺ وكان يكتم إسلامه
وقف بجانب "الحجاج" مهموماً مكسوراً مهزوماً حزيناً قد دمعت عيناه ...
قال : يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئت به ؟
فابتسم الحجاج وقال جئتك والله بما يسرك يا أبا الفضل .
والله لقد تركت ابن أخيك قد فتح الله تعالى عليه "خيبر"
وصارت خيبر وأموالها كلها له ولأصحابه رضي الله عنهم
وتركته عروسآ على إبنة "حيي بن أخطب" سيدهم "أي صفيةرضي الله عنها"
ففرح العباس وقال أحقاً ما تقول يا حجاج ؟
قال الحجاج : نعم والله . ولكن اكتم علي الخبر ثلاثا "أي ثلاثة أيام فإني أخشى الطلب"
وبعدها تكلم بما حدثتك فهو والله الحق ....
ثم أخذ "الحجاج" أمواله وانطلق وترك قريش في فرحة لا توصف ينتظرون أهل خيبر أن يحضروا لهم رسول الله أسيراً مكبلاً بالأغلال ....

فلما مرت ثلاثة أيام قام "العباس" رضي الله عنه اغتسل ولبس أجمل الثياب وتعطر ...
ثم جاء إلى قريش وكانوا مجتمعين عند الكعبة
جاء بكل هدوء وسكينة
فنظر إليه رجال قريش وقالوا يا أبا الفضل هذا والله التجلد على حر المصيبة ...
"يعني جاي ولابس ومتعطر وابن أخوك أسير .
هذا تكابر على مرارة مصيبتك جئت بهذا الشكل لترينا أنك غير متأثر ولست بحزين"
فضحك و قال : كلا والله الذي حلفتم به .
ولكن إبن أخي محمداً قد فتح خيبر وصارت له ولأصحابه رضي الله عنهم
وهذه هي بنت سيدهم حيي أصبحت زوجة له ...

فقاموا واقفين مذهولين
قالوا : أحقاً ما تقول ؟؟ من أتاك بهذا الخبر ؟
قال : الذي جاءكم وأخبركم به "الحجاج بن علاط"
ولقد أسلم واتبع دين محمد
وما قال لكم ما قال إلا ليأخذ ماله ثم يلحق به .
فصاحوا : لقد خدعنا والله
ثم لم تمر إلا أيام قليلة حتى جاءهم الخبر....

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ♡ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ♡
✨✨✨✨✨✨✨












[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والسبعون بعد المائة 176
زواج النبي ﷺ من أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها.

ذكرنا لكم أن النبي ﷺ أمر بقتل "كنانة بن الربيع بن أبي حقيق"
وكان أحد زعماء اليهود لأنه كان قد أخفى كنز "بني النضير"
وقد كانت شروط الإستسلام تقضي بأن يخرج اليهود من "خيبر" وأن يتركوا أموالهم وديارهم وسلاحهم .
وأن يقتل كل من يخفي مالاً
فلما أخفى "كنانة" أموال "بني النضير" أمر بقتله وسبيت زوجته "صفية بنت حي بن أخطب"

من هي صفية ؟؟
هي إبنة "حيي بن أخطب" أحد زعماء اليهود الذين قتلهم المسلمين في بني قريظة .

وكانت متزوجة قبل "كنانة" من رجل اسمه : "سلام"
أيضاً أحد زعماء اليهود الذين قتلهم المسلمين كذلك .
وعندما أخذت "صفية" في السبي كان عمرها في ذلك الوقت 17 عاما تقريباً
وكانت على صغر سنها قد تزوجت مرتين كما ذكرنا .
كانت "صفية" ذات شرف .
فأبوها كان سيد "بني النضير" وأمها سيدة "بني قريظة"
وكان "بنو النضير" هم أشرف اليهود لأنهم من نسل نبي الله هارون عليه السلام
أخ نبي الله موسى عليه السلام .
حتى كان اليهود يجعلون دية الرجل من "بني النضير" ضعف غيره من سائر اليهود .

فلما أمر النبي ﷺ بضرب عنق "كنانة"
قال ﷺ قم يا محمد بن مسلمة وخذ بثأر أخيك واضرب عنقه .
فقام وضرب عنقه :
ثم قال ﷺ قم يا بلال فأتني بأهله .
فقام بلال وجاء بزوجتيه أحدهما "صفية بنت حيي"
وأخرى كانت قريبة لها بنت عمها .
وجاء بهما "بلال" رضي الله عنه ومر بهما على قتلى اليهود .
فلما نظرت "صفية" ووجدت أكثر القتلى من أهلها مسكت نفسها
أرادت أن تولول ولكن عادة الناس الأشراف والأكابر يمسكون أنفسهم تجلدن لا صبراً خشية الشماتة .

ولكن ضرتها كانت جاهلة
عندما رأتهم ولولت وشقت ثيابها وصكت وجهها وجلست على الأرض وحثت التراب على رأسها .
فانتبه النبي ﷺ إلى هذه الضجة
فقال ما هذا ؟
فقيل له : بلال رضي الله عنه ومعه أزواج "كنانة"
فلما أقبلوا ومازالت تلك الفتاة تولول وتصرخ .
فلما رآها أعرض ﷺ بوجهه عنها .
قال اعزبوا عني هذه الشيطانة . "أي ابعدوها"
ثم نظر النبي ﷺ لبلال بوجه غاضب .
وقال : يا بلال أمررت بالنساء على قتلاهم ؟
قال . أجل .
قال أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما ؟

فاستغفر "بلال" وقال : استغفر لي يا رسول الله .
قال يغفر الله لك .

ثم نظر "لصفية" رضي الله عنها فإذا بلسان حالها ينطق بعكس قومها تماماً .
وإذا بالإيمان يتدفق من وجهها .
فلما نظر النبي ﷺ إليها أطرقت رأسها حياءاً .
ثم لازت من وجهه و وقفت خلف منكبه .
فأمر النبي ﷺ أن ترسل إلى خيمة "ام سلمة" رضي الله عنها
"كان يصحبه من أزواجه في هذه الغزوة أم سلمة"

وأخذت صفية لخيمة "أم سلمة" تكريماً لأدبها
وكان ﷺ يقسم الغنائم كما ذكرنا
فلما فرغ من قسمته ﷺ دخل على خيمة "أم سلمة" ثم نظر إلى صفية .
وقال لها أنتِ .. ابنة حيي بن أخطب ؟
قالت : أجل يا رسول الله .
"يارسول الله : ينبغي لها أن تقول يا ابا القاسم"
قالت . أجل يا رسول الله .
قال أمؤمنة انتِ . وتكتمي إيمانك .
قالت : يا رسول الله .
عندما قدمت إلى يثرب ليلة هجرتك ونزلت بقباء وكنت في ذلك الوقت طفلة لا يتجاوز عمري عشرة أعوام .
وسمع أبي "حيي" وأخوه عمي "أبا ياسر" بقدومك .
كانوا يتحدثون عنك كثيراً أنه أقترب ظهور نبي يسمى نبي آخر الزمن ليس بعده نبي .
وكانوا يرجون أن يكون من ولد "اسحاق"
فلما بلغهم ظهورك في مكة انتظروا وقالوا إن كان هو فسيهاجر إلى يثرب .
نعرفها تماماً "أي هذه العلامة" ونعرف أوصافه .

فلما قدمت إلى قباء خرج أبي "حيي" و عمي "أبو ياسر" مغلسين .
"أي صباحا قبل طلوع الشمس"
حتى أتياك إلى قباء وجلسوا إليك وتكلموا معك .
قال لها النبي صلى الله عليه وسلم اذكر ذلك .
قالت : فرجعا مع مغيب الشمس فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينه .
يحمل أحدهما الآخر "يتكيء أحدهم على الثاني"
قالت : وكنت أحب الأولاد إلى "أبي وعمي" من بين كل أولادهم .
فكانا إذا رجعا أخذاني وحملاني وقبلاني دون أولادهم جميعاً .

ما هششت لهم قط إلا أخذاني وحملاني .
فلما رجعا من عندك من قباء هششت إليهما كما كنت أصنع .
فو الله ما نظر إلي واحد منهما ولم يكلماني .
لا أبي ولا عمي "أبو ياسر"
فوقفت وآجمة "مستغربة" أعي ما اسمع .
فسمعت عمي "أبا ياسر" يقول لأبي : وكان أبي حبر يهود .
قال : أي يا ابن أم : أهو هو ؟
"يعني هو نبي آخر الزمن عرفته من أوصافه"
فقال له أبي : أيِّ وربِ موسى وعيسى إنه هو .
هو الذي نجده عندنا في التوراة وإني أعرفه أكثر مما أعرف ابنتي هذه وأشار إلي .
قال . تعرفه بنعته وصفاته ؟
قال . نعم والله .
قال . فماذا في نفسك منه ؟
قال . عداوته ما حييت ؟؟؟؟

فقال عمي . يا ابن أم أطعني في هذه وأعصني بما شئت .
لا تناصب الرجل العداء .
فإن ظهر أمره دخلنا فيما دخل الناس به ، وإن هلك أصيب على يد غيرنا .
قال . لا .
قال عمي : لَِم تناصبه العداء ؟
قال . لِمَ بعثه الله من ولد "اسماعيل"
ولم يبعثه من ولد "إسحاق.

عداوة قديمة متأصلة .

قال تعالى .
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ ....


قالت صفية رضي الله عنها ووعيت هذا كله فوقع الإيمان في قلبي من ذاك اليوم وأنك نبي .
ولكن كنت لا أملك من أمري شيئاً .

وحين كنت تحت "كنانة"
قلت لكنانة : يا ابن عم "لأن كنانة زوجها ابن عم أبوها "
قلت . يا ابن عم .
إنكم لتعلمون أنه نبي والنبي لا يقهر . فهلا أسلمتم ؟
قالت : فلطمني على وجهي .

ثم قالت : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله خاتم النبين .
فاصطفاها لنفسه ﷺ وألقى عليها الحجاب .
وعرض عليها الزواج فوافقت
وقالت : يا رسول الله .
قد كنت أتمنى ذلك في الشرك
"أي الزواج منك وسنذكر السبب بعد قليل"
فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام ؟
وهكذا تزوجها ﷺ وجعل صداقها هو عتقها .
وبقيت في خيمة أم سلمة أيام وعلمتها الوضوء و الصلاة والطهارة وقد حاضت في هذه الأيام ثم طهرت

كان الهدف من زواجه ﷺ

رحمة بالسيدة "صفية" رضي الله عنها بإنقاذها من السبي بعد أن كانت من الأشراف .
ثم يشرفها بالزواج منه ﷺ وهو قائد المسملين .

فلما ترك ﷺ "خيبر" وأصبح على بعد حوالى 10 كم من "خيبر"
أراد أن يدخل على السيدة "صفية" فامتنعت عنه ....
فوجد منها النبي ﷺ ولكنه لم يراجعها .
حتى إذا ابتعدوا عن أرض "خيبر" ووقف النبي ﷺ للمبيت .
قامت فاغتسلت وامتشطت وتطيبت .
ثم أرسلت امرأة من طرفها إلى النبي ﷺ .
تقول له إن "صفية" تعرض عليك إما أن تأتيها أو تأتيك .
فذهب النبي ﷺ لخيمتها فوجدها قد أعدت نفسها إعداد عروس لعريس تلك الليلة
فجلس في خيمتها .
قال نعم يا صفية .
قالت : فداك أبي وأمي وكل آل حيي يا رسول الله أريد أن أحدثك
ونظر النبي ﷺ في وجهها فوجد في عين السيدة "صفية" اخضرارا من أثر ضربة .
فسألها عن ذلك .
فقالت : قبل قدومك يا رسول الله كان قد زوجني أبي من "كنانة" .
في الليلة التي قبل الزفاف رأيت رؤيا في منامي فأعظمتها .
فلما كان الزفاف قصصتها على "كنانة" فإن عنده علم من علم أهل الكتاب .
رأيت القمر قد جاء ماشيا من يثرب إلى خيبر
فلما استقر واكتمل ووقف فوق "خيبر" وقع واستقر في حجري .
فلما قصتت هذه الرؤيا "لكنانة" وأنا أظن أن لها علاقة بعرسنا
فغضب كنانة غضباً لم أرى مثله من قبل ولطمني على وجهي لطمة .
وقال يا عدوة نفسها أتطمعين أن تكوني زوجة عند ملك يثرب محمد ؟
قالت : ومن غضبه أولها وهو لا يدري .

قلت فوقع ذلك في قلبي وقلت في نفسي أرجو ذلك .
فقال لها النبي ﷺ يا صفية فلماذا رغبتي عني وانتظرتي حتى الآن .
فقالت : خشيت عليك من قرب اليهود فإني خشية والدماء ما تزال حارة .
وإن أنت نمت في خيمتي وعلمت يهود أني أصبحت فراشاً لرسول الله أن يثور الدم في عروقهم من جديد ويثأروا بك غدرا
ووالله ما فعلت ذلك إلا من خوفي عليك من غدرهم يارسول الله .
فزاد هذا الموقف السيدة "صفية" مكانة ومنزلة عند النبي ﷺ .
وتهلل وجه النبي ﷺ ودعا لها بالخير .
ومسح بيده الشريفة على أثر تلك اللطمة فزال ما عليها من آثار وعادت عينها أحسن مما كانت وبنى بها ﷺ .

ومن سنته كان إذا تزوج امرأة جديدة يقسم لها ثلاثة أيام بلياليها "يبقى عندها ثلاثة أيام "
إلا عائشة رضي الله عنها لأنها كانت "بكر" قسم لها سبعة أيام بلياليها .

هناك سؤال يخطر في بال الكثير الآن
كيف دخل النبي ﷺ على صفية رضي الله عنها :
فأين العدة 4 أشهر وعشرة أيام ؟

أولاً :
الذي قام بهذا الفعل النبي ﷺ وهو المشرع عن ربه عز وجل
ثانيا :
كنانة زوج "صفية" السابق مات يهوديآ و ليس بمسلم وزوجته أسلمت بعد موته مباشرة .
"إذن انقطع الرباط بينها وبين زوجها السابق نهائيا"

العدة سببها أمرين :
"الأول" إحترام حق الزوجية للمسلم .
وزوجها السابق كافر وهي قد أسلمت والإسلام يجب ما قبله .

الأمر الثاني : إستبرأء الرحم من حمل سابق .
وقد نهى النبي ﷺ أن يدخل رجل على ذات حمل .
فقال لا يسقي أحدكم زرع غيره .

ولقد أقامت "صفية" رضي الله عنها في خيمة "أم سلمة" بضعة عشرة يوماً
علمتها أحكام الصلاة والطهارة
وبعد أيام توقفت عن الصلاة بسبب الحيض .
فبدورة واحدة تبين خلو الرحم من الحمل
إذآ هنا استبراء الرحم ولا عدة لكافر .

ولما قدم النبي ﷺ إلى المدينة ومعه السيدة "صفية" رضي الله عنها
سمع بجمالها نساء الأنصار .
فجئن ينظرن إليها وجائت معهن أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها وهي منتقبة تخفي وجهها تريد أن ترى السيدة صفية رضي الله عنها...

فلما رآها النبي ﷺ عرفها "أي أم المؤمنين عائشة وكانت تغار كثيرا رضي الله عنها"
فلما خرجت خرج وراءها ﷺ ثم أخذ بثوبها
وقال لها كيف رأيتِ ؟
قالت : رأيت يهودية بين يهوديات .
فقال لها النبي ﷺ لا تقولي هذا ، فقد أسلمت .

وأصبحت "صفية" أم للمؤمنين رضي الله عنها
هل تعلمون كيف كان يدافع عنها النبي ﷺ
لقد هجر أم المؤمنين "زينب بنت جحش" لأنها قالت بها كلمة
و زينب هي أقرب نسب منه ﷺ .
التي زوجه الله إياها في القران الكريم من فوق سبع سموات دون ولي أمر .
قال تعالى فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ..

وكانت زينب رضي الله عنها تفخر على أمهات المؤمنين جميعاً
تقول : ما منكم امرأة إلا زوجها أبوها أو أخوها ، إلا أنا زوجني الله من فوق سبع سماوات .

هذه زينب رضي الله عنها
يغضب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ويهجرها ويقاطعها ولا يقسم لها بالمبيت ولا يكلمها منذ خرج لحجة الوداع .
وقبل دخوله مكة حتى قبل موته بأيام.....
لماذا ..
لأنها قالت لصفية رضي الله عنها كلمة تقدح في إيمانها .
في حجة الوداع أخذ أزواجه معه جميعاً ﷺ . رضي الله عنهن
في الطريق جاءت صفية رضي الله عنها
وقالت : يارسول الله برك جملي فلم يقم .
فعالجه لها فلم يقم ....
وفي حجة الوداع .
كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من 20 ألف مسلم خرجوا مع النبي ﷺ ليحجوا وغير الناس الذين سيأتون من الأقطار....
فهل يأخر الركب من أجل جمل ؟
فنظر لأزواجه وكان أكثرهن جمال "زينب" معها أكثر من جمل ....
فقال : يا زينب أفقري أختك جملاً حتى نعود .
يعني اعيريها جمل تركبه حتى نرجع..
فقالت زينب وقد غلبتها نفسها رضي الله عنها وأرضاهاوغفر الله لها .
قالت ورددت في ترفع : أنا أعطي يهوديتك هذه "نسبتها لليهود"
فغضب النبي ﷺ غضباً شديداً
وصاح بزينب وقال مه . بئس ما قلتي يا زينب .

وترك السيدة زينب رضي الله عنها لا يتحدث إليها ولا يكلمها طوال حجة الوداع .
حتى عاد إلى المدينة إلى أن مرض وثقل عليه المرض وبدأ العد التنازلي وعلم أنه مقبوض
ذهب لحجرتها ﷺ .
وكانت "زينب" عندما علمت أنه قد هجرها طوت فراش النبي صلى الله عليه وسلم ونامت على الأرض .
فقام وجاء متعب ﷺ وقد أثقله المرض وكان يتكيء على "علي وعلى العباس" رضي الله عنهم

فقامت زينب رضي الله عنها لما رأته فرحة لم تسعها الأرض من فرحتها قامت تستقبله .
فجاء بنفسه للفراش ﷺ وفرشه ونام تلك الليلة عندها رغم مرضه وتعبه ﷺ نام تلك الليلة عند زينب ، وصالحها .
"ولولا أنه لم يفعل ذلك ما كان كلمها أحد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجرها .

من أجل من ؟؟
من أجل "صفية بنت حيي"
لا من أجل جمال صفية وصغر سنها .
بل لأن "صفية" مؤمنة صادقة آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم لسماع والدها وعمها .


ومن مواقف النبي ﷺ معها .
كانت أزواج النبي ﷺ فريقان
*عائشة و حفصة و سودة فريق مع بعض *
وباقي زوجات النبي ﷺ فريق .

فحاولت السيدة "صفية" التقرب لضرائرها لكنها كانت كثيراً ما توجه إليها الإهانات والسهام الجارحة تعرض بأصلها اليهودي
طبعاً هي الغيرة عند النساء ولو كنَّ أمهات للمؤمنين رضي الله عنهن...

وكان ﷺ يدافع عنها ويقف إلى جوارها .
و من ذلك أن السيدة: "صفية" إشتكت إليه ﷺ وهي تبكي أن "عائشة و حفصة" رضي الله عنهن تكلمتا وقالتا نحن أكرم على رسول الله منك فنحن بنات عمه وكذا وكذا .
فمسح النبي ﷺ دموعها بيده الشريفة :
وقال لها : ألا قلت وكيف تكونان خيراً مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى عليهم الصلاة و السلام.

وكانت أم المؤمنين "صفية" رضي الله عنها كما قلنا ينتهي نسبها إلى نبي الله هارون عليه السلام
وكان عمها كليم الله موسى عليه السلام

واستمر دفاع النبي ﷺ للسيدة "صفية" حتى آخر أيامه .

وقبل وفاته بيوم واحد كانت تعتريه الحمى فيغيب عن الوعي ثم يفيق وينظر إلى من حوله ثم يعتريه "ما نسميه الغيبوبة" من شدة الحمى صلى الله عليه وسلم

وهو بهذه الحال وقد اجتمعت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعاً حول فراشه ﷺ .
فكانت أقرب أزواجه إليه السيدة "صفية" رضي الله عنها
فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم تأخذه "الغيبوبة" ثم يفيق .
أشفقت عليه وقالت : إني والله يا نبي الله ليت الذي بك بي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإني أعلم أن الموت حق ولكن لا أطيق أن أراك تغيب ثم تفيق .
فتغامزت عائشة وحفصة بالنظرات ....
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فما راعنا إلا أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيبته ....
وهو يقول قمنَّ فمضمضنَّ أفواهكن .
فقالوا في دهشة من أي شيء ؟
فقال من تغامزكن بصفية .
والذي نفس محمداً بيده
لقد أسلمت فحسن إسلامها وآمنت فكمل إيمانها .

رضي الله عنها
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....





[*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السابعة والسبعون بعد المائة 177
الرسائل إلى الملوك والزعماء .
رسالة الرسول ﷺ إلى هرقل قيصر الروم .

رجع النبي ﷺ وظن الصحابة رضي الله عنهم أنه سيجلس يستريح بعد صلح الحديبية والقضاء على اليهود في خيبر والإنتهاء من كيدهم ....
فإذا به ﷺ بعد عودته بثلاث أيام يقف ويحمد الله ويثني عليه ثم قال :
أيها الناس إن الله بعثني رحمة وكافة .*
فأدوا عني رحمكم الله .
ولا تختلفوا عليّ كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم عليه السلام .

فقال الصحابة رضي الله تعالى عنهم : وكيف اختلف الحواريون على عيسى عليه السلام يا رسول الله؟
قال دعاهم إلى تبليغ دين الله .
فمن أرسل إلى جهة قريبة اطاع .
ومن أرسل إلى جهة بعيدة كره وأبى .
فقالوا : لن نختلف عليك يا رسول الله .

بدأ النبي ﷺ في إرسال الرسائل إلى الملوك والزعماء داخل وخارج الجزيرة العربية ....

قال تعالى :
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ .
ويقول تعالى :
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا .

لماذا بدأ النبي ﷺ في دعوة الملوك والزعماء داخل وخارج الجزيرة العربية في ذلك الوقت بعد صلح الحديبية ؟
لماذا لم يبدأ في دعوة الملوك والزعماء فور بدء الرسالة ؟
الإجابة هي :
أن صلح الحديبية كان يعني اعتراف قريش بالدولة الإسلامية ....
وقريش هي قبيلة معروفة ليست في الجزيرة فقط .
ولكن في كل دول العالم القديم
وبإعتراف قريش بالدولة الإسلامية أصبح للدولة الإسلامية مكانتها بين دول العالم القديم ....
ولذلك فان من أهم مكاسب صلح الحديبية هو اعتراف قريش بالمسلمين ....

ولو كان النبي ﷺ قد بادر إلى دعوة الملوك والزعماء قبل صلح الحديبية لما التفت أحد إلى هذه الرسائل .
لأنها في ذلك الوقت ستعتبر رسائل مرسلة من جماعة مارقة غير شرعية وليست من دولة لها سيادة ....

فبدأ ﷺ برؤوس تلك الأمم وأعظم دولتين في ذلك الوقت ....
١- كسرى فارس
٢- قيصر الروم .
"كسرى وقيصر" هما لقبان
يعني عظيم فارس وعظيم الروم .
ويقال لعظيم الحبشة "النجاشي"
وكذلك يقال لعظيم الأقباط في مصر "المقوقس"

فأراد النبي ﷺ أن يبدأ بهذه الرؤوس وخاطبهم بلهجة القوي المتمكن ...

كيف لا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤيد من عند الله جل في علاه .
وهو سيد ولد آدم وهو سيد الخلق جميعاً...
فكان كلما خاطب رجل فيهم في رسالة يقول له "أسلم تسلم" بمعنى أنك إن لم تسلم لن تسلم

فأرسل النبي ﷺ في ذلك الوقت عدة رسائل
مع أصحابه رضي الله عنهم وانطلقوا جميعاً من مسجده
١- رسالة إلى هرقل قيصر الروم وحملها {{ دحية الكلبي }} رضي الله عنه

٢- رسالة إلى كسرى ملك فارس وحملها {{ عبد الله بن حذافة }} رضي الله عنه

٣- رسالة إلى المقوقس حاكم مصر وحملها {{ حاطب بن أبي بلتعة }} رضي الله عنه

٤- رسالة إلى النجاشي ملك الحبشة وحملها {{ عمرو بن أمية الضمري }}
ليس النجاشي الذي أسلم عندما نصل لرسالته سنوضح ذلك .

٥ - رسالة إلى {{المنذر بن ساوى}} ملك البحرين وحملها {{ العلاء بن عمرو الحضرمي }} رضي الله عنه .

٦- رسالة إلى {{هوذة بن علي}} ملك اليمامة وحملها {{ سَليط بن عمر }} رضي الله عنه

٧- رسالة إلى {{الحارث بن أبي شَمِر }} ملك دمشق وحملها {{ شجاع بن وهب }} رضي الله عنه

٨- رسالة لأمير {{ بُصرى }} حملها "الحارث بن عمير الاسدي"
بُصرى ليس التي في الشام ...
بُصرى التي ذكرناها بدايةالسيرة التي كان يقيم فيها الراهب بحيرا المعروفة الآن بصيرة الطفيلة...
وهذا الوحيد من الذين حملوا الرسائل الذي قتل ....
من الذي قتله .....؟؟

وعندما أراد النبي ﷺ أن يكتب للملوك
قال له أصحابه رضي الله عنهم يا رسول الله :
إنهم لا يقرؤون كتابا إلا إذا كان مختوما .
فصنعوا للنبي ﷺ خاتم يختم به رسائله مكتوب فيه
{{ محمد رسول الله }}
ونلاحظ في هذا الختم أنه مكتوب من أسفل إلى أعلى :
الله
رسول
محمد
وقد قصد النبي ﷺ ذلك حتى لا يعلو اسم "محمد رسول الله"
وهذا من أدبه ﷺ مع ربه سبحانه وتعالى...


كسرى فارس مقرها "العراق" يعبدون النار ...
قيصر الروم مقرها "الشام" على بقايا تعاليم المسيح عيسى عليه السلام .
أهل كتاب وكانوا في صراع وحروب دائمة ....

عندما كان النبي ﷺ في مكة وجرت حرب بين الروم والفرس

اعتدت الفرس على الروم وهزموهم وأخذوا صليبهم واحتجزوه عندهم لأنهم يعتبرون الصليب رمز عزتهم .
وأهانت الفرس الروم إهانة كبيرة لا يتسع المقام لذكرها.....

الروم كانوا أهل كتاب ....
أما الفرس كانوا يعبدون النار
قريش والعرب كانت تترقب أخبار هاتان الدولتان الكبيرتان
وكانت قريش تميل إلى "الفرس" لأن قريش تعبد الأصنام والفرس تعبد النار ....
فإن إستطاعت الفرس هزيمة الروم لأن الروم أهل الكتاب مثل محمد وصحبه ....

فذلك يعني أننا نستطيع القضاء على محمد ودعوته ....

والنبي ﷺ والمسلمون كانوا يرجون أن تنتصر "الروم"
فلما هزمت الروم اغتم النبي ﷺ والمسلمون لذلك .
وفرحت قريش وأخذت تتوعد من دخل في دين محمد أنه سيأتي يوم لنا ونقضي على دينكم الجديد ...
فأنزل الله على نبيه ﷺ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ .
الله عز وجل يخبر نبيه ﷺ بأن الروم ستغلب الفرس في بضع سنين ....

والبضع عند العرب معروف أقلها ثلاث سنوات وأكثرها تسعة سنوات

وكانت الآيات تأكيد لأهل مكة أن رسول الله مرسل من عند الله تعالى
ففي هذا العام وهذا الوقت الذي أرسل النبي ﷺ رسائله
كان نصر "الروم" على "الفرس " على يد "هرقل" عظيمهم واستعادة الصليب وإجلاء دولة فارس من بلاد الشام .
كما أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم تماماً...

وكان قيصر الروم "هرقل"
"قيصر" لقب لكل ملك يحكم الروم ....
وسبب تسمية الروم لقب "قيصر" لكل ملك يحكمهم ، هو لقب متوارث عندهم ، لأن حاكم الروم الأول اسمه "قيصر"
أمه عندما كانت تلده ماتت في المخاض ، فلما ماتت شقوا بطنها واخرجوه فسموه "قيصر"
ومعنى قيصر في اللغة : البقير وهو شق البطن....
نسميها اليوم ولادة قيصرية ومن هنا أخذنا نحن هذا المسمى .
وكان قيصر يفتخر بذلك ويقول لم أخرج من فرج ....
"أي ولادته غير طبيعية مثل كل الناس بل قيصرية .
لو يأتي هذا قيصر في زماننا وينظر فقد جعل بعض الأطباء أكثر الناس قياصرة.....
ومن هنا أخذ الإسم كل من يحكم الروم بعده كان يأخذ لقب قيصر ....

كان قيصر الروم "هرقل"
قد انتصر الروم على يديه على الفرس ....
وكان يسيطر في ذلك الوقت على :
١- نصف أوروبا الشرقية
٢- تركيا
٣- الشام
٤- مصر
٥- شمال إفريقيا
لو نظرت للخارطة على هذه الدول كلها مطلة على
"البحر الأبيض " لذلك كان يسمى البحر الأبيض في ذلك الوقت "البحيرة الرومانية"
طبعاً كل الدول التي ذكرتها ، كل حكامها كانوا عبارة عن أحجار شطرنج تحت يد قيصر الروم

وباقي الدول أحجار شطرنج للفرس .....

انتصر "هرقل" على الفرس ، وكان مكان إقامته "حمص"
وكان قد نذر إن نصره الله على الفرس أن يأتي مشياً على قدميه من "حمص" إلى "بيت المقدس" شكراً لله على نصره في حربه ضد الفرس .... فخرج ماشيا .
وكان في مشيه إلى "بيت المقدس"
تبسط له البسط وتوضع عليها الرياحين ليمشي عليها.....

وصادف خروجه لبيت المقدس خروج رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل الرسالة

والذي كان يحملها إليه كما قلنا الصحابي الجليل "دحية الكلبي" رضي الله عنه .
كان يريد أن يذهب بالرسالة إلى هرقل في مقره في حمص .
فلما وصل للشام "الأردن" أخبروه أن قيصر موجود الآن في "بيت المقدس بفلسطين"
فحول طريقه إلى فلسطين ليسلمه الرسالة هناك .


كان "دحية" رضي الله عنه : حسن الهيئة وحسن الوجه .
له ميزة خاصة من الله عزوجل وهي أن جبريل عليه السلام كان عندما يأتي إلى النبي ﷺ في صورة بشرية ....
كان يأتيه في صورة رجل حسن الهيئة يشبه "دحية" رضي الله عنه..... وعندما يرى النبي ﷺ جبريل عليه السلام على شكل دحية رضي الله عنه كان يعرفه يقول مرحبا بأخي جبريل .

كان ﷺ يختار السفير حسن الهيئة والوجوه ....

نص رسالة النبي ﷺ إلى هرقل

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم .
سلام على من اتبع الهدى
أما بعد :
فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين .
أي لإيمانك بعيسى ثم بمحمد ...
فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين..
أي الفلاحين وهو يقصد البسطاء من كل رعايا الإمبراطورية الرومانية لأن البسطاء الغالب عليهم الجهل وهم على دين ملكهم ....
فإن آمنت بوحدانية الله آمنوا معك .
وإن كفرت فإثمهم في رقبتك .

ثم ختم الرسالة بقوله تعالى :
يَا ‏أَهْلَ الْكِتَابِ ‏تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .

انطلق بهذه الرسالة "دحية" رضي الله عنه... استأذن بالدخول عليه
فلما دخل أعطاه الرسالة فلما نظر وقرأ له الترجمان مافيها
كان يقف بجانب الترجمان أخ "هرقل"... فلما سمع الترجمان يقرأ.... "من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم"
ضرب صدر الترجمان ضربة شديدة ، ونزع الكتاب من يده، وأراد أن يقطعه...
فقال هرقل لأخوه ما شأنك؟
فقال : تنظر في كتاب رجل قد بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم وما ذكر لك ملكا ؟
فقال له هرقل إنك أحمق صغير .
أتريد أن تمزق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه؟
ولعمري إن كان رسول الله كما يقول
لنفسه أحق أن يبدأ بها مني .
فلما انتهى الترجمان من قراءة الرسالة ...
قال هرقل : هذا كتاب لم أسمع بمثله .
وكان هرقل متدينا وذو علم .
وكان يعلم من الكتب التي قرأها من كتب أهل الكتاب أن هناك نبيا خاتما بعد عيسى عليه السلام وقد بشر به "عيسى وموسى عليهما السلام"
وقرأ صفاته في تلك الكتب .
ولكن "هرقل"
لم يكن يعلم أن هذا الرجل الذي أرسل إليه هذه الرسالة هو هذا النبي أم لا ....
ولذلك لم يتعجل في الرد على "دحية الكلبي"

وأمر جنوده أن يأتوا له ببعض العرب من أهل مكة لكي يسألهم عن هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي ظهر في بلادهم .

وقال هرقل لصاحب شرطته : إقلب الشام ظهرآ إلى بطن حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه ...
طبعاً الآن قريش كانت قد خرجت لتجارتها للشام ...
لأنهم قد خرجوا فور التوقيع على صلح الحديبية بعد أن أمنوا على تجارتهم .
وكان من بين هؤلاء التجار "أبو سفيان بن حرب" زعيم قريش .
فقبض الجنود على بعض التجار من مكة الذين كان يتاجرون في غزة ...

والذي قص ما الذي جرى هو "أبو سفيان بن حرب" نفسه بعد إسلامه...
وهذه القصة موجودة في صحيح البخاري رحمه الله

يقول أبو سفيان : أنه دخل مع أصحابه من التجار إلى مجلس "هرقل"
وكان جالساً على عرشه وعليه التاج وحوله حاشيته من الوزراء والأمراء وقادة الجيش والعلماء ورجال الدين ...
سأل هرقل التجار عن طريق ترجمانه ...
أيكم أقرب نسبآ لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟
فقال أبو سفيان : أنا أقربهم نسبا إليه
"أبو سفيان يلتقي مع النبي ﷺ في الأب الرابع وهو "عبد مناف"
ولم يكن بين التجار من هو أقرب إلى النبي ﷺ من أبو سفيان .
وانظروا إلى السياسة الحكيمة...
"هرقل" يريد أن يصل إلى الحقيقة .
قال هرقل : أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره .
"أي اجعلوا بقية التجار يقفون خلف أبا سفيان"
ثم قال لترجمانه ...
قل لهم : إني سائلٌ هذا الرجل "يعني أبا سفيان" فإن كذبني فكذبوه...

وجعل أصحابه خلفه لأنهم قد يستحون أن يكذبوه في وجهه .
ولكن يمكن أن يكذبوه وهو لا ينظر اليهم .
وهذا يدل على حكمة {{ هرقل }}} ودقته ...

ويدل أيضاً على شدة إهتمامه بقضية الحبيب المصطفى ﷺ

وبدأت أسئلة "هرقل" أو استجواباته و "أبو سفيان" يرد عليه
ولنتخيل الموقف كأنه أمامنا تماماً
هرقل جالس على عرش ملكه ومن حوله حاشيته من الوزراء ، والأمراء ، وقادة الجيش ، والعلماء ، ورجال الدين
"ابو سفيان" يقف أمامه
ورجال قريش يقفون خلف أبو سفيان عيونهم متجهة للملك هرقل ...

ثم تدبروا أسئلة "هرقل" التي تدل على عقلانية وحكمة ...

فالسؤال الواحد لايحتمل "اللت والعجن" في الجواب حتى لا يعطيه جواب و كلام يفسر بأكثر من معنى ...
أسئلة لا تحتمل الجواب عليها إلا "نعم أو .. لا "
وأسئلة يجاب عليها فقط ببضع كلمات...

قال هرقل لترجمانه اسأله
كيف نسبه فيكم ؟؟
قال : هو فينا ذو نسب .

هل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟
[[ هل في شخص قبله ، قال انه نبي قبله ، ماذا يجيب نعم او لا ]]
قال أبو سفيان . لا .

هل كان من آبائه من ملك ؟؟
قال ... لا .

هل أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟؟
قال : بل ضعفاؤهم

أيزيدون أم ينقصون ؟؟
قال : بل يزيدون

فهل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
[[ يعني هل يرتد أحد عن دينه بسبب التعذيب ]]
قال . لا

هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قال . لا

هل يغدر ؟؟
يقول أبو سفيان : لم أجد سؤال أدُخل فيه كلمة ريبة إلا هذا السؤال .
قال : نحن معه في مدة لا ندري ماهو فاعل فيها .
يعني هو لم يغدر من قبل، ولكن نحن الآن في هدنة .
لا نعلم هل سيغدر فيها أم لا .
يقول أبو سفيان : فوالله ما التفت إليها مني...
"يعني تجاهل هذه الكلمة كأني لم أقلها"

يقول أبو سفيان وهو الذي حدث بهذا بلسانه إلى العباس لما رجع
وراوي الحديث العباس وابنه رضي الله عنهما والحديث للبخاري رحمه الله..

يقول : كنت تمنيت أن استطيع أن أكذب فأشوه صورة "محمد" بين يدي "هرقل"
ولكن خشيت أن يؤثر علي الكذب بين قومي ...


وقال : فهل قاتلتموه ؟
قال . نعم

فكيف كان قتالكم إياه ؟
قال . الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه .

ماذا يأمركم ؟؟
قال : يأمرنا ويقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا .
وينهانا عما كان يعبد آباؤنا .
ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة ...
"لاحظوا قول أبو سفيان ينهانا عما كان يعبد آباؤنا .
يعني كأنه يقول عذره في عدم اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم

وأراد أبو سفيان أن يطعن في صدق النبي ﷺ .
فقال . أخبرك عنه أيها الملك خبراً تعرف به أنه قد كذب
قال : وما هو ؟
قال : إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح .
[[ يقصد حادثة الاسراء والمعراج ]]
فوقف أحد البطاركة المسؤولون عن المسجد الأقصى وكان بجانب هرقل
قال : صدق أيها الملك
فنظر إليه هرقل
فقال : ما أعلمك بهذا ؟
قال : إني كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد .
فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني
"أي لم أستطيع إغلاقه "
فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول جبلآ
"كأن الباب جبل لا نستطيع تحريكه"
فدعوت النجارين فنظروا إليه
فقالوا : لا نستطيع أن نحركه حتى نصبح
فلما أصبحت جئت إليه فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب ،وإذا فيه أثر مربط الدابة ...
فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا لهذا الأمر
فقال هرقل لقومه : يا قوم ألستم تعلمون أن بين يدي الساعة نبياً بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم ؟
قالوا . بلى .
قال : فإن الله قد جعله في غيركم

ثم نظر "هرقل" لأبي سفيان ولحاشيته من الوزراء والأمراء والعلماء ورجال الدين .
وبدأ يذكر سبب هذه الأسئلة بالتحديد وما هي استنتاجاته
فقال للترجمان قل له .
سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب
وكذلك الرسل تبعث في أشرف نسب قومها

وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فقلت لا
فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بمن قبله
"أي يقلد غيره"

وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فقلت لا
فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه

وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال . فقلت لا .
فلم يكن ليصدق مع الناس ويكذب على الله

وسألتك هل أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم
فقلت أن ضعفائهم
فالضعفاء هم اتباع الرسل
لان على مر الزمن دائما الضعفاء هم من يتبعون الرسل اما الاشراف ما عندهم استعداد للتنازل هم اكبر من هيك .

وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون
وكذلك أمر الايمان حتى يتم

وسألتك أيرتد أحد سخطةً لدينه بعد أن يدخل . فقلت لا
وكذلك حلاوة الايمان لا تدخل قلباً ، فتخرج منه

وسألتك هل يغدر ، فقلت لا
وكذلك الرسل لا تغدر

وسألتك بما يأمركم ؟؟
فذكرت إنه يأمركم ان تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان .
ويأمركم بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة .

إعلم يا هذا "هرقل : يقول لابي سفيان"
إعلم يا هذا إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين
وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم

فلو أني أعلم أني أخلص إليه
[لو أستطيع أن أصل إليه ]]
لتجشمت لقاءه [[ أي تحملت المشقة للقاءه ]]
ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه
[[غسلت رجليه طبعا وغسل القدمين من الطقوس الدينية المسيحية يقوم بها القساوسة الآن يوم واحد في العام في {{خميس العهد }} لإظهار الحب والتواضع .
وعندهم أن عيسى عليه السلام قد غسل أقدام تلاميذه .
ثم طوى الرسالة ، وقبَّلها و وضعها على رأسه ، ثم أمر أن تحفظ في الديباج
"يعني كيس من حرير"

يقول أبو سفيان : فلما قال هرقل ما قال كثر عنده الصخب .
"أي ارتفعت أصوات الحاشية من حوله ينكرون على هرقل ما قال"
فأمر أن نخرج . فخرجنا ....
فنظرت إلى أصحابي وقلت :
لقد بلغ من أمر "ابن أبي كبشة" أن يخافه ملك بني الأصفر .

وكان المشركون يصفون النبي صلى الله عليه وسلم ﷺ ابن أبي كبشة : سخرية منه واستخفاف لا يقولون بن عبد المطلب ، ينسبونه لزوج مرضعته حليمة"

كثر الصخب وارتفعت الأصوات عند "هرقل" فقام وانطلق متوجهًا من الأقصى إلى حمص .
وأخذ معه حامل الرسالة "دحية" رضي الله عنه

فلما وصل لمقر حكمه في حمص
أمر أن يجتمع عنده عظماء الروم في دسكرة له "اي مقر القيادة"
فلما اجتمعوا أمر أن تغلق الأبواب
ثم قال . يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟؟
فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب .
لم يعجبهم الكلام .
غضبوا وقاموا يهربوا مثل الحمار الوحشي عندما يلحقه أسد
فوجدوا الأبواب قد أغلقت..
فقالوا له : اتدعونا أن نترك النصرانية ونصير عبيدا لأعرابي ؟
فقال لجنده ردوهم عليّ :
وقال . إني قلت مقالتي أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت
فسجدوا له ورضوا عنه .
"خاف يسحبوا الملك منه وينقلبوا عليه .

لو تفطن "هرقل" لقوله ﷺ في الكتاب أسلم تسلم
لسلم لو أسلم من كل ما يخافه
ولكن التوفيق بيد الله تعالى

وكان "قيصر" يوقن من الكتب التي قرأها أنه في يوم الأيام سيتحول كل الملك الذي بين يديه إلى الرسول ﷺ .
ووجد هرقل نفسه بعد ذلك منجرفا ومنقادا لحرب المسلمين في "مؤتة و تبوك"
ثم بعد ذلك الحروب المتتالية في الشام ومصر في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهم

كان هذا هو موقف الدولة الرومانية .

أكرم هرقل "دحية" وحمله بالهدايا وأكرمه غاية الإكرام
وقبل أن يغادر دحية رضي الله عنه...
جاءت رسالة لهرقل من والي دمشق ...

انظروا إلى تعامل هرقل واستقباله لرسالة النبي ﷺ و المرسل....

وانظروا إلى عماله من العرب كيف استقبلوا الأمر ...

"شرحبيل" وكان والي على البلقاء ...
عندما رأى حامل الكتاب .
قال له : إلى أين ؟؟
قال : إلى ملك بُصرى .
قال : لعلك من رسل محمد الذي يزعم أنه نبي ؟
قال . نعم .
فما كان من "شرحبيل بن عمرو الغساني" عربي أصيل...
فضرب عنقه فورا قبل أن يستلم الكتاب ...

يريد أن يعطي الثقة الكاملة لمن ولاه...
الخوف ليس من الكبار الخوف من الأذناب...
وهكذا بعض العرب إذا كان عنده ولاء.... حتى يبيض وجه لهرقل الذي ولاه و يظهر له إخلاصه

غضب النبي ﷺ غضباً شديداً وحزن ...
لم يقتل من رسله إلا هذا
لأن الرسل في عرف الأمم لا تقتل حامل الرسالة....
لا يقتل لا يتحمل ما كتب فيها
وبسبب مقتل حامل الرسالة كانت "غزوة مؤتة"
التي وقف فيها الكون كله
سنذكرها لاحقآ بعد عمرة القضاء إن شاء الله تعالى

وانظروا للوالي الآخر من العرب كذلك...... عظيم دمشق
ولاه "هرقل" على دمشق اسمه "الحارث بن أبي شَمِر"
والذي حمل الرسالة إليه هو الصحابي "شجاع بن وهب رضي الله عنه"
عندما أتاه حامل الرسالة ....
قرأ الرسالة.... عندما قرأ الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم .
أحمر وجهه الحمش وغضب...
وقال : من ينزع مني ملكي ؟؟
إني سائر إليه...... ولو كان باليمن لجئته إليه
وقال لصاحب الرسالة : اخبر صاحبك ما سمعت ......
ونادى : يا قائد الجند جهز لي جيشا اغزو المدينة ....

فتذكر بأنه ليس هو صاحب الأمر والنهي وأنه عبارة عن حجر شطرنج وضعه هرقل بهذا المكان ....
فأرسل رسولاً من طرفه إلى "هرقل" في حمص ....
يقول له : فعلت وفعلت وأنا أجهز جيش لغزو المدينة ....
يريد الإذن منه....
يقول دحية رضي الله عنه :
جاء رسول "بن أبي شمر" ملك الشام لهرقل وأنا عنده ....
فغضب هرقل غضباً شديداً .
وأمر أن يرسل إليه لا تفعل ولا تزعج الرجل وأكرم وفادة حامل الرسالة ....
فجاءت الرسالة لابن أبي شمر من هرقل .
فقام "بن أبي شمر" واعتذر للرسول وحامل الرسالة وأكرمه وحمله هدايا...
و هكذا بيبرد رأسهم لما يجيهم الأمر من فوق .
وما أشبه اليوم بالأمس
وسبحان الله ربنا الذي قال
وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس ....

هرقل عظيم الروم استقبل الرسالة وكاد أن يسلم .....

والذين تحت يده من العرب هم الذين أساؤوا التعامل...

✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....














[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثمانون و السبعون بعد المائة 178
رسالة النبي ﷺ إلى كسرى ملك الفرس .

أرسل النبي ﷺ إلى "كسرى" ملك فارس رسالة يدعوه فيها إلى عبادة الله تعالى وحده..

ذكرنا أن "فارس" هي واحدة من أكبر دولتين في العالم في ذلك الوقت .....
لأن العالم في ذلك الوقت كان مقسماً بين
الإمبراطورية الفارسية في الشرق ....
والإمبراطورية البيزنطية في الغرب ....
وكسرى هو لقب كل من يحكم الإمبراطورية الفارسية ...

كما أن "قيصر" كان هو لقب كل من يحكم الإمبرطورية البيزنطية

كسرى الذي أرسل إليه النبي ﷺ الرسالة كان إسمه "خُسرو الثاني" وكان لقبه "إبرويز" يعني : المنتصر .
لأنه كان قد حقق انتصارات كبيرة على الروم ....

والذي حمل الرسالة هو "عبد الله بن حذافة" رضي الله عنه .
وعبد الله بن حذافة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أسره الروم .
وحاول ملك الروم أن يجعله يتنصر فرفض
"والقصة طويلة"
ولكن وصل الأمر إلى أن ملك الروم .
قال له : تنصر أشركك في ملكي فأبى ... رضي الله عنه
فأمر به أن يصلب ثم أمر أن ترمى عليه السهام فلم يجزع
عبد الله بن حذافة رضي الله عنه
فأمر قيصر بإنزاله وأمر بقدر فصب فيها الماء وأغلي عليه وأمر بإلقاء أسير فيها حتى ذابت عظامه .....
فأمر بإلقائه إن لم يتنصر
فلما ذهبوا به بكى ....
قال : ردوه .
فقال له : لم بكيت ؟
قال : تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هكذا في سبيل الله تعالى فتعجب ملك الروم .
وقال له : قبَّل رأسي وأنا أخلي عنك .
فقال : وعن جميع أسرى المسلمين ؟؟
فقال : نعم .
فقبل رأسه فأطلق سراحهم ...

فلما رجعوا إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقصوا عليه ما حدث ...
وقف عمر رضي الله عنه وقام إلى "عبد الله بن حذافة" وقبل رأسه ...

هذا هو الصحابي الجليل الذي حمل الرسالة لكسرى .
"عبد الله بن حذافة" رضي الله عنه
شخصية صلبة جداً ومعتزة بنفسها ... ولذلك فلن يهتز عندما يدخل على كسرى وهو في ملكه
ولذلك إختاره النبي ﷺ لهذه المهمة ....

كان يعلم النبي ﷺ أن الكبرياء في نفس "كسرى" غير ما هو عند "هرقل"
لأن هرقل رجل "كتابي" أي من أهل الكتاب فهو يعظم ذكر شيء اسمه أنبياء...

أما "كسرى" رجل يعبد النار فلا يوجد عنده هذا الطبع .

فقال النبي ﷺ لحامل الرسالة "عبدالله" تسلم الكتاب لأمير البحرين .
"أمير البحرين الذي هو من طرف كسرى ، عامل عند كسرى ويرفعه هو إلى كسرى"
يعني مهد له المسألة حتى تلين نفس كسرى ويتقبل الأمر
وفعل عبدالله بن حذافة ذلك ودفعه لأمير البحرين وأمير البحرين رفعه إلى كسرى .

طلب أمير البحرين الأذن من كسرى فأذن بحامل الكتاب أن يدخل عليه ....
فدخل "عبد الله بن حذافة" على كسرى وهو يحمل رسالة النبي ﷺ .
فأومأ كسرى إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده ...
فقال عبدالله رضي الله عنه إنما أمرني رسول الله أن أدفعه لك يدآ بيد وأنا لا أخالف أمراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال كسرى لرجاله : اتركوه يدنو مني .
فاقترب من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده .

لننظر ونتفكر كيف كان النبي ﷺ يخاطب كل واحد بما ينبغي وبما يليق
فإن "قيصر الروم" كما قلنا نصراني ينسب لأهل الكتاب .
ولكن كسرى "فارسي" و لا يدينون بدين بل يعبدون النار .

فصيغة كتابه لقيصر "النصراني" تختلف عن صيغة خطابه لكسرى "الناري"

دفع كسرى الخطاب إلى المترجم وقرأ فيه ...
بسم الله الرحمن الرحيم .
كل رسالة كان يرسلها كانت تبدأ بالبسملة ...
قال ﷺ كل شيء لا يبدأ فيه بإسم الله فهو أبتر . أي مقطوع البركة .
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس * *سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله .
وأدعوك بدعاء الله .
فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين .
فإن تُسلم تَسلم . وإن أبيت فإن عليك إثم المجوس .
هنا انتهت الرسالة

هل لاحظتم ؟
لم يقل له مثل قيصر يؤتك الله أجرك مرتين .
لأن قيصر كان يدين بالنصرانية
فإن اتبعتني يؤتيك الله الأجر مضاعف .
أجر إيمانك بعيسى عليه السلام وأجر إيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم..
وختم رسالته ﷺ لقيصر بآية
يَا ‏ ‏أَهْلَ الْكِتَابِ ‏ ‏تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .

ولم يختم رسالته لكسرى بهذه الآية ...

فكان ﷺ يخاطب كل رجل بما يليق به رسائله .

فليس الخطاب الواحد يصلح للناس جميعاً .

وما أن سمع "كسرى" رسالة النبي ﷺ حتى استشاط غضباً وأخذته العزة بالإثم...
وخطف الرسالة من يد المترجم ومزقها ....
وهو يقول في غطرسة : عبد من رعيتي يكتب اسمه قبلي .
ثم أرسل عامله على بلاد اليمن على الفور ...
"لأن اليمن كانت تابعة للإمبراطورية الفارسية"
وكان عامله على اليمن إسمه "باذان" .
طلب منه كسرى أن يبعث رجلين من رجاله ليأتي برسول الله إلى "المدائن" عاصمة فارس ....
وكان "كسرى" يريد بذلك إذلال الرسول ﷺ وإذلال المسلمين
لأنه لم يرسل بعض جنوده من عاصمة ملكه "المدائن" وإنما أمر أن يرسل رجلين فقط
والذي يرسلهما هو أحد عماله
وبالفعل أرسل "باذان" جنديين من اليمن للقبض على النبي ﷺ .

ذكرنا من قبل كيف يكون العرب من غير عقيدة ودين.

ذيل الروم من العرب قتل حامل الرسالة ...
وذيل الفرس الآن يمتثل فوراً لسادته ويرسل رجلان ضخمان أقرعان...

خرج الرجلان وفي الطريق مروا بالطائف ...
فعلم أهل الطائف أن كسرى يطلب محمد صلى الله عليه وسلم
ففرحوا واستبشروا ....
وقال بعضهم لبعض : أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك
كفيتم الرجل .

سمع "عبدالله بن حذافة"
كل هذا ....
ورجع إلى المدينة مسرعآ وأخبر النبي ﷺ بما حدث وأنه قد أرسل إلى عامله باليمن رجال ليأخذوك إليه ومزق الرسالة
فسخر النبي صلى الله عليه وسلم وضحك ...
وقال : مزق الله ملكه .
"وقد كان ذلك في غضون سنوات قليلة من ذلك الموقف"

مزَّق الله تعالى مُلك كسرى تماماً وسقطت الإمبراطورية الفارسية على أيدي المسلمين في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهم

ووصل الجنديين إلى "المدينة المنورة"وكانوا يحلقون رؤوسهم واللحية و شاربهم طويل...

فلما رءاهم النبي ﷺ أشاح بوجهه عنهما ...
أي لم يستطع أن ينظر إليهما "
قال : من أمركم بتغير خلق الله ؟
قالا : ربنا "ربهم يعني كسرى"
وأبلغوا النبي ﷺ بما قال "كسرى"
وقالا له وإن أبيت فهو من قد علمت ...
فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك
وكان الوقت ليل ....
قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : اذهبا الآن و أتاني غداً .

فأخذهم أحد الصحابة رضي الله عنهم وآواهم عنده ...
وفي وقت الصبح عند الضحى أتي بهما إلى النبي ﷺ
فلما دخلا عليه :
قال لهما النبي ﷺ أدعوكما إلى الله أن تسلمان وتؤمنان بالله وأني محمد رسول الله .
فأرتعدت فرائصهما من هذه الكلمات ووقفا ولم يجيبا بشيء
وقالا : وإنما نحن رسل نبلغ
فقال لهما : إرجعا إلى صاحبكما في اليمن وأخبره .
إِنَّ ربي قتل ربَّه هذه الليلة بعد منتصف الليل وإن إبنه شيرويه هو الذي قتله .

وبالفعل في هذه الليلة :
قتل كسرى فارس "خسرو الثاني" الملقب "أبرويز" على يد إبنه شيرويه ...
فلما قال النبي ﷺ ذلك للجنديين فزعا ...
وقالا له : هل تدري ما تقول ؟
إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا أفنكتب عنك هذا ونخبر الملك باذان ؟
"يعني هل تعلم أن الذي تقوله شيء كبير ، فإن كسرى من رسالة منك أقام الدنيا وأقعدها
فكيف إذا أخبرناه أنك تقول عنه أنه مقتول على يد إبنه "

فقال النبي ﷺ في كل هدوء وثقة :
نعم أخبراه ذاك عني .
وقولا لباذان إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى وينتهي إلى الخف والكراع .
"أي كل البلاد التي تحت سيطرته ستكون تحت سلطة النبي ﷺ حتى الأنعام والمواشي"
وقولا له : إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك .

في الطريق قال أحدهما للآخر إن صدق فهو حقاً رسول من عند الله .
وصل الجنديان إلى "باذان" ملك اليمن وأخبره برسالة النبي ﷺ
قالا له : إن للرجل هيبة لا يجرؤ أحد أن يدنو منه .
إذا حدثنا ترتعد فرائصنا .
وقد أخبرنا أن ربه قد قتل ربنا
وأن إبنه "شيرويه" قد إعتدى عليه فقتله وأن إبنه قد انتزع الملك منه ....
قال باذان إن كان نبيا حقا فسيكون ما قال ...
ننظر فإن صحت أخباره آمنا به واتبعناه ..

وما لبث أيام حتى جاءه خطاب من "شيرويه" إبن كسرى الزعيم الجديد في بلاد فارس
إلى "باذان" عامله على اليمن .
يقول فيه إنه قد قتل أباه أبرويز ...
لأن أبرويز قد قتل الكثير من أشراف فارس ...
ويطلب منه بيعة أهل اليمن .
فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه "أي النبي" فلا تزعجه حتى يأتيك أمري ...
يظن أن باذان قد قبضه لا ترسله إلى دعه عندك"

وعلم "باذان" الليلة التي قتل فيها "أبرويز"
فوجد أنها هي نفس الليلة التى أخبر عنها النبي ﷺ .
فأيقن أنه رسول الله وأن الذي أخبره هو وحي من عند الله تعالى ....
لأن المسافة بين المدينة والمدائن هائلة وبعيدة...
ويستحيل على أهل هذا الزمن بأي صورة من الصور أن يعرفوا الأحداث التي تحدث في بلد آخر إلا بمعجزة خارقة .
وهنا أخذ "باذان" قرار الإسلام فوراً
أسلم "باذان" من معجزة إعلامية للنبي ﷺ .
وأسلم أبناؤه وأسلم كل الفرس تقريباً في اليمن .
وأسلم الرسولان اللذان بعثهما باذان إلى رسول الله .
ثم أسلم بعد ذلك كثير من أهل اليمن .
وكان إسلام اليمن إضافة كبيرة جداً لقوة المسلمين .

أما كسرى فارس الجديد "شيرويه" فلم يفكر في الإسلام
وظلت العلاقات بين الدولة الإسلامية والفارسية متجمدة .
إلى أن بدأت المواجهات بين الدولتين في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين وجزاه ربنا خير الجزاء على ما قدموا للإسلام والمسلمين وجمعنا بهم في جنات النعيم.
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٠‏/٧‏/٢٠٢١ ٧:١٠ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و الثمانون بعد المائة 179
المقوقس حاكم مصر .

كان "المقوقس" مسيحيا وتابعآ للإمبراطورية الرومانية .

نأخذ صورة عن حال مصر
فعندما نقول : "القبط" في مصر
لم تكن مصر من "العرب" يعني الأقباط لم يكونوا من العرب
والذي قرأ التاريخ يعرف تماماً هذا الكلام ولا يستغربه ....
فكان الذين يسكنون مصر أقباط وليسوا من العرب ....
وكيف أصبحت مصر عربية ومن أكبر دول العرب ؟؟
بعد فتحها على يد "عمرو بن العاص" رضي الله عنه وسكنها الصحابة رضي الله عنهم
وأصبح بين أهل مصر والصحابة رضي الله عنهم من العرب مصاهرة فكثرت العرب فيها وأصبحت عربية ...
نحن نتكلم عن مصر في عهد النبي ﷺ

اما الآن فمصر هي من أهم دول العرب بل تسمى أم العرب.

وكانت لغة أهلها "اللغة القبطية" اللغة الأم قبل الفتح الإسلامي
وكان لهم دراية باللغة العربية
وعندما انتشر الإسلام في مصر وانتشار الصحابة رضي الله عنهم فيها تغلبت اللغة العربية فيها وانتشرت فأصبحت اللغة العربية "لغة القرآن" هي اللغة الأم في مصر ....
أما اللهجة العامية "اللهجة المصرية" جاءت من تأثرها مع بعض اللغات .
فأشربت العربية بلغات أخرى مع أن مصر أصبحت لغتها الأم هي العربية .
ولكن بقيت متأثرة
باللغة القبطية ، والإنجليزية واليونانية ، والتركية ، والفارسية ، والإيطالية ، والفرنسية ...
وذلك بسبب موقعها بين القارات أسيا وإفريقيا ...

كان الأقباط في مصر وعظيمهم "المقوقس" يدينون بالنصرانية .
فخاطبهم ﷺ بالصيغة التي خاطب فيها عظيم الروم "هرقل" لأنهم أهل كتاب .

والذي حمل الرسالة هو "حاطب بن أبي بلتعة" رضي الله عنه .
وعندما توجه "حاطب" إلى مصر ، وجد "المقوقس" قد رحل إلى الإسكندرية "مقر حكمه"
فتوجه إليه وسلمه رسالة النبي ﷺ .
وكان نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم .
من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط .
سلام على من اتبع الهدى .
أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام . أسلم تسلم .
يؤتك الله أجرك مرتين .
فإن توليت فإنما عليك إثم القبط .

[[ تماماً كما قال لهرقل عظيم الروم .
الأجر الأول إيمانك بالمسيح عيسى عليه السلام وإتباعك له

والأجر الثاني إيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعك له

ثم ختم الرسالة بالآية الكريمة كما ختمها لقيصر ...
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .

يقول حاطب رضي الله عنه : عندما أعطيته الرسالة قرأها وأمعن النظر فيها
وأعاد القراءة أكثر من مرة
ثم طوى الرسالة وقبلها ووضعها في قطعة من حرير ...
ثم وضعها في صندوق وأمن عليها جارية خاصة له مقربة له بالقصر .
وأمر أن يجهز لي مكان للراحة في قصره .
يقول حاطب رضي الله عنه فبعد أن أخذت راحتي دعاني لمجلسه وقد جمع عنده أكابر حاشيته
ثم قال لي : إذا كان صاحبك كما تقول نبي...
والنبي مؤيد من ربه ...
قال حاطب : نعم .
فقال المقوقس : إذآ ما منعه إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده مكة إلى غيرها أن يهلكهم الله فلا يبقى له عدو .
فقال له حاطب رضي الله عنه بكل هدوء
قال : ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله ؟
قال : بلى .
قال حاطب رضي الله عنه فماله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه ويصلبوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى .
لكنه صبر حتى رفعه الله إليه ؟
فتبسم المقوقس وقال : أحسنت جواباً .
أنت حكيم جاء من عند حكيم

ثم قال : لقد قرأت الرسالة وفهمتها فأمهلني الآن ...

يقول حاطب رضي الله عنه فمكثت عنده ثلاثة أيام لم يراجعني بشيء فلم يقرب ولم يبعد .
"يعني لم يعلن أنه يريد أن يسلم ولم يرفض"
ثم دعاني بعد ثلاثة أيام إلى مجلسه ....
وأخذ يسألني عن الإسلام ، ويسأل عن النبي ﷺ ...
ثم قال المقوقس لي هذه صفته .
وكنت أعلم أن نبياً قد بقي وكنت أظن أن مخرجه بالشام .
فأراه قد خرج من أرض العرب

ثم دعا كاتبه وكتب إلى النبي ﷺ
وهو الوحيد الذي رد على النبي برسالة
نص الرسالة :
لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط .
[[ لم يقدم اسمه على إسم النبي ]]
سلام عليك .
أما بعد
فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه .
وقد علمت أن نبياً قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام .
[[ أي من بني اسرائيل ]]
وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم .
وكسوة وقد أهديت لك بغلة تركبها والسلام .

أرسل المقوقس الهدايا للنبي ﷺ .
منها جاريتين
"مارية القبطية" التي تزوجها النبي ﷺ التي أنجبت له "إبراهيم " عليه الصلاة والسلام

"و سيرين" التي تزوجها "حسان بن ثابت" رضي الله عنه.

نكمل بمشيئة الله تعالى تفاصيل الهدايا ونتائج هذه الرسالة للمقوقس ..
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...











[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقه الثمانون بعد المائة 180
هدايا المقوقس للنبي ﷺ .
وزواجه من مارية القبطية

اقتنع "المقوقس" بالإسلام وأيقن بنبوة النبي ﷺ لكنه لم يدخل في الإسلام ....
يقول حاطب رضي الله عنه أرسل معي المقوقس هدايا للنبي ﷺ .

١ - الجاريتان"
مارية القبطية رضي الله عنها أنجبت "إبراهيم عليه الصلاة والسلام... ابن النبي ﷺ

لأن النبي ﷺ تسرى بها
والتسري هو أن يجعلها زوجة ولكنها ليست حرة .
و للتنبيه :
الإسلام لم يبتدع التسري على الإطلاق
التسري كان معروفا في كل الأمم قبل الإسلام .
فقد ورد أن "إبراهيم عليه السلام" تسرى بهاجر التي وهبه إياها ملك مصر .
فولدت له إسماعيل عليه السلام

فهو ليس من اختراع الإسلام كما يريد الأعداء
بل جاء الإسلام ووضع شروط ونظام للتسري وحفظ حقوقهم

تسرى النبي ﷺ بمارية القبطية
فقد عرض عليها ﷺ الإسلام فأسلمت ....
فأراد أن يعتقها ثم يخطبها ثم يضمها إلى أمهات المؤمنين ويتخذ لها حجرة .
فحرجته بغاية الأدب
وقالت يا رسول الله لقد تربيت على الرهبانية عند القبط حتى اتقنت ديننا .
فألفت نفسي الرق والعبودية وأخشى أن لا أكون بمستوى الأحرار ...
فإني أكون أقرب لخدمتك وأنا أمة...
فتسرى بها وهي أمة...
فحملت بمولود لرسول الله وهو "إبراهيم عليه السلام " الذي ولد وعاش 18 شهر .
فلما بدأت تظهر صفاته الخلقية كان أشبه الناس خلقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا يستطيع أحد أن يفرق بين صورة وجهه وصورة وجه أبيه النبي ﷺ .
لكنه مات في عام والنصف فقط
وفي شرعنا وقد قلنا أن الإسلام جعل شروط للتسري
ومن تلك الشروط
الأمة المملوكة الرقيقة إذا أنجبت غلامآ فإن إبنها يحررها ....
فلما أنجبت "مارية" مولودها للنبي ﷺ .
فلم تعد "مارية القبطية" أمة وإن كانت هي تريد أن تبقى أمة
فأصبحت حرة
ومادامت هي أم "ابراهيم" ابن النبي ﷺ فهي "أم للمؤمنين" رضي الله عنها

هل يطلق على "مارية" لقب أم المؤمنين ام لا يطلق لأنها أمة .
البعض يقول لا يطلق عليها لقب أم المؤمنين لأنها أمة
وقد فاتهم أن الأمة وإن لم تكن زوجة النبي ﷺ
أي أمة أنجبت لزوجها غلاماً يحررها وتصبح حرة .

وهذا حكم شرعي أجمع عليه جميع المذاهب..... السلف والخلف ليس عليه خلاف على الإطلاق .
فلذلك نقول : أم المؤمنين "مارية القبطية" رضي الله عنها
والذين يتمسكون برأيهم وينكرون لها هذه الصفة وأنها جارية .
إليهم هذا الحديث في صحيح البخاري رحمه الله
"عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت . والله ما ترك رسول الله ﷺ عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة .

توفت مارية رضي الله عنها بعد النبي ﷺ في عهد عمر بن الخطاب .
ودفنت بالبقيع بجانب ولدها إبراهيم ابن النبي ﷺ .

والجارية الثانية معها هي اختها "سيرين"
كان مقوقس القبط قد رباهما في قصره وتعلمتا دين النصرانية
كانتا مقربتان إليه لم يربيهما ويعتني بهما ليرسلهما في الآخر إلى النبي ﷺ .
ولكن عندما قرأ الرسالة رأى أن خير ما عنده يقدمه للنبي صلى الله عليه وسلم هو هاتين الجاريتين .
هذا في الظاهر ....
وفي الحقيقة كما قال ﷺ عنه عندما قرأ حاطب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم رسالة المقوقس .
تبسم النبي ﷺ ضاحكاً
وقال لاصحابه رضي الله عنهم ثعلب مراوغ .
وتأتي صدق نبوته ﷺ .
ويبقى المقوقس على النصرانيه حتى تأتي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
يأمر بفتح مصر علي يد "عمرو بن العاص" ويولي عمرو بن العاص أميراً على مصر ، ويموت هذا المقوقس في ولاية عمرو بن العاص ولم يسلم ....

فعندما أرسل المقوقس الجاريتين كهديتين
في الظاهر تكريمآ للنبي ﷺ .
أما في الحقيقة أرسلهما عيون له
مادام جاريتان ستكونان في بيت النبي ﷺ فتكونا عينا للمقوقس في بيت النبوة .
فهو بيت المسلمين الأول ليعلمنَّه ماذا يدور من تدريب أو ترتيب للمستقبل أو سياسة .
ولم يكن بحسبانه أنهما ستسلمان وتكونا من خيار الصحابة رضي الله عنهم
فالأولى "مارية" أصبحت أم للمؤمنين .
والجارية الثانية "سيرين" أخت مارية أهداها النبي ﷺ إلى شاعره الأنصاري "حسان بن ثابت" رضي الله عنه فأعتقها حسان وتزوجها وأصبحت صحابية جليلة رضي الله عنها

مارية وأختها سيرين ولدتا في محافظة "منيا"في صعيد مصر وكانتا من كبار عائلات الأقباط المصريين آنذاك
وسلبهما المقوقس هي وأختها سيرين من أهلهما الذين كانوا من أعيان المصريين .

يقول المقوقس في الرسالة : "وأرسلت لك جاريتان لهما مكان في القبط عظيم"
فمارية من صميم مصر وذلك يعني أن أهل مصر "أخوال إبراهيم " ابن النبي ﷺ .

الهدية الثانية .
وأهدى للنبي ﷺ "طبيب مخصي"
يعني كان "عبد مخصي"
وكانوا قديماً السادة يخصون العبيد
والخصي هو إزالة الرجولة منه فلا يستطيع الأقتراب من النساء حتى يأمنوا عليه أعراضهم في القصور "
كان طبيب خصي وقد تعلم الطب وبرع فيه
فأرسل المقوقس للنبي ﷺ
"طبيب وجاسوس في آن واحد"
فممكن أن يضعه النبي صلى الله عليه وسلم في بيته
"هذا كان تفكير المقوقس فيكون عين أخرى له"
فماذا صنع النبي ﷺ ؟؟
قبل كل الهدايا
ولكنه قال للطبيب بعد أن أكرمه واستضافه .
قال له ارجع لصاحبك وقل له .
إنا معشر أمة لا نأكل حتى نجوع . وإذا أكلنا نقوم دون الشبع .
فلا نحتاج لطبيب .
"فإن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء"
في كل أدب وتقدير أعطانا درس في السلوك
"ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"
رأى النبي ﷺ يوماً أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها وقد أكلت يوماً مرتين .
تقول رضي الله عنها والحديث في "صحيح مسلم"
قالت: فوكزني بأصبعه في بطني
وقال ليس لك همٌّ إلا بطنك يا عائشة ؟
"الطبيب المخصي رده النبي ﷺ

الهدية الثالثة .
ألف مثقال من "الذهب الخالص" وزعها النبي ﷺ فوراً على فقراء المسلمين ....
أمام عين الطبيب المخصي
حتى إذا مارجع ينقل ما رأى إلى صاحبه المقوقس النبي ﷺ لا يحتاج إلى مال .

والهدية الرابعة .
بغلة شهباء .
ومعنى شهباء "أي لونها أبيض "
سأل المقوقس حاطب رضي الله عنه ماذا يركب نبيكم إذا أراد التنقل ؟؟
قال : يركب ما تيسرله ، يركب الفرس أحيانا ، ويركب الجمل أحيانا ويركب الأتان أي [[ انثى الحمار ]]
فعلم المقوقس أنه لا توجد بغال عند العرب ..
يجعلون الجماع والمعاشرة بين "الأتان و الحصان"
فيأتي المولود بغل لا هو لأبوه ولا لأمه
فأرسل المقوقس له بغلة بيضاء
وكانت غريبة واستغربها الصحابة رضي الله عنهم أي نوع من الدواب هذا ؟؟
فأوضح لهم النبي ذلك
فقال علي رضي الله عنه: _ لو حملنا الحمر على الخيل لكان لنا مثل هذه ....
"يعني جعلنا الحمير تعاشر الخيل سيكون لنا مثل هذه البغلة"
فقال النبي ﷺ : إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون .
وسماها النبي ﷺ دلدل "أي البغلة"
وكان من خلقه صلى الله عليه وسلم أن يسمي كل شيء له به علاقة .
يسمي ثيابه ، سلاحه ، يسمي دوابه ، كلنا نعرف أن اسم دابته "القصواء"
فسمى البغلة "دلدل" وكان يركبها دائما في داخل المدينة

الهدية الخامسة .
"زق من عسل"
والزق هو جلد الشاة المذبوحة منزوع منه الشعر .
مدبوغ بطريقة معينة يجعلوه وعاء للمواد السائلة اسمه "زق"
أرسل له زق من عسل وهو من أطيب أنواع العسل
من مدينة اسمها "بنها" من صعيد مصر تبعد عن القاهرة 45 كم تقريباً
هذه المدينة شبه جزيرة لأن المياه تحيط بها من الشرق والغرب والجنوب .
ثمارها وخيراتها كثيرة و إلى يومنا هذا مشهورة بالعسل وذلك لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها
وما كانوا على عهد النبي ﷺ يعرفون الغش مثل أيامنا ما يطعموا النحل سكر ما كان عندهم سكر .
فكان من ألذ أنواع العسل حتى أن النبي ﷺ أحبه كثيراً حتى أنه دعا في عسل "بنها" بالبركة
وإلى يومنا هذا إخوانا في مصر يعرفون أن "بنها" مشهورة بالعسل .

الهدية السادسة .
ثياب من نسيج قطن مصر ومعها "بسط" أي قطع سجاد للأرض
فنظر إليها النبي ﷺ .
وكلما وجد صورة صليب في الثياب أو البسط أتلفها فوراً
وأبقى التي ليس عليها صور استعملها ولبسها .

الهدية السابعة .
بعض العود والمسك "أي الطيب ما نسميه العطر" استخدمه ﷺ جميعا

وسأل المقوقس "حاطبا" رضي الله عنه عن النبي ﷺ .
قال يا حاطب : هل يكتحل نبيكم ؟
فقال له : نعم وينظر في المرآة ويرجل شعره .
ولا يفارق خمسآ في سفر كان أو في حضر :
وهي المرآة والمكحلة والمشط والمسواك والمدرى
"المدرى عود رفيع ، يفرق به بين شعر الرأس ويحك به لأن حكه بالأصبع يخرب الشعرة ويلويها"
فأرسل له المقوقس :
مربعة "نسميها علبة" ليضع فيها المكحلة وقارورة الدهن والمشط والمقص والمسواك .
ومكحلة من عيدان شامية ومرآة ومشطا .
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها
قالت : سبع لم تفارق رسول الله ﷺ في سفر ولا حضر .
القارورة التي يكون فيها الدهن "علبة العطر"
و المشط . والمكحلة . والمقراض "المقراض أي المقص" والمسواك . والمرآة .
وفي رواية أخرى زاد بعضهم "والإبرة ، والخيط"

نرجع الى ام المؤمنين "مارية" رضي الله عنها
تسرى بها النبي ﷺ وهي أمة وأسكنها في دار الحارث "أي في جوار المسجد" لأنها ليست أم للمؤمنين الآن .
فلم يحب أن يضع لها حجرة بين أزواجه رضي الله عنهن
وأراد أن يبعدها شيئاً ما عن السيدة عائشة رضي الله عنها "شديدة الغيرة" حتى لا تراها
وتقول عائشة رضي الله عنها : ما ادخلت علي زوجة من أزواج رسول الله ما ادخلته مارية القبطية .
مع أن النبي ﷺ لم يقسم لها ليلة كباقي زوجاته ومع هذا تقول عائشة رضي الله عنها
"ما ادخلت علي زوجة من أزواج رسول الله ما ادخلته مارية القبطية"
لكن عندما شاع الخبر الذي أبهج المدينة كلها بأن "مارية" قد حملت من رسول الله
أمر رسول الله "حتى يبعدها أيضاً من عائشة رضي الله عنها " أمر أن يتخذ لها بيت في العوالي جهة مسجد قباء .
أبعدها هناك لأن النبي ﷺ يعلم أن النساء فطرهن الله على الغيرة ....
حتى إذا كمل حملها و وضعت إبنها "ابراهيم" عليه السلام
و من فرحة الصحابة رضي الله عنهم به يوم مولده أولم كل بيت في المدينة فرحاً بهذا المولود للنبي صلى الله عليه وسلم
لأن النبي ﷺ قد بلغ عمره هذا العام 60 .
وفرحة كبيرة أن يرزق بغلام بهذا العمر .
صلوات ربي وسلامه عليه .
وماهي إلا سنوات قليلة فتحت مصر في عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه بقيادة "عمرو بن العاص" رضي الله عنه .
ودخلت مصر ضمن الدولة الإسلامية .
حتى أصبحت من أهم الدول العربية والإسلامية وأخرجت للإسلام والمسلمون عمالقة وعلماء .
وكان للمصريين بصمات واضحة على جبين العلوم الشرعية عبر التاريخ الإسلامي .
فكان منها آلاف العلماء الأجلاء الذين ملأوا الدنيا نوراً وهداية
وكانوا منارات وقامات يشار إليهم إلى يومنا هذا .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والثمانون بعد المائة 181
رسالته ﷺ للنجاشي .

نختم حديثنا عن الرسائل برسالته ﷺ "للنجاشي" ملك الحبشة .
قبل ان نبدأ بالحديث يجب أن نتنبه لأمر مهم و موجود في كتب السيرة ....
نجد أن بعض كتب السيرة أخذوا بالرسالة الأولى "للنجاشي" الذي أسلم و آوى المهاجرين الأولين
وكان إيمانه على يد "جعفر بن أبي طالب" رضي الله عنه .

وبعضهم يذكر الرسالة ضمن الرسائل التي وجهها النبي ﷺ بعد "خيبر" ولو تمعنا بالرسائل نجد أن النبي ﷺ قد أرسل رسالتان لملك الحبشة .

الرسالة الأولى .
لم تكن دعوة إلى رجل غير مؤمن يدعوه فيها النبي ﷺ إلى الإيمان
ولكن كانت من باب أمانة التبليغ
فإن النبي ﷺ لم يدعوه مباشرة
ولكن بلغه أن النجاشي قد أسلم على يد "جعفر رضي الله عنه وآوى المهاجرين وأحسن إليهم .

والذي حمل الرسالتين الأولى والثانية رجل واحد وهو الصحابي "عمرو بن أمية الضمري" رضي الله عنه .

وللخروج من هذا الخلاف :
نقول : أرسله النبي ﷺ برسالتين كل رسالة في وقت فقبل أن يرسل الرسائل إلى الزعماء...
عندما أرسل إلى النجاشي يوكله أن يخطب له رملة بنت أبي سفيان أم حبيبة رضي الله عنها

أرسل له رسالة أي النجاشي المؤمن واسمه "أصحمة بن أبجر"
هذا الملك أسلم وحين بلغ النبي ﷺ موته قام و وقف على باب المسجد :
وقال ﷺ الصلاة على أخيكم ملك الحبشة أصحمة بن أبجر .
صلى عليه ﷺ صلاة الغائب في المدينة مع أصحابه رضي الله عنهم.

النجاشي رحمه الله كانت معاملته مع الذين هاجروا في قمة العطف والرحمة والعدل .
وشكر له النبي ﷺ ذلك

فكانت رسالتان :
١- للنجاشي المؤمن .

٢- للنجاشي الذي خلفه في الملك بعد موته ولم يؤمن .

الآن ننظر إلى نص الرسالتين لتتضح معنا الصورة ....

فكانت الرسالة الأولى للنجاشي المؤمن .
و انظروا إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الذي لم يعلم القراءة ولا الكتابة صلى الله عليه وسلم :
ولكن جل الله الذي قال في حقه:
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا .
انظروا كيف يخاطب الناس بما يليق بهم وبما يستحقون .
رجل قد أسلم "أي النجاشي" ولكنه لم يعلن إسلامه .

فانظروا كيف خاطبه النبي ﷺ
بسم الله الرحمن الرحيم .
من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة
سلامٌ عليك ...
لاحظوا اتذكرون الرسائل الاخرى ؟؟
سلام على من اتبع الهدى .
فهنا يقول له النبي ﷺ سلامٌ عليك .
أي أنت ممن اتبع الهدى

سلامٌ عليك .
فإني أحمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن .
وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ، ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة .
"البتول أي العفيفة و المنقطعة عن الرجال التي لا شهوة لها فيهم"
فخلقه كما خلق آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه .
"يُذكره إن كان تعجب الناس من خلق المسيح بلا أب ولكن له أم
فما رأيهم بخلق آدم بلا أب ولا أم ؟؟"

وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني فإني رسول الله .
"أي يا نجاشي لا يكفي الإيمان خذ التعاليم من الصحابة رضي الله عنهم الذين عندك فتتبعني"

وإني أدعوك وجندك إلى الله عز وجل .
"اي ليست الدعوة لك ولكن تكون أنت باب ليؤمن جنودك ورعيتك"

ولقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى .

لعل البعض يقف الآن عند كلمة
والسلام على من اتبع الهدى
وفي البداية قال له سلام عليك
فكيف نجمع بينهما ؟؟
في البداية إذا لاحظنا خاطب النجاشي
وفي اخر الرسالة قال له إني ادعوك وجندك فدخل فيها النجاشي وجنوده ورعيته .
لذلك قال والسلام على من اتبع الهدى .
اي السلام عليك وعلى من آمن معك من رعيتك يشمله سلامي
ولم يختم له الرسالة .
فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى كباقي الرسائل
ولم يختم له أيضآ بالآية كما ختمها لقيصر والمقوقس .
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .

قلنا إنه ﷺ ذكر في كتب السيرة رسالتين للنجاشي...

وقد وقع الإشكال عند كثير ممن كتبوا السيرة لأن حامل الرسالتين هو الصحابي نفسه "عمرو بن امية الضمري رضي الله عنه


الرسالة الثانية
التي أرسلها النبي ﷺ إلى النجاشي الآخر غير أصحمة بن أبجر....
فلقد مات أصحمة المؤمن وخلفه من بعده في ملكه نجاشي آخر ولكنه لم يكن مؤمن .
أرسلها مع الصحابي نفسه
"عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه

لنبين فيها ونوضح الإشكال :

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله الى النجاشي عظيم الحبشة .
"لم يذكر هنا اسمه أصحمة بن أبجر...

سلام على من اتبع الهدى .
"لم يقل له سلام عليك فقد ساواه مثل قيصر وكسرى"

وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً .
"ارأيتم فيها تنكيل بعقيدته لأنه لا يزال على الشرك"

وأن محمداً عبده ورسوله . أدعوك بدعاية الله .
"تماماً كما خاطب الملوك والعظماء"

فإني أنا رسول الله أسلم تسلم .
أرأيتم لم يقل لأصحمة أسلم تسلم" لأنه أسلم
ولكن هنا يقول أسلم تسلم

فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من قومك .
لاحظوا لماذا قال له من قومك ؟
لأنه هناك من آمن وأسلم من أهل الحبشة.... وهناك من لم يؤمن .
فلم يقل له عليك إثم أهل الحبشة فليس كل أهل الحبشة لم يسلموا .
لذلك قال عليك إثم النصارى من قومك .

ثم ختم الرسالة بالآية :
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .

الآن اتضحت معنا الأمور وهذا الإشكال بالرسالتين في كتب السيرة ...

الرسالة الأولى للنجاشي المؤمن وقد مات .

الرسالة الثانية للنجاشي الذي خلفه بالحكم ولم يكن مؤمن وراسله النبي ﷺ مع الملوك و لم يسلم .

هكذا ثبت أنه لم يسلم .

جاء في صحيح مسلم رحمه الله
عن أنس رضي الله عنه قال
إن النبي ﷺ كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار .
"ختم كلامه إلى كل جبار لأنهم كلهم لم يسلموا"
وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى .
وهذا النجاشي ليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي ﷺ المعروف بأصحمة بن أبجر
هذا نص حديث أنس رضي الله عنه في صحيح مسلم رحمه الله

نرجع في حديثنا إلى النجاشي المؤمن ...
بعث إليه النبي ﷺ وكان المهاجرون عنده في الحبشة
قبل أن يرسل لزعماء الأرض الرسائل وقبل صلح الحديبية
أرسل له هذه الرسالة التي ذكرناها ومعها رسالة أخرى تكلف النجاشي رحمه الله بأن يزوجه برملة بنت أبو سفيان "أم حبيبة" رضي الله عنها برسالة أخرى .

إذآ كتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام من باب الإتباع والأمانة..
وفي الآخر يطلب منه أن يزوجه أم حبيبة رضي الله عنها
فلما وصله الكتابين أخذهما النجاشي وقبلهما ووضعهما على رأسه وعينيه .
ونزل عن سريره تواضعآ وأمر أن تحفظ الرسالتين بقطعة من حرير .

هكذا نكون قد إنتهينا من أبرز الرسائل ...

هنالك رسائل أخرى ولكن يكفي هذا القدر وقد كانت كلها رسائل خير أدخلت أقوام في دين الله عزوجل بفضل الله و رحمته..... وحكمته ﷺ .
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[١٣‏/٧‏/٢٠٢١ ١٢:٠٥ م] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والثمانون بعد المائة 182
غزوة ذات الرقاع...والسرايا

غزوة "خيبر" والتي انتهت بانتصار ساحق للمسلمين وهزيمة منكرة لليهود ....
وتخلص النبي ﷺ من اليهود الذين قاموا بتجميع الأحزاب على المدينة المنورة .
واستطاع قبل خيبر أن يدخل مع قريش في صلح "الحديبية"
والتي في بنودها وقف القتال بين المسلمين وقريش عشر سنوات
وبدأت أعداد كبيرة من العرب في الدخول في الإسلام وأخذت قوة المسلمين تكبر وتنمو فالله الحمد

قبيلة "غطفان" كم مرة غدورا بالمسلمين ؟؟
ثم كان لهم الدور الأكبر في غزوة "الأحزاب" حين حاصروا المدينة 6 آلاف مقاتل
وكانوا على وشك الإشتراك مع اليهود في خيبر .

غطفان هي مجموعة كبيرة من القبائل الشرسة المرتزقة الذين يعيشون على السلب والنهب وقطع الطرق .
لم ينسى لهم هذه المواقف ﷺ من الغدر .

ولذلك قرر ﷺ تأديب "غطفان" وبعض القبائل التي تأمرت على المدينة ... فلم تكن هناك لحظة ضائعة في حياة النبي ﷺ . وحياة هذا الجيل من الصحابة رضي الله عنهم....
هذا يفسر لنا الكم الهائل من الأحداث والإنجازات التي وقعت في تلك الفترة القصيرة...

كان النبي ﷺ قد سمع أيضآ بإجتماع قبيلتين من غطفان
وهي "بني أنمار" و "بني مُحارب" وأنهم يريدون الإغارة على المدينة ....

فخرج ﷺ بنفسه إلى ديار "غطفان" بجيش قوامه 700 مقاتل .
هو عدد قليل نسبياً في مواجهة "غطفان" لأن النبي ﷺ لم يكن يريد ترك المدينة بلا جيش يحميها ....
ولم يكن مع المسلمين سوى 60 أو 70 بعير ....
فكان كل ستة من الصحابة رضي الله عنهم يتناوبون ركوب البعير الواحد ....
وسار الرسول ﷺ مسافة كبيرة بجيشه في عمق الصحراء وتوغل حتى بلغ ديار "غطفان" وهي إلى الشمال الشرقي من المدينة المنورة على مسافة حوالي 300 كم تقريباً من المدينة المنورة .
وهذه المسافة كبيرة جداً
والصحابة رضي الله عنهم يسيرون على أقدامهم حتى بليت نعالهم وتلفت أقدامهم وسقطت أظافرهم وأخذوا يلفون الخرق وقطع القماش على أقدامهم .

لذلك سميت هذه الغزوة *ذات الرقاع .
وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى ديار "غطفان" كانت الظروف كلها في صالح غطفان .
فأعدادهم كبيرة والمعركة في ديارهم وفي الطرق والدروب التي يعرفونها جيداً

والمسلمون أعدادهم قليلة وهم قادمون من مسافة بعيدة ومرهقون وقد تلفت أقدامهم من السير في الصحراء رضي الله عنهم...
ومع كل هذه الظروف التي في صالح "غطفان"
فقد أصابها الرعب وانسحبت من أمام المسلمين...

لم تكن هذه المرة الأولى التي ينسحب فيها أعداء المسلمين خوفا منهم ...
وكان ذلك توفيقاً من الله تعالى
لذلك كان يقول الحبيب المصطفى ﷺ : نصرت بالرعب مسيرة شهر .


وهذا هو الإعداد الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم لا كما يفهمه الناس اليوم ....
قال تعالى .
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ .

الإعداد الحقيقي هنا القوة الإيمانية ومعطوف عليها رباط الخيل هو السلاح ....
فالمؤمن الحق صاحب الإيمان الصادق الذي يقفو أثر رسول الله ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم
إيمانه يهز قلوب الأعداء وأذنابهم وشياطينهم وله رهبة في قلوبهم .
هذا ما يخيفهم ويرعبهم ....

كيف يصل المؤمن لهذا الإيمان ؟؟
بإتباع سنة الحبيب المصطفى ﷺ وتعلم سيرته وسيرة الصحابة رضي الله عنهم ونهج منهجهم والثبات عليه....

عاد المسلمون إلى المدينة دون قتال.....
وكان ﷺ في هذه الغزوة "ذات الرقاع" قد كسر الجناح الثالث ممن اشتركوا في غزوة الأحزاب :
١- اليهود الذين حزبوا الأحزاب .
٢- وقريش التي اشتركت بأربعة آلاف مقاتل.
٣- ثم غطفان التي اشتركت بستة آلاف مقاتل .

ولم ينتهي الأمر عند رسول الله ﷺ في هذه الغزوة .
بل أرسل 6 سرايا متتالية إلى قبائل غطفان وغيرها .

ولم تجتريء قبائل غطفان بعد غزوة "ذات الرقاع" وبعد هذه السرايا أن ترفع رأسها مرة أخرى أمام المسلمين .
بل استكانت شيئا فشيئا حتى استسلمت ثم أسلمت واحدة بعد الأخرى .

ونذكر بعض هذه السرايا بأختصار
١ - سرية غالب بن عبد الله الليثي . رضي الله عنه
إلى "بني الملوح"

هذه السرية قبل غزوة "ذات الرقاع"
وكان سبب السرية أن "بني ملوح" قد قتلوا بعض أصحاب ﷺ رضي الله عنهم.
فأرسل إليهم ﷺ "غالب بن عبد الله الليثي رضي الله عنه ومعه 17 رجل رضي الله عنهم.
فوصلوا إليهم قبل غروب الشمس .
فلما كان الليل أرسلوا أحد الصحابة رضي الله عنهم و اسمه "جندب الجهني رضي الله عنه ليستطلع الأمر فبينما هو منبطح خرج رجل من القوم من خيمته
فقال لأمرأته إني أرى على التل سوادا "أي خيال" لم أره في أول يومي ....
فانظري إلى أوعيتك لعل الكلاب تكون قد جرت منها شيئا .
فنظرت ثم قالت : ما فقدت من أوعيتي شيئا .
فقال لها : ناوليني قوسي وسهمين .... فأرسل أحد السهام فأصابت "جندب رضي الله عنه فانتزعه جندب وثبت مكانه لا يتحرك .
فأرسل سهم آخر فوقع في منكبه فانتزعه وثبت مكانه ....
فقال الرجل لأمرأته لو كان ربيئة للقوم لتحرك .....
"الربيئة هو العدو الذي يراقب من بعيد"
لقد خالطه سهمان ولم يتحرك رضي الله عنه...
فإذا أصبحت فأتى بالسهام لا تمضغها الكلاب ....
ثم دخل إلى خيمته مرة أخرى
فلما اطمأنوا وناموا شن المسلمين عليهم الغارة في الليل وقتلوا منهم من قتلوا وساقوا الأنعام
ثم طاردهم عدد كبير من "بني الملوح" حتى إذا قربوا من المسلمين ....
نزل سيل عظيم ولم يكن في السماء سحابة واحدة ....
وكان بين الفريقين وادي فامتلأ الوادي بالماء فحال بين الفريقين ....
ونجا المسلمين من مطارديهم وشاهد الأعداء المسلمين وهم يسوقون أنعامهم متوجهين إلى المدينة المنورة ولم يستطيعوا الإقتراب منهم .

٢ - سرية أبو بكر الصديق . رضي الله عنه .
إلى {{ بني فزارة }} يتبعون لغطفان .
وقد أغاروا عليهم بعد صلاة الفجر و غنم منها المسلمون ورجعوا .

٣ - سرية عمر بن الخطاب . رضي الله عنه .
إلى "هوازن"
أرسل النبي ﷺ "عمربن الخطاب رضي الله عنه ومعه 30 رجلاً إلى هوزان .
فلما وصل الخبر إلى "هوزان" هربوا جميعاً من الخوف
فلما وصل "عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكان لهم اسمه "تُربَة" لم يجدوا أحد منهم .
فانصرفوا راجعين إلى المدينة...

٤ - سرية غالب بن عبد الله الليثي . هذا الصحابي رضي الله عنه خرج على رأس سريتين ذكرنا الأولى وهذه الثانية .
أرسله ﷺ إلى "بني عوال" و "بني عبد بن ثعلبة" في ناحية نجد .
وكان معه 130 رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم
فهجموا عليهم جميعاً وقتلوا جمعآ من أشرافهم واستاقوا الأنعام والشاة .... ولم يأسروا أحداً...
وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما الرجل الذي قال: لا إله إلا الله
يقول أسامة رضي الله عنه كان رجل من القوم اسمه "نهيك بن مرداس" إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا "يقاتلهم بقوة وشجاعة"... فعندما انهزموا
يقول أسامة رضي الله عنه فتبعته أنا ورجل من الأنصار فرفعت عليه السيف
فقال : لا إله إلا الله .
فكف الأنصاري "أي توقف عن قتله"
يقول أسامة رضي الله عنه فطعنته برمحي حتى قتلته .
"لما وجد هذا الرجل أنه سيقتل قال : لا اله إلا الله .
كي لا يقتله أسامة رضي الله عنه ولكن أسامة بن زيد قتله"

يقول أسامة رضي الله عنه ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام .
"شعر أسامة رضي الله عنه أنه قام بفعل منكر نفسه تلومه حتى لم يستطيع أن يأكل من الهم"
فلما قدمت المدينة استقبلني رسول الله ﷺ وقبلني واعتنقني .
"لأن أسامة رضي الله عنه يعتبر عند رسول مثل إبن إبنه
"أبوه زيد بن حارثة" تربى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم

وكان يطلق عليه زيد بن محمد
فأبطل الله التبني ولكن بقيت المشاعر كما هي

وكان النبي ﷺ إذا بعث "أسامة بن زيد رضي الله عنهما يسأل عنه أصحابه ويحب أن يُثنى عليه خيراً
"كان يحب رسول الله ﷺ أن يسمع أخبار أسامة رضي الله عنه بالقتال وأنه قام بأعمال بطولية إيمانية "
فلما رجعوا لم يسألهم عنه
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم يحدثون رسول الله ﷺ عن أسامة رضي الله عنه وبطولته لأنهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يثنى عليه خيرا
واسامة بن زيد كان في مقتبل العمر شاب صغير .
قالوا : يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة رضي الله عنه ولقيه رجل : فقال الرجل "لا إله إلا الله" فشد عليه أسامة فقتله .
"هم يظنون أن هذا العمل بطولي لأسامة رضي الله عنه
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ رفع رأسه الشريف ونظر إلى أسامة رضي الله عنه مغضبآ
وصاح بأسامة رضي الله عنه وقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟؟
فقال أسامة رضي الله عنه إنما قالها خوفا من السلاح .
"أي لم يؤمن.... قالها خوفا"
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : فهلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب‏ ؟‏‏
فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟
أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟
أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟؟
قال أسامة رضي الله عنه فما زال يكررها على حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم .
"يعنى تمنى لو كان قد أسلم بعد هذا اليوم لأن الإسلام يجب ما قبله"
رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين...

✨✨✨✨✨✨
يتبع إن شاء الله عمرة القضاء
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.....










[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة والثمانون بعد المائة 183
عمرة القضاء .

تحدثنا عن الحديبية من السنة السادسة من الهجرة في ذي القعدة انتهى الأمر بعقد "صلح الحديبية" مع قريش وكان أحد بنود هذا الصلح هو :
ألا يدخل المسلمون مكة لأداء العمرة هذا العام .
على أن يعودوا في العام المقبل لأداء العمرة ويدخلون مكة بسيوفهم فقط والسيوف في القرب .
ويظلون في مكة ثلاثة أيام فقط ثم يخرجوا بعد ذلك .
وتترك قريش لهم مكة هذه الأيام الثلاثة ....
وكان هذا البند من بنود الصلح هو أهم بند عند قريش .
"لأن دخول المسلمين لأداء العمرة كان من وجهة نظرهم سيهز هيبتهم ويكسر كبريائهم في الجزيرة العربية .
بينما كان هذا البند في صالح المسلمين لأنهم وإن عادوا عامهم هذا فهم سيأتون العام القادم وتترك لهم قريش مكة .
فيضمن المسلمون ألا يحدث احتكاك مع قريش .
وبذلك يؤدي المسلمين عمرتهم في هدوء وبدون منغصات .
ومر عام على "صلح الحديبية"
وفي ذي القعدة من السنة السابعة أعلن النبي ﷺ أنه سيخرج لأداء العمرة .
وأمر النبي ﷺ ألا يتخلف عنها أحد شهد الحديبية ....
وكانت أول عمرة يقوم بها ﷺ

كم عمرة اعتمرها النبي ﷺ
النبي ﷺ قد حج حجة واحدة حجة الوداع .
واعتمر أربع عمرات :
١- عمرة الحديبية .
وقد ذكرناها لم يدخل مكة
ولكن احتسبت عمرة لأنهم احصروا فقد وقع أجرهم على الله .
لقوله تعالى :
وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ .
فالعمرة معقودة ومحسوبة وإن لم تكن تمت بشعائرها .

٢ - عمرة القضاء "موضوعنا اليوم"
يقال لها عمرة القضية ...
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشآ عليها أي صالحهم عليها . ومن ثم قيل لها عمرة الصلح ويقال لها عمرة القصاص .
ولكن اشتهرت بعمرة القضاء .

٣- بعد فتح مكة عندما رجع من "غزوة حنين"

٤ - عمرة مقرونة بحجه ﷺ في "حجة الوداع"
فكانت له صلى الله عليه وسلم أربع عمرات وحجة واحدة

خرج ﷺ ومعه 2000 من الصحابة رضي الله عنهم
غير النساء والصبيان
وأحرم المسلمون من "ذي الحلفية" وهي المعروفة الآن "أبيار علي" وبدؤا التلبية .
وقلد وأشعر هديهُ....

ذكرنا من قبل قلد كانوا في الجاهلية يجعلوا شيء من جلد على عنق الناقة أو حذاء قديم ليعلم الناس أن هذا الإبل للهدي فلا يعتدي عليهم أحد .

نبينا ﷺ قلدها بطوق من خرز
والأشعار أن تجرح سنام الناقة جرح صغير وتأخذ من دمها وتدهن شعرها منه"

فقدم 60 ناقة هديً بالغ الكعبة على عدد سنين عمره ﷺ وقد بلغ في هذا العام من عمره 60 عاما .
وعندما حج كان 63 عام فنحر بيده الشريفة 63 بدناً مع أنه ساق معه 100 ناقة في حجة الوداع
فنحر 63 .
ثم قال قم يا علي فأتمم المئة .
فعد أبو بكر الصديق رضي الله عنه عدد الإبل التي نحرها النبي ﷺ
فقال : هذه آخر سنة في حياته ﷺ
"لأنه ألف النبي ينحر بعدد سنين عمره ﷺ"
فقدم 60 بدناً وأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يشتركوا في الهدي فكل خمسة في بدنة ...

واتجهوا إلى "مكة" وظلوا طوال الطريق من المدينة إلى مكة يلبون لمدة عشرة أيام كاملة هي المسافة من المدينة إلى مكة .

وعندما خرج ﷺ أمر أصحابه رضي الله عنهم أن يخرجوا بالسلاح الكامل .
وهي السيوف والرماح والسهام والدروع وغير ذلك
كما خرجوا بمائة فارس .
لم يخرجوا بالسيوف فقط وقد كان الإتفاق ألا يدخل المسلمون إلى مكة إلا بالسيوف فقط .
فقال له أصحابه رضي الله عنهم يارسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تشترط قريش أن نخرج للعمرة بسلاح المسافر ؟
وها أنت تخرج إليهم بسلاح الغازي ؟؟
فقال لهم : أن لا ندخل فيه الحرم فيكون قريب منا .
فإن هاجنا من قريش هيجٌ "الهيج إسم للحرب" كان سلاحنا وخيلنا قريبة منا .

النبي ﷺ كان حذر من قريش
فهي ما زالت على كفرها فمن الذي يضمن أنها لاتغدر ؟
فقدم مئة فارس مدججين بالسلاح ولكنهم محرمين
قال نضع السلاح والخيل بمر الظهران .
"ما نعرفه اليوم التنعيم"
فأخبرهم ﷺ أنه لن يدخل مكة بالسلاح وأنه سيترك هذا السلاح خارج مكة .
وبالفعل عندما اقترب ﷺ من مكة نزل بمر الظهران .
ترك السلاح باستثناء السيوف فقط .
وترك لحراسة السلاح 200 من الصحابة رضي الله عنهم بقيادة "محمد بن مسلمة رضي الله عنه

وبعد أن انتهى من العمرة تبادل هؤلاء الحراس أماكنهم مع مجموعة من المسلمين الذين أدوا العمرة .
وكان الهدف المعلن من إصطحاب السلاح :
١- هو الخوف من غدر قريش .
٢ - إظهار قوة المسلمين، وإلقاء الرهبة والخوف في قلوب قريش .

فلما اقتربوا من مر الظهران كانت هناك عيون لقريش ترصد الطريق ....
فلما نظروا من بعيد و رأوا الخيل والسلاح تتقدم في الأمام أسرعوا إلى قريش منذرين .
قالوا : قد قدم إليكم محمداً بسلاح الغازي لا بسلاح المسافر
فلما سمعت بذلك قريش فزعت واعتقدت أن النبي ﷺ جاء يغزوهم .
وقالوا : ما أحدثنا حدثا ففيم يغزونا محمد و أصحابه ؟

وأسرعت قريش وأرسلت "مكرز بن حفص" ومعه رجال من رجالات قريش .
وكان النبي ﷺ قد نزل "بمر الظهران" وأمر أن تبقى الخيل والسلاح هناك وأخذ يستريح استعداداً لدخول مكة .
فلما وصل "مكرز بن حفص" ورجال من قريش
وجد النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرم وأصحابه رضي الله عنهم محرمون .
والهدي مقلد ومشعر بين أيديهم والناس يلبون ولكن بجانبهم كان الخيل والسلاح .
فقال : والله يا محمد ما عُرفت صغيراً ولا كبيراً بالغدر فما هذا السلاح الذي نرى ؟
وقد شرطت على قريش أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر و السيوف في القرب .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أن لا ندخل عليكم الحرم بالسلاح ، ولكن يكون قريب منا . فإن هاجنا منكم هيج يكون قريب منا .
فقال له : هكذا عُرفت براً صغيراً وكبيراً لست بغادر
فحيهلا "أهلا وسهلاً "

فانطلق "مكرز" يطمئن قريش ويفتح له الطريق حتى لا يعارضه أحد .
وقال : إن محمداً لا يدخل بسلاح وهو على الشرط الذي شرط لكم .

فلما إقترب ﷺ من مكة لأداء مناسك العمرة .
قامت قريش بترك مكة كما الإتفاق في "الحديبية" هو أن تترك قريش للمسلمين مكة لمدة ثلاثة أيام هي مدة بقاء المسلمين في مكة .
وقلنا أن هذا البند فيه كسر لكبرياء قريش أكثر مما لو كانت قد سمحت لهم بأداء العمرة عندما جاءوا أول مرة في العام السادس .
لأن قريش ستترك بيوتها وتخرج من مكة وتبيت في شعاب الجبال المحيطة بمكة .
وهذا لم يحدث في تاريخ قريش من قبل .
فتركت قريش مكة للنبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم حتى لا يقع إلتماس من بعض سفهاء مكة
أو منافق بين صفوف المسلمين يستفز قريش فيقع بينهم حرب
هكذا خرج أهل مكة جميعاً إلى جبال مكة .

ودخل ﷺ مكة راكباً على ناقته "القصواء" و من حوله الصحابة رضي الله عنهم وهم يلبون في مشهد مهيب رائع
وكان يقود زمام راحلته ﷺ "عبدالله بن رواحة رضي الله عنه شاعره الأنصاري

فلما دخل ﷺ ونظر للجبال وعليها رجال قريش وكانوا قد أشاعوا مقالة :
سترون اليوم قوماً يطوفون بالبيت ، قد أوهنهتم حمى يثرب
"كانت المدينة المنورة مشهورة في الحمة.
يعني : قصدهم رجال ليس لديهم قدرة حتى لو قاتلناهم لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم قوم ضعاف أهلكهم المرض"
وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم ما تقوله قريش .

ولكن "عبدالله بن رواحة رضي الله عنه كان قبل أن يسمع هذه المقالة من قريش
عندما سمع النبي ﷺ يلبي وأمرهم أن يكبروا .
قال شعراً معتزاً بنبيه ﷺ ودينه .
قال :

خَلّوا بَني الكُفّارِ عَن سَبيلِهِ خَلّوا فَكُلُّ الخَيرِ في رَسولِهِ
قَد أَنزَلَ الرَحمَنُ في تَنزيلِهِ في صُحُفٍ تُتلى عَلى رَسولِهِ
بِأَنَّ خَيرَ القَتلِ في سَبيلِهِ
يا رَبُّ إِنّي مُؤمِنٌ بِقيلِهِ
أَعرِفُ حَقَّ اللَهِ في قَبولِهِ

فلما قال هذا الشعر وهو يقود زمام ناقة النبي ﷺ وكان بجانبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال عمر رضي الله عنه معترضاً يا ابن رواحة .
مه شعرٌ بين يدي رسول الله وهو محرم ملبي وقد أشرفنا على الحرم ؟
فقال النبي ﷺ :
إني اسمع ياعمر ، فخلي عنه .
والذي نفس محمداً بيده لشعره أسبق إلى قلوبهم من نضح النبل .
"يعني هذا الشعر سيرعب قلوبهم ويعطي المسلمون الهيبة أكثر من أن ترمونهم بالسهام"
أما بلغك يا عمر ما يقولون ؟
قال عمر : ماذا يقولون يارسول الله ؟
قال أتاني جبريل وأخبرني أنهم يقولون سيطوف اليوم بالبيت قوم أوهنتهم حمى يثرب . قل يا ابن رواحة .
فأخذ ابن رواحة يردد الشعر .

دخل النبي ﷺ مكة راكباً على ناقته وحوله الصحابة رضي الله عنهم وهم يلبون في مشهد رائع .
فلما دخل الحرم من جهة المسعى ونظر إلى الحرم
قال إيهاً يا ابن رواحة .
"يعني كفى توقف عن قول الشعر"
ومجد لنا الله .
قل : لا اله الا الله وحده . صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .
كلمات لها معنى عظيم وأصبحت شعار....
يعلن التوحيد رغم أنف قريش وتنكيلاً بآلهتم"
صدق وعده "لأنه وعدناوقال"
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ .
"فهذاالوعد قد أنجز "
ونصر عبده . لأن صلح الحديبية كان فتحا ونصرا .
وأعز جنده . أي المؤمنين لأن عزتهم ممتدة من الله .
وهزم الأحزاب وحده . يذكرهم بيوم الأحزاب وكيف هزمهم الله بالريح وهي جند من جنود الله تعالى.

فأخذ بن رواحة رضي الله عنه يقول والصحابة رضي الله عنهم يرددون خلفه
بصوت اهتزت له مكة كلها
لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .


تذكرون يوم الهجرة :
خرج ﷺ قبل سبع سنين مهاجرآ من مكة مع أبو بكر الصديق رضي الله عنه متخفياً .
ثم هاجر على ناقته القصواء .
واليوم يدخل مكة معتمراً على ناقته القصواء وحوله 2000 من أصحابه رضي الله عنهم يلبون ، ويكبرون ، على مسمع قريش .

انظروا وتفكروا سبع سنين فقط وقد جاء بدين جديد وبنى بهذا الدين قوة وعز...

رجع ﷺ بعد سبع سنين ليدخل مكة علناً في وضح النهار ملبياً مكبراً مذكرهم بهزيمتهم .
فلما اقترب من الكعبة نزل عن راحلته واقترب منها
وراع الصحابة رضي الله عنهم شي جديد الإحرام يعرف من أيام إبراهيم عليه السلام
أن يلبس الإنسان إزاراً ويضع على منكبيه رداء يستر كتفيه .
وإذا بالحبيب المصطفى ﷺ يكشف عن كتفه الأيمن ما يسمى بالإضطباع
وهو أن يجعل الرداء أسفل المنكب الأيمن وتبقى الكتف اليمنى مكشوفة .
وقال بصوت مرتفع ومسموع رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة .
"رد عملي على دعايتهم سيطوف بالبيت قوم أوهنتهم حمى يثرب"
فكشف عن كتفه وكانت رسالة الهدف منها هو إظهار قوة المسلمين.

ثم دنى ﷺ واستلم الركن
ثم رأوا شيئا جديداً من رسول الله ﷺ .
الناس تطوف مشياً حول الكعبة وللمرة الأولى يستلم النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود ويقبله ثم يرمل رملا "هرولة"
وأمر النبي ﷺ صحابته رضي الله عنهم "بالرَّمل"
وهو الهرولة في الثلاثة أشواط الأولى من الطواف .
ولم يأمرهم بالرمل في بقية الأشواط شفقة عليهم .

في الشوط الرابع ستر كتفيه ومشى الهوينة .
وبقي "الرمل والإضطباع" من سنن الطواف المستحبة .

المشركون على الجبال ينظرون
فلما رأى المشركون المسلمين وهم يطوفون بهذه السرعة وقد كشفوا عضلاتهم .

قالوا لبعضهم : أهؤلاء الذين زعمتم أن الحمَى قد أوهنتهم ؟
نراهم يقمزون حول البيت قمز الظبي "الغزلان" لا والله هؤلاء أجلد من كذا وكذا
لقد ترك ذلك أثراً كبيرًا في المشركين .

وأتم ﷺ طوافه سبعاً .
ثم مكث عند الحجر الأسود ملياً يقبله صلوات ربي وسلامه عليه ، ويسكب دموعه .
لقد فارق البيت سبع سنين فهو مشتاق .
وكان بجانبه عمر رضي الله عنه
فقال لعمر هاهنا تسكب العبرات يا عمر .

وتقبيل الحجر الأسود "سنة"
والنهي عن إيذاء مسلم "فرض"
مزاحمة المرأة للرجال والإحتكاك بهم "محرم"

فلا يجوز لك كمسلم أن تؤذي الناس وتدافعهم لتصل للحجر الأسود وتقبله لتطبق السنة وتنتهك الفرض وتقع بالإثم عند بيت الله الحرام .

ولا يجوز للمرأة مزاحمة الرجال لتطبق السنة وتقبل الحجر وتقع في الحرام عند بيت الله الحرام

يكفيك في الطواف أن تشير للحجر من بعيد بيدك وتقول بسم الله الله اكبر .
فهذا يكفيك عن المصافحة
الموضوع لا يحتاج العنف والوقوع بالإثم .

وبعد أن انتهى من الطواف ثم صلى ركعتين عند مقام ابراهيم وشرب من ماء زمزم
ثم مضى للمسعى وجاء إلى الصفا أولاً
وقال أبدؤا بما بدأ الله به
ثم قرأ قوله تعالى .
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا .
فلما رقى الصفا واستقبل الكعبة حتى إذا وقع نظره على الكعبة
رفع يديه وقال الله اكبر الله اكبر الله اكبر . لا إله إلا الله وحده . صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .
ورددها أصحابه رضي الله عنهم من خلفه بصوت عالي حتى سمعتها كل أهل مكة وارتج المسعى بصوتهم .
ثم سعى ﷺ سبعاً ورمل بين الميلين .
حتى انتهى عند المروة .
قدموا له الهدي فنحر 60 بدناً بيده قائماً .
وتعجب أصحابه أي رجولة هذه ؟؟
لأن نحر الإبل ليس بالسهل وليس كذبح الغنم .
فالإبل تنحر وهي واقفة .
قال تعالى : فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ .
أي قائمة ....
ينحر بيده قائمة 60 بدناً بيد واحدة .
ينحر واحدة تلو الأخرى ، واحدة تلو الأخرى
وهو يقول .
بسم الله ، الله اكبر ، منك وإليك .
بسم الله ، الله اكبر ، منك وإليك .
بسم الله ، الله اكبر ، منك وإليك .
60 ناقة !!!
يقول أصحابه رضي الله عنهم ما علمنا رجولةً كرجولة رسول ﷺ

فلما انتهى قال نحرت هاهنا ومكة كلها منحر .
ثم دعى حالقه فحلق له رأسه وكان ذو جمة ﷺ "الجمة أي الشعر الوفير"
لقد حلق يوم الحديبية اتذكرون ؟؟
كان في ذلك الوقت شعره يسيل على كتفيه اما الآن فقد مضى عليه عام واحد فكان شعره قد تجاوز شحمة الأذن إلى رؤوس الأكتاف
وكان أجمل الناس خَلقاً وأجلهم خُلقاً صلى الله عليه وسلم
وقريش تنظر إليه وقد سطعت مكة كلها بنوره المحمدي وهيبته ﷺ .
ينظرون إليه من أعلى الجبال وكيف أصحابه رضي الله عنهم حوله .
إذا التفت إلى جهة التفت أصحابه كلهم جميعاً
واذا تكلم صمتوا واصغوا جميعاً
لذلك كثير من قريش في تلك العمرة للرسول ﷺ اعجبوا بهذا الدين ومنهم خالدبن الوليد سيف الله المسلول وسنذكر إسلامه إن شاء الله .

لما رأت قريش هذا اهتزت قلوبهم من جماله وهيبته
فمنهم من قال : لِمَ نكابر على أنفسنا حقاً إن محمداً ليس كالبشر .
صلى الله وسلم عليك يارسول الله .

حقاً ان محمداً ليس كالبشر إنه رسول كما يقولون .
"كانوا لا يستطيعون أن يعلنوا ذلك
فلما أسلموا أخبروا الصحابة رضي الله عنهم ، بما قالوا في أنفسهم "

ثم أخذ الناس يحلقون ويقصرون .
فألتفت النبي ﷺ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال هل صدقك الله وعده يا ابن الخطاب ؟
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أشهد أنك رسول الله .
وصدق الله تعالى وعده في سورة الفتح التي نزلت قبل ذلك التاريخ بعام واحد .
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .

ثم حل إحرامه ﷺ واغتسل ولبس ثيابه وذهب إلى حيث وضعت له قبته عند الابطح .

ثم رجع إلى الحرم وقد انتصف النهار .
وانظروا إلى خلقه ﷺ خير من وفى بعهد .
لم يستفز أحد من قريش ، ولكنه إذا استفز لا يقبل "المذلة" أبداً
قدم للكعبة ظهراً والشرط عند قريش أن يتعبد محمداً ويتطوف ويعتمر في مكة هو وأصحابه رضي الله عنهم ثلاثة أيام كما يشاؤون لا تعترض عليهم قريش .

لكنه قيد نفسه وقيد أصحابه
طاف بالبيت والبيت حوله الأصنام فلم يعثروا بصنم ولم يحركوه من مكانه .
والآن يريد أن يصلي حول الكعبة وأصنام قريش تحيط بالكعبة .
فصلى ﷺ والأصنام أمامه
"لأنه يصلي لله لا يصلي للأصنام"
ولم يأذن للصحابة رضي الله عنهم أن يحرك صنم من مكانه
وعندما أراد أن يرفع بالآذان لم يقل لبلال اصعد على الكعبة .
"كما في فتح مكة وحجة الوداع"
لا
قال : يا بلال ارقى الصفا فأذن للظهر .
فصعد بلال بن رباح رضي الله عنه وأذن
"بلال الحبشي" الذي في نظر قريش عبد من العبيد لا قيمة له .
"بلال" المعذب في إسلامه على رمال مكة .
يرفع الآن الأذان بأعلى صوته فترتج مكة كلها بصوت أذانه .
وكان بلال رضي الله عنه صيِّتً .
"صاحب صوت عالي ، جميل الصوت رقيقا فيه لذة لمن سمعه . من سمع بلال يؤذن لا يملك نفسه من البكاء"
نادى بلال على مسمع قريش كلها ولأول مرة في مكة .
الله اكبر ، الله اكبر ، الله اكبر ، الله اكبر .


أذن بلال رضي الله عنه
وصلى بهم النبي ﷺ
ثلاث أيام يصلي بهم ولكن قصراً
وأخذ يحدث أصحابه رضي الله عنهم عن بناية هذا البيت وقصة إبراهيم عليه السلام إسماعيل عليه السلام ولماذا نطوف سبعاً ونسعى سبعاً وماقصة زمزم .
ولماذا نهرول في المسعى بين الميلين .
فكان يعطيهم الدروس....

وقضى اليوم الأول والثاني في مكة .
في اليوم الثالث جاءه عمه العباس رضي الله عنه يحدثه عن ميمونة رضي الله عنها .

يتبع كيف ختم ﷺ هذه العمرة بزواجه من أم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها
آخر زوجات ﷺ .
✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.....
يتبع بإذن الله تعالى....
















[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والثمانون بعد المائة 184
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث .
رضي الله عنها.

بعد انتهاء النبي ﷺ من عمرة القضاء وبقي هو و أصحابه رضي الله عنهم في مكة ثلاث أيام .... جاء "العباس" عم النبي ﷺ في اليوم الثالث للنبي ﷺ وحدثه عن أخت زوجته أم الفضل "زوجة العباس اسمها أم الفضل"
لها أخت اسمها "برة"
وقد غيّرَ النبي ﷺ اسمها بعد ذلك وسماها "ميمونة"
ولكن في ذلك الوقت كان اسمها "برة بنت الحارث"

كانت قد أسلمت وزوجها بقي مشرك فلم تستطع الهجرة وكانت تكتم إيمانها
ومات زوجها خلال هذه الأعوام وكان عمرها 26 عام .
فلجأت لبيت "العباس" لأنه زوج اختها....
والعباس كان في مكة مقيم يكتم إيمانه أيضآ
جاء العباس رضي الله عنه وحدث النبي ﷺ عن برة
قال : يارسول الله إن برة أخت أم الفضل امرأة تكتم إيمانها وهي الآن أيِّم تريد صحبتك للمدينة أو تأذن لها بالهجرة .
فقال له النبي ﷺ وقد استشف هذه الرسالة ...
وهو صاحب الفراسة الكاملة
وهو القائل لنا اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : بل خيرٌ من ذلك يا عباس .
إذهب إليها يا علي وقل لها إن رسول الله يخطبك لنفسه .
فجاءها علي رضي الله عنه وأخبره أن النبي ﷺ يخطبها لنفسه وكانت تركب على بعير
فلما سمعت الخبر فرحت فرحاً شديداً .
وقالت : البعير وما عليه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
"يعني هي تريد أن تتزوجه بلا صداق أي مهر "

وأقر الله عز وجل هذا الزواج
فشروط النكاح في الإسلام أربعة
١- قبول وإيجاب "يعني موافقة الزوجين"
٢- المهر .
٣- ولي أمر للزوجة .
٤ - الشهود .
إذا فقد إحدى هذه الشروط الأربعة فالنكاح يكون "باطل غير شرعي"
و هنا لا يوجد مهر لميمونة رضي الله عنها
وليس لها ولي فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وليها العباس .
فأنزل الله مقراً هذا الزواج
قال الله تعالى :
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .
والآية شهادة لها رضي الله عنها بالإيمان.
وقوله تعالى إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ . يعني بغير صداق
وقوله تعالى :
خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .
يعني هذه خصوصية فقط للنبي ﷺ .
وليس لأحد من أمته أن يتزوج امرأة بغير ولي ولا صداق .

تكملت الآيات من سورة الأحزاب
قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا .
"يعني نحن - عز وجل - فرضنا المهر ونحن فرضنا عدد النساء أربعة "
ولكن هذه خصوصية لك يا رسول الله ولا ينبغي لأحد من أمتك أن يتزوج امرأة من غير ولي أمر ولا مهر .
لكي لا يكون عليك حرج .

تزوج النبي ﷺ من أم المؤمنين "برة" و سماها "ميمونة رضي الله عنها.... لأن الزواج وقع في مناسبة ميمونة مباركة وهي العمرة .
وكانت أم المؤمنين "ميمونة" رضي الله عنها هي آخر من تزوجها النبي ﷺ .

"ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها كانت من قبيلة عزيزة قوية وهي قبيلة "بني هلال"
وقد تزوجها النبي ﷺ تأليفاً لقلوب قبيلتها ....
و تأليفا لقلوب قريش أيضاً لأنها كانت ترتبط بصلات نسب مع كثير من سادة وأشراف قريش .

وبالفعل بعد ذلك الزواج دخلت قبيلة "بني هلال" في الإسلام تباعاً .
وأسلم بعض أقاربها مثل إبن أختها "خالد بن الوليد" سيف الله المسلول رضي الله عنه .

فهذا الزواج ترك أثر في نفس "خالد بن الوليد رضي الله عنه فأسلم بعدها بشهر واحد .
وتم العقد.... وانقضت الأيام الثلاثة التي اتفقت قريش مع النبي ﷺ .
وهي أن يؤدي المسلمين فيها العمرة ثم يخرجوا من مكة .
فجاء إلى النبي ﷺ سهيل بن عمرو ومعه رجال من قريش
جاء إلى خيامهم في الأبطح
فوقف وقال : يا محمد قد انتهت زيارتك.... فارحل عنا
فنظر إليه ﷺ مسالماً متبسماً مشرق الوجه
وقال : يا سهيل وما عليك لو زدت فيها بعض اليوم "بقية هذا اليوم"
فلقد تزوجت من بنت الحارث
فما عليكم لو أعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه وشاركتمونا إياه
فرد عليه في جفاء لا حاجة لنا في طعامك فاخرج من أرضنا وأعرس حيث شئت وفارق بلادنا .
فلم يطق سعد بن عبادة رضي الله عنه هذا الجفاء للنبي ﷺ
فغضب ووثب قائماً في وجه سهيل ...
وقال : لا أمك لك يخرج من بلدك ؟
والله ليست أرضك ولا أرض آبائك .
إنها ارض الله الحرام وبلده ومسقط رأسه .
والله لا يخرج منها إلا طائعا راضياً .
فأشار النبي ﷺ إلى سعد رضي الله عنه "أن أسكت وأشار إليه أن إجلس"
ثم ابتسم لسهيل مرة أخرى ﷺ صاحب الخلق العظيم .
فابتسم مرة أخرى مخاطباً سعد رضي الله عنه وسهيل يسمع .
قال : يا سعد لا تؤذي قوماً زارونا في رحالنا .
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه .
"اعتبر قدومهم إلى الخيام ضيوف والضيف لا يهان"
ثم نظر لسهيل ...
وقال له : حباً وكرامةً يا سهيل .
قم يا أبا رافع فأذن بالرحيل
فقام أبو رافع ونادى بالناس بالرحيل ....
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسهيل : ولكن تأذنوا لأبي رافع أن يبقى إلى المساء حتى يخرج بإبنة الحارث "أي أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها...

وأمر صلى الله عليه وسلم الصحابه رضي الله عنهم أن لا تغيب شمس ذلك اليوم ورجل في مكة....
فأتى إلى منطقة إسمها "سرف" وهي قريبة من التنعيم يعرف اليوم مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها...
فنزل في سرف وضرب خيامه بها وانتظر قدوم أبا رافع بأم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها...
وبنى بها ﷺ في "سرف"

وعاشت أم المؤمنين "ميمونة رضي الله عنها إلى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعندما شعرت بإقتراب أجلها
قالت :
أرى أن أجلي قد دنى ، وإني أحب أن ادفن في البقعة التي بنى بها عليٌَ النبي ﷺ .

فما عليك لو حملتني إلى هناك ففاضت روحي في سرف ودفنت هناك ؟
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه السمع والطاعة يا أم المؤمنين ....
فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تجهز وتحمل إلى "سرف" مع رجال
وضربوا لها خيمة في نفس البقعة التي ضربت خيمة الزواج فيها وأقاموا من حولها .
وتوفت هناك فدفنت في مكان ما تزوجها النبي ﷺ بالتمام .

وأنت داخل مكة قبل أن تصل التنعيم على يدك اليمين ، جدار طويل مدهون بالأبيض في سرف هناك قبر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث خاتمة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن


مما حدث في عمرة القضاء .
أثناء رحيل النبي ﷺ من مكة
تبع المسلمون فتاة صغيرة وهي "عُمارة بنت حمزة بن عبدالمطلب"
أبوها حمزة سيد الشهداء وأسد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

عندما هاجر حمزة لم تكن زوجته قد أسلمت...
فلم تتبعه وكان له منها ابنة واحدة .
وبما أن كنيته "أبا عمارة" اشتهر هذا الإسم على إبنته فكانوا يقولون لها "عُمارة" ولكن اسمها الحقيقي "امامة بنت حمزة"
عندما علمت أن النبي ﷺ سيخرج .
خرجت ووقفت له بالطريق ونادت بأعلى صوتها للنبي ﷺ
يا عم يا عم :
"لأن أبوها حمزة رضي الله عنه هو أخو النبي من الرضاعة ، فقد أرضعتهما ثويبة .

خرجت و وقفت له بالطريق ونادت بأعلى صوتها .
يا عم يا عم . فسمعها علي فتناولها "علي بن أبي طالب" من يدها .
وهو إبن عمها بعد أن استأذن النبي ﷺ .
وقال علي رضي الله عنه علامَ نترك بنت عمنا يتيمة بين أظهر المشركين ؟
وذهب بها إلى فاطمة رضي الله عنها وقال لها : دونك ابنةَ عمكِ .
بمعنى خذي بنت عمك اعتني بها وكانت عُمارة صبية لكن دون سن التمييز يعني تجاوزت السابعة ولكن دون سن البلوغ .
كانت تقيم في "مكة" مع أمها "سلمى بنت عميس" وكانت أمها مسلمة
ولكن لاشك أن "عمارة" هذه الطفلة كانت تعاني وهي تقيم بين المشركين في مكة لأنها إبنة "حمزة رضي الله عنه الذي قتل كثير من قريش في "بدر" وفي "أحد " فهم يرون فيها إبنة من قتل منهم .
و أيضاً "قريش" هي التي قتلت أباها في "أحد " فهي تراهم الذين قتلوا أباها .

ولكن بعد أن أخذها "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ووصلوا المدينة المنورة
اختصم في كفالة {{ عمارة }}
١- جعفر بن أبي طالب "شقيق علي الأكبر"
٢ - وزيد بن حارثة .
٣ - وعلي بن أبي طالب .
الكل يريد أن تكون في بيته
فقال جعفر رضي الله عنه إبنة عمي وخالتها تحتي
"أي خالة البنت زوجتي ، وكانت خالتها "أسماء بنت عميس" زوجة جعفر بن أبي طالب "

وقال زيد بن حارثة . إبنة أخي
لأن الرسول ﷺ كان قد آخى بين زيد بن حارثة وبين حمزة بن أبي طالب .
وقال علي رضي الله عنه : أنا أخذتُها . وهي ابنةُ عمي .

ولننظر الآن الى الحبيب المصطفى ﷺ .
انظروا إلى صاحب الخلق العظيم والمشرع الحكيم كيف أرضى كل واحد وكيف اختار للفتاة أين تكون .
فقال لعلي رضي الله عنه : أنت مني وأنا منك .
وقال لزيد رضي الله عنه : أنت أخونا ومولانا .
وقال لجعفر رضي الله عنه : إنك أشبهت خَلفي وخُلقي .
[[ فأثنى على الثلاثة ]]

ثم قال أما الفتاة أو الجارية ، فإنها لخالتها وإن الخالة بمنزلة الأم .
"لم يقل ﷺ لهم هي لجعفر فنسبها لخالتها"
فالخالة بمنزلة الأم كما أن العمة بمنزلة الوالد .
ففاز بها جعفر ومالبث جعفر رضي الله عنه بعد أشهر حتى استشهد في "مؤتة"

سنأتي على ذكرها لاحقآ إن شاء الله.

وهكذا قضى النبي ﷺ بأن تكون عند "جعفر بن أبي طالب" لأن جعفر متزوج من خالتها .
فالأولى أن الذي يتولى رعايتها هو خالتها .
كما أن "جعفر" لا يحل لها لأنه متزوج من خالتها .
وقد قال النبي ﷺ إن المرأة لا تنكح على عمتها ولا على خالتها .
ومن هنا أخذ الفقهاء من ذلك‏
أن الخالة مقدمة في الحضانة على سائر الأقارب بعد الأبوين‏
وأول شيء فعلته "عمارة" عندما عادت إلى المدينة أن سألت عن قبر أبيها .... وذهبت إلى قبر أبيها لزيارته

وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يتنافسون على كفالة اليتيم
وكانت الكفالة حقيقية .

ليست بأن يدفع لليتيم ٢٠٠ ريال في الشهر . لا .
صحيح كله خير ومأجورين عليه ولكن ليست هذه الكفالة الحقيقية في الإسلام ....

الكفالة الحقيقية الكاملة هي أن يكون اليتيم في بيتك ومع أبنائك .
فينشأ نشأة طبيعية كما نشأ النبي ﷺ .
ولذلك لم نجد في الإسلام "دور للأيتام" على كثرة الأيتام في زمن النبي ﷺ .
لأن حركة الجهاد كانت كبيرة وكان هناك الكثير من الشهداء .
ولكن كانوا لا يتركون إمرأة مات عنها زوجها بلا زواج .
لأنه لم تكن هناك مشكلة عند النساء في تعدد الزوجات

فكانوا يتنافسون كما رأينا على كفالة اليتيم رضي الله عنهم.

ترك النبي ﷺ مكة وقد ظهرت عزة المسلمين وقوتهم أمام قريش وأمام كل العرب .

حتى أن البعض قال : أن عمرة القضاء كانت البذرة أو تهيئة الأرض لفتح مكة بعد هذا التاريخ بعشرة شهور فقط.

✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....


















[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والثمانون بعد المائة 185
إسلام خالد بن الوليد .
وعثمان بن طلحة .
وعمرو بن العاص رضي الله عنهم .

أول حدث في شهر "صفر" في السنة الثامنة من الهجرة : كان إسلام ثلاثة من عمالقة قريش وهم .
  • خالد بن الوليد "فارس قريش"
  • عمرو بن العاص -وهو من أحكم وأدهى العرب"
  • عثمان بن طلحة "من وجوه أهل مكة"
رضي الله عنهم

وهذا الحدث من أعظم الأحداث ونصر من أكبر إنتصارات الإسلام
ونقطة فارقة في التاريخ الإسلامي
وقد أسلم الثلاثة في يوم واحد
عندما أسلموا قال النبي ﷺ رمتكم مكة بأفلاذ كبدها .

لماذا تأخر إسلام "خالد بن الوليد" رضي الله عنه سيف الله المسلول .
عندما أوحي إلى النبي ﷺ في مكة كان خالد شاباً عمره 27 عام .
وعندما أسلم كان عمره 47 عام .
بقي خالد بن الوليد رضي الله عنه 20 عام كاملة يرفض الإسلام ويحارب المسلمين حتى أسلم في أول السنة الثامنة من الهجرة .

وكان سبب رفضه وعداوته للإسلام طوال هذه الفترة أنه من بيت يكره الإسلام .
فأبوه هو "الوليد بن المغيرة" سيد "بني مخزوم" أحد بطون قريش .
ومن أغنى أغنياء قريش .
ومن أشد قريش عدواة للنبي ﷺ لدرجة أنها نزلت فيه عشرون آية في سورة المدثر
قال تعالى :
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ♡ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ♡ وَبَنِينَ شُهُودًا ♡ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ♡ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ♡ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا ♡ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ♡ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ♡ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ♡ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ♡ ثُمَّ نَظَرَ ♡ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ♡ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ♡ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ♡ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ♡ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ♡ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ♡ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ♡ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ♡ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ♡

نزلت هذه الآيات في حق "الوليد بن المغيرة"

وسبب آخر لتأخر إسلام "خالد بن الوليد" هو أن خالد كان من زعماء مكة .
وله مكانته في قريش ومكانته المرموقة في العرب .
ومكانته في الجيش المكي فهو قائد فرسان قريش وهي أهم كتيبة في الجيش .
فكان "خالد" يخشى على مكانته أن تضيع إذا دخل في الإسلام .

وكان من أسباب إسلام "خالد بن الوليد رضي الله عنه كثيرة .
في صلح الحديبية قبل هذا التاريخ بعام تقريباً عندما خرج "خالد بن الوليد رضي الله عنه على رأس جيش مكة لإعتراض المسلمين الذين جاؤوا لأداء العمرة .
ووقف خالد بجيش مكة أمام المسلمين .
ثم جاءت صلاة الظهر فوقف المسلمون يصلون .
وشاهد "خالد بن الوليد رضي الله عنه المسلمون وهم يصلون ويسجدون ووجدها فرصة سانحة لمهاجمة المسلمين وهم في صلاتهم .
فسأل من حوله هل سيصلي المسلمين مثل هذه الصلاة مرة أخرى ؟
فقال له بعضهم نعم إن لهم صلاة بعد هذه "صلاة العصر" أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم
فجهز "خالد بن الوليد رضي الله عنه جيش مكة للإنقضاض على المسلمين في صلاة العصر .
ولكن في ذلك الوقت نزل جبريل بتشريع صلاة الخوف .
ووقف النبي ﷺ يصلي بالمسلمين صلاة الخوف لأول مرة .... فقام وصلى خلفه نصف الجيش .
والنصف الثاني من الجيش وقف خلف المسلمون لحراستهم .
وأتم النبي ﷺ صلاة ركعتين .
ثم وهو في التشهد سلم الجيش وانصرف ووقف للحراسة .
ثم جاء النصف الثاني الذي كان يقوم بمهمة الحراسة فصلى مع الرسول ﷺ .
ولما رأى "خالد بن الوليد رضي الله عنه ذلك قال كلمة عجيبة
قال : إن القوم ممنوعون .
"أي أن الله تعالى يمنع ويحمي هؤلاء"

وكانت "عمرة القضاء" قد تركت أثراً آخر بعد خروجه منها ﷺ
قلنا إن النبي ﷺ قد خرج مهاجراً من مكة يصحبه رجل واحد من أصحابه و هو "أبو بكر الصديق رضي الله عنه..
في جنح الظلام .
وها هو يرجع اليوم إليها بإقرار من قريش .
وتخلي قريش له مكة فلا يشاركه بالطواف مشرك ولا يصادفهم في طرقاتهم أحد حتى لا يستفزهم .

وبيوت قريش مغلقة ومن أراد أن يبقى في مكة أغلق عليه باب داره .
ومن أراد أن يخرج خرج إلى شعاب الجبال .
مكة كلها يدخلها النبي ﷺ في وضح النهار محرماً ملبياً مكبراً يتطوف بالبيت .
وحول البيت آلهتهم التي طالما سفه أحلام من يعبدها بنص القران الكريم ....
ورجالات قريش تنظر إليه

حرك هذا المشهد تفكير العقلاء منهم وذوي الرأي أمثال "خالد بن الوليد" و "عثمان بن طلحة" وغيرهما
وقد ترك في نفوسهم حيرة .
هذا الرجل الذي خرج قبل سبع سنين في جنح الظلام يعود الآن في وضح النهار وحوله 2000 رجل محرمين يطوفون ويعلنون دينهم علانية في مكة
ولا يستطيع أحد أن يعارضهم .

ما سر هذا الرجل ؟!!
لقد قاتلناه مراراً فانتصر علينا .
وها هو قد طاف في الكعبة مع أولئك العبيد الذين كنا نستهين بهم ونعذبهم في مكة وتعلو أصواتهم بالتلبية والتكبير
من أين يستمد قوته هذا الرجل ؟
وها هي قريش قد أذعنت له .
فأكل العرب واليهود معاً بالأمس قضى على آخر اليهود في "خيبر"
واليوم يدخل مكة عنوة في وضح النهار .
ما سر هذا الرجل ..
يقول خالد بن الوليد رضي الله عنه قلت في نفسي لم تعد مكة دار إقامة لي لعله يأتي في كل عام فيعتمر ويحج .
ولعل أمره يظهر على قريش .
ففكرت أن أغادر مكة إلى "الحبشة" .
فتذكرت أن ملك الحبشة النجاشي قد دخل في دينه .
فقلت : اخرج إلى قيصر الروم .
فتذكرت أن "قيصر" سيعرض علي النصرانية وأدخل في دينه ما دمت في حماه .
فأترك دين قومي وأكون هنالك موالي للعجم فأفقد قومي وعشيرتي .

أين أذهب ؟؟
وبينما أنا كذلك في تلك الحيرة
قلت : أغلق باب داري علي وانظر إلى ما يصير إليه أمر محمد صلى الله عليه وسلم
وإذا بقارع يقرع الباب علي ويسلمني رسالة من أخي الوليد
وكان لخالد أخ إسمه "الوليد بن الوليد بن المغيرة" كان قد أسلم بعد بدر .
وبحث "الوليد" عن أخيه "خالد" فلم يجده ....
كان قد خرج مع قريش و ترك مكة للمسلمين ثلاثة أيام .
فترك له "الوليد بن الوليد" رسالة قال فيها .

بسم الله الرحمن الرحيم .
أما بعد . فإني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك يا خالد .
ومثل الإسلام لا يجهله أحد ؟
"أي هذا الإسلام بتعاليمه لايجهله عاقل وأنت من العقلاء يا خالد"
وقد سألني رسول الله ﷺ عنك ونحن بمكة .
وقال أين خالد ؟؟
فقلت يأتي الله به مسلماً إن شاء الله .
فقال ما مثل خالد يجهل الإسلام .
"يعني لا يعقل مثل عقلية خالد ورجاحة عقله يجهل الإسلام "
ولو كان جعل نكايته وجَدَّهُ مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له .
ولقدَّمناهُ على غيره .
"يعني قوته وحنكته في القتال لو جعلها على أعداء الله لكان خير له"
فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة .

يقول خالد رضي الله عنه فلما قرأت كتابه زدت رغبة في الإسلام .
وسرني سؤال رسول الله ﷺ عني وقوله ما مثل خالد يجهل الإسلام .

انظروا إلى حكمة رسول الله ﷺ
هو يعلم أن "خالد" يخشى على مكانته في جيش مكة .
فهو يريد أن يطمئنه من هذه الناحية وأنه إذا دخل في الإسلام فلن يكون تابعاً بل سيظل قائداً .

اهتز قلب "خالد" بهذه الرسالة
رجل أعاديه وأقاتله ونلت منه ما نلت يوم أحد .
ثم يثني علي ويقول ما مثل خالد يجهل الاسلام .
فيشهد برجاحة عقلي .
قال فهزتني مقالته وجعلتني أقُلب الأمور رأساً على عقب .
وأقول لقد قاتلته مراراً .
وأنا لا أدافع عن عقيدة ولا حتى أدري لما اقاتله ؟

لماذا لا أدخل في دينه ؟
وأخذت أفكر وأتدبر أمري .
فنمت ليلتي تلك ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة .
فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة فيها المياه تتدفق
فلما صحوت قلت : إنها رؤيا .
لأن صدقت فإني خارج من دين قريش إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم.

وهنا كان قرار "خالد بن الوليد رضي الله عنه رضي الله عنه أن يدخل الإسلام .
ولكن قبل هجرة خالد رضي الله عنه أراد "خالد" ألا يهاجر وحده
يقول خالد رضي الله عنه قلت من أصاحب معي إلى الرسول ﷺ ؟
"فخالد شخصية إيجابية ويريد أن يقدم شيئا للإسلام في أول لحظات إسلامه
حتى قبل أن يهاجر وقبل أن يقابل الرسول ﷺ .
يقول خالد بن الوليد رضي الله عنه فذهبت إلى صديقي "صفوان بن أمية"
وعرضت عليه أن يدخل في الإسلام وأن يهاجر معي .
فقال له صفوان وقد أنكر عليه أشد الإنكار
قال : واللآت لو لم يبقَ غيري من قريش لما اتبعته .
"يعني لو أسلمت قريش كلها إلا أنا ما اتبعت دين محمد"
يقول خالد بن الوليد رضي الله عنه...
قلت في نفسي رجل قُتل أباه وأخاه يوم بدر فأعذره فيما يعتقد ....
فتركته وانصرفت عنه .

ثم ذهبت إلى صديقي "عكرمة بن أبي جهل" وعرضت عليه أن يسلم وأن يهاجر معي .
فقال له عكرمة وكان أشد إنكاراً من صفوان . لو لم يبقَ غيري من قريش لما اتبعته .
فقلت وهذا أعذره أيضآ
لقد قتل أباه يوم بدر ومازال يحمل عار أبيه أبو جهل .

يقول خالد رضي الله عنه فمضيت وقلت لا أكلم أحداً حتى لا يفشوا أمري في مكة فيسخر مني أهل مكة .

يقول خالد رضي الله عنه وبينما أنا في طريقي لا أريد أن أكلم أحداً لقيني "عثمان بن طلحة"

هذا الرجل ؟؟
عندما هاجرت أم سلمة لم يتركها تهاجر وحدها وخرج ماشياً على قدميه حتى أوصلها وابنها المدينة المنورة ثم رجع .
وذكرناها في السيرة سابقآ وقلنا أن له سابقة خير فهداه الله للإسلام .
قال : لقيني "عثمان بن طلحة"
يقول خالد رضي الله عنه فقلت هذا أشد إنكاراً من الذين قبله .
فإن كان "صفوان" قتل أباه وأخاه .
و "عكرمة" قتل أباه .
فهذا "عثمان" فقد قتل أبوه وعمه ، وإخوته الأربعة في يوم أحد على يد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فهو أشد عداوة لمحمد ودينه من غيره .
فلا أفضح أمري بين يديه .
فلما لقيني "عثمان" سلم علي وسلمت عليه ثم أخذت أناقشه في أمر محمد وقريش .
وأقول له : ألا ترى أن أمر محمداً قد علا علوا منكراً "أي غريبا"
فما أصبحنا يا عثمان إلا بمنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج .
"أي أصبحنا ضعاف جداً أمام محمد وصحبه"
قال فأنصت إلي تماماً
وقال عثمان : و هو كذلك يا خالد... فقلت له ألم يستقم الميسم "أي تبين الطريق وظهر الحق"
فما علينا لو دخلنا في دين محمد يا عثمان ؟
فقال عثمان . هذا ما عزمت أن أحدثك به والله
"سبحان الله الذين اختارهم كانوا أشد إنكارا .
والذي خشي أن يحدثه كان هو الموافق .
قال : هذا ما عزمت ان أحدثك به .
والله لقد طاب المنسم يا خالد . فعلامَ نكابر ؟؟

فاستجاب له "عثمان بن طلحة" واتفق الإثنان على الخروج من مكة وتواعدا .
وخرجا إلى المدينة المنورة لإعلان إسلامها بين يدي النبي ﷺ وفي الطريق إلى المدينة
قابل "خالد بن الوليد" و "عثمان بن طلحة"
رجل في الطريق هو "عمرو بن العاص" كان هو الآخر متوجها من مكة إلى المدينة ليعلن إسلامه

ننتقل مع "عمرو بن العاص" رضي الله عنه ونرى مالذي جعله يدخل الإسلام .... وعلى يد من أسلم .
ثم نرجع إلى خالد وعثمان وعمرو وماذا حدث عندما تقابلوا في الطريق .

"عمرو بن العاص" رضي الله عنه تأخر في إسلامه
مثل "خالد بن الوليد"
ظل "عمرو بن العاص" عشرون عاما منذ البعثة وحتى بداية السنة الثامنة من الهجرة رافضاً ومعاديا للإسلام .
وكان سبب رفضه للإسلام طوال هذه الفترة أنه من بيت يكره الإسلام .
فأبوه "العاص بن وائل" كان من أشد أعداء النبي ﷺ وكان شديد الإيذاء للرسول ﷺ في مكة قبل الهجرة .
وهو الذي كان يقول عن النبي ﷺ بعد موت ولده أنه "أبتر"
فنزل فيه قول الله تعالى "إن شانئك هو الأبتر"
ومن شدة إيذائه للنبي ﷺ
دعا عليه النبي فقال اللهم سلط عليه شوكة من أشواك الأرض .
فدخلت شوكة في قدمه فتورمت قدمه ولم يستطع أن يتحرك وأصبح طريح الفراش .
وذهب إبنه "عمرو بن العاص" إلى "الطائف" ليأتي بطبيب ولكنه مات قبل أن يصل إليه .

إذآ "عمرو بن العاص" من بيت يكره الإسلام كراهية شديدة جداً .
وسبب آخر لتأخر إسلام "عمرو بن العاص" وهو أن له مكانة كبيرة في قريش .
بل وفي الجزيرة كلها .
ولذلك فهو يخشى على ضياع هذه المكانة إذا اتبع النبي ﷺ ودخل في الإسلام .

كيف أسلم ؟
بعد غزوة "الأحزاب" رأى "عمرو بن العاص" بحنكته السياسية أن الأمور ستتجه بعد ذلك لصالح المسلمين .
لأن كل أعداء المسلمين تحالفوا ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا .
ولكن مع ذلك لم يكن "عمرو بن العاص" متقبلًا لفكرة أن يدخل في الإسلام .
كان شديد الكراهية للرسول ﷺ فأخذ قرارا غريباً وهو أن يترك مكة ويهاجر إلى الحبشة
والقصة يرويها "عمرو بن العاص" نفسه والقصة في البخاري ومسلم رحمهما الله :

يقول "عمرو بن العاص رضي الله عنه :
أنه تحدث إلى رجال من قريش كانوا يرون رأيي
"يعني مجموعة من رجال قريش كانوا يقتنعون بأي شيء يقوله .
ويسمعون كلامه وينفذون ما يقوله"
فقلت لهم . إني أرى أمر محمد يعلوا علواً منكرًا .
وإني أرى أن نلحق بالنجاشي .
فلئن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد .
وكان "عمرو بن العاص" صديقاً للنجاشي .
وانظروا إلى مدى كراهية "عمرو بن العاص" للنبي ﷺ في ذلك الوقت .
يقول عمرو بن العاص ولم يكن أحد أشد كراهية لرسول الله مني .
يقول عمرو بن العاص لأصحابه وإن ظهر قومنا فنحن مَن قد عرفوا .
فلن يأتينا منهم إلا خيراً .
"أي لو انتصرت قريش على المسلمين فيمكن أن نعود إلى مكة ومكانتنا محفوظة"
وإن ظهر محمد كان النجاشي بيننا وبينه .
"هذا عمرو بن العاص الذي كان يسمى بداهية العرب .
إن ظهر محمد فهذا النجاشي يتدخل ويقوم بصلح بيننا"
فقال أصحابه إن هذا لهو الرأي
فقال لهم عمرو . فاجمعوا له ما نهدي إليه .
"يعني ساعدوني نجمع للنجاشي الهدايا"
يقول عمرو . وكان أحب ما يهدى إليه من أرض العرب هو الأدم .
"أي الجلود المدبوغة" فجمعوا له جلودا كثيرة ثم توجهوا إلى الحبشة .

فلما ذهب "عمرو بن العاص" إلى النجاشي وجد عنده "عمرو بن أمية الضمري"
تذكرون هذا الاسم الذي حمل الرسالة من النبي ﷺ للنجاشي .
كان النبي ﷺ قد أرسل "عمرو بن أمية" إلى النجاشي يطلب منه أن يرسل "جعفر بن أبي طالب" ومن بقي من المسلمين في الحبشة إلى المدينة .
"الرسالة التي زوجه فيها رملة بنت أبي سفيان"

ففكر "عمرو بن العاص" أن يدخل إلى النجاشي ويطلب منه أن يسلمه "عمرو بن أمية الضمري" ويقتله...
وبذلك يكون قد صنع شيئا لقريش يرفع بها مكانته في مكة .
مع أن "عمرو بن العاص" حاول قديما منذ 15 عام في السنة الخامسة من البعثة أن يسلم له النجاشي المسلمون الذين هاجروا إلى الحبشة .
ولكن النجاشي رفض رفضاً قاطعا .

يقول عمرو بن العاص فدخلت عليه وسجدت له كما كنت أصنع .
فقال : مرحبًا بصديقي .
أهديت الي من بلادك شيئا .
قال عمرو : نعم أيها الملك .
قد أهديت لك أُدُماً كثيراً . ثم قدمه إليه فأعجبه .
يقول عمرو فلما رأيت نفسه قد طابت .... قلت له . أيها الملك .
إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا .
فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وأعزتنا .
قال عمرو . فغضب النجاشي غضباً لم أرى النجاشي قد غضب مثله من قبل حتى كاد الدم أن يتفجر في وجهه
ثم مد يده فضربني بها على انفي ضربة ظننت أنه قد كسره وخلعه من مكانه .
فتدفق الدم على ثيابي .
ورأيت من الذل والمهانة مالم أرى ومالم أتوقع .
فوددت لو انشقت لي الأرض فدخلت فيها خوفا منه ....
"ترضوا على النجاشي أصحمة

ثم قلت له : أيها الملك . والله لو ظننت أنك تكره هذا ويغضبك ما سألتكه .
فقال النجاشي . يا عمرو أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟
"وكان أهل الكتاب يطلقون على جبريل الناموس الأكبر .
ولذلك قال ورقة بن نوفل لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها إنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى"
قال عمرو . أيها الملك .
أكذاك هو ؟ أتشهد له ذلك ؟
قال النجاشي : أي ورب محمد وعيسى وموسى .
يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى .
وإنه رسول من عند الله .
ويحك يا عمرو . أطعني واتبعه فإنه والله لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنده .
في هذه اللحظة نزلت الهداية من الله الرحمن الرحيم اللطيف الودود الجميل .
سبحانه ما أعظمه وأجمله سبحانه ما أرحمه....
والله لوعرف المسلمون الله حق معرفته لذابت قلوبهم بمحبته والإشتياق للنظر لوجه الكريم .

نزلت الهداية من الله تعالى على قلب "عمرو بن العاص" ولا شك أن ذلك نتيجة تراكمات ومشاهدات واستنتاجات كثيرة في حياته .
في تلك اللحظة كان عمرو يفكر ويبحث عن الحق صدقاً .
قال عمرو للنجاشي أيها الملك ألا خلوت بي ؟؟
قال النجاشي حباً وكرامة
يقول عمرو . فلما خلوت به
قلت له . أتبايعني له على الإسلام ؟
قال . نعم .
فبسط النجاشي يده فبايعه "عمرو بن العاص" على الإسلام .
أسلم هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه الذي فتحت مصر وفلسطين على يده .
وله أجر كل من أسلم من مصر و فلسطين منذ ذلك اليوم ليومنا هذا هو والنجاشي رضي الله عنهما ....

ثم خرج "عمرو بن العاص" على أصحابه لم يخبرهم بشيء مما حدث .
ولم يخبرهم بإسلامه .
وبقي في مكة كاتمآ إسلامه بضعة شهور حتى أعد نفسه للهجرة .
ثم خرج من مكة سراً واتجه إلى المدينة ليعلن إسلامه بين يدي الرسول ﷺ .

وتقابل في الطريق مع خالد وعثمان رضي الله عنهم...

فسلما عليه وقالا له مالذي أخرجك وعهدنا بك في الحبشة ؟
قال عمرو . مالذي أخرجكما أنتما ؟؟
يقول خالد رضي الله عنه فعلمت أنه يقصد هدفاً ولكنه يراوغ
قال خالد بن الوليد والله لقد استقام المَنسِمُ يا عمرو .
"اتضح الأمر ولم يعد فيه لبس وشك... وإن الرجل لنبي .
إذهب والله معنا فأسلم فحتى متى ؟
قال عمرو . فأنا والله ما جئت إلا للإسلام
وقص عليهم ما حدث معه مع النجاشي وأنه أسلم على يده .
قال خالد رضي الله عنه فسررنا به وانطلقنا ركباً ثلاثة نقطع الطريق حتى وصلنا أطراف المدينة .
فجلسنا نستريح ونبدل ثيابنا ونجهز أنفسنا لمقابلة رسول الله ﷺ .
يقول خالد رضي الله عنه فما ادهشني إلا وأخي الوليد يأتي مسرعاً إلينا .
ويقول : أسرع يا خالد فرسول الله في انتظاركم في المسجد .
قلت : رسول الله ينتظرنا ؟
لم نرسل له أحد يعلمه بقدومنا
قلت من أخبره ؟؟
قال : أتاه جبريل وأخبره أنكم أتيتم مسلمين طائعين وقد فرحنا بإسلامكم .
هيا أسرعوا إنه ينتظركم في المسجد منذ ساعة .
قال خالد بن الوليد رضي الله عنه فأسرعنا الخطى إلى مسجده حتى إذا وقفنا بباب المسجد ونظرنا إليه
نظر إلينا: مشرق الوجه مبتسماً ضاحكاً .
وقام إلينا مسروراً واستقبلنا وعانقنا .
وهو يقول مرحباً بإخواننا مرحباً بإخواننا .
يقول خالد رضي الله عنه فجلست بين يديه وبايعته على الإسلام .
وقلت له . يارسول الله اغفرلي تلك المواقف التي وقفتها عليك .
وأخذت سيفي من عنقي و وضعته بين يديه
وقلت . وهذا اقدمه لك .
فوضع يده على كتفي وابتسم في وجهي :
وقال يا خالد الإسلام يهدم ما قبله . واحتفظ بسيفك هذا واجعله معنا بدل أن كان علينا .
ثم تقدم عثمان بن طلحة وبايع النبي ﷺ .
ثم تقدم عمرو بن العاص وقال للنبي ﷺ ابسط يمينك فأبايعك .فبسط النبي ﷺ يده .
فقبض عمرو يده .
فقال له النبي ﷺ مالك يا عمرو ؟
قال عمرو أردت أن أشترط .*
قال له النبي صلى الله عليه وسلم تشترط ماذا ؟
قال عمرو: _أشترط أن يغفر لي
فقال له الحبيب المصطفى ﷺ .
يا عمرو .
أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله .
وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها .
وأن الحج يهدم ما كان قبله .

وعندما احتضر "عمرو بن العاص" حول وجهه إلى الجدار وأخذ يبكي بكاءا مرا .
فجعل إبنه يقول له يا أبتاه أما بشرك رسول الله ﷺ بكذا وكذا .
فأقبل عليه "عمرو بن العاص" بوجهه.. وقال إني قد كنت على أطباق ثلاث
قد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله ﷺ مني .
ولا أحب إلي إلا أن أستمكن منه فأقتله .
فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار .

فلما جعل الله الإسلام في قلبي .
ما كان أحد أحب إلي من رسول الله ﷺ ولا أجل في عيني منه .
وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له .
ولو سألتني أن أصفه لك ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه .
ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة .

كان إسلام "عمرو بن العاص رضي الله عنه إضافة كبيرة إلى المسلمين .
وقد كان من أحكم وأدهى العرب .
وهو الذي فتحت مصر وفلسطين على يديه .
وقال عنه النبي ﷺ كلمات لم يقلها لأحد غيره .
قال ﷺ في حقه
أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص .
رضي الله عنه وأرضاه

وكان إسلام "خالد بن الوليد رضي الله عنه إضافة هائلة إلى قوة المسلمين .
وكان له دورا رئيسيا في حروب الردة التي حفظت كيان الدولة الإسلامية .
ثم فتح العراق والشام وهزم الفرس والروم .
وهو من القادة النادرين في التاريخ الذين لم يهزموا في أي معركة .
مع أنه اشترك في أكثر من 100 معركة .
وقال عنه عمر بن الخطاب عجزت النساء أن يلدن مثل خالد .
وقال عنه أصدقائه وأعدائه
الرجل الذي لا ينام ولا يترك أحداً ينام .
رضي الله عن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨
الأنوار المحمدية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم......
يتبع بإذن الله تعالى.....















[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة والثمانون بعد المائة 186
الخروج إلى مؤتة .
سرية مؤتة
وهي أول مواجهة للمسلمين مع الإمبراطورية الرومانية .
وهي أكبر دولة في العالم في ذلك الوقت .
وكان سبب هذه المعركة أن النبي ﷺ أرسل أحد الصحابة وهو "الحارث بن عمير رضي الله عنه برسالة إلى أمير بصرى يدعوه فيها إلى الإسلام .
وقد ذكرناها مع الرسائل .
إعترض طريقه "شرحبيل بن عمرو" وهو ملك الغساسنة
ومملكة الغساسنة هي مملكة تدين بالنصرانية كانت موالية للإمبراطورية الرومانية .
وقد سقطت بعد ذلك وانتهت في معركة اليرموك في الفتح الإسلامي للشام .
قبض "شرحبيل" على حامل رسالة النبي ﷺ "الحارث بن عمير رضي الله عنه
وقال له : أين تريد ؟
قال . الشام
قال . لعلك أحد رسل محمد ؟
قال . نعم أنا رسول رسول الله .
فأمر به فأوثق وقتل صلباً
"وكان العرف في العالم كله في ذلك الوقت وحتى الآن أن الرسل لا تقتل .....
وإذا حدث وقتل رسول دولة فإن ذلك يمثل إهانة كبيرة وإعلان حرب على تلك الدولة"

ليس هذا فحسب بل بدأت الدولة الرومانية ومعها القبائل العربية الموالية لها في شمال الجزيرة وهي قبائل تدين بالنصرانية في تعقب وقتل كل من يسلم .
حتى قتل والي "معان" بالأردن لأنه أعلن إسلامه .
وكان قد أسلم دون أن يرسل إليه النبي ﷺ .

وكان رد النبي ﷺ على هذه التصرفات هي ضرورة إرسال جيش إلى هذه المنطقة .
والحروب في الإسلام تكون بهدف الدفاع عن النفس ضد أي إعتداء... ولتأمين حركة الدعوة الإسلامية .
ومنح الناس حقهم في الإعتقاد وحقهم في إختيار الدين الذي يريدونه .
ومما جعل الحبيب المصطفى ﷺ يسرع بإرسال هذا الجيش
هو أنه كان واضحاً أن المواجهة مع الإمبراطورية الرومانية العملاقة .
ومع القبائل القوية الموالية لها في شمال الجزيرة أمر حتمي ولا بد منه .
فأراد النبي ﷺ أن تكون هذه المواجهة في حياته هو
وألا يتركها لمن يأتي بعده .
حتى يكسر حاجز الخوف من مواجهة الإمبراطورية الرومانية في الغرب .... أو الفارسية في الشرق .... أو أي دولة مهما بلغت قوتها .

قام ﷺ بإعداد جيش قوي قوامه 3 آلاف مقاتل .
وهو أكبر جيش إسلامي حتى ذلك الوقت .
وجعل على رأس الجيش "زيد بن حارثة" رضي الله عنه .
وكان النبي ﷺ قد أعد "زيد بن حارثة" إعداداً خاصاً
حيث قاد سبع سرايا قبل هذه السرية ....
وهو أكثر قائد أرسله النبي ﷺ في سرايا .
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
"ما بعث رسول الله ﷺ زيد بن حارثة رضي الله عنه في جيش قط إلا أمره عليهم .... ولو بقي حياً بعد الرسول لأستخلفه .

وكان زيد رضي الله عنه رجلاً قصيراً أسمرآ أفطس الأنف .
وكان عمره في ذلك الوقت 43 عام رضي الله عنه .

كذلك لم يجعل النبي ﷺ على هذه السرية أميراً واحداً
وإنما عيَّن ثلاثة من الأمراء .
إن قتل أحدهم تولى الآخر من بعده .
وعقد لهم لواء أبيض مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله . وأعطاه لزيد رضي الله عنه... وأوصاهم أن يأتوا مكان مقتل الصحابي "الحارث بن عمير" رضي الله عنه .
ويدعوا من هناك إلى الإسلام .
فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم .
ثم قال ﷺ إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس .
وإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة على الناس .
فإن أصيب ابن رواحة فليرتضِ المسلمون برجل منهم فليجعلوه عليهم .
"يعني إذا قتل القادة الثلاثة يختارون رجل من الجيش يكون القائد فيهم"...
طبعاً كان من ضمن الجيش "خالد بن الوليد" ولكنه كان حديث عهد بالإسلام .
كما ذكرنا في الجزء السابق

وهذه هي المرة الأولى والأخيرة التي يولي فيها النبي ﷺ ثلاثة من الأمراء على سرية واحدة .
وهذا يعني أن الحبيب المصطفى ﷺ كان يتوقع حرباً ضروساً في هذه المعركة .

وانظروا إلى هذا الموقف
لنعرف كم كان حقد و علم وخبث اليهود...
كان يقف بجانب "عبدالله بن رواحة" حبر من أحبار اليهود .
كان صديقآ له قبل الإسلام .
عندما سمع النبي ﷺ يقول إن أصيب زيد فجعفر وإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة فإن أصيب ابن رواحة يرتض المسلمون رجل فهمس هذا "الحبر اليهودي" في أذن عبدالله بن رواحة ...
وقال : يا ابن رواحة إن كنت موصي في أهلك شيئا فأوصي فوالذي خلقك لن ترى وجه محمداً بعد اليوم .
ما كان لنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول إذا أصيب فلان فيرجع إلى أهله حياً .
ولو عد مائة أصيبوا جميعاً .

سبحان الله
يعرف أن محمداً نبي وأنه ما ينطق الهوى .
فمالذي حملك على الكفر ؟

هم يعلمون أنه نبي مؤيد من السماء .
ولكن كما قال الله تعالى
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ♡
وقال تعالى :
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ♡

إذن بشرهم النبي ﷺ بالشهادة زيد ثم جعفر ثم عبدالله رضي الله عنهم...
ولم يخرج النبي ﷺ بنفسه في هذه المعركة .
والرسول ﷺ لم يخرج في جميع الغزوات .
والسبب :
١- حتى لا يشق على أمته .
"لأنه لو خرج في كل غزوة لخرج كل المسلمين معه .
وهذا أمر لا يتحمله كل الناس"

٢ - لكي يتعود المسلمون على الإعتماد على أنفسهم .
ويستطيع تربية وإعداد صف من القادة ينهضون بالرسالة بعده ﷺ .

وخرج ﷺ بنفسه لتوديع الجيش وكان يوم الخميس .
وودعهم الناس وقالوا لهم صحبكم الله ودفع عنكم . وردكم إلينا صالحين .
فلما قيل لعبد الله بن رواحة ذلك رد على من يدعون له أن يرجع إليهم بشعر
فقال :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فراغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
أرشده الله من غاز وقد رشدا


وأوصى النبي ﷺ الجيش وقال :
انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله .
ولا تقتلوا شيخاً فانياً ، ولا طفلاً صغيراً ، ولا إمرأة .
ولا تمثلوا ، ولا تغلوا ، وضموا غنائمكم ، وأصلحوا وأحسنوا ، إن الله يحب المحسنين .

وانطلق الجيش على بركة الله إلى "مؤتة"

وكان الطريق من "المدينة" الى "مؤتة" 1200 كم في صحراء قاحلة
وهي أكبر مسافة سارها جيش مسلم حتى ذلك الوقت .
وكان ذلك أيضاً الجو شديد الحرارة .
انطلق الجيش كما قلنا يوم "الخميس" قبل سقوط القرص حتى يبيت الجيش خارج المدينة ثم ينطلقوا يوم الجمعة
ووقف النبي ﷺ يوم الجمعة بين الناس على منبره يخطب الجمعة .
وإذا "عبدالله بن رواحة رضي الله عنه بين الصفوف .
فلما فرغ من صلاته
قال له النبي ﷺ : ما أبطأك عن صحبك يا بن رواحة لما لم ترح معهم ؟
لأن السفر بعد الظهر إسمه "روحة"
والسفر صباحا يسمى "غدوة"
لذلك ﷺ لَغَدْوَةٌ في سبِيلِ اللَّهِ أوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيها .
قال له : لما لم ترح مع أصحابك
فقال ابن رواحة : أحببت أن أجمع معك يارسول الله فلعلها تكون آخر جمعة .
"أي اصلي الجمعة معك اسمع آخر موعظة لك...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فرفع النبي ﷺ صوته بلهجة المعاتب المغضب
وهو يقول : والذي نفسي بيده لو أنفقت مافي الأرض جميعاً ما أدركت غدوتهم .

إنطلق عبدالله بن رواحة رضي الله عنه مسرعاً وقد اشعلت هذه الكلمات النور في قلبه .
إذا غدوتهم فقط تعدل ما على الأرض.....

وصل الجيش بعد اسبوعين إلى منطقة "معان" في جنوب الأردن .
وكان الهدف كما ذكرنا هو قتال "شرحبيل بن عمرو" ملك غسان الذي قتل حامل الرسالة "الحارث بن عمير" رسولَ رسولِ الله ﷺ .

ولكن في هذا المكان نقلت الإستخبارات الإسلامية إلى "زيد بن حارثة رضي الله عنه مفاجأة غير متوقعة....
وهي أن الدولة "الرومانية" قد قررت الإشتراك في المعركة بنفسها ....
بل وألقت بثقلها في المعركة وأرسلت جيشاً قوامه
100 ألف مقاتل .
طبعاً أذناب الروم من العرب دائماً جاهزين للولاء ...

فتجمع العرب مع "هرقل" وأعدوا جيشاً آخر قوامه 100 ألف .

فأصبح عدد العدو 200 ألف منهم 50ألف فارس .

مقابل 3 آلاف مسلم رضي الله عنهم

هكذا أجمعت كل كتب السيرة
والبعض قال كان عدد الروم أكثر من 200 ألف .

والعجيب أن يعد الروم والعرب الموالين لهم كل هذا الجيش لقتال جيش قوامه فقط 3 آلاف مقاتل ....

على ماذا يدل هذا ؟؟
يدل على مدى الرعب الذي كان فيه هؤلاء الروم وأتباعهم وخوفهم من المسلمين .
والهيبة العظيمة التي إستطاع الحبيب المصطفى ﷺ تحقيقها للدولة الإسلامية .

عندما علم المسلمون بعدد الروم جمع "زيد بن حارثة رضي الله عنه الصحابة رضي الله عنهم ليعرض عليهم مستجدات الموقف واستشارهم كما فعل ﷺ في بدر وفي أحد وفي الخندق .

وكانت هناك ثلاثة آراء مختلفة

الرأي الأول :
كان يرى أن يرسل المسلمون رسالة إلى النبي ﷺ في المدينة ويخبرونه بالوضع ويطلبون رأيه .
فإما أن يأمرهم بالقتال أو الإنسحاب أو يرسل إليهم مدد .
وقد تم رفض هذا الرأي لأن المسافة بين معان والمدينة كبيرة .

الرأي الثاني :
كان يرى أن ينسحب الجيش ويعود إلى المدينة .
لأن الجيش جاء لمحاربة مملكة "غسان" وعقاب "شرحبيل بن عمرو" الذي قتل "الحارث بن عمير رضي الله عنه.

ولذلك أتى بجيش قوامه 3 آلاف مقاتل ولم يأت لقتال تحالف بين الإمبراطورية الرومانية العملاقة وكل القبائل العربية المتحالفة معها ....
ودخول معركة كهذه معناه إهلاك الجيش الذي هو كل عماد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت .
ولا يأمن إذا حدث هذا أن يجتاح أعداء الدولة الإسلامية من قريش وغطفان وغيرهم المدينة .

وقال أصحاب ذلك الرأي لزيد بن حارثة قد وطئت البلاد وأخفت أهلها فانصرف فإنه لا يعدل العافية شيء .

فوقف عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقال : يا قوم
والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون "الشهادة"
وما نقاتل الناس بعدد ولا بقوة ولا كثرة.. ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به . فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين .
إما ظهورٌ وإما شهادة .
وكانت الأغلبية في الجيش مع هذا الرأي الأخير وهو الدخول في الحرب .... الرأي الثالث
وكان هذا القرار كان هو أجرأ قرار عسكري على مر التاريخ كله .

وصل المسلمون إلى قرية تسمى "شارف" بعدما أقاموا يومين في "معان"
وكانت هذه القرية شارف قد اشتهرت بصناعة السيوف .
كان يقال سيوف مشرفية .. "أي صنعت في شارف"

ولكن وجد المسلمون أن هذا المكان غير مناسب للقتال بالنسبة لهم .
فانحازوا إلى قرية يطلق عليها "مؤتة" مدينة معروفة في جنوب الأردن أقاموا معسكرهم هناك .

وكان سبب اختيار هذه القرية هو استغلال مزارع القرية وبيوتها لتكون حماية طبيعية للجيش
فلا يتمكن الرومان من تطويق الجيش .
وتكون المواجهة بنفس أعدادهم

وهي نفس خطة الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر وفي أحد ..
ووصلت جيوش العدو أمواج بشرية هائلة تنساب إلى أرض المعركة والمسلمون واقفون ثابتون كالجبال .
تخيلوا 200 الف عددهم وكثرتهم .
وكان ممن حضر المعركة "أبو هريرة رضي الله عنه
يقول : شهدت مؤتة .
فلما رأينا المشركين ما لا قبل لنا به من العدد والكراع. والسلاح والكراع . والديباج . والحرير . والذهب فبرق بصري
فقال لي "ثابت بن أقرم رضي الله عنه وهو صحابي كان ممن شهد بدر ..
فقال لي يا أبا هريرة : مالك .. كأنك ترى جموعاً كثيرة ؟؟
قلت : نعم .
قال : لم تشهدنا ببدر ... إنا لم نُنصر بالكثرة .
"اسمعتم""
نحن أمة لا ننتصر بالكثرة ولا بالعدة .. ننتصر بالعقيدة الصادقة وقوة الإيمان بالله العلي الكبير.
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة . وهي قوة العقيدة .
قلب قد تمكن فيه الايمان هذه هي قوة الأمة .
لذلك قال ابن رواحة رضي الله عنه : وما نقاتل الناس بعدد ولا بقوة ولا كثرة .
ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به .

وجاءت ساعة الصفر ، وأعطى "زيد بن حارثة رضي الله عنه إشارة البدء إلى أصحابه رضي الله عنهم.....
وبدء القتال .....
ما الذي حدث بعد ذلك ؟
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....









[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والثمانون بعد المائة 187
معركة مؤتة .

وصلت جيوش العدو أمواج بشرية هائلة تنساب إلى أرض المعركة....
والمسلمون واقفون ثابتين كالجبال .....

وجاءت ساعة الصفر وأعطى "زيد بن حارثة" رضي الله عنه إشارة البدء إلى أصحابه رضي الله عنهم وجزاهم ربنا خير الجزاء على ما قدموا للإسلام والمسلمين....
وانطلق "زيد بن حارثة" رضي الله عنه كالسهم صوب جيوش الأعداء وهو يحمل الراية وانطلق معه المسلمون وقد ارتفعت صيحات التكبير ....
استمر القتال طوال اليوم ولم يتراجع المسلمون وإنما كالجبال أمام طوفان قوات التحالف الرومانية و العربية ....
وكان صمود وأداء المسلمون في المعركة مفاجأة بالنسبة لقوات العدو، فقد كانوا يتوقعون ألا تستمر هذه المعركة سوى ساعات ثم يتم إبادة الجيش المسلم بالكامل ....
ولكنهم فوجئوا أن المسلمون يقاتلون بشراسة وشجاعة لم يشهدوا مثلها ....
"كل التاريخ يشهد أن المسلمون في الحروب بأنهم أشجع المقاتلين على الإطلاق .
فحبهم للشهادة في سبيل الله تعالى أشد من حب أعدائهم للحياة .... وماسبب ذلك إلا الإيمان وقلوبهم المعلقة بالله العلي الكبير....
حاولوا تطويق المسلمين واعتقدوا أنه أمر سهل لتفوقهم في العدد الكبير ....
ولكن المسلمون لم يمكنوهم من ذلك ....
ونجحت خطة القائد "زيد بن حارثة رضي الله عنه في الإستفادة من جغرافية أرض مؤتة ....
فلم يتمكن الروم من تطويق الجيش المسلم .

ركز الروم هجومهم على القائد حامل اللواء "زيد بن حارثة رضي الله عنه ومزقته رماح الروم وهو مقبلاً عليهم كالأسد حتى قتل شهيداً رضي الله عنه .

"عدوا الجراح في جسده بعد ذلك فوجدوها أكثر من 90 جرحا رضي الله عنه.
ما بين ضربة سيف وطعنة رمح ورمية سهم .

وأخذ الراية "جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكان عمره 33 عاما .
وتكالب عليه الرومان وأصيب عشرات الإصابات ما بين ضربة سيف وطعنه رمح ورمية سهم وهو لا يتوقف عن القتال .
"كان من عادة الجيوش قديماً أنهم يعتبرون الراية هي رمز بقائهم فإذا سقط اللواء كانت هزيمة معنوية"
فمازال يقاتل حتى تمكن أحد الروم من قطع يده التي يحمل بها اللواء .
فترك سيفه الذي يقاتل به وأمسك اللواء بيده الأخرى .
فقطعوا يده الأخر.....
فمسك اللواء بعضدية .
ثم مات شهيداً رضي الله عنه .

يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه في حديث "رواه البخاري رحمه الله...
وقفت على جعفر رضي الله عنه يومئذ وهو قتيل .
فعددتُ به خمسين بين طعنةٍ وضربة، ليس منها شيءٌ في دبره .
"يعني لم تكن به إصابة واحدة في ظهره ....

فهو لم يعطي ظهره للعدو ولو لحظة واحدة حتى قتل"
وأثاب الله تعالى "جعفر رضي الله عنه عن قطع يديه بجانحين يطير بهما في الجنة .
يقول الحبيب المصطفى ﷺ رأيت جعفر بن أبي طالب يطير في الجنة .
ولذلك لقب "جعفر بن أبي طالب بجعفر الطيار رضي الله عنه.

وأخذ اللواء "عبد الله بن رواحة رضي الله عنه
وامتطى جواده وهو يقول :
أبيات شعر قائلاً .... بعد تردد حصل في نفسه رضي الله عنه...

أقسمت يا نفس لتنزلنه
لتنزلن أو لتكرهنة

إن أجلب الناس وشدوا الرنه
مالي أراك تكرهين الجنة .

قد طال ما قد كنت مطمئنة
هل أنت إلا نطفة في شنة

يانفس إلا تقتلي تموتي
هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت
إن تفعلي فعلهما هديت

وحمل الراية وقاتل حتى قتل شهيداً رضي الله عنه .

وهكذا استشهد الأمراء الثلاثة الذين عينهم النبي ﷺ .

وبقي الجيش بلا قائد
فأسرع أحد الأنصار وهو "ثابت بن أرقم " رضي الله عنه وكان ممن شهد بدرآ
فأخذ اللواء وتراجع به للخلف قليلاً وزرعه في الأرض ليتجمع الناس حوله ....
ونادى بأعلى صوته إليك اللواء يا "ابن الوليد رضي الله عنه
فقال له خالد بن الوليد أنت أحق به مني...
فقال ثابت خذه يا خالد فوالله ما أخذته إلا لك...
ألم يقل النبي ﷺ إذا أصيب عبدالله بن رواحة يصطلح الناس على رجل .
هل تصطلحون على خالد
فقال الناس : نعم
فأخذ اللواء خالد بن الوليد رضي الله عنه.... حمل خالد الراية
وعادت الروح المعنوية المرتفعة للمسلمين بعد أن كانت قد بدأت بالتأثر نتيجة استشهاد الأمراء الثلاثة ....

نرجع إلى المدينة المنورة حيث الحبيب المصطفى ﷺ هناك في مسجده بين أصحابه رضي الله عنهم... وقد كشف الله تعالى لنبيه ﷺ في المدينة ما يحدث في أرض المعركة .
نظر الصحابة رضي الله عنهم لوجه النبي ﷺ فوجدوه محزوناً
وإذا بالمصطفى ﷺ يرفع رأسه للأفق وهو ينظر لأرض المعركة
ثم يقول لأصحابه رضي الله عنهم لقد لقي إخوانكم عدوهم اليوم .
أخذ الراية زيد فأصيب .
ثم أخذها جعفر . فقطعت يده التي يحمل بها اللواء . فترك سيفه الذي يقاتل به وأمسك اللواء بيده الأخرى .
فقطعت يده الأخرى فأخذ اللواء بعضديه . فأصيب .
ثم أخذ اللواء بن رواحة وتردد قليلاً ثم أستنزل نفسه .

ثم استعبر الحبيب المصطفى ﷺ أي غلبته دموعه وأخذت عيناه تذرفان الدمع .
ثم قال : ثم أخذ اللواء سيف من سيوف الله تبارك وتعالى ففتح الله على يديه .
فمن يومئذ سمي خالد سيف الله .

لم يهزم في أي معركة مع أنه خاض 100 معركة رضي الله عنه .
ولم يمت شهيداً وقال عند موته
لقد شهدت مئة زحف أو زهاءؤها .
وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح .
وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير .
فلا نامت أعين الجبناء .

أتدرون لماذا لم يمت شهيدا خالد ؟ لأنه الملقب "بسيف الله" وسيف الله لا ينكسر رضي الله عنه وأرضاه...

يقول ﷺ لقد رفعوا إلي في الجنة على سرر من ذهب .
فرأيت في سرير عبدالله بن رواحة أزْوِرَاراً عن سرير صاحبيه .
[[ أي أقل درجة... هذا التردد جعل انتقاص عن سريري صاحبيه رضي الله عنهم

فقال الصحابة رضي الله عنهم عم هذا ؟
فقال ﷺ وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى فقُتِل ولم يُعقّب .

أخذ اللواء "خالد بن الوليد رضي الله عنه... ماذا صنع خالد رضي الله عنه... هذا القائد المحنك التي عجزت النساء أن يلدن مثل خالد رضي الله عنه...
رأى كثرة العدو ومن المحال أن نهزمهم ثم نلحقهم ثم نغنم منهم مع أنهم غنموا وسنذكر ذلك
فلما جاء الليل وتحاجز الفريقان
بات الرومان يتحدثون عن شجاعة المسلمون واستبسالهم
وكان اليوم الأول من القتال في صالح المسلمون تماماً...
فقد ثبتوا أمام الرومان وأفشلوا خططهم في تطويق المسلمون .
وكان عدد قتلى الرومان أكبر من قتلى المسلمين
كان عدد الشهداء من المسلمين في مؤتة 12 شهيد .
أما عدد قتلى الروم .
فقد جاء في بعض الكتب أن عددهم كان مالا يحصي أحد.

وقيل بعد الفتوحات الإسلامية ودخول الناس في دين الله تعالى
أخبر العرب الصحابة رضي الله عنهم أن عدد قتلاهم كان في مؤتة فوق ثلاثة آلاف .
طبعاً أغلب القتلى من العرب
لأن العرب كانوا أذناب للروم والفرس ....

فكان قرار "خالد بن الوليد رضي الله عنه أن ينسحب بالجيش .
لأن المسلمون وإن كانوا قد حققوا تفوقآ في اليوم الأول
فليس هناك إحتمال لتحقيق النصر الكامل .
ولا يمكن مثلاً تعقب الروم والتوغل داخل الأراضي الرومانية بهذا الجيش الصغير ....

وهنا أخذ يفكر خالد رضي الله عنه لو انسحب المسلمون من أمام الرومان بطريقة طبيعية
فلابد أنهم سيلحقوا بهم وستكون مجزرة حقيقية يباد فيها الجيش بأكمله .
فوضع "خالد رضي الله عنه خطة إنسحاب .
أراد بها إيهام الجيش الرومي أن إنسحاب المسلمون هو خدعة يريد بها استدراج الجيش الرومي فلا يلحقوا بهم .
وبذلك ينجو بالجيش المسلم بلا خسائر .

فوضع "خالد بن الوليد رضي الله عنه أعظم خطة إنسحاب في التاريخ .
لتنفيذ هذه الخطة قام "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
بالخطوات التالية :
أولا ...
جعل الخيل طوال الليل تجري في أرض المعركة لتثير الغبار الكثيف...
وصاحب ذلك أصوات تكبير المسلمين ....
فيُخيل للرومان أن هناك مددآ لا ينقطع طوال الليل يصل إلى المسلمين .

ثانيا ...
عندما جاء الصباح جعل في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعة من الجنود خلف أحد التلال.... فاختار 100 فارس
وقال قفوا خلف هذا التل "تل مؤتة"
فإذا طلعت الشمس تأتوني عشرة عشرة .
وكل عشرة معهم لواء ....
تضربون الأرض بالخيل وتثيرون الغبار
"ليشعر الرومان بالمدد المستمر الذي يأتي للمسلمين"
فإذا هدأت الغبار تتقدم عشرة يضربون الأرض بالخيل وهكذا عشرة عشرة .

ثالثا ...:
قام بتغيير ترتيب الجيش
فجعل الميمنة ميسرة .. والميسرة ميمنة .
وجعل المقدمة مؤخرة .. والمؤخرة مقدمة .

وحين رأى الرومان الجيش في الصباح .
ورأوا الرايات والوجوه والهيئة قد تغيرت
أيقنوا أن هناك مددآ قد جاء للمسلمين .
ونتيجة لذلك إنهارت معنويات الروح وساد فيهم الرعب والارتباك ....
ولسان حالهم يقول "إذا كان هذا العدد الصغير قد فعل بنا الأفاعيل.....
فماذا بعد أن يصل إليهم هذا المدد الكبير ؟

في ذلك الوقت وأثناء إرتباك الروم قام خالد بهجوم قوي وقتلوا الكثير من الروم.....
ومن شدة القتال تكسرت في يد "خالد بن الوليد رضي الله عنه تسعة أسياف .
يقول خالد رضي الله عنه فصبرت معي صفيحة لي يمانية
"الصفيحة هو سيف عريض يصل إلى 8 سم يكون ثقيلاً ولكن يتحمل مقاومة الكسر والصدمات
يقول خالد رضي الله عنه كسرت في يده تسعة أسياف
رضي الله عنه

وفي ذلك الوقت وقبل أن يعيد الروم ترتيب صفوفهم ....
أعطى خالد قادته الإشارة بالارتداد إلى الخلف كما اتفق معهم ....
فأخذ الجيش يغادر أرض المعركة بكل هدوء وثقة وانضباط
وكان خالد رضي الله عنه يجول بفرسه بين الجيش ليشرف على عملية الإنسحاب .
وشاهد الرومان المسلمون وهم يرتدون إلى الخلف بعد الهجوم الكاسح الذي قاموا به .
وبعد أن شاهدوا ما اعتقدوا أنه مدد يصل إلى الجيش المسلم
فأيقنوا أن هذا الإنسحاب مكيدة يريد بها المسلمون استدراج الجيش الرومي إلى أحد الكمائن
وهم يعرفون أن العرب يجيدون "الكر والفر والكمائن" في الحرب
فخافوا من تتبع المسلمين .
وأصدر القادة الروم أوامرهم بعدم تعقب المسلمون .

وهكذا نجحت خطة "خالد" وخدعته العسكرية الباهرة
وعاد الجيش المسلم إلى المدينة سالماً....
رضي الله عنهم
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى......











[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة و الثمانون بعد المائة 188
رجوع الصحابة رضي الله عنهم من مؤتة .

رجع الصحابة رضوان الله عليهم إلى المدينة وكان "خالد بن الوليد" رضي الله عنه قد وضع أعظم خطة إنسحاب في التاريخ ....

خرج ﷺ من مسجده وهو يكفكف دمعه متجهاً إلى بيت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه...
تقول "أسماء بنت عميس" رضي الله عنها زوجة "جعفر" رضي الله عنه ولها منه ولدان إثنان "عبدالله و محمد"
تقول فقال لي رسول الله ﷺ ائتيني ببني جعفر .
تقول : فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه "أي بكى" حتى نقطت لحيته الشريفة صلى الله عليه وسلم..
فقلت : يارسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك ؟
أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟
قال وقد حجرش وخنقته العبرة
قال : احتسبي يا أمة الله ، لقد اصيبوا هذا اليوم .
"احتسبي أي أجرك عندالله"
قالت : فلم أملك نفسي فقمت أصيح .... واجتمع علي النساء .
فقال لها النبي ﷺ يا أسماء لا تقولي هجراً ولا تضربي خدآ .
وغلبه البكاء ﷺ وخرج وهو يقول :
اللهم قد قدم إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدًا من عبادك في ذريته .

وخرج رسول ﷺ إلى أهله وقال لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماً فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم .
يقول عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما وكان عمره 8 سنين
فقامت سلمى مولاة النبي ﷺ وأحضرت شعيرآ فطحنته ونسفته ثم طبخته وأدمته بزيت "وضعت عليه الزيت" وجعلت عليه فلفلا..
فأكلت من ذلك الطعام...
وأخذني رسول الله ﷺ معه أنا وأخي محمد وأبقانا عنده ثلاثة أيام ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا

ومن هنا كانت سنة صنع الطعام لأهل الميت.

وتسمى عند العرب "الوضيمة"
وطعام العرس يسمى "الوليمة"
وطعام القادم من السفر "النقيعة"
وطعام البناء "الوكيرة"

فمن السنة صنع الطعام لأهل الميت... ولكن دون توسع وإسراف....

ولعل شخص يسأل لماذا أمر النبي ﷺ لآل جعفر مع أن هناك شهداء غير جعفر ؟
يجب أن نعلم :
إذا قال النبي ﷺ هذا لأهل بيته وجعفر رضي الله عنه من آل بيته فهو إبن عمه ....
فهذا يعني أنه قد شرع للناس سنة فاقتدوا بها يا مسلمين .

فأقرب ناس لآل جعفر قد صنعوا له الطعام .
فليصنع ل آل ابن رواحة .
وليصنع ل آل زيد .
وليصنع ل آل الشهداء .

فعل ذلك ﷺ وأخبر أصحابه رضي الله عنهم بما حدث في المعركة قبل أن يعود الجيش للمدينة "بشهر "

مما حصل في أحداث المعركة :
الصحابي "خزيمة بن ثابت الأنصاري " رضي الله عنه والحديث في صحيح مسلم رحمه الله باب المغازي يقول :
حين دارت المعركة كنت أرقب رجل رومي وكأنه أمير من امرآئهم،
"لايعني أمير الجيش يعني شخصية من شخصياتهم هكذا كانت العرب تعبر عن من لهم مكانة مميزة في قومه يقولون أمير "
حين دارت المعركة كنت أرقب رجل رومي وكأنه أمير من امرآئهم على رأسه بيضة ...
"الخوذة التي تلبس على الرأس في الحرب كانت تصنع بشكل بيضوي لكي تتحمل الضربات"
على رأسه بيضة في وسطها ياقوته فجعلته هدفي لعلِ أغنم هذه الياقوته ...
فمازلت أراقبه حتى قتلته ثم أخذت الخوذة عن رأسه وانتزعت الياقوته ...
من هدي النبي ﷺ : من قتل قتيل فله سلبه .
يعني أمواله ومتاعه للصحابي الذي قتله ..
يقول خزيمة رضي الله عنه فلما أتينا المدينة وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت يارسول الله أنا قتلت ذلك الأمير وهذا سلبه .
فنفلنيها "أي أعطاني إياها "
فأحتفظت بها .
حتى إذا كان عهد "عثمان بن عفان رضي الله عنه بعتها بألف دينار واشتريت بها بستان من نخيل ....

مثال آخر أيضآ في صحيح مسلم رحمه الله :
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه :
قال خرجت مع "زيد بن حارثة رضي الله عنه في غزوة مؤتة فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه ...
"ومعنى مددي النبي ﷺ كلف للجهاد أهل المدينة فقط
فكان الملزم أهل المدينة بالجهاد
ومن يأتي من خارج المدينة مسلماً يريد الإشتراك هذا يكون متطوعاً يسمى مددي "
قال : خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه
فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرق .
"أي طلب منه جلد الناقة يجعل منه درع يتلقى الضربات ما معه غير السيف"
ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب ...
فجعل الرومي يغري بالمسلمين فقعد له المددي خلف صخرة
فمر به الرومي فعرقب فرسه "أي عرقل قدمي الفرس فسقط "
فخر الرومي على الأرض وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه .....

رجع الجيش إلى المدينة :
فلما اقتربوا أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه رجل من طرفه يخبر النبي ﷺ بقدوم الجيش
ولم يكونوا يعلمون أن النبي ﷺ قد سرد لأصحابه رضي الله عنهم تفاصيل المعركة وهم في أرض المعركة ....
فجاء ذلك الرجل إلى النبي ﷺ ودخل إلى مجلسه
وقال : يا رسول الله أرسلني إليك "خالد بن الوليد" وهو أمير الجيش أخبرك بمقدمهم .
فقال له ﷺ إن شئت فأخبرتني وإن شئت فأخبرتك .
قال : فأخبرني يا رسول الله .
فأخبره رسول الله ﷺ خبرهم كله ووصف له .
فقال : والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفاً واحدا لم تذكره ...
وإن أمرهم لكما ذكرت .
فقال له النبي ﷺ إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم .

ثم وقف ﷺ وقال للناس اخرجوا لملاقاة إخوانكم .
فأخذ الناس يسألون هذا الصحابي رضي الله عنه عن تفاصيل المعركة وكيف نجا المسلمون .
"فقص عليهم خطة خالد بالإنسحاب وتفاصيلها"
فلما سمع الصحابة رضي الله عنهم ذلك غضبوا
وقالوا : ألم تتبعوهم ؟؟
قال . لا . لقد رأى خالد رضي الله عنه أن ننسحب خيراً من أن نتوغل في بلادهم .
فغضب الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : سترون منا اليوم .

فخرج النبي ﷺ بنفسه لإستقبال الجيش وكان يركب على دابة صغيرة .
وخرج الصبية مسرعين يستقبلون آباءهم .
فقال النبي ﷺ أعطوني ابن جعفر .
فأخذ "عبدالله بن جعفر عمره 8 سنين ووضعه في حجره .
"كي لا يشعر بألم فقد أبيه صلوات ربي وسلامه عليك...

يقول عبدالله : فوضعني في حجره وهو يقول لي
هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء .
ودعا لي وقال اللهم بارك له في صفقة يمينه .

يقول عبدالله لما كبر : فوالذي بعثه بالحق نبياً ما بعت شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه .

فلما اقتربوا وإذا بأهل المدينة يستقبلون الجيش وهم يحثون وجوه الجيش بالتراب .
ويقولون لهم : يا فرارون . فررتم في سبيل الله ؟

فوقف النبي ﷺ ورفع كلتا يديه وقال لا تقولوا لأصحابي فرارون . ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله عزوجل .
وإن خالداً قد تحيز إلي وأنا فئته .
ما معنى هذا ؟؟
الصحابة رضي الله عنهم فهموا تماماً ما يقول النبي ﷺ :
فهموا على الفور معنى وإن خالداً قد تحيز إلي وأنا فئته .
فهموا القرآن الكريم بقلوب مفتوحة وليست عليها أقفالها
تذكر الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى لأن القرآن الكريم يجري في عروقهم .
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
سورة الأنفال .

لذلك قال النبي ﷺ أن خالداً تحيز إلي وأنا فئته .
يعود إليهم فاتحاً إن شاء الله تعالى .

وخالد بن الوليد رضي الله عنه هذا الصحابي الجليل قد فتحت هذه البلاد على يديه فعلاً
وصدقت نبوءة رسول الله ﷺ

بقي الصبية الصغار والذين لا يدركون كلام النبي ﷺ
كلما لقوا رجل ممن شهد "مؤتة" إذا لقيهم بباب المسجد أو الطرقات .
يقولون له : أنت من الفرار .
كلما وجدوا رجل أنت من الفرار . أنت من الفرار .

تأثر بهذا الكلام "سلمة" .
ابن أم سلمة زوجة النبي ﷺ وكان قد زوجه النبي ﷺ قبل خروجه للمعركة بأيام فهو حديث عهد بعرس .
جلس في البيت ثلاثة أيام لا يأتي للمسجد .
وافتقده النبي ﷺ فقال لأم سلمة رضي الله عنها : ما شأن سلمة ؟؟
قالت : والذي بعثك بالحق لا أدري : سأسأل عروسه .
فأتتها وقالت لعروسه : مابال سلمة لا يحضر الجماعة . فوجدته إبنها جالس في بيته .
وجدته جالساً في زاوية البيت يبكي وقد تسلخت عيناه .
قالت : ما هذا يا بني .
قال : كلما أتيت المجلس قال لي الصبية أنت من الفرار .
فأصبحت لا أطيق أن أرى أحد
فذكرت ذلك للنبي ﷺ .
فقام ﷺ على الفور وخطب في أصحابه رضي الله عنهم :
ونهى في المسجد كبيراً وصغيراً أن يقول لأحد من جند مؤتة أنت من الفرار .
بل سماهم الكرار وأثنى عليهم
ثم ذهب بنفسه إلى بيت "سلمة رضي الله عنه وأخذ بيده وأتى به إلى المسجد .

صلى الله عليه وسلم ورضي عن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....







[سيرة النبي صل الله عليه وسلم
الحلقة الثامنة و الثمانون بعد المائة 188
رجوع الصحابة رضي الله عنهم من مؤتة .

رجع الصحابة رضوان الله عليهم إلى المدينة وكان "خالد بن الوليد" رضي الله عنه قد وضع أعظم خطة إنسحاب في التاريخ ....

خرج ﷺ من مسجده وهو يكفكف دمعه متجهاً إلى بيت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه...
تقول "أسماء بنت عميس" رضي الله عنها زوجة "جعفر" رضي الله عنه ولها منه ولدان إثنان "عبدالله و محمد"
تقول فقال لي رسول الله ﷺ ائتيني ببني جعفر .
تقول : فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه "أي بكى" حتى نقطت لحيته الشريفة صلى الله عليه وسلم..
فقلت : يارسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك ؟
أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟
قال وقد حجرش وخنقته العبرة
قال : احتسبي يا أمة الله ، لقد اصيبوا هذا اليوم .
"احتسبي أي أجرك عندالله"
قالت : فلم أملك نفسي فقمت أصيح .... واجتمع علي النساء .
فقال لها النبي ﷺ يا أسماء لا تقولي هجراً ولا تضربي خدآ .
وغلبه البكاء ﷺ وخرج وهو يقول :
اللهم قد قدم إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدًا من عبادك في ذريته .

وخرج رسول ﷺ إلى أهله وقال لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماً فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم .
يقول عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما وكان عمره 8 سنين
فقامت سلمى مولاة النبي ﷺ وأحضرت شعيرآ فطحنته ونسفته ثم طبخته وأدمته بزيت "وضعت عليه الزيت" وجعلت عليه فلفلا..
فأكلت من ذلك الطعام...
وأخذني رسول الله ﷺ معه أنا وأخي محمد وأبقانا عنده ثلاثة أيام ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا

ومن هنا كانت سنة صنع الطعام لأهل الميت.

وتسمى عند العرب "الوضيمة"
وطعام العرس يسمى "الوليمة"
وطعام القادم من السفر "النقيعة"
وطعام البناء "الوكيرة"

فمن السنة صنع الطعام لأهل الميت... ولكن دون توسع وإسراف....

ولعل شخص يسأل لماذا أمر النبي ﷺ لآل جعفر مع أن هناك شهداء غير جعفر ؟
يجب أن نعلم :
إذا قال النبي ﷺ هذا لأهل بيته وجعفر رضي الله عنه من آل بيته فهو إبن عمه ....
فهذا يعني أنه قد شرع للناس سنة فاقتدوا بها يا مسلمين .

فأقرب ناس لآل جعفر قد صنعوا له الطعام .
فليصنع ل آل ابن رواحة .
وليصنع ل آل زيد .
وليصنع ل آل الشهداء .

فعل ذلك ﷺ وأخبر أصحابه رضي الله عنهم بما حدث في المعركة قبل أن يعود الجيش للمدينة "بشهر "

مما حصل في أحداث المعركة :
الصحابي "خزيمة بن ثابت الأنصاري " رضي الله عنه والحديث في صحيح مسلم رحمه الله باب المغازي يقول :
حين دارت المعركة كنت أرقب رجل رومي وكأنه أمير من امرآئهم،
"لايعني أمير الجيش يعني شخصية من شخصياتهم هكذا كانت العرب تعبر عن من لهم مكانة مميزة في قومه يقولون أمير "
حين دارت المعركة كنت أرقب رجل رومي وكأنه أمير من امرآئهم على رأسه بيضة ...
"الخوذة التي تلبس على الرأس في الحرب كانت تصنع بشكل بيضوي لكي تتحمل الضربات"
على رأسه بيضة في وسطها ياقوته فجعلته هدفي لعلِ أغنم هذه الياقوته ...
فمازلت أراقبه حتى قتلته ثم أخذت الخوذة عن رأسه وانتزعت الياقوته ...
من هدي النبي ﷺ : من قتل قتيل فله سلبه .
يعني أمواله ومتاعه للصحابي الذي قتله ..
يقول خزيمة رضي الله عنه فلما أتينا المدينة وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت يارسول الله أنا قتلت ذلك الأمير وهذا سلبه .
فنفلنيها "أي أعطاني إياها "
فأحتفظت بها .
حتى إذا كان عهد "عثمان بن عفان رضي الله عنه بعتها بألف دينار واشتريت بها بستان من نخيل ....

مثال آخر أيضآ في صحيح مسلم رحمه الله :
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه :
قال خرجت مع "زيد بن حارثة رضي الله عنه في غزوة مؤتة فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه ...
"ومعنى مددي النبي ﷺ كلف للجهاد أهل المدينة فقط
فكان الملزم أهل المدينة بالجهاد
ومن يأتي من خارج المدينة مسلماً يريد الإشتراك هذا يكون متطوعاً يسمى مددي "
قال : خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة فرافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه
فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرق .
"أي طلب منه جلد الناقة يجعل منه درع يتلقى الضربات ما معه غير السيف"
ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب ...
فجعل الرومي يغري بالمسلمين فقعد له المددي خلف صخرة
فمر به الرومي فعرقب فرسه "أي عرقل قدمي الفرس فسقط "
فخر الرومي على الأرض وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه .....

رجع الجيش إلى المدينة :
فلما اقتربوا أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه رجل من طرفه يخبر النبي ﷺ بقدوم الجيش
ولم يكونوا يعلمون أن النبي ﷺ قد سرد لأصحابه رضي الله عنهم تفاصيل المعركة وهم في أرض المعركة ....
فجاء ذلك الرجل إلى النبي ﷺ ودخل إلى مجلسه
وقال : يا رسول الله أرسلني إليك "خالد بن الوليد" وهو أمير الجيش أخبرك بمقدمهم .
فقال له ﷺ إن شئت فأخبرتني وإن شئت فأخبرتك .
قال : فأخبرني يا رسول الله .
فأخبره رسول الله ﷺ خبرهم كله ووصف له .
فقال : والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفاً واحدا لم تذكره ...
وإن أمرهم لكما ذكرت .
فقال له النبي ﷺ إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم .

ثم وقف ﷺ وقال للناس اخرجوا لملاقاة إخوانكم .
فأخذ الناس يسألون هذا الصحابي رضي الله عنه عن تفاصيل المعركة وكيف نجا المسلمون .
"فقص عليهم خطة خالد بالإنسحاب وتفاصيلها"
فلما سمع الصحابة رضي الله عنهم ذلك غضبوا
وقالوا : ألم تتبعوهم ؟؟
قال . لا . لقد رأى خالد رضي الله عنه أن ننسحب خيراً من أن نتوغل في بلادهم .
فغضب الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : سترون منا اليوم .

فخرج النبي ﷺ بنفسه لإستقبال الجيش وكان يركب على دابة صغيرة .
وخرج الصبية مسرعين يستقبلون آباءهم .
فقال النبي ﷺ أعطوني ابن جعفر .
فأخذ "عبدالله بن جعفر عمره 8 سنين ووضعه في حجره .
"كي لا يشعر بألم فقد أبيه صلوات ربي وسلامه عليك...

يقول عبدالله : فوضعني في حجره وهو يقول لي
هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء .
ودعا لي وقال اللهم بارك له في صفقة يمينه .

يقول عبدالله لما كبر : فوالذي بعثه بالحق نبياً ما بعت شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه .

فلما اقتربوا وإذا بأهل المدينة يستقبلون الجيش وهم يحثون وجوه الجيش بالتراب .
ويقولون لهم : يا فرارون . فررتم في سبيل الله ؟

فوقف النبي ﷺ ورفع كلتا يديه وقال لا تقولوا لأصحابي فرارون . ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله عزوجل .
وإن خالداً قد تحيز إلي وأنا فئته .
ما معنى هذا ؟؟
الصحابة رضي الله عنهم فهموا تماماً ما يقول النبي ﷺ :
فهموا على الفور معنى وإن خالداً قد تحيز إلي وأنا فئته .
فهموا القرآن الكريم بقلوب مفتوحة وليست عليها أقفالها
تذكر الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى لأن القرآن الكريم يجري في عروقهم .
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
سورة الأنفال .

لذلك قال النبي ﷺ أن خالداً تحيز إلي وأنا فئته .
يعود إليهم فاتحاً إن شاء الله تعالى .

وخالد بن الوليد رضي الله عنه هذا الصحابي الجليل قد فتحت هذه البلاد على يديه فعلاً
وصدقت نبوءة رسول الله ﷺ

بقي الصبية الصغار والذين لا يدركون كلام النبي ﷺ
كلما لقوا رجل ممن شهد "مؤتة" إذا لقيهم بباب المسجد أو الطرقات .
يقولون له : أنت من الفرار .
كلما وجدوا رجل أنت من الفرار . أنت من الفرار .

تأثر بهذا الكلام "سلمة" .
ابن أم سلمة زوجة النبي ﷺ وكان قد زوجه النبي ﷺ قبل خروجه للمعركة بأيام فهو حديث عهد بعرس .
جلس في البيت ثلاثة أيام لا يأتي للمسجد .
وافتقده النبي ﷺ فقال لأم سلمة رضي الله عنها : ما شأن سلمة ؟؟
قالت : والذي بعثك بالحق لا أدري : سأسأل عروسه .
فأتتها وقالت لعروسه : مابال سلمة لا يحضر الجماعة . فوجدته إبنها جالس في بيته .
وجدته جالساً في زاوية البيت يبكي وقد تسلخت عيناه .
قالت : ما هذا يا بني .
قال : كلما أتيت المجلس قال لي الصبية أنت من الفرار .
فأصبحت لا أطيق أن أرى أحد
فذكرت ذلك للنبي ﷺ .
فقام ﷺ على الفور وخطب في أصحابه رضي الله عنهم :
ونهى في المسجد كبيراً وصغيراً أن يقول لأحد من جند مؤتة أنت من الفرار .
بل سماهم الكرار وأثنى عليهم
ثم ذهب بنفسه إلى بيت "سلمة رضي الله عنه وأخذ بيده وأتى به إلى المسجد .

صلى الله عليه وسلم ورضي عن الصحابة أجمعين
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....





.[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة و الثمانون بعد المائة 189
سرية ذات السُلاسل .

بعد معركة "مؤتة" رجع الصحابة رضي الله عنهم إلى مدينة الحبيب المصطفى ﷺ .
وبلغ رسول الله ﷺ من خلال العيون التي وضعها حول المدينة أن جمعآ من "قضاعة" قد تجمعوا يريدون المدينة ....

قضاعة" كانت قبيلة كبيرة قوية وتبعد عن المدينة المنورة حوالي 600 كم .
وكانت منطقة "قضاعة" تسمي "السُلاسِل"
لأن هناك بئرآ في هذه المنطقة اسمه "السلسل"
وقد كان العرب كثيراً ما يسمون المناطق بأسماء الآبار التي فيها
لأهمية المياه عندهم...
مثل "بدر" على إسم بئر في هذه المنطقة اسمه بدر...

لذلك عرفت هذه السرية بإسم سرية "ذات السُلاسل"

لكي لا تختلط علينا الأمور
هناك أيضاً معركة أخرى عرفت بنفس الإسم أكثر منها شهرة وهي المعركة التي كانت بين المسلمين بقيادة "خالد بن الوليد" وبين الفرس بقيادة "هرمز" في سنة 12 للهجرة في عهد "أبي بكر الصديق رضي الله عنه"
وقد انتهت بانتصار خالد بن الوليد وعرفت "ذات السلاسل"
لأن "هرمز" قائد الفرس في هذه المعركة أمر بربط الجنود بسلاسل حتى لا يفروا .
وكانت النتيجة بعد هزيمة الفرس في هذه المعركة أنهم قتلوا جميعاً لأنهم لم يستطيعوا الفرار
وبالمناسبة فإن المضيق الموجود في الخليج العربي معروف حتى الآن باسم هذا الأمير الفارسي، وكان "هرمز" هذا شديد البغض للإسلام والمسلمين والعرب
لدرجة أن العرب في العراق كانوا يضربون به الأمثال فيقولون "أكفر من هرمز" و "أخبث من هرمز".

نرجع إلى سرية "ذات السلاسل" التي أرسلها النبي ﷺ في جمادى الآخرة من السنة الثامنة ....
فاختار النبي ﷺ لقيادة هذه السرية الصعبة "عمرو بن العاص رضي الله عنه مع أن "عمرو بن العاص" كان قد دخل الإسلام منذ 4 شهور فقط .

ولأن "عمرو بن العاص رضي الله عنه كان من الشخصيات الهامة والمحورية في قريش بل وفي الجزيرة العربية قبل الإسلام وكان معروفاً بالحكمة والدهاء والحزم وحسن القيادة .
فأراد النبي ﷺ أن يؤلف قلب "عمرو بن العاص رضي الله عنه ويحفظ له منزلته ومكانته حتى تستفيد منه الدولة الإسلامية وليكون إضافة للدولة الإسلامية .

فدعا رسول الله ﷺ عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وعقد له لواء أبيض وجعل معه رآية سوداء .
وخرج بالفعل "عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى قضاعة على رأس جيش قوامه 300 من الصحابة رضي الله عنهم

فكان يسير بالليل ويكمن في النهار حتى لا ترصده عيون أعدائه .
زحف بالفعل حتى اقترب من "قضاعة" ووصل إليهم دون أن يشعروا به .
وبعث "عمرو العاص رضي الله عنه العيون فوصل إليه أن أعداد "قضاعة" كبيرة جداً
فأمر الجيش بعدم القتال وأرسل إلى النبي ﷺ في المدينة يطلب منه المدد ....
وسنجد بعد ذلك أن "عمرو بن العاص" رضي الله عنه
في فتوحاته في مصر وفلسطين كان لا يقبل على قتال إلا بعد دراسة متأنية للواقع الذي هو مقبل عليه .

وبالفعل أرسل اليه النبي ﷺ 200 من الصحابة رضي الله عنهم وكان أميرهم "أبو عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وقال النبي ﷺ لأبو عبيدة رضي الله عنه قال له : إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا

ومن ضمن الصحابة رضي الله عنهم كان الصحابي الجليل "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه .
الرجل الثاني في الأمة المحمدية بعد رسول الله ﷺ .
والصحابي الجليل "عمر بن الخطاب رضي الله عنه الملهم بالصواب الذي سماه الحبيب المصطفى ﷺ بالفاروق رضي الله عنه وارضاه .
أميرهم "عمرو بن العاص" رضي الله عنه وعمره في الإسلام 4 أشهور .

لم يكن النبي ﷺ يختار القادة بالأقدمية ولا بالأكبر بالسن ولا بالذي يملك المال ويرشح نفسه

فكان يختار ﷺ الكفاءة والخبرة بالحروب...

ولا يعني الأمارة تكون لمن هو أفضل ، لا
قال ﷺ : إني لأؤمر الرجل على القوم و فيهم من هو خير منه لأنه أيقظ عينا وأبصر بالحرب .
أي : أنزلوا الناس منازلهم ....

فأصبح جيش المسلمين عددهم 500
ولكن لم يكن معرفاً ولم يحدد النبي ﷺ من هو أمير الجيش
أهو : عمرو بن العاص الأمير الأساسي ؟
أم أبو عبيدة بن الجراح الأمير الذي جاء بالمدد ؟
واعتقد "أبو عبيدة بن الجراح" أنه هو الأمير
وجاء موعد الصلاة
وتقدم "أبو عبيدة رضي الله عنه ليؤم المسلمين .
وكانت العادة أن الأمير هو الذي يؤم المسلمين في الصلاة .
لكن "عمرو بن العاص" قال له إنما قدمت علي مددآ وأنا الأمير
وليس لك أن تؤمني ...
وكان "أبو عبيدة" أحد السابقين في الإسلام.... وأحد العشرة المبشرين بالجنة .
وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة . وشهد بدر وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد
وقال عنه النبي ﷺ أنه "أمين هذه الأمة"
ولذلك غضب لأبو عبيدة من جاء معه...
فقالوا : لعمرو بن العاص كلا بل أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه
فرفض "عمر بن العاص" هذا الحل لأنه لا يمكن أن يكون هناك قائدان للجيش .
فقال عمرو بن العاص لا بل أنتم مدد لنا
فقال أبو عبيدة بن الجراح أنت الأمير يا عمرو وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك .
فقد قال لي النبي ﷺ : إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا .
فقال عمرو بن العاص فإني الأمير عليك .
فقال أبو عبيدة رضي الله عنه فدونك . "يعني خذ الإمارة"
وكان "أبو عبيد بن الجراح" معروفاً بحسن الخلق رضي الله عنه
وتقدم "عمرو بن العاص رضي الله عنه وصلى بالمسلمين وصلى خلفه "أبو عبيدة بن الجراح" وصلى خلفه المهاجرين والأنصار وفيهم "أبو بكر" و "عمر بن الخطاب" رضي الله عنهم.

من أهم سبب إنتصارات المسلمين في ذلك الوقت ؟؟
الوحدة وعدم الإختلاف

من الطبيعي تختلف الأفكار ولكن لا يصل هذا الخلاف إلى النزاع والشقاق وسفك الدماء
وكان المسلمون مهما اختلفوا
يتحدون ويجتمعون حول رأي واحد لأنهم لم يكونوا طلاب دنيا
ولكنهم طلاب آخرة .
رضي الله عنهم أجمعين.

وكان النبي ﷺ يمكن أن يحدد الأمير ولكن ﷺ أراد أن يدرب الصحابة رضي الله عنهم على إدارة خلافاتهم .
وإدارة الأزمات التي يمكن أن تواجه الأمة من بعده ....

هو ﷺ فقط وضع القاعدة وهي تطاوعا ولا تختلفا

وذلك قوله تعالى :
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

تركهم النبي ﷺ يتصرفون بناءاً على هذه القاعدة .
التي لو طبقت لتحققت الوحدة ولما حدث أي خلاف بين المسلمين .

قبل المعركة أراد الجيش أن يوقد نارا للتدفئة في الليل ....
والجو الصحرواي شديد الحرارة نهاراً .... شديد البرودة ليلاً
لكن "عمر بن العاص رضي الله عنه رفض أن يوقد أي رجل نار
غضب الصحابة رضي الله عنهم وغضب "عمر بن الخطاب" وتحدث في هذا الأمر مع "أبو بكر الصديق رضي الله عنهم

وكاد أن يذهب إلى "عمرو بن العاص" ولكن منعه
"أبو بكر رضي الله عنه
فأخذ الناس يشكون "لأبي بكر" شدة البرد .
فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجلس إلى "عمرو بن العاص رضي الله عنهم وكلمه في ذلك فرفض ....

قال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه وما عليك يا عمرو لو اشعلوا ناراً فقد أهلكهم البرد .
قال : لا لا ، لا يوقد أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها .
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : سمعا وطاعة .
وقام في الناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: لا يوقد أحد منكم ناراً "واستجاب الجيش"

بدأ القتال مع "قضاعة" وكانت أعداد "قضاعة" أضعاف أعداد المسلمين .
وقعت معركة هائلة كتب الله تعالى فيها النصر للمسلمين .
وفرت قضاعة من أمام المسلمين وبدأ المسلمين في تتبعهم ومطاردتهم .
ولكن "عمرو بن العاص" أمر المسلمين بعدم تتبع "قضاعة" .
ومرة أخرى يغضب الجيش ولكنهم يطيعون "عمرو بن العاص رضي الله عنه...

ثم كان هناك خلاف آخر حدث أثناء السرية
حيث احتلم "عمرو بن العاص رضي الله عنه في ليلة من الليالي وكانت الليلة شديدة البرودة .
فأشفق أن يغتسل بالماء البارد فتيمم وصلى بالناس صلاة الصبح ...
لم يقتنع الصحابة رضي الله عنهم برأي "عمرو بن العاص رضي الله عنه ولكن حتى هذا أطاعوه فيه وصلوا خلفه .

وعندما عادوا إلى المدينة اشتكى الصحابة رضي الله عنهم للنبي ﷺ .
فسأله النبي ﷺ : يا عمرو لما منعتهم أن يوقدوا ناراً ؟
فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه كرهت أن يرى عدوهم قلة عددهم .
"لأن النار كانت تدل على عدد الجيش" فأخفيت أن هنالك جيش واخفيت عددنا .
فأقره النبي ﷺ على ذلك .
قال : ولما منعتهم بعدم تتبع قضاعة ليغنموا منهم ؟
فقال : يا رسول الله كرهتُ أن يتبعوهم فيكون لهم مدد .
فهي أرضهم ونحن لا ندري بها فإذا توغلنا أنعطفوا علينا .
فأحببت أن أنجو بأصحابي وأردهم لك سالمين فما فقدت جندياً واحداً .
"وفعلاً لم يستشهد بهذه السرية أحد"
ومرة أخرى يقر النبي ﷺ بن العاص على رأيه .
قال الصحابة رضي الله عنهم يا رسول لقد صلى بنا وهو جنب .
فقال له النبي ﷺ أصليت بالناس جنباً يا عمرو ؟
قال : يا رسول الله إني سمعت الله يقول :
وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا .
فإن أنا اغتسلت قتلت نفسي ... فتيممت خشيت أن أقتل نفسي من شدة البرد .
فتبسم الحبيب المصطفى ﷺ ولم يقل شيئا وكان هذا إقرار لإجتهاد عمرو بن العاص رضي الله عنه.

وأخذ الفقهاء رحمهم الله من ذلك أن "التيمم" يقوم مقام الغسل بالنسبة للجنب مع وجود الماء إذا خشي أن يؤدي استخدام الماء إلى الضرر ....

هذا الموقف من أعظم المواقف التي يشجع فيها النبي ﷺ أمته على الإجتهاد .
وأن الإجتهاد ليس موقوف على أحد .... إن كان من أهل الإجتهاد حقاً.
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التسعون بعد المائة 190
فتح مكة . الجزء الأول .
قريش تنقض صلح الحديبية .

أولاً ...
كيف تم نقض "صلح الحديبية"
تم عقد صلح الحديبية بين المسلمين وبين قريش في "ذي القعدة" من السنة السادسة من الهجرة ....
وكان من بنود صلح الحديبية هذا البند :
من أحب أن يدخل في عقد محمد ( صلى الله عليه وسلم) وعهده دخل فيه.
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
هذا البند وهو ما نسميه التحالف
وكانت التحالفات في الجزيرة العربية معروفة لأن العرب في الجاهلية كانوا يقتتلون دائماً مع بعضهم البعض كل قبيلة مع الأخرى .

فكانت القبائل القوية تعتدي على القبائل الضعيفة ....
فكانت القبائل الضعيفة حتى تحمي نفسها تتحالف مع قبيلة قوية كما نسميه اليوم بلغة العصر الآن إتفاقية دفاع مشترك .
بمعنى : إذا حدث إعتداء على أحد الدولتين يكون إعتداء على الدولة الأخرى .
وعلى هذه الدولة بموجب هذا الحلف أن تنصر الدولة التي وقع عليها الإعتداء.

فكل قبيلة ملزمة بهذا التحالف أن تدافع على القبيلة الأخرى المتحالفة معها إذا وقع أي إعتداء
فلما تم عقد صلح الحديبية
دخلت قبيلة "خزاعة" في حلف مع النبي ﷺ .
لأن العلاقة بين النبي ﷺ وبين "خزاعة" كانت قوية ...

لأنه كان هناك علاقات قوية حميمية قديمة بين "خزاعة" و "بني هاشم" التي منها النبي ﷺ
حتى عبد المطلب "شيبة الحمد" جد النبي ﷺ كان قد تحالف مع خزاعة قديماً وكان هنالك كتاب بينهم بهذا التحالف .
وهذا نص الكتاب :
انظروا كما كانت العلاقة بين بني هاشم وخزاعة .

باسمك اللهم .
هذا ما تحالف عليه "عبد المطلب بن هاشم" ورجالات عمرو بن ربيعة من "خزاعة"
تحالفوا على التناصر والمواساة .
حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الأشياخ . والأصاغر على الأصاغر .
والشاهد على الغائب .
وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد "أي عهد مؤكد شديد"
وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث "تخيلوا لا يلغى أبدا "
ما أشرقت شمس على ثبير وحنّ بفلاة بعير .
وما أقام الأخشبان وعمر بمكة إنسان .
حلف أبد لطول أمد
يزيده طلوع الشمس شدّا وظلام الليل مدا .
وإن "عبد المطلب" وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون .
فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب .
وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب أو حزن أو سهل .
وجعلوا الله على ذلك كفيلا .
وكفى بالله جميلا .

"جعلوا من هذا العقد كأنهم إخوة في الدم ؟

إن هناك علاقات قوية حميمية قديمة بين "خزاعة" وبين "بني هاشم" التي منها النبي ﷺ .
وكان النبي ﷺ يستخدمهم كعيون له بالرغم من أنهم كانوا حتى ذلك الوقت على شركهم .
إلا أن "خزاعة" لم تدخل في حلف مع رسول الله ﷺ من البداية خوفاً من قريش .
فلما كان صلح الحديبية .
دخلت "خزاعة" على الفور في حلف مع النبي ﷺ .

وقامت قبيلة "بنو بكر" ودخلت في حلف قريش .

لأن "خزاعة" و "بنو بكر" بينهم حروب وعداوت قديمة وثارات كثيرة

لما رأى "بنو بكر" أن عدوتهم الأولى "خزاعة" دخلت في حلف النبي ﷺ .
قالت بنو بكر : لن نكون مع خزاعة في حلف واحد .
فأرادت "بنو بكر" أن يكونوا في الحلف المعاكس .
رغم أن بنو بكر علاقتهم مع قريش ليست قوية لدرجة أن قريش حين خرجت لحرب المسلمين في بدر كانت تخاف من غزو بني بكر لمكة ...
فالآن دخلوا في حلف قريش مثل ما نقول : هو عناد في خزاعة رغم أنهم لا يميلون لقريش .

وفي أثناء هدنة صلح الحديبية وفي السنة الثامنة من الهجرة .
شاب من بني بكر وقف يردد الشعر ويهجو النبي ﷺ .
سمعه شاب من خزاعة فلم يتحمل أن يهجو محمد وهو حليفهم يعني : أنت تهجونا .

فما كان من هذا الشاب الخزاعي إلا أن قام وضربه وشج رأسه .
هنا:
ثار الدم في رؤوس القبيلتين .
فأخذت قريش تحرض حليفتها "بني بكر" على قتال "خزاعة"
وأعانت "قريش" بنو بكر بالسلاح والدواب ....
بل واشترك في القتال من قريش بعض فرسانهم منهم :
١- عكرمة بن أبي جهل
٢- وصفوان بن أمية
٣ - وسهيل بن عمرو وهو الذي كتب بنود معاهدة الحديبية مع النبي ﷺ .
قريش أعانت بنو بكر وقالت لهم باغتوهم في الليل .
وتم الإتفاق :
جاؤوهم ليلاً بغتة وهم آمنون على ماء لهم يقال له "الوتير" وقتلوا منهم بعض رجالهم .
فلما رأت "خزاعة" أنهم سيهزمون وقتل منهم بعض رجالهم .
هربوا و دخلوا إلى الحرم .
"كانت العرب لا تقتل لا في الحرم ولا في الأشهر الحرم .
وكان الرجل يرى قاتل أبيه داخل الحرم فلا يقترب منه حتى يخرج من الحرم"
فلما دخل رجال خزاعة الحرم
قالوا لقائد بني بكر "نوفل بن معاوية"
قالوا له : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم . الله الله في إلهك...
الله الله في إلهك.... فإننانحتمي به في البيت .
فقال نوفل : لا إله هذه الليلة
وصاح برجاله : يا بني بكر أصيبوا ثأركم .
فلعمري إنكم لتسرقون وتسرفون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟
فقتلوا منهم في الحرم 20 رجلاً من خزاعة .

ماذا يعني هذا ؟؟
يعني أنه نقضآ واضحاً وصريحآ "لصلح الحديبية" من قريش لأنها أعانت "بنو بكر" بالسلاح .
بل واشتركت أيضآ في قتال "خزاعة" حلفاء النبي ﷺ .

فلو كانت قريش لم تشترك معهم لأكتفى ﷺ بعقاب "بنو بكر" كما أرسل الكثير من السرايا العقابية للقبائل التي إعتدت على بعض الصحابة رضي الله عنهم.

هذا ما وقع في مكة

إلى المدينة المنورة حيث الحبيب المصطفى ﷺ هناك ....
عند أم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها .
التي تزوجها النبي في "عمرة القضاء" آخر من تزوج ﷺ وكانت ليلتها .
فكان ﷺ في حجرتها وقد قام من الليل يصلي .

تقول ميمونة رضي الله عنها . سكبت له وضوءاً فلما شرع في وضوئه و مضمض واستنشق و أراد أن يغسل وجهه نفض يديه من الماء .
وقال : نُصِرتَ . نُصِرتَ . نُصِرتَ .
فقلت : بأبي وأمي يارسول الله من تكلم ؟
قال : لقد حدث حدثاً في خزاعة الليلة .
سمعتهم يستنصرونني فوالذي نفسي بيده لأنصرنهم .
ثم أتم وضوئه وقام يصلي .
لم تخبر ميمونة أحداً بهذا الحديث فهي خاصية من خصائص الحبيب ﷺ في تلك الليلة .
ولم يكلم النبي صلى الله عليه وسلم أحد ومضت ثلاثة أيام .

والمسافة من مكة للمدينة 6 أيام تقريباً.

فلما وقع هذا الإعتداء انطلق فورا من "خزاعة" أحد شعرائهم وهو "عمرو بن سالم الخزاعي" انطلق إلى المدينة المنورة يستنصر النبي ﷺ .
فلما وصل ووقف على باب المسجد وهيئته هيئة المذعور .
"فقد قطع المسافة من مكة للمدينة في ثلاثة أيام أي في نصف الوقت .
وكان النبي ﷺ في مسجده بين أصحابه فوقف "عمرو بن سالم" كان مغبرآ أشعثاً
فسلم على النبي ﷺ ثم قال شعراً :
[[فكانت الرسالة عبارة عن شعر ، وهذا من بلاغة العرب]]
فقال :
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا
حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا

قد كنت ولدآ وكنا والدآ
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصرآ أعتدا
وادع عباد الله يأتوا مددا

إلى أن قال :

إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا

هم بيِّتونا بالوتير هجـــدا
"اي نايمين"
وقتلونا ركــــعــا ً وسجدا

فلما انتهى من شعره :
قال له النبي ﷺ في قوة وحزم نُصِرتَ يا عمرو بن سالم .
والله لأنصرنكم ، ولأمنعنكم مما أمنع منه نفسي وأهلي .

وكان أن قرر النبي ﷺ أن ينتقم لخزاعة من "بني بكر" ومن "قريش" لإعتدائهم عليهم ونقضهم صلح الحديبية .
فقال يا عمرو إرجع إلى مكة ، ولا تخبر أحداً أنك جئتنا إلا قومك وليتفرقوا .
وأسكنوا حتى يأتيكم أمري .

ودخل ﷺ بيته ولم يحدد كيف يكون هذا الإنتقام وكيف يكون هذا العقاب ....

✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[















: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والتسعون بعد المائة 191
فتح مكة . الجزء الثاني .
قرار فتح مكة .

بعد نقض قريش "صلح الحديبية"
قرر النبي ﷺ أن يقوم بغزو مكة
وسبحان الله العظيم إذا أراد امراً يهيء له الأسباب .
جاء نقض الصلح من قريش في هذا الوقت ....
فمكة بيت الله الحرام ولا يجوز أن تكون تحت حكم المشركين
ولا يجوز أن تكون هناك أصنام حول الكعبة .
ولا يجوز أن يطوف البعض بالبيت عريانا .
وبصفة عامة أوضاع كثيرة غير مقبولة في مكة
كما أن مكة لها مكانتها المعروفة بين العرب .

فلو فتحها المسلمون لدخلت "الجزيرة العربية" كلها في الإسلام
وهذا ما حدث بالفعل كما قال تعالى :
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا .

وغدر قريش ونقضهم صلح الحديبية أمر قد لا يتكرر مرة أخرى ....
لأن قريش تعلم جيداً أن موازين القوى أصبحت في ذلك الوقت في صالح المسلمين تماماً .

وكان هذا الإعتداء من جانبهم على خزاعة تهورآ وتصرفآ أحمقآ غير مبرر .... فهم ليسوا على عداوة مع "خزاعة" بالأصل
وليست علاقتهم بهذه القوة مع "بنو بكر"
ولو تكرر هذا الموقف مائة مرة لما تهورت قريش وأقدمت على ما هي أقدمت عليه .
ولو لم تنقض قريش الصلح كان يجب على النبي ﷺ أن ينتظر ثماني سنوات أخرى
وهي المدة الباقية من صلح الحديبية .
لأن المسلمون يحترمون تعاهداتهم ولا يمكن أن ينقض الرسول ﷺ العهد أبدا
فقرر النبي ﷺ غزو مكة ولكنه لم يخبر أحداً

أخذت "قريش" تبحث عن حل للمشكلة التي أوقعت نفسها فيها .
فقالوا : ما فعلناه إن بلغ محمداً فهو نقض للصلح فما العمل ؟

قريش خائفة لنقضهم الصلح مع المسلمين
والسبب :
هي تعلم جيداً أنها الآن أضعف بكثير من المسلمين .
وتعلم جيداً أنه إذا كانت القوة متعادلة بين الفريقين في السنة السادسة من الهجرة عند توقيع صلح الحديبية .
فإن القوة الآن في صالح المسلمين بعد عامين فقط في السنة الثامنة من الهجرة
فقد رأت قريش أن المسلمون قد انتصروا بعد "الحديبية" في معركتين من أصعب المعارك
وهما "خيبر" و "مؤتة"

"خيبر" بحصونها وكثرة مقاتليها أقوى من قريش .

"مؤتة" ثبت المسلمون أمام جيش الإمبراطورية الرومانية .
وتعلم قريش أن الجيش الإسلامي مدرب تدريبآ جيداً لكثرة المعارك التي خاضها في فترة قصيرة جداً...
وتعلم أن الروح المعنوية للجيش مرتفعة جداً.
من جهة أخرى تضاعفت أعداد المسلمين في هذه الفترة من الزمن ودخلت كثير من القبائل بل والممالك في الإسلام .
فاليمن دخلت في الإسلام .
وعمان دخلت في الإسلام .
ودخلت كثير من القبائل في حلف النبي ﷺ .
بينما أحلاف قريش قليلة جداً وغير قوية وتكاد تكون محصورة في ذلك الوقت في "بنى بكر" فقط.

شيء آخر وهو تناقص أعداء المسلمين وضعفت شوكتهم :

فاليهود انتهى خطرهم تماماً

وغطفان التي كانت القوة الأكبر في حصار المدينة في الأحزاب انتهى خطرها كذلك وجاءت وفودها تعلن الإسلام .

كانت قريش تعلم كل ذلك
ولذلك اجتمعت قريش لتبحث عن حل لهذه المشكلة التي أوقعت نفسها فيها
وهي نقضها لبنود صلح الحديبية .

وبالتالي إحتمال دخولها في حرب جديدة مع المسملين بل وغزو المسلمين لمكة .

وقررت قريش في هذا الإجتماع أن ترسل أبو سفيان بن حرب
فقالوا له :ما لها سواك يا أبا سفيان .
اخرج إلى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة
وكانت بنته زوجة النبي "ام حبيبة رملة بنت أبو سفيان رضي الله عنها"
قالوا له : تذهب لزيارت بنتك
ومن خلالها تصل محمداً واطلب إليه أن يشد بالعهد ويزيد في المدة ....
خرج أبو سفيان وحده لتجديد العهد وطلب مد مدة الهدنة .

سيد قريش يقوم بهذه المهمة بنفسه .
كان هذا تنازل كبير عن كرامة قريش وكبريائها .
وهذه أول مرة في تاريخ قريش تقدم فيه مثل هذا التنازل .

ولكن قريش رأت أن تقدم هذا التنازل وتخسر هذه الخسارة خير لها ألف مرة من خسارة أكبر كثيراً لو قام المسلمون بغزو مكة .

وهذا يدل على مدى الرعب والرهبة الذي كانت فيه قريش من المسلمين .

انطلق أبو سفيان من "مكة" ووصل إلى المدينة وكان عمره في ذلك الوقت 70 عاما .
واتجه أول الأمر إلى إبنته "أم حبيبة رضي الله عنها زوجة النبي ﷺ .
كان النبي ﷺ قد تزوجها منذ عام واحد في السنة "السابعة من الهجرة" وهي بالحبشة .
وكانت "أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها من أوائل المسلمين الذين أسلموا في مكة وهاجرت للحبشة .

أبو سفيان له 17 من الأبناء .
10 من البنات و 7 من الأولاد .
منهم ولده الأكبر "حنظلة" قتل في بدر كافراً
فأبو سفيان لقب ....
أما كنيته الحقيقية "أبو حنظلة"
ومن أبناءه "معاوية بن أبي سفيان" الذي أصبح خليفة المسلمين
طرق باب حجرة بنته "أم حبيبة" رضي الله عنها
فلما فتحت نظرت إلى أبيها
وكان هذا اللقاء بعد غياب 16 سنة .
كان "أبو سفيان" يعتقد من "أم حبيبة" استقبالاً حافلاً .
لكن "أم حبيبة" نظرت إلى أبوها سيد قريش بأنه عدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فسكتت ولم تتكلم وحارت بأمرها ....
فأراد أبوها أن يفك هذه الحيرة فدخل من دون أن تقول له ادخل ....
ولما أن أراد أن يجلس على الفراش الوحيد في الغرفة وهو فراش النبي ﷺ إذا بها تسرع وتطوي الفراش حتى لايجلس عليه أبوها .
فتعجب وكانت صدمة له .
فأراد أن يخرج من هذا الحرج .
وقال لها بلطف : يا بنية ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟
"يعني لم تجلسيني على الفراش لأني رجل عظيم لا يصح أن أجلس على هذا الفراش المتواضع .
أم أنا أقل من أن أجلس على هذا الفراش"

وانظروا ما أجمل الإيمان بالله عندما يكون صادقاً لا يعرف المداهنة حتى ولو كان أبوها
قال تعالى :
لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ .

فقالت له أم حبيبة في صلابة وجفاء واضح .
"هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس .
فلا أحب أن تجلس على فراشه
فصدم أبو سفيان من رد إبنته ودارت الأرض به .
وقال : يا بنية والله لقد أصابك بعدي شرٌّ كبير .
قالت : بل أصابني الخير الكثير وهداني الله تعالى للإسلام وأنت تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر .
وأعجب منك يا أبتِ وأنت سيد قريش وكبيرها .

قال : أأترك ما كان يعبد آبائي وأتبع دين محمد ؟
"إذا كان هذا جوابها عندما أراد أن يجلس فكيف لو أراد أن يناقشها بأمور أخرى"

فتركها وخرج .....
واتجه "أبو سفيان" إلى الرؤف الرحيم صلى الله عليه وسلم
اتجه إلى المبعوث رحمة للعالمين .
اتجه إلى صاحب الخلق العظيم ﷺ
فدخل إلى مسجده فوراً فسلم وجلس .
وقال : يا محمد حين انعقد الصلح مع قريش لم أكن شاهده
"انظروا إلى نفاق المشركين و لغتهم ومن سار في طريقهم ومذهبهم"

وقد تبدلت الأيام وتغيرت وأمر قريش بين يدي فأحببت أن آتيك وأشهد بالعهد وأزيد في المدة .

فقال له النبي ﷺ من جوامع الكلم
قال له :_ هل كان هناك حدث ؟؟
"يعني صار شي"
قال أبو سفيان لا معاذ الله .
نحن على عهدنا وصلحنا لانغير ولا نبدل .
قال : إذآ هو ذاك العهد على ما هو عليه .
[[ كلمتين هل من حدث ؟؟
لا ..... إذآ هو ذاك نحن على عهدنا ثم أعرض بوجهه عنه ﷺ .

فخرج "أبو سفيان" من عند النبي ﷺ واتجه إلى "أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وقال : يا أبا بكر كلم لنا صاحبك يجدد العقد و يزيد في المدة .
فقال له أبو بكر جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يعني ما أنا بفاعل فلن أتوسط بينك وبين الرسول رأيي من رأيه"

فخرج "أبو سفيان" من عند "أبي بكر رضي الله عنه...
فتوجه إلى "عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطلب منه كما طلب من أبي بكر أن يتوسط له عند النبي ﷺ .
ولكن عمر رضي الله عنه رد عليه أنا أشفع لكم عند رسول الله .
فوالله الذي لا إله إلا هو لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به .
"أي لو لم يكن معي إلا جيش من النمل لقاتلتكم به يعني : إذا مات الرجال كلهم وما بقي رجال غزناكم بالنمل"

وخرج "أبو سفيان" من عند "عمر رضي الله عنه
واتجه إلى "علي بن ابي طالب رضي الله عنه ودخل عليه في بيته وكانت معه زوجته السيدة "فاطمة"
فقال أبو سفيان لعلي . يا علي . إنك أَمَسُّ القوم بي رحماً وأقربهم مني قرابة .
وقد جئت في حاجة فاشفع لي إلى محمد .
فقال على بن أبى طالب ويحك يا أبا سفيان .
والله إذا عزم رسول الله على أمرٍ ما نستطيع أن نكلمه فيه .

فقال : أليس عندكم من قِرا .
"يعني ضيافة قدمولي شيء أشربه"
فأحضرت له فاطمة رضي الله عنها الضيافة .
وكان "الحسن" طفلاً صغيراً يلعب في البيت .
فأراد "أبو سفيان" أن يتلطف إلى السيدة فاطمة رضي الله عنها لعلها تشفع له وهو يعلم حب النبي ﷺ لها .
فقال : يا بنت محمد .
هل لك أن تأمري بُنيك هذا فيُجير بين الناس .
ارفعي ولدك هذا وقولي قد أجار الحسن بن علي فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟
ولكن تجاهلت مزاحه وقالت في وقارها ...
والله ما بلغ بُني ذلك أن يجير بين الناس .
وما يجير أحد على رسول الله ﷺ .

فأسقط في يد أبو سفيان وقال يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت عليَّ والأبواب كلها قد سدت فانصحني .
فقال له علي رضي الله عنه والله يا أبا حنظلة لا أعلم شيئاً يغني عنك .
ولكنك أنت سيد بني كنانة فقم فأَجِر بين الناس ثم الحق بأرضك .
أي قم وسط الناس وقل أنك أجرت بين الناس .
أي أنك حجزت بين الناس ومنعت وقوع الحرب بينهم .
ولأنك سيد بني كنانة وشخصية لها مكانته في الجزيرة فالمفروض أن يحترم الناس هذه الإجارة"
فقال أبو سفيان : أوترى ذلك مُغنياً عني شيئاً ؟
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا والله ما أظن . ولكن لا أجد لك غير ذلك .
فقام "أبا سفيان" ودخل المسجد .
وقال يا أيها الناس إني قد أَجرت بين الناس .
فلم يرد على "أبو سفيان" أحد ولم يلتفت إليه أحد

ركب أبو سفيان بعيره راجعآ إلى مكة ومر في طريقه على سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم
فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها .
"يعني يا حسرة على هذه السيوف التي بأيدينا لم تقتل هذا الكافر في الحروب السابقة لعلها في الأيام القادمة تنال منه"
فسمعهم "أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلم يعجب ما قالوه . فنهرهم قائلاً أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم .
وذهب "أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأخبر النبي ﷺ .
فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ؟
لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك .
وفهم "أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوراً إن كنت أغضبتهم لماذا ؟
لأن هؤلاء من أولياء الله تعالى
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون .
يقول الله في الحديث القدسي من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .
فمن أغضب أولياء الله فإنه يغضب الله عزوجل .
لذلك أخفى الله أولياءه بين البشر حتى يكون الناس على حذر ولا يتجرأ أحد أن يؤذي إنسان ويكون هذا الإنسان في علم الغيب من أولياء الله .

ذهب ابوبكر من فوره الى سلمان وصهيب و بلال رضي الله عنهم
وقال لهم : يا إخوتاه أغضبتكم ؟
قالوا . لا يغفر الله لك يا أُخيَّ .
"إذآ كان هناك منتهى الغلظة في التعامل مع أبو سفيان...
ولم ينكر النبي ﷺ على أي منهم ما فعله ....
لأن الموقف موقف حرب ولابد من الغلظة في التعامل مع الكفار في وقت الحرب .
قال تعالى .
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ....

رجع أبو سفيان إلى مكة وهو يعلم أنه قد فشل في أداء مهمته .
قال له أشراف مكة ما وراءك ؟
فقال أبو سفيان جئت محمداً فكلمته .
فوالله ما رد علي شيئاً
ثم جئت ابن أبي قحافة . فوالله ما وجدت فيه خيراً .
ثم جئت عمر فوجدته أدنى العدو .
ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم . وقد أشار علي بأمر صنعته .
فوالله ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا ؟
فقالوا فبماذا أمرك ؟
فقال . أمرني أن أُجير بين الناس ، ففعلت .
قالوا . فهل أجاز ذلك محمد ؟
قال . لا
قالوا . ويحك ! ما زادك الرجل على أن لعب بك .
فقال أبو سفيان لا والله ما وجدتُ غير ذلك .

وعلمت قريش أن احتمال قيام معركة مع المسلمين أمر محتمل وارد .
وعلمت أن قيام النبي ﷺ بغزو مكة أمر محتمل ووارد....
أمر النبي ﷺ الجيش بالإستعداد .
وأمر بالمسلمين من القبائل خارج المدينة أن يتجمعوا في المدينة
وكما هي عادة النبي ﷺ لم يخبر أحداً أين وجهته .
استعينوا على قضاء حوائجكم بالصبر وبالكتمان ...

وكان ﷺ شديد الحرص على كتم خبر خروج الجيش إلى مكة .
لأنه ﷺ كان يريد ويخطط لدخول مكة بلا قتال وسفك دماء بالحرم .
فكان يريد أن يستخدم كل عوامل القوة حتى يصل بقريش إلى الإستسلام .
ومن عوامل القوة هو مفاجأة العدو

وكان ﷺ يقول في دعائه .
اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها .

وكذلك كانت هناك وحدات صغيرة بقيادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقف على مداخل المدينة .
"حاجز تحقق في الداخلين والخارجين من المدينة المنورة"
وتتحفظ على من سلك طريق المدينة مكة .
وذلك حتى يحول دون حصول قريش على أي معلومات عن تجهيزات المسلمين .

وبرغم ذلك فقد كان النبي ﷺ مضطراً إلى أن يقول هذا السر لكبار الصحابة رضي الله عنهم و صحابته المقربين الذين طلب منهم مهمات عسكرية محددة .
ومن هؤلاء الذين علموا بنيته في فتح مكة "حاطب بن أبي بلتعة" رضي الله عنه
و"حاطب بن أبي بلتعة" كان عمره في ذلك الوقت
43 عام أي أنه في سن إكتمال الرجولة، وهو من المهاجرين
ومن الذين اشتركوا في بدر وثبت مع النبي ﷺ في أحد .
كما شهد الخندق والحديبية .

وهو الذي أرسله النبي ﷺ إلى المقوقس حاكم مصر ودار بينهما حوارات طويلة ....
حتى قال له المقوقس في النهاية "أنت حكيم جئت من عند حكيم"

ولكن في لحظة من لحظات الضعف الإنساني والصحابة ليسوا بمعصومين رضي الله عنهم
فلكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة .
وهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه كانت له ذلة ولكنها غير قادحة بإيمانه .
فقرر "حاطب" أن يفشي سر رسول الله ﷺ وأن يخبر قريشآ بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم...

وكان السبب
أن "حاطب رضي الله عنه كان له بمكة بعض أهل بيته وكانت له تجارة في قريش .
وكان يعاني من إيذاء قريش له في أهله وماله في مكة .
فأراد "حاطب" أن يؤدي لأهل مكة خدمة حتى لا يؤذونه في أهل بيته ولا في تجارته .
فكتب "حاطب" إلى أهل مكة كتابآ أخبرهم فيه بمسير النبي ﷺ إليهم

وأعطى "حاطب" هذه الرسالة إلى امرأة في المدينة اسمها "سارة"
وكانت "سارة" مغنية تغني في مكة ....
وكانت قد قدمت المدينة تشكو الحاجة .....
فقال لها النبي ﷺ ما كان في غنائك ما يغنيك ؟
فقالت : إن قريشا تركوا الغناء منذ قتل من قتل ببدر .

فأعطاها النبي ﷺ ثم عرض عليها الإسلام فرفضت وقبل منها النبي ﷺ أن تظل بالمدينة على كفرها .

فأعطى "حاطب" الرسالة إلى هذه المرأة .
وأعطاها مبلغاً من المال على أن تبلغ هذه الرسالة إلى قريش .
وقال لها : إخفيه ما استطعت ولا تمري على الطريق فإن عليه حرسآ....
فخرجت فسلكت غير الطريق وجعلت الكتاب في قرون رأسها
"أي ضفائر شعرها خوفاً أن يطلع عليه أحد"
وهي لا تعلم مضمون الكتاب
ولبست لباسها وكان لباسهن مسلمات وغير مسلمات احتشام كامل
واتجهت نحو مكة وعندما رأى الحرس إمرأة تركب دابة لم يلتفتوا إليها فليس لهم شأن بها فتركوها .
فهبط جبريل عليه السلام على النبي ﷺ يخبره بما صنع حاطب رضي الله عنه
فقال النبي : قم يا علي والزبير وطلحة والمقداد و أدركا امرأة بمحل كذا .
قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم .
فخذوه منها وخلوا سبيلها .
فإن أبت فاضربوا عنقها .
فخرجوا مسرعين خلفها حتى أدركوها في ذلك المحل الذي ذكره صلى الله عليه وسلم
فقالا لها : أين الكتاب ؟
فحلفت بالله ما معها من كتاب .
فاستنزلاها وفتشاها والتمسا في رحلها فلم يجدوا شيئا .
فقال لها علي رضي الله عنه إني أحلف بالله ما كذب رسول الله ﷺ قط ولا كذبنا ولتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك ونمزق عليك الثياب ....
ولما سمعت كلمة نمزق الثياب صاحت بأعلى صوتها لاااا لااااا ورب الكعبة سأعطيكم الكتاب إياكم أن تمزقوا ثيابي .....

قالت : أعطيكم الكتاب ولكن اصرفوا وجوهكم عني .....

فأعرضوا بالنظر عنها :
فكشفت شعرها وحلت قرون شعرها واستخرجت الكتاب منه .
فأخذ "علي" الكتاب منها ثم تركوها وانصرفوا .

ورجعوا إلى رسول الله ﷺ وهو جالس بين أصحابه رضي الله عنهم
فقال : اقرأ الكتاب يا علي .
وكان على رضي الله عنه قاريء
وحاطب رضي الله عنه يجلس بين الناس
فقرأ علي رضي الله عنه من حاطب.... فإن رسول الله ﷺ قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل .
وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم .
فإنه منجز له ما وعده فيكم .
فإن الله تعالى ناصره ووليه .
فنظر النبي ﷺ لحاطب
وقال له ماهذا يا حاطب ؟
فقال حاطب رضي الله عنه بأبي وأمي أنت يارسول الله .
والله ماكفرت منذ أن آمنت . ولكن امهلني حتى أقول لك .
قال قل ..
قال: يا رسول الله، لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش .
"يعني حليفا لقريش لا من قريش"
وليس أحد من أصحابك من المهاجرين إلا ولهم قرابات يحمون بها أهليهم وأمواله .
فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يدآ يحمون قرابتي .
ولم أفعله إرتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام .

فقال النبي ﷺ أما أنه فقد صدقكم .
كان ما فعله حاطب رضي الله عنه جريمة شنعاء و خيانة عظمى لأنه أفشى سراً عسكرياً خطيراً كان يمكن أن يعرض الجيش الإسلامي كله لخطر عظيم ....
ولذلك فإن "عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقنعه ما قاله حاطب ....
"فهو بذلك يحمي أهله على حساب جيش بالكامل"
لذلك قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ...
فقال النبي ﷺ : لا يا عمر ومن قال لك أنه منافق . أنسيت أنه بدري . ومايدريك يا عمر أن الله تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر .
فقال قد رضيت عنكم فأفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
يقول عمر رضي الله عنه فما بقي بدري في المسجد إلا وجهش "أي بكى"

"يعني لولا هذه الزلة من هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه من أين تأتي هذه البشرى لأهل بدر بأن الله قد تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر وقال قد رضيت عنكم فأفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
ثم أكب حاطب رضي الله عنه على يدي النبي ﷺ يقلبهما ويبكي ......
ويقول : والله لم انافق يا رسول الله .
والنبي ﷺ يقول له وأنا أشهد

فالرسول ﷺ لم يعفو عن حاطب فقط .
وإنما أيضاً رفع من قدره أمام المسلمين لأن حاطب رضي الله عنه قدم تضحيات كثيرة .
وله رصيد عند النبي ﷺ .
فليس معنى أنه أخطأ مرة أن ينسى له النبي ﷺ ما قدمه من قبل .
و الحبيب المصطفى ﷺ لا يريد أن يكون عونا للشيطان على "حاطب"
فالمسلم عندما يكون صالحاً ويرتكب ذنبا .
يوسوس إليه الشيطان أنه قد أضاع كل شيء ويحبطه عن التوبة .
و النبي ﷺ لا يريد لحاطب أن يسقط في هذه الدائرة .
بل على العكس يريد أن يأخذ بيده حتى يخرج به من هذه الأزمة .
والبطولة هي أن تأخذ بيد المخطيء وتصلحه لا أن تسحقه .

وقد سجل القرآن العظيم هذا الموقف لحاطب بن أبي بلتعة في أول سورة الممتحنة .
يقول تعالى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ .

ثم دعى النبي ﷺ ربه مرة أخرى .
اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها .

✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[فى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والتسعون بعد المائة 192
فتح مكة . الجزء الثالث .
إستعداد جيش المسلمين لدخول مكة .

قرر النبي ﷺ الخروج لفتح مكة
وأعلن للصحابة رضي الله عنهم وجهته وأنه يريد فتح مكة....

خرج ﷺ من المدينة بجيش قوامه 10 آلاف مقاتل مدجج بالسلاح .....

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .

لقد هاجر إلى المدينة ﷺ قبل 8 سنوات إلا 3 أشهر وحده بصحبة الصديق رضي الله عنه ومطارد في الطريق .
واليوم يرجع إلى مكة على رأس 10 آلاف موحد الله تعالى لو أمرهم أن يزيلوا الجبال لأزالوها .....

لم تشهد الجزيرة هذا العدد الكبير من الجيش إلا جيش أبرهة في عام الفيل وهو العام الذي ولد فيه النبي ﷺ قبل الهجرة بخمسين عاما ....

ثم في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة .

وكان قوام الجيش من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار
700 من المهاجرين .
4000 آلاف من الأنصار أهل المدينة .
والبقية من القبائل العربية التي دخلت الإسلام وجاءت إلى المدينة للإنضمام إلى الجيش إستجابة لأمر النبي ﷺ أو لحقت بالجيش وهو في طريقه من المدينة إلى مكة .....
وكان خروج الجيش من المدينة في 10 رمضان من السنة الثامنة من الهجرة .
وكان النبي ﷺ صائماً والجيش كله صائما ....
حتى إذا وصلوا إلى موضع "الكديد" أفطر النبي ﷺ، فأفطر الصحابة رضي الله عنهم
وظل النبي ﷺ يفطر حتى دخل مكة ....
وقد أخذ الفقهاء من ذلك أن المسافر له أن يصوم وله أن يفطر

كانت قريش لا تعلم شيئا عن تحركات المسلمين ....
وقد أعمى الله الأخبار عن قريش إستجابة لدعائه ﷺ فلم يعلموا بوصوله إليهم ولم يبلغهم حرف واحد من مسيره إليهم .
وفي هذه الأثناء خرج "العباس بن عبد المطلب" عم النبي ﷺ بأهله من مكة مهاجرآ إلى المدينة .
وكان "العباس" رضي الله عنه قد أسلم منذ "بدر" في السنة الثانية من الهجرة .
لكنه لم يهاجر منذ ذلك التاريخ ولمدة 6 سنوات بالرغم من أن الهجرة قبل فتح مكة كان فرضاً
"لأنه كان عيناً للنبي ﷺ في مكة"
فكان "العباس" رضي الله عنه هو آخر من هاجر من المسلمين .

فقابل "العباس" رضي الله عنه جيش المسلمين في منطقة "الجحفة" وسر به النبي ﷺ
وانضم "العباس" رضي الله عنه إلى جيش المسلمين المتجه لفتح مكة وأرسل أهله وثقله إلى المدينة .

فلما وصل ﷺ إلى "مَرُّ الظهران" وهو وادٍ في شمال مكة يبعد عنها 22 كم ويسمى الآن "وادي فاطمة" عسكر الجيش هناك .

وأمر النبي ﷺ الجيش بأن يوقد كل منهم ناراً
فأوقدوا عشرة آلاف نار .
حتى إذا رأتهم عيون قريش تصيبهم الرهبة من الجيش .
وجعل النبي ﷺ قائد الحرس هو "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه

وكان "العباس" رضي الله عنه عندما رأى جيش المسلمين وكثرتهم علم أن قريش لا قبل لها بهذا الجيش....
وعلم أنه إذا وقع قتال فسيتم سحق قريش تماماً....

أشفق "العباس بن عبد المطلب" على قريش فركب بغلة النبي ﷺ واتجه إلى مكة حتى يقنع قريش بأن تستسلم وأن تطلب الأمان من النبي ﷺ

وفي ذلك الوقت كان قد خرج من مكة :
١- أبو سفيان بن حرب .
٢- و حكيم بن حزام .
٣- و بديل بن ورقاء .
يلتمسون الأخبار بأنفسهم .
فلما رأوا النيران قال أبو سفيان ما رأيت كالليلة نيرانآ قط ولا عسكرآ...
هذه النيران كنيران عرفة
فقال بديل : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب لتنتقم وتأخذ الثأر .....
وكان "بديل" من "خزاعة" يقيم في مكة فهو يتمنى أن تكون كل هذه الجموع من "خزاعة"
فقال أبو سفيان : خزاعة !!
هي أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها .
فسمع أصواتهم من بعيد "العباس بن عبد المطلب" فعرفهم .
فنادى "العباس" بأعلى صوته على "أبو سفيان"
وقال : يا أبا حنظلة .
فقال أبو سفيان . أبا الفضل ؟
قال العباس . نعم
قال أبو سفيان . مالك . فداك أبي وأمي ؟
فقال العباس . ويحك يا أبا سفيان !
هذا رسول الله في الناس على رأس عشرة ٱلاف مدجج بالسلاح .
يا ويل قريش والله ، وأصباح قريش .
"يعني خربت دياركم لن يصبحكم الله بخير "
قال أبو سفيان : فما الحيلة يا أبا الفضل فداك أبي وأمي ؟
قال العباس : اتسأل المشورة هذا الليلة يا أبا حنظلة ؟
والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك .
فاركب خلفي على هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك .
فركب "أبو سفيان" خلف "العباس" على بغلة رسول الله ﷺ ورجع حكيم و بديل .

عاد "العباس" إلى معسكر المسلمين .
فكلما مر على أحد من المسلمين
قال . من هذا ؟؟
فاذا اقترب قالوا "عم رسول الله على بغلته"
فيتركوه حتى مر على قائد الحرس "عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال : من هذا ؟؟ ثم قام فنظر
فرأى أبو سفيان فقال أبو سفيان عدو الله .
الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
"كان قتل سيد قريش قبل بدء المعركة مكسب كبير للمسلمين يمكن أن يحسم المعركة .
لذلك أراد عمر رضي الله عنه أن يقتل أبو سفيان وقد جاء بعد نقض العهد ....
بينما لم يفعل ذلك عندما جاء أبو سفيان إلى المدينة .
لأن أبو سفيان جاء سفيراً لقريش .
ولذلك قال عمر رضي الله عنه الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
أي لا شيء يمنعني من قتلك الآن
ثم أخذ عمر رضي الله عنه يشتد نحو رسول الله ﷺ ..
ودخل عليه وقال يا رسول الله
هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه .
فقال العباس يا رسول الله : إني قد أجرته .
فأصر "عمر" رضي الله عنه على قتل "أبو سفيان" وأخذ يتحدث إلى الرسول ﷺ في ذلك .
و "العباس" يرد على "عمر"
والنبي ﷺ لا يرد عليهما .
يقول العباس فلما أكثر "عمر" في شأنه ومجادلته .
قال العباس . مهلاً يا عمر
فوالله لو كان "أبو سفيان" من بني عدي "أي لو كان من قبيلتك يا عمر" ما قلت هذا .
ولكن لأنه من "بني عبد مناف"
"كان العباس لا يزال متأثرا بالجاهلية .....
ولم تكن قضية الولاء للمسلمين والبراء من المشركين وآضحة في ذهنه"
فأراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يعطيه درساً هاماً في الولاء والبراء
وقال له : مهلاً يا عباس .
فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم .
وما ذاك إلا أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله ﷺ من إسلام الخطاب لو أسلم .
ثم قال الرسول ﷺ للعباس : إذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به .
النبي ﷺ يريد لأبي سفيان أن يسلم .
كيف لا : وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين

وهو الذي يقول ﷺ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .

فذهب مع العباس ونظر أبو سفيان للصحابة رضي الله عنهم
منهم من قام يصلي .
ومنهم من يقرأ القرآن .
ومنهم من قام يناجي ربه .
فلما صار وقت الفجر .
قام بلال رضي الله عنه يؤذن للصلاة ....
وثار الناس وهرعوا للصلاة .
فهذا التحرك من الصحابة رضي الله عنهم لصلاة الفجر أرعب "أبو سفيان"
ففزع أبو سفيان وقال للعباس يا أبا الفضل ما يريدون ؟
هل أمر محمد بشيء ؟
قال : لا يا ابا حنظلة .. إنها صلاة الفجر .
قال . كم مرة تصلون باليوم .
قال . خمس مرات وهذه صلاة الفجر هي أقربها لمرضاة الله .
وأخذ يخبره عن فضلها
فقام ابو سفيان ينظر فرأى الصحابة رضي الله عنهم يتلقون وضوء رسول الله ﷺ ويتبادرون لخدمته .....
ثم رآهم يركعون إذا ركع . ويسجدون إذا سجد .
فقال للعباس يا عباس ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه ؟
فقال له العباس لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه .
فقال أبو سفيان :
ما رأيت مُلكاً مثل هذه الليلة
و لا ملك كسرى ولا ملك قيصر ، ولا ملك بني الأصفر .
لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً .
فقال له : إنها النبوة يا أبا سفيان وليست الملك .
قال : نعم هو ذاك .

فلما جاء الصباح جاء العباس ومعه "أبو سفيان"
قال له النبي ﷺ ويحك يا أبا سفيان . ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟
فقال أبو سفيان . بأبي أنت وأمي .
ما أحلمك وأكرمك وأوصلك . والله لو كان مع الله إله غيره . لقد أغنى عني .
أشهد أن لا إله إلا الله .
فقال النبي ﷺ ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله .
فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك .
أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا ....
"لم يكن أبو سفيان صادقاً بهذه الكلمة .
فهو يعلم يقيناً أن محمداً رسول الله ولكنه يبرر إصراره على الكفر حتى هذه اللحظة .
فقال العباس ويحك يا أبا سفيان أسلم قبل أن تضرب عنقك .
يفهم من هذا وإن قال لا اله الا الله لا يعد مسلماً إلا أن يقول محمداً رسول الله كلمة التوحيد .

ومرة أخرى ليس هذا إجبار لأبي سفيان حتى يدخل في الإسلام
ولكن حسب معطيات الحرب ينبغي قتله كما أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولكنه إذا أسلم فالإسلام يهدم ما قبله .....
وهذا من رحمة الإسلام وهو أول أركان الإسلام الشهادتين وليست شهادة واحدة ...
فإن لم يشهد أن محمدا رسول الله فليس بمسلم .
فلما قال العباس هذا
قال أبو سفيان : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.....

ثم قال العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً .
فقال النبي ﷺ نعم .
انطلق أبا سفيان إلى قومك وأخبرهم .
من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
ومن أغلق بابه فهو آمن .
ومن دخل المسجد فهو آمن .

كان إعلان النبي ﷺ أن من أغلق عليه بابه فهو آمن
يعني بلغة العصر الآن تطبيق "حظر تجول"
وهذه هي أول مرة في التاريخ يطبق فيها حظر التجول .
فالرسول ﷺ هدفه هو أن يدخل مكة بلا قتال ومن غير سفك للدماء ....
ويعتمد في ذلك على إخافة قريش حتى تسلم وتجبن عن القتال ....
ولذلك أمر الصحابة رضي الله عنهم بأن يوقد كل منهم ناراً

ثم هو يعلن الآن بأن من يغلق عليه بابه فهو آمن .
يعني من يجلس في بيته ولا يشترك في القتال أوالمقاومة فهو آمن .
واستثنى المسجد لمكانته وحتى يكون مكاناً يتحدث فيه إلى الناس .

واستكمالآ لخطة إخافة قريش
أمر النبي ﷺ "العباس" بأن يجعل "أبو سفيان" في مكان يرى فيه الجيش كله حتى ينقل هذه الصورة لقريش ....
فقال النبي ﷺ للعباس يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل "المكان الضيق الذي سيمر منه الجيش" حتى تمر به جنود الله فيراها .
فذهب به العباس إلى حيث أمر النبي ﷺ ومر الجيش كله أمام "أبو سفيان"
"مثل العروض العسكرية التي تقوم بها الدول الآن"

وكانت كل قبيلة تمر تحمل رايتها
فكلما مرت قبيلة سأل أبو سفيان عنها .
فقال . يا عباس من هذه ؟
يرد عليه . غفار .
يقول . ما لي و غفار .
  • يا عباس من هؤلاء ؟؟
  • سليم
  • ما لي وسليم
  • يا عباس من هؤلاء ؟
  • مزينة .
  • يا أبا الفضل ما لي ولمزينة قد جاءتني تقعقع من شواهقها .
  • يا عباس من هؤلاء ؟؟
  • جهينة .
  • ما لي ولجهينة .
  • يا عباس من هؤلاء ؟؟
  • بنو ليث بن بكر . وبنو ضمرة بن بكر .
  • نعم أهل شؤم والله .
هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم . أما والله ما شوورت فيهم ولا علمته ولكنه أمر حُتِم .
  • يا عباس من هؤلاء ؟
  • أشجع .
  • هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد
حتى مر به رسول الله ﷺ في كتيبته الخضراء .
العرب تطلق الخضرة على السواد لأنهم لابسين لباس الحرب الكامل"
حتى مر به رسول الله ﷺ في كتيبته الخضراء .
فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد .
"يعني لابسين لباس القتال الكامل لا يرى منهم إلا عيونهم"
قال أبو سفيان مدهوش . سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟
قال العباس : هذا رسول الله ﷺ في المهاجرين والأنصار .
قال أبو سفيان . ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة .
والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً !
قال العباس . يا أبا سفيان إنها النبوة .
قال أبو سفيان . نعم نعم

أبو سفيان :
فإنه لما أسلم حسن إسلامه وقاتل مع النبي ﷺ في "حنين" وكان عمره 70 عامًا .
ولما انكشف المسلمون في "حنين" وفر بعضهم ثبت مع النبي ﷺ .
وشارك في حصار "الطائف" وأصابه سهم في عينه فأصيبت
وجاء إلى النبي ﷺ وقال . هذه عيني أصيبت في سبيل الله .
فقال له النبي ﷺ إن شئت دعوت فردت عليك . وإن شئت فالجنة .
فقال : الجنة .
وشارك في معركة اليرموك ضد الروم وكان عمره وقتها 76 سنة فكان من أكبر المسلمين عمراً .
رضي الله عنه وأرضاه .

ثم قال له العباس رضي الله عنه إلحق الآن بقومك وحذرهم .
فانطلق "أبو سفيان" إلى مكة وهو من الرعب في نهاية .
وصرخ بأعلى صوته يا معشر قريش .
هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به .
فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
قالوا : قبحك الله . وما تغني عنا دارك؟

قال . ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .
ومن دخل المسجد فهو آمن .

فقامت إليه زوجته "هند بنت عتبة" ونادت : يا معشر قريش اقتلوا هذا الشيخ الأحمق . هلأ قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم ؟
فقال أبو سفيان . لا تغرنّكم هذه من أنفسكم .
فقد جاءكم ما لا قِبَل لكم به .

تفرق القرشيون ولزم كثير منهم دورهم ولجأ البعض إلى المسجد .... وبذلك نجحت خطة المسلمين في تحطيم مقاومة قريش .
ومع ذلك رفض بعض شباب قريش الإستسلام وقرروا "المقاومة" وفي نفس الوقت استعد الجيش لدخول مكة .

ما الذي حدث بعد ذلك
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التسعون بعد المائة 190
*فتح مكة .
[ سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة بعد المائة 193
فتح مكة .... الجزء الرابع .
يوم فتح مكة شرفها الله تعالى

وقبل أن يدخل مكة ﷺ قرر دخول مكة بأربعة جيوش أو أربعة كتائب تدخل مكة من أربعة جهات في نفس الوقت .....
وكانت العرب لاتعرف دخولاً لمكة إلا من المسفلة .....
"أي الطريق السهلة الرملية فلا أحد يكلف نفسه أن يصعد جبلاً ثم ينحدر بنفسه نزولآ بالوادي"
وذلك حتى يستفيد من التفوق العددي الكبير لجيش المسلمين
وكانت هذه الخطة على بساطتها ضربة قاضية لجيش قريش حيث عجزت عن التجمع .....
وضاعت منها أي فرصة للمقاومة
فجعل على رأس أول كتيبة "خالد بن الوليد رضي الله عنه يدخل من أسفل مكة .

والثاني "الزبير بن العوام رضي الله عنه يدخل من أعلى مكة من الحجون مع النبي ﷺ من جهة

والثالث "أبو عبيد بن الجراح" رضي الله عنه يدخل من جهة أخرى من أعلى مكة .

والرابع "سعد بن عبادة" رضي الله عنه زعيم الخزرج يدخل من غرب مكة ...

عدد الجند 10 آلآف يعني كل 2500 يدخلون من جهة .

وكان قد أمر أصحابه ﷺ أن لا تقاتلوا أحداً إلا إذا قاتلكم .

كان يحب ﷺ أن يدخل مكة من غير سفك للدماء فهي حرم الله و تعظيما لحرمتها .

وجعل النبي ﷺ على رأس ثلاثة كتائب ثلاثة من أهل مكة "أي من المهاجرين"
وذلك تأليفاً لأهل مكة حتى لا يشعرون أنه غزو خارجي .
وإنما قادة الجيش من أهل مكة أنفسهم .....
وجعل على كتيبة واحدة واحد من الأنصار حتى ينفي عن الجيش صفة العنصرية .

وقفة
النبي ﷺ إختار أن يدخل مكة من الأعلى مع الزبير رضي الله عنه وهي منطقة تسمى "الحجون" فيها جبل الحجون .
و كان جبل شاهق وعليه صخور ملساء من المستحيل أن تصعد عليه الخيل
إختار النبي ﷺ هذا المكان ليدخل منه مكة .

نرجع للخلف في السيرة لبداية الدعوة وموقف حدث مع النبي ﷺ في بداية الدعوة في مكة
عندما كانت قريش تستهزء بدعوته ﷺ وكان للكعبة باب يغلق تدخل قريش فتطوف في داخلها ثم يغلق الباب .
وهذا بعد تجديد بناء الكعبة وقد ذكرناها كيف كان لها بابان ثم جعل لها باب في أجزاء تجديد بناء الكعبة .
فجاء النبي ﷺ على عادة قومه وأراد أن يدخل الكعبة .
فكان مفتاح الكعبة مع "عثمان بن أبي طلحة" هذا الصحابي الذي رافق أم سلمة بالهجرة وأسلم مع "خالد بن الوليد وعمرو بن العاص" رضي الله عنهم

فكان المفتاح مع "عثمان بن أبي طلحة رضي الله عنه وهو من بني شيبة الذين معهم مفتاح الكعبة إلى أيامنا هذه .

فكان واقف على باب الكعبة
فلما أراد النبي ﷺ أن يدخل الكعبة وضع "عثمان بن أبي طلحة رضي الله عنه يديه على الباب وصده عن الدخول .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : ما بك يا عثمان ؟
قال : أنت رجل فارقت دين قومك فعلام تدخل كعبتهم .
فقال له الحبيب ﷺ يا عثمان كيف ترى إذا كان هذا المفتاح يوماً في يدي أضعه أنا حيث أشاء .
فقال عثمان رضي الله عنه بإستهزاء واستخفاف إذن ذلك يوم طلعت فيه الخيل من "الحجون" وذُلة يومها قريش .

"يعني أمر مستحيل يعني إذا أرادت أي قبيلة أن تغزو مكة فلا يمكن أن تدخل من الحجون
فإذا طلعت الخيل من الحجون الأمر الغير معقول المستحيل
ولم يبقى ولا رجل في قريش وقتها بيكون مفتاح الكعبة بيدك يا محمد"

وموقف آخر
كان قد وقع بين عم النبي صلى الله عليه وسلم "العباس" و "أبو سفيان" لم يعلم به النبي ﷺ
في العهد المكي والنبي ﷺ في مكة يدعوا قومه لله بعد إنتهاء الحصار في شعب أبي طالب
قال يوماً العباس لأبي سفيان
قال : يا أبا سفيان ألا تعلم أن محمداً صادقاً .
قال : نعم لم نجرب عليه كذباً قط .
قال : ألا ترى أن أصحابه رضي الله عنهم يزيدون ولا ينقصون .
قال : نعم .
قال . ألا ترى أنه دين حق . فما عليك لو اتبعناه .
فقال أبو سفيان : أنا اتبع محمداً ؟
يتيم أبا طالب راعي الغنم في قريش .
نعم يا أبا الفضل اتبعه إذا رأيت نواصي الخيل تطلع علينا من "الحجون"
فأراد النبي ﷺ أن يدخل بالخيل من الحجون ليحقق لهم المستحيل .....

وسمع بعض الصحابة رضي الله عنهم "سعد بن عبادة رضي الله عنه وهو يقول اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة
فلما وصلت للنبي ﷺ هذه المقولة من سعد رضي الله عنه
قال الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله ....
والله لا نأمن سعدآ أن تكون منه في قريش صولة ......
"ومعنى صولة أي يفعل ما يشاء دون رادع كما نقول فلان له صولات وجولات"
فأمر النبي ﷺ بعزل "سعد رضي الله عنه عن قيادة هذه الكتيبة من الجيش
وجعل مكانه ابنه "قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهم
فلم يتأثر سعد ولا الأنصار "لأن هو وإبنه واحد"

دخلت هذه الكتائب من الجهات الأربعة بلا أي مقاومة إلا باستثناء كتيبة "خالد بن الوليد" حيث تجمع بعض رجال قريش بقيادة "عكرمة بن أبي جهل وصفوان" عند جبل "الخندمة"
وقالوا : نقاتل حتى نقتل أو نصدهم .
وكان فيهم رجل "جماش بن قيس" كان طوال الليل يعد سلاحاً له في داره .
فقالت له زوجته وكانت مسلمة بالسر ....
قالت : لمن تعد هذا السلاح ؟
قال : بلغني أن محمداً يريد أن يفتح مكة ويغزوها .
قالت له : أوبعد ما صنع بخيبر
تذكره بحصون خيبر التي لا تقهر كيف دك النبي ﷺ حصونها دكا"
قالت : أوبعد ما صنع بخيبر ما صنع . يقوم له أحد بعد ذلك .
دع عنك هذا فلا يقوم لمحمد أحدٌ بعد اليوم .
قال لها : فلئن كان لأخدمنك خادماً من بعض من أستأسره
فقالت له : والله لكأني بك وقد رجعت تطلب مخبأ أخبئك فيه لو رأيت خيل محمد .
فلما خرج مع صفوان وعكرمة إلى "الخندمة" وهو أحد الجبال الوعرة وتصدوا للقوات المتقدمة بالسهام .
فأصدر "خالد بن الوليد" أوامره بالإنقضاض عليهم .....
وما هي إلا لحظات حتى تشتتت هذه القوى وفرت .....
وهرب "جماش" هذا وأخذ يجري إلى منزله فدخل مرعباً لبيته
وقال لزوجته: اغلقي باب البيت .
أما سمعتي أبو سفيان يقول من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن .
" من خوفه لم يغلق الباب خلفه"
فقالت له وهي تضحك فأين الخادم ؟
"أي ألم تعدني أن تحضر لي خدم من أصحابه أين هم ؟
فقال لها : دعي عنك "علم انها تستهزء به"
فقال شعراً
وأنتِ لو أبصرتنا بالخندمة
إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة

واستقبلتنا بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة

ضرباً فلا تسمع إلا غمغمة
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة


وكان النبي ﷺ قد نهى عن القتال إلا من قاتلهم
فلما علم النبي ﷺ
قال قم يا علي وانطلق إلى خالد وقل له يرفع يده عن دماء الناس .
واحصوا عدد القتلى بهذه المعركة الصغيرة فكان عدد من قتل من قريش 70 رجلاً

في يوم أحد حين وقف النبي صلى الله عليه وسلم على جثة عمه حمزة ؟؟
وقد مُثل به وجُدع أنفه واذنه ولاكت هند كبده ...
مشهد لم تعرفه العرب من قبل فالعرب لم تكن تعرف "المثلة"

والنبي ﷺ بشر يوحى إليه
فغلبت عليه بشريته من الحزن على عمه يومها
فصاح بأعلى صوته واهتز لصوته جبل أحد....
وقال : عماااااه .
والذي بعثني بالحق لئن أظهرني الله على قومك يوماً لأقتلن سبعين منهم .

وأخذ الصحابة رضي الله عنهم من حول النبي صلى الله عليه وسلم يحلفون لنفعلن ولنمثلن بهم ....
وإذا بجبريل عليه الصلاة و السلام يهبط في نفس الموقف
والنبي صلى الله عليه وسلم في قمة الحزن"
ويوحي إليه الله عزوجل :
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ .

فرفع النبي ﷺ رأسه وتلا الآيات على أصحابه رضي الله عنهم
في نفس الموقف ومازالت دموعه تترقرق على لحيته والحزن يغمره صلى الله عليه وسلم
فقال : لقد اخترنا ما أختار الله لنا من عزم الأمور . نصبر ونغفر .

ولكن في ذلك الوقت كان قد سبق "قسمه" فأراد الله بمشيئته أن يبر "قسم النبي" ﷺ....

واليوم أظهره الله على قريش
فلم تقع مع النبي صلى الله عليه وسلم وقريش معركة بعد أحد
وفي الخندق لم يكن هنالك معركة وقتال ....
فقد هزم الله الأحزاب يوم الخندق وحده بجند من جنوده وهي "الريح"
فهذا أول يوم يظهر فيه النبي ﷺ على قريش والقسم كان "أن يقتل سبعين من رجالهم"
فسخر الله "خالدا" وسبحان الله قتل 70 من رجالهم وهذه مشيئة الله ليبر به قسم النبي ﷺ .
النبي ﷺ لم يأمر بذلك ولكنها مشيئة الله تعالى.....

ولما سأل خالد كم قتلتم منهم ؟؟
قال . هم سبعون يارسول الله
فقال الله اكبر لقد أردنا أمراً ، و أراد الله آخر .

وقبل أن يدخل ﷺ مكة اغتسل
ونزع عنه السلاح ولبس لباسه وأعتم بعمامته السوداء التي لبسها ليلة الإسراء والمعراج وقد أرخى طرفيها على كتفيه ....
ثم قال لعمه العباس رضي الله عنه : اصرخ بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصاري .
فنادى العباس : يا معشر الأنصار إلى رسول الله .
فأسرع الأنصار إليه و وقفوا حوله ....
فقال لهم النبي ﷺ يا معشر الأنصار أرأيتم قريش .
قالوا . نعم .
قال فإن برزت لكم فاحصدوهم حصداً حتى توافوني على الصفا .
"هل رأيتم هو نهى عن القتال وحقن دمائهم وأعطاهم الأمان "
أما إن هم أرادوا أن يسفكوا الدماء بعد ذلك فاحصدوهم حصدآ إذا فكروا الغدر"

لماذا أمر الأنصار فقط ؟؟
لانهم ليسوا من مكة وليس لهم أرحام بها فتأخذهم شفقة الرحم .
فقالوا : سمعاً وطاعةً يا رسول الله .
فحمل الأنصار فقط سلاحهم ومشوا بين يديه ﷺ

ثم ركب ناقته القصواء وتقدم نحو مكة .
فسطع النور المحمدي على أهل مكة من الحجون هو على ناقته والأنصار حوله مدججين بالسلاح .
وياله من مشهد وياله من يوم .
صلوات ربي وسلامه عليك يا خيرخلق الله....
محمد رسول الله ﷺ على ناقته القصواء بعمامته السوداء إشارة للسيادة والسؤدود .
فلما رأى قريش من الأعلى وقفت تنظر اإليه والناس تستشرف لرؤيته .
"الإستشراف هو أن ينظر الرجل من بعيد ويضع كف يده فوق عينيه كي يحجب أشعة الشمس ليتمكن من النظر حتى لا تضرب اشعة الشمس عينيه"

فلما رأى قريش من الأعلى والناس تستشرف لرؤيته
طأطأ رأسه ﷺ حتى أن شعر لحيته يكاد يمس ظهر راحلته

"لم يدخلها ممتطياً صهوة جواده كما يفعل القادة الفاتحين"
"لم يدخلها على هيئة المنتصرين

كان ﷺ مطأطا رأسه ساكباً دموعه يتلو كلام ربه يمشي الهوينة تواضعاً لله تعالى
وهو يتلو قوله تعالى .
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا .

فلما وصل للكعبة
واستقبل الحجر الأسود بعصاه "حتى يعلم الأمة ترك المزاحمة على الحجر"وطاف بالبيت .
وأخذ قوسه وأخذ يدفع به الأصنام حول الكعبة
وهو يقول : جَاءَ الْحقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنّ الْبَاطِلَ كانَ زَهُوقاً .

وكان حول الكعبة 360 صنم بعدد أيام السنة.....

ثم طاف بالبيت سبعآ
ثم جلس النبي ﷺ في ناحية من المسجد وأرسل بلالا رضي الله عنه إلى "عثمان بن طحة رضي الله عنه وهو الذي يحمل مفتاح الكعبة
قال قل له أحضر لرسول الله مفتاح الكعبة .
"المفتاح ليس معه لأنه أسلم وهاجر للمدينة فالمفتاح مع إخوته "
فلما جاء عثمان إلى بيت أمه لم يجد إخوته .
فسأل أمه عن المفتاح .
فقالت : هو معي .
قال : أعطينيه فقد طلبه رسول الله ﷺ .
قالت : لا والآت لا أعطيك إياه
قال : يا أماه إن لم تعطينيه . أرسل غيري ليأخذه .

فأخذت المفتاح ورفعت دكت سروالها وأخفت المفتاح هناك .
وقالت : ليبعث محمد من شاء ، وهل رجل يضع يده ها هنا ؟؟

مفتاح الكعبة له حجم كبير و وضعته في عجزتها "والعجز في الجسم هو المكان الذي يكون أعلى البنطلون....

واستشف ﷺ بنور النبوة أن عثمان لن يستطيع أن يأتي بالمفتاح .
فقال قم يا عمر رضي الله عنه فأتني بمفتاح الكعبة .

فانطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولماذا عمر رضي الله عنه :
لأنه الرجل الذي تعرفه قريش وتعرف شدته و يهابه رجال ونساء مكة ....
فكان جهوري الصوت .
كان إذا صاح بأعلى صوته إرتجت الطرقات بصوته .
كان يفر الشيطان من المكان الذي يكون فيه عمر رضي الله عنه

فدنى من البيت ونادى بصوته : يا عثمان أين المفتاح ؟؟
رسول الله بانتظارك .
يقول عثمان رضي الله عنه فاهتزت الدار كأن بها رعد
فأخرجت أمي المفتاح وقالت لي: خُذ ، خُذ لا تدع عمر رضي الله عنه يدخل
فأخذ المفتاح "عثمان" وانطلق به إلى رسول الله وهوعند الكعبة .

فعندما دنى منه ليعطيه المفتاح تذكر قول النبي ﷺ قبل عشر سنين .....
فأخذته الرهبة فسقط المفتاح من يده .....
فظلل النبي ﷺ بثوبه على المفتاح ثم انحنى إليه وأخذه
ثم قال لعثمان : يا عثمان اتذكر يوم قلت لك كيف بك إذا رأيت المفتاح في يدي ، أضعه أنا حيث أشاء .
قال : نعم يارسول الله .
قال أرايت اليوم نواصي الخيل تطلع من الحجون .
قال عثمان رضي الله عنه أشهد أنك رسول الله . أشهد أنك رسول الله .
فصعد النبي ﷺ على درج الكعبة
"كان لها درج من حجارة واسمنت وازيلت حتى لا تعيق الطواف واستبدل بدرج متحرك اليوم"
ففتح النبي ﷺ الكعبة ....
وأمر بمحو الصور داخل الكعبة
ثم غسلها بماء زمزم وصلى داخل الكعبة .
"قيل ركعتين وقيل ثماني ركعات

ثم خرج من الكعبة وقريش واقفة تنتظر مصيرها

فأسند يديه ﷺ على جانبي الباب
وخطب ﷺ الناس وقال :
لا إله إلّا الله وحده لا شريك له .
صدق وعده . ونصر عبده . وهزم الأحزاب وحده .
يا معشر قريش .
إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء .
الناس من آدم وآدم خُلق من تراب .
يَا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ .

يا معشر قريش ويا أهل مكّة ما ترون أنّي فاعل بكم ؟

( يالها من عبارة تذكرت قريش بها سجل 21 سنة )

هذا محمد صلى الله عليه وسلم
يتيم أبا طالب الذي كان لقبه فيكم "الصادق الأمين "
من قبل سن البلوغ كان يحمل هذا اللقب .
ولما أصبح رجلاً أحبه الجميع .
واحتكم الجميع لديه يوم تجديد بناء الكعبة و وضع الحجر الأسود .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
التي كانت كفار قريش بعد أن نزل الوحي عليه وكذبوه كانت لا تضع أماناتها إلا عنده .

هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي كذبتموه واصطنعتم له الألقاب ساحر ومجنون وكذاب وأشر .

هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي حاصرتموه في شعب أبو طالب 3 سنين ومات الكثير حوله من الجوع .
وكان يسمع بكاء الصغار .

هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي عقدتم مؤتمركم الأول تحت "رعاية إبليس " في دار الندوة وأجمعتم على قتله .

هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي اشعتم عنه بين العرب أنه ساحر عظيم .

هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي بعد موت عمه أبو طالب اشتد الإيذاء عليه .

هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي خرج حزيناً وحيداً مفارقآ أحب أرض إليه .
وقد قالها يوم الهجرة ودموعه تنهمر على لحيته
والله إنك لأحب بقاع الأرض إلي ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت .

هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي تبعتموه إلى غار ثور تلتمسون قتله .
هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي أعلنتم 100 ناقة مكافأة لمن يأتي به حياً أو ميتاً .

هذا محمد صلى الله عليه وسلم
الذي قاتلتموه يوم "بدر" و "أحد " ويوم "الخندق"
هذا الذي منعتموه بالأمس القريب أن يعتمر وهو محرم .

هذا هو محمد رسول ﷺ
يقول لكم الآن :

يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟
فدارت في عقول قريش كل هذه الأحداث
رجل ظُلم و أوذي والآن هو في موقف القوة
حوله 10 آلاف مدجج بالسلاح بإشارة منه لأطاحوا برؤوس قريش كلها .

يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟
فأخفضوا رؤوسهم .
وقالوا من غير أن يرفعوا رؤوسهم مقولة الذليل المسترحم ....
قالوا : أخٌ كريم وابن أخ كريم رحيم .

فماذا تنتظرون يا قريش من أخ كريم رحيم صاحب الخلق العظيم ؟
فرد عليهم بابتسامة.....
إبتسامة الرضا والطمأنينة حتى يطمئنوا بأن الحال يصدق المقال ....
فسبقت ابتسامته مقاله

قال و هو مبتسم : فاني أقول لكم كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم .
إذهبوا فأنتم الطلقاء .

فخرجوا فكأنهم نشروا من القبور ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.....
يتبع بإذن الله تعالى....








[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة والتسعون بعد المائة 194
أحداث متفرقة وقعت بعد فتح مكة وتحطيم الأصنام .

نبي الرحمة ﷺ عفا عن قريش وقال لهم :
إذهبوا فأنتم الطلقاء .
فسمي أهل مكة من أسلم منهم بعد الفتح : "الطلقاء"
ثم قال ﷺ
إن مكة حرَّمها الله يوم خلق السماوات والأرض .
ولم يحرمها الناس .
فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً .
ولا يعضد بها شجرة .
"أي يقطع شجرة"
فإن أحد ترخص بقتال رسول الله ﷺ .
فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يؤذن لكم .
"أي عن الذين قاتلهم خالد بن الوليد رضي الله عنه.
وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحُرمتها بالأمس .
فليبلغ الشاهد الغائب .

أتم كلماته ﷺ وهو على باب الكعبة ثم نزل :
يستقبل بيعة من يريدون الدخول في الإسلام فتزاحمت قريش تبايعه على الإسلام بعد هذا العفو الكريم .
وجلس ﷺ في صحن الكعبة
وقف بجانبه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ....
وكان علي رضي الله عنه بين يديه يقدم له الناس أفواجاً ليبايعوه .

وكان النبي ﷺ قبل دخول مكة قد أهدر دماء رجال ونساء من قريش .....
سنأتي على ذكرهم بالتفصيل
كل واحد وإسمه وقصته وكيف أسلم....

وكان النبي ﷺ لا يزال يحمل مفتاح الكعبة ....
فطلب "العباس بن عبد المطلب" من النبي ﷺ أن يعطيه مفتاح الكعبة....
فيكون له ولأبنائه من بعده ولبني هاشم شرف "السدانة" .
يعني شرف الإحتفاظ بمفتاح الكعبة والعناية بشؤنها من تنظيف وكسوة وغير ذلك .

وكان العباس رضي الله عنه له شرف "السقاية" أي سقاية الحجيج .
"السقاية كانت حوض يوضع فيها الماء العذب لسقاية الحاج .
في بعض الأوقات كانوا يضعون فيه التمر والزبيب ."

وبعد فتح مكة : كان لزمزم حوضان :
١- حوض بين زمزم والركن يشرب منه الناس .

٢- وحوض من ورائه للوضوء .

حتى أن النبي ﷺ أراد أن يغترف دلو من زمزم ليشرب منه يوم فتح مكة فخشي أن يأخذها المسلمون من بعده سنة وتذهب السقاية من العباس .....
فطلب من العباس رضي الله عنه أن يغترف له دلو من زمزم ليشرب .
فأراد أن يجمع العباس بين "السقاية" و "السدانة"

وكان المفتاح في يد علي رضي الله عنه وكان قد أراد أن يحتفظ به عندما فتح النبي ﷺ باب الكعبة ودخل لجوفها .
فأنزل الله على نبيه ﷺ وهو في داخل الكعبة ...
قال تعالى :
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...
فلما خرج النبي ﷺ طلب أيضاً علي رضي الله عنه من رسول الله أن يجمع لبني هاشم السقاية والسدانة ....
قال له النبي ﷺ يا علي رد المفتاح إلى عثمان فقد أنزل الله في شأنك .
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...
ودعا "عثمان بن طلحة رضي الله عنه ورد إليه مفتاح الكعبة
ليس هذا فحسب بل قال له : خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم .

"وبسبب هذا التوجيه والتحذير النبوي الكريم لم يجرؤ أي حاكم أو سلطان على أخذ مفتاح الكعبة من بني أبي طلحة إلى اليوم
فلما مات عثمان رضي الله عنه إنتقلت "السدانة" منه إلى أخيه "شيبة" ثم توارثها أبناءه إلى يومنا هذا ......

وأصبح العناية بالكعبة لها هيئة تشرف عليها ....
ولكن ظل المفتاح في يد "آل شيبة" ولا تفتح الكعبة إلا بحضورهم إلى اليوم ....

ثم أتى النبي ﷺ الصفا فأخذ يدعو الله تعالى ويذكره
وحانت صلاة الظهر .
فأمر بلال رضي الله عنه
فصعد فوق الكعبة وأذن للصلاة
وصلى النبي ﷺ بالمسلمين
ثم أرسل مناديا ينادي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلّا كسره .

وقال "أسامة بن زيد رضي الله عنه للرسول ﷺ ألا تنزل في دارك ؟
فقال النبي ﷺ وهل أبقى عقيل لنا دارا .
عقيل هو إبن عمه أبو طالب شقيق علي بن أبي طالب
بعد هجرة النبي ﷺ وهجرة أخوه "علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وموت أخوه "طالب" في بدر
واستشهاد أخوه "جعفر" في مؤتة ....
وكان النبي ﷺ له حق في هذه الدار لأنها كانت ملك جده "عبد المطلب"
وكان كل من هاجر من المسلمين باع قريبه داره .
فلم يأمر النبي ﷺ برد هذه البيوت تأليفا لقلوب من أسلم منهم .
ولأنهم هجروها في الله تعالى
فلا يرجعون فيما تركوه لأجل الله تعالى ....
ثم ضربت خيمة صغيرة للرسول ﷺ في "الأبطح" فنزل فيها وكان معه ﷺ زوجتاه "أم سلمة وميمونة" رضي الله عنهما .

من الذين جاؤوا بعد فتح مكة إليه ﷺ ليسلموا بين يديه "أبو قحافة" والد "أبو بكر الصديق"
وكان "أبو قحافة" حين فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة شيخا كبيراً قد تجاوز 90 عام
جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه ممسكآ بيد أبيه أبو قحافة يقوده .....
فلما رآه المصطفى ﷺ قال له هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه .
فلما جلس بين يدي النبي ﷺ مسح ﷺ على صدره وقال أسلم تسلم .
فقال . أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
فقال أبو بكر رضي الله عنه والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه .....
وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك .

وكان رأس أبي قحافة ولحيته كالثغامة [[ الثغامة نبته جبلية لون زهرتها أبيض فإذا كبرت ويبست اشتد بياضها تشبه الشيب هناك صورة بالتعليق ]]
فقال : غيروهما، وجنبوهما السواد .
وفي رواية "واجتنبوا السواد"

من المواقف التي حدثت بعد فتح مكة :
أن "أبو سفيان بن حرب" كان جالساً وهو يحدث نفسه بأن يجمع للرسول ﷺ بعض القبائل لحربه ......
وكانت أحد القبائل الكبيرة لا تزال في عداء مع النبي ﷺ وهي "هوازن"
فبينما هو كذلك فوجىء بأنه ﷺ خلفه يضرب على ظهره ....
وقال إذآ .. يخزيك الله .
فرفع "أبو سفيان" رأسه فوجد المصطفى ﷺ .
فقال له : أشهد أنك رسول الله .

و أراد "فضالة بن عمير" قتل النبي ﷺ .
وكان شديد الكراهية للحبيب المصطفى ﷺ .
فلما كان فتح مكة أظهر الإسلام
ثم حمل سيفه وأخفاه بين ملابسه وكان النبي ﷺ يطوف بالبيت .
فأخذ يدنو من النبي ﷺ فلما إقترب منه....
قال له النبي ﷺ أفضالة ؟
قال : نعم . فضالة يا رسول الله
فقال له ﷺ ماذا كنت تحدث به نفسك ؟؟
فقال : لا شيء . كنت أذكر الله
فتبسم ﷺ وقال استغفر الله يا فضالة .
ثم وضع ﷺ يده على صدر فضالة :
وقال استغفر الله يا فضالة .
فسكن قلب فضالة .
يقول فضالة : فوالذي بعثه بالحق نبياً... ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليَّ منه ﷺ .

قلنا أن النبي ﷺ دخل مكة على راحلته وهو مطأطأً رأسه تواضعآ لله تعالى .
وأراد أن يستلم الحجر الأسود ولكنه كان مزدحمآ ، فأشار ﷺ إلى الحجر الأسود بمحجنه "عصا كانت في يده" ثم بدء يطوف حول الكعبة
وكان حول الكعبة وعلى الكعبة عدد كبير من الأصنام 360 صنم

وكانت أقدام كل صنم مثبتة في الأرض بالرصاص .....
فجعل النبي ﷺ يدفع هذه الأصنام بالعصا التي معه
أو يشير إليها بهذه العصا وهو يردد قوله تعالى .
وَقُلْ جَآء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا .
فيسقط الصنم على وجهه أو على ظهره وينكسر .
ثم أمر ﷺ بأن تخرج هذه الحجارة من المسجد فأخرجت وأحرقت ....

وأقام النبي ﷺ في مكة تسعة عشر يوماً....

خلال هذه الأيام أرسل ﷺ عدد من السرايا لتحطيم الأصنام في المناطق المحيطة بمكة لتطهير الجزيرة العربية من رموز الشرك والوثننية ....

وكانت هذه السرايا إشارة إلى أن الجزيرة العربية مقبلة على مرحلة جديدة من التوحيد الإعتقادي والعملي

مناة ...
هي أحد الأصنام التي عبدها العرب ....
وقد كانت طرفاً في الثالوث الإلهي وهم اللات والعزى ومناة .
قال تعالى .
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ...
كانت الجزيرة بها كثير من المعبودات .
ولكن هؤلاء الثلاثة كانوا أهم المعبودات عند العرب .
لأن العرب كانت تعتقد أن هؤلاء الثلاثة بنات الله ....تعالى الله

وبعض العرب يعتقد أن اللات ومناة بنات العزى .

وكانت العرب تعظم جداً صنم "مناة" حتى أنها كانت تحج إليه
وكانت في منطقة على ساحل البحر الأحمر تعرف "بالمُشلل"
فأرسل النبي ﷺ "سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه ومعه 20 فارسآ في الرابع والعشرين من رمضان لهدم هذا الصنم .
ولما انتهى إليها قابله سادنها
"السادن هو خادم الصنم .
كما يمكن أن يطلق الآن على خادم المسجد الحرام...
وخادم الكعبة . وخادم المسجد الأقصى"
فقال له سادن الصنم ماذا تريد ؟
فقال : هدم مناة
فقال له : أنت وذاك .
فلما اقترب منها صاح السادن مناة دونك بعض عصاتك
فأقبل "سعد بن زيد رضي الله عنه على الصنم فهدمه .
"كان السادن يعتقد أنه ستصيبه لعنة الآلهة"

العزى ...
هو أحد أطراف الثالوث الإلهي الذي تكلمنا عنه وهي
اللات والعزى ومناة .
"العزى" اسم اشتقوه من اسم الله تعالى "العزيز" ولذلك كانوا يسمون "عبد العزى"
وبلغ من تعظيم العرب للعزى أن جعلوا له حرمآ مثل حرم مكة
فأرسل النبي ﷺ خالد بن الوليد رضي الله عنه في 25 من رمضان على رأس 30 فارسآ لهدم هذا الصنم على رؤوس الأشهاد
فوصل إليها خالد رضي الله عنه فكسر الصنم وهدم البيت الذي كانت فيه وهو يردد ويقول :
كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....






[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة والتسعون بعد المائة 195
الذين أهدر دمائهم يوم فتح مكة .
الجزء الأول ..

في يوم فتح مكة ، أمر النبي ﷺ أصحابه بهدر دماء خمسة عشر من أهل مكة .
حددهم بالإسم وأمر صحابته رضي الله عنهم بقتلهم وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة
ولم يقتل من هؤلاء سوى أربعة فقط .... وعفى النبي ﷺ عن الباقين لأن هؤلاء الذين أمر النبي ﷺ بقتلهم قد قاموا بجرائم شديدة في المسلمين .....

نذكر أسماءهم وكلما توقفنا على واحد ذكرنا سبب هدر دمه ...

مقيس بن صبابة .
كان قد أسلم ثم إرتد عن الإسلام
حدث أن قتل أحد الأنصار أخيه خطأ في أحد الغزوات ظناً منه أنه من العدو ....
فأخذ الدية ثم قتل هذا الأنصاري وارتد وعاد مشركآ إلى قريش
فلما كان الفتح قتل قصاصا.

عبد الله بن الأخطل .
والجاريتين المغنيتين
كان "عبد الله بن الأخطل" قد أسلم وهاجر إلى المدينة .
ثم بعثه النبي ﷺ لأخذ الصدقة وكان معه مولى له مسلماً
فأمر مولاه بأن يصنع له طعاماً ثم نام ....
فلما استيقظ وجد مولاه نائما ولم يصنع شيئا فقتله.....
ثم خاف أن يقام عليه الحد فارتد مشركآ وعاد إلى مكة وكان شاعراً فأخذ يهجو النبي ﷺ
وكان له جاريتان يغنيان بهذا الشعر .
فأمر النبي ﷺ بقتله وقتل الجاريتين .
وكان أمره ﷺ بقتله قصاصآ لقتله هذا "الرجل المسلم"
وأمر النبي ﷺ بقتل الجاريتين من أجل الحفاظ على هيبة الدولة الإسلامية ....

فلما كان يوم الفتح ركب "عبد الله بن الأخطل" فرسه ولبس درعه وأقسم لا يدخلها النبي ﷺ
فلما رأى خيل المسلمين خاف وذهب إلى الكعبة وتعلق بأستارها فرآه النبي ﷺ كذلك .
فقال لأصحابه رضي الله عنهم اقتلوه فان الكعبة لا تمنع من إقامة الحد .
فقتل وقتلت إحدى الجاريتين
وأما الثانية فطُلِب من النبي ﷺ العفو عنها فعفا عنها وعاشت حتى خلافة "عثمان رضي الله عنها.

عبد الله بن أبي سرح .
كان قد أسلم وكان ممن يكتب الوحي ثم ارتد ولحق بمكة
ومن أجل أن يرضي قريش أخذ يشوه مصداقية النبي ﷺ والوحي
وكان يقول لقريش إن محمداً لا يعلم ما يقول .
وقال لهم كتبت له :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ.
فقلت : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . قبل أن ينطق بها محمد ...
فقال لي . اكتب ذلك . هكذا أنزلت .
يا قريش إن كان محمداً نبياً يوحى إليه فأنا نبي يوحى إلي
وكنت أصرف محمداً كيف شئت كان يملي علي {{ عزيز حكيم }} فأقول أو {{ عليم حكيم }}
فيقول : نعم كلٌ صواب اكتبها .
وكل ما كنت أقوله لمحمد يقول لي . اكتب هكذا نزلت....

"وقد كان أهل مكة يصدقونه، لأن الإنسان الذي على باطل يريد أن يصدق أي كلام يزين له هذا الباطل حتى ولو كان كلاما غير معقول"
فلذلك أهدر النبي ﷺ دمه يوم فتح مكة ....
فلما كان يوم الفتح وعلم بإهدار النبي ﷺ دمه لجأ إلى "عثمان بن عفان" رضي الله عنه وكان أخيه من الرضاعة .
فقال له : يا أخي استأمن لي رسول الله ﷺ قبل أن يضرب عنقي .
فغيبه عثمان رضي الله عنه في بيته حتى هدأ الناس واطمأنوا
ثم أتى به إلى النبي ﷺ وهو في صحن الكعبة
فوقف عثمان بن عفان رضي الله عنه أمام النبي ﷺ .
وقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي بايع عبد الله بن أبي سرح ....
فلم يرد عليه ﷺ واستدار بوجهه وأخذ يكلم غيره .
فعاود "عثمان" قوله للمرة الثانية
فلم يرد عليه النبي ﷺ فأستدار النبي إلى جهة أخرى وأخذ يكلم غيره .
فكرر طلبه "عثمان" للمرة الثالثة .
"عثمان" يخاطب المبعوث رحمه للعالمين صاحب الخلق العظيم .
أبت عليه نفسه الكريمة أن يعرض عن عثمان رضي الله عنه ثلاث مرات....
فنظر فيه وقد علاه الغضب
وقال : نعم أبسط يدك يا ابن أبي سرح .
فبسط يده وبايعه وأمنه صلوات ربي وسلامه عليه
فشعر "عثمان رضي الله عنه أنه أثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ بيد عبدالله بن أبي سرح بعد أن بايع النبي صلى الله عليه وسلم وخرج به من الحرم
فلما انصرف قال النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم وهو مغضب بصوت مرتفع .
أعرضت عنه مراراً و هو مهدور الدم . ألا قام إليه بعضكم فيضرب عنقه ؟
وقال لعباد بن بشر "وكان عباد عليه نذر إن رأى عبد الله بن أبي سرح أن يقتله .
فلما حضر عبدالله مع عثمان أخذ عباد سيفه واستعد لقتله ينتظر إشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباد وهو مغضب وقد ارتفع صوته انتظرتك أن تفي بنذرك .
قال : يا رسول الله خفتك .
أفلا أومأت إلينا بعينك ؟

فقال النبي ﷺ :
سبحان الله . إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين ؟

فسكت الصحابة رضي الله عنهم وأنقذ رأس عبدالله بن أبي سرح
وكان "عبدالله بن أبي سرح" بعد ذلك يستحيي من مقابلة النبي ﷺ .
فذكر عثمان رضي الله عنه ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : بأبي أنت وأمي يارسول الله .
إن عبدالله لا زال يذكر جرمه القديم وهو يستحي منك .
فقال له ﷺ يا عثمان الإسلام يجبّ ما قبله .
وأخبره عثمان رضي الله عنه بذلك .
ومع ذلك صار إذا جاء جماعة للنبي صلى الله عليه وسلم يجيء معهم ولا يجيء إليه منفردا .
وقد حسن إسلام "عبد الله بن السرح" رضي الله عنه بعد ذلك .

هند بنت عتبة .
زوجة "أبي سفيان"
وكانت شديدة في كفرها وهي التي مثلت بحمزة رضي الله عنه عم الرسول ﷺ .
وكانت "المثلة" سابقة في العرب لم تعرفها العرب من قبل .
ابتكرت شيئاً من وحي الشيطان .
فأمرت النساء اللواتي كانوا معها أن يقطعنَّ انوف وأذان الشهداء
فجعلت منهم قلادة تضعها في عنقها تدخل بها مكة...
وزادت مثلة في عمه حمزة رضي الله عنه فأمرت وحشي أن يبقر لها بطنه ويستخرج لها كبده فلاكتها ولم تستطيع أن تسوغها فلاكتها ولاكتها ثم بزقتها .

وهنالك مقالة لطيفة يقال إنها لاكت كبد حمزة فأختلط شيء من دم حمزة رضي الله عنه بجسدها فلذلك هداها الله للإسلام لأن الله حرم على النار دم سيد الشهداء"

فلما كانت يوم الفتح لزمت منزلها وقد علمت أن النبي ﷺ قد أهدر دمها .
جلس ﷺ على الصفا يبايع أهل مكة على الإسلام .
فجاءه الكبار والصغار والرجال والنساء يبايعهم على الإسلام .
أي على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله .
فدخل الناس في دين الله أفواجآ أفواجآ
وكانت لرسول الله ﷺ هيبة لا يستطيع أحد التمعن والنظر في وجهه من شدة هيبته .
"لذلك قيل ان الله أعطى شطر الجمال ليوسف عليه السلام وأعطى الحبيب المصطفى ﷺ الجمال كله .

فجاءه رجل يبايعه فلما نظر إلى الحبيب المصطفى ﷺ أخذته الرعدة .
فقال له هون عليك فإني لست بملك .
إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد .
"اللحم المجفف ، الذي يأكله عامة الناس"
وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقف بين يديه وتجمع النساء فأتت النساء ليبايعن النبي ﷺ .
لم يبايعهن ببسط اليد ووضع اليد باليد ، لا
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ما وضع ﷺ يده بيد امرأة إلا امرأة تحل له أو ذات محرم .
ولكنه بسط يده في الهواء وبسطت نساء قريش أيدهن وتمت البيعة .
وهند كانت بين النساء وكانت كما قلنا مهدورة الدم .
ولكن أخبروها أن النبي ﷺ لا يقتل من أسلم
فجاءت حتى دخلت بين النساء ، وجلست وهي متنقبة تخفي وجهها ....
فلما بسط يده يبايعهن
قال ابايعكن على أن تشهداوا أن لا إله إلا الله , وأن محمد رسول الله .
قالت النساء : نشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله .
قال وألا تقتلن أولادكن من إملاق .
فقالت هند وهي متنقبة
قالت : لقد ربيناهم صغاراً يا رسول الله وحصدتهم يوم بدر كباراً فأنت وهم أعلم عند الله
فعرفها ﷺ من صوتها
فقال أهندٌ بنت عتبة ؟؟
فأماطت النقاب عن وجها
وقالت : نعم بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
الحمد لله الذي أظهر الدين الذي إختاره لنفسه لتنفعني رحمك
"قبل قليل قالت الشهادة مع النساء .
والآن تقول بأبي وأمي أنت يارسول الله .

فتبسم لها ﷺ ضاحكاً وقال مرحبا بك .
ثم أكمل بنود البيعة
وقال للنساء و ألا تزنين .
فقالت "هند" رضي الله عنها :
قال . أو تزني الحرة يا رسول الله

قالت هند للنبي ﷺ والله يا رسول الله ماكان على وجه الأرض أهل خباء [[ أي نساء أهل بيت ]] أحب إلي أن يذلوا من أهل خباءك .
ثم ما أصبح اليوم أهل خباء على وجه الأرض أحب إلي من أن يعزوا من أهل خباءك .
لقد كنا في جاهلية يا رسول فأصفح الصفح الجميل .

فقال ﷺ قد عفونا وصفحنا يا ابنت عتبة .

رجعت هند رضي الله عنها وقد أنار وجهها وقلبها نور الإيمان وكانت صادقة الإيمان .
حتى إذا دخلت دارها أسرعت إلى صنمها التي كانت تعبده وأخذته وألقته في الأرض ووضعت قدمها عليه .
وقالت : لقد كنا معك في غرور . الحمد لله الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور .


عكرمة بن أبي جهل .
كان من أشد قريش عداوة للنبي ﷺ وقاتل مع قريش في بدر .
وكان ميسرة الفرسان في أحد

واشترك في الخندق .
وهو أحد الذين اقتحموا الخندق مع "عمرو بن ود" قبل أن يقتله علي وفر هو هارباً
وكان أخيراً قائد جيش المشركين الذين تصدوا للمسلمين في فتح مكة عند جبل "الخندمة"
وهو ممن قام بنقض "صلح الحديبية" وشارك "بني بكر" بقتال "خزاعة"
فأهدر النبي ﷺ دمه ...

فلما دخل المسلمون مكة هرب واتجه إلى اليمن .
كانت امرأته "أم حكيم بنت الحارث" قد أسلمت
اتعرفون من أم حكيم ؟
اختها أم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها التي تزوجها النبي ﷺ يوم عمرة القضاء .
"أم حكيم أسلمت قبل الفتح وانفصلت عنه بحكم الإسلام فالمسلمة لا تحل لكافر"
ولكنها لم تسافر بقيت مع إخواتها في مكة .
فهي الآن مسلمة وسمعت كيف تقبل النبي صلى الله عليه وسلم إسلام من أهدر دمهم .
فقالت مخاطبة النبي ﷺ وهو يعفو عن "هند بنت عتبة"
يا رسول الله لقد شمل عفوك قريش كلها وإن "عكرمة" رجل من رجالات قريش سمع بدمه المهدر ففر إلى الساحل هارباً
ألا تأمنه يا رسول الله ؟
فرق قلب النبي المصطفى ﷺ لها
وقال لها : أدركِ زوجك فهو آمن .

فلما أخذت له الأمان من رسول الله خرجت في طلبه إلى اليمن ولحقته قبل أن يركب البحر .
قالت : قف يا بن عم لقد جئتك من عند أكرم الناس واوصل الناس .
جئتك من عند رسول الله وقد أخذت لك الأمان فلا تهلك نفسك ...
كان يثق بها فقال لها . أومحاسبي هو ؟؟
قالت : لا قد صفح وأعطاك الأمان فأرجع فإنه ابن عمتك .
لأن آمنة أم الحبيب المصطفى ﷺ تكون عمته فرسول الله ابن عمته .
فإنه ابن عمتك ، وعزه عزك ، وشأنه شأنك .فرجع معها
وهو قادم في الطريق والنبي ﷺ جالس بمكة بين أصحابه رضي الله عنهم
وإذا بالنبي ﷺ يأتيه الوحي من السماء أن عكرمة قد آمن ورجع
فقال لاصحابه رضي الله عنهم
لقد رجع إليكم عكرمة مسلماً مهاجراً ، فمن رآه منكم فلا يؤذيه بسب أبيه أبو جهل فإن مسبة الأموات تؤذي الأحياء ولا ينال الميت منها شيء .

فلما قدم عكرمة لساحة الحرم
يقول الصحابة رضي الله عنهم ففزع إليه ﷺ
أي قام إليه مسرعاً بإزار دون رادء عاري المنكببن
وهو يقول بأعلى صوته مرحباً بمن جاءنا مؤمنا مهاجراً .

استقبله بفرح وسرور صادق
وهو يقول مرحباً بمن جاءنا مؤمنا مهاجراً .
قال عكرمة . يا رسول الله فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها .
أو مسير وضعت فيه أو مقام لقيتك فيه ، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه .
فقال النبي اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها ، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك ، فاغفر له ما نال مني من عرض في وجهي أو أنا غائب عنه .

رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....









[*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السادسة والتسعون بعد المائة 196
الذين أهدر دمائهم ، يوم فتح مكة .
الجزء الثاني ...

سارة ...
"سارة" مغنية في مكة كانت تغني في مكة بهجاء النبي ﷺ
ثم قدمت المدينة تشكو الحاجة
فقال لها النبي ﷺ ما كان في غنائك ما يغنيك؟
فقالت : إن قريشا تركوا الغناء منذ قتل منهم من قتل ببدر .
فعرض عليها النبي ﷺ الإسلام فرفضت .
فأعطاها النبي ﷺ وقبل منها أن تظل بالمدينة على كفرها .
ولكنها خانت كل ذلك وحملت كتاب "حاطب بن أبي بلتعة" رضي الله عنه إلى قريش تخبرهم بمسير الرسول ﷺ إليهم

فلما كان فتح مكة اختفت
ثم جاءت إلى الحبيب المصطفى ﷺ واستأمنته وأسلمت وعاشت حتى خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.


صفوان بن أمية ...
كان من أشد قريش عداوة للنبي ﷺ وإيذاءا للمسلمين
هو ابن "أمية بن خلف" أحد صناديد قريش وقد قتل في "بدر"
وهو أيضاً الذي شارك بنقض "صلح الحديبية" وشارك بني بكر بقتال خزاعة .
وأيضاً قاتل "خالد بن الوليد" رضي الله عنه عند دخوله مكة من جهة المسفلة عند "الخندمة"
فلما كان فتح مكة هرب "صفوان" وكان له ابن عم "عمير بن وهب"
وقد أسلم عمير فاصبحت بينه وبين صفوان عداوة .

جاء ابن عمه "عمير بن وهب" للنبي ﷺ
قال : بأبي وأمي أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن صفوان سيد قومه وقد هرب فأمنه فإنك أمَّنت الأحمر والأسود
فقال له الحبيب المصطفى ﷺ أدرك ابن عمك فهو آمن .
فقال : يا رسول الله أعطني آية حتى يثق بي صفوان .
فأعطاه النبي ﷺ عمامته التي دخل بها مكة وكل الناس رأوها ولونها سوداء .
قال خذ هذه عمامة رسول الله أمان لصفوان .
فأنطلق "عمير" يسابق الريح حتى أدرك "صفوان" قبل أن يركب البحر .
فقال له : يا ابن عم على رسلك لا تهلك نفسك .
فنظر إليه صفوان وقال اهرب عني وهل نسيت أنك شيطان قريش وأصبحت شيطان المسلمين لعلك جئت تأسرني إلى محمد . صلى الله عليه وسلم
"كان عمير يسمى في الجاهلية شيطان قريش لدهائه"
قال عمير رضي الله عنه لا والذي خلق السموات والأرض وبعث محمد نبياً يا صفوان .
لقد جئتك من عند أفضل الناس وأبرّ الناس وأحلم الناس وخير الناس وهو ابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك
فقال صفوان : إني أخافه على نفسي .
قال: هو أحلم من ذلك وأكرم جئتك من عنده بأمان لك قبل أن تدخل مكة .
ثم أراه عمامة النبي ﷺ
وقال له : هذه عمامة رسول الله وقد رأتها قريش كلها هي أمان لك .
فدنى صفوان بحذر .
وقال: أعطنيها وأخذ العمامة ثم ركب ناقته .
وقال لعمير رضي الله عنه إنطلق أمامي فجعل يمشي أمامه وهو خلفه
حتى إذا وصل أرض الحرم ظل راكباً على راحلته .
وقف صفوان ونادى بأعلى صوته يا محمد يزعم صاحبك هذا أنك قد أمنتني .
قال له : صدق وأنت آمن .
قال : يا محمد لا تكرهني على دينك أمهلني بالخيار شهرين .
فقال له الحبيب المصطفى ﷺ أنت بالخيار أربعة أشهر .
وأسلم قبل مضي شهرين في حنين وسنأتي على ذكرها إن شاء الله .


زهير بن أمية والحارث بن هشام .
كانا شديدان في كفرهما ....
فاختبئا في بيت "أم هانىء بنت أبي طالب" .
وهي بنت عم النبي ﷺ والتي تربت معه في بيت واحد
تقول أم هانيء رضي الله عنها لما نزل رسول الله ﷺ بأعلى مكة فر إلي رجلان من أحمائي .
"أي من أقارب زوجها هبيرة بن أبي وهب"
مستجيرآن بي فأجرتهما .
فدخل عليّ أخي علي بن أبي طالب فقال : والله لأقتلنهما .
قالت : فحلت بينه وبينهما .
فخرج فأغلقت عليهما بيتي ثم جئت رسول الله ﷺ بأعلى مكة
فوجدته يغتسل وفاطمة رضي الله عنها إبنته تستره بثوب
فسلمت عليه فقال : من هذه؟
فقلت: أم هانىء بنت أبي طالب
فأخرج رأسه ﷺ من خلف الرداء
وقال مرحبا بأم هانىء، ، ما جاء بك ؟
فأخبرته الحديث فقال أجرنا من أجرتِ . وأمنا من أمنتِ فلا نقتلهما .
ولم تكن { أم هانئ } قد أسلمت
فأسلمت في ذلك اليوم يوم "فتح مكة"
وزارها النبي ﷺ في بيتها
وقال لها هل عندك من طعام نأكله ؟
قالت : بأبي وأمي أنت ليس عندي إلا كسر يابسة وأنا أستحي أن أقدمها إليك .
فقال هلمي بهن . فكسرهن في ماء وجاءت بملح
فقال هل من أدم .
فقالت: ما عندي يا رسول الله إلا شيء من خل .
فقال هلميه .
فأحضرته فصبه على الكسر وأكل منه . ثم حمد الله تعالى.
ثم قال نعم الأدم الخل . يا أم هانىء لا يفقر بيت فيه خل .

وجاء نعم الأدم الخل، اللهم بارك في الخل، فإنه كان إدام الأنبياء قبلي.... .


وحشي بن حرب ..
هو الذي قتل "حمزة" رضي الله عنه يوم معركة أُحد .
وكانت الصحابة رضي الله عنهم أحرص شيء على قتله .
فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف وقد علم أن دمه قد أهدر .
ثم بلغه أن من لقي النبي ﷺ مسلماً لا يسفك دمه
فجاء وحشي إليه في "حنين" وكان النبي ﷺ يقسم غنائم حنين ....
جاء وحشي متنكرا حتى وقف وراء النبي ﷺ والناس كثير
وهو متلثم
وقال : إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله .
فألتفت النبي إليه وقال من ؟؟
فكشف اللثام عن وجهه
وقال: وحشي ابسط يدك يا رسول الله ابايعك .
فقال أوحشي ؟
قال . نعم
قال قاتل حمزة ؟
اجلس اجلس بين يدي وحدثني كيف قتلت حمزة ؟
قال وحشي: إقبل إسلامي أولاً يا رسول الله واغفر لي يارسول الله.
قال أما إسلامك فقد قبلناه .
ولكن إجلس حدثني كيف قتلت حمزة وهو أسد الله وأسد رسوله .
"يعني لا يعقل رجل يلاقي حمزة رضي الله عنه ويقتله وجه لوجه
فجلس بين يدي النبي ﷺ يحدثه كيف قتل حمزة غدرآ لا مبارزة . فلما أخذ وحشي يتكلم
يقول الصحابة رضي الله عنهم بكى النبي ﷺ وعلا نحيبه حتى أبكى كل من حوله .
فلما فرغ وحشي قال له أما إسلامك فقد قبلناه ولكن غيب وجهك عني الساعة .
قال : لا والذي بعثك بالحق لا أقوم حتى تستغفر لي .
فأستغفر له النبي ﷺ ومسح صدره ....
وقال قم يا وحشي قد قبلنا إسلامك وغفر الله لك .

قام وحشي وقد أسلم
ولما قبض النبي ﷺ ولحق بالرفيق الأعلى
خرج "وحشي" وقاتل في حروب الردة في خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنهم...

فكان هو الذي قتل "مسيلمة الكذاب" بحربته التي قتل بها "حمزة رضي الله عنه
فكان يقول: أرجو أن تكون هذه بتلك
"أي قتله لمسيلمة يكفر به قتله لحمزة رضي الله عنهما.
✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[




: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة والتسعون بعد المائة 197
الذين أهدر دمائهم . يوم فتح مكة .
الجزء الثالث والأخير .

الحويرث بن نقيد .
كان "الحويرث" من أشد قريش إيذاء للمسلمين و قد إشترك مع رجل آخر من أهل مكة وهو "هبار بن الأسود" في محاولة منع السيدة زينب رضي الله عنها بنت النبي ﷺ من الهجرة .
وأخذوا ينخسون الجمل الذي كانت تركبه حتى سقطت على صخرة وكانت حامل فسقط جنينها ....
ولم تزل مريضة حتى ماتت رضي الله عنها...
فلما كان فتح مكة تعلق بأستار الكعبة فقتله "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه .

هبار بن الأسود .
كان كذلك من أشد قريش إيذاء للمسلمين ....
وهو الذي إشترك مع "الحويرث بن نقيد" في إعتراض طريق السيدة "زينب" رضي الله عنها ونخس جملها وسقطت وكان ذلك سبباً في موتها بعد ذلك .

وقيل أنه ضربها بالرمح فسقطت من على الجمل على صخرة وكانت حاملاً فألقت ما في بطنها وأهرقت الدماء .
ولم يزل بها مرضها ذلك حتى ماتت رضي الله عنها.

فكان ممن أهدر دمه يوم فتح مكة فلما علم "هبار" أنه مهدور الدم هرب واختفى حتى عاد ﷺ إلى المدينة
ثم دخل يوماً على النبي ﷺ وهو في مسجده .
فقال الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله هذا هبار بن الأسود .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد رأيته .
وأراد بعض الصحابة رضي الله عنهم القيام إليه ليقتلوه كما أمر النبي ﷺ .
فأشار إليهم الحبيب المصطفى ﷺ أن يجلسوا
ثم وقف "هبار" أمام النبي ﷺ
وقال السلامُ عليك يا رسول الله .
إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله .
لقد هربتُ منك في البلاد يا رسول الله وأردتُ اللحوق بالأعاجم .
ثم ذكرت فضلك وبرّك وصَفحك عمّن جهل عليك فاصفح عن جهلي وعما كان يبلغك عني فإني مقرٌ بسوأتي معترف بذنبي .
يقول الصحابة رضي الله عنهم وأخذ "هبار" يعتذر ويعتذر .
فأطرق النبي ﷺ رأسه حياء من كثرة إعتذار "هبار"

وبكى ﷺ "لأنه يعتبر قاتل بنته رضي الله عنها

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .
فماذا كان موقفه ﷺ من قاتل بنته رضي الله عنها رفع رأسه وقد بكى حتى إبتلت لحيته
وقال : اللهم إني عفوت عن هبار فأعفو عنه .

يا هبار عفوت عنك وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام .
والإسلام يجب ما كان قبله .


كعب بن زهير .
كان من أكبر شعراء العرب
كان يهجو النبي ﷺ بشعره وينشره بين العرب ويطعن في عرض النبي ﷺ في أهل بيته
وكان الشعر هو الوسيلة الإعلامية الوحيدة والمؤثرة جداً عند العرب .
فلما بلغه أن النبي ﷺ قد أهدر دمه هرب من مكة .
ثم قدم على الرسول ﷺ وهو في المدينة .
و كان لكعب أخي مسلماً فأخذ يراسله ....
فأرسل له أخوه ويلك ادخل على رسول مسلماً فإن رسول الله لا يقتل مسلماً...

فجاء "كعب" للمدينة ونزل عند رجل صديق له يعرفه
قال له أبيت عندك الليلة حتى تدخل بي على محمد في صلاة الفجر كي لا يراني أحد فإني مهدور الدم .
فأمنه الرجل حتى أتى به إلى المسجد في صلاة الفجر

فلما فرغ النبي ﷺ من صلاته واستدار وأعطى ظهره للقبلة و وجهه لأصحابه رضي الله عنهم
تقدم "كعب" بين الصفوف ودنى من رسول الله ﷺ والوقت ظلمة
فقال كعب : يا رسول الله إن "كعب بن زهير" الشاعر المهدور دمه يريد أن يأتيك مسلماً تائبا
فهل إذا جئت به أمنته وقبلت إسلامه ؟؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن جاء مسلماً قبلناه .
فقال كعب : ها أنا بين يديك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله .
فقال النبي ﷺ : أنت كعب ؟
فوثب رجل من الأنصار ليضرب عنقه فأشار له النبي صلى الله عليه وسلم أن إجلس ...

فقام "كعب بن زهير" يقول شعرآ
وهذا ليس غريب على العرب قديماً البلاغة النطق بالشعر في المنشط والمكره ....
في السرور وفي الغضب في الفرح وفي الحزن .


أنشد قصيدته المعروفة "البردة" والتي أولها :
بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ

فلما وصل إلى البيت الذي قال فيها :
إنَّ الرَّسُولَ لَنورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ
مُهَنَّدٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ مَسْلُولُ

فلما وصل إلى هذا البيت
قام صاحب الخلق العظيم الذي علمنا :
من صنع لكم معروفا فكافؤوه .
فإن لم تجدوا ما تكافؤوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه .

خلع ﷺ بردته "العباءة التي يلبسها"
وهي عباءة مخططة كان يلتحف بها وأعطاه إياها :
وأسلم كعب رضي الله عنه ولم يهدر دمه ....

وهذه العباءة بقيت عند كعب رضي الله عنه ولما كان "معاوية" في زمن خلافته عرض على "كعب بن زهير" عشرة آلاف درهم ليأخذها منه .
فرفض "كعب" وقال ما كنت لأؤثر بثوب رسول الله الذي أعطانيه أحدا .
فلما مات "كعب" بعث معاوية رضي الله عنهم إلى ورثته 20 ألف وأشتراها منهم .
وظلت هذه البردة الشريفة عند السلاطين حتى وصل سعرها "الف الف دينار ذهبية" يعني اليوم بلغتنا "مليون ليرة ذهبية"

فكانوا يلبسونها في الأعياد ليأخذ السلطان بها قلوب الناس "أن السلطان يلبس عباءة النبي المصطفى ﷺ"

وقيل أنها فقدت في وقعة التتار ....


كما رأينا أهدر الرسول ﷺ بعد فتح مكة دماء 15 .
ولم يقتل منهم سوى 4 فقط
بينما عفا النبي ﷺ عن بقيتهم
والذين قتلوا قتلوا قصاصآ لأنهم قتلوا من المسلمين

وفي أثناء إقامة النبي ﷺ في مكة وصل إليه أن عدد كبير من قبائل "هوازن" قد إجتمعت لأول مرة في تاريخها لحرب المسلمين .
وقبائل "هوازن" من القبائل القوية المتغطرسة والتي رفضت أن تستسلم وأن تخضع للنبي ﷺ
فاجتمعت هذه القبائل في جيش كبير، وجعلت لها قائداً واحداً وهو "مالك ابن عوف النَّصْري"
وخرج هذا الجيش واتجه إلى مكة لحرب النبي ﷺ .
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم......
يتبع بإذن الله تعالى.....







[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة والتسعون بعد المائة 198
الطريق إلى حنين .

لما فتح الله مكة على رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وخضعت له قريش خافت هوزان و ثقيف وقالوا : قد فرغ محمد لقتالنا فلنغزه قبل أن يغزونا...

وصل للحبيب المصطفى ﷺ أن "هوازن" قد إجتمعت لحرب المسلمين ....

من هي قبيلة هوازن ؟
ولماذا إجتمعت على حرب النبي ﷺ ؟
قبيلة {{ هوازن }} هي واحدة من أكبر وأشرس قبائل الجزيرة العربية.... وهي تضم عدداً كبيراً جد من القبائل...
وأكبر هذه القبائل هي "بنو نصر" و "بنو سعد"

وبني سعد هم الذين استرضع الرسول ﷺ فيهم عند "حليمة السعدية رضي الله عنها...

ثم قبيلة "ثقيف" وهي أكبر قبائل "هوازن"
وكانت أغلب قبائل "هوازن" في الشمال الشرقي من مكة على بعد حوالي 20 كم تقريباً...

بينما قبيلة "ثقيف" وحدها اتخذت مدينة "الطائف" في الجنوب الشرقي من مكة .

كانت "ثقيف" من أكبر وأقوى قبائل الجزيرة....
ومدينة "الطائف" هي المدينة الثانية في الجزيرة بعد "مكة"

حتى أن الله تعالى ذكر قول الكفار :
وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ .
وكانوا يقصدون بالقريتين "مكة والطائف"
وكان في "الطائف" صنم اللات وهو من أشهر أصنام العرب وأحد أطراف الثالوث "اللات والعزى ومناة"....

تجمعت كل قبائل "هوازن" في جيش واحد وتحت قيادة واحدة لحرب النبي ﷺ
وكان قائد هذا التحالف من قبائل "هوازن هو "مالك بن عوف النصري وكان شاباً لم يبلغ 30 من عمره ....

لكنه كان من أشهر فرسان الجزيرة وكان معروف بخططه العسكرية المميزة ....
وكان أيضآ شاعراً وخطيبآ مفوها وله قدرة فائقة على حشد الناس والتأثير عليهم .

وبالفعل إستطاع "مالك بن عوف" أن يجمع كل قبائل "هوازن" في جيش واحد تحت قيادته .
وهذا أمر لم يحدث من قبل كما قلنا في تاريخ "هوازن" وهذا يدل على مدى كفاءته في حشد الناس والتأثير عليهم .
إستطاع أن يجمع تحت قيادته "ثقيف"
ومعروف أن ثقيف هي أعظم قبائل "هوازن" وأكثرها عدداً وأقواها جيشاً...
ومع ذلك قبلت "ثقيف" أن تسير تحت رآية "مالك بن عوف"
وهذا يدل أيضاً على شدة شعور "هوازن" بالخطر
واستطاع "مالك بن عوف" أن يحشد من "هوازن" أكثر من 25 ألف مقاتل ....
وهذا أكبر رقم يُجمع في معركة واحدة في تاريخ العرب حتى ذلك الوقت ...

وقبل أن يخرج "مالك بن عوف"
ماذا فعل ؟؟
أمر "هوزان" بأن يأخذوا معهم إلى أرض القتال
"النساء والأطفال والأنعام والأموال وكل ما يمتلكوه" فتوضع خلف الجيش ....
وذلك لتحفيز الجيش على القتال ويستميت الرجل منهم في الدفاع عن نسائهم وأطفالهم وأموالهم

وكان قد خرج مع الجيش أحد شيوخ "هوازن" المخضرمين عسكرياً وهو "دريد بن الصمة"
وكان عمره أكثر من 120 سنة
وقيل أنه خاض 100 معركة لم يهزم في واحدة منها ...

وقد خرج على راحلة في هودج صغير ليس للحرب ولكن ليأخذوا المشورة والرأي منه ....
وقالوا له لا نخالفك في أمر تراه ...

وسار الجيش حتى نزل وادي "أوطاس" وعلى بعد حوالي 50 كم تقريباً من مكة .
"مسيرة يوم تقريبا من مكة"
وكان "دريد بن الصمة" أعمى فقال لمن حوله بأي وادٍ أنتم ؟
قالوا : بأوطاس .
فقال . نعم مجال الخيل . لا حَزْنٌ ضَرِسٌ ولا سَهْلٌ دَهِسٌ .
"يعني هذا الوادي أفضل مكان للخيل والحرب والقتال والكر والفر ...
لأنه ليس "حَزْنٌ ضَرِسٌ" الأرض ليست صلبة غليظة فيصعب عيها المشي
"ولا سَهْلٌ دَهِسٌ" ليست لينة جداً فيثقل فيها المشي"
ثم قال دريد : ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ؟
قالوا له : لقد إصطحب "مالك بن عوف" مع الجيش أموالهم ونساءهم وأبناءهم .
فقال‏: . أين مالك ‏؟‏
فجاء إليه مالك بن عوف .
فقال له دريد : يا مالك .
إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام .
ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ‏؟‏
قال له . لقد اصطحبت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم .
قال ‏: ولما ذاك ‏؟‏
قال ‏. أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم .
فأخرج دريد صوتا من فمه كالصوت الذي يخرجه الرعاة للغنم .
وقال‏ : راعي ضأن والله ‏!‏
"أي أنت لا تنفع إلا أن تكون راعيآ للغنم ولا تصلح للقيادةالعسكرية

راعي ضأن والله وهل يرد المنهزم شيء ‏؟‏
إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه .
وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ‏...

فأخرج بالمقاتلة فقط .
ثم قال له : إنك تقاتل رجلاً كريماً قد أوطأ العرب وخافته العجم وأجلى اليهود .

ولكن "مالك بن عوف" أصر على رأيه ....
وقال له : والله لا أطيعك إنك قد كبرت وضعف رأيك .
فقام دريد يخاطب الناس .
يا معشر هوازن .
والله ما هذا لكم برأي .
إن هذا فاضحكم في عورتكم "يقصد نسائهم" وممكِّن منكم عدوكم ولاحق بحصن ثقيف وتارككم .
فانصرفوا واتركوه
وكادت أن تتأثر "هوازن" برأي دريد ....
ولكن "مالك بن عوف" كما قلنا كان خطيبآ مفوهآ وله قدرة على التأثير على الناس .
فسل سيفه وقام وهو يقول والله لتطيعُنَّني يا معشر هوازن أو لأتكِئنَّ على هذا السيف حتى يخرج من ظهري .

فأطاعت "هوازن" مالك بن عوف ولم يلتفت أحد إلى رأي الخبير العسكري "دريد بن الصمة"

ومع ذلك لم يكن رأي "مالك بن عوف" رأيا أحمق

والسبب ..
لأن مالك يعلم أن المسلمون يقاتلون رغبة في الشهادة وهذا شيء لا تعرفه العرب .
وقد كان العرب في الجاهلية لا يؤمنون بيوم القيامة ولا بثواب ولا بعقاب بعد الموت .
قال تعالى مخبرآ عنهم :
وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ...
فأراد "مالك بن عوف" أن يعوض بذلك التصرف هذا التفاوت الكبير في الروح المعنوية بين الجيشين

أيضاً بعض العرب كانت تفعل ذلك
فهو لم يفعل شيء لم يفعله أحد من العرب من قبل ....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....
[٣١‏/٧‏/٢٠٢١ ٩:٥٨ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة والتسعون بعد المائة 199
حنين . المعركة ...


نظم مالك بن عوف جيشه تنظيما جيداً...
فرتب الجيش في صفوف متوازية .
فماذا فعل ؟
١- وضع الخيل في المقدمة ...

٢- ثم الرَّجَّالة خلفهم "الرجال الذين يمشون على أقدامهم ليس معهم خيل"

٣- ثم وضع النساء فوق الإبل خلف الرجال .
"لكي يوهم المسلمين أن هناك أيضاً من الرجال عدداً كبيراً فوق الجمال فتزداد الأعداد أمام المسلمين إلى الضعف فتضعف بذلك عزائم المسلمين"

٤ - ثم جعلوا الإبل صفوفآ والبقر والغنم خلف الجيش كي لا يهرب الجيش .
ترتيب منظم :
حتى إن "أنس بن مالك" وصف جيش "هوازن" بقوله متعجبآ :
فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت.

ثم ماذا فعل مالك ؟؟
كان "مالك بن عوف" يعرف تماماً طبيعة الأرض التي إختارها للمعركة ....
فقام بالليل و وضع الكمائن في قمم الجبال "الفخ" وفي الشعاب والمضايق والمنعطفات والأشجار التي على جانبي وادي "حنين" وهو وادي منحدر ....

هذا الوادي "حنين" هو الوادي الذي سيمر منه المسلمون ليصلوا إلى سهل "أوطاس"
وكان وصول "هوازن" إلى أرض المعركة قبل المسلمين أمر في صالح "هوازن"
لأنه نشر قواته في الأماكن المناسبة واحتل المواقع الإستراتيجية في أرض المعركة

أخذ "مالك بن عوف" يخطب في "هوازن" يحمسهم
ويقول : إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة .
وإنما كان يلقى من لاعلم لهم بالحرب فيُنصر عليهم .

ثم قال لهم : إذا أنتم رأيتم القوم فاكسروا جُفون سيوفكم وشُدوا شَّدةَ رجل واحد عليهم .
"وكان العربي إذا كسر غمد سيفه فهذا معناه أنه مصر على الثبات أمام الخصم حتى النصر أو الموت يعني استميتوا "

وعندما وصل إلى النبي ﷺ ورأى أن "هوازن" قد خرجوا بنسائهم وأبنائهم وأموالهم :
قال ﷺ تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله .

وقدخرج ﷺ لقتال "هوازن" في التاسع شوال من السنة الثامنة من الهجرة .
أي بعد فتح مكة بـ تسع عشر يوم فقط
وخرج جيش المسلمين بكامل طاقتهم العسكرية
فخرج 10 آلاف مقاتل الذين فتح بهم مكة
وخرج معهم ألفين من أهل مكة ممن أسلموا ومنهم 80 رجل من المشركين ...
منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو .
"خرجوا حمية لبلدهم مكة"
فأصبح الجيش 12000 فيهم المسلم وغير المسلم وهو أكبر عدد في تاريخ المسلمين حتى ذلك الوقت...
ولم يكتف النبي ﷺ بسلاح الجيش الذي فتح به مكة
بل ذهب بنفسه إلى أكبر تجار السلاح في مكة وعلى رأسهم "صفوان بن أمية" و "نوفل بن الحارث بن عبد المطلب" ابن عم النبي ﷺ
وكانا لا يزالان على شركهما حتى ذلك الوقت وطلب منهما السلاح على سبيل الإستعارة .
وقال : يا صفوان بلغنا أن عندك سلاح .
فقال صفوان بن أمية . نعم .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم أعرنا من سلاحك .
فقال صفوان . أغصبآ يا محمد "لم يسلم بعد"
فقال له النبي ﷺ لا بل عارية مضمونة يردها محمد رسول الله .

فاستعار النبي ﷺ من "صفوان" 100 درع .
ومن "نوفل بن الحارث" 1000 رمح .
وعين ﷺ حراسة مشددة حول مكة .
كل هذه الإجراءات تبين أن الحبيب المصطفى ﷺ لم يتهاون بهوازن ...
والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن المقاتل إذا تهاون بخصمه فهذا معناه هزيمة محققة .

ومضى النبي ﷺ بالجيش ...
وكما قلنا الجيش يضم المسلمين وحديثي الإسلام ومشركين
فلما مروا بشجر "سدرة" و كان المشركون يعظمونها
ويعلقون عليها أسلحتهم
فقال بعض الناس ممن أسلم حديثاً يا رسول الله إجعل لنا ذات أنواط .
"يعني شجرة نعظمها ونعلق عليها سلاحنا نتفائل بها بالنصر"
فقال ﷺ : الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى عليه السلام .
إجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون .

ثم قال النبي ﷺ لمن حوله لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة . حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .

"كما هو حالنا اليوم كيف نقلد أفعال الغرب خطوة خطوة"

لم يكن كل جيش المسلمين يحسب حساب لهوازن .
وكان المسلمون يظنون أن عددهم كبير ....
وقد انتصر المسلمون بأقل من هذه الأعداد بكثير .
وبدأ المسلمون يتحدثون عن كثرة أعدادهم وأن النصر محقق

وقال أكثر من واحد منهم
لن نهزم اليوم من قلة

وصلت هذه الكلمة إلى مسامع النبي ﷺ فحزن حزناً شديداً من سماع هذه المقالة .
وظهر هذا الحزن على وجهه ﷺ .
وكان سبب هذا الحزن أن المسلمون قالوا هذه الكلمة...
فقد إعتمدوا على الأسباب وليس على رب الأسباب .
وتوكلوا على أنفسهم وليس على الله تعالى .

وقد سجل القرآن العظيم هذا الموقف من بعض المسلمين يوم حنين .
فقال تعالى في سورة التوبة .
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ....

وصل المسلمون إلى وادي "حنين" في العاشر من شوال من السنة الثامنة وهو اليوم الذي ستدور فيه أحداث معركة

"هوازن" : كان وصولهم مع الفجر ولا تزال هناك بقايا من ظلمة الليل ....
وكما قال الرواة في "غبش الصباح"
"الغبش هو بياض الفجر يخالط آخر الليل"
وبينما المسلمون ينحدرون في الوادي وعندما أصبح أكثر الجيش داخل الوادي .
أعطى "مالك بن عوف" إلى "هوازن" إشارة البدء . فبدأت "هوازن" بإطلاق السهام .
وأمطروا المسلمين بآلاف من السهام والمسلمون لا يعرفون مصادر السهام لظلمة المكان واختفاء العدو
فاضطربت صفوف المسلمين وماج بعضهم في بعض وبدأ المسلمون في التراجع والفرار

ويصف القرآن العظيم هذا المشهد :
يقول تعالى في سورة التوبة .
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ .
يعني شعر المسلمون أن الصحراء الواسعة أصبحت ضيقة جداً لا تسمح بالفرار

ولم يثبت حول النبي ﷺ في هذا الموقف العصيب سوى تسعة فقط .
أبو بكر وعمر وعلي والعباس وإبنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب . وأسامة بن زيد . وعبد الله بن مسعود وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم.
وبينما كان المسلمون يفرون إلى الوراء...
إندفع النبي ﷺ وحده بدابته في إتجاه المشركين
وكان النبي ﷺ راكباً بغلة قوية التي أهداه إياه المقوقس .
يقول العباس رضي الله عنه أخذ النبي ﷺ يدفع دابته للأمام لا للوراء وهو يقول بأعلى صوته .
أنا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب .
هلموا إلي أيها الناس .
أنا رسول الله أنا محمد بن عبدالله .
فأخذ العباس رضي الله عنه يشد لجام بغلة النبي ﷺ وكان رجلاً جسيما ليمنع النبي ﷺ من الإنطلاق وسط هذه الأمواج من "هوازن"
والنبي يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .
والعباس يقول له . فداك نفسي لا تعرف بنفسك فأنت بغية القوم "هدفهم أنت "
فقام ﷺ ووقف على دابته ووضع قدميه في ركابها حتى أصبح قائماً لا جالسا
وهو ينادي بأعلى صوته أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .
وكان هذا الموقف هو أعظم مشاهد القتال في التاريخ كله الجيش كله يفر الى الوراء
وقائد الجيش وهو الحبيب المصطفى ﷺ يندفع في إتجاه العدو فداك أبي وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم

ويقاتل وحده 25 ألف مقاتل .
وجميع هؤلاء الأعداء حريصون على قتله ...
وكان المشهد يخبر بأن المسلمون مقبلون على هزيمة مريرة تضيع كل ما حققه المسلمون من إنتصارات في السنوات الثمانية السابقة منذ هجرة النبي ﷺ وتعود بهم إلى نقطة الصفر ...

وكان سبب هذه الهزيمة السريعة في بداية المعركة...
هو أن الجيش به عدد من المنافقون بل عدد من المشركين الذين خرجوا طمعاً في الغنائم

وبه عدد كبير من الأعراب الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم .
ولو كان الجيش من "المهاجرين والأنصار" فقط لما حدثت هذه الهزيمة....
حتى لو كانت أعدادهم أقل بكثير من الأعداد التي خرجوا بها .

وكان ﷺ يعلم ذلك ولكنه كان مضطرا لإصطحاب هؤلاء .
والسبب ؟؟
حتى يندمجوا مع المسلمين
ولأنه لا يستطيع أن يتركهم في مكة لأنه لا يضمن أن ينقلبوا عليه بعد أن يترك مكة أو ينضموا في الحرب ضد المسلمين مع هوازن .

وأراد النبي ﷺ في هذه اللحظات الحرجة أن يستخلص المسلمون الصادقون .
فصاح النبي ﷺ بالعباس رضي الله عنه عمه وكان العباس جهير الصوت .

قال يا عباس اصرخ يا أصحاب "السمرة" يوم الحديبية .
"يعني يا أصحاب الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان في صلح الحديبية"
فهؤلاء الذين بايعوا النبي ﷺ على الموت في صلح الحديبية
وهؤلاء الذين فتح بهم "خيبر"
وهؤلاء هم "خير أهل الأرض" في ذلك الوقت...
يا عباس اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة . وبالأنصار الذين آووا ونصروا .
فصاح العباس يا أنصار الله وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم
يا أصحاب سورة البقرة رسول الله يدعوكم
وخص سورة البقرة لأن فيها قول الله تعالى .
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله .
وسمع المسلمون صوت العباس فأخذوا يجيبونه
يالبيك ... يالبيك .
وارتفعت أصوات الصحابة رضي الله عنهم من كل مكان في أرض المعركة يالبيك .... يالبيك
ويصور العباس رضي الله عنه هذا الموقف فيقول :
فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها .
"عطفتهم أي استجابتهم للنداء يعني تجمعوا بسرعة فور سماعهم صوته كالبقر الذي يدافع عن أولاده الصغار"

وكان الرجل منهم يحاول أن يصل إلى النبي ﷺ وهو على فرسه فلا يستطيع أن يصل إليه بسبب الزحام الشديد والفوضى في أرض المعركة .
فكان ينزل من على فرسه ويتجه إلى الصوت حتى يصل إلى النبي ﷺ

وتجمع حول النبي ﷺ عدة أهل بدر 313 من المهاجرين والأنصار
و هذا الرقم الذي لا يغلب بإذن الله تعالى
وكان الصبح قد طلع ورأى الناس بعضهم بعض...

وبدأ النبي ﷺ القتال مرة أخرى بهؤلاء المجموعة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم
فاستقبلوا العدو وحملوا عليهم
ثم بدء بقية المسلمون يتجمعون حول النبي ﷺ وعادوا ينظمون صفوفهم .
وقال النبي ﷺ الآن حمي الوطيس .
الوطيس وهو حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم .

وهذه من الكلمات لم يكن أحد سمعها قبل أن يقولها النبي ﷺ
ووقع قتال من أشرس أنواع القتال ....

وأخذ بيده الشريفة حفنة من الرمال وألقاها في وجه "هوازن"
وهو يقول شاهت الوجوه . انهزموا ورب محمد اللهم نصرك الذي وعدت .
يقول العباس رضي الله عنه فمارأيت أحداً من هوازن إلا يفرك عينيه .
وتنزل الملائكة عليهم السلام من السماء لتثبيت قلوب المسلمين كما نزلت في بدر .
ورأى المسلمون هذه الملائكة في صورة "نمل أسود كثير يغطي أجساد المشركين"
بينما رأى المشركون من "هوازن" هذه الملائكة في هيئة رجال بيض....

يرتدون عمائم حمراء أرخوها بين أكتافهم ويمتطون خيل بلق
"يعني هناك سواد وبياض في لونها"
فلما رأى المشركون هذه الكتائب أصابهم الرعب
وكان ممن حضر المعركة مع المسلمين أحد أهل مكة "شيبة الحجبي" وقد خرج وهو يظهر الإسلام
ولكنه كان لا يزال على كفره
وإنما خرج خوفاً من أن تنتصر "هوازن" على قريش
فرأى شيبة هذه الملائكة .
فقال يا رسول الله إنى لأرى خيلا بلقا "يعني في لونها سواد وبياض"
فقال له النبي ﷺ : يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر .
لأن المسلم يراهم في المعركة على شكل نمل والكافر يرى الملائكة للتخويف"
ثم وضع ﷺ يده على صدر "شيبة"
وقال اللهم اهدِ شيبة ، اللهم اهدِ شيبة ، اللهم اهدِ شيبة .
يقول شيبة فوالذي بعثه بالحق ما رفع يده عن صدري حتى ما أجد من خلق الله أحب إلي منه .

يقول تعالى .
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ .

وبدأت "هوازن" في الفرار تاركين خلفهم نساءهم وأبناءهم وأموالهم .
وتحولت سريعاً هزيمة المسلمين في بداية المعركة إلى نصر ساحق

وكان فرار "هوازن" في ثلاثة إتجاهات...
جزء إلى "أوطاس" وهو السهل الذي إلى جانب وادي حنين .
وجزء إلى بلدة "نخلة"
والجزء الأكبر إتجه إلى مدينة "الطائف" ومعهم قائدهم "مالك بن عوف"
فاندفع المسلمون خلفهم يطاردونهم حتى يمنعوهم من التجمع مرة أخرى .
فاتجه بعض الصحابة رضي الله عنهم خلفهم إلى "أوطاس" والبعض إلى "نخلة"
بينما توجه الجيش الرئيسي بقيادة النبي ﷺ إلى "الطائف"

كانت نتيجة المعركة :
5 فقط من القتلى من المسلمين مقابل 70 من المشركين .
وكانت الغنائم كثيرة جداً

لأن مالك بن عوف كما قلنا كان قد أتى بكل أموال "هوازن"
فكانت غنائم "حنين" هي أكبر وأعظم غنائم تحصل في معركة واحدة في تاريخ العرب قاطبة

وتبعهم النبي ﷺ إلى الطائف...
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....









[١: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة : المئتان 200
حصار الطائف .

هربت "هوازن" ومعهم قائدهم "مالك بن عوف" إلى مدينة "الطائف" الحصينة بعد هزيمة حنين .....
واتجه النبي ﷺ لتتبع هوازن حتى يقابلهم في معركة فاصلة..

"الطائف" هي المدينة التي ذهب إليها النبي ﷺ ومعه "زيد بن حارثة" رضي الله عنه ليعرض عليهم الإسلام ....
ولكنهم رفضوا الإسلام وطردوه وأغروا به سفهاءهم وأمطروه بوابل من الحجارة والسباب .
في ذلك الوقت قال الحبيب المصطفى ﷺ لزيد بن حارثة رضي الله عنه :
يا زيد ، إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجا ، وإن الله ناصر دينه ، ومظهر نبيه .

وصل النبي ﷺ إلى الطائف والمسلمون يتوقعون معركة هائلة بين هذا التجمع الضخم بين الجيشين والذي لم تشهد الجزيرة العربية مثيلاً له من قبل ....

ولكن كانت المفاجأة أن تجمعت قبائل "هوازن" و رفضت الخروج لقتال المسلمين ....
واختاروا أن يمكثوا في حصونهم دون قتال بالرغم من أن أعدادهم أكثر من ضعف عدد المسلمين .
وبالرغم من أن "نساءهم وأبناءهم وأموالهم" في أيدي المسلمين ....

وكان ذلك خزيا كبيراً لهوازن وهزيمة جديدة لهم .

أمر النبي ﷺ بحصار "هوازن" وكان حصن هوازن أمنع حصون الجزيرة .
وبدأت "هوازن" في إطلاق السهام بكثافة شديدة .

يقول أحد الصحابة رضي الله عنهم "مثل الجراد"
بينما لم تكن سهام المسلمين تصل إليهم وأصيب عدد كبير من المسلمين .
فقرر النبي ﷺ تغيير مكان الجيش .
ودعا الخبير "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه

"الحباب" الذي أشار على النبي ﷺ بتغيير مكان الجيش في "بدر"
فكان ذلك سبباً من أسباب النصر
وأشار على النبي ﷺ بتغيير مكان معسكر المسلمين أثناء حصارهم لحصن "ناعم" في "خيبر"

فقال النبي ﷺ يا حباب انظر مكاناً مرتفعا مستأخراً عن القوم .
فانطلق "الحباب" رضي الله عنه حتى إنتهى إلى موضع : هو الآن مكان مسجد الطائف .

وأمر النبي ﷺ بأن يتحول الجيش إلى هذا المكان .

واحتاج المسلمون لتدمير الأسوار إلى المنجنيق .
وقد عرفوا "المنجنيق" من قبل وذلك أثناء حصار "خيبر" ولكن لم يكن معهم منجنيق
فقرروا صناعة منجنيق .
وبالفعل صنعوا منجنيق تحت إشراف "سلمان الفارسي" رضي الله عنه...
كما صنعوا "دبابة" خشبية لأول مرة "وهي عبارة عن غرفة صغيرة مصنوعة من الخشب الصلب لها عجلات يختبيء عدد من الجنود تحتها ويدفعوها وهم بداخلها حتى يلتصقوا بالسور ثم يعملون بواسطة آلات الحفر الحديدية على هدم حجارة السور من المكان الذي أضعفته حجارة المنجنيق .
وكلما هدموا جزء وضعوا له دعائم خشبية حتى لا ينهار السور عليهم .
حتى إذا فرغوا من عمل فجوة متسعة دهنوا الأخشاب بشيء من الزيوت ثم اشعلوا النيران وانسحبوا بالدبابة .
فإذا احترقت الأخشاب إنهار السور مرة واحدة تاركاً فتحة كبيرة صالحة للإقتحام منها"

وبالفعل بدأ المسلمون في قذف أسوار الطائف بالمنجنيق .
وسار عدد من الجنود تحت الدبابة الخشبية واستطاع المسلمون كسر جزء من السور
كاد المسلمون يدخلون داخل أسوار الطائف .
ولكن "هوازن" فاجأت المسلمين بالقاء الحسك الشائك المُحمَّى في النار .
"وهو عبارة عن أشواك حديدية ضخمة على هيئة صليب يحمى عليها في النار ثم تلقى"
فأصيب المسلمون إصابات بالغة ولم يستطيعوا التقدم في إتجاه الحصن .

ثم أمر النبي ﷺ أن ينادي أصحابه رضي الله عنهم على هوزان :
أن أي عبد من العبيد يخرج إلى المسلمين فهو حر
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم ينادون .
"أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر"
وكان الهدف من ذلك هو حرمان "هوازن" من طاقة هؤلاء العبيد والحصول على معلومات عسكرية من داخل الحصن .

وبالفعل بدء العبيد يفرون من الحصن وينضموا للمسملين .
ووصل عددهم إلى 23 من العبيد .
ولكن شددت "هوازن" الحراسة ومنعت هروب العبيد .
وبدء النبي ﷺ يستجوب هؤلاء العبيد .
وعلم منهم أن داخل "الطائف" طعام وشراب يكفيان أهلها لمدة سنة على الأقل .

واستمر حصار الطائف 40 يوم
استشهد فيها عدد من الصحابة رضي الله عنهم وجرح عدد كبير منهم .

وقرر النبي ﷺ في رفع الحصار عن الطائف والعودة
واستشار في ذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم
وكان ممن استشارهم ﷺ :
نوفل بن معاوية الديلمي رضي الله عنه...

هو الذي قاد "بنو بكر" في الإعتداء على "خزاعة" منذ ثلاثة أشهر فقط .
وقتل منهم داخل الحرم
وقال له أصحابه : يا نوفل إلهك إلهك .
فرد عليهم لا إله لكم اليوم، وكانت هذه الحادثة السبب في فتح مكة...
فبعد كل هذا التاريخ الأسود مع المسلمين
فإن النبي ﷺ يقربه ويستشيره
وسنجد أنه سيأخذ بمشورته و كان هذا من حكمته صلوات ربي وسلامه عليه أن يؤلف القلوب وينزل الناس منازلهم ويستفيد منهم لصالح المسلمين .

يقول نوفل بن معاوية رضي الله عنه : يا رسول الله هم ثعلب في جحر .
إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك .
وصف ثقيف: بالثعالب لأنهم كانوا معرفون بين العرب بالمكر .
ومعنى "إن أقمت عليه أخذته" يعني لو صبر المسلمون على الحصار فسيفتحوا الحصن .
ولكن ترك الحصن ليس فيه أي ضرر على المسلمين لأن "هوازن" قد انكسرت شوكتها وانعدم خطرها ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم ....

وقرر النبي ﷺ رفع الحصار
وأمر "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه فأذن في الناس بالرحيل
فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم نرحل ولم يفتح علينا الطائف ؟
فلم يتمسك الحبيب المصطفى ﷺ برأيه مثل كل القادة والزعماء في التاريخ كله ...
فقال لهم فاغدوا على القتال .
"يعني إذا كان الصباح فابدأوا القتال مرة أخرى"
فلما جاء الصباح قاتل المسلمون هذا اليوم
واصيب بعض المسلمون ببعض الجروح .
فلما انتهى اليوم قال النبي ﷺ وهو يبتسم إنا قافلون غداً إن شاء الله .
فقالوا : يا رسول الله ادع الله على ثقيف .
فقال لهم الحبيب نعم ابسطوا أيدكم
فبسط الصحابة رضي الله عنهم أيديهم للدعاء ...
فرفع يديه ﷺ وقال اللهم اهد ثقيفا وائت بهم مسلمين .

واستجاب الله تعالى لدعاء نبيه ﷺ وأسلمت ثقيف بعد أقل من عام واحد ....
لأن كل من بقي من القبائل العربية جاء بعد ذلك إلى المدينة فبايع النبي ﷺ وأسلم .
فوجدت "هوازن" أنها لا طاقة لهم بحرب كل من حولهم من العرب .
فجاء وفد منهم إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامهم بعد ذلك .
فبرغم أنهم كانوا آخر العرب إسلاما...
فإنهم ثبتوا على الإسلام بعد وفاة النبي ﷺ ولم يرتدوا كما فعلت بعض القبائل العربية .

ثم اتجه النبي ﷺ إلى "الجعرانة" لتقسيم الغنائم .
حيث كان قد ترك جميع غنائم "هوازن" والتي كانت أكبر وأعظم الغنائم في تاريخ العرب قاطبة .
وحدثت عند توزيع الغنائم بعض المواقف.....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الجزء الأول .*
قريش تنقض صلح الحديبية .

أولاً ...
كيف تم نقض "صلح الحديبية"
تم عقد صلح الحديبية بين المسلمين وبين قريش في "ذي القعدة" من السنة السادسة من الهجرة ....
وكان من بنود صلح الحديبية هذا البند :
من أحب أن يدخل في عقد محمد ( صلى الله عليه وسلم) وعهده دخل فيه.
ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
هذا البند وهو ما نسميه التحالف
وكانت التحالفات في الجزيرة العربية معروفة لأن العرب في الجاهلية كانوا يقتتلون دائماً مع بعضهم البعض كل قبيلة مع الأخرى .

فكانت القبائل القوية تعتدي على القبائل الضعيفة ....
فكانت القبائل الضعيفة حتى تحمي نفسها تتحالف مع قبيلة قوية كما نسميه اليوم بلغة العصر الآن إتفاقية دفاع مشترك .
بمعنى : إذا حدث إعتداء على أحد الدولتين يكون إعتداء على الدولة الأخرى .
وعلى هذه الدولة بموجب هذا الحلف أن تنصر الدولة التي وقع عليها الإعتداء.

فكل قبيلة ملزمة بهذا التحالف أن تدافع على القبيلة الأخرى المتحالفة معها إذا وقع أي إعتداء
فلما تم عقد صلح الحديبية
دخلت قبيلة "خزاعة" في حلف مع النبي ﷺ .
لأن العلاقة بين النبي ﷺ وبين "خزاعة" كانت قوية ...

لأنه كان هناك علاقات قوية حميمية قديمة بين "خزاعة" و "بني هاشم" التي منها النبي ﷺ
حتى عبد المطلب "شيبة الحمد" جد النبي ﷺ كان قد تحالف مع خزاعة قديماً وكان هنالك كتاب بينهم بهذا التحالف .
وهذا نص الكتاب :
انظروا كما كانت العلاقة بين بني هاشم وخزاعة .

باسمك اللهم .
هذا ما تحالف عليه "عبد المطلب بن هاشم" ورجالات عمرو بن ربيعة من "خزاعة"
تحالفوا على التناصر والمواساة .
حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الأشياخ . والأصاغر على الأصاغر .
والشاهد على الغائب .
وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد "أي عهد مؤكد شديد"
وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث "تخيلوا لا يلغى أبدا "
ما أشرقت شمس على ثبير وحنّ بفلاة بعير .
وما أقام الأخشبان وعمر بمكة إنسان .
حلف أبد لطول أمد
يزيده طلوع الشمس شدّا وظلام الليل مدا .
وإن "عبد المطلب" وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون .
فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب .
وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب أو حزن أو سهل .
وجعلوا الله على ذلك كفيلا .
وكفى بالله جميلا .

"جعلوا من هذا العقد كأنهم إخوة في الدم ؟

إن هناك علاقات قوية حميمية قديمة بين "خزاعة" وبين "بني هاشم" التي منها النبي ﷺ .
وكان النبي ﷺ يستخدمهم كعيون له بالرغم من أنهم كانوا حتى ذلك الوقت على شركهم .
إلا أن "خزاعة" لم تدخل في حلف مع رسول الله ﷺ من البداية خوفاً من قريش .
فلما كان صلح الحديبية .
دخلت "خزاعة" على الفور في حلف مع النبي ﷺ .

وقامت قبيلة "بنو بكر" ودخلت في حلف قريش .

لأن "خزاعة" و "بنو بكر" بينهم حروب وعداوت قديمة وثارات كثيرة

لما رأى "بنو بكر" أن عدوتهم الأولى "خزاعة" دخلت في حلف النبي ﷺ .
قالت بنو بكر : لن نكون مع خزاعة في حلف واحد .
فأرادت "بنو بكر" أن يكونوا في الحلف المعاكس .
رغم أن بنو بكر علاقتهم مع قريش ليست قوية لدرجة أن قريش حين خرجت لحرب المسلمين في بدر كانت تخاف من غزو بني بكر لمكة ...
فالآن دخلوا في حلف قريش مثل ما نقول : هو عناد في خزاعة رغم أنهم لا يميلون لقريش .

وفي أثناء هدنة صلح الحديبية وفي السنة الثامنة من الهجرة .
شاب من بني بكر وقف يردد الشعر ويهجو النبي ﷺ .
سمعه شاب من خزاعة فلم يتحمل أن يهجو محمد وهو حليفهم يعني : أنت تهجونا .

فما كان من هذا الشاب الخزاعي إلا أن قام وضربه وشج رأسه .
هنا:
ثار الدم في رؤوس القبيلتين .
فأخذت قريش تحرض حليفتها "بني بكر" على قتال "خزاعة"
وأعانت "قريش" بنو بكر بالسلاح والدواب ....
بل واشترك في القتال من قريش بعض فرسانهم منهم :
١- عكرمة بن أبي جهل
٢- وصفوان بن أمية
٣ - وسهيل بن عمرو وهو الذي كتب بنود معاهدة الحديبية مع النبي ﷺ .
قريش أعانت بنو بكر وقالت لهم باغتوهم في الليل .
وتم الإتفاق :
جاؤوهم ليلاً بغتة وهم آمنون على ماء لهم يقال له "الوتير" وقتلوا منهم بعض رجالهم .
فلما رأت "خزاعة" أنهم سيهزمون وقتل منهم بعض رجالهم .
هربوا و دخلوا إلى الحرم .
"كانت العرب لا تقتل لا في الحرم ولا في الأشهر الحرم .
وكان الرجل يرى قاتل أبيه داخل الحرم فلا يقترب منه حتى يخرج من الحرم"
فلما دخل رجال خزاعة الحرم
قالوا لقائد بني بكر "نوفل بن معاوية"
قالوا له : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم . الله الله في إلهك...
الله الله في إلهك.... فإننانحتمي به في البيت .
فقال نوفل : لا إله هذه الليلة
وصاح برجاله : يا بني بكر أصيبوا ثأركم .
فلعمري إنكم لتسرقون وتسرفون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟
فقتلوا منهم في الحرم 20 رجلاً من خزاعة .

ماذا يعني هذا ؟؟
يعني أنه نقضآ واضحاً وصريحآ "لصلح الحديبية" من قريش لأنها أعانت "بنو بكر" بالسلاح .
بل واشتركت أيضآ في قتال "خزاعة" حلفاء النبي ﷺ .

فلو كانت قريش لم تشترك معهم لأكتفى ﷺ بعقاب "بنو بكر" كما أرسل الكثير من السرايا العقابية للقبائل التي إعتدت على بعض الصحابة رضي الله عنهم.

هذا ما وقع في مكة

إلى المدينة المنورة حيث الحبيب المصطفى ﷺ هناك ....
عند أم المؤمنين "ميمونة بنت الحارث" رضي الله عنها .
التي تزوجها النبي في "عمرة القضاء" آخر من تزوج ﷺ وكانت ليلتها .
فكان ﷺ في حجرتها وقد قام من الليل يصلي .

تقول ميمونة رضي الله عنها . سكبت له وضوءاً فلما شرع في وضوئه و مضمض واستنشق و أراد أن يغسل وجهه نفض يديه من الماء .
وقال : نُصِرتَ . نُصِرتَ . نُصِرتَ .
فقلت : بأبي وأمي يارسول الله من تكلم ؟
قال : لقد حدث حدثاً في خزاعة الليلة .
سمعتهم يستنصرونني فوالذي نفسي بيده لأنصرنهم .
ثم أتم وضوئه وقام يصلي .
لم تخبر ميمونة أحداً بهذا الحديث فهي خاصية من خصائص الحبيب ﷺ في تلك الليلة .
ولم يكلم النبي صلى الله عليه وسلم أحد ومضت ثلاثة أيام .

والمسافة من مكة للمدينة 6 أيام تقريباً.

فلما وقع هذا الإعتداء انطلق فورا من "خزاعة" أحد شعرائهم وهو "عمرو بن سالم الخزاعي" انطلق إلى المدينة المنورة يستنصر النبي ﷺ .
فلما وصل ووقف على باب المسجد وهيئته هيئة المذعور .
"فقد قطع المسافة من مكة للمدينة في ثلاثة أيام أي في نصف الوقت .
وكان النبي ﷺ في مسجده بين أصحابه فوقف "عمرو بن سالم" كان مغبرآ أشعثاً
فسلم على النبي ﷺ ثم قال شعراً :
[[فكانت الرسالة عبارة عن شعر ، وهذا من بلاغة العرب]]
فقال :
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا
حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا

قد كنت ولدآ وكنا والدآ
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصرآ أعتدا
وادع عباد الله يأتوا مددا

إلى أن قال :

إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا

هم بيِّتونا بالوتير هجـــدا
"اي نايمين"
وقتلونا ركــــعــا ً وسجدا

فلما انتهى من شعره :
قال له النبي ﷺ في قوة وحزم نُصِرتَ يا عمرو بن سالم .
والله لأنصرنكم ، ولأمنعنكم مما أمنع منه نفسي وأهلي .

وكان أن قرر النبي ﷺ أن ينتقم لخزاعة من "بني بكر" ومن "قريش" لإعتدائهم عليهم ونقضهم صلح الحديبية .
فقال يا عمرو إرجع إلى مكة ، ولا تخبر أحداً أنك جئتنا إلا قومك وليتفرقوا .
وأسكنوا حتى يأتيكم أمري .

ودخل ﷺ بيته ولم يحدد كيف يكون هذا الإنتقام وكيف يكون هذا العقاب ....

✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[















: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة والتسعون بعد المائة 191
فتح مكة . الجزء الثاني .
قرار فتح مكة .

بعد نقض قريش "صلح الحديبية"
قرر النبي ﷺ أن يقوم بغزو مكة
وسبحان الله العظيم إذا أراد امراً يهيء له الأسباب .
جاء نقض الصلح من قريش في هذا الوقت ....
فمكة بيت الله الحرام ولا يجوز أن تكون تحت حكم المشركين
ولا يجوز أن تكون هناك أصنام حول الكعبة .
ولا يجوز أن يطوف البعض بالبيت عريانا .
وبصفة عامة أوضاع كثيرة غير مقبولة في مكة
كما أن مكة لها مكانتها المعروفة بين العرب .

فلو فتحها المسلمون لدخلت "الجزيرة العربية" كلها في الإسلام
وهذا ما حدث بالفعل كما قال تعالى :
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا .

وغدر قريش ونقضهم صلح الحديبية أمر قد لا يتكرر مرة أخرى ....
لأن قريش تعلم جيداً أن موازين القوى أصبحت في ذلك الوقت في صالح المسلمين تماماً .

وكان هذا الإعتداء من جانبهم على خزاعة تهورآ وتصرفآ أحمقآ غير مبرر .... فهم ليسوا على عداوة مع "خزاعة" بالأصل
وليست علاقتهم بهذه القوة مع "بنو بكر"
ولو تكرر هذا الموقف مائة مرة لما تهورت قريش وأقدمت على ما هي أقدمت عليه .
ولو لم تنقض قريش الصلح كان يجب على النبي ﷺ أن ينتظر ثماني سنوات أخرى
وهي المدة الباقية من صلح الحديبية .
لأن المسلمون يحترمون تعاهداتهم ولا يمكن أن ينقض الرسول ﷺ العهد أبدا
فقرر النبي ﷺ غزو مكة ولكنه لم يخبر أحداً

أخذت "قريش" تبحث عن حل للمشكلة التي أوقعت نفسها فيها .
فقالوا : ما فعلناه إن بلغ محمداً فهو نقض للصلح فما العمل ؟

قريش خائفة لنقضهم الصلح مع المسلمين
والسبب :
هي تعلم جيداً أنها الآن أضعف بكثير من المسلمين .
وتعلم جيداً أنه إذا كانت القوة متعادلة بين الفريقين في السنة السادسة من الهجرة عند توقيع صلح الحديبية .
فإن القوة الآن في صالح المسلمين بعد عامين فقط في السنة الثامنة من الهجرة
فقد رأت قريش أن المسلمون قد انتصروا بعد "الحديبية" في معركتين من أصعب المعارك
وهما "خيبر" و "مؤتة"

"خيبر" بحصونها وكثرة مقاتليها أقوى من قريش .

"مؤتة" ثبت المسلمون أمام جيش الإمبراطورية الرومانية .
وتعلم قريش أن الجيش الإسلامي مدرب تدريبآ جيداً لكثرة المعارك التي خاضها في فترة قصيرة جداً...
وتعلم أن الروح المعنوية للجيش مرتفعة جداً.
من جهة أخرى تضاعفت أعداد المسلمين في هذه الفترة من الزمن ودخلت كثير من القبائل بل والممالك في الإسلام .
فاليمن دخلت في الإسلام .
وعمان دخلت في الإسلام .
ودخلت كثير من القبائل في حلف النبي ﷺ .
بينما أحلاف قريش قليلة جداً وغير قوية وتكاد تكون محصورة في ذلك الوقت في "بنى بكر" فقط.

شيء آخر وهو تناقص أعداء المسلمين وضعفت شوكتهم :

فاليهود انتهى خطرهم تماماً

وغطفان التي كانت القوة الأكبر في حصار المدينة في الأحزاب انتهى خطرها كذلك وجاءت وفودها تعلن الإسلام .

كانت قريش تعلم كل ذلك
ولذلك اجتمعت قريش لتبحث عن حل لهذه المشكلة التي أوقعت نفسها فيها
وهي نقضها لبنود صلح الحديبية .

وبالتالي إحتمال دخولها في حرب جديدة مع المسملين بل وغزو المسلمين لمكة .

وقررت قريش في هذا الإجتماع أن ترسل أبو سفيان بن حرب
فقالوا له :ما لها سواك يا أبا سفيان .
اخرج إلى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة
وكانت بنته زوجة النبي "ام حبيبة رملة بنت أبو سفيان رضي الله عنها"
قالوا له : تذهب لزيارت بنتك
ومن خلالها تصل محمداً واطلب إليه أن يشد بالعهد ويزيد في المدة ....
خرج أبو سفيان وحده لتجديد العهد وطلب مد مدة الهدنة .

سيد قريش يقوم بهذه المهمة بنفسه .
كان هذا تنازل كبير عن كرامة قريش وكبريائها .
وهذه أول مرة في تاريخ قريش تقدم فيه مثل هذا التنازل .

ولكن قريش رأت أن تقدم هذا التنازل وتخسر هذه الخسارة خير لها ألف مرة من خسارة أكبر كثيراً لو قام المسلمون بغزو مكة .

وهذا يدل على مدى الرعب والرهبة الذي كانت فيه قريش من المسلمين .

انطلق أبو سفيان من "مكة" ووصل إلى المدينة وكان عمره في ذلك الوقت 70 عاما .
واتجه أول الأمر إلى إبنته "أم حبيبة رضي الله عنها زوجة النبي ﷺ .
كان النبي ﷺ قد تزوجها منذ عام واحد في السنة "السابعة من الهجرة" وهي بالحبشة .
وكانت "أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها من أوائل المسلمين الذين أسلموا في مكة وهاجرت للحبشة .

أبو سفيان له 17 من الأبناء .
10 من البنات و 7 من الأولاد .
منهم ولده الأكبر "حنظلة" قتل في بدر كافراً
فأبو سفيان لقب ....
أما كنيته الحقيقية "أبو حنظلة"
ومن أبناءه "معاوية بن أبي سفيان" الذي أصبح خليفة المسلمين
طرق باب حجرة بنته "أم حبيبة" رضي الله عنها
فلما فتحت نظرت إلى أبيها
وكان هذا اللقاء بعد غياب 16 سنة .
كان "أبو سفيان" يعتقد من "أم حبيبة" استقبالاً حافلاً .
لكن "أم حبيبة" نظرت إلى أبوها سيد قريش بأنه عدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فسكتت ولم تتكلم وحارت بأمرها ....
فأراد أبوها أن يفك هذه الحيرة فدخل من دون أن تقول له ادخل ....
ولما أن أراد أن يجلس على الفراش الوحيد في الغرفة وهو فراش النبي ﷺ إذا بها تسرع وتطوي الفراش حتى لايجلس عليه أبوها .
فتعجب وكانت صدمة له .
فأراد أن يخرج من هذا الحرج .
وقال لها بلطف : يا بنية ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟
"يعني لم تجلسيني على الفراش لأني رجل عظيم لا يصح أن أجلس على هذا الفراش المتواضع .
أم أنا أقل من أن أجلس على هذا الفراش"

وانظروا ما أجمل الإيمان بالله عندما يكون صادقاً لا يعرف المداهنة حتى ولو كان أبوها
قال تعالى :
لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ .

فقالت له أم حبيبة في صلابة وجفاء واضح .
"هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس .
فلا أحب أن تجلس على فراشه
فصدم أبو سفيان من رد إبنته ودارت الأرض به .
وقال : يا بنية والله لقد أصابك بعدي شرٌّ كبير .
قالت : بل أصابني الخير الكثير وهداني الله تعالى للإسلام وأنت تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر .
وأعجب منك يا أبتِ وأنت سيد قريش وكبيرها .

قال : أأترك ما كان يعبد آبائي وأتبع دين محمد ؟
"إذا كان هذا جوابها عندما أراد أن يجلس فكيف لو أراد أن يناقشها بأمور أخرى"

فتركها وخرج .....
واتجه "أبو سفيان" إلى الرؤف الرحيم صلى الله عليه وسلم
اتجه إلى المبعوث رحمة للعالمين .
اتجه إلى صاحب الخلق العظيم ﷺ
فدخل إلى مسجده فوراً فسلم وجلس .
وقال : يا محمد حين انعقد الصلح مع قريش لم أكن شاهده
"انظروا إلى نفاق المشركين و لغتهم ومن سار في طريقهم ومذهبهم"

وقد تبدلت الأيام وتغيرت وأمر قريش بين يدي فأحببت أن آتيك وأشهد بالعهد وأزيد في المدة .

فقال له النبي ﷺ من جوامع الكلم
قال له :_ هل كان هناك حدث ؟؟
"يعني صار شي"
قال أبو سفيان لا معاذ الله .
نحن على عهدنا وصلحنا لانغير ولا نبدل .
قال : إذآ هو ذاك العهد على ما هو عليه .
[[ كلمتين هل من حدث ؟؟
لا ..... إذآ هو ذاك نحن على عهدنا ثم أعرض بوجهه عنه ﷺ .

فخرج "أبو سفيان" من عند النبي ﷺ واتجه إلى "أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وقال : يا أبا بكر كلم لنا صاحبك يجدد العقد و يزيد في المدة .
فقال له أبو بكر جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يعني ما أنا بفاعل فلن أتوسط بينك وبين الرسول رأيي من رأيه"

فخرج "أبو سفيان" من عند "أبي بكر رضي الله عنه...
فتوجه إلى "عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطلب منه كما طلب من أبي بكر أن يتوسط له عند النبي ﷺ .
ولكن عمر رضي الله عنه رد عليه أنا أشفع لكم عند رسول الله .
فوالله الذي لا إله إلا هو لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به .
"أي لو لم يكن معي إلا جيش من النمل لقاتلتكم به يعني : إذا مات الرجال كلهم وما بقي رجال غزناكم بالنمل"

وخرج "أبو سفيان" من عند "عمر رضي الله عنه
واتجه إلى "علي بن ابي طالب رضي الله عنه ودخل عليه في بيته وكانت معه زوجته السيدة "فاطمة"
فقال أبو سفيان لعلي . يا علي . إنك أَمَسُّ القوم بي رحماً وأقربهم مني قرابة .
وقد جئت في حاجة فاشفع لي إلى محمد .
فقال على بن أبى طالب ويحك يا أبا سفيان .
والله إذا عزم رسول الله على أمرٍ ما نستطيع أن نكلمه فيه .

فقال : أليس عندكم من قِرا .
"يعني ضيافة قدمولي شيء أشربه"
فأحضرت له فاطمة رضي الله عنها الضيافة .
وكان "الحسن" طفلاً صغيراً يلعب في البيت .
فأراد "أبو سفيان" أن يتلطف إلى السيدة فاطمة رضي الله عنها لعلها تشفع له وهو يعلم حب النبي ﷺ لها .
فقال : يا بنت محمد .
هل لك أن تأمري بُنيك هذا فيُجير بين الناس .
ارفعي ولدك هذا وقولي قد أجار الحسن بن علي فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟
ولكن تجاهلت مزاحه وقالت في وقارها ...
والله ما بلغ بُني ذلك أن يجير بين الناس .
وما يجير أحد على رسول الله ﷺ .

فأسقط في يد أبو سفيان وقال يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت عليَّ والأبواب كلها قد سدت فانصحني .
فقال له علي رضي الله عنه والله يا أبا حنظلة لا أعلم شيئاً يغني عنك .
ولكنك أنت سيد بني كنانة فقم فأَجِر بين الناس ثم الحق بأرضك .
أي قم وسط الناس وقل أنك أجرت بين الناس .
أي أنك حجزت بين الناس ومنعت وقوع الحرب بينهم .
ولأنك سيد بني كنانة وشخصية لها مكانته في الجزيرة فالمفروض أن يحترم الناس هذه الإجارة"
فقال أبو سفيان : أوترى ذلك مُغنياً عني شيئاً ؟
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا والله ما أظن . ولكن لا أجد لك غير ذلك .
فقام "أبا سفيان" ودخل المسجد .
وقال يا أيها الناس إني قد أَجرت بين الناس .
فلم يرد على "أبو سفيان" أحد ولم يلتفت إليه أحد

ركب أبو سفيان بعيره راجعآ إلى مكة ومر في طريقه على سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم
فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها .
"يعني يا حسرة على هذه السيوف التي بأيدينا لم تقتل هذا الكافر في الحروب السابقة لعلها في الأيام القادمة تنال منه"
فسمعهم "أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلم يعجب ما قالوه . فنهرهم قائلاً أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم .
وذهب "أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأخبر النبي ﷺ .
فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ؟
لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك .
وفهم "أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوراً إن كنت أغضبتهم لماذا ؟
لأن هؤلاء من أولياء الله تعالى
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون .
يقول الله في الحديث القدسي من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .
فمن أغضب أولياء الله فإنه يغضب الله عزوجل .
لذلك أخفى الله أولياءه بين البشر حتى يكون الناس على حذر ولا يتجرأ أحد أن يؤذي إنسان ويكون هذا الإنسان في علم الغيب من أولياء الله .

ذهب ابوبكر من فوره الى سلمان وصهيب و بلال رضي الله عنهم
وقال لهم : يا إخوتاه أغضبتكم ؟
قالوا . لا يغفر الله لك يا أُخيَّ .
"إذآ كان هناك منتهى الغلظة في التعامل مع أبو سفيان...
ولم ينكر النبي ﷺ على أي منهم ما فعله ....
لأن الموقف موقف حرب ولابد من الغلظة في التعامل مع الكفار في وقت الحرب .
قال تعالى .
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ....

رجع أبو سفيان إلى مكة وهو يعلم أنه قد فشل في أداء مهمته .
قال له أشراف مكة ما وراءك ؟
فقال أبو سفيان جئت محمداً فكلمته .
فوالله ما رد علي شيئاً
ثم جئت ابن أبي قحافة . فوالله ما وجدت فيه خيراً .
ثم جئت عمر فوجدته أدنى العدو .
ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم . وقد أشار علي بأمر صنعته .
فوالله ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا ؟
فقالوا فبماذا أمرك ؟
فقال . أمرني أن أُجير بين الناس ، ففعلت .
قالوا . فهل أجاز ذلك محمد ؟
قال . لا
قالوا . ويحك ! ما زادك الرجل على أن لعب بك .
فقال أبو سفيان لا والله ما وجدتُ غير ذلك .

وعلمت قريش أن احتمال قيام معركة مع المسلمين أمر محتمل وارد .
وعلمت أن قيام النبي ﷺ بغزو مكة أمر محتمل ووارد....
أمر النبي ﷺ الجيش بالإستعداد .
وأمر بالمسلمين من القبائل خارج المدينة أن يتجمعوا في المدينة
وكما هي عادة النبي ﷺ لم يخبر أحداً أين وجهته .
استعينوا على قضاء حوائجكم بالصبر وبالكتمان ...

وكان ﷺ شديد الحرص على كتم خبر خروج الجيش إلى مكة .
لأنه ﷺ كان يريد ويخطط لدخول مكة بلا قتال وسفك دماء بالحرم .
فكان يريد أن يستخدم كل عوامل القوة حتى يصل بقريش إلى الإستسلام .
ومن عوامل القوة هو مفاجأة العدو

وكان ﷺ يقول في دعائه .
اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها .

وكذلك كانت هناك وحدات صغيرة بقيادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقف على مداخل المدينة .
"حاجز تحقق في الداخلين والخارجين من المدينة المنورة"
وتتحفظ على من سلك طريق المدينة مكة .
وذلك حتى يحول دون حصول قريش على أي معلومات عن تجهيزات المسلمين .

وبرغم ذلك فقد كان النبي ﷺ مضطراً إلى أن يقول هذا السر لكبار الصحابة رضي الله عنهم و صحابته المقربين الذين طلب منهم مهمات عسكرية محددة .
ومن هؤلاء الذين علموا بنيته في فتح مكة "حاطب بن أبي بلتعة" رضي الله عنه
و"حاطب بن أبي بلتعة" كان عمره في ذلك الوقت
43 عام أي أنه في سن إكتمال الرجولة، وهو من المهاجرين
ومن الذين اشتركوا في بدر وثبت مع النبي ﷺ في أحد .
كما شهد الخندق والحديبية .

وهو الذي أرسله النبي ﷺ إلى المقوقس حاكم مصر ودار بينهما حوارات طويلة ....
حتى قال له المقوقس في النهاية "أنت حكيم جئت من عند حكيم"

ولكن في لحظة من لحظات الضعف الإنساني والصحابة ليسوا بمعصومين رضي الله عنهم
فلكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة .
وهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه كانت له ذلة ولكنها غير قادحة بإيمانه .
فقرر "حاطب" أن يفشي سر رسول الله ﷺ وأن يخبر قريشآ بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم...

وكان السبب
أن "حاطب رضي الله عنه كان له بمكة بعض أهل بيته وكانت له تجارة في قريش .
وكان يعاني من إيذاء قريش له في أهله وماله في مكة .
فأراد "حاطب" أن يؤدي لأهل مكة خدمة حتى لا يؤذونه في أهل بيته ولا في تجارته .
فكتب "حاطب" إلى أهل مكة كتابآ أخبرهم فيه بمسير النبي ﷺ إليهم

وأعطى "حاطب" هذه الرسالة إلى امرأة في المدينة اسمها "سارة"
وكانت "سارة" مغنية تغني في مكة ....
وكانت قد قدمت المدينة تشكو الحاجة .....
فقال لها النبي ﷺ ما كان في غنائك ما يغنيك ؟
فقالت : إن قريشا تركوا الغناء منذ قتل من قتل ببدر .

فأعطاها النبي ﷺ ثم عرض عليها الإسلام فرفضت وقبل منها النبي ﷺ أن تظل بالمدينة على كفرها .

فأعطى "حاطب" الرسالة إلى هذه المرأة .
وأعطاها مبلغاً من المال على أن تبلغ هذه الرسالة إلى قريش .
وقال لها : إخفيه ما استطعت ولا تمري على الطريق فإن عليه حرسآ....
فخرجت فسلكت غير الطريق وجعلت الكتاب في قرون رأسها
"أي ضفائر شعرها خوفاً أن يطلع عليه أحد"
وهي لا تعلم مضمون الكتاب
ولبست لباسها وكان لباسهن مسلمات وغير مسلمات احتشام كامل
واتجهت نحو مكة وعندما رأى الحرس إمرأة تركب دابة لم يلتفتوا إليها فليس لهم شأن بها فتركوها .
فهبط جبريل عليه السلام على النبي ﷺ يخبره بما صنع حاطب رضي الله عنه
فقال النبي : قم يا علي والزبير وطلحة والمقداد و أدركا امرأة بمحل كذا .
قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم .
فخذوه منها وخلوا سبيلها .
فإن أبت فاضربوا عنقها .
فخرجوا مسرعين خلفها حتى أدركوها في ذلك المحل الذي ذكره صلى الله عليه وسلم
فقالا لها : أين الكتاب ؟
فحلفت بالله ما معها من كتاب .
فاستنزلاها وفتشاها والتمسا في رحلها فلم يجدوا شيئا .
فقال لها علي رضي الله عنه إني أحلف بالله ما كذب رسول الله ﷺ قط ولا كذبنا ولتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك ونمزق عليك الثياب ....
ولما سمعت كلمة نمزق الثياب صاحت بأعلى صوتها لاااا لااااا ورب الكعبة سأعطيكم الكتاب إياكم أن تمزقوا ثيابي .....

قالت : أعطيكم الكتاب ولكن اصرفوا وجوهكم عني .....

فأعرضوا بالنظر عنها :
فكشفت شعرها وحلت قرون شعرها واستخرجت الكتاب منه .
فأخذ "علي" الكتاب منها ثم تركوها وانصرفوا .

ورجعوا إلى رسول الله ﷺ وهو جالس بين أصحابه رضي الله عنهم
فقال : اقرأ الكتاب يا علي .
وكان على رضي الله عنه قاريء
وحاطب رضي الله عنه يجلس بين الناس
فقرأ علي رضي الله عنه من حاطب.... فإن رسول الله ﷺ قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل .
وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم .
فإنه منجز له ما وعده فيكم .
فإن الله تعالى ناصره ووليه .
فنظر النبي ﷺ لحاطب
وقال له ماهذا يا حاطب ؟
فقال حاطب رضي الله عنه بأبي وأمي أنت يارسول الله .
والله ماكفرت منذ أن آمنت . ولكن امهلني حتى أقول لك .
قال قل ..
قال: يا رسول الله، لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش .
"يعني حليفا لقريش لا من قريش"
وليس أحد من أصحابك من المهاجرين إلا ولهم قرابات يحمون بها أهليهم وأمواله .
فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يدآ يحمون قرابتي .
ولم أفعله إرتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام .

فقال النبي ﷺ أما أنه فقد صدقكم .
كان ما فعله حاطب رضي الله عنه جريمة شنعاء و خيانة عظمى لأنه أفشى سراً عسكرياً خطيراً كان يمكن أن يعرض الجيش الإسلامي كله لخطر عظيم ....
ولذلك فإن "عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقنعه ما قاله حاطب ....
"فهو بذلك يحمي أهله على حساب جيش بالكامل"
لذلك قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ...
فقال النبي ﷺ : لا يا عمر ومن قال لك أنه منافق . أنسيت أنه بدري . ومايدريك يا عمر أن الله تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر .
فقال قد رضيت عنكم فأفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
يقول عمر رضي الله عنه فما بقي بدري في المسجد إلا وجهش "أي بكى"

"يعني لولا هذه الزلة من هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه من أين تأتي هذه البشرى لأهل بدر بأن الله قد تجلى واطلع على أصحاب بدر يوم بدر وقال قد رضيت عنكم فأفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
ثم أكب حاطب رضي الله عنه على يدي النبي ﷺ يقلبهما ويبكي ......
ويقول : والله لم انافق يا رسول الله .
والنبي ﷺ يقول له وأنا أشهد

فالرسول ﷺ لم يعفو عن حاطب فقط .
وإنما أيضاً رفع من قدره أمام المسلمين لأن حاطب رضي الله عنه قدم تضحيات كثيرة .
وله رصيد عند النبي ﷺ .
فليس معنى أنه أخطأ مرة أن ينسى له النبي ﷺ ما قدمه من قبل .
و الحبيب المصطفى ﷺ لا يريد أن يكون عونا للشيطان على "حاطب"
فالمسلم عندما يكون صالحاً ويرتكب ذنبا .
يوسوس إليه الشيطان أنه قد أضاع كل شيء ويحبطه عن التوبة .
و النبي ﷺ لا يريد لحاطب أن يسقط في هذه الدائرة .
بل على العكس يريد أن يأخذ بيده حتى يخرج به من هذه الأزمة .
والبطولة هي أن تأخذ بيد المخطيء وتصلحه لا أن تسحقه .

وقد سجل القرآن العظيم هذا الموقف لحاطب بن أبي بلتعة في أول سورة الممتحنة .
يقول تعالى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ .

ثم دعى النبي ﷺ ربه مرة أخرى .
اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها .

✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....








..[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية والتسعون بعد المائة 192
فتح مكة . الجزء الثالث .
إستعداد جيش المسلمين لدخول مكة .

قرر النبي ﷺ الخروج لفتح مكة
وأعلن للصحابة رضي الله عنهم وجهته وأنه يريد فتح مكة....

خرج ﷺ من المدينة بجيش قوامه 10 آلاف مقاتل مدجج بالسلاح .....

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .

لقد هاجر إلى المدينة ﷺ قبل 8 سنوات إلا 3 أشهر وحده بصحبة الصديق رضي الله عنه ومطارد في الطريق .
واليوم يرجع إلى مكة على رأس 10 آلاف موحد الله تعالى لو أمرهم أن يزيلوا الجبال لأزالوها .....

لم تشهد الجزيرة هذا العدد الكبير من الجيش إلا جيش أبرهة في عام الفيل وهو العام الذي ولد فيه النبي ﷺ قبل الهجرة بخمسين عاما ....

ثم في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة .

وكان قوام الجيش من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار
700 من المهاجرين .
4000 آلاف من الأنصار أهل المدينة .
والبقية من القبائل العربية التي دخلت الإسلام وجاءت إلى المدينة للإنضمام إلى الجيش إستجابة لأمر النبي ﷺ أو لحقت بالجيش وهو في طريقه من المدينة إلى مكة .....
وكان خروج الجيش من المدينة في 10 رمضان من السنة الثامنة من الهجرة .
وكان النبي ﷺ صائماً والجيش كله صائما ....
حتى إذا وصلوا إلى موضع "الكديد" أفطر النبي ﷺ، فأفطر الصحابة رضي الله عنهم
وظل النبي ﷺ يفطر حتى دخل مكة ....
وقد أخذ الفقهاء من ذلك أن المسافر له أن يصوم وله أن يفطر

كانت قريش لا تعلم شيئا عن تحركات المسلمين ....
وقد أعمى الله الأخبار عن قريش إستجابة لدعائه ﷺ فلم يعلموا بوصوله إليهم ولم يبلغهم حرف واحد من مسيره إليهم .
وفي هذه الأثناء خرج "العباس بن عبد المطلب" عم النبي ﷺ بأهله من مكة مهاجرآ إلى المدينة .
وكان "العباس" رضي الله عنه قد أسلم منذ "بدر" في السنة الثانية من الهجرة .
لكنه لم يهاجر منذ ذلك التاريخ ولمدة 6 سنوات بالرغم من أن الهجرة قبل فتح مكة كان فرضاً
"لأنه كان عيناً للنبي ﷺ في مكة"
فكان "العباس" رضي الله عنه هو آخر من هاجر من المسلمين .

فقابل "العباس" رضي الله عنه جيش المسلمين في منطقة "الجحفة" وسر به النبي ﷺ
وانضم "العباس" رضي الله عنه إلى جيش المسلمين المتجه لفتح مكة وأرسل أهله وثقله إلى المدينة .

فلما وصل ﷺ إلى "مَرُّ الظهران" وهو وادٍ في شمال مكة يبعد عنها 22 كم ويسمى الآن "وادي فاطمة" عسكر الجيش هناك .

وأمر النبي ﷺ الجيش بأن يوقد كل منهم ناراً
فأوقدوا عشرة آلاف نار .
حتى إذا رأتهم عيون قريش تصيبهم الرهبة من الجيش .
وجعل النبي ﷺ قائد الحرس هو "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه

وكان "العباس" رضي الله عنه عندما رأى جيش المسلمين وكثرتهم علم أن قريش لا قبل لها بهذا الجيش....
وعلم أنه إذا وقع قتال فسيتم سحق قريش تماماً....

أشفق "العباس بن عبد المطلب" على قريش فركب بغلة النبي ﷺ واتجه إلى مكة حتى يقنع قريش بأن تستسلم وأن تطلب الأمان من النبي ﷺ

وفي ذلك الوقت كان قد خرج من مكة :
١- أبو سفيان بن حرب .
٢- و حكيم بن حزام .
٣- و بديل بن ورقاء .
يلتمسون الأخبار بأنفسهم .
فلما رأوا النيران قال أبو سفيان ما رأيت كالليلة نيرانآ قط ولا عسكرآ...
هذه النيران كنيران عرفة
فقال بديل : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب لتنتقم وتأخذ الثأر .....
وكان "بديل" من "خزاعة" يقيم في مكة فهو يتمنى أن تكون كل هذه الجموع من "خزاعة"
فقال أبو سفيان : خزاعة !!
هي أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها .
فسمع أصواتهم من بعيد "العباس بن عبد المطلب" فعرفهم .
فنادى "العباس" بأعلى صوته على "أبو سفيان"
وقال : يا أبا حنظلة .
فقال أبو سفيان . أبا الفضل ؟
قال العباس . نعم
قال أبو سفيان . مالك . فداك أبي وأمي ؟
فقال العباس . ويحك يا أبا سفيان !
هذا رسول الله في الناس على رأس عشرة ٱلاف مدجج بالسلاح .
يا ويل قريش والله ، وأصباح قريش .
"يعني خربت دياركم لن يصبحكم الله بخير "
قال أبو سفيان : فما الحيلة يا أبا الفضل فداك أبي وأمي ؟
قال العباس : اتسأل المشورة هذا الليلة يا أبا حنظلة ؟
والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك .
فاركب خلفي على هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك .
فركب "أبو سفيان" خلف "العباس" على بغلة رسول الله ﷺ ورجع حكيم و بديل .

عاد "العباس" إلى معسكر المسلمين .
فكلما مر على أحد من المسلمين
قال . من هذا ؟؟
فاذا اقترب قالوا "عم رسول الله على بغلته"
فيتركوه حتى مر على قائد الحرس "عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال : من هذا ؟؟ ثم قام فنظر
فرأى أبو سفيان فقال أبو سفيان عدو الله .
الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
"كان قتل سيد قريش قبل بدء المعركة مكسب كبير للمسلمين يمكن أن يحسم المعركة .
لذلك أراد عمر رضي الله عنه أن يقتل أبو سفيان وقد جاء بعد نقض العهد ....
بينما لم يفعل ذلك عندما جاء أبو سفيان إلى المدينة .
لأن أبو سفيان جاء سفيراً لقريش .
ولذلك قال عمر رضي الله عنه الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد .
أي لا شيء يمنعني من قتلك الآن
ثم أخذ عمر رضي الله عنه يشتد نحو رسول الله ﷺ ..
ودخل عليه وقال يا رسول الله
هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه .
فقال العباس يا رسول الله : إني قد أجرته .
فأصر "عمر" رضي الله عنه على قتل "أبو سفيان" وأخذ يتحدث إلى الرسول ﷺ في ذلك .
و "العباس" يرد على "عمر"
والنبي ﷺ لا يرد عليهما .
يقول العباس فلما أكثر "عمر" في شأنه ومجادلته .
قال العباس . مهلاً يا عمر
فوالله لو كان "أبو سفيان" من بني عدي "أي لو كان من قبيلتك يا عمر" ما قلت هذا .
ولكن لأنه من "بني عبد مناف"
"كان العباس لا يزال متأثرا بالجاهلية .....
ولم تكن قضية الولاء للمسلمين والبراء من المشركين وآضحة في ذهنه"
فأراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يعطيه درساً هاماً في الولاء والبراء
وقال له : مهلاً يا عباس .
فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم .
وما ذاك إلا أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله ﷺ من إسلام الخطاب لو أسلم .
ثم قال الرسول ﷺ للعباس : إذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به .
النبي ﷺ يريد لأبي سفيان أن يسلم .
كيف لا : وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين

وهو الذي يقول ﷺ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .

فذهب مع العباس ونظر أبو سفيان للصحابة رضي الله عنهم
منهم من قام يصلي .
ومنهم من يقرأ القرآن .
ومنهم من قام يناجي ربه .
فلما صار وقت الفجر .
قام بلال رضي الله عنه يؤذن للصلاة ....
وثار الناس وهرعوا للصلاة .
فهذا التحرك من الصحابة رضي الله عنهم لصلاة الفجر أرعب "أبو سفيان"
ففزع أبو سفيان وقال للعباس يا أبا الفضل ما يريدون ؟
هل أمر محمد بشيء ؟
قال : لا يا ابا حنظلة .. إنها صلاة الفجر .
قال . كم مرة تصلون باليوم .
قال . خمس مرات وهذه صلاة الفجر هي أقربها لمرضاة الله .
وأخذ يخبره عن فضلها
فقام ابو سفيان ينظر فرأى الصحابة رضي الله عنهم يتلقون وضوء رسول الله ﷺ ويتبادرون لخدمته .....
ثم رآهم يركعون إذا ركع . ويسجدون إذا سجد .
فقال للعباس يا عباس ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه ؟
فقال له العباس لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه .
فقال أبو سفيان :
ما رأيت مُلكاً مثل هذه الليلة
و لا ملك كسرى ولا ملك قيصر ، ولا ملك بني الأصفر .
لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً .
فقال له : إنها النبوة يا أبا سفيان وليست الملك .
قال : نعم هو ذاك .

فلما جاء الصباح جاء العباس ومعه "أبو سفيان"
قال له النبي ﷺ ويحك يا أبا سفيان . ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟
فقال أبو سفيان . بأبي أنت وأمي .
ما أحلمك وأكرمك وأوصلك . والله لو كان مع الله إله غيره . لقد أغنى عني .
أشهد أن لا إله إلا الله .
فقال النبي ﷺ ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله .
فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك .
أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا ....
"لم يكن أبو سفيان صادقاً بهذه الكلمة .
فهو يعلم يقيناً أن محمداً رسول الله ولكنه يبرر إصراره على الكفر حتى هذه اللحظة .
فقال العباس ويحك يا أبا سفيان أسلم قبل أن تضرب عنقك .
يفهم من هذا وإن قال لا اله الا الله لا يعد مسلماً إلا أن يقول محمداً رسول الله كلمة التوحيد .

ومرة أخرى ليس هذا إجبار لأبي سفيان حتى يدخل في الإسلام
ولكن حسب معطيات الحرب ينبغي قتله كما أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولكنه إذا أسلم فالإسلام يهدم ما قبله .....
وهذا من رحمة الإسلام وهو أول أركان الإسلام الشهادتين وليست شهادة واحدة ...
فإن لم يشهد أن محمدا رسول الله فليس بمسلم .
فلما قال العباس هذا
قال أبو سفيان : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.....

ثم قال العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً .
فقال النبي ﷺ نعم .
انطلق أبا سفيان إلى قومك وأخبرهم .
من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
ومن أغلق بابه فهو آمن .
ومن دخل المسجد فهو آمن .

كان إعلان النبي ﷺ أن من أغلق عليه بابه فهو آمن
يعني بلغة العصر الآن تطبيق "حظر تجول"
وهذه هي أول مرة في التاريخ يطبق فيها حظر التجول .
فالرسول ﷺ هدفه هو أن يدخل مكة بلا قتال ومن غير سفك للدماء ....
ويعتمد في ذلك على إخافة قريش حتى تسلم وتجبن عن القتال ....
ولذلك أمر الصحابة رضي الله عنهم بأن يوقد كل منهم ناراً

ثم هو يعلن الآن بأن من يغلق عليه بابه فهو آمن .
يعني من يجلس في بيته ولا يشترك في القتال أوالمقاومة فهو آمن .
واستثنى المسجد لمكانته وحتى يكون مكاناً يتحدث فيه إلى الناس .

واستكمالآ لخطة إخافة قريش
أمر النبي ﷺ "العباس" بأن يجعل "أبو سفيان" في مكان يرى فيه الجيش كله حتى ينقل هذه الصورة لقريش ....
فقال النبي ﷺ للعباس يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل "المكان الضيق الذي سيمر منه الجيش" حتى تمر به جنود الله فيراها .
فذهب به العباس إلى حيث أمر النبي ﷺ ومر الجيش كله أمام "أبو سفيان"
"مثل العروض العسكرية التي تقوم بها الدول الآن"

وكانت كل قبيلة تمر تحمل رايتها
فكلما مرت قبيلة سأل أبو سفيان عنها .
فقال . يا عباس من هذه ؟
يرد عليه . غفار .
يقول . ما لي و غفار .
  • يا عباس من هؤلاء ؟؟
  • سليم
  • ما لي وسليم
  • يا عباس من هؤلاء ؟
  • مزينة .
  • يا أبا الفضل ما لي ولمزينة قد جاءتني تقعقع من شواهقها .
  • يا عباس من هؤلاء ؟؟
  • جهينة .
  • ما لي ولجهينة .
  • يا عباس من هؤلاء ؟؟
  • بنو ليث بن بكر . وبنو ضمرة بن بكر .
  • نعم أهل شؤم والله .
هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم . أما والله ما شوورت فيهم ولا علمته ولكنه أمر حُتِم .
  • يا عباس من هؤلاء ؟
  • أشجع .
  • هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد
حتى مر به رسول الله ﷺ في كتيبته الخضراء .
العرب تطلق الخضرة على السواد لأنهم لابسين لباس الحرب الكامل"
حتى مر به رسول الله ﷺ في كتيبته الخضراء .
فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد .
"يعني لابسين لباس القتال الكامل لا يرى منهم إلا عيونهم"
قال أبو سفيان مدهوش . سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟
قال العباس : هذا رسول الله ﷺ في المهاجرين والأنصار .
قال أبو سفيان . ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة .
والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً !
قال العباس . يا أبا سفيان إنها النبوة .
قال أبو سفيان . نعم نعم

أبو سفيان :
فإنه لما أسلم حسن إسلامه وقاتل مع النبي ﷺ في "حنين" وكان عمره 70 عامًا .
ولما انكشف المسلمون في "حنين" وفر بعضهم ثبت مع النبي ﷺ .
وشارك في حصار "الطائف" وأصابه سهم في عينه فأصيبت
وجاء إلى النبي ﷺ وقال . هذه عيني أصيبت في سبيل الله .
فقال له النبي ﷺ إن شئت دعوت فردت عليك . وإن شئت فالجنة .
فقال : الجنة .
وشارك في معركة اليرموك ضد الروم وكان عمره وقتها 76 سنة فكان من أكبر المسلمين عمراً .
رضي الله عنه وأرضاه .

ثم قال له العباس رضي الله عنه إلحق الآن بقومك وحذرهم .
فانطلق "أبو سفيان" إلى مكة وهو من الرعب في نهاية .
وصرخ بأعلى صوته يا معشر قريش .
هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به .
فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
قالوا : قبحك الله . وما تغني عنا دارك؟

قال . ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .
ومن دخل المسجد فهو آمن .

فقامت إليه زوجته "هند بنت عتبة" ونادت : يا معشر قريش اقتلوا هذا الشيخ الأحمق . هلأ قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم ؟
فقال أبو سفيان . لا تغرنّكم هذه من أنفسكم .
فقد جاءكم ما لا قِبَل لكم به .

تفرق القرشيون ولزم كثير منهم دورهم ولجأ البعض إلى المسجد .... وبذلك نجحت خطة المسلمين في تحطيم مقاومة قريش .
ومع ذلك رفض بعض شباب قريش الإستسلام وقرروا "المقاومة" وفي نفس الوقت استعد الجيش لدخول مكة .

ما الذي حدث بعد ذلك
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الواحدة بعد المئتان 201
غنائم حنين ...

أمر النبي ﷺ بعد معركة "حنين" وفرار "هوازن" إلى "الطائف" بتجميع الغنائم في وادي "الجعرانة" القريب من حنين حتى يفرغ من حرب "هوازن"

وتوجه ﷺ بعد ذلك إلى "الطائف" واستمر الحصار 40 يومآ كاملاً
ولم ينجح المسلمون في فتح الحصن ...
ثم قرر النبي ﷺ رفع الحصار عن الطائف .
بعد أن وازن بين مكاسب الحصار وخسائر رفع الحصار .

ووجد أن خسائر رفع الحصار أكبر من مكاسب الحصار .
توجه بعدها ﷺ إلى وادي "الجعرانة" حتى يقوم بتوزيع الغنائم .

وكانت غنائم "حنين" ضخمة جداً
بل كانت أكبر وأعظم غنائم في تاريخ العرب قاطبة
لأن قبائل "هوازن" قبائل كثيرة جداً
ولأن زعيمهم "مالك بن عوف" أمر بأن يصحبوا معهم نساءهم وأنعامهم وكل أموالهم .
وذلك لتحفيز الجيش على القتال حتى الموت....

وقلنا أن النبي ﷺ عندما علم ذلك قال تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله .
وتحقق ما قاله الحبيب المصطفى ﷺ فغنم المسلمون كل هذه الأموال .

وبلغت غنائم {{ حنين }}
١- 24 ألف من الأبل
٢- 40 ألف من الأغنام
٣- 150 كيلو جرام من الذهب والفضة
٤- 60 ألف من السبي
وجلس ﷺ متأنياً في قسم الغنائم وهو يرجو أن تأتي "هوازن" مسلمة
لأن جل الأسرى من "هوازن"
وقلنا أن "هوازن" هي مجموعة قبائل حول الطائف فيها "بنو سعد" الذي استرضع فيهم ﷺ
و الذين تربى فيهم أربع سنين ففيهم عماته وخالاته من الرضاعة .
وكان يرجو أن يأتوا مسلمين فلا يقعون في السبي ....

وبنو سعد من كرام العرب فلم يحب أن تسبا نسائهم وأولادهم

ولكنهم تأخروا فاضطر أن يوزع الغنائم وهذا من شرع الله تعالى

توزيع الغنائم حسب القاعدة الشرعية في توزيع الغنائم
وكانت القاعدة الشرعية :
١ - أن أربعة أخماس الغنائم توزع بالتساوي على الجيش
والفارس يأخذ ثلاثة أضعاف الراجل...
لأن الفارس ينفق بنفسه على فرسه .

٢ - الخمس يتصرف فيه رئيس الدولة كما يشاء .
فقد يشتري به سلاح وقد يتم به إفتداء الأسرى .
وقد يعطي منها لمن كان مميزاً في القتال .
وقد ينفق على الفقراء والمساكين
وقد يدخل في أي مشروع من مشروعات الدولة ....

فوزع النبي ﷺ الأربعة أخماس على الجيش الذي عدده 12 ألف
وكان كل جمل يساوي 10 من الشياه أي الخرفان .
فأخذ كل جندي جملان أو 20 من الشياه أو جمل و 10 من الشياه .
أما السبي فكان البعض يأخذ والبعض لا يأخذ .
والذي لا يأخذ يعوض بالفضة ...

تم تقسيم الأربعة أخماس بالتساوي بين الصحابة رضي الله عنهم

أما خمس الله ورسوله صلى الله عليه وسلم التي من حق النبي صلى الله عليه وسلم
فقد قرر ﷺ توزيعها على زعماء القبائل المختلفة .
لأن الدولة الإسلامية اتسعت الآن اتساعآ كبيرا....
والنبي ﷺ يعلم أن كثير من القبائل قد دخلت في الإسلام ولكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم .
فأراد النبي ﷺ أن يؤلف قلوبهم لأنهم لو وجدوا أن وضعهم الإجتماعي والمادي قد تحسن في ظل الإسلام فلاشك أن حبهم وانتمائهم للإسلام سيقوى ويترسخ وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم في الإسلام "المؤلفة قلوبهم"
والنبي ﷺ يعلم أن نظام القبلية المترسخ في الجزيرة العربية منذ قرون يجعل لقائد القبيلة الكلمة العليا المطلقة في قبيلته .
لذلك فالرسول ﷺ يشتري رضا هؤلاء الزعماء بالمال .
وهؤلاء الزعماء سيؤثرون تأثيراً إيجابياً في أتباعهم ومن ثَمَّ فهو يشتري إستقرار الدعوة الإسلامية.... وكان عدد هؤلاء الذين وزع عليهم ﷺ الخمس يبلغ عددهم حوالي 50 من زعماء العرب .....

من هؤلاء الزعماء "أبو سفيان" زعيم "بني أمية" وزعيم قريش
جاء "أبو سفيان" إلى النبي ﷺ وهو في وادي "الجعرانة" وقال وهو ينظر إلى هذه الأعداد الهائلة من الغنائم....
قال : يا رسول الله أصبحت أكثر قريش مالاً .
فتبسم ﷺ ولم يرد عليه
فقال أبو سفيان : يا رسول الله أعطني من هذا المال .
وكان "بلال رضي الله عنه هو المسؤول عن توزيع الغنائم .
فقال ﷺ : يا بلال زن لأبي سفيان أربعين أوقية من الفضة ، وأعطوه مائة من الإبل .
فقال أبو سفيان . يا رسول الله . ما أعظمك كرمك و ما أحلمك .
وابني يزيد يا رسول الله "وكان له ابن أكبر من معاوية إسمه زيد"
فقال النبي ﷺ يا بلال زن له أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل .
فقال ابو سفيان رضي الله عنه يا رسول الله . ابني معاوية .
يا بلال زن له أربعين أوقية ، وأعطوه مائة من الإبل .
فذهل أبو سفيان من هذا العطاء
فقال أبو سفيان رضي الله عنه ما أعظم كرمك وما أحلمك .
فداك أبي وأمي . لقد حاربتك فنِعمَ المحارب كنت .
ثم سالمتك فنعم المسالم أنت .

انظر كيف ألف الحبيب المصطفى ﷺ قلب أبو سفيان

وحدث نفس الموقف مع "حكيم بن حزام رضي الله عنه من أشراف مكة .

ثم نظر النبي ﷺ لحكيم
وقال لبلال يا يا بلال أعطى "حكيم" مثلما أعطيت أبا سفيان . فأعطاه
فقال حكيم رضي الله عنه ما أحلمك وأكرمك . زدني فليس لي ولد مثل أبي سفيان .
فأعطاه مائة ثانية .
ثم سأله فأعطاه مائة ثالثة .
ثم أراد النبي ﷺ أن يعلم "حكيم بن حزام" ويعلمنا درسا هاما
فقال : يا حكيم إن هذا المال حلوة خضرة [[ لم يقل إن هذا المال حلواً خضراّ ، لأن المقصود بالمال الدنيا، والدنيا مؤنث ]]
يا حكيم إن هذا المال حلوة خضرة ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه .
ومن أخذه بإشراف نفس وتشوف لم يبارك له فيه .
وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى .
فقال حكيم رضي الله عنه : وقد أشرق وجهه وغلبه الإيمان "أي علاه النور"
قال : والذي بعثك بالحق ما أردت إلا أن أسبر المواقف .
"يعني امتحن موقفك ، هل تفرق بينا أم لا "
فوالذي بعثك بالحق لا أخذ إلا العطاء الأول
فرد "حكيم بن حزام" رضي الله عنه المائة الثانية والثالثة .
وأخذ فقط المائة الأولى .
وقال : والله يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أسأل أحداً بعدك شيئاً...
ولا آخذ من أحد شيئاً بعدك حتى أفارق الدنيا .
"وبر حكيم رضي الله عنه بقسمه"
ففي عهد أبي بكر دعاه "أبو بكر" رضي الله عنه أكثر من مرة لأخذ عطاء من بيت مال المسلمين فأبى أن يأخذه .
وفي عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه دعاه مرة ثانية إلى أخذ عطاء فأبى أن يأخذه .
وظل حكيم رضي الله عنه كذلك لم يأخذ من أحد شيئاً حتى فارق الحياة رضي الله عنه .

وممن تألف قلوبهم ﷺ : "صفوان بن أمية" رضي الله عنه
وهو الذي طلب المهلة حتى يسلم "شهرين" فأعطاه النبي ﷺ أربعة أشهر .
واستعار منه النبي ﷺ عدة المحارب بالأمس القريب عارية مضمونة .
وقد أعطاه مائة من الأبل كما أعطى زعماء مكة .
ثم وجده ﷺ ما زال واقفا ينظر إلى أحد شعاب "حنين" وقد شد إنتباهه شعباً وقد مُليء إبلاً وشياة وقد بدت عليه علامات الإنبهار بهذه الكميات الكبيرة من الأنعام ....
صفوان ينظر إليها بأعجاب .
فقال له ﷺ أبا وهب . أيعجبك هذا الشعب ؟
فقال صفوان . نعم .
فقال هو لك وما فيه .
قال صفوان . لي ؟
قال نعم ..

يقول الصحابة رضي الله عنهم فأشرق وجهه صفوان .
وقال: إن الملوك لا تطيب نفوسها بمثل هذا .
ما طابت نفس أحد قط بمثل هذا إلا نبي .
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
فأسلم صفوان رضي الله عنه وصدق إسلامه .

وعندما وجد الأنصار عطاء النبي ﷺ من خمسه لسادة قريش "مسلمها وكافرها" عطاء ليس له حدود... وجدوا في أنفسهم "تأثروا"... فقال بعضهم لبعض لقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم قومه ....
"يعني رجع لأهله وفرح فيهم " غفر الله لرسول الله...
يعطي قريش ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم بالأمس ؟
بلغت هذه المقالة للنبي ﷺ فكان لها أثر في نفسه .

وأرسل إلى "سعد بن عبادة" رضي الله عنه زعيم الخزرج وهو الباقي من سادة الأنصار
وقال النبي ﷺ لسعد يا سعد ما مقالة بلغتني عن قومك ؟
قال له : أجل يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت .
قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظيمة في قبائل العرب .
ولم يكن لهذا الحي من الأنصار منها شيء .
فقال النبي ﷺ له فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ "ما موقفك أنت "
فقال سعد رضي الله عنه ما أنا إلا رجل من قومي .
فقال له النبي ﷺ إذآ فاجمع لي قومك لا يخالطكم غيركم .
فخرج سعد رضي الله عنه فجمع الأنصار "أوس وخزرج" في شعب لم يدخل فيه إلا أنصاري .
وأتاهم النبي ﷺ وحده لا يصحبه إلا الصديق "أبو بكر" رضي الله عنهم
فحياهم بتحية الإسلام...
ثم حمد الله وأثنى عليهم ثم قال :
يا معشر الأنصار.
ألم تكونوا كفارآ فهداكم الله بي ؟
ألم تكونوا عالة [[ أي فقراء ]] فأغناكم الله بي ؟
ألم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم بي ؟
ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؛؟
قالوا . وبماذا نجيبك يا رسول الله ، ولله ولرسوله المن والفضل ؟
فقال ما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم .
قولوا :_ ألم تأتنا مكذباً فصدقناك ؟؟
ألم تأتنا مخذولاً فنصرناك ؟؟
ألم تأتينا طريداً فآويناك ؟؟
ألم تأتينا عائلاً فواسيناك ؟؟
فأرتفع صوت الأنصار بالبكاء وضج المكان وهم يقولون :
المنة لله ورسوله يا رسول الله .
فقال لهم *ما مقالة بلغتني عنكم ووجدة وجدتموها في أنفسكم *
تقولون لقد لقي محمد اليوم قومه .
يا معشر الأنصار
أوجدتم في أنفسكم لعاعة من الدنيا تألفت بها قلوب قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ؟؟
ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله ﷺ في رحالكم ؟؟
فقالوا : أوفاعل أنت يا رسول الله ؟
"كانوا قد غلبهم الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقيم في مكة فقد أصبحت دار إسلام .
وهي مسقط رأسه وهي بلد الله الحرام .
فظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يرجع للمدينة معهم ففاجأهم بهذا الخبر المفرح .

قالوا : أوفاعل أنت يا رسول الله ؟؟
قال . أجل المحيا محياكم . والممات مماتكم أنتم الشعار والناس دثار .

الملابس الداخلية التي تلاصق الجسم تسمى شعار . لأنها تلامس شعر البدن .
أما القميص يسمى دثار أنتم الشعار أي أنتم أقرب لجلدي أنتم أهلي وعشيرتي وأحبابي رضي الله عن الأنصار....
وباقي الناس دثار .

أنتم الشعار والناس دثار ، فوالذي نفس محمد بيده لو سلك الناس قاطبةً شعباً ، وسلك الأنصار شعب لسلكت مسلك الأنصار . و لولا الهجرة لكنت واحداً من الأنصار .
ثم بسط يديه وهو يقول اللهم إرحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار .
يقول الأنصار رضي الله عنهم فظننا أنه لن يسكت حتى يعد مئة جيل من الأنصار...
وبكى صلى الله عليه وسلم
وقال :
الم أعهد إليكم يوم العقبة {{ الدم الدم والهدم الهدم}} أسالم من سالمتم ، وأحارب من حاربتم المحيا محياكم ، والممات مماتكم .
أي سأعيش ما عشت معكم وإذا متت سأدفن بأرضكم .

فبكى الأنصار رضي الله عنهم حتى أخضلوا لحاهم وهم يقولون ...
رضينا برسول الله ﷺ رضينا رضينا
خذ ما بأيدينا من أموال واعطيها لأهل مكة .
يا الله هنيئاً للأنصار كان حظهم الأوفى من العطاء
فازوا بالحبيب الأعظم ﷺ
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....








[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية بعد المئتان 202
إسلام وفد من هوزان .

من الذين وقعوا في الأسر يوم حنين "الشيماء" أخت النبي ﷺ من الرضاعة .
لأن النبي ﷺ كان قد استرضع في بني سعد 4 أعوام ومرضعته هي حليمة السعدية رضي الله عنها
إخواته من الرضاعة من "حليمة" :
١- الشيماء
٢- عبدالله
٣- أنيسة
وكانت "الشيماء" تتقدم النبي ﷺ بالسن 10 سنوات تقريباً
فكانت تشترك مع أمها في رعاية النبي ﷺ وتلاعبه وتعتني به .

فلما وقعت الهزيمة بهوازن كانت "الشيماء" ممن وقع في الأسر
فكانت تقول: إني أخت صاحبكم من الرضاعة !! فلم يصدقوها
وجاؤوا بها إلى النبي ﷺ
فقالت : يا رسول الله أتعرفني ؟
قال لها : ما أنكرك فمن أنت ؟
قالت : إني لأختك من الرضاعة .
قال لها إن تكوني صادقة فإن بك منّي أثراً لن يبلى فكشفت عن عضدها .
"يعني علامة بجسمك أنا سببها "
ثم قالت : نعم يا رسول الله . حملتك وأنت صغير فعضضتني هذه العضة .
فعرفها ﷺ فوثب وقام لها قائما و رحب بها .
وبسط لها رداءه وأجلسها عليه وذرفت عيناه بالدموع وأخذ يكلمها صلى الله عليه وسلم
ثم قال لها :
إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك فارجعي إلى قومك
"يعني خيرها بين أن تعيش معه أو يعطيها أموال وتعود إلى قومها .
فاختارت أن تعود إلى قومها"
فأعطاها النبي ﷺ وأعادها إلى قومها .
وكان مما أعطاها "غلاما وجارية" فزوجت أحدهما بالآخر .

ولما توفي النبي ﷺ إرتد قومها "بنو سعد" فكانت "الشيماء" ممن ثبتوا وأخذت تنشد الشعر الذي تدافع فيه عن الإسلام .
وعرفت "الشيماء" بعد ذلك بكثرة العبادة والتنسك رضي الله عنها

وجاء إلى النبي ﷺ وهو في "الجعرانة" وفد من "هوزان" فيه عدد من أشرافهم
فأسلموا ثم كلموا النبي ﷺ في الغنائم ....
وقالوا : يا رسول الله .
إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وحواضنك اللاتي كن يكفلنك .
وأنت خير مكفول ونرغب إلى الله وإليك يا رسول الله .
فقال لهم النبي ﷺ قد كنت استأنيت بكم بضع عشرة ليلة .
"يعني أخرت توزيع الغنائم والسبايا عشرة أيام أملاً في إسلامكم"
وقد وقعت المقاسم مواقع .
"اي تقاسم المسلمون أموالكم "
فأي الأمرين أحب إليكم . أطلب لكم السبي أم الأموال ؟
قالوا : يا رسول الله فالحسب أحب إلينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير .
فقال ﷺ أما الذي لبني هاشم فهو لكم وسوف أكلم لكم المسلمين وأشفع لكم .
فكلموهم أنتم وأظهروا إسلامكم وقولوا نحن إخوانكن في الدين

وعلمهم ﷺ كيفية الصلاة وكيف يتكلمون ....

فلما صلى النبي ﷺ الظهر استأذنوا النبي ﷺ في الكلام فأذن لهم فتكلم خطبائهم وطلبوا رد سبيهم .
فلما فرغوا قام ﷺ وحض المسلمون على رد السبي
فقال قد رددت الذي لبني هاشم ، والذي بيدي عليهم .
فمن أحب منكم أن يعطي غير مكره فليفعل ومن كره أن يعطي ويأخذ الفداء فعليَّ فداؤهم .
فأعطى المسلمون كلآ ما بأيديهم وطلب القليل منهم الفداء .

ونأتي إلى موقف النبي ﷺ مع قائد جيش "هوزان"
وهو "مالك بن عوف"
هو الذي جمع كل قبائل "هوازن" في جيش واحد لأول مرة في تاريخها .
وكان السبب في معركة "حنين"
ماذا كان مصير مالك بن عوف بعد هزيمة هوازن ؟
لقد فر "مالك بن عوف" مع من فر من "هوازن" حتى وصل إلى "ثقيف" وهي ليست قبيلته لأنه من "بني نصر"
وكان موقف "مالك بن عوف" مئساوياً فكان وضعه مثل اللاجيء عند قبيلة أخرى .
وكان منبوذا لأنه المسؤول عن مصيبة وفضيحة "هوازن" في فقد نسائهم وأبنائهم وأموالهم .
لأنه هو الذي أصر أن تصحب "هوازن" معها نسائها وأبنائها وأموالها .
وهو نفسه صحب معه نسائه وأبنائه وأمواله .
وقد فقدهم وأصبحوا غنائم في أيدي المسلمين .
لقد كان "مالك بن عوف" في أشدِّ حالات الإنكسار التي من الممكن أن يتعرض لها قائد .
وبينما هو في هذه الحالة المؤسفة المخزية .
كان هناك من يفكِر في أمره
إنه الحبيب المصطفى ﷺ المبعوث رحمة للعالمين .

لقد سأل النبي ﷺ عن "مالك بن عوف"
فقيل له : إنه في الطائف يخشى على نفسه .
فقال النبي ﷺ . أخبروا مالك إن أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله .
"وكان ذلك هو الإنقاذ لمالك بن عوف من أزمته"
فأسرع "مالك بن عوف" فأسلم بين يدي النبي ﷺ .
فرد عليه أهله وماله .
ثم أعطاه النبي ﷺ فوق ذلك مائة من الإبل .
"هل يمكن أن يتخيل ذلك أحد ؟
هل يوجد في التاريخ كله قائد منتصر يتعامل بهذا الرقي مع زعيم الجيش المعادي المهزوم أمامه ؟

بل أراد النبي ﷺ أن يوظف إمكانات "مالك بن عوف" القيادية لمصلحة الدولة الإسلامية .
فأعاده زعيماً على من أسلم من قبائل "هوازن"
ثم كلفة بمهمة الإغارة على "الطائف" وهي أشبه بحروب الإستنزاف حتى أسلمت ثقيف بعد ذلك .

وقبل عودة النبي ﷺ إلى المدينة من الجعرانة .
توجه ﷺ لأداء العمرة .
وكانت هذه هي العمرة الثانية التى أداها النبي ﷺ .

لأن النبي خرج لأداء العمرة في "ذي القعدة" من العام السادس من الهجرة .
ولكن منعته قريش من دخول مكة وانتهى الأمر بعقد "صلح الحديبية"
وفي العام التالي في "ذي القعدة" من السنة السابعة من الهجرة خرج ﷺ لأداء العمرة .
وهي "عمرة القضاء"
وفي "ذي القعدة" من السنة الثامنة من الهجرة خرج ﷺ لأداء العمرة من "الجعرانة"
أما العمرة الأخيرة فقد قرنها ﷺ مع حجته وكانت في السنة العاشرة من الهجرة .

إذآ إعتمر ﷺ أربع عمرات :
ثلاث عمرات أداها كاملة
بخلاف عمرة "الحديبية" لم يكملها .
التي أحرم فيها ﷺ لأداء العمرة .
ثم صدته قريش فتحلل من إحرامه هو والصحابة رضي الله عنهم بذبح الهدي .
ويصبح المجموع 4 عمرات للنبي ﷺ .

لاحظ أن كل عمرات النبي ﷺ كانت في "ذي القعدة"

وقد فسر العلماء ذلك بأن العرب في الجاهلية كانت تعتبر العمرة في "ذي القعدة" من أفجر الفجور .
ففعله النبي ﷺ مرات ليكون أبلغ في بيان جوازه وإبطال ما كانوا عليه في الجاهلية .

وذهب جمع من أهل العلم إلى القول بفضل العمرة في "ذي القعدة"
وقال البعض مثل "ابن القيم" رحمه الله أن العمرة في "ذي القعدة" أفضل من العمرة في رمضان .


ولم يحج النبي ﷺ هذا العام
وإنما حج بالمسلمين أمير مكة الذي عينه النبي ﷺ بعد فتح مكة أمير على مكة وهو "عتاب بن أسيد " رضي الله عنه
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة بعد المئتان 203
عام الوفود .
إسلام عدي بن حاتم الطائي .
رضي الله عنه.

في مطلع العام التاسع ويسمى "عام الوفود"
وسنعرض نماذج من هذه الوفود

ففي شهر "ربيع الآخر" من السنة التاسعة...
أرسل النبي ﷺ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعه 150 رجل من الأنصار إلى قبيلة "طيئ"
وهي عدة قبائل تسمى "طيئ" وكان سيدها العام "حاتم الطائي" المعروف بالتاريخ والمشهور بالكرم .....

وكان سيدهم في ذلك الوقت بعد موت "حاتم الطائي" إبنه "عدي بن حاتم الطائي" رضي الله عنه

كان قد تنصر "إعتنق النصرانية ولم يلتزمها بل كان يخلط بين النصرانية والصابئة "
وكان هدف السرية هو هدم صنم "طيئ"
وكان من الأصنام المشهورة في الجزيرة واسمه "الفِلس"

شن عليهم المسملون الغارة مع الفجر وهدموا صنمهم "الفلس" وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء....
وفر قائدهم "عدي الطائي" إلى الشام و أخذ زوجته وولده تاركاً أخته "سفانة إبنة حاتم الطائي"
فكانت من ضمن السبايا...

"معنى "سفانة" "الؤلؤة" وبها كان يكنى أبوها حاتم الطائي لا بولده
كان يقال له أبو سفانة وليس أبو عدي....

فلما جاءت "سفانة" المدينة مع السبي وقفت بين السبي...

وكان من عادة النبي ﷺ أن يفصل بين الأسرى...
الرجال في جانب ....
والنساء في جانب .....
والصغار مع أمهاتهم...

فوضعت النساء في القسم المخصص عند ساحة المسجد .
وخرج النبي ﷺ ليؤدي إحدى الصلوات بعد مجيء هذه السبايا والأسرى...
فلما رأته "سفانة" عندما خرج من باب إحدى حجرات أزواجه رضي الله عنهن...
وقفت واعترضت طريقه وناشدته بصوت مرتفع .
يا محمد : هلك الوالد . وغاب الوافد . فامنن عليَّ منَّ الله عليك ....
قال ومن وافدك ؟
قالت . عدي بن حاتم .
قال الفار من الله ورسوله ؟
ثم مضى رسول الله ﷺ وتركها ليؤدي صلاته ....
فحين انتهى من صلاته ورجع قامت وأعترضت طريقه مرة ثانية .
"وعلمت أن الوقت أولاً كان ضيق ولكن الآن متسع ،
في الأول كان في عجلة ليؤدي الصلاة والآن راجع لحجرات أزواجه رضي الله عنهن..

فقالت : يا محمد هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليَّ من الله عليك ....
يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي قومي .
فإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشي السلام .
ولم يرد طالب حاجة قط
أنا إبنة "حاتم الطائي"
فرق قلب النبي ﷺ لحالها
وقال: قد فعلت يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً .
لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه .
خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق . وإن الله يحب مكارم الأخلاق .
فقام أبو بردة بن دينار فقال يا رسول الله ، الله يحب مكارم الأخلاق ؟
فقال ﷺ والذي نفسي بيده لا يُدخِل الجنة إلا حسن الخلق .
ثم نظر إلى سفانة و إلى أصحابه رضي الله عنهم :
وقال : إرحموا عزيز قوم ذلّ . وغنياً افتقر
وبعد أن منَّ عليها ﷺ ....
قال علي بن ابي طالب لسفانة إبنة حاتم .
قال : سليه الحملان "أي شيء تركبيه للسفر"
فسألته فأعطاها ما تركبه .
وقال لها الحبيب المصطفى ﷺ فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك، ثم آذنيني .
"أخبريني أنك راحلة"
وأقامت بين الصحابيات رضي الله عنهن في المدينة حتى قدم ركب من "قضاعة"
فلما جاء وفد من قومها جاءت إلى النبي ﷺ
وقالت : يا رسول الله إن القوم من قضاعة "أي الوفد الذي عندك"
وهم فرع من قومي أجد فيهم من أثق به أبلغ معهم مأمني .
إن شئت فأذن لي بالرحيل ...
قالت : فكساني رسول الله ﷺ وحملني وأعطاني نفقة .
فجهزها وأكرمها وأوصى بها خيراً ووقف ﷺ يودعها مع الركب
فقالت وهي تركب ناقتها قبل أن ترحل ، تدعوا للنبي ﷺ.
رفعت يديها للسماء
وقالت :
شكرتك يدٌ افتقرت بعد غنى ، ولا ملكتك يدٌ استغنت بعد فقر
وأصاب الله بمعروفك مواضعه ولا جعل لك إلى لئيم حاجة
ولا سلب نعمة كريم إلا وجعل
لك سبباً لردها عليه .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فأشرق وجهه ﷺ معجباً ببلاغتها وحسن كلماتها .
فرد عليها بالدعاء قائلا اللهم اهدي قومها وأتينا بهم طائعين .
يقول الصحابة رضي الله عنهم ولمس من ذلك أنها آمنت ولكنها كتمت إيمانها .
سببين
١ - عزة في نفسها أن تعلن إسلامها وهي أسيرة فيقال أسلمت مجبرة .

٢ - حتى ترى موقف أخيها عدي بن حاتم رضي الله عنه

لم ترجع "سفانة بنت حاتم الطائي" إلى ديارها
وإنما توجهت إلى أخيها "عدي بن حاتم" بالشام .

والآن يحدثنا "عدي بن حاتم" رضي الله عنه
يقول : وكان قد تنصر كما قلنا ولكن يخلط بين النصرانية والصابئة ويسير في قومه بالمرباع...
"المرباع أي يحل لنفسه أن يأخذ ربع غنائم الحرب يشرع لنفسه مالا يشرع لغيره"
فلما غارت عليه خيل المسلمين بقيادة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه...
كان قد جهز نفسه للهرب قبل وصول المسلمون .
فقد قال لغلام له : يا فلان لا أبا لك .
"لا أبا لك كلمة تستخدم عند العرب للمدح والذم ، فإن كانوا يريدون المدح يكون المراد بها أي أيها الرجل العصامي الذي لا يتكل على غيره .
اما الذم لا أبا لك يعني غير معروف أبوك لا أصل لك"

فقال لغلامه مادحاً . لا أبا لك اختر لي من الأبل نياق سمان سراع أعتمد عليها تكون في مقربة مني فإن سمعت بخيل محمدٍ قدمت أخبرني .

فلما أقتربت خيل المسلمين من ديار طيئ أخبره الغلام .
يقول عدي : فركبت على النياق وحملت زوجتي وولدي وأصابتني ساعة ذهول فتركت أختي "سفانة" "نسي أخته "
ثم انطلقت وقلت ليس لي إلا أرض الشام فإنها تدين بالنصرانية وأنا واحد منهم .
فارتحل إلى الشام والذين يدينون بالنصرانية لم يكونوا عرب ....
قليل من إعتنق النصرانية من العرب .

فكانوا إذا تنصر عربي "خاصة إذا كان كبير في قومه" جعلوا له عندهم مكانة "حتى يملكوا قلبه وقلب قومه معه"
يقول عدي فلما أتيت الشام وعلموا بأمري
جعلوا لي أرضاً وحائطاً "أي بساتين" وضربوا لي قبة وزينوها وأقام من معي ومن أعرف من حولي .
فلما وصلت أخته "سفانة" إلى الشام ...
سألت أين أجد بن حاتم ؟
قالوا لها . عند تلك القبة
فذهبت إليه وكان أخوها يقف على الباب .
فلما رأها من بعيد وعرفها هرول إليها مسرعاً يستقبلها .
وهو يقول . مرحباً مرحباً ببنت حاتم الطائي .
فقالت له : أهرب عني أيها القاطع الظالم .
فعرف انها مغضبة منه
قال : فالتزمت الصمت حتى دنت ودخلت وجلست بالخيمة وذهب عنها الغضب .
فقال : أعذريني يا أختاه ولا تقولي إلا خيراً...
أجل لقد قصرت في حقك وصابتني ساعة ذهول حين قدمت خيل محمد والمسلمين .
اخبريني يا أختاه عن أمرك
وكانت "سفانة" إمرأة رزينة جزلة حصيفة عقلها يعدل عشرات من الرجال ....
فأخبرته كيف منَّ عليها رسول الله وأعتقها .
قال : يا أختاه كيف رأيتِ الرجل ؟
قالت له : رأيت فيه كل خير ، ورأيت منه كل خير .
لقد فعل محمد فعلة ما كان أبوك يفعلها ....
وقد رأيته يحب الفقير ويفك الأسير ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير .
وما رأيت أجود ولا أكرم منه
وإن يكن نبياً فا للسابق إليه فضل .
وإن يكن ملكاً فلا تزال في عزّ ملكه .

ويحدثنا "عدي بن حاتم" رضي الله عنه عن قصة إسلامه والتي كانت بدايتها إحسان النبي ﷺ لأخته "سفانة"
وتوجه إلى المدينةالمنورة ودخل على الرسول ﷺ في المسجد وهو يظن أنه سيلقى ملكاً
يقول : فسلمت عليه .
فقال ﷺ من الرجل ؟
قلت له . عدي بن حاتم .
فقال مرحباً بك .
يقول عدي رضي الله عنه فقام النبي ﷺ وأخذ بيدي وتوجه بي إلى بيته .
فلقيته في الطريق امرأة ضعيفة متقدمة في السن ذات هيئة رثة فاستوقفته .
فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها ومازال واقفاّ يكلمها .
والذي بعثه بالحق نبياً ، لم يدر وجهه عنها ولم يعطها ظهره ولم يتركها حتى كانت هي التي قطعت الحديث واستدارت وتركته قائما .
يقول عدي رضي الله عنه فقلت ويل أمك يا عدي .
أنت لا تقف مع ملك من ملوك الدنيا فليس هذا من فعل الملوك .
ثم دخل بيته وقدمني بالدخول "يعني تفضل"
فتناول وسادة فقذفها إلي وقال إجلس على هذه .
فقال عدي رضي الله عنه بل إجلس أنت
فقال ﷺ بل أنت إجلس إنما أنت الضيف والكرامة للضيف .
يقول عدي رضي الله عنه فجلست عليها وجلس ﷺ متربعاً على الأرض .
فقلت : هذه أخرى يا عدي وهل الملوك تجلس على الأرض ؟
الملوك تجلس على العروش وحاشيته حوله .
فقال النبي ﷺ لي مرحباً يا عدي بن حاتم . كيف أنت ؟
وأخذ يحدثني .
يقول عدي فلما استأنست معه بالحديث....
رفع رأسه إلي
وقال يا عدي أسلم تسلم .
فقلت . إن لي ديناً .
قال أنا أعلم بدينك منك ، ألست ترأس قومك ؟
قلت . بلى .
قال ألست نصرانين ركوسين
"يعني تخلط بعبادتك النصرانية وعبادة الأصنام "
قلت . بلى
قال ألست تأكل المِربَاع ؟ "أي ربع غنائم الحرب"
قلت . بلى .
قال فإن ذلك لا يحل لك في دينك .
قال عدي رضي الله عنه فتضعضعت لذلك .
و أخذ يعد لي أشياء عني كأنه كان يعيش معي .
ثم قال لي يا عدي بن حاتم أسلم تسلم.
فإنه ما يمنعك أن تسلم وتدخل في هذا الدين قلة أهله وكثرة عدوه .
"يعني أنا أعلم لماذا نفسك تمنعك أن تسلم"
ألا والذي نفسي بيده يا عدي ، ليوشكن أن ترى القصور البيض "أي قصور كسرى وفارس" قد فتحت على أيديهم "أي الصحابة" وجاست بها خيل المسلمين .
يا عدي . إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين خصاصة تراها من حولي .
"اي حاجة وفقر الصحابة رضي الله عنهم الذين حول النبي ﷺ
ألا والذي نفسي بيده ليوشكن أن ترى الغلمان يطفون بالمال لا يقبله أحد .
ولا يأخذ منه شيء .
بل يزيدون عليه حتى يرجع لبيت مال المسلمين أكثر مما خرجوا به .
وتوشك الظعينة "أي المرأة على البعير في الهودج" أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت .
يقول عدي رضي الله عنه وأخذ ﷺ يعدد لي كل شيء في نفسي كان يحجبني عن الإسلام .
ثم قال يا عدي . أسلم تسلم .
فقلت : بأبي وأمي أنت يا رسول الله كيف علمت عني كل هذا ؟
فقال لي يا عدي إنما أنت تجلس مع نبي ورسول ليس مع ملك من ملوك الدنيا .
فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
وأسلم عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه

ويحدث عدي هذا الحديث للتابعين فلقد عاش عدي 140 عام .
لقد بقي لخلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشهد المعارك مع علي بن أبي طالب رضي الله عنهما كلها .
واستشهد علي رضي الله عنه وبقي عدي على قيدالحياة .
فهو يحدث التابعين ويقول لهم والذي بعثه بالحق لقد عشت حتى رأيت اثنتين من نبوءات النبي ﷺ .
وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز .
ودخلت بخيلي قصور كسرى وجمعنا غنائمها .
وها أنا رأيت المرأة تخرج من الحيرة حتى تؤم بيت الله الحرام لا تدخل بجوار أحد ...

وأحلف بالله لترون الثالثة وترون الغلمان يطوفون بالمال لا يقبله أحد ولا يأخذ منه شيء بل يزيدون عليه حتى يرجع لبيت مال المسلمين أكثر مما خرجوا به .
و لعلها قد حقق الله الثالثة في زمن الخليفة الراشد :
عمر بن عبد العزيز" رضي الله عنه

فلقد رأى من بعدك من التابعين الغلمان تخرج من بيت مال المسلمين بالمال يطوفون على الناس فلا يقبله أحد بل يزيدون عليه ... في ظل الخليفة الراشد العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله .....

✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....













[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة بعد المئتان 204
غزوة تبوك . الجزء الأول .

في بداية العام التاسع كان "عام الوفود"
فيه مجيء القبائل العربية لمبايعة النبي ﷺ على الإسلام
الوفود لم تنحصر في عام واحد فمنذ فتح مكة إلى حجة الوداع والوفود تأتي إلى المدينة تعلن إسلامها...
ولكن كتب السيرة جعلت لهذا العام هذا الإسم عام الوفود ....
ومع مجيء هذه الوفود خاصة التي تسكن على أطراف بلاد الشام ....
حملت هذه القبائل أخبار للنبي ﷺ أن الإمبراطورية الرومانية تحشد جيوشها لغزو الجزيرة
وكان ذلك في منتصف العام التاسع تقريباً...

وصلت إلى النبي ﷺ هذه الأخبار التي هي في غاية الخطورة
وهي أن الإمبراطورية الرومانية قد حشدت جيوشها من الروم والغساسنة العرب الموالين لها لغزو الجزيرة العربية حتى يصلوا إلى المدينة المنورة ...

وجاءت الأخبار إلى أن هذه الجيوش قد وصلت إلى منطقة "البلقاء" وهي المنطقة الموجودة الآن في شمال غرب الأردن .
وسبب حشد هذه الجيوش هو خوف الإمبراطورية الرومانية من التصاعد السريع لقوة الدولة الإسلامية والرغبة في كسر شوكة المسلمين قبل أن يستفحل خطرها وتهددها في عقر دارها .

وكذلك الرغبة في الإنتقام من الإنتصار الذي حققه المسلمون في "مؤتة" قبل هذا التاريخ بعام واحد ....

ونزل الأمر الإلهي بقتال الروم .
قال تعالى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً .
ومعنى يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ يعني أقرب الكفار من دياركم .
والروم في الشام هم أقرب الكفار إلى المسلمين .

نحن نتكلم عن السنة التاسعة من الهجرة وقد بلغ حبيبنا ﷺ من العمر 62 عام .

كان الروم يريدون أن يسبروا غورا المسلمين وأن يروا ماذا ستكون ردة فعلهم .

اتخذ النبي ﷺ القرار السريع والحاسم بالخروج لقتال الروم في الشام قبل أن يتحركوا هم في إتجاه المدينة .
مع أن الجيش الذي سيظل في مكانه سيتمتع بميزة هامة .
وهي أن الجيش الآخر سيصل إليه مرهق .
لأن المسافة بين المدينة وبين الشام طويلة جدآ تزيد عن 1000 كم في صحراء قاحلة وطرق وعرة وحرارة شديدة جداً

ومع ذلك اتخذ النبي ﷺ القرار بالزحف في إتجاه الشام برغم علمه ﷺ بأن هذا التحرك سيفقده هذه الميزة النسبية
وعلمه ﷺ أن جنود الروم والغساسنة لا يتحملون التوغل في الصحراء هذه المسافة الطويلة وفي هذه الحرارة العالية ....

وكان السبب في ذلك هو أن عدد كبير من القبائل بين المدينة وبين الشام قد دخلت في الإسلام .
فلو بقي النبي ﷺ في المدينة وترك هذه القبائل في مواجهة الجيوش الرومانية .
فهذا معناه التدمير الكامل لهذه القبائل .
والنبي ﷺ ليس مسؤلاً عن أمن المدينة فقط .
ولكنه مسؤولاً عن أمن الجزيرة كلها .
وسبب آخر هو أن مجرد تحرك جيش المسلمين في الجزيرة العربية هو تدعيم للقوة وسلطان المسلمين في الجزيرة .

أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم بالتجهز للقتال ....
كما أرسل إلى القبائل العربية التي دخلت في الإسلام وبعث إلى مكة وقبائل العرب ليستنفرهم للقتال ....
ولأول مرة يعلن ﷺ وجهة الجيش .
وكان من عادته ﷺ أن يخفي وجهة الجيش حتى يفاجأ أعدائه .
ولكن في هذه الغزوة لم يخفي وجهة الجيش لعدة أسباب .

١- أن المسافة بعيدة جداً والطرق وعرة والحر شديد .
فينبغي أن يستعد المسلمون لذلك بتجهيز المؤن وغيرها .
لدرجة أن النبي ﷺ أمر أن يصحب كل رجل معه نعلان .
وكذلك تجهيز أنفسهم نفسيا لهذه الغزوة الشاقة .

٢- أن الجيش به عدد كبير من الأعراب الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم .
فكان لابد من الإعلان حتى لاتحدث معارضة من هذه الإعداد الكبيرة بعد الخروج .

٣- إن إخفاء الجيش في هذه الغزوة أمر صعب جداً نظراً لضخامة الجيش وبعد المسافة .
فإذا حاول المسلمون إخفاء الجيش فغالباً لن ينجحوا .

حث النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم على الصدقات لتجهيز الجيش .
فتسارع الصحابة رضي الله عنهم في الصدقة ....
وكان لأغنياء الصحابة رضي الله عنهم نفقات عظيمة كالعباس بن عبد المطلب وطلحة بن عبيد الله ومحمد بن مسلمة وعاصم بن عدي وغيرهم الكثير .
وتصدق "عبد الرحمن بن عوف" بنصف ماله .
وكانت حوالي 24 كيلو من الفضة تقريباً..

وقد تصدق "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه بنصف ماله كذلك وكانت ثلاثة آلاف درهم .
يقول عمر رضي الله عنه أمرنا النبي ﷺ أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي .
فجئت بنصف مالي وقلت . اليوم أسبق أبا بكر الصديق رضي الله عنه
فجاء عمر رضي الله عنه ووضع هذا المال بين يدي النبي ﷺ .
فقال النبي ﷺ ما أبقيت لأهلك ؟
فقال عمر رضي الله عنه . مثله .
ثم أتى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وتصدق بأربعة آلاف درهم .
فقال له النبي ﷺ ما أبقيت لأهلك ؟
فقال أبو بكر . أبقيت لهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
فقال عمر رضي الله عنه لا أسابقك إلى شيء أبداً...

وتصدق فقراء المسلمين بما يقدرون عليه .
حتى أن بعضهم مثل "أبو عقيل" رضي الله عنه تصدق ببعض التمر

وبعثت النساء بحليهن من خواتم وخلاخل حلق وغير ذلك يشاركن بتجهيز هذا الجيش .

أما أكبر من أنفق في هذا اليوم فهو "عثمان بن عفان" رضي الله عنه
يقول عبد الرحمن بن حباب رضي الله عنه : شهدت الرسول ﷺ وهو يحث على جيش العسرة .
فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه
فقال : يا رسول الله . عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله .
"بأحلاسها وأقتابها يعني بكامل عدتها"
فنزل النبي ﷺ درجة من على المنبر ثم حض على الجيش .
فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال . يا رسول الله عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله .
فنزل النبي ﷺ درجة ثانية على المنبر .
وكان نزول النبي ﷺ من على المنبر حركة عملية يقوم بها حتى يشعر الصحابة رضي الله عنهم أن تجهيز الجيش قد اقترب إكتماله...
حتى أنه ﷺ على وشك ترك المنبر وتوقف حثه للصحابة رضي الله عنهم على الصدقة .
ثم حض على الجيش
فقام عثمان بن عفان فقال . يا رسول الله . عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله حتى شنق أسقيتهم .
"وعاء الشرب كان من الأدم أي الجلد فإذا ملئت بالماء لا بد لها من حبل خاص يربطها .
فكانوا يصنعون لها الرباط من الشنق المقوى حتى لاتنفلت فيضيع الماء .
يعني: علي تجهيز الجيش حتى رباط وعاء الماء .
فنزل النبي ﷺ من على المنبر الدرجة الثالثة وهو يقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ، ماضر عثمان ما عمل بعد اليوم .

أنفق الصحابة رضوان الله عليهم الكثير من المال
ومع كل هذه النفقة فلم تكفِ الأموال لتجهيز كل من أراد الخروج للجهاد في هذا الجيش .
فلم يكن عند المسلمون الأموال لشراء أبعرة "مراكب" تكفي كل المسلمين .
فكانوا يأتون إلى النبي ﷺ من لايملكون المال للجهاد من فقراء المسلمين .
يقولون . يارسول الله احملنا
فيطرق رأسه صلوات ربي وسلامه عليه
ويقول لهم والذي نفسي بيده لا أجد ما أحملكم عليه .
وبعض هؤلاء عندما ردهم النبي ﷺ بكى من شدة الحزن
ومن هؤلاء "علبة بن زيد" رضي الله عنه الذي خرج من المسجد وهو يبكي .
ثم ذهب إلى بيته وأخذ يصلي طويلاً في الليل
ثم رفع يده مناجيا الله تعالى
وهو يقول اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أحمل عليه .
وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها في مال أو جسد أو عرض .

وقد سجل لهم القرآن العظيم هذا الحزن النبيل
وقد أطلق على هؤلاء "البكائيين" وقيل أن عددهم سبعة
لماذا يطلق عليهم البكائين .
كانوا يبكون لأنهم لايجدون ما يحملهم على الجهاد في سبيل الله .
قال تعالى يصف حالهم .
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ .
يقول عثمان رضي الله عنه فلما تولوا وأعينهم تفيض من الدمع ، رق النبي ﷺ لهم ودمعت عيناه .
فوثب العباس رضي الله عنه وقال : أحمل منهم إثنين
وقام رجل اسمه "ياميز بن عمرو الضمري }} رضي الله عنه أصله يهودي من بني النضير وقد أسلم وحسن إسلامه ."
قال . وأنا أحمل إثنان .
قال عثمان رضي الله عنه فقلت للثلاثة الذين بقوا وأنا أحملكم ، فحمل السبعة .
ولما رأى عثمان رضي الله عنه ذلك إنطلق إلى داره
"وحسب المسألة في عقله .
اليوم كنا جلوساً فجاء سبعة فاعتذر لهم النبي صلى الله عليه وسلم فتداركنا الموقف فلعله يأتي غيرهم ونحن لسنا جلوسا عنده فماذا يصنع النبي صلى الله عليه وسلم هل يبقى يعتذر ؟
فقال : فأتيت داري وحملت في كمي .
وحملت في كمي 1000 دينار ذهبية وأتيت بها إلى المسجد .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فجاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مازال في المسجد يحدث أصحابه رضي الله عنهم
وقال عثمان رضي الله عنه : بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
يأتيك الضعفاء من الناس فحتى لا تعتذر إليهم أضع هذه بين يديك .
وأخذ عثمان رضي الله عنه بكمه وهر الدنانير الذهبية في حجر النبي ﷺ .
وهو يقول : أضع هذه بين يديك حتى تحمل منهم من شئت .
وظن الناس أنه يحمل عشرين أو ثلاثين من الدنانير الذهبية .
فمازال عثمان يهر ويهر من كمه حتى أصبح كوماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم

يقول الصحابة رضي الله عنهم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فيها ونظر في وجه عثمان رضي الله عنه
ثم أخذ يقلبها بيديه وهو يقول :
ما على عثمان ما صنع بعد اليوم .
لا يضر عثمان ما صنع بعد اليوم .
ليصنع عثمان ماشاء بعد اليوم .
"يعني ما فعله كفارة لكل ذنوبه الماضية والآتية أيضاً
وهذه بشارة بحسن الخاتمة

وأخذ يدعو لعثمان رضي الله عنه ويقول اللهم أرض عن عثمان فإني عنه راض .

عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال .
رأيت رسول الله ﷺ من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعاً يديه الكريمتين يدعو لعثمان بن عفان يقول . اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه.....
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.....
يتبع بإذن الله تعالى.....














[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة بعد المئتان 205
غزوة تبوك . الجزء الثاني .

قام عبدالله بن سلول "رأس المنافقين" فجمع الناس في فناء داره وكان هو كبير الخزرج
وكان يعرف بالنفاق .
فجمع الذين على شاكلته فبلغ عددهم حوالي 300 منافق .

"أيام النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابة رضي الله عنهم في 300 منافق .

جمع ابن سلول رهطه من المنافقين وجلس يحدثهم
قال : يغزو محمد بني الأصفر
يقصد الروم .
و لماذا إسمهم بني الأصفر ؟
أكثر من قول للعلماء في كتب السيرة .....
١ - لأن أغلبهم لون بشرتهم وشعرهم أشقر قريب للصفار ..

٢ - لأنهم يتعاملون بالذهب في كل شيء.....

٣ - لأنهم من سلالة "روم بن العيص بن إسحاق نبي الله عليه السلام" وكان يسمى الأصفر لصفرة به "

قال : يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحرّ والبلد البعيد
"أي ما لا طاقة له به"
والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال ولا أرى محمد ينقلب إلى المدينة أبدا....

كان يقول ذلك الكلام ليحبط الناس حتى يتخلفوا في الخروج مع رسول الله ﷺ
إنا لنخشى الروم ونحن في ديارنا أنذهب إلى ديارهم ؟

"لقد أورث "ابن سلول" هذا المعتقد في المنافقين إلى أيامنا هذه"

هكذا يكون اسلوب المنافقين في الكلام تماماً قلوبهم كقلب كبيرهم الذي أورثهم النفاق "ابن سلول"

قال ابن سلول هذا وبثه في عقول أصحابه من المنافقين

وقد سطر القرآن الكريم أقوالهم بالتفصيل في سورة "التوبة" .
وتسمى أيضاً سورة "الفاضحة
لأنها فضحت المنافقين وسطرت قول كل واحد منهم ما يقول .
ولو أراد الصادقون من الصحابة رضي الله عنهم أن ينقلوا بالكلام ما قاله المنافقين لن ينقلوه بالدقة التي جاء بها القرآن الكريم

فأخذا المنافقون يطلبون الإذن من النبي ﷺ بعدم الخروج للقتال ويتعللون بعلل واهية
من هؤلاء مثلاً :
الجد بن قيس "مناف"
وكان له ابن اسمه "عبدالله" مؤمن صادق من الصحابة رضي الله عنهم فجاء "الجد" إلى النبي ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم في مسجده جالس بين أصحابه رضي الله عنه
قال : تأذن لي يارسول الله هذه المرة أن أجلس في المدينة وأن لا أرتحل ؟
فقال له النبي ﷺ وهو يبتسم إنك موسر يا جد فتجهز ، تجهز في سبيل الله .
فقال الجد : يا رسول الله إني ذو ضبعة وقومي يعلمون ذلك .
"الضبعة هي شدة الشهوة إتجاه النساء.... فأخاف فتنة نساء بني الأصفر.... فلا أصبر....

يقول الصحابة رضي الله عنهم فتربد وجه النبي ﷺ
"ظهر عليه الغضب" ثم أعرض بوجهه الشريف عنه وهو مغضب
وقال له : قد أذنت لك فلا تخرج .
فلما خرج "الجد" من المسجد قام إبنه عبدالله رضي الله عنه المؤمن الصادق وتبعه....
فتبعه وهو يعلم أن أبوه منافق
ولكن قال له بكل أدب: يا أبتي لما تعتذر لرسول الله وقد أكد عليك وقال لك مرتين تجهز تجهز ؟
فكيف تخالف رسول الله وتعتذر له بما ليس فيك ؟
أي تعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم بحجج كاذبة"
فقال له أبوه : يا بني أيحسب محمد : لم يقل رسول الله هذا شعار المنافقين"
أيحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب ، لكأني أنظر إلى أصحابه مجدلين بالحبال
نفس كلام معلمه ابن سلول

فقال إبنه مستغرباً . أبتاه .. هذا شعار المنافقين ....
فصرخ أبوه في وجهه وقال :
أنا أعلم منك بالدوائر .
"أي أعرف أكثر منك كيف تدور الأمور "
فقال له إبنه عبدالله رضي الله عنه والله إن هذا لهو النفاق بعينه .
فما كان من أبوه إلا خلع نعله وضرب به وجه إبنه عبدالله رضي الله عنه
ومع ذلك بقي الولد متأدبآ بتأدب القرآن الكريم ...
قال تعالى :
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا .

فقال رضي الله عنه : إني والله لا أرد عليك بشيء .
ولكني أرجو أن ينزل الله بك قرآن يتلى إلى قيام الساعة
فأنزل الله تعالى فيه قوله :
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ .
"لا تفتني يعني لا تبتليني برؤية نساء بني الأصفر"

فلما نزلت الآية
قال عبد الله رضي الله عنه :ألم أقل لك ؟
فقال له : اسكت يالكع . فوالله لأنت أشد عليّ من محمد .

وفي رواية أخرى أن "الجد بن قيس" لما امتنع وأعتذر .
قال للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن أعينك بمالي ...
فأنزل الله تعالى .
قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ...

هكذا كان ﷺ يأذن لهؤلاء المنافقين ....
لأن النبي ﷺ لا يريدهم في الجيش لأنهم يثبطون الجيش .
ولكن الله تعالى عاتب المصطفى ﷺ لأنه أعطى الإذن لهؤلاء .
فقال تعالى :
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ♡ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ♡ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ♡

بدأ بالعفو قبل المعاتبة لكي لا يؤلم قلب حبيبه ﷺ بالمعاتبة
فلو قال له لم أذنت لهم . عفا الله عنك لكانت ثقيلة على قلب حبيبه ﷺ .
بدأ بالعفو قبل المعاتبة

فالله تعالى يقول للنبي ﷺ ما كان ينبغي أن تأذن لهم .
لأنك إذا لم تأذن لهم واصروا على القعود فستعلم الصادق من الكاذب ....
و ليس هذا فحسب .
كان المنافقون يحاولون تثبيط المسلمين عن النفقة فعندما يجدون أحد أغنياء المسلمين يتصدق بالأموال الكثيرة
يقولون . ما فعل هذا إلا رياء .

وعندما يتصدق بعض الفقراء بالأموال القليلة
يقولون : إن الله لغني عن هذه الصدقة .
فعندما تصدق "عبدالله بن عوف" رضي الله عنه بنصف ماله
قالوا . ما أعظم رياءه .
وعندما تصدق أحد الصحابة رضي الله عنهم وكان فقير :
" عقيل " رضي الله عنه تصدق ببعض التمرات
فقالوا إن الله لغني عن صدقة هذا .

فنزل قول الله تعالى في سورة التوبة .
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
"يلمزون يعني يعيبون .
"الْمُطَّوِّعِينَ" أصلها المتطوعين بالتاء ولكنها أدغمت التاء في الطاء"

وكان المنافقون يتجمعون في بيت رجل يهودي اسمه "سويلم" ويثبطون الناس عن الخروج والغزو .
ويتعللون بشدة العدو والحر الشديد ويقولون أن الوقت هو وقت جني الثمار .
قال الله تعالى مخبرآ عنهم .
وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ .
بشرهم بنار جهنم .
وهذا درس هام جداً من دروس السيرة وهو التعامل بحسم شديد مع من يريد أن يهدم أركان الدين و الدولة .

تجهز جيش المسلمين :
وبلغ تعداد الجيش 30 ألف مقاتل
وعشرة آلاف فرس .
وأطلق على هذا الجيش "جيش العسرة"
لأن الخروج في هذا الجيش كان أمر عسير وشاق

والجزاء دائماً على قدر المشقة
فمن يصوم في الصيف ليس كمن يصوم في الشتاء .
والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه ليس كمن يقرأه بسهولة .

والذي أطلق عليه "جيش العسرة" هو القرآن العظيم .
يقول تعالى .
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ .

أسباب الصعوبة الشديدة في الخروج إلى تبوك .
كان الخروج في هذا الجيش هو أصعب مرة خرج فيها المسلمون لأسباب كثيرة ....
١ - قوة العدو وشدته وتفوقه في العدد والعدة فكان عددهم 100 ألف .
٢ - بعد المسافة أكثر من 1000 كم تقريباً.

٣ - قلة المؤن من الطعام والشراب .

٤ - قلة " المراكب" من خيل وجمال ودواب .

٥ - أن الوقت الذي خرج فيه الجيش هو وقت جني الثمار .
والمدينة بلد زراعي وأغلب أهله يعملون بالزراعة .

خرج النبي ﷺ على رأس الجيش وكان عمره ﷺ كما قلنا في هذه الغزوة شديدة الصعوبة 62عام وكان خروج الجيش في يوم الخميس غرة رجب من السنة التاسعة .
واستعمل النبي ﷺ على المدينة "محمد بن مسلمة" رضي الله عنه
وخلف النبي ﷺ على أهله "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه

حتى هذا الموقف لم يتركه المنافقون فقالوا أنه ترك عليا رضي الله عنه في المدينة لأنه استثقله
فلحق علي رضي الله عنه بالجيش وذكر ذلك للرسول ﷺ
فقال له النبي ﷺ كذبوا إنما خلفتك لما تركت ورائي .
فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك . فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .


تناول القرآن الكريم لغزوة تبوك .
نزل القرآن العظيم يسجل هذه المواقف في سورة التوبة
يقول تعالى :
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (82) فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (87) لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (91) وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94)
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة بعد المئتان 206
غزوة تبوك . الجزء الثالث .
الخروج إلى تبوك .

تجمع جيش المسلمين وكان عدده 30 الف للخروج لقتال الروم في الشام .
قبل أن يتحرك الروم في إتجاه المدينة .....
وخرج الجيش من المدينة في يوم الخميس غرة {{رجب}} من السنة التاسعة من الهجرة
وكانت هذه هي أصعب غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
لأن المسافة بعيدة جداً تصل إلى حوالي 1000 كيلو متر في صحراء قاحلة وطرق وعرة
والحرارة شديدة جداً....

ليس هذا فحسب بل كان هناك عدد قليل من المراكب .
فكان كل ثلاثة أو أربعة أو أكثر يتعاقبون على بعير واحد .

ومعنى هذا أن كل رجل في الجيش يسير على قدميه حوالي 700 كم تقريباً
رضي الله عن الصحابة أجمعين

عسكر النبي ﷺ بالجيش بالقرب من المدينة وانطلق الجيش
وأخذ المنافقون ينسحبون واحداً تلو الاخر .
فكانوا يتخلفون عن الجيش ويعودون إلى المدينة .
فكان كلما تخلف واحد ورأه الصحابة رضي الله عنهم يقولون يا رسول الله تخلف فلان "يعني رجع"
فيقول النبي ﷺ دعوه . إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم . وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه .
عبارة واضحة دعوا الأمور لله تعالى نحن لا نحكم على الناس بالنفاق والكفر إنما أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ....
و هكذا طوال الطريق ....

وبعد مسيرة ثلاثة أيام من المدينة تأتي قصة الصحابي الجليل "أبا ذر الغفاري" رضي الله عنه...
يقول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عندما أمر النبي ﷺ لغزوة تبوك كنت أعلم أن راحلتي ضعيفة...
قال: فعلفته ثلاثة أيام علف شهر حتى لا يعيقني .
فلما انطلق الجيش ركبته وانطلقت معهم حتى إذا كنا على ثلاث مراحل من المدينة أعياني بعيري ...
فجلست أعالجه .
فلما يأست منه تركته
وقبل أن يتم لنا {{ أبو ذر }} رضي الله عنه قصته لننظر حينما تأخر عن الجيش ، وهو يحاول أن يعالج بعيره ماذا كان ؟؟
رأى الصحابة رضي الله عنهم
من كان آخر الجيش ان "أبا ذر" رضي الله عنه قد جلس وتأخر ولم يلحق بهم
فأخبروا النبي ﷺ أن "أبا ذر" رضي الله عنه قد تخلف و تأخر
وإذا بالنبي ﷺ يكرر المقولة نفسها التي قالها عن المنافقين
دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم .
يقول أبو ذر رضي الله عنه فجلست أعالج بعيري .
فلما أعياني تركته باركاً في الصحراء وأخذت متاعي ووضعته على ظهري ولحقت مشياً بالجيش على قدماي ..

فلما كانوا على مقربة من تبوك
استراح الجيش وكان الصحابة رضي الله عنهم قلقون على "أبي ذر رضي الله عنه
فأخذوا يراقبون الطريق لعل "أبا ذر رضي الله عنه يلحق بهم...
فنظروا من بعيد فإذا برجل يسير على قدميه ومتاعه على ظهره ..
فقال أحد الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يشير بأصبعه بإتجاه الرجل من بعيد
ويقول : كن أبا ذر . كن أبا ذر فلما اقترب وتبين الصحابة قالوا : يا رسول الله الله أكبر هو والله أبو ذر رضي الله عنه
فقال النبي ﷺ : رحم الله أبا ذر . يمشي وحده ويموت وحده . ويبعث يوم القيامة أمة وحده .
قدم "أبو ذر" رضي الله عنه وقد جف ريقه من العطش و تسلخت قدماه من المشي على الرمال الحارة ...
وقد أتعبه حمل متاعه على ظهره وهو يتلهف أن يلحق بالنبي ﷺ
يقول الصحابة رضي الله عنهم فاقترب وجلس بين يدي النبي ﷺ .
وهو يقول : يا رسول الله استغفر لي .
قال له النبي من أي شيء ؟
قال : أعياني بعيري فعالجته حتى يإست منه .
فتركته في الصحراء وحملت متاعي على ظهري حتى لحقت
فاستغفر لي عن هذا التأخر .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فذرفت عين النبي ﷺ .
وقال : لقد حط الله عنك يا أبا ذر في كل خطوة مشيتها سيئة وكتب لك حسنة ورفعك بها في الجنة درجة .

وقد حقق الله نبوءة النبي ﷺ في "أبا ذر" رضي الله عنه
في خلافة "عثمان بن عفان" رضي الله عنه خرج "أبو ذر" رضي الله عنه ورحل من المدينة عندما بدأت تظهر الفتن وارتحل إلى الطريق الذي يؤدي للعراق
وعلى مسيرة ثلاثة أيام من المدينة ... نصب له خيمة هناك وليس معه إلا زوجته وخادم له
وكان إذا احتاج شيء أخذه من القوافل في الطريق .
وحضرته الوفاة ذات ليلة وليس عنده إلا زوجته وخادمه .
فقال لزوجته إذا أنا مت فضعيني عند باب الخيمة وقفِي وانظري إلى أول مار بالطريق .
فقولي له هذا صاحب رسول الله قد مات فجهزه وصلي عليه .

وعند الضحى فاضت روحه الكريمة رضي الله عنه .
فصنعت زوجته وخادمه كما أوصى...
وضعوه عند باب الخيمة ووضعوا عليه الستار .
ثم أخذت زوجته ترقب الطريق
ويا سبحان الله عندما يكرم الله رجل يحبه .... وإذا براكب من بعيد مقبل من جهة العراق ومعه رهط من الرجال .
فلما اقترب نظرت إليه زوجة "أبا ذر رضي الله عنهم
وقالت : ابن مسعود رضي الله عنه....

فقالت له : ابن مسعود ؟
قال : أجل ما شأنكم ؟!!
قالت : هذا "أبا ذر" صاحب رسول الله ﷺ .
ولقد حضرته نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وها هو قد مات وحده .....
وقد أوصاني أول مار في الطريق فليجهزه وليصلي عليه ....
فنزل ابن مسعود رضي الله عنه وقبله بين عينيه ...
ثم غسله ومن معه من أصحابه رضي الله عنهم
واستخرج مما معهم من ثوب أبيض وكفنه وصلى عليه ابن مسعود رضي الله عنهم
ثم دفنه ورجع إلى المدينة مع زوجته وخادمه ...
وأخبر ابن مسعود رضي الله عنه أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه.... فقال عثمان رضي الله عنه لقد مات "أبو ذر" رضي الله عنه وحده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وسيبعث يوم القيامة وحده كما قال النبي ﷺ

وكان ممن تخلف عن مسيره مع رسول الله ﷺ
الصاحبي الجليل "أبا خثيمة" رضي الله عنه .

يحدثنا أبا خيثمة عن نفسه
يقول : عندما مضى النبي ﷺ بالجيش قلت في نفسي :
أني في إستعداد وفي سعة فإذا انطلق الجيش انطلقت
يقول : فبقيت في داري في المدينة ولم أعسكر مع الجيش
فلما انطلق الجيش ...
قلت : ألحق بهم آخر النهار فأنا على إستعداد ....
فغلبتني نفسي ونمت تلك الليلة في داري .
فلما كان النهار مضيت في بعض شأني ثم عدت إلى حائطي ...
وكان عندي زوجتان وكان يوماً حارا... فلما دخلت حائطي وجدت زوجتاي في عريشتين لهما في حائط قد رشت كل منهما عريشتها ....
وبرّدتا فيها ماء وهيأتا طعاماً وترجو كل واحدة منهم أن اكون نزيلها ....
وكان يوماً شديد الحر ....
فلما دخلت نظرت إلى زوجتي وما صنعتا....
فقلت : رسول الله خير خلق الله وخاتم رسله مع خيرة صحبه تحت حر الشمس وعسيف الرمال يسير في سبيل الله في الحر .
وأباخثيمة في ظلّ بارد وماء مهيأ وإمرأة حسناء ؟؟؟
ما هذا بالنصف.... وماهذا من شعائر الإيمان والله .
ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئا لي زادآ ففعلتا...
ثم ركب بعيره وأخذ سيفه ورمحه ثم انطلق يلحق رسول الله ﷺ حتى أدركه حين نزل بتبوك ....
فلما دنا أبا خثيمة رضي الله عنه
قال الناس : هذا راكب مقبل .
فقال النبي ﷺ كن أبا خثيمة .
فقالوا :يا رسول الله هو والله أبا خثيمة رضي الله عنه
فلما أناخ أقبل يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يقول : يا رسول الله استغفر لي لقد كان من أمري كذا وكذا . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصته ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فرفع النبي ﷺ إليه رأسه
وقال له أولى لك يا أبا خثيمة .
فسمع منه صلى الله عليه وسلم ودعاء له رضي الله عنه

أما حال الصحابة رضي الله عنهم وهم في طريقهم إلى تبوك فقد دخلوا في جوع وعطش شديدين .
فلقد كانت المؤن قليلة جداً حتى كان الرجلين يقسمان التمرة بينهما .
وكان النفر يتداولون التمرة بينهم ، يمصها هذا ، ثم يمصها هذا ثم يمصها هذا .
واضطر الصحابة رضي الله عنهم إلى أكل ورق الشجر حتى تورمت شفاههم .
ثم نفذ الماء وأصاب الجيش عطش شديد .
يقول أحد الصحابة رضي الله عنهم حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع .

وبدأ الصحابة رضي الله عنهم من شدة العطش ينحرون الأبعرة "البعير" ويعصرون ما في بطونها من فرث ليشربوه .
مع قلة الأبعرة وحاجتهم الشديدة إليها...

يقول عمر رضي الله عنه خرجنا في حر شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش ....
حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على صدره .
فشكوا ذلك للنبي ﷺ ...
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه للنبي ﷺ يا رسول الله قد عوّدك الله من الدعاء خيراً فادع الله لنا ....
قال أتحب ذلك يا أبا بكر ؟
قال : نعم .
ورفع يديه ﷺ فلم يرجعهما حتى أرسل الله سحابة فمطرت حتى إرتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون إليه .
وكانت تلك السحابة لم تتجاوز المعسكر ....
وكان رجلاً من الأنصار قال لآخر متهم بالنفاق بينهم ويحك قد ترى .... فقال هذا المنافق : سحابة مارّة وانتهت ....
فأنزل الله تعالى :
وتجعلون رزقكم . أي بدل شكر رزقكم أنكم تكذبون . أي حيث تنسبوه للطبيعة...
تجمعت السحب في السماء ونزل المطر ....
فسقوا وارتوا وسقوا أنعامهم ببركة دعاء الحبيب المصطفى ﷺ .
ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله لو جمعنا ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها ....
فجاء المسلمون بكل ما بقي لهم من طعام ....
فبارك النبي ﷺ، عليها حتى ملأ الزاد والطعام كل المعسكر .

ومر الجيش في سيره على منازل "ثمود" قوم نبي الله صالح عليه السلام ...
وقد أخبر القرآن العظيم أن قوم صالح قد أهلكوا في هذه المنطقة ...
وهذه المنطقة بها أبيار للمياه ...
فأسرع المسلمون وشربوا وملؤا أوعيتهم بالماء وعجنوا العجين بهذا الماء ليصنعوا خبزآ يأكلوه بعد طول جوع ...
ولكن المفاجأة أن النبي ﷺ قد أمرهم بأمر شاق جداً يتركوا هذا المكان وما فيه.....
وأيضاً أمرهم النبي ﷺ ألا يدخلوا ديار قوم "ثمود" إلا باكين تأثراً بما حدث لهم عندما خالفوا أمر الله عز وجل....
فقال لهم النبي ﷺ لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم ....
وقنع النبي ﷺ رأسه بالثوب وغطاه وأسرع بالمسير ولم يدخل ....

هذا الكلام ينطبق على كل آثار باقية لقوم أهلكوا بسبب معصيتهم
لا يسعى المسلم لدخول هذه الأماكن .... وإذا دخلها لا يدخلها في فرح وسرور وإنما يدخلها في بكاء وتأثر وتذكر وتدبر ...
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....








[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة بعد المئتان 207
غزوة تبوك . الجزء الرابع .
حال المنافقين .

تخلف عن النبي ﷺ رهط من المنافقين وهم في طريقهم لغزوة تبوك ....
ولكن بقي بين ظهر المسلمون عدد من المنافقين خرجوا معهم رغبة ورهبة ....
رغبة في الغنائم فهم على يقين بأن النبي ﷺ سينتصر إن لقي حرباً .
ورهبة من أن يفتضح أمر نفاقهم
ونختار نموذجين عن هؤلاء المنافقون

النموذج الاول ....
عندما كان النبي ﷺ في طريقه لغزوة تبوك .
الجيش كما قلنا تعداده 30 ألف بخيلهم وإبلهم .
ويكاد الرجل من ضجيج الجيش لا يسمع من بجانبه .
فجلس النبي ﷺ يستريح ثم أذن بالرحيل .
فكان ثلاثة من المنافقين يجلسون في خيمة واحدة ومتاعهم مع بعض
فختموا جلستهم هذه قبل الرحيل بغيبة لرسول الله ﷺ
أما اسمائهم :
  • الوديعة بن ثابت
  • الجلاس بن عمرو
  • مخشن بن حمير
الثلاثة كانوا في رحل واحد يتكلمون مع بعضهم والنبي ﷺ كان في آخر الجيش .

فقال وديعة بن ثابت: لقد صدق والله ابن سلول
أتحسبون أن جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً والله لكأني بكم غداً مقرنين في الحبال ....
"يقول هذا الكلام إرجافاً وترهيباً للمؤمنين"فأخذ القوم يضحكون...

فقال جلاس : وكان معه فتى قد ناهز الحلم يعني عمره 12 أو 13 إسمه "عمير" كان يتيم و تزوج الجلاس أمه فأصبح "عمير" ربيبه فكان متعلق به و لا يرتحل إلى مكان إلا إصطحبه معه وكان عمير فتى مؤمن يحبه النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً و يداعبه ....
فكان عمير هذا جالساً معهم
فقال الجلاس :
قال مجيباً لوديعة :
والله لئن صدق محمدٌ ، لنحن شر من الحمير.
"يعني إذا طلع محمد صادق أنه نبي مثل مايقول فنحن أقل منزلة من الحمير"
فأجابه الفتى اليتيم "عمير" الذي هو في كفالته
قال بلغة المؤمن الصادق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم
مجيباً زوج أمه وكافله
قال : أنت شر من الحمير وإن لرسول الله صادق ...
فتدارك "مخشن بن حمير" الموقف حين أجاب هذا الفتى الصغير بهذه اللهجة ورأى أن هنالك عناية ربانية تجعل الصغير لا يخشى بقول كلمة الحق
فقال مخشن بن حمير :
والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مئة جلدة.
وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه .
"يعني لو هذا الولد وصل للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قلناه أحب إلي أن اجلد ولا ينزل فينا من الله قرآن يتلى .
وإذا بالنبي ﷺ وهو بآخر الجيش يقول لعمار بن ياسر رضي الله عنه :
قم يا عمار بن ياسر أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا .
فقال الصحابة رضي الله عنهم متعجبين . من يارسول الله ؟
فسماهم النبي ﷺ بأسمائهم .
قم يا عمار بن ياسر أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا .
فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا .
وقال فلان كذا .
وأجابه فلان بكذا .
وقل لهم أنا محمد رسول الله .
فانطلق إليهم عمار وهو يشق صفوف الناس حتى أدرك الثلاثة قبل أن يرتحلوا .
فقال لهم عمار رضي الله عنه : قفوا مالحديث الذي دار بينكم تنتقصون فيه رسول الله ؟
فقالوا . ماقلنا شيئاً
وأقسم الجلاس والله ما قلنا شيء .
فقال عمار . لا بل قلت يا فلان كذا وقلت يا فلان كذا .
"واخبرهم بما قالوا بالتفصيل"
فقام "وديعة بن ثابت" يجري وراء رسول الله ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته .
فجعل يتعلق بناقة النبي ﷺ يريد الإعتذار .
فلم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه ومضى في سيره .
فأمسك بحقاب الناقة وأخذ يجري خلف النبي ﷺ
وهو يقول : يا رسول الله . اسمعني اسمعني . إنما كنا نخوض ونلعب ...
فلم يقف له النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستمع له
وإذا بالراحلة التي يركبها النبي ﷺ تثقل وأخذت تمشي ببطء ولم تعد تقوى على المشيء
فوقف الناس وعلموا أنه يوحى إلى الحبيب ﷺ .
وإذا بجبريل عليه السلام ينزل بثلاث آيات من سورة "التوبة"
قال تعالى :
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ .
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ .
قل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ .

فبعد نزول الآيات جاء إلى النبي ﷺ "مخشن بن حمير" وجلس بين يدي النبي ﷺ وهو خجل مطرقاً رأسه إلى الأرض مشرقاّ وقد تاب إلى الله توبة صادقة
وهو يقول: بأبي وأمي أنت يا رسول الله ، والله ما قلت إلا خيراّ .
"صحيح كان هناك حديث بس أنا اللي طلع مني خير"
ولقد رجوت أن اجلد مئة جلدة ولا أن ينزل بي قرآن يتلى إلى قيام الساعة .
فنظر إليه النبي ﷺ نظرة رضا وهو مبتسماً .
وقال لقد أنزل الله قرآن وأنت ممن عفى عنك .
فقال مخشن . يا رسول الله ، لعله قعد بي اسمي واسم أبي .
فأنا مخشن بن حمير وإن لكل مسمى من اسمه نصيب .

فقال له النبي ﷺ مبتسما لا عليك فأنت بعد اليوم "عبدالرحمن"
فتسمى عبد الرحمن واستثني هذا من قائمة المنافقين .

التوبة الصادقة إلى الله تجب ما قبلها

وسأل "عبد الرحمن" هذا الله تعالى أن يقتل شهيداً و لا يعلم الناس بمكانه .
فقتل يوم اليمامة ، فلم يجد الناس له أثر .
فلقد صدق الله في توبته رضي الله عنه.

النموذج الثاني ....

مضى النبي ﷺ في طريقه لغزوة "تبوك" واستراح ليلاً .
وانطلقت الإبل في الوادي .
فلما كان وقت الرحيل افتقدوا ناقة النبي ﷺ فلم يجدوها .
فلم يتحرك أحد من الجيش .
وأخذ الصحابة رضي الله عنهم يبحثون عن ناقة النبي ﷺ وهي ناقته "القصواء"
طال البحث عنها ولم يجدوها .
وكان النبي ﷺ جالسٌ في خيمته ومعه صحابي جليل عقبيا بدريا
"عقبي أي ممن شهدوا بيعة العقبة قبل الهجرة . بدري ممن شهدوا بدر .
وكلا الوصفين كان علم في حسن القدوة بين الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون فلان عقبي أو بدري أي من خيرة الصحابة .
فهذا الصحابي يجمع بين الوصفين .
كان النبي ﷺ جالس في خيمته ومعه الصحابي "عمارة بن حزم" رضي الله عنه .
أما في خيمة عمارة رضي الله عنه كان يجلس فيها أصحابه الذين كانوا مع عمارة يرحل معهم ويمشي معهم وينام معهم فكانوا يجلسون في خيمته
وعمارة رضي الله عنه هذا كان جالس مع النبي ﷺ في خيمة النبي صلى الله عليه وسلم

فكان يجلس في خيمة عمارة رجل من أصحاب عمارة أصله "يهودي من بني قينقاع" ولكنه أسلم نفاقاً إسمه "زيد بن اللصيت"
قال زيد بن اللصيت وهو في رحل عمارة :
وعمارة كما قلنا عند رسول الله ﷺ
قال : ياللعجب أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء ، ويخبرنا عن ما مضى وبما هو آت وهو لا يدري أين ناقته ؟
هذا الحديث يجري في هذا الخيمة وخيمة النبي صلى الله عليه وسلم بعيدة عنها

يقول عمارة رضي الله عنه فما راعنا إلا والنبي ﷺ يتغير وجهه و هو يقول وعمارة عنده :
إن رجلاً منافقاً في خيمة وأشار بإصبعه بعيداً يقول .
هذا محمد يخبركم أنه نبي ، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته .
وإني والله لعبد الله ورسوله . و ما أعلم إلا ما علمني الله .
وها هو أخي جبريل قد حضر يعلمني أين الناقة ، وقد دلني الله عليها .
وهي في هذا الوادي ، في شعب كذا وكذا ، قد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها .
فذهبوا . فجاءوا بها .
فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال لأصحابه
والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله ﷺ آنفا .
"يخبرهم بفرح بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو لا يدري من القائل هو أراد أن يخبرهم لتقوية الإيمان عندهم ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم

إذا به يتغير وجهه ويشير بأصبعه ويقول إن منافقآ في خيمة يقول كذا وكذا .
تماماً كما قال زيد بن اللصيت
وأخبر أصحابه عن مكان الناقة فانطلقوا فوجدوها كما قال واحضروها .
فقال رجل ممن كان في رحل عمارة والله ما قام من مجلسنا رجل واحد .
وإن "زيد" والله هو من قال هذه المقالة قبل أن تأتي .
فوثب عمارة على زيد مغضبا يجأ في عنقه...
وهو يقول: إلي عباد الله إن في رحلي لداهية وما أشعر .
"يعني معي في خيمتي منافق وأنا لا أعلم "
اخرج عدو الله من رحلي ، فلا تصحبني بعد اليوم ساعة واحدة
وأخرجه من خيمته .

تجهز النبي ﷺ للرحيل ...
وقبل أن ينطلق الجيش أمر رجل من أصحابه صوته جهوري أن ينادي بالجيش .
حتى يسمع الجيش كله يقال إنه عمه العباس رضي الله عنه
قال . نادي بالجيش وقل لهم
ألا إن رسول الله يقول لكم إنكم مشرفون على تبوك غداً إن شاء الله تعالى .
وستصلون إليها عند الضحى فمن سبقنا إليها فلا يقرب ولا يمس أحد ماءها حتى أحضر .

"لأن تبوك سبب تسميتها هو عين الماء الذي فيها كما يقال...
فهي عين ماء ضعيفة "تبك الماء بكا" لذلك سميت تبوك .
نسبة لعين الماء التي فيها فهي "تبك الماء بكا" أي لا تكاد تسقي الراكب الواحد .
يعني إذا شرب رجل انتظر الآخر ساعة بعده حتى يشرب فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لايقرب أحد الماء حتى يحضر ويبارك فيه .
هذا الحديث رواه "مالك ومسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده رحمهم الله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.

فلما وصلوا أحاط الجيش بهذه العين ينتظروا النبي ﷺ
فلما وصل ترجل عن راحلته ونظر إلى البئر إلى عينها
وقال هل مس الماء منكم أحد ؟
فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم أجل يارسول فلان وفلان "وكانوا من المنافقين"
قال معاذ رضي الله عنه فنهرهما النبي ﷺ وقال لهما ماشاء الله له أن يقول "توبيخا وتأديبا"
ثم قال لينزل منكم رجل يجمع لي ما أمكن من الماء .
"كانت العيون يجعلون حولها بئراً واسعاً وكبيراً حتى إذا نزلت الأمطار تتجمع فيها"
فنزل رجل وأحضر له من ماءها
يقول معاذ رضي الله عنه فغسل ﷺ فيه يديه ثم غسل وجهه ، ثم مضمض فيه ثم أرجعه للوعاء ثم أعطاه للرجل :
وقال له : خذ وأدر الماء في العين .
فأخذ الرجل الوعاء وأداره في العين ....
يقول معاذ رضي الله عنه ففارت الماء وعلت ولها أذيذ كأن الماء إنفجر من الأرض إنفجاراً
فما أدركنا الرجل حتى أخرجناه قبل أن يغرق حتى إمتلأ الحوض وجلسنا على حفافه نغرف بأيدينا ....
فقال ﷺ أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .
ثم نظر لمعاذ رضي الله عنه وقال يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ههنا ملىء جنانا وبساتين .
"يشير إلى أرض تبوك"
وتبوك لم تكن مدينة بل كانت أرض صحراء ذات رمال .
وهي اليوم قد امتلئت جنان وبساتين .. بل يطلق عليها تبوك الورد

ونحن نقول نشهد أن لا إله إلا الله ، ونشهد أنك رسول الله .

اللهمَّ صَلِّ وَسَـلِّمْ على نَبِيِّنَـا
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...






[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة بعدالمئتان 208
غزوة تبوك . الجزء الخامس .
تحقق النصر وانسحاب الروم .

قبل غزوة تبوك وفي الطريق إليها توفى أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه {{ ذو البجادين }}
وهو من قبيلة {{ مزينة }}
هذا الصحابي رضي الله عنه عندما أسلم جرده أهله من كل أمواله، حتى جردوه من ثيابه، وكانوا يعلمون شدة حيائه .
فأخذ بجاد "والبجاد هو كساء غليظ مخطط"
فأخذ بجاد وشقه واتزر به وذهب إلى المدينة المنورة
ووصل ودخل المسجد النبوي
فصلى الصبح مع النبي ﷺ .
فبعد إنتهاء النبي ﷺ من الصلاة أخذ يتصفح وجوه أصحابه
فلما رآه قال له : من أنت يا فتى ؟
فقال . أنا عبد العزى
فقال له النبي ﷺ بل أنت عبد الله .
ثم قال له إنزل قريباً منا .
[[وأطلق عليه الصحابة رضي الله عنهم ذو البجادين ]]
و صحب النبي ﷺ وكان كثير العبادة وكثير قراءة القرآن الكريم

فلما كانت غزوة تبوك خرج مع النبي ﷺ ثم أصابته حمى ومات رضي الله عنه.
يَقُولُ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه :قُمْتُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَرَأَيْتُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ .
فَاتَّبَعْتُهَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم وَإِذَا عبد الله ذو البجادين المزني قَدْ مَاتَ .
وإذا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يحفر
ثم قال أَدْلِيَا لِي أَخَاكُمَا .
ثم وضعه الرَسُولُ ﷺ بيده وقال رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتَ لَأَوَّابًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ .
يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه "لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ"
وكان "ذو البجادين" رضي الله عنه هذا الشاب الصغير أحد الذين نزل النبي ﷺ بنفسه إلى قبورهم رضي الله عنه.

وصل المسلمون أخيراً إلى تبوك
وكانت المفاجأة أن الجيوش الرومانية العملاقة التي تحكم وتسيطر على نصف العالم القديم تقريباً قد فرت إلى داخل بلادها عندما علمت بقدوم النبي ﷺ
كيف فرت جيوش الإمبراطورية الرومانية العملاقة وهي الدولة الأولى في العالم في ذلك الوقت وبرغم تفوقهم الكبير على المسلمين في العدد والعدة والتاريخ والخبرات القتالية وتدريب الجنود ؟
إنه قوله تعالى :
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا .

فحين علمت الرومان بقدوم 30 ألف مسلم وعلى رأسهم محمد رسول الله ﷺ .
قارنت هذا الوضع بالمواجهة التي كانت في "مؤتة" منذ عام واحد
وكيف كان التفوق لصالح المسلمون
وكيف كان عدد القتلى من الرومان أكثر من المسلمين برغم أن عددهم كان 3000 مقاتل فقط....
"يعني عُشْر العدد الموجود في تبوك، ولم يكن معهم النبي ﷺ
ولذلك كان قرار الرومان هو الإنسحاب المخزي أمام النبي ﷺ والصحابة الكرام رضي الله عنهم

إنسحب الروم هذا الانسحاب المخزي ولم يعتدي النبي ﷺ على القبائل العربية المقيمين في "تبوك" التي كانت قد تحالفت مع الروم مثل "لخم وجذام"

لم يهدم بيوتهم ولم يأسرهم ولم يقتل النساء والأطفال والشيوخ ولم يهدم لهم بنيان

لم يعتدي النبي صلى الله عليه وسلم على أحد وبقي النبي ﷺ معسكرا 20 يوماً كاملاً .
مع أن عادة الجيوش المنتصرة في ذلك الوقت هي البقاء في أرض المعركة 3 أيام فقط ليثبت أنه الجيش المنتصر .

وأخذ ﷺ يبث العيون حتى لا يكون للعدو خطة ....
"يعني يكون إنسحابهم خدعة ثم الهجموا على المسلمين فجأة"

فلما إطمأن النبي ﷺ بأنه لا يوجد لهم تجمع وأنه قد داخلهم الرعب والخوف والهلع...
قال ﷺ : لقد نصرت بالرعب مسيرة شهر .

يقذف الله تعالى الرعب في قلوبهم منه ﷺ قبل وصوله إليهم بشهر"
ثم أراد الحبيب المصطفى ﷺ، أن يوجه رسالة للروم وحلفائها من العرب ....
فكان من أتباع الروم ملك يسمى "ملك دومة الجندل"
دومة الجندل كانت تدين النصرانية وموالية للرومان قريبة من تبوك عليها ملك قد نصبه هرقل حاكماً .
"العرب في الجاهلية لا تستطيع أن تنصب نفسها فالذي يضع ويخلع هم الروم"
ذلك الملك إسمه "أكيدر بن عبدالملك الكندي" وضعه هرقل ملك على دومة الجندل .
حتى إذا ما خالف هرقل ذيل آخر من العرب .... يسلط هذه الأذناب من العرب بعضها على بعض ويبقى الروم متفرجون .

أراد النبي ﷺ أن يوجه لهم رسالة بأن يأدب لهم ذيل من أذيالهم .
فأرسل له النبي ﷺ سرية قوامها 420 فارساً بقيادة "خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى دومة الجندل ....
قال لخالد رضي الله عنه : إذهب لدومة الجندل وأتني بملكها أكيدر حياً لاتقتله .
قال : فإن قاتلني يارسول الله وتحصن في حصنه ؟
فقال له الصادق المصدوق ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى .
قال يا خالد إنك ستجده يصيد البقر‏ خارج حصنه فخذه على غرة .
إنطلق خالد وبين عينيه نبوة رسول الله ﷺ .
حتى إقترب من "دومة الجندل" وارتقب دخول الليل وكانت ليلة صائفة مقمرة
فجلس خالد ومعه رضي الله عنهم يرقبون الحصن .
وكان "أكيدر" مع زوجته على سطح ذلك الحصن يسمر ليلاً وحوله القينات ....
"المغنيات و الراقصات بلغة عصرنا نسميهم فنانين و نجوم"
سمعت زوجته صوت البقر وقد جاء البقر الوحشي يحك قرونه في باب الحصن .

كان أكيدر هذه الليلة لم يخرج للصيد وهو على سطح الحصن يسمر فساق الله تعالى له البقر الوحشي إلى باب حصنه وأخذت تحك بقرونها باب الحصن .
فاطلت زوجته وقالت له متعجبة : أي أكيدر !!
هل رأيت مثل هذا ؟ !!
فنظر "أكيدر" على الأبقار من سطح الحصن
قال : لا !! لطالما أعددت لها الخيل وهي الآن تأتي إلى باب الحصن ؟
قالت . فهل يترك هذا ؟
قال . لا .
فأمر بفرسه وخرج ومعه نفر من أصحابه...
خرج معه أخاه وولي عهده وإسمه "حسان" وأخذ في مطاردة البقر .
فأخذت البقر تجري إلى الجهة التي فيها "خالد" ومن معه .
فتبعها "أكيدر" فتلقته خيل "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
ودار قتال محدود إنتهت بأسر "أكيدر" وقتل أخيه "حسان" وفر من معه من رجاله إلى الحصن وأغلقوا الأبواب....

وكان أخوه "حسان" الذي قتل يرتدي ثيابا من الحرير مشغولة بالذهب "أي مخاطة بالذهب"
وفي عنقه صليب من ذهب
"لأنهم كانوا يدينون بالنصرانية"
فأمر خالد من معه أن يسلب القتيل ، فأخذوا سيفه وثيابه وصليبه الذهبي ....
ثم قال "لأكيدر" فلتأمر رجالك ليفتحوا أبواب الحصن الآن .
فقال "أكيدر" . يا خالد إذا رأى قومي ملكهم أسيراً مجدلاً في الحبال ، لن يفتحوا أبواب الحصن ....
ولن يطيعوه لأنه أصبح أسيراً
فإن شئت أن تتم الأمور ولك علي ذمة الله
"لأنه نصراني يؤمن بالله"
قال : ولك علي ذمة الله وعهده أن أصالحك مقابل حقن دماء قومي ....
ولكن فك قيدي يا خالد حتى يسمع قومي قولي .
قال له خالد لك ذلك
ففك قيده وتقدم "أكيدر" إلى الحصن ونادى من على أسواره من الحراس :
أنا أكيدر افتحوا لي باب الحصن .

ففتحوا له باب الحصن
"رجل عاقل . لأن فعلاً لو رأى قومه ملكهم مربوط بالحبال هل يطيعوه ؟
ففتحت أبواب الحصن دون أن تراق قطرة دم واحدة .
فدخل "خالد" وصالح "أكيدر" على شيء من سلاح ومال مقابل حقن للدماء .
وعلى أن يسير معه إلى النبي ﷺ "لأن النبي ﷺ قال لخالد أحضره إلي"
وجاء به خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي ﷺ .
وكان "خالد" قد أمر بعض أصحابه أن ينطلقوا بما سلب من حسان من سلاح وثوبه الحرير المشغول بالذهب ويسبقوه إلى تبوك حيث النبي ﷺ هناك

ليبشروا النبي ﷺ بقدوم خالد ومعه ملك دومة الجندل "أكيدر"
فوصلوا إلى النبي ﷺ ووضعوا بين يديه ما سلب عن "حسان"

يقول الصحابة رضي الله عنهم ومنهم "عمر بن الخطاب" في رواية هذا الحديث "والحديث متفق عليه"
قال . فأخذنا نتلمس ذلك الثوب من الحرير الذي سلب عن حسان ونعجب منه لنعومته وكيف طرز بالذهب ....
فقال النبي ﷺ أتعجبون من هذا ؟؟
وأشار بيده إلى ذلك الثوب الحريري .
قلنا : نعم يا رسول الله
قال والذي نفسي بيده لمناديل "سعد بن معاذ" في الجنة يمسح بها يديه ويلقيها أحسن من هذا وأعز .
كلنا أصبحنا نعلم من هو سعد بن معاذ رضي الله عنه
هو سيد الأوس الذي استشهد في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة .
الذي اهتز لموته عرش الرحمن .
الذي له مواقف كثيرة أثلجت صدر النبي ﷺ

فجاء خالد ومعه "أكيدر" .
وكان عليه لباس الملوك وثياب من حرير وفي عنقه صليب من ذهب .
فكان له هيبة الملوك .
فلما دخل "أكيدر" على رسول الله ووقع نظره على الحبيب المصطفى ﷺ .
أرتعدت فرائصه وخر "أكيدر" ساجداً بين يدي رسول الله "كما يفعلون للأكاسرة والأقاصرة"
فأشار النبي ﷺ بيديه وهو يقول لا ، لا ، لا تفعل . إنما أنا عبدالله ورسوله ، لا ينبغي السجود إلا لله .
فجلس أكيدر يحدث النبي ﷺ وصالحه على دفع الجزية .
وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً وجعله ملكاً على قومه كما كان .
وخلى سبيله ولكن ولائه يكون لدولة الإسلام لا لدولة الروم .

فلما سمع ملوك وأمراء الشام بما حدث مع الملك "أكيدر"
أتى ملوك وأمراء مدن الشام الذين يجاورون الجزيرة العربية والموالين للإمبراطورية الرومانية لمصالحة النبي ﷺ على الجزية
بعد أن أدركوا أن أسيادهم القدماء قد ولت أيامهم
وكان من الذين جاءوا "يحنَّة بن رؤبة"
وهو صاحب مدينة "آيلة" العقبة الآن من جهة فلسطين يحتلها اليوم إخوة القردة والخنازير .

وكذلك جاء أهل "جرباء"
وأهل "أذرح"
وهكذا أحكم النبي ﷺ سيطرته على كامل شمال الجزيرة العربية .
وأصبحت حدود الدولة الإسلامية ملامسة لحدود الإمبراطورية الرومانية .
وفقدت الإمبراطورية الرومانية حلفائها في شمال الجزيرة العربية .
كما سقطت هيبة الدولة الرومانية سقوطا مدوياً .

ومهد هذا للفتوحات الإسلامية في بلاد الشام التي تمت بعد ذلك في عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه...
ورجع النبي ﷺ من "تبوك" في "رمضان" من السنة التاسعة .

وفي طريق العودة كما قلنا الطريق من تبوك للمدينة أرض صحراء وحرارة الشمس شديدة
فأصابهم العطش والتعب والهوان "فلا طعام ولا ماء رمال الصحراء تعسف بهم"
وأخذ المنافقون يستغلون هذه الظروف ...

فقال المنافقون وهم يسخرون من هذا الجيش وهذا الخروج ويسخرون من كبار الصحابة رضي الله عنهم "كعثمان وعبدالرحمن بن عوف" الذين أنفقوا أموالهم لهذه الغزوة .
يقولون : أنفقتم أموالكم فلا أنتم قاتلتم ولا أنتم غنمتم فعلى أي شيء أنفقتم ؟

وهكذا ، من هذه الأقوال فإذا زجرهم الصحابة رضي الله عنهم يقولون ندردش نخوض ونلعب .
فأذاقهم الله عطشاّ شديداً .

وكان النبي ﷺ لا يكشف النقاب عن المنافق بغية ثلاثة امور :
١- رجاء أن يحسن إسلامه فيحقق الله في النبي ﷺ من قوله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

٢- من أجل أن لا يؤذي أقاربهم من الصحابة رضي الله عنهم من ذوي الايمان .

٣- حتى لا يخرجوا من صفوف المسلمين علانية وينضموا إلى العدو فيكثر عدد أعدائنا .

فهيأ الله السبب للنبي ﷺ لعله يعظهم فيزدادوا إيماناً .
فاشتد بهم العطش في أرض صحراء لا ماء بها .
فاشتكى الصحابة لرسول الله العطش .
فقال هل معكم شيء من ماء ؟
فجمعوا له مقدار قدر "وعاء صغير"
فقال لهم احضروا لي وعاء من أوعيتكم التي تسقوا بها دوابكم .
"كانوا يحملون للخيل والإبل في السفر أوعية من أدم اي من جلد تكون مثل ما نسميه اليوم طشت ولكن كبير من كبرها يستطيع أن يقف حولها 100 أو 200 رجل"
فأخذوا يفرشوا وعاء من الجلد ثم تحلقوا حوله .
يقول الصحابة رضي الله عنهم والحديث في الصحاح الستة

لقد أحاط بذلك الإناء أكثر من مئتي رجل لا يزاحم رجل منهم الآخر
فأخذ النبي ﷺ الإناء الصغير الذي فيه الماء
"المنافقون ينظرون من أين سيأتينا بالماء ؟؟
لم يدعوا الآن فتأتي سحابة تمطر . ولا هنالك عين لتتفجر منها المياه"
فوضع يده ﷺ اليمنى في ذلك الوعاء الصغير فما ستر الماء جلدة يده .
ثم قرأ ماشاء الله له أن يقرأ
ثم دعا بما فتح الله عليه من دعاء ثم نفث بين أصابعه
قالوا : ففارت أربعة عيون من الماء بين أصابعه صلى الله عليه وسلم... تنبع من بين أصابعه وتسكب في ذلك الوعاء الكبير
ثم قال استقوا واملؤا أسقيتكم .
فأخذنا نملأ بضع نهار حتى استقينا وسقينا دوابنا وملأنا أوعيتنا والماء يفور من بين أصابعه ﷺ ونحن ننظر .
ثم قال هل بقي لكم من حاجة من ماء ؟
قلنا . اللهم لا .. قد إكتفينا يا رسول الله .
فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأني عبدالله ورسوله .
ثم قبض يده فتوقف نبض الماء .

فقال الصادقون من الصحابة رضي الله عنهم لبعض من لمسوا منهم النفاق
ويلكم ألم يكفيكم هذا ؟؟
فماذا أجابوهم ؟؟
قالوا : بلغنا عن أهل الكتاب أن موسى قد ضرب الحجر بعصاه فانبثقت منه اثنتا عشرة عيناً .

قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)

عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)

الآيات تكشف صفات المنافقين وتأتي سياق الآيات
ومنهم ، ومنهم ، ومنهم .
ويسطر الله مقولة كل واحد منهم .
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....











[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة بعد المئتان 209
العودة من تبوك ومحاولة قتل النبي ﷺ .

الله عزوجل أنزل آيات من سورة التوبة تفضح المنافقون .
فأحس المنافقون أنه سيكشف النقاب عنهم ولم يبقى إلا أن يذكرهم بأسماءهم وأسماء آباءهم ....

وكان هنالك 12 منافق وعلموا أن للنبي صلى الله عليه وسلم موقف و شأن مع المنافقين بعد نزول هذه الآيات فأتمروا ليلاً
واتفقوا على أن يقتلوا النبي ﷺ غيلة وكان ﷺ من سنته إذا كان متجهاً إلى غزوة يسير في طليعة الجيش في المقدمة .
أما إذا كان راجعاً من غزوة يسير في آخر الجيش
ويقول : خلوا ظهري للملائكة وسيروا بين يدي .
يمشي آخر الجيش ويكون حوله بعض أصحابه رضي الله عنهم
فقالوا: نقتله غيلة فإنه يسير في آخر الجيش وعند الظلام .
وكان النبي ﷺ لطبيعة الحر يحب السير ليلاً و يستريح نهاراً
قالوا : نقتله غيلة فإنه يسير في آخر الجيش وعند الظلام ثم نختلط بين الناس في الظلام فلا يعلم أحد من قتله ومن إغتاله

أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على مؤامرتهم وكان يبعد عن المدينة مسيرة يوم وليلتين ....
"لأن الليلة تسبق اليوم يعني هذه الليلة المقبلة ثم يوم غد والليلة التي سيدخل فيها المدينة إن شاء الله تعالى
فلما أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على مؤامرتهم .
أراد أن يكشفهم حتى لا يلام فيهم ....
فلما إنطلق للسير ليلاً أقبل على وادٍ متسع يسير فيه الجيش
وكان على يمين هذا الوادي طريق ضيق يقال له العقبة .
"الطريق الذي فيه صعود حاد ثم ينحدر يقال له عقبة"
فأمر ﷺ "حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه وكان يقود ناقة النبي ﷺ أمره أن ينادي في الجيش ...
إن رسول الله ﷺ يأمركم أن تسلكوا الوادي .
وإنه آخذٌ في العقبة "أي سيصعد العقبة" وحده فلا يتبعه أحد ، فإن الوادي أيسر لكم وأسهل .
فهمس المنافقون بعضهم لبعضٍ وقالوا هذه فرصتنا ...
"يعني لن يخالفه احد من أصحابه رضي الله عنهم
سيسلكون الوادي ، وسيسلك النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وحده ، ومعه حذيفة رضي الله عنه يقود ناقته"
قالوا : هذه فرصتنا نتبعه ثم نزحمه في الطريق فنلقيه عن ناقته في الوادي فيتردا ثم نختلط بين الناس فلا يعلم كيف مات فيقولوا عثرت به ناقته .
النبي ﷺ أطلعه الله تعالى بكل هذا عن طريق الوحي
فسلك النبي ﷺ العقبة وكان معه إثنان من أصحابه فقط .
"حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه يقود ناقة النبي ﷺ .
"وعمار بن ياسر" رضي الله عنه كان خلف ناقة النبي ﷺ لأنها عقبة حادة كان يلتقط بعض المتاع إذا سقط .
فلما كان الليل وكان النبي ﷺ في وسط العقبة تلثم المنافقون حتى يتخفوا تماماً .
والوقت ليل وفي أول شهر
فالليل ظلام دامس"
تلثم المنافقون وتبعوا النبي ﷺ في العقبة .....
فلما كانوا على قرب منهم أحس بهم ﷺ وكان من عادته لا يلتفت ....
"لا يلتفت كما يفعل الناس برأسه .
فكان إذا أراد أن يلتفت ﷺ إلى الوراء وقف واستدار إستدارة كاملة بجسده .
والآن هو على الناقة لا يمكنه الإستدارة"
فقال : من القوم يا حذيفة ؟؟
لقد قلت لا يتبعني أحد .

فلما علموا أن النبي ﷺ قد أحس بهم أسرعوا بالسير وراء النبي صلى الله عليه وسلم
فجفلت الناقة التي يركبها النبي ﷺ واهتز بعض متاع النبي ﷺ
فسقط بعض متاع النبي ﷺ كالسوط وآلة الوضوء وبعض ما يحتاجه في الركوب ....
سقط بعض متاعه ولكن الله ثبته على راحلته فلم يؤذى
فترك خطام الناقة حذيفة رضي الله عنه وأخذ محجناً يضرب وجوه رواحلهم وهويقول: دونكم دونكم يا أعداء الله ورسوله .
وأخذ عمار بن ياسر رضي الله عنه أيضاً يدافع عن النبي ﷺ
فخاف المنافقون وانهزموا وانحدروا سريعاً إلى الوادي واختلطوا في الناس .
فقال النبي ﷺ : اعرفتهم يا حذيفة ؟؟
قال: لا والذي بعثك بالحق ولكني عرفت بعض رواحلهم .
العرب عندهم فراسة في معرفة الرواحل يقولون ناقة شهباء يقولون ناقة حمراء حمر النعم يقولون ناقة دهماء وهكذا .
قال . عرفت بعض رواحلهم .
قال أتعلم ماذا كانوا يريدون ؟؟
قال :لا والذي بعثك بالحق .
قال عزموا على أن يلقوا رسول الله من على راحلته حتى يقتل ثم يختلطون بين الناس فيقولون عثرت به ناقته .
ومضى النبي ﷺ وسار حتى أتم العقبة ثم انحدر إلى الوادي .
وكان قد إنتهى الليل وقارب الفجر ....
فامر أن يعرس الناس "يعرس أي أن يستريحوا ويناموا"
حتى كان الفجر ....
فصلى بهم رسول الله ﷺ الفجر في أرض برحة "واسعة"
ثم إستقبل الناس بوجهه ثم أمر حذيفة رضي الله عنه أن ينادي من منكم تبع النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة ؟
فلم يتكلم أحد
فقال النبي ﷺ :
إن في اصحابي اثنا عشرة منافقاً قد تبعوا محمد رسول الله في هذه الليلة إلى العقبة وعزموا أن يلقوه عن ناقته ثم يزعموا أنه قد عثرت به ناقته ، ولكن هموا بما لم ينالوا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .
منهم ثمانية منافقين من إثنا عشر اللهم أرميهم بالدبيلة .
قالوا : وما الدبيلة يا رسول الله ؟
قال سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم .
المرض المعروف بلغة عصرنا حزام الناري قد يصيب الإنسان في وسطه أو بين كتفيه"
نسأل الله تعالى السلامة و العافية.

فوثب "أسيد بن حضير" وهو من سادة الأنصار وعقبي ممن بايع النبي ﷺ يوم العقبة وكان أحد النقباء
فقال أسيد رضي الله عنه بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
أطلعنا عليهم ما دام الله قد أطلعك فلتقم كل عشيرة إلى صاحبها فتضرب عنقه فلا يطالب به أحد .
فقال النبي ﷺ لا يا أسيد .
قال : فداك أبي وأمي أطلعنا عليهم .
فوالذي بعثك بالحق لا تقوم من مقامك حتى تكون رؤوسهم بين يديك .
فقال له النبي ﷺ إني أكره أن يقول الناس إن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم .
فقال : يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحابك .
فقال رسول الله أليس يظهرون الشهادة .

ثم أخبر النبي ﷺ "حذيفة بن اليمان ." رضي الله عنه
فقال يا حذيفة سأطلعك على أسماءهم وأسماء آباءهم ولكن اكتم عليهم ذلك .
حتى تنصح من يلي أمركم بعدي ، بأن لا يركن إليهم ولا يوكل إليهم أمرا .

"وهذه نبوة لحذيفة رضي الله عنه بأنه سيطول عمره"
فذكرهم النبي ﷺ لحذيفة رضي الله عنه...
وكما قلنا في الجزء السابق
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكشف النقاب عن المنافق
بغية ثلاثة أمور :
١ - رجاء أن يحسن إسلامه فيحقق الله في النبي ﷺ من قوله .
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .
٢ - من أجل أن لا يؤذي أقاربهم من الصحابة رضي الله عنهم من ذوي الإيمان.
٣ - حتى لا يخرجوا من صفوف المسلمين علانية وينضموا إلى العدو . فيكثر عدد أعدائنا

ولكن جاء الأذن من الله عزوجل أن يكشف النقاب عن كل واحد منهم إذا مات المنافق :
قال تعالى .
وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ..
فكان ﷺ إذا مات منافق لا يصلي عليه ﷺ .
فإذا قربت جنازته في المسجد للصلاة عليه وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم عن إسمه :
قال النبي ﷺ : صلوا على صاحبكم .
و يخرج النبي ﷺ من المسجد ولا يصلي عليه .
فإذا رأى الصحابة ذلك علموا أن هذا الميت كان منافقا ومات على نفاقه ....
فبعد أن يموت فلما يعد لنا أي مطمع في الأسباب الثلاثة التي ذكرناها .
١- مات فلا نرجو حسن إسلامه .مات على نفاقه .

٢- بعد الموت ماذا سيضر أهله وأقاربه مات على النفاق مثله كمثل من مات مشركا من قبل .

٣ - مات فلن يكثر الأعداء .

إنطلق ﷺ حتى إذا كان على مقربة من المدينة .
وكان من سنته ﷺ لا يدخلها ليلاً أبداً... صلى الله عليه وسلم.

✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...












[‏: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العاشرة بعد المئتيين 210
حرق مسجد الضرار ...

انطلق ﷺ حتى إذا كان على مقربة من المدينة وسيدخلها غداً
كان من سنته ﷺ لا يدخلها ليلاً أبداً... فكان إذا دنى منها وكان بينه وبينها ساعة من زمن نام خارج المدينة وأرسل البشائر بأنه قدم... ليستعد الناس للقاء ذويهم
ويدخلها عندما ترتفع الشمس وقت صلاة الضحى ...

فبات النبي ﷺ خارج المدينة
ثم إنتدب إثنين من الصحابة رضي الله عنهم وهما "مالك بن الدخشم" و "معن بن عدي"
ليبشروا الناس بقدوم الجيش و ليحرقوا مسجد "الضرار"
كان المنافقون قد بنوا مسجد قريب من قباء وطلبوا من النبي ﷺ أن يصلي فيه قبل خروجه لتبوك ....
فقال لهم النبي ﷺ إنا على سفر ولكن إذا رجعنا صلينا فيه إن شاء الله .
وكان المسجد قد فتح وصلي به قبل تبوك ....
"وقدر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخله ولا يصلي فيه
وعندما سألهم الناس لماذا إتخذتم مسجداً آخر قبال مسجد قباء ؟
قال المنافقون: إتخذناه للمريض والشيخ المسن والليلة المطيرة
[يعني ليس كل الناس تستطيع أن تذهب لصلاة خمس صلوات في مسجد قباء .
فأتخذنا هذا المسجد في وسط هذا الحي قريبآ من بيوتنا لكي يصلي به المريض والشيخ المسن ....
وإذا كانت ليلة فيها مطر صلينا به لأنه قريب ...
ولكن الحقيقة كانت غير ذلك

وقصة هذا المسجد :
أنه كان في المدينة قبل هجرة النبي ﷺ رجل إسمه "أبو عامر" كان قد تنصر قبل هجرة النبي ﷺ وكان من سادة الأنصار .
وعلم أن هذا الزمان زمان نبي فترهب وتنسك طمعاً في أن يكون هو هذا النبي .
وأطلق عليه أهل المدينة "أبو عامر الراهب"
فلما بعث النبي ﷺ وهاجر إلى المدينة خاب ظنه
وحقد على النبي ﷺ ورفض الإسلام وزاد حقده بعد نصر المسلمين في بدر
ثم ذهب إلى قريش وأخذ يشجعهم على حرب النبي ﷺ حتى خرجت قريش لغزو المدينة في أحد ...
وقبل بداية المعركة تقدم بين الصفوف وأخذ ينادي على الأوس حتى يخذلوا النبي ﷺ
وهو يقول : أنا أبو عامر الراهب
ولكن الأنصار سبوه وقالوا له بل أنت أبو عامر الفاسق فلما انتهت المعركة ...
لحق بهرقل قيصر الروم يستنصره على النبي ﷺ
فوعده هرقل وأقام عنده .
وأخذ يراسل المنافقين في المدينة ويعدهم بأنه سيأتي بجيش هرقل لغزو المدينة
ثم أمر أتباعه من المنافقين أن يبنوا مسجداً ليكون مقراً لهم .
وقال لهم : اتخذوا لكم مسجداً ظاهره لإقامة الصلاة وحقيقته تعقدون به أمركم وتتشاورون حتى لا يطلع عليكم أصحاب محمد.
فإذا أعددتم سلاحاً ورجالاً جئتكم بمدد من الروم فأخرجناه هو وأصحابه من المدينة .

فكان هذا المسجد الذي أمرهم به "أبو عامر الفاسق"
حقيقته ليقوموا من خلاله ببث أفكارهم الهدامة ونشر فتنهم في المدينة ... وحتى يقدم عليهم فيه من يقدم بكتبه إليهم وحتى ينزل فيه عندما يأتي .
وبالفعل بنوا مسجدا بجوار مسجد قباء .
وقالوا للرسول ﷺ لقد بنيناه للضعفاء ...
وطلبوا من النبي ﷺ أن يقدم للصلاة فيه حتى يعطوا شرعية للمسجد .
كان ذلك قبل خروج النبي ﷺ إلى "تبوك"
فعصم الله تعالى النبي ﷺ من الصلاة فيه
وقال لهم: إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله .

فلما كان النبي ﷺ في طريق عودته من "تبوك" نزل جبريل عليه السلام وأخبر النبي ﷺ بخبر هذا المسجد ...
وأنهم أرادوا به التفريق بين المؤمنين وعقد المؤامرات .

فأرسل النبي ﷺ إثنين من الصحابة رضي الله عنهم كما ذكرنا وهما "مالك بن الدخشم" و "معن بن عدي" رضي الله عنهما
فقال لهم النبي ﷺ سراً بينه وبينهم : إنطلقوا فأخبروا الناس أن جيش المسلمون قد رجعوا سالمين غانمين .

فإذا أخبرتم الناس إنطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاحرقوه ثم اهدموه .....
فانطلقوا وأخبروا الناس أن النبي ﷺ والجيش قد قدموا سالمين غانميين...
وكان المنافقين قد أرجفوا في المدينة بأن محمداً صلى الله عليه وسلم وجل أصحابه رضي الله عنهم قد هلكوا في الطريق من الحر والعطش .....
وكانوا كل يوم يشيعون إشاعة فكان جل أهل المدينة في كآبة وحزن ....
لن يروا وجه النبي ﷺ ولن يروا مجمل أهلهم الذين خرجوا ....
فلما شاع الخبر بالبشرى واشتغل الناس كلهم بالاستعداد لإستقبال ذويهم من المجاهدين .
ذهب الصحابة رضي الله عنهم الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحرق مسجد الضرار الذي كان يعقد فيه المنافقون مؤتمرهم....
وأشعلوا جريد من أوراق النخيل وألقوه من نوافذ ذلك المسجد
"والمسجد كان مبني من جذوع النخيل وسقفه من أوراق النخيل فاشتعل "
فأخذ المنافقون يفرون من ها هنا وهناك ثم هدموا المسجد على قواعده فلم يبقى له أثر .....

ولما كان الصبح دخل النبي ﷺ مدينته المنورة فلما أشرف على المدينة ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فلما تراءت له المدينة طرح رداءه عن منكبيه .
وقال : هذه طابة .. هذه طابة .. هذه طابة أسكننيها ربي ، تنفي خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد .
فلما وقع نظره على جبل أحد أوقف راحلته واستقبل جبل أحد و قال : هذا جبل يحبنا ونحبه ويجعله الله على باب الجنة .

ثم دخل المدينة ﷺ وكان من سنته أن يدخل مسجده أولاً فيصلي فيه ركعتين ....
فإذا فرغ من صلاته ....
أتى بيت "فاطمة" رضي الله عنها فيسلم عليها ويطمئن عنها ...
ثم طاف على حجرات أزواجه رضي الله عنهن يسلم عليهن
يقول الصحابة رضي الله عنهم فركع كعادته وظننا أنه سينطلق
فإذا به ﷺ أخذ مكانه في المحراب وجلس ....
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة بعد المئتان 206
غزوة تبوك . الجزء الثالث .
الخروج إلى تبوك .

تجمع جيش المسلمين وكان عدده 30 الف للخروج لقتال الروم في الشام .
قبل أن يتحرك الروم في إتجاه المدينة .....
وخرج الجيش من المدينة في يوم الخميس غرة {{رجب}} من السنة التاسعة من الهجرة
وكانت هذه هي أصعب غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
لأن المسافة بعيدة جداً تصل إلى حوالي 1000 كيلو متر في صحراء قاحلة وطرق وعرة
والحرارة شديدة جداً....

ليس هذا فحسب بل كان هناك عدد قليل من المراكب .
فكان كل ثلاثة أو أربعة أو أكثر يتعاقبون على بعير واحد .

ومعنى هذا أن كل رجل في الجيش يسير على قدميه حوالي 700 كم تقريباً
رضي الله عن الصحابة أجمعين

عسكر النبي ﷺ بالجيش بالقرب من المدينة وانطلق الجيش
وأخذ المنافقون ينسحبون واحداً تلو الاخر .
فكانوا يتخلفون عن الجيش ويعودون إلى المدينة .
فكان كلما تخلف واحد ورأه الصحابة رضي الله عنهم يقولون يا رسول الله تخلف فلان "يعني رجع"
فيقول النبي ﷺ دعوه . إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم . وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه .
عبارة واضحة دعوا الأمور لله تعالى نحن لا نحكم على الناس بالنفاق والكفر إنما أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ....
و هكذا طوال الطريق ....

وبعد مسيرة ثلاثة أيام من المدينة تأتي قصة الصحابي الجليل "أبا ذر الغفاري" رضي الله عنه...
يقول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عندما أمر النبي ﷺ لغزوة تبوك كنت أعلم أن راحلتي ضعيفة...
قال: فعلفته ثلاثة أيام علف شهر حتى لا يعيقني .
فلما انطلق الجيش ركبته وانطلقت معهم حتى إذا كنا على ثلاث مراحل من المدينة أعياني بعيري ...
فجلست أعالجه .
فلما يأست منه تركته
وقبل أن يتم لنا {{ أبو ذر }} رضي الله عنه قصته لننظر حينما تأخر عن الجيش ، وهو يحاول أن يعالج بعيره ماذا كان ؟؟
رأى الصحابة رضي الله عنهم
من كان آخر الجيش ان "أبا ذر" رضي الله عنه قد جلس وتأخر ولم يلحق بهم
فأخبروا النبي ﷺ أن "أبا ذر" رضي الله عنه قد تخلف و تأخر
وإذا بالنبي ﷺ يكرر المقولة نفسها التي قالها عن المنافقين
دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم .
يقول أبو ذر رضي الله عنه فجلست أعالج بعيري .
فلما أعياني تركته باركاً في الصحراء وأخذت متاعي ووضعته على ظهري ولحقت مشياً بالجيش على قدماي ..

فلما كانوا على مقربة من تبوك
استراح الجيش وكان الصحابة رضي الله عنهم قلقون على "أبي ذر رضي الله عنه
فأخذوا يراقبون الطريق لعل "أبا ذر رضي الله عنه يلحق بهم...
فنظروا من بعيد فإذا برجل يسير على قدميه ومتاعه على ظهره ..
فقال أحد الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يشير بأصبعه بإتجاه الرجل من بعيد
ويقول : كن أبا ذر . كن أبا ذر فلما اقترب وتبين الصحابة قالوا : يا رسول الله الله أكبر هو والله أبو ذر رضي الله عنه
فقال النبي ﷺ : رحم الله أبا ذر . يمشي وحده ويموت وحده . ويبعث يوم القيامة أمة وحده .
قدم "أبو ذر" رضي الله عنه وقد جف ريقه من العطش و تسلخت قدماه من المشي على الرمال الحارة ...
وقد أتعبه حمل متاعه على ظهره وهو يتلهف أن يلحق بالنبي ﷺ
يقول الصحابة رضي الله عنهم فاقترب وجلس بين يدي النبي ﷺ .
وهو يقول : يا رسول الله استغفر لي .
قال له النبي من أي شيء ؟
قال : أعياني بعيري فعالجته حتى يإست منه .
فتركته في الصحراء وحملت متاعي على ظهري حتى لحقت
فاستغفر لي عن هذا التأخر .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فذرفت عين النبي ﷺ .
وقال : لقد حط الله عنك يا أبا ذر في كل خطوة مشيتها سيئة وكتب لك حسنة ورفعك بها في الجنة درجة .

وقد حقق الله نبوءة النبي ﷺ في "أبا ذر" رضي الله عنه
في خلافة "عثمان بن عفان" رضي الله عنه خرج "أبو ذر" رضي الله عنه ورحل من المدينة عندما بدأت تظهر الفتن وارتحل إلى الطريق الذي يؤدي للعراق
وعلى مسيرة ثلاثة أيام من المدينة ... نصب له خيمة هناك وليس معه إلا زوجته وخادم له
وكان إذا احتاج شيء أخذه من القوافل في الطريق .
وحضرته الوفاة ذات ليلة وليس عنده إلا زوجته وخادمه .
فقال لزوجته إذا أنا مت فضعيني عند باب الخيمة وقفِي وانظري إلى أول مار بالطريق .
فقولي له هذا صاحب رسول الله قد مات فجهزه وصلي عليه .

وعند الضحى فاضت روحه الكريمة رضي الله عنه .
فصنعت زوجته وخادمه كما أوصى...
وضعوه عند باب الخيمة ووضعوا عليه الستار .
ثم أخذت زوجته ترقب الطريق
ويا سبحان الله عندما يكرم الله رجل يحبه .... وإذا براكب من بعيد مقبل من جهة العراق ومعه رهط من الرجال .
فلما اقترب نظرت إليه زوجة "أبا ذر رضي الله عنهم
وقالت : ابن مسعود رضي الله عنه....

فقالت له : ابن مسعود ؟
قال : أجل ما شأنكم ؟!!
قالت : هذا "أبا ذر" صاحب رسول الله ﷺ .
ولقد حضرته نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وها هو قد مات وحده .....
وقد أوصاني أول مار في الطريق فليجهزه وليصلي عليه ....
فنزل ابن مسعود رضي الله عنه وقبله بين عينيه ...
ثم غسله ومن معه من أصحابه رضي الله عنهم
واستخرج مما معهم من ثوب أبيض وكفنه وصلى عليه ابن مسعود رضي الله عنهم
ثم دفنه ورجع إلى المدينة مع زوجته وخادمه ...
وأخبر ابن مسعود رضي الله عنه أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه.... فقال عثمان رضي الله عنه لقد مات "أبو ذر" رضي الله عنه وحده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وسيبعث يوم القيامة وحده كما قال النبي ﷺ

وكان ممن تخلف عن مسيره مع رسول الله ﷺ
الصاحبي الجليل "أبا خثيمة" رضي الله عنه .

يحدثنا أبا خيثمة عن نفسه
يقول : عندما مضى النبي ﷺ بالجيش قلت في نفسي :
أني في إستعداد وفي سعة فإذا انطلق الجيش انطلقت
يقول : فبقيت في داري في المدينة ولم أعسكر مع الجيش
فلما انطلق الجيش ...
قلت : ألحق بهم آخر النهار فأنا على إستعداد ....
فغلبتني نفسي ونمت تلك الليلة في داري .
فلما كان النهار مضيت في بعض شأني ثم عدت إلى حائطي ...
وكان عندي زوجتان وكان يوماً حارا... فلما دخلت حائطي وجدت زوجتاي في عريشتين لهما في حائط قد رشت كل منهما عريشتها ....
وبرّدتا فيها ماء وهيأتا طعاماً وترجو كل واحدة منهم أن اكون نزيلها ....
وكان يوماً شديد الحر ....
فلما دخلت نظرت إلى زوجتي وما صنعتا....
فقلت : رسول الله خير خلق الله وخاتم رسله مع خيرة صحبه تحت حر الشمس وعسيف الرمال يسير في سبيل الله في الحر .
وأباخثيمة في ظلّ بارد وماء مهيأ وإمرأة حسناء ؟؟؟
ما هذا بالنصف.... وماهذا من شعائر الإيمان والله .
ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئا لي زادآ ففعلتا...
ثم ركب بعيره وأخذ سيفه ورمحه ثم انطلق يلحق رسول الله ﷺ حتى أدركه حين نزل بتبوك ....
فلما دنا أبا خثيمة رضي الله عنه
قال الناس : هذا راكب مقبل .
فقال النبي ﷺ كن أبا خثيمة .
فقالوا :يا رسول الله هو والله أبا خثيمة رضي الله عنه
فلما أناخ أقبل يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يقول : يا رسول الله استغفر لي لقد كان من أمري كذا وكذا . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصته ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فرفع النبي ﷺ إليه رأسه
وقال له أولى لك يا أبا خثيمة .
فسمع منه صلى الله عليه وسلم ودعاء له رضي الله عنه

أما حال الصحابة رضي الله عنهم وهم في طريقهم إلى تبوك فقد دخلوا في جوع وعطش شديدين .
فلقد كانت المؤن قليلة جداً حتى كان الرجلين يقسمان التمرة بينهما .
وكان النفر يتداولون التمرة بينهم ، يمصها هذا ، ثم يمصها هذا ثم يمصها هذا .
واضطر الصحابة رضي الله عنهم إلى أكل ورق الشجر حتى تورمت شفاههم .
ثم نفذ الماء وأصاب الجيش عطش شديد .
يقول أحد الصحابة رضي الله عنهم حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع .

وبدأ الصحابة رضي الله عنهم من شدة العطش ينحرون الأبعرة "البعير" ويعصرون ما في بطونها من فرث ليشربوه .
مع قلة الأبعرة وحاجتهم الشديدة إليها...

يقول عمر رضي الله عنه خرجنا في حر شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش ....
حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على صدره .
فشكوا ذلك للنبي ﷺ ...
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه للنبي ﷺ يا رسول الله قد عوّدك الله من الدعاء خيراً فادع الله لنا ....
قال أتحب ذلك يا أبا بكر ؟
قال : نعم .
ورفع يديه ﷺ فلم يرجعهما حتى أرسل الله سحابة فمطرت حتى إرتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون إليه .
وكانت تلك السحابة لم تتجاوز المعسكر ....
وكان رجلاً من الأنصار قال لآخر متهم بالنفاق بينهم ويحك قد ترى .... فقال هذا المنافق : سحابة مارّة وانتهت ....
فأنزل الله تعالى :
وتجعلون رزقكم . أي بدل شكر رزقكم أنكم تكذبون . أي حيث تنسبوه للطبيعة...
تجمعت السحب في السماء ونزل المطر ....
فسقوا وارتوا وسقوا أنعامهم ببركة دعاء الحبيب المصطفى ﷺ .
ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله لو جمعنا ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها ....
فجاء المسلمون بكل ما بقي لهم من طعام ....
فبارك النبي ﷺ، عليها حتى ملأ الزاد والطعام كل المعسكر .

ومر الجيش في سيره على منازل "ثمود" قوم نبي الله صالح عليه السلام ...
وقد أخبر القرآن العظيم أن قوم صالح قد أهلكوا في هذه المنطقة ...
وهذه المنطقة بها أبيار للمياه ...
فأسرع المسلمون وشربوا وملؤا أوعيتهم بالماء وعجنوا العجين بهذا الماء ليصنعوا خبزآ يأكلوه بعد طول جوع ...
ولكن المفاجأة أن النبي ﷺ قد أمرهم بأمر شاق جداً يتركوا هذا المكان وما فيه.....
وأيضاً أمرهم النبي ﷺ ألا يدخلوا ديار قوم "ثمود" إلا باكين تأثراً بما حدث لهم عندما خالفوا أمر الله عز وجل....
فقال لهم النبي ﷺ لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم ....
وقنع النبي ﷺ رأسه بالثوب وغطاه وأسرع بالمسير ولم يدخل ....

هذا الكلام ينطبق على كل آثار باقية لقوم أهلكوا بسبب معصيتهم
لا يسعى المسلم لدخول هذه الأماكن .... وإذا دخلها لا يدخلها في فرح وسرور وإنما يدخلها في بكاء وتأثر وتذكر وتدبر ...
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....








[




سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الحادية عشر بعد المئتيين 211
المخلفون عن تبوك . الجزء الأول .

جلس ﷺ في مسجده ينتظر المخلفون عن معركة تبوك .
فالذين لم يشهدوا تبوك قسمهم الصحابة رضي الله عنهم إلى ثلاثة فئات ....
١- فئة تخلفت بأمر النبي ﷺ مثل
"محمد بن مسلمة" رضي الله عنه جعله النبي ﷺ أمير على المدينة في غيابه ....
علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له النبي ﷺ أخلفني في أهلي .

٢- فئة تخلفوا ولكن ليس فيهم نفاق وسنأتي على ذكرهم...

٣- وفئة تخلفوا نفاقاً ....

وهناك قوم كان لهم أعذار وهم الضعفاء والمرضى
فقال عنهم النبي ﷺ وهو في طريق العودة للمدينة من تبوك
قال :
إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مَسِيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم . حبسهم العُذْرُ‏ .
قـالوا‏ : يا رسول اللّه وهــم بالمدينة‏ ؟
قال ﷺ وهم بالمدينة‏ حبسهم العذر .
وقال الله تعالى فيهم :
لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ .
فتخلف أصحاب الأعذار .
مثلاً من فقد بصره .
من كان أصيب في غزوة فهو يعرج .... من كان مريضاً من كان طاعناً في السن .
ويروى أنه : جاء شاب أراد أن يخرج مع النبي ﷺ وليس له عذر .
فنظر النبي ﷺ إليه وقال : أليس لك أم ؟
قال . نعم
قال فمن يخدمها ؟؟
قال . أنا
قال من لها غيرك ؟؟
قال . الله تعالى
قال له النبي ﷺ إلزمها فإن الجنة عند رجليها .

جلس النبي ﷺ وأقبل الذين تخلفوا يقدمون الأعذار للنبي ﷺ
ويحلفون له ما تخلفنا عنك إلا لضرورة وعذر ويصطنعون الأعذار ....
والنبي ﷺ يقبل أعذارهم ويصافحهم .
ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم استغفر لنا يا رسول الله . فيستغفر لهم .
فأنزل الله قوله على نبيه صلى الله عليه وسلم :
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .
فأخذ المتخلفون يعتذرون والنبي صلى الله عليه وسلم يقبل عذرهم على ظاهره لا يناقشهم
حتى فرغوا وكانوا قريب 80 رجلا...

ثم أقبل ثلاثة رجال من خيار الصحابة رضي الله عنهم وهم من الصنف الثاني الذين تخلفوا ولكن ليس فيهم ذرة نفاق .
"كعب بن مالك" رضي الله عنه وهو عقبي "ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العقبة"

"هلال بن امية" رضي الله عنه
و "مرارة بن الربيع" رضي الله عنه وهما بدريان ممن شهدوا بدر...
وقد قال فيهم : وما أدراك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال قد غفرت لكم فاصنعوا ما شئتم .
هؤلاء ثلاثة تخلفوا من غير عذر "غلبتهم أنفسهم "

وقصتهم يرويها لنا الصحابي الجليل "كعب بن مالك" رضي الله عنه :
يقول :لم أتخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك .
غير أني قد تخلفت في غزوة بدر
لأن الله لم يعاتب أحد تخلف عن رسول الله ﷺ لأن النبي ﷺ خرج مع المسلمون يريدون عير قريش .....
فجمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد .
يقول كعب رضي الله عنه : حتى كانت غزوة العسرة فأخذت أقول أنا قادر على التجهز في أي وقت ...
وتجهز الناس حتى أصبح النبي ﷺ على سفر ولم أصنع شيئاً .
فقلت: أنا قادر على أن أنطلق في أي وقت ولم أكن عقدت نية للتخلف عن رسول الله .
وخرج ﷺ لتبوك في حر شديد وسفراً بعيداً .
فخرج معه رجال كثير لا يجمعهم كتاب حافظ .
"يعني عدد الجيش كبير لم كتب أسماء من خرج ومن لم يخرج"

يقول كعب رضي الله عنه : فتجهز النبي ﷺ والمسلمون معه وطفقت أعدو لكي أتجهز معه
أسرعت أجهز نفسي للإنطلاق معهم فأرجع ولم أقض شيئا .
"كلما أراد أن يتجهز تكاسل وغلبته نفسه"
فأقول في نفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت .
وغلبتني نفسي وأصبح رسول الله ﷺ غاديا والمسلمون .. وأنا لم أتجهز .
ثم رجعت إلى بيتي اريد أن أتجهز فلم أزل أتمادى حتى أسرعوا وتفارط الغزو ....

يعني مازال يؤجل خروجه يوم بعد يوم وغلبته نفسه ولم يلحق بالنبي ﷺ والصحابة رضي الله عنهم
يقول كعب رضي الله عنه : كنت إذا خرجت من بيتي وطفت في طرقات المدينة كان يحزنني أني لا أرى لي اسوة .
لا أجد إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .... أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء .
وأنا والله لست من هؤلاء ولا من هؤلاء ....
يقول كعب رضي الله عنه :ولم يذكرني رسول الله ﷺ حتى بلغ تبوك .
فقال : وهو جالس في القوم :
ما فعل كعب بن مالك ؟
فقال له رجل من بني سلمة غفر الله له :
يارسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه ....
فقام له معاذ بن جبل رضي الله عنه : وقال : لا والله . بئس ما قلت .
والله يا رسول الله ما علمنا عن كعب إلا خيرا .
فسكت رسول الله ﷺ

يقول كعب رضي الله عنه :فلما سمعت خبر قدوم النبي ﷺ راجعآ من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب ...
"أي جلس يفكر بأعذار كاذبة إذا سأله رسول الله ﷺ عن سبب تخلفه"
وأقول : بما أخرج من سخطه غداً...
"ما هو العذر الذي أقوله للنبي صلى الله عليه وسلم لكي لا يسخط علي"
وأخذت أستعين بكل ذي رأي من أهلي .
"يستشير أهله أصحاب الرأي ماذا تنصحوني أن أقول لرسول الله"

فلما سمعت بوصول النبي ﷺ زاح عني الباطل ....
فقلت والله لا أجمع على نفسي ذنبين تخلف وكذب
والله سأصدق الله ورسوله .

وكان ﷺ إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس ...
فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له .
وكانوا بضعاً وثمانين رجلاً .
فقبل منهم النبي ﷺ عذرهم وعلانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى .
فلما انتهى الناس .
جئت إليه أمشي الهوينة .
فلما سلمت تبسم تبسُم المغضب .
ثم قال : تعال يا كعب .
فتقدمت أمشي الهوينة إليه
فقال وهو مغضب تعال فاجلس .
قال . فجلست بين يديه
فقال لي ما خلفك عني ؟؟
قلت : يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر .... لقد اعطيت جدلا ..
ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي ...
وإن حدثتك بصدق تسخط علي ويرضى الله ...
والله ماكان لي من عذر .
والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت .
فقال ﷺ : أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك .

هنا تعجب الصحابة رضي الله عنهم :
لأن الذين كذبوا على الله ورسوله واخترعوا أعذار ليس لها أساس من الصحة يصافحهم النبي صلى الله عليه وسلم ويستغفر لهم ويجدد لهم البيعة .
وهذا الذي صدق يعرض عنه ثم لا يقبل له حديثاً .
وبعد ذلك يأمر الناس لمقاطعته
في مقياس العامة هذا أولى بالإستغفار والمصافحة والرضا

وأولئك يجب أن يعرض عنهم النبي صلى الله عليه وسلم؟؟

✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى......
[١٣‏/٨‏/٢٠٢١ ٦:١٢ م] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية عشر بعد المئتيين 212
المخلفون عن تبوك . الجزء الثاني .

نحن الآن مع قصة هؤلاء الثلاثة من الصحابة .
"كعب وهلال ومرارة" رضي الله عنهم
قال النبي ﷺ لكعب رضي الله عنه : قم حتى يحكم الله فيك .
وهنا تبدأ أول مراحل الإبتلاء
يقول كعب رضي الله عنه : وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني
"من المحبين له من أقاربه وأصحابه يريدون أن ينصحوه "
فقالوا لي : والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا .
لقد عجزت في أن لا تكون إعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما إعتذر به إليه المخلّفون ....
فقد كان كافيك ذنبك إستغفار رسول الله ﷺ لك ....
"طلبوا منه أن يفعل كما فعل غيره من المنافقين .
فكان من شدة إلحاحهم عليه أنه فكر في التراجع ويقدم حجج للنبي ﷺ
قال كعب رضي الله عنه : فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله ﷺ فأكذب نفسي ....
ولكن الله ثبت قلبه وزاد من ثباته أنه تذكر أمرا في غاية الأهمية
قال ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي من أحد ؟
"يعني هل هناك من الصحابة غيري لقوا من النبي ﷺ السخط لتخلفهم عنه"
قالوا : نعم لقيه معك رجلان هلال بن أمية و مرارة بن الربيع
قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قلت...
فقيل لهما مثل ما قيل لك .

فإن كان مثل هذا الأمر الذي حصل معه قد حصل مع غيره من الصحابة رضي الله عنهم فهذا يخفف عنه ....
خاصة إذا كان هؤلاء من المعروفين بصدقهم وصلاحهم"

فقلت : مرارة بن ربيعة ، وهلال بن أمية ؟؟
رجلان أعرف صلاحهما وصدقهما
قال : فاطمأنت نفسي .
لقد ذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرآ فيهما أسوة .

ثم كان الإبتلاء الثاني وهي "المقاطعة"
مقاطعة المجتمع له بكل فئاته
حيث نهى رسول الله ﷺ كافة المسلمين عن التعامل معهم .
وكان ذلك شديداً عليهم ...
يقول كعب رضي الله عنه : حتى تنكرت لي في نفسي الأرض .
فما هي بالأرض التي أعرف .
واستمرت المقاطعة بكل ثقلها وآلامها خمسين يوماً ذاق فيها كعب وأصحابه رضي الله عنهم من المصاعب ما ذاقوا .
يقول كعب رضي الله عنه :
فلم يكلمنا من المسلمين أحد
كنا نطرح السلام على الرجل فلا يرد علينا أحد .
أما صاحبي "هلال ومرارة" لزما بيتهما وأخذهم البكاء وكنت أشب منهما .
فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد من المسلمين .
وآتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ...
فكنت إذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ "
نبي الرحمة ﷺ إذا صلى كعب رضي الله عنه ينظر إليه بشفقة"
وإذا انتهيت من الصلاة صرف نظره عني .
وكنت أخشى أن تقبض روحي وأنا بهذه المقاطعة فإن الأعمار بيد الله وحده فأموت ولا يصلي علي النبي ﷺ فأخسر الدنيا والآخرة ....
أو أن يختار الله نبيه صلى الله عليه وسلم فإن الموت آتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة فتبقى المقاطعة بيني وبين المسلمين أمر لن يغيره أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم

فكنت أتمنى أن تنتهي هذه المقاطعة فأموت فيصلي علي النبي ﷺ .
حتى إذا مضى الشهر جاء رسول من رسول الله .
وقال لي: يا كعب رضي الله عنه: يأمركم رسول الله أن تعتزلوا نسائكم .
"أي هو وصاحبيه ، هلال ومرارة"
فقلت له: أطلقها أم ماذا أصنع ؟؟
قال: إعتزلها
فقلت لزوجتي إلحقي بأهلك حتى يحكم الله فينا .
وأصبحت أبيت على سطح داري وأتوجه إلى الله تعالى بالدعاء

و جاءت زوجة "هلال بن أمية " وكان كبير بالسن وليس عنده من يخدمه ....
فقالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي :
إن هلال كبير في السن وليس هنالك من يخدمه : أتأذن لي أن أصنع له طعامه واغسل له ثيابه ؟
قال اخدميه ولكن لا يقربنك بشيء فإنه لا يحل له ذلك .
فقالت: بأبي وأمي أنت
والله مابه حراك بشيء .
فإنه منذ أن أمرت الناس بمقاطعته ما جف له دمع ولا تناول طعام ولا نام بليل .

وهكذا تستمر المقاطعة بلياليها الطويلة.....
اضطروا فيها إلى ضرورة الإنعزال عن الناس لأنه أخف عليهم .
يقول كعب رضي الله عنه حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إليَّ .
فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فوالله ما ردَّ علي السلام .
فكررتها فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فلم يرد علي السلام....
"ويزداد الألم حتى أصبح كعب رضي الله عنه يشك في نفسه فيبحث عن إجابات يدحض بها هذا الشك عن نفسه عند أعز الناس عليه ابن عمه أبي قتادة وأعز أصحابه رضي الله عنهم

ولكن لا أحد من المسلمين يمكنه أن يخالف أمر رسول الله ﷺ
قال فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال . فسكت .
فأعدت السؤال عليه
وقلت : نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال: فسكت ولم يرد علي بشيء
يقول كعب رضي الله عنه : فكادت أن تزهق روحي فصرخت بأعلى ما أملك من صوت .
نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
فقال : ابا قتادة بصوت منخفض بينه وبين نفسه : الله ورسوله أعلم.
يقول كعب رضي الله عنه: ففاضت عيناي بالبكاء وتوليت حتى تسورت الجدار .

بعد هذه المقابلة الصعبة وبعد هذا اللقاء القاسي المرير مع أبي قتادة رضي الله عنه.

جاءه الابتلاء الثالث
يقول كعب رضي الله عنه وبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة .
يقول :من يدلني على كعب بن مالك ؟
قال : فطفق الناس يشيرون له إليَّ حتى جاءني . فدفع إليَّ كتابا من "ملك غسان" مكتوب بماء الذهب وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه ....
"من ملك غسان إلى كعب بن مالك أما بعد :
فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك
ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة
فالحق بنا نواسك"

استغل ملك غسان هذه الظروف التي يمر فيها كعب رضي الله عنه

فكعب رضي الله عنه له مكانته في المجتمع....
وكان معروف بشعره ومكانته ويعلم ملك غسان لو إرتد كعب رضي الله عنه عن دينه لكان أثر ذلك في شق صف المسلمين .
لذلك كان ملك غسان شديد الحرص على ذلك .

فكان هذا الكتاب بالنسبة إلى كعب رضي الله عنه بمثابة "الإبتلاء "
يقول كعب رضي الله عنه :
فحين قرأت الرسالة فتوجهت مسرعاً إلى منزلي ورميت بها بالتنور فسجرتها به حتى لا تميل لها نفسي يوما .

حرق "كعب بن مالك" رضي الله عنه : ذلك الكتاب ولم يندم وهو يعلم أنه من ملك غسان نفسه
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم توجهت نحو المسجد ، وإذا رسول الله ﷺ بين أصحابه رضي الله عنهم
فدخلت فسلمت فلم يرد علي أحد...
فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد طال هجرك لي حتى طمع بي أهل الروم .....
قال : فلم يرد علي بشيء ولم يحرك ساكناً .
فطفقت أبكي في المسجد بصوت مسموع حتى قارب هجرنا خمسين ليلة .
فصليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ....

والآن ننتقل إلى بيت رسول الله ﷺ وهو في حجرة "أم سلمة" رضي الله عنها .
كان يصلي قيام الليل صلوات ربي وسلامه عليه
تقول أم سلمة رضي الله عنها :
فركع وسجد ثم جلس وأطال جلوسه حتى إذا سلم عن يمينه وإذا وجهه يبرق .
وكان ﷺ إذا أتاه الوحي استنار وجهه كأنه البدر ليلة التمام..
قالت: فسلم عن شماله ثم التفت إلي مبتسماً ضاحكاً مستبشراً .
وهو يقول : بشرى أم سلمة لقد تاب الله على كعب وصاحبيه .
تقول أم سلمة رضي الله عنها فوثبت : "على جلالة قدرها وكبر سنها" وأخذت خماري..
ثم تداركت وقلت : بأبي وأمي يارسول الله أتأذن لي أن أنطلق وأبشر كعب رضي الله عنه
قالت : فقال لي متلطفاً يا أم سلمة إذن يحطمكم الناس .
"إذا انطلقتي الآن بالبشرى وشاع الخبر سيتوافد الناس إلى المسجد "
إذن يحطمكم الناس ويمنعوكم من النوم .
حتى الصبح انتظري بعد صلاة الفجر .
قالت : ومضى ﷺ في قيامه إلى صلاة الفجر وكان لا يخرج إلى مصلاه إلا عند إقامة الصلاة .
"لأن دخوله للمسجد كان إشعاراً لإقامة الصلاة فكان يصلي السنة في حجراته" صلى الله عليه وسلم...
قالت : وخرج إلى صلاة الفجر ثم دخل المسجد فأقام الصلاة بلال رضي الله عنه ثم صلى الفجر بالناس ثم استقبل وجوه أصحابه رضي الله عنهم
تقول أم سلمة رضي الله عنها وكنت أنا في مصلى النساء ورآءهم :
"لم يكن المصلى معزول كما نعرفه اليوم في مساجدنا .
الرجال يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفهم الصبية وخلف الصبية تصلي النساء فكان يرى بعضهم بعضا "
قالت: فاستقبلنا ﷺ وتلى الآيات في التوبة التي نزلت بحق "كعب وهلال ومرارة" وأعلن أن الله قد تاب على كعب وصاحبيه رضي الله عنهم...

تقول أم سلمة رضي الله عنها : فوثب شيخ الصحابة و وثب عمر وانطلقا يتسابقان أيهما يبشر كعب رضي الله عنهم...
انظروا ياله من مشهد
يقول : أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأدركت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيسبقني فقد كان أخف مني وأسرع .
فصعدت على تل في جوار المسجد وصحت بأعلى صوتي .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك ....
ويكررها أبو بكر بأعلى صوته
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
يقول كعب رضي الله عنه فبينما أنا جالس على سطح داري وقد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ يصيح و يقول بأعلى صوته .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
فلما سمعت الصوت وأيقنت أنه ابو بكر رضي الله عنه
نظرت فإذا عمر رضي الله عنه يجري إلي مسرعاً وعانقني وهو يبكي
ويقول : أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك .
لقد تاب الله عليك وهذا رسول بين أصحابه رضي الله عنهم في المسجد ينتظرونك .
قال : فلم أتمالك نفسي فخررت ساجداً لله
ثم قلت في نفسي البشرى لمن سبق إلي صوته
فالبشرى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ووالله الذي لا إله إلا هو لم أكن أملك في ذلك اليوم شيء ....
لأني تصدقت بكل أملك و كنت لا أملك إلا ثوبان
فقلت : هما لأبي بكر رضي الله عنه واستعرت ثوبين فلبستهما
يقول كعب رضي الله عنه فأقبل الناس يبشروننا أنا وصاحبي "هلال ومرارة" رضي الله عنهم
يقول:فأنطلقت إلى مسجد رسول الله ﷺ .
وأخذ يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة
ويقولون هنيئاً يا كعب توبة الله عليك ويصافحوني ويعانقوني .
حتى دخلت المسجد أمشي الهوينة حتى وقع نظري على رسول الله ﷺ وهو ينظر إلي وقد أشرق وجهه .
فقال : أبشر يا كعب ورفع يده اليمنى أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ أن ولدتك أمك .
فقلت : أمن عندك يارسول الله ، أم من عند الله ؟
قال بل من عند الله .
قال : فأكببت أقبل رأسه ويديه ثم جلست وتلى علينا الآيات .
وبمناسبة هذه الآيات سميت السورة بسورة التوبة .

قال تعالى :
لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ .

يقول كعب رضي الله عنه :
ثم جدد لنا رسول الله البيعة واستغفر لنا .
فقلت : بأبي وأمي أنت يارسول الله إن من توبتي لله وعهد علي أن أخرج من مالي كله لله .
فتقبل مني مالي صدقة يا رسول الله .
فقال النبي ﷺ لا يا كعب احفظ عليك بعض مالك .
فقلت : اتصدق بنصفه
قال لا ...
قلت . ثلثه .
قال ثلثه والثلث كثير ..
قال كعب رضي الله عنه فجئت بثلث مالي .
وجاء هلال بثلث ماله .
وجاء مرارة بثلث ماله .
وجعلناه صدقة بين يدي رسول الله يتصرف بها كيف يشاء .

وأثنى الله على ذلك بنص قرآني .
قال تعالى :
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
يقول كعب رضي الله عنه : ومضى سائر اليوم نستقبل المهنئين ونحن نفرح بهذه التوبة
فقلت على ملأ من الصحابة رضي الله عنهم يارسول إن عهد الله علي بأن لا أتكلم بعد اليوم إلا صدقاً .
فكنت ممن ابلاني الله بالصدق واسأله أن يحفظه علي حتى ألقاه وهو راضٍ عني .

فكان يعرف كعب رضي الله عنه بأنه الصادق والصديق .

في قصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم فوائد وعبر يرجع إلى كتب السيرة النبوية ويستفاد منها
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[











: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة عشر بعد المئتيين 213
حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالمسلمين .
ونزول آيات صدر سورة التوبة .

رجع ﷺ من غزوة تبوك ....
وفي شهر "ذي الحجة" من السنة التاسعة من الهجرة خرج المسلمون لأداء فريضة الحج .
ولم يخرج معهم النبي ﷺ وإنما خرج بالمسلمون "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه
وكانت هذه هي السنة الثانية التي لم يخرج فيها النبي ﷺ للحج .....
كانت المرة الأولى في السنة الثامنة
وهذه المرة الثانية في السنة التاسعة

وقيل في كتب السيرة أن سبب عدم خروج النبي للحج في السنة التاسعة هو إنشغال النبي ﷺ بإستقبال الوفود التي تأتي للمدينة لتعلم الإسلام والقرآن الكريم ومبايعة النبي ﷺ

ولكن بعد متابعة السيرة ودراستها هنالك سبب آخر لعدم خروجه ﷺ للحج في هذا العام
لنلقي نظرة عامة عن مكة ومن يحج إليها في ذلك الوقت لنعرف أكثر عن عدم خروجه ﷺ في هذا العام للحج .
فقد ظن الصحابة رضي الله عنهم أن النبي ﷺ سيحج هذا العام بعد أن أصبحت "مكة" دار إسلام....
وها هو ﷺ قد ثبَّتَ هذا الدين والأمن له في أرجاء الجزيرة كلها
ولكن النبي ﷺ لا يسير إلا أن يسيره ربه تبارك وتعالى

وقد إختار له الله أن يكون له حجة واحدة في عمره وهي "حجة الوداع"
وبإلهام من الله سبحانه وتعالى دون نص قرآني إختار النبي ﷺ عدم خروجه للحج في هذا العام
وانتدب "أبا بكر الصديق" رضي الله عنه ليخرج بعدد من أهل المدينة بلغوا 300 رجل ومن أراد أن يرافقهم من أهل الأعراب من حول المدينة فيكون "ابو بكر" رضي الله عنه أمير المسلمين في الحج ....
فإن مكة كانت تستقبل المسلمين وغير المسلمين في ذلك الوقت
فكانت العرب كلها تحج إقتداءً بملة نبي الله إبراهيم عليه السلام
لقوله تعالى :
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ .
فكل الناس كانت تحج على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام
لأن دين إبراهيم عليه السلام هو دين الأنبياء جميعاً
لأنه هو الدين عند الله تعالى .
قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ...

وما دام يأتي إلى الحج المسلم وغير المسلم كانت لهم عادات وتقاليد لا يقرها شرعنا
ولكن لم يأتي للنبي ﷺ نص قرآني يغيرها لهم .
وما كان ﷺ يشرع إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى
ولكن كره أن يحضر موسم حج وفيه ما لا يتفق مع خلق الإنسان الطبيعي ....
فلقد ابتدعت قريش وبعض قبائل العرب بدعة في الحج لم تكن تعرف من قبل وهي الطواف حول الكعبة وهم عراة .
معتقدين بذلك أن الله لا يقبل طوافهم بثياب عصوا الله فيها
فكانوا يتجردون من ثيابهم في حجر إسماعيل ، ويطوفون بالبيت عراةً كما ولدتهم أمهاتهم
فالمرأة تأخذ شيئاً ما يستر فرجها فقط ثم تطوف في البيت عريانة
والرجل يطوف أيضاً عريان
معتقدين أن الله لا يقبل توبتهم بثياب عصوا الله فيها "خرافات وبدع"

ولم يكن النبي ﷺ قد شرَّع للناس وإن كانت مكة دار إسلام
فلم يحب النبي ﷺ أن يحضر هذا الحج ثم يشهد من يطوفون عراة .....
ومن يغيرون في التلبية
فهنالك تلبية توحيد على ملة إبراهيم عليه السلام
وهنالك تلبية فيها شرك فكانوا يقولون :
لبيك لا شريك لك إلا شريكٌ أرتضيته لك
وقريش أيضاً إبتدعت بدعة وهي بأنها لا تقف مع الناس على "عرفة" يوم الحج .
بل تقف عند المشعر الحرام .
ويقولون : نحن أهل الحرم نحن أهل الحمس لا نقف مع الناس ولا نفيض مع الناس .

الخلاصة أن النبي ﷺ إنتدب الصديق "أبو بكر" رضي الله عنه ليكون أميراً على المسلمين و أوصاه بأن لا يغير شيئاً في ما إعتادت عليه قريش لأن الله لم يأمره بشيء

فأمر "أبو بكر" رضي الله عنه أن يكون أمير المسلمين وأن يحج بالمسلمين على ملة التوحيد وأن لا يغير في ما في قريش على الإطلاق
وأرسل معه ﷺ 20 بدناً ليقدمها هديً بإسم النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت الحرام طعمة للفقراء والمساكين .
وأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لنفسه 5 من النياق أيضآ فأصبح العدد 25 بدنا .

وبعد خروج وفد الحج بقيادة "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه ولم يبعدوا عن المدينة المنورة كثيراً..
نزل جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ بأيآت من صدر سورة "التوبة"

فعندما نزلت الآيات أرسل النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ليقرأ هذه الآيات على الناس يوم الحج .
وكتب له كتاب لأمير مكة حتى يعمل بمضمون هذه الآيات .
وأوصاه بأربعة بنود يبلغها للناس يوم "الحج الأكبر"

"الحج الأكبر" هو الحج ذاته في كل عام لأن فيه "وقفة عرفة"
والحج الأصغر هي "العمرة" لأنها تأتي على جميع أركان الحج إلا "الوقفة على عرفة"
فسبب وقوف الناس على عرفة سمي "الحج الأكبر"

فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه بهذا الكتاب وأذن له النبي ﷺ بأن يركب على ناقته "القصواء" كشاهداً عليه أنه نائباً عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأرسل معه أبو هريرة رضي الله عنه يزكي شهادته .
فقال له: تحج مع الناس فإذا كان يوم "الحج الأكبر" "يعني صبيحة يوم النحر" وفاض الناس من عرفة واجتمعوا في منى .
اقرأ عليهم هذا الكتاب والآيات التي نزلت .
لأن الحجيج لا يجتمعون كلهم إلا في منى بعد عرفة .
ويعلم النبي ﷺ أن قريش لا تقف في عرفة .
وقد ذكرنا السبب فخصص له يوم النحر حتى يكون كل الناس قد اجتمعوا .
فإذا كان يوم النحر يستأذن "علي" رضي الله عنه من أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنه أمير الحج ويقرأ على الناس الكتاب

فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه على ناقة النبي ﷺ ومعه كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم مختوم بخاتمه ويصحبه "أبو هريرة" رضي الله عنه .
حتى إذا إقترب من الركب سمع "أبو بكر" رضي الله عنه رغاء ناقة النبي "ﷺ" القصواء فعرفها

"سبحان الله كانوا يهتمون بكل شيء متعلق بالنبي ﷺ حتى أنهم كانوا يميزون صوت ناقته"
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لمن حوله "ألا تسمعون" ؟
إنه رغاء القصواء ناقة النبي ﷺ
قالوا : أجل .
قال : لعل رسول الله ﷺ قد أمُر بالحج فلحق بنا .
فتوقف الركب كله ينتظرون قدوم الناقة .
فلما زال عنها السراب وظهر لهم من يركبها إذا هو "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ابن عم رسول الله ﷺ .
فلما سلم على الصديق ومن معه
سأله أبو بكر : يا ابن عم رسول الله أتابع أم أمير ؟

قال علي رضي الله عنه : بل تابعٌ ، ونائبٌ عن رسول الله لأقرأ على الناس وابلغهم رسالته يوم الحج الأكبر صبيحة النحر واقرأ عليهم ما أنزل الله من آيات .

ومضى الركب بإمارة "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه .
حتى إذا كان يوم الحج "وقفة عرفة" ووقف الناس كما يقفون على عادتهم .
وقريش عند المشعر الحرام والناس كلهم على "عرفة" فأفاضوا فلما افاض الناس وكان يوم صبيحة النحر .
إستأذن "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه من "أبي بكر" أن يبلغ الناس رسالة رسول الله ﷺ فأذن له .
فوقف علي رضي الله عنه خطيباً بالناس .
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم
ثم قال :
ايها الناس .
ولم يقل أيها المؤمنون لأن فيهم المسلم والمشرك فكما شرحت لكم العرب كانت تحج وهي على غير دين الاسلام .
أيها الناس .
إني رسول رسول الله إليكم لأبلغكم ما أنزل الله وأسن سنن تتبع بعد اليوم .
ثم تلى عليهم الآيات من صدر سورة التوبة .
قال تعالى :
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ .
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ .
فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا .
وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا .
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ .
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ .
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ .
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ [[ اي يكون لهم قوة عليكم ]] لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً .


هذه بعض آيات سورة التوبة حتى نصل إلى الآية ٢٨
يقول تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

ثم وقف "علي" رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات من سورة التوبة
وسورة التوبة نزلت من غير بسملة .
قال العلماء : لأن بدايتها كانت بكلمة "براءة" وهي لا تليق مع البسملة .
لماذا ليس فيها بسملة ؟؟
قيل أنها توقيفية
"يعني هكذا أنزلها الله ولا يجوز لنا أن نقول لماذا ؟؟

أعلن علي رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات أربعة أحكام .
١- يمنع الطواف بالبيت بعد هذا اليوم عريان
لأن رسول الله ﷺ سيأتي في العام القادم للحج ولن يرى فيها عريان إلا وضرب عنقه .

٢- لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك .
٣ - من كان بينه وبين رسول الله عهد فهو إلى مدته والذين لا عهد لهم فمعهم مهلة 4 أشهر .

٤ - ألا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا .

بلغ علي رضي الله عنه للناس ذلك مرة ومرتين :
وأمر "أبو بكر الصديق رضي الله عنه " رجال من الصحابة رضي الله عنهم لهم صوت جهوري يبلغون عن لسان "علي" رضي الله عنه حتى يبلغ القاصي والداني .

وكُلف أمير مكة أن ينفذ هذه الأحكام بعد موسم الحج وأن تهيئ مكة .
لإستقبال الحبيب المصطفى ﷺ في العام القادم حاجاً .

هذا ما كان في حج "أبوبكر الصديق" رضي الله عنه ونفذ ذلك كله ورجع المسلمون بعد حجهم هذا وسمي هذا العام بعام "الوفود"
وعلم المشركون بعد هذه البنود أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
وعليهم أن يدخلوا في هذا الدين أو أن يخرجوا من جزيرة العرب .
فجاءت الوفود إلى المدينة أفواجاً يعلنوا إسلامهم .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
*







سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الرابعة عشر بعد المئتيين 214
أحداث وقعت في العام التاسع من الهجرة . :

وفاة النجاشي . ملك الحبشة
وقد تولى النجاشي حكم الحبشة وهو ابن 9 أعوام بعد موت عمه بصاعقة .
وبعد سنوات من حكمه انتشر عدله وسيرته الطيبة في كل مكان
و عندما اشتد إيذاء قريش للمسلمين نصح النبي ﷺ المسلمين في السنة "الخامسة" من البعثة بالهجرة إلى الحبشة .
وقال : إن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد .
هاجر بعض المسلمين الهجرة الأولى
"وقد ذكرنا هذه الأحداث من السيرة في بداية العهد المكي .
وفي رجب من السنة التاسعة للهجرة أخبر النبي ﷺ الصحابة رضي الله عنهم بوفاة النجاشي
فقال : مات اليوم رجل صالح ، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة .
وصلى الحبيب المصطفى ﷺ على النجاشي "صلاة الغائب"
وكان الوحيد الذي صلى عليه ﷺ صلاة الغائب لأنه مات في أرض ليس فيها من يصلي عليه


ومن الأحداث التي وقعت في السنة التاسعة :
هو وفاة بنت النبي ﷺ أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاه
وقد ولدت أم كلثوم قبل البعثة بست سنوات وأمها هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
جاهدت مع أبيها ﷺ وعانت وطأة الحصار مع المسلمين في شعب أبي طالب وكان عمرها 11 عام وعاشت كل لحظات معاناة المسلمين في مكة قبل الهجرة 13 عام كاملة .
وهاجرت رضي الله عنها وكان عمرها 19 عام .
تزوجت من "عثمان بن عفان" رضي الله عنه بعد وفاة أختها "رقية" رضي الله عنها في السنة الثالثة من الهجرة وكان عمرها 22عام .

ولذلك أطلق على "عثمان بن عفان" "ذو النورين" وأصبح الوحيد في التاريخ كله الذي تزوج من ابنتي نبي وظلت مع "عثمان" ستة أعوام ولم تنجب
ثم ماتت رضي الله عنها في شهر "شعبان" من السنة التاسعة من الهجرة بعد عودة المسلمين من "تبوك"
وجلس صلى الله عليه وسلم على قبرها وهو يبكي حزنا عليها .
وواسى النبي ﷺ زوجها "عثمان"
وقال : لو كانت عندنا ثالثة لزوجتها عثمان .
رضي الله عنها.


موت عبد الله بن أبي بن سلول
من الأحداث الهامه وفاته في السنة التاسعة للهجرة والذي عرف برأس المنافقين .

وقصة "عبد الله بن أبي بن سلول" أن المدينة قبل هجرة النبي ﷺ شهدت تاريخاً طويلاً من الحروب بين "الأوس والخزرج" وكانت آخر هذه الحروب هي حرب "بعاث" والتي انتهت بانتصار "الأوس"
"أتينا على ذكر تفاصيلها في حلقة خاصة سابقآ"
وفكر العقلاء بعدها على تنصيب رجل يكون ملكاً أو حاكماً على المدينة ....
واتفق الطرفان على أن يكون هذا الحاكم هو أحد سادات الخزرج وهو "عبد الله بن أبي سلول"
وسبب أختياره ملكاً .
أولا .. لأنه لم يشترك في حرب "بعاث" بل كان رافضاً ومعارضا لها .

ثانياً .. لأنه من "الخزرج" الطرف الذي انهزم في حرب "بعاث"
فلا يكون هذا تنصيب رجل من "الأوس" أحد نتائج هزيمة "الخزرج" وهو لا شك أمر سيرفضوه .

وبعد أن اتفق أهل المدينة من الأوس والخزرج وبعد أن أصبح أمر تنصيب "عبد الله بن أبي" مسألة وقت ....
جاءت هجرة النبي ﷺ واجتمع الأنصار حول رآية النبي ﷺ .
وماتت فكرة أن يكون "عبد الله بن أبي" ملكاً على المدينة .
لذلك حقد "عبد الله بن أبي " على الرسول صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام وأبطن الكفر ....
ولم يتوقف لحظة عن الكيد ضد النبي ﷺ والمسلمون .
وتعاون مع اليهود في ذلك وقاد جماعة المنافقين في المدينة .
وكانت خطورة "عبد الله بن أبي " أن له مكانته الكبيرة بين قومه .
وقد ذكرنا سابقآ مواقفة ضد النبي ﷺ حين انسحب أثناء تحرك المسلمين إلى أحد فانسحب معه ثلث الجيش .
كما أنه قام بإشاعة حادثة الإفك وتكبيره لها .
فقال الله تعالى في ذلك :
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
وفي غزوة "بني المصطلق" في السنة السادسة من الهجرة حاول إحداث وقيعة وفتنة بين المهاجرين والأنصار .
حين قال "والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"
وهو الذي نزلت فيه هذه الآية بقوله :
لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا .
يعني : امنعوا الأموال عن أصحاب الرسول حتى ينفضوا عنه ويتركوه
وقد سجل عليه القرآن العظيم هذه الكلمات .
ولم يتوقف "عبد الله بن أبي بن سلول" لحظة عن التآمر والكيد للنبي ﷺ ومحاولة هدم الدولة الإسلامية حتى مات في السنة التاسعة من الهجرة .

وكان لعبد الله بن أبي ولد اسمه عبد الله على إسم أبيه "أي أن إسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول"
وكان من خيار الصحابة رضي الله عنهم وشهد بدر وجميع المشاهد مع النبي ﷺ
وكان شديد البر بأبيه ومع ذلك كان من أشد الناس على أبيه .
فلما مات "عبد الله بن أبي" ذهب إبنه "عبد الله" إلى النبي ﷺ وسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأعطاه النبي ﷺ قميصه
ثم سأل النبي ﷺ أن يصلي عليه
فقام النبي ﷺ يلبي طلب هذا الصحابي رضي الله عنه المؤمن الصادق ليصلي عليه .
فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ بثوب النبي ﷺ
وقال : يا رسول الله . وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟
فقال النبي ﷺ يا عمر إنما خيرني الله فقال . اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .
وسأزيده على السبعين
ﷺ ما أرحمك :
هذا تحقيق لقوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
وصلى عليه النبي ﷺ .
يقول عمر رضي الله عنه فعجبٌ لي وجرأتي على رسول الله
ولكن نزل بعد ذلك قول الله تعالى :
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ .

وكان موت رأس المنافقين "عبد الله بن أبي " ضربة قاصمة ثالثة للمنافقين في خلال شهرين فقط .
حيث كانت الضربة الأولى :
هي غزوة {"تبوك" نفسها ونزول سورة التوبة .
وقد أظهرت غزوة تبوك وسورة التوبة عدد كبير من المنافقين .

وكانت الضربة الثانية هي هدم وحرق "مسجد الضرار"

ثم كانت الضربة الثالثة :
وهي موت رئيس المنافقين "عبد الله بن ابي بن سلول"
وبموت "عبد الله بن أُبي بن سلول"
انحسرت جداً حركة النفاق في المدينة المنورة وكسرت إلى حد كبير شوكتهم .
ولذلك لم نجد لهم حضوراً يذكر في العام العاشر من الهجرة .
وإن كان استمرار وجودهم مؤكدا لأن المنافقون لا يختفون أبداً من أي مجتمع مسلم منذ أيام النبي ﷺ وحتى يومنا هذا .
هذا كان باختصار شديد ما وقع من أحداث من السنة التاسعة للهجرة...
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٦‏/٨‏/٢٠٢١ ٩:٠١ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة عشر بعد المئتيين 215
إسلام ثقيف ..

العام التاسع هو عام الوفود....
ذكرنا أن السنة التاسعة شهدت المدينة حضور مكثفا للوفود من كل أنحاء الجزيرة العربية
وقد أطلق على العام التاسع من الهجرة : "عام الوفود" :
حيث زادت هذه الوفود عن 60 وفداً وقيل أنها وصلت إلى 100 وفد .....
وقد بدأت هذه الوفود في القدوم إلى المدينة بعد "فتح مكة" وحرب "هوازن" ثم ازدادت كثافة بعد غزوة "تبوك" بعد أن شاهدت القبائل العربية الجيش المسلم العملاق والذي قوامه 30 ألف مقاتل و 1000 فارس وهو يقطع الجزيرة العربية شمالاً حتى وصل إلى "تبوك"

وشاهدت هروب جيوش "الإمبراطورية الرومانية" وهي أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت "لأن آخر مواجهة بين الفرس والروم كانت لصالح الروم وتحكم نصف دول العالم القديم تقريبا"

شاهد العرب جيوش الإمبراطورية الرومانية وهي تنسحب إنسحابا مخزيا أمام الجيش الإسلامي....
فعلمت هذه القبائل أن لا قبل لها بالدولة الإسلامية الناشئة فجاءت إلى المدينة لمبايعة
النبي ﷺ
بعض هذه القبائل جاء إلى المدينة مقتنعا بالإسلام

والبعض جاء خوفاً وطمعا في الدولة الإسلامية الناشئة القوية

وكان أول هذه الوفود قدوماً بعد غزوة تبوك وأهم هذه الوفود من ناحية الأثر كان وفد "ثقيف"

ثقيف : هي أكبر بطون قبيلة "هوازن" و هوازن واحدة من أكبر قبائل الجزيرة العربية تضم عدد كبير من البطون ....
وأكبر هذه البطون وأشهرها هي "ثقيف" وكانت شبه مستقلة عن "هوازن" وتسكن مدينة الطائف على بعد حوالى 100 كم تقريباً جنوب شرق مكة.

وكانت "الطائف" هي المدينة الثانية في الجزيرة العربية بعد "مكة"....

وبعد عودة النبي ﷺ إلى المدينة وفي السنة التاسعة من الهجرة
قدم على النبي ﷺ في المدينة "عروة بن مسعود الثقفي" وهو أكبر زعماء "الطائف"
وأسلم بين يدي النبي ﷺ
وقال عنه النبي ﷺ أنه يشبه المسيح "عيسى" عليه السلام
ثم سأل "عروة بن مسعود" رضي الله عنه : النبي ﷺ أن يرجع إلى قومه بالإسلام .
فقال له رسول الله ﷺ : إن فعلت فإنهم قاتلوك .
فقال عروة رضي الله عنه :
يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم ...
فعاد "عروة" رضي الله عنه وأظهر إسلامه ودعا قومه إلى الإسلام ولكنهم رفضوا الإسلام وسبوه وأغلظوا له القول .

وفي فجر اليوم التالي صعد "عروة" رضي الله عنه على سطح منزله وأذن للصلاة .
فخرج أحد رجال ثقيف ورماه بسهم فوقع على الأرض .
وقال له أهله : ما ترى في دمك
فقال عروة رضي الله عنه :
كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إليَّ .
"ثم أوصى أن يدفن مع شهداء المسلمين الذين قتلوا أثناء حصار الطائف"
فلما بلغ النبي ﷺ ذلك قال : مثلُ عروة في قومه مثلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه .

وبرغم أن "ثقيف" قد قتلت "عروة بن مسعود" في هذا المشهد المؤلم
إلا أن ثقيف كانت في وضع لا يحسد عليه :
١ - بسبب هزيمة "ثقيف" هزيمة نكراء أمام المسلمين في "حنين"
حتى بعد أن حاصر النبي ﷺ الطائف لمدة شهر لم تجرؤ "ثقيف" على الخروج لمواجهة المسلمين بالرغم من أن نسائهم وأبنائهم وأموالهم كانت في أيدي المسلمين .

٢ - أسلمت تقريباً جميع قبائل الجزيرة العربية .
حتى بطون "هوازن" نفسها والتي "ثقيف" أحد بطونها .
ولم يبق منها الا "ثقيف" ولا تستطيع ثقيف" أن تقف أمام كل العرب .

٣ - إسلام ثم مقتل "عروة بن مسعود" كان حدثاً جليلا ومزلزلا في "ثقيف"
لأن "عروة" كان محبوباً ومطاعا في قومه .

٤ - لأن "مالك بن عوف النصري" والذي كان قائد جيش "هوازن" في غزوة حنين ضد المسلمين كان قد أسلم .
وكلفه النبي ﷺ بحصار الطائف
فضيق ذلك عليهم بشدة وأخذ الوضع الإقتصادي في التردي نتيجة هذا الحصار .
وفقدت الطائف مكانتها التجارية لأنها أصبحت مكان غير آمن ولا يستطيع التجار من العرب وغيرهم الدخول إليها .
كل هذه الأسباب جعلت "ثقيف" تفكر في الإسلام .
ولذلك بعد عودة النبي ﷺ من غزوة "تبوك" جاء إلى المدينة وفد من "ثقيف" مكون من ستة أشخاص :
على رأسهم أحد أبرز سادة "ثقيف" وهو "عبدياليل بن مسعود" : وهو نفس الشخص الذي رد الرسول ﷺ منذ 12 عام عندما جاء إلى "الطائف" ليعرض عليهم الإسلام....

فلما قدم هذا الوفد إلى المدينة، كان أول من رآهم
"المغيرة بن شعبة" رضي الله عنه وكان يرعى الإبل خارج المدينة فنهض مسرعاً حتى يبشر النبي ﷺ
فلقيه : "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأخبره بقدوم "ثقيف"
فقال له : "أبو بكر" أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله ﷺ حتى أكون أنا من يحدثه
فذهب "أبو بكر" رضي الله عنه وبشر النبي ﷺ ....

ثم ذهب إليهم "المغيرة بن شعبة" وعلمهم كيف يحيون النبي ﷺ
فلما دخلوا على الرسول ﷺ لم يحيوه كما علمهم المغيرة بتحية الإسلام ....
وإنما حيوه بتحية الجاهلية
"وكانت هذه أول علامة أن وفد "ثقيف" لم يأت مسلماً رغبة في الإسلام"
وإنما جاء رغبا ورهبا في الدولة الإسلامية الجديدة الناشئة القوية ....
استقبل النبي ﷺ وفد "ثقيف" استقبالاً طيباً يليق بنبي كريم
ولم يذكرهم بشيء من هذا التاريخ الطويل من العداء والذي بدأ منذ زيارته أول مرة للطائف في السنة العاشرة من البعثة حتى معركة "حنين" منذ بضعة شهور ....
وأمر النبي ﷺ أن تضرب لهم خيمة في المسجد : حتى يكون ذلك أرق لقلوبهم ويستمعوا إلى حديث النبي ﷺ ويشاهدوا أحوال المسلمين ويتعلموا الإسلام ويسمعوا القرآن الكريم

فكانوا يمكثون في المسجد ثم يذهبون إلى رحالهم للقيلولة أو غير ذلك .
وكانوا قد تركوا رحالهم خارج المدينة .
وكان وفد "ثقيف" قد تركوا عند رحالهم لحراستها أصغرهم سناً وهو "عثمان بن أبي العاص" وكان عمره 27 عام تقريباً
فكانوا إذا ذهبوا إلى رحالهم تركهم "عثمان بن أبي العاص" وذهب إلى النبي ﷺ ليتعلم على يديه ....
وإذا لم يجد النبي ﷺ كان يجلس إلى "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه أو "أبي بن كعب" رضي الله عنه ويتعلم منه القرآن .
وحفظ "عثمان بن أبي العاص" في هذه الأيام سورة "البقرة"
ثم أتى إلى النبي ﷺ وقال :
يا رسول الله إن القرآن يتفلت مني...
فوضع ﷺ يده على صدره وقال يا شيطان اخرج من صدر عثمان .
يقول : عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه .
أعجب النبي ﷺ "بعثمان بن أبي العاص" وأحبه ورأى فيه خيرا كثيرا .
وسنجد بعد ذلك "لعثمان بن أبي العاص" رضي الله عنه سيرة طيبة وعطاءاً عظيماً للدولة الإسلامية وله فتوحات حتى فارس والهند رضي الله عنه وأرضاه ....

جاء الوفد بعد ذلك ليسلم على يدي النبي ﷺ لكنهم أرادوا الإسلام بشروط معينة .
فتحدث زعيمهم كنانة بن عبد ياليل
وقال: أفرأيت الزنى . فإنا قوم نغترب ولا بد لنا منه ؟
فقال له النبي ﷺ : هو عليكم حرام .*
فإن الله عز وجل يقول .
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا .
قال : أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها ؟
قال له النبي ﷺ لكم رءوس أموالكم إن الله تعالى يقول .
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين .
قال : أفرأيت الخمر . فإنه عصير أرضنا لا بد لنا منها ؟
فقال له النبي ﷺ : إن الله قد حرمها .
ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .

ثم طلبوا طلبا أخيرا غريباً :
وهو أن يتم إعفائهم من الصلاة
فرفض النبي ﷺ طلبهم
وقال : لا خير في دين لا صلاة فيه .
ولا شك أن النبي ﷺ كان حزيناً وهو يستمع إلى هذه المناقشة
لأن هذه المساومات كانت تدل على أن هذا الوفد لم يأت مقتنعا بالإسلام وإنما جاءوا خوفاً من الدولة الإسلامية .
وأن هذه الأيام التي قضوها في المدينة وفي مسجد النبي ﷺ لم تؤثر فيهم .
ثم خلا القوم بعضهم ببعض للتشاور
وقالوا : ويحكم إنا نخاف إن خالفناه يوماً كيوم مكة...
انطلقوا نكاتبه على ما سألناه .
فأتوا النبي ﷺ .
وقال زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل"
قال للنبي صلى الله عليه وسلم نعم : لك ما سألت .
ثم قال ..أرأيت الربة ماذا نصنع فيها ؟
الربة هي صنم اللات وقد ذكرنا أنها كانت من أعظم أصنام العرب
وكان يقسم بها ويهدى إليها ويذبح عندها
فرد النبي ﷺ بمنتهى الحزم
وقال : اهدموها .
ففزع الوفد وقال كنانة هيهات . لو تعلم الربة أنك تريد هدمها لقتلت أهلها
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا ابن عبد ياليل :
ما أجهلك إنما الربة حجر
فقال له : إنا لم نأتك يا ابن الخطاب
فلما رأى الوفد حزم النبي ﷺ واصراره بدؤوا يساومون في توقيت هدم صنم اللات .
فطلبوا من النبي ﷺ أن يترك اللات 3 سنوات قبل أن يهدمها .
فرفض النبي ﷺ .
فطلبوا أن يتركها سنتين .
فرفض النبي ﷺ .
فقالوا . سنة .
فرفض النبي ﷺ .
فطلبوا شهراً واحدا .
فرفض النبي ﷺ .
فلما أسقط في أيديهم قالوا : تول أنت هدمها .
فأما نحن فإنا لا نهدمها أبداً
فأجابهم النبي ﷺ إلى ذلك وقال سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها .
فقالوا : ائذن لنا أن نرحل قبل رسولك ونخبر قومنا فإنا أعلم بقومنا .
"يعني لا ترسل من يهدم اللات فوراً ولكن دعنا نمهد لثقيف هذا الأمر"
فوافقهم النبي ﷺ في ذلك
ثم قالوا : يا رسول الله !
أمر علينا رجلاً يؤمنا من قومنا
فأمر عليهم النبي ﷺ "عثمان بن أبي العاص" رضي الله عنه مع أنه كان أصغرهم سنا وهو الذي كانوا يتركونه في رحالهم .
لأن النبي ﷺ وجده أحرص القوم على تعلم الإسلام ووجد فيه كفاءة قيادية .
ورفض النبي ﷺ أن يؤمر عليهم زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل" لأنه وضح من خلال مناقشته للرسول ﷺ عدم إقتناعه بالإسلام .
وكان تأمير النبي ﷺ لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه وهو شاب صغير ولم يؤمر "عبد ياليل"
وقد أمر من قبل على مكة "عتبة بن أسيد" وهو أيضا شاب.....
وعزل "أبو سفيان"
وهذا يدل على اقتناع النبي ﷺ بالإمكانيات الهائلة للشباب

انطلق الوفد....
ولكن بقي عندهم مشكلة وهي مواجهة قومهم بكل هذا وكانوا يعلمون أن غالبية "ثقيف" لا تزال ترفض الإسلام .
فقال "كنانة بن عبد ياليل" أنا أعلم الناس بثقيف . فاكتموهم القضية وخوفوهم بالحرب والقتال ....
وأخبروهم أن محمداً سألنا أمورا أبيناها عليه .
"أي رفضنا شروطه"
سألنا أن نهدم اللات والعزى وأن نحرم الخمر والزنى والربا .

فلما وصلوا إلى "الطائف" خرجت ثقيف لاستقبالهم فأظهر الوفد الحزن واتجهوا إلى اللات كما هي عادة "ثقيف" ونزلوا عندها
ثم قالوا لهم .... أتينا رجلاً فظا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء قد ظهر بالسيف وداخ له العرب "يعني خضع له العرب دوخهم" ودان له الناس ....
فعرض علينا أمورا شدادا
أن نهدم اللات ونترك الخمر والزنا والربا وأمرنا بالصلاة .
فقالت ثقيف :
والله لا نقبل هذا أبدآ....
فقال لهم الوفد : فتهيئوا للقتال وتعبئوا له ورمموا حصونكم .
ومكثت "ثقيف" يومين .
ثم ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب فجاؤوا إلى الوفد .
قالوا لهم : والله ما لنا به طاقة وقد داخ له العرب .
فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه عليه .
فلما رأى الوفد ذلك .
قالوا لهم : فإنا قد صالحناه على ذلك ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم .
قالوا : فلم كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا أشد الغم ؟!
قالوا : أردنا أن يذهب الله عنكم نخوة الشيطان .

ولم تمضِ الا أيام حتى جاءت السرية التي أرسلها الحبيب المصطفى ﷺ لهدم صنم "اللات"
وبرغم أن "ثقيف" قد دخلت في الإسلام .
الا أن دخول "الطائف" وهدم صنمها أمر غير مأمون على الإطلاق ومهمة شديدة الخطورة ....
لذلك أرسل النبي ﷺ السرية وأمر عليها القائد الفذ "خالد بن الوليد" رضي الله عنه وأرضاه
وجعل مع هذه السرية "المغيرة بن شعبة" رضي الله عنه
وهو من "ثقيف"
فلا شك أن البطن الذي ينتمي إليه "المغيرة بن شعبة" من ثقيف وهو بطن "بني متعب" سيقوم بحماية "المغيرة" وحماية المسلمين ....

و كما أرسل معهم النبي ﷺ أيضآ "أبو سفيان بن حرب" وهذه أيضآ إشارة هامة إلى أن زعيم الوثنية السابق هو الذي يذهب بنفسه لهدم أشهر أصنام العرب .

فلما وصلت هذه السرية اتجهت فوراً إلى اللات....

فخرجت كل "ثقيف" رجالاً ونساء وأطفالا وتجمعت تشاهد هذا الحدث ....
أغلب "ثقيف" تعتقد أنهم لن يستطيعوا هدم "اللات"
فقام : "المغيرة بن شعبة" وقال لأصحابه لأضحكنكم من ثقيف
أخذ المعول فضرب اللات ضربة ثم سقط على الأرض وأخذ يحرك جسده ورجليه كالمصروع . فاضطربت كل "ثقيف" وأخذت تصيح :
وتقول : قتلته الربة قتلته الربة .
وفرحت "ثقيف" وصاحوا من شاء منكم فليقترب ويهدمها
فوثب "المغيرة" وهو يقول : قبحكم الله يا معشر ثقيف
إنما هي حجارة لا تضر ولا تنفع فاقبلوا عافية الله واعبدوه

ثم قام "المغيرة" وقام معه المسلمون فهدموا اللات عن آخرها ....
ثم قال السادن : "أي الخادم الذي يقوم بعناية اللات"
قال : إن هدموا الأساس ليخسفن بهم .
فسمع المغيرة ذلك فقال لخالد دعني أحفر أساسها
"فحفر الأساس حتى أخرج التراب ....
واسقط في يد ثقيف وبهتت"
وحسن بعد ذلك إسلام "ثقيف"

هذه كانت قصة اسلام ثقيف
ومن حسن إسلامها :
لم تكن من ضمن القبائل التي إرتدت عن الإسلام بعد وفاة الحبيب المصطفى ﷺ

✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....








[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة عشر بعد المئتيين 216
وفد بنو سعد بن بكر .

كانت العرب قاطبة في الجزيرة ترقب أمر النبي ﷺ مع قومه في مكة ....
فإن العرب كلها تكنُ قدراً و إحتراماً وهيبةً لأهل الحرم ...
وقد علموا جميعاً بحادثة الفيل وأصبحوا على يقين وقناعة أن من يريد بهذا البلد أو أهله بسوء لن يسلم من عقوبة السماء...

هكذا كان إعتقادهم لأنهم لايؤمنون بالله تعالى بل يؤمنون بالأصنام وأن من يرد به سوء يأتيه عقاب الآلهة ولأن قريش هم : حضنة البيت وزرع إسماعيل عليه السلام
وأن قريش هم : من يقومون بحق ضيافة وفود الرحمن في موسم الحج ....

فلما كان أمر النبي ﷺ مع قومه ووقعت عدة معارك كراً وفراً بين قريش والمسلمين .
أخذت العرب ترقبُ مصير قريش مع هذا النبي ﷺ ....

فخرجوا بنتيجة قالوا :
إن يكن محمد غير صادق فلن يسلم إذا اعتدى على قريش أو حاول فتح مكة .
وإن يكن صادقاً وفتحها وظهر على قريش يكن نبياّ حقاً وصدقا

فلما تم "فتح مكة" وتبعها "غزوة تبوك" أخذت العرب تفد إلى المدينة ليلاّ ونهاراً يدخلون في دين الله تعالى...
وكانت هذه الوفود تختلف أعدادها .... فقد تكون عشرة أفراد وقد تكون أكثر أو أقل .
وكانت تمكث في المدينة بضعة أيام ثلاثة أيام أو أكثر أو أقل .

فكانت تتعلم في هذه الأيام أصول العقائد والصلاة والفرائض ....

وفد بنو سعد بن بكر .
وفد مبارك كان ممثلاً برجل واحد إسمه "ضمام بن ثعلبة" رضي الله عنه...
كان من الوفود المباركة التي قدمت المدينة
وهو وفد "بنو سعد بن بكر "أحد بطون هوازن .
وكان هذا الوفد الذي أرسلته "بنو سعد بن بكر" مكون من رجل واحد فقط وهو "ضمام بن ثعلبة"
لم يكن "ضمام" هذا سيد قومه ولكن كان من عقلاء القوم وحكمائهم فوقع الخيار عليه وذلك لثقتهم فيه وفي رأيه .
طلب منه قومه أن يفد إلى المدينة ويجتمع بالنبي ﷺ وأن يحدثه ويرى فيه رأيه ثم يأتيهم بالخلاصة كي يجمعوا رأيهم ليرسلوا وفدهم .
لكن "ضمام" كان خير وفد وخير وافد .
فقد كفى قومه هذه المهمة .
فكان خير و أيمن وافد على قومه .
قدم هذا الرجل : "ضمام" على جمل له وحده لا يرافقه أحد .
دخل المسجد بجمله وأناخه على باب المسجد وعقله ثم دخل المسجد .
و قال : أيكم محمد بن عبد المطلب ؟
وكان النبي ﷺ متكئاً على ذراعه اليمنى .
يقول الصحابة رضي الله عنهم دخل ضمام وله دوي لا يفهم .
"أي بلهجة قومه لأنه كان للعرب لهجات وجاء القران بها كلها
قال : أيكم محمد بن عبد المطلب ؟؟
وكان النبي ﷺ متكئاً على ذراعه اليمنى
قالوا : فاستند النبي ﷺ
"أي جلس على ركبتيه ""
قالوا : فاستند النبي ﷺ وقال نعم أنا بن عبد المطلب .
قال ضمام . أمحمد ؟؟
فقال النبي ﷺ نعم أنا محمد بن عبد المطلب .
انظروا إلى الحبيب المصطفى ﷺ وهو سيد الأنبياء والرسل وخير البشر .
وهو القائد الذي دانت له الجزيرة العربية وخضع له كل العرب للمرة الأولى في تاريخ الجزيرة العربية .
وواجه الروم وانسحبوا من أمامه .
يجلس بين أصحابه رضي الله عنهم وأتباعه وجنوده على الأرض متكئا حتى أن الغريب لا يعرفه من بينهم حتى يسأل عليه .


تقدم "ضمام بن ثعلبة" إلى النبي ﷺ
وقال له : يا ابن عبد المطلب
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك .
قال ضمام : إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك .
"يعني لا تنفعل وتغضب من اسألتي"
فقال له ﷺ في تواضع وسعة صدر سل عما بدا لك فإني لا أجد إن شاء الله تعالى .
قال ضمام : يا محمد .
أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك .
قال النبي ﷺ صدق ..
قال ضمام . فمن خلق السماء ؟
قال له النبي ﷺ الله ..
قال ضمام . فمن خلق الأرض؟
فقال له الله ..
قال ضمام . فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل .
قال له النبي ﷺ الله ..

قال ضمام : اناشدك الله الذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال إلهك وإله أبائك وإله من كائنٌ بعدك آلله .. أرسلك إلينا رسولا .
قال له النبي ﷺ اللهم نعم ..
قال ضمام : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ؟
قال له النبي ﷺ صدق..
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
"انظروا إلى تسلسل صيغة السؤال .
قال فبالذي ارسلك .
دليل على ان الايمان سرى في قلب ضمام لم يكرر ويقول له يا بن عبدالمطلب"
قال . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ نعم..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا . تؤخذ من أغنيائنا فتقسم في فقرائنا .
قال النبي ﷺ صدق..
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ نعم..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا ؟
قال النبي ﷺ صدقك .
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ اللهم نعم ..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً .
قال النبي ﷺ صدق ..
ثم قرأ عليه النبي ﷺ شيء من القران الكريم
فلما انتهى النبي ﷺ .
قال ضمام : آمنت بما جئت به .
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك يا محمد رسول الله . صلى الله عليه وسلم
فوالذي بعثك بالحق وانقذنا بك من الضلالة إلى الهدى لن أزيد عن ما سمعت منك ولا أنقص منهن شيء .
وأنا ضمام بن ثعلبة وأنا رسول من ورائي من قومي إليك من بني سعد بن بكر .
ثم ولى ضمام ورجع إلى قومه مسرعاً ....

فلما خرج ضمام قال النبي ﷺ لمن حوله :
لقد فقه الرجل و لئن صدق ليدخلن الجنة .

عاد "ضمام بن ثعلبة" إلى قومه
واجتمع حوله الناس يستمعون إليه...
فكان أول شيء تكلم به .
فقال : بئست اللات والعزى
قالوا : مه يا ضمام ! "يعني على مهلك لا تستعجل"
مه يا ضمام اتقِ البرص والجذام اتق الجنون .
"يعني احذر أن تصاب بهذه الأمراض لأنك تشتم الآلهة .
هكذا كانوا يعتقدون أن من شتم الآلهة ابتلي بالجذام والبرص والجنون .....
قال : ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان .
إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه .
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله .
إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه .
ولا يزال ضمام بقومه حتى أسلموا جميعاً رجالاً ونساءاً في نفس اليوم الذي عاد فيه .

لذلك يقول "ابن عباس" رضي الله عنه الذي روى لنا هذه القصة
أن "ضمام بن ثعلبة" رضي الله عنه هو أفضل وافد سمعوا به .

و العبرة من قصة "ضمام" رضي الله عنه ليست بالكثرة .
وقد غير شخص واحد من واقع قبيلة بأكملها.
رضي الله عنه
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....













[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة بعد المئتان 207
غزوة تبوك . الجزء الرابع .
حال المنافقين .

تخلف عن النبي ﷺ رهط من المنافقين وهم في طريقهم لغزوة تبوك ....
ولكن بقي بين ظهر المسلمون عدد من المنافقين خرجوا معهم رغبة ورهبة ....
رغبة في الغنائم فهم على يقين بأن النبي ﷺ سينتصر إن لقي حرباً .
ورهبة من أن يفتضح أمر نفاقهم
ونختار نموذجين عن هؤلاء المنافقون

النموذج الاول ....
عندما كان النبي ﷺ في طريقه لغزوة تبوك .
الجيش كما قلنا تعداده 30 ألف بخيلهم وإبلهم .
ويكاد الرجل من ضجيج الجيش لا يسمع من بجانبه .
فجلس النبي ﷺ يستريح ثم أذن بالرحيل .
فكان ثلاثة من المنافقين يجلسون في خيمة واحدة ومتاعهم مع بعض
فختموا جلستهم هذه قبل الرحيل بغيبة لرسول الله ﷺ
أما اسمائهم :
  • الوديعة بن ثابت
  • الجلاس بن عمرو
  • مخشن بن حمير
الثلاثة كانوا في رحل واحد يتكلمون مع بعضهم والنبي ﷺ كان في آخر الجيش .

فقال وديعة بن ثابت: لقد صدق والله ابن سلول
أتحسبون أن جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً والله لكأني بكم غداً مقرنين في الحبال ....
"يقول هذا الكلام إرجافاً وترهيباً للمؤمنين"فأخذ القوم يضحكون...

فقال جلاس : وكان معه فتى قد ناهز الحلم يعني عمره 12 أو 13 إسمه "عمير" كان يتيم و تزوج الجلاس أمه فأصبح "عمير" ربيبه فكان متعلق به و لا يرتحل إلى مكان إلا إصطحبه معه وكان عمير فتى مؤمن يحبه النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً و يداعبه ....
فكان عمير هذا جالساً معهم
فقال الجلاس :
قال مجيباً لوديعة :
والله لئن صدق محمدٌ ، لنحن شر من الحمير.
"يعني إذا طلع محمد صادق أنه نبي مثل مايقول فنحن أقل منزلة من الحمير"
فأجابه الفتى اليتيم "عمير" الذي هو في كفالته
قال بلغة المؤمن الصادق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم
مجيباً زوج أمه وكافله
قال : أنت شر من الحمير وإن لرسول الله صادق ...
فتدارك "مخشن بن حمير" الموقف حين أجاب هذا الفتى الصغير بهذه اللهجة ورأى أن هنالك عناية ربانية تجعل الصغير لا يخشى بقول كلمة الحق
فقال مخشن بن حمير :
والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مئة جلدة.
وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه .
"يعني لو هذا الولد وصل للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قلناه أحب إلي أن اجلد ولا ينزل فينا من الله قرآن يتلى .
وإذا بالنبي ﷺ وهو بآخر الجيش يقول لعمار بن ياسر رضي الله عنه :
قم يا عمار بن ياسر أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا .
فقال الصحابة رضي الله عنهم متعجبين . من يارسول الله ؟
فسماهم النبي ﷺ بأسمائهم .
قم يا عمار بن ياسر أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا .
فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا .
وقال فلان كذا .
وأجابه فلان بكذا .
وقل لهم أنا محمد رسول الله .
فانطلق إليهم عمار وهو يشق صفوف الناس حتى أدرك الثلاثة قبل أن يرتحلوا .
فقال لهم عمار رضي الله عنه : قفوا مالحديث الذي دار بينكم تنتقصون فيه رسول الله ؟
فقالوا . ماقلنا شيئاً
وأقسم الجلاس والله ما قلنا شيء .
فقال عمار . لا بل قلت يا فلان كذا وقلت يا فلان كذا .
"واخبرهم بما قالوا بالتفصيل"
فقام "وديعة بن ثابت" يجري وراء رسول الله ﷺ والنبي صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته .
فجعل يتعلق بناقة النبي ﷺ يريد الإعتذار .
فلم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه ومضى في سيره .
فأمسك بحقاب الناقة وأخذ يجري خلف النبي ﷺ
وهو يقول : يا رسول الله . اسمعني اسمعني . إنما كنا نخوض ونلعب ...
فلم يقف له النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستمع له
وإذا بالراحلة التي يركبها النبي ﷺ تثقل وأخذت تمشي ببطء ولم تعد تقوى على المشيء
فوقف الناس وعلموا أنه يوحى إلى الحبيب ﷺ .
وإذا بجبريل عليه السلام ينزل بثلاث آيات من سورة "التوبة"
قال تعالى :
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ .
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ .
قل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ .

فبعد نزول الآيات جاء إلى النبي ﷺ "مخشن بن حمير" وجلس بين يدي النبي ﷺ وهو خجل مطرقاً رأسه إلى الأرض مشرقاّ وقد تاب إلى الله توبة صادقة
وهو يقول: بأبي وأمي أنت يا رسول الله ، والله ما قلت إلا خيراّ .
"صحيح كان هناك حديث بس أنا اللي طلع مني خير"
ولقد رجوت أن اجلد مئة جلدة ولا أن ينزل بي قرآن يتلى إلى قيام الساعة .
فنظر إليه النبي ﷺ نظرة رضا وهو مبتسماً .
وقال لقد أنزل الله قرآن وأنت ممن عفى عنك .
فقال مخشن . يا رسول الله ، لعله قعد بي اسمي واسم أبي .
فأنا مخشن بن حمير وإن لكل مسمى من اسمه نصيب .

فقال له النبي ﷺ مبتسما لا عليك فأنت بعد اليوم "عبدالرحمن"
فتسمى عبد الرحمن واستثني هذا من قائمة المنافقين .

التوبة الصادقة إلى الله تجب ما قبلها

وسأل "عبد الرحمن" هذا الله تعالى أن يقتل شهيداً و لا يعلم الناس بمكانه .
فقتل يوم اليمامة ، فلم يجد الناس له أثر .
فلقد صدق الله في توبته رضي الله عنه.

النموذج الثاني ....

مضى النبي ﷺ في طريقه لغزوة "تبوك" واستراح ليلاً .
وانطلقت الإبل في الوادي .
فلما كان وقت الرحيل افتقدوا ناقة النبي ﷺ فلم يجدوها .
فلم يتحرك أحد من الجيش .
وأخذ الصحابة رضي الله عنهم يبحثون عن ناقة النبي ﷺ وهي ناقته "القصواء"
طال البحث عنها ولم يجدوها .
وكان النبي ﷺ جالسٌ في خيمته ومعه صحابي جليل عقبيا بدريا
"عقبي أي ممن شهدوا بيعة العقبة قبل الهجرة . بدري ممن شهدوا بدر .
وكلا الوصفين كان علم في حسن القدوة بين الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون فلان عقبي أو بدري أي من خيرة الصحابة .
فهذا الصحابي يجمع بين الوصفين .
كان النبي ﷺ جالس في خيمته ومعه الصحابي "عمارة بن حزم" رضي الله عنه .
أما في خيمة عمارة رضي الله عنه كان يجلس فيها أصحابه الذين كانوا مع عمارة يرحل معهم ويمشي معهم وينام معهم فكانوا يجلسون في خيمته
وعمارة رضي الله عنه هذا كان جالس مع النبي ﷺ في خيمة النبي صلى الله عليه وسلم

فكان يجلس في خيمة عمارة رجل من أصحاب عمارة أصله "يهودي من بني قينقاع" ولكنه أسلم نفاقاً إسمه "زيد بن اللصيت"
قال زيد بن اللصيت وهو في رحل عمارة :
وعمارة كما قلنا عند رسول الله ﷺ
قال : ياللعجب أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء ، ويخبرنا عن ما مضى وبما هو آت وهو لا يدري أين ناقته ؟
هذا الحديث يجري في هذا الخيمة وخيمة النبي صلى الله عليه وسلم بعيدة عنها

يقول عمارة رضي الله عنه فما راعنا إلا والنبي ﷺ يتغير وجهه و هو يقول وعمارة عنده :
إن رجلاً منافقاً في خيمة وأشار بإصبعه بعيداً يقول .
هذا محمد يخبركم أنه نبي ، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته .
وإني والله لعبد الله ورسوله . و ما أعلم إلا ما علمني الله .
وها هو أخي جبريل قد حضر يعلمني أين الناقة ، وقد دلني الله عليها .
وهي في هذا الوادي ، في شعب كذا وكذا ، قد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها .
فذهبوا . فجاءوا بها .
فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال لأصحابه
والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله ﷺ آنفا .
"يخبرهم بفرح بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو لا يدري من القائل هو أراد أن يخبرهم لتقوية الإيمان عندهم ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم

إذا به يتغير وجهه ويشير بأصبعه ويقول إن منافقآ في خيمة يقول كذا وكذا .
تماماً كما قال زيد بن اللصيت
وأخبر أصحابه عن مكان الناقة فانطلقوا فوجدوها كما قال واحضروها .
فقال رجل ممن كان في رحل عمارة والله ما قام من مجلسنا رجل واحد .
وإن "زيد" والله هو من قال هذه المقالة قبل أن تأتي .
فوثب عمارة على زيد مغضبا يجأ في عنقه...
وهو يقول: إلي عباد الله إن في رحلي لداهية وما أشعر .
"يعني معي في خيمتي منافق وأنا لا أعلم "
اخرج عدو الله من رحلي ، فلا تصحبني بعد اليوم ساعة واحدة
وأخرجه من خيمته .

تجهز النبي ﷺ للرحيل ...
وقبل أن ينطلق الجيش أمر رجل من أصحابه صوته جهوري أن ينادي بالجيش .
حتى يسمع الجيش كله يقال إنه عمه العباس رضي الله عنه
قال . نادي بالجيش وقل لهم
ألا إن رسول الله يقول لكم إنكم مشرفون على تبوك غداً إن شاء الله تعالى .
وستصلون إليها عند الضحى فمن سبقنا إليها فلا يقرب ولا يمس أحد ماءها حتى أحضر .

"لأن تبوك سبب تسميتها هو عين الماء الذي فيها كما يقال...
فهي عين ماء ضعيفة "تبك الماء بكا" لذلك سميت تبوك .
نسبة لعين الماء التي فيها فهي "تبك الماء بكا" أي لا تكاد تسقي الراكب الواحد .
يعني إذا شرب رجل انتظر الآخر ساعة بعده حتى يشرب فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لايقرب أحد الماء حتى يحضر ويبارك فيه .
هذا الحديث رواه "مالك ومسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده رحمهم الله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.

فلما وصلوا أحاط الجيش بهذه العين ينتظروا النبي ﷺ
فلما وصل ترجل عن راحلته ونظر إلى البئر إلى عينها
وقال هل مس الماء منكم أحد ؟
فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم أجل يارسول فلان وفلان "وكانوا من المنافقين"
قال معاذ رضي الله عنه فنهرهما النبي ﷺ وقال لهما ماشاء الله له أن يقول "توبيخا وتأديبا"
ثم قال لينزل منكم رجل يجمع لي ما أمكن من الماء .
"كانت العيون يجعلون حولها بئراً واسعاً وكبيراً حتى إذا نزلت الأمطار تتجمع فيها"
فنزل رجل وأحضر له من ماءها
يقول معاذ رضي الله عنه فغسل ﷺ فيه يديه ثم غسل وجهه ، ثم مضمض فيه ثم أرجعه للوعاء ثم أعطاه للرجل :
وقال له : خذ وأدر الماء في العين .
فأخذ الرجل الوعاء وأداره في العين ....
يقول معاذ رضي الله عنه ففارت الماء وعلت ولها أذيذ كأن الماء إنفجر من الأرض إنفجاراً
فما أدركنا الرجل حتى أخرجناه قبل أن يغرق حتى إمتلأ الحوض وجلسنا على حفافه نغرف بأيدينا ....
فقال ﷺ أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .
ثم نظر لمعاذ رضي الله عنه وقال يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ههنا ملىء جنانا وبساتين .
"يشير إلى أرض تبوك"
وتبوك لم تكن مدينة بل كانت أرض صحراء ذات رمال .
وهي اليوم قد امتلئت جنان وبساتين .. بل يطلق عليها تبوك الورد

ونحن نقول نشهد أن لا إله إلا الله ، ونشهد أنك رسول الله .

اللهمَّ صَلِّ وَسَـلِّمْ على نَبِيِّنَـا
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...






[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة بعدالمئتان 208
غزوة تبوك . الجزء الخامس .
تحقق النصر وانسحاب الروم .

قبل غزوة تبوك وفي الطريق إليها توفى أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه {{ ذو البجادين }}
وهو من قبيلة {{ مزينة }}
هذا الصحابي رضي الله عنه عندما أسلم جرده أهله من كل أمواله، حتى جردوه من ثيابه، وكانوا يعلمون شدة حيائه .
فأخذ بجاد "والبجاد هو كساء غليظ مخطط"
فأخذ بجاد وشقه واتزر به وذهب إلى المدينة المنورة
ووصل ودخل المسجد النبوي
فصلى الصبح مع النبي ﷺ .
فبعد إنتهاء النبي ﷺ من الصلاة أخذ يتصفح وجوه أصحابه
فلما رآه قال له : من أنت يا فتى ؟
فقال . أنا عبد العزى
فقال له النبي ﷺ بل أنت عبد الله .
ثم قال له إنزل قريباً منا .
[[وأطلق عليه الصحابة رضي الله عنهم ذو البجادين ]]
و صحب النبي ﷺ وكان كثير العبادة وكثير قراءة القرآن الكريم

فلما كانت غزوة تبوك خرج مع النبي ﷺ ثم أصابته حمى ومات رضي الله عنه.
يَقُولُ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه :قُمْتُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَرَأَيْتُ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ .
فَاتَّبَعْتُهَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم وَإِذَا عبد الله ذو البجادين المزني قَدْ مَاتَ .
وإذا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يحفر
ثم قال أَدْلِيَا لِي أَخَاكُمَا .
ثم وضعه الرَسُولُ ﷺ بيده وقال رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتَ لَأَوَّابًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ .
يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه "لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ"
وكان "ذو البجادين" رضي الله عنه هذا الشاب الصغير أحد الذين نزل النبي ﷺ بنفسه إلى قبورهم رضي الله عنه.

وصل المسلمون أخيراً إلى تبوك
وكانت المفاجأة أن الجيوش الرومانية العملاقة التي تحكم وتسيطر على نصف العالم القديم تقريباً قد فرت إلى داخل بلادها عندما علمت بقدوم النبي ﷺ
كيف فرت جيوش الإمبراطورية الرومانية العملاقة وهي الدولة الأولى في العالم في ذلك الوقت وبرغم تفوقهم الكبير على المسلمين في العدد والعدة والتاريخ والخبرات القتالية وتدريب الجنود ؟
إنه قوله تعالى :
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا .

فحين علمت الرومان بقدوم 30 ألف مسلم وعلى رأسهم محمد رسول الله ﷺ .
قارنت هذا الوضع بالمواجهة التي كانت في "مؤتة" منذ عام واحد
وكيف كان التفوق لصالح المسلمون
وكيف كان عدد القتلى من الرومان أكثر من المسلمين برغم أن عددهم كان 3000 مقاتل فقط....
"يعني عُشْر العدد الموجود في تبوك، ولم يكن معهم النبي ﷺ
ولذلك كان قرار الرومان هو الإنسحاب المخزي أمام النبي ﷺ والصحابة الكرام رضي الله عنهم

إنسحب الروم هذا الانسحاب المخزي ولم يعتدي النبي ﷺ على القبائل العربية المقيمين في "تبوك" التي كانت قد تحالفت مع الروم مثل "لخم وجذام"

لم يهدم بيوتهم ولم يأسرهم ولم يقتل النساء والأطفال والشيوخ ولم يهدم لهم بنيان

لم يعتدي النبي صلى الله عليه وسلم على أحد وبقي النبي ﷺ معسكرا 20 يوماً كاملاً .
مع أن عادة الجيوش المنتصرة في ذلك الوقت هي البقاء في أرض المعركة 3 أيام فقط ليثبت أنه الجيش المنتصر .

وأخذ ﷺ يبث العيون حتى لا يكون للعدو خطة ....
"يعني يكون إنسحابهم خدعة ثم الهجموا على المسلمين فجأة"

فلما إطمأن النبي ﷺ بأنه لا يوجد لهم تجمع وأنه قد داخلهم الرعب والخوف والهلع...
قال ﷺ : لقد نصرت بالرعب مسيرة شهر .

يقذف الله تعالى الرعب في قلوبهم منه ﷺ قبل وصوله إليهم بشهر"
ثم أراد الحبيب المصطفى ﷺ، أن يوجه رسالة للروم وحلفائها من العرب ....
فكان من أتباع الروم ملك يسمى "ملك دومة الجندل"
دومة الجندل كانت تدين النصرانية وموالية للرومان قريبة من تبوك عليها ملك قد نصبه هرقل حاكماً .
"العرب في الجاهلية لا تستطيع أن تنصب نفسها فالذي يضع ويخلع هم الروم"
ذلك الملك إسمه "أكيدر بن عبدالملك الكندي" وضعه هرقل ملك على دومة الجندل .
حتى إذا ما خالف هرقل ذيل آخر من العرب .... يسلط هذه الأذناب من العرب بعضها على بعض ويبقى الروم متفرجون .

أراد النبي ﷺ أن يوجه لهم رسالة بأن يأدب لهم ذيل من أذيالهم .
فأرسل له النبي ﷺ سرية قوامها 420 فارساً بقيادة "خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى دومة الجندل ....
قال لخالد رضي الله عنه : إذهب لدومة الجندل وأتني بملكها أكيدر حياً لاتقتله .
قال : فإن قاتلني يارسول الله وتحصن في حصنه ؟
فقال له الصادق المصدوق ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى .
قال يا خالد إنك ستجده يصيد البقر‏ خارج حصنه فخذه على غرة .
إنطلق خالد وبين عينيه نبوة رسول الله ﷺ .
حتى إقترب من "دومة الجندل" وارتقب دخول الليل وكانت ليلة صائفة مقمرة
فجلس خالد ومعه رضي الله عنهم يرقبون الحصن .
وكان "أكيدر" مع زوجته على سطح ذلك الحصن يسمر ليلاً وحوله القينات ....
"المغنيات و الراقصات بلغة عصرنا نسميهم فنانين و نجوم"
سمعت زوجته صوت البقر وقد جاء البقر الوحشي يحك قرونه في باب الحصن .

كان أكيدر هذه الليلة لم يخرج للصيد وهو على سطح الحصن يسمر فساق الله تعالى له البقر الوحشي إلى باب حصنه وأخذت تحك بقرونها باب الحصن .
فاطلت زوجته وقالت له متعجبة : أي أكيدر !!
هل رأيت مثل هذا ؟ !!
فنظر "أكيدر" على الأبقار من سطح الحصن
قال : لا !! لطالما أعددت لها الخيل وهي الآن تأتي إلى باب الحصن ؟
قالت . فهل يترك هذا ؟
قال . لا .
فأمر بفرسه وخرج ومعه نفر من أصحابه...
خرج معه أخاه وولي عهده وإسمه "حسان" وأخذ في مطاردة البقر .
فأخذت البقر تجري إلى الجهة التي فيها "خالد" ومن معه .
فتبعها "أكيدر" فتلقته خيل "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
ودار قتال محدود إنتهت بأسر "أكيدر" وقتل أخيه "حسان" وفر من معه من رجاله إلى الحصن وأغلقوا الأبواب....

وكان أخوه "حسان" الذي قتل يرتدي ثيابا من الحرير مشغولة بالذهب "أي مخاطة بالذهب"
وفي عنقه صليب من ذهب
"لأنهم كانوا يدينون بالنصرانية"
فأمر خالد من معه أن يسلب القتيل ، فأخذوا سيفه وثيابه وصليبه الذهبي ....
ثم قال "لأكيدر" فلتأمر رجالك ليفتحوا أبواب الحصن الآن .
فقال "أكيدر" . يا خالد إذا رأى قومي ملكهم أسيراً مجدلاً في الحبال ، لن يفتحوا أبواب الحصن ....
ولن يطيعوه لأنه أصبح أسيراً
فإن شئت أن تتم الأمور ولك علي ذمة الله
"لأنه نصراني يؤمن بالله"
قال : ولك علي ذمة الله وعهده أن أصالحك مقابل حقن دماء قومي ....
ولكن فك قيدي يا خالد حتى يسمع قومي قولي .
قال له خالد لك ذلك
ففك قيده وتقدم "أكيدر" إلى الحصن ونادى من على أسواره من الحراس :
أنا أكيدر افتحوا لي باب الحصن .

ففتحوا له باب الحصن
"رجل عاقل . لأن فعلاً لو رأى قومه ملكهم مربوط بالحبال هل يطيعوه ؟
ففتحت أبواب الحصن دون أن تراق قطرة دم واحدة .
فدخل "خالد" وصالح "أكيدر" على شيء من سلاح ومال مقابل حقن للدماء .
وعلى أن يسير معه إلى النبي ﷺ "لأن النبي ﷺ قال لخالد أحضره إلي"
وجاء به خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي ﷺ .
وكان "خالد" قد أمر بعض أصحابه أن ينطلقوا بما سلب من حسان من سلاح وثوبه الحرير المشغول بالذهب ويسبقوه إلى تبوك حيث النبي ﷺ هناك

ليبشروا النبي ﷺ بقدوم خالد ومعه ملك دومة الجندل "أكيدر"
فوصلوا إلى النبي ﷺ ووضعوا بين يديه ما سلب عن "حسان"

يقول الصحابة رضي الله عنهم ومنهم "عمر بن الخطاب" في رواية هذا الحديث "والحديث متفق عليه"
قال . فأخذنا نتلمس ذلك الثوب من الحرير الذي سلب عن حسان ونعجب منه لنعومته وكيف طرز بالذهب ....
فقال النبي ﷺ أتعجبون من هذا ؟؟
وأشار بيده إلى ذلك الثوب الحريري .
قلنا : نعم يا رسول الله
قال والذي نفسي بيده لمناديل "سعد بن معاذ" في الجنة يمسح بها يديه ويلقيها أحسن من هذا وأعز .
كلنا أصبحنا نعلم من هو سعد بن معاذ رضي الله عنه
هو سيد الأوس الذي استشهد في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة .
الذي اهتز لموته عرش الرحمن .
الذي له مواقف كثيرة أثلجت صدر النبي ﷺ

فجاء خالد ومعه "أكيدر" .
وكان عليه لباس الملوك وثياب من حرير وفي عنقه صليب من ذهب .
فكان له هيبة الملوك .
فلما دخل "أكيدر" على رسول الله ووقع نظره على الحبيب المصطفى ﷺ .
أرتعدت فرائصه وخر "أكيدر" ساجداً بين يدي رسول الله "كما يفعلون للأكاسرة والأقاصرة"
فأشار النبي ﷺ بيديه وهو يقول لا ، لا ، لا تفعل . إنما أنا عبدالله ورسوله ، لا ينبغي السجود إلا لله .
فجلس أكيدر يحدث النبي ﷺ وصالحه على دفع الجزية .
وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً وجعله ملكاً على قومه كما كان .
وخلى سبيله ولكن ولائه يكون لدولة الإسلام لا لدولة الروم .

فلما سمع ملوك وأمراء الشام بما حدث مع الملك "أكيدر"
أتى ملوك وأمراء مدن الشام الذين يجاورون الجزيرة العربية والموالين للإمبراطورية الرومانية لمصالحة النبي ﷺ على الجزية
بعد أن أدركوا أن أسيادهم القدماء قد ولت أيامهم
وكان من الذين جاءوا "يحنَّة بن رؤبة"
وهو صاحب مدينة "آيلة" العقبة الآن من جهة فلسطين يحتلها اليوم إخوة القردة والخنازير .

وكذلك جاء أهل "جرباء"
وأهل "أذرح"
وهكذا أحكم النبي ﷺ سيطرته على كامل شمال الجزيرة العربية .
وأصبحت حدود الدولة الإسلامية ملامسة لحدود الإمبراطورية الرومانية .
وفقدت الإمبراطورية الرومانية حلفائها في شمال الجزيرة العربية .
كما سقطت هيبة الدولة الرومانية سقوطا مدوياً .

ومهد هذا للفتوحات الإسلامية في بلاد الشام التي تمت بعد ذلك في عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه...
ورجع النبي ﷺ من "تبوك" في "رمضان" من السنة التاسعة .

وفي طريق العودة كما قلنا الطريق من تبوك للمدينة أرض صحراء وحرارة الشمس شديدة
فأصابهم العطش والتعب والهوان "فلا طعام ولا ماء رمال الصحراء تعسف بهم"
وأخذ المنافقون يستغلون هذه الظروف ...

فقال المنافقون وهم يسخرون من هذا الجيش وهذا الخروج ويسخرون من كبار الصحابة رضي الله عنهم "كعثمان وعبدالرحمن بن عوف" الذين أنفقوا أموالهم لهذه الغزوة .
يقولون : أنفقتم أموالكم فلا أنتم قاتلتم ولا أنتم غنمتم فعلى أي شيء أنفقتم ؟

وهكذا ، من هذه الأقوال فإذا زجرهم الصحابة رضي الله عنهم يقولون ندردش نخوض ونلعب .
فأذاقهم الله عطشاّ شديداً .

وكان النبي ﷺ لا يكشف النقاب عن المنافق بغية ثلاثة امور :
١- رجاء أن يحسن إسلامه فيحقق الله في النبي ﷺ من قوله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

٢- من أجل أن لا يؤذي أقاربهم من الصحابة رضي الله عنهم من ذوي الايمان .

٣- حتى لا يخرجوا من صفوف المسلمين علانية وينضموا إلى العدو فيكثر عدد أعدائنا .

فهيأ الله السبب للنبي ﷺ لعله يعظهم فيزدادوا إيماناً .
فاشتد بهم العطش في أرض صحراء لا ماء بها .
فاشتكى الصحابة لرسول الله العطش .
فقال هل معكم شيء من ماء ؟
فجمعوا له مقدار قدر "وعاء صغير"
فقال لهم احضروا لي وعاء من أوعيتكم التي تسقوا بها دوابكم .
"كانوا يحملون للخيل والإبل في السفر أوعية من أدم اي من جلد تكون مثل ما نسميه اليوم طشت ولكن كبير من كبرها يستطيع أن يقف حولها 100 أو 200 رجل"
فأخذوا يفرشوا وعاء من الجلد ثم تحلقوا حوله .
يقول الصحابة رضي الله عنهم والحديث في الصحاح الستة

لقد أحاط بذلك الإناء أكثر من مئتي رجل لا يزاحم رجل منهم الآخر
فأخذ النبي ﷺ الإناء الصغير الذي فيه الماء
"المنافقون ينظرون من أين سيأتينا بالماء ؟؟
لم يدعوا الآن فتأتي سحابة تمطر . ولا هنالك عين لتتفجر منها المياه"
فوضع يده ﷺ اليمنى في ذلك الوعاء الصغير فما ستر الماء جلدة يده .
ثم قرأ ماشاء الله له أن يقرأ
ثم دعا بما فتح الله عليه من دعاء ثم نفث بين أصابعه
قالوا : ففارت أربعة عيون من الماء بين أصابعه صلى الله عليه وسلم... تنبع من بين أصابعه وتسكب في ذلك الوعاء الكبير
ثم قال استقوا واملؤا أسقيتكم .
فأخذنا نملأ بضع نهار حتى استقينا وسقينا دوابنا وملأنا أوعيتنا والماء يفور من بين أصابعه ﷺ ونحن ننظر .
ثم قال هل بقي لكم من حاجة من ماء ؟
قلنا . اللهم لا .. قد إكتفينا يا رسول الله .
فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأني عبدالله ورسوله .
ثم قبض يده فتوقف نبض الماء .

فقال الصادقون من الصحابة رضي الله عنهم لبعض من لمسوا منهم النفاق
ويلكم ألم يكفيكم هذا ؟؟
فماذا أجابوهم ؟؟
قالوا : بلغنا عن أهل الكتاب أن موسى قد ضرب الحجر بعصاه فانبثقت منه اثنتا عشرة عيناً .

قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)

عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)

الآيات تكشف صفات المنافقين وتأتي سياق الآيات
ومنهم ، ومنهم ، ومنهم .
ويسطر الله مقولة كل واحد منهم .
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى....











[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة بعد المئتان 209
العودة من تبوك ومحاولة قتل النبي ﷺ .

الله عزوجل أنزل آيات من سورة التوبة تفضح المنافقون .
فأحس المنافقون أنه سيكشف النقاب عنهم ولم يبقى إلا أن يذكرهم بأسماءهم وأسماء آباءهم ....

وكان هنالك 12 منافق وعلموا أن للنبي صلى الله عليه وسلم موقف و شأن مع المنافقين بعد نزول هذه الآيات فأتمروا ليلاً
واتفقوا على أن يقتلوا النبي ﷺ غيلة وكان ﷺ من سنته إذا كان متجهاً إلى غزوة يسير في طليعة الجيش في المقدمة .
أما إذا كان راجعاً من غزوة يسير في آخر الجيش
ويقول : خلوا ظهري للملائكة وسيروا بين يدي .
يمشي آخر الجيش ويكون حوله بعض أصحابه رضي الله عنهم
فقالوا: نقتله غيلة فإنه يسير في آخر الجيش وعند الظلام .
وكان النبي ﷺ لطبيعة الحر يحب السير ليلاً و يستريح نهاراً
قالوا : نقتله غيلة فإنه يسير في آخر الجيش وعند الظلام ثم نختلط بين الناس في الظلام فلا يعلم أحد من قتله ومن إغتاله

أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على مؤامرتهم وكان يبعد عن المدينة مسيرة يوم وليلتين ....
"لأن الليلة تسبق اليوم يعني هذه الليلة المقبلة ثم يوم غد والليلة التي سيدخل فيها المدينة إن شاء الله تعالى
فلما أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على مؤامرتهم .
أراد أن يكشفهم حتى لا يلام فيهم ....
فلما إنطلق للسير ليلاً أقبل على وادٍ متسع يسير فيه الجيش
وكان على يمين هذا الوادي طريق ضيق يقال له العقبة .
"الطريق الذي فيه صعود حاد ثم ينحدر يقال له عقبة"
فأمر ﷺ "حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه وكان يقود ناقة النبي ﷺ أمره أن ينادي في الجيش ...
إن رسول الله ﷺ يأمركم أن تسلكوا الوادي .
وإنه آخذٌ في العقبة "أي سيصعد العقبة" وحده فلا يتبعه أحد ، فإن الوادي أيسر لكم وأسهل .
فهمس المنافقون بعضهم لبعضٍ وقالوا هذه فرصتنا ...
"يعني لن يخالفه احد من أصحابه رضي الله عنهم
سيسلكون الوادي ، وسيسلك النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وحده ، ومعه حذيفة رضي الله عنه يقود ناقته"
قالوا : هذه فرصتنا نتبعه ثم نزحمه في الطريق فنلقيه عن ناقته في الوادي فيتردا ثم نختلط بين الناس فلا يعلم كيف مات فيقولوا عثرت به ناقته .
النبي ﷺ أطلعه الله تعالى بكل هذا عن طريق الوحي
فسلك النبي ﷺ العقبة وكان معه إثنان من أصحابه فقط .
"حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه يقود ناقة النبي ﷺ .
"وعمار بن ياسر" رضي الله عنه كان خلف ناقة النبي ﷺ لأنها عقبة حادة كان يلتقط بعض المتاع إذا سقط .
فلما كان الليل وكان النبي ﷺ في وسط العقبة تلثم المنافقون حتى يتخفوا تماماً .
والوقت ليل وفي أول شهر
فالليل ظلام دامس"
تلثم المنافقون وتبعوا النبي ﷺ في العقبة .....
فلما كانوا على قرب منهم أحس بهم ﷺ وكان من عادته لا يلتفت ....
"لا يلتفت كما يفعل الناس برأسه .
فكان إذا أراد أن يلتفت ﷺ إلى الوراء وقف واستدار إستدارة كاملة بجسده .
والآن هو على الناقة لا يمكنه الإستدارة"
فقال : من القوم يا حذيفة ؟؟
لقد قلت لا يتبعني أحد .

فلما علموا أن النبي ﷺ قد أحس بهم أسرعوا بالسير وراء النبي صلى الله عليه وسلم
فجفلت الناقة التي يركبها النبي ﷺ واهتز بعض متاع النبي ﷺ
فسقط بعض متاع النبي ﷺ كالسوط وآلة الوضوء وبعض ما يحتاجه في الركوب ....
سقط بعض متاعه ولكن الله ثبته على راحلته فلم يؤذى
فترك خطام الناقة حذيفة رضي الله عنه وأخذ محجناً يضرب وجوه رواحلهم وهويقول: دونكم دونكم يا أعداء الله ورسوله .
وأخذ عمار بن ياسر رضي الله عنه أيضاً يدافع عن النبي ﷺ
فخاف المنافقون وانهزموا وانحدروا سريعاً إلى الوادي واختلطوا في الناس .
فقال النبي ﷺ : اعرفتهم يا حذيفة ؟؟
قال: لا والذي بعثك بالحق ولكني عرفت بعض رواحلهم .
العرب عندهم فراسة في معرفة الرواحل يقولون ناقة شهباء يقولون ناقة حمراء حمر النعم يقولون ناقة دهماء وهكذا .
قال . عرفت بعض رواحلهم .
قال أتعلم ماذا كانوا يريدون ؟؟
قال :لا والذي بعثك بالحق .
قال عزموا على أن يلقوا رسول الله من على راحلته حتى يقتل ثم يختلطون بين الناس فيقولون عثرت به ناقته .
ومضى النبي ﷺ وسار حتى أتم العقبة ثم انحدر إلى الوادي .
وكان قد إنتهى الليل وقارب الفجر ....
فامر أن يعرس الناس "يعرس أي أن يستريحوا ويناموا"
حتى كان الفجر ....
فصلى بهم رسول الله ﷺ الفجر في أرض برحة "واسعة"
ثم إستقبل الناس بوجهه ثم أمر حذيفة رضي الله عنه أن ينادي من منكم تبع النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة ؟
فلم يتكلم أحد
فقال النبي ﷺ :
إن في اصحابي اثنا عشرة منافقاً قد تبعوا محمد رسول الله في هذه الليلة إلى العقبة وعزموا أن يلقوه عن ناقته ثم يزعموا أنه قد عثرت به ناقته ، ولكن هموا بما لم ينالوا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .
منهم ثمانية منافقين من إثنا عشر اللهم أرميهم بالدبيلة .
قالوا : وما الدبيلة يا رسول الله ؟
قال سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم .
المرض المعروف بلغة عصرنا حزام الناري قد يصيب الإنسان في وسطه أو بين كتفيه"
نسأل الله تعالى السلامة و العافية.

فوثب "أسيد بن حضير" وهو من سادة الأنصار وعقبي ممن بايع النبي ﷺ يوم العقبة وكان أحد النقباء
فقال أسيد رضي الله عنه بأبي وأمي أنت يا رسول الله .
أطلعنا عليهم ما دام الله قد أطلعك فلتقم كل عشيرة إلى صاحبها فتضرب عنقه فلا يطالب به أحد .
فقال النبي ﷺ لا يا أسيد .
قال : فداك أبي وأمي أطلعنا عليهم .
فوالذي بعثك بالحق لا تقوم من مقامك حتى تكون رؤوسهم بين يديك .
فقال له النبي ﷺ إني أكره أن يقول الناس إن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم .
فقال : يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحابك .
فقال رسول الله أليس يظهرون الشهادة .

ثم أخبر النبي ﷺ "حذيفة بن اليمان ." رضي الله عنه
فقال يا حذيفة سأطلعك على أسماءهم وأسماء آباءهم ولكن اكتم عليهم ذلك .
حتى تنصح من يلي أمركم بعدي ، بأن لا يركن إليهم ولا يوكل إليهم أمرا .

"وهذه نبوة لحذيفة رضي الله عنه بأنه سيطول عمره"
فذكرهم النبي ﷺ لحذيفة رضي الله عنه...
وكما قلنا في الجزء السابق
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكشف النقاب عن المنافق
بغية ثلاثة أمور :
١ - رجاء أن يحسن إسلامه فيحقق الله في النبي ﷺ من قوله .
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .
٢ - من أجل أن لا يؤذي أقاربهم من الصحابة رضي الله عنهم من ذوي الإيمان.
٣ - حتى لا يخرجوا من صفوف المسلمين علانية وينضموا إلى العدو . فيكثر عدد أعدائنا

ولكن جاء الأذن من الله عزوجل أن يكشف النقاب عن كل واحد منهم إذا مات المنافق :
قال تعالى .
وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ..
فكان ﷺ إذا مات منافق لا يصلي عليه ﷺ .
فإذا قربت جنازته في المسجد للصلاة عليه وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم عن إسمه :
قال النبي ﷺ : صلوا على صاحبكم .
و يخرج النبي ﷺ من المسجد ولا يصلي عليه .
فإذا رأى الصحابة ذلك علموا أن هذا الميت كان منافقا ومات على نفاقه ....
فبعد أن يموت فلما يعد لنا أي مطمع في الأسباب الثلاثة التي ذكرناها .
١- مات فلا نرجو حسن إسلامه .مات على نفاقه .

٢- بعد الموت ماذا سيضر أهله وأقاربه مات على النفاق مثله كمثل من مات مشركا من قبل .

٣ - مات فلن يكثر الأعداء .

إنطلق ﷺ حتى إذا كان على مقربة من المدينة .
وكان من سنته ﷺ لا يدخلها ليلاً أبداً... صلى الله عليه وسلم.

✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...












[‏: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العاشرة بعد المئتيين 210
حرق مسجد الضرار ...

انطلق ﷺ حتى إذا كان على مقربة من المدينة وسيدخلها غداً
كان من سنته ﷺ لا يدخلها ليلاً أبداً... فكان إذا دنى منها وكان بينه وبينها ساعة من زمن نام خارج المدينة وأرسل البشائر بأنه قدم... ليستعد الناس للقاء ذويهم
ويدخلها عندما ترتفع الشمس وقت صلاة الضحى ...

فبات النبي ﷺ خارج المدينة
ثم إنتدب إثنين من الصحابة رضي الله عنهم وهما "مالك بن الدخشم" و "معن بن عدي"
ليبشروا الناس بقدوم الجيش و ليحرقوا مسجد "الضرار"
كان المنافقون قد بنوا مسجد قريب من قباء وطلبوا من النبي ﷺ أن يصلي فيه قبل خروجه لتبوك ....
فقال لهم النبي ﷺ إنا على سفر ولكن إذا رجعنا صلينا فيه إن شاء الله .
وكان المسجد قد فتح وصلي به قبل تبوك ....
"وقدر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخله ولا يصلي فيه
وعندما سألهم الناس لماذا إتخذتم مسجداً آخر قبال مسجد قباء ؟
قال المنافقون: إتخذناه للمريض والشيخ المسن والليلة المطيرة
[يعني ليس كل الناس تستطيع أن تذهب لصلاة خمس صلوات في مسجد قباء .
فأتخذنا هذا المسجد في وسط هذا الحي قريبآ من بيوتنا لكي يصلي به المريض والشيخ المسن ....
وإذا كانت ليلة فيها مطر صلينا به لأنه قريب ...
ولكن الحقيقة كانت غير ذلك

وقصة هذا المسجد :
أنه كان في المدينة قبل هجرة النبي ﷺ رجل إسمه "أبو عامر" كان قد تنصر قبل هجرة النبي ﷺ وكان من سادة الأنصار .
وعلم أن هذا الزمان زمان نبي فترهب وتنسك طمعاً في أن يكون هو هذا النبي .
وأطلق عليه أهل المدينة "أبو عامر الراهب"
فلما بعث النبي ﷺ وهاجر إلى المدينة خاب ظنه
وحقد على النبي ﷺ ورفض الإسلام وزاد حقده بعد نصر المسلمين في بدر
ثم ذهب إلى قريش وأخذ يشجعهم على حرب النبي ﷺ حتى خرجت قريش لغزو المدينة في أحد ...
وقبل بداية المعركة تقدم بين الصفوف وأخذ ينادي على الأوس حتى يخذلوا النبي ﷺ
وهو يقول : أنا أبو عامر الراهب
ولكن الأنصار سبوه وقالوا له بل أنت أبو عامر الفاسق فلما انتهت المعركة ...
لحق بهرقل قيصر الروم يستنصره على النبي ﷺ
فوعده هرقل وأقام عنده .
وأخذ يراسل المنافقين في المدينة ويعدهم بأنه سيأتي بجيش هرقل لغزو المدينة
ثم أمر أتباعه من المنافقين أن يبنوا مسجداً ليكون مقراً لهم .
وقال لهم : اتخذوا لكم مسجداً ظاهره لإقامة الصلاة وحقيقته تعقدون به أمركم وتتشاورون حتى لا يطلع عليكم أصحاب محمد.
فإذا أعددتم سلاحاً ورجالاً جئتكم بمدد من الروم فأخرجناه هو وأصحابه من المدينة .

فكان هذا المسجد الذي أمرهم به "أبو عامر الفاسق"
حقيقته ليقوموا من خلاله ببث أفكارهم الهدامة ونشر فتنهم في المدينة ... وحتى يقدم عليهم فيه من يقدم بكتبه إليهم وحتى ينزل فيه عندما يأتي .
وبالفعل بنوا مسجدا بجوار مسجد قباء .
وقالوا للرسول ﷺ لقد بنيناه للضعفاء ...
وطلبوا من النبي ﷺ أن يقدم للصلاة فيه حتى يعطوا شرعية للمسجد .
كان ذلك قبل خروج النبي ﷺ إلى "تبوك"
فعصم الله تعالى النبي ﷺ من الصلاة فيه
وقال لهم: إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله .

فلما كان النبي ﷺ في طريق عودته من "تبوك" نزل جبريل عليه السلام وأخبر النبي ﷺ بخبر هذا المسجد ...
وأنهم أرادوا به التفريق بين المؤمنين وعقد المؤامرات .

فأرسل النبي ﷺ إثنين من الصحابة رضي الله عنهم كما ذكرنا وهما "مالك بن الدخشم" و "معن بن عدي" رضي الله عنهما
فقال لهم النبي ﷺ سراً بينه وبينهم : إنطلقوا فأخبروا الناس أن جيش المسلمون قد رجعوا سالمين غانمين .

فإذا أخبرتم الناس إنطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاحرقوه ثم اهدموه .....
فانطلقوا وأخبروا الناس أن النبي ﷺ والجيش قد قدموا سالمين غانميين...
وكان المنافقين قد أرجفوا في المدينة بأن محمداً صلى الله عليه وسلم وجل أصحابه رضي الله عنهم قد هلكوا في الطريق من الحر والعطش .....
وكانوا كل يوم يشيعون إشاعة فكان جل أهل المدينة في كآبة وحزن ....
لن يروا وجه النبي ﷺ ولن يروا مجمل أهلهم الذين خرجوا ....
فلما شاع الخبر بالبشرى واشتغل الناس كلهم بالاستعداد لإستقبال ذويهم من المجاهدين .
ذهب الصحابة رضي الله عنهم الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحرق مسجد الضرار الذي كان يعقد فيه المنافقون مؤتمرهم....
وأشعلوا جريد من أوراق النخيل وألقوه من نوافذ ذلك المسجد
"والمسجد كان مبني من جذوع النخيل وسقفه من أوراق النخيل فاشتعل "
فأخذ المنافقون يفرون من ها هنا وهناك ثم هدموا المسجد على قواعده فلم يبقى له أثر .....

ولما كان الصبح دخل النبي ﷺ مدينته المنورة فلما أشرف على المدينة ...
يقول الصحابة رضي الله عنهم فلما تراءت له المدينة طرح رداءه عن منكبيه .
وقال : هذه طابة .. هذه طابة .. هذه طابة أسكننيها ربي ، تنفي خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد .
فلما وقع نظره على جبل أحد أوقف راحلته واستقبل جبل أحد و قال : هذا جبل يحبنا ونحبه ويجعله الله على باب الجنة .

ثم دخل المدينة ﷺ وكان من سنته أن يدخل مسجده أولاً فيصلي فيه ركعتين ....
فإذا فرغ من صلاته ....
أتى بيت "فاطمة" رضي الله عنها فيسلم عليها ويطمئن عنها ...
ثم طاف على حجرات أزواجه رضي الله عنهن يسلم عليهن
يقول الصحابة رضي الله عنهم فركع كعادته وظننا أنه سينطلق
فإذا به ﷺ أخذ مكانه في المحراب وجلس ....
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الحادية عشر بعد المئتيين 211
المخلفون عن تبوك . الجزء الأول .

جلس ﷺ في مسجده ينتظر المخلفون عن معركة تبوك .
فالذين لم يشهدوا تبوك قسمهم الصحابة رضي الله عنهم إلى ثلاثة فئات ....
١- فئة تخلفت بأمر النبي ﷺ مثل
"محمد بن مسلمة" رضي الله عنه جعله النبي ﷺ أمير على المدينة في غيابه ....
علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له النبي ﷺ أخلفني في أهلي .

٢- فئة تخلفوا ولكن ليس فيهم نفاق وسنأتي على ذكرهم...

٣- وفئة تخلفوا نفاقاً ....

وهناك قوم كان لهم أعذار وهم الضعفاء والمرضى
فقال عنهم النبي ﷺ وهو في طريق العودة للمدينة من تبوك
قال :
إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مَسِيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم . حبسهم العُذْرُ‏ .
قـالوا‏ : يا رسول اللّه وهــم بالمدينة‏ ؟
قال ﷺ وهم بالمدينة‏ حبسهم العذر .
وقال الله تعالى فيهم :
لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ .
فتخلف أصحاب الأعذار .
مثلاً من فقد بصره .
من كان أصيب في غزوة فهو يعرج .... من كان مريضاً من كان طاعناً في السن .
ويروى أنه : جاء شاب أراد أن يخرج مع النبي ﷺ وليس له عذر .
فنظر النبي ﷺ إليه وقال : أليس لك أم ؟
قال . نعم
قال فمن يخدمها ؟؟
قال . أنا
قال من لها غيرك ؟؟
قال . الله تعالى
قال له النبي ﷺ إلزمها فإن الجنة عند رجليها .

جلس النبي ﷺ وأقبل الذين تخلفوا يقدمون الأعذار للنبي ﷺ
ويحلفون له ما تخلفنا عنك إلا لضرورة وعذر ويصطنعون الأعذار ....
والنبي ﷺ يقبل أعذارهم ويصافحهم .
ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم استغفر لنا يا رسول الله . فيستغفر لهم .
فأنزل الله قوله على نبيه صلى الله عليه وسلم :
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .
فأخذ المتخلفون يعتذرون والنبي صلى الله عليه وسلم يقبل عذرهم على ظاهره لا يناقشهم
حتى فرغوا وكانوا قريب 80 رجلا...

ثم أقبل ثلاثة رجال من خيار الصحابة رضي الله عنهم وهم من الصنف الثاني الذين تخلفوا ولكن ليس فيهم ذرة نفاق .
"كعب بن مالك" رضي الله عنه وهو عقبي "ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العقبة"

"هلال بن امية" رضي الله عنه
و "مرارة بن الربيع" رضي الله عنه وهما بدريان ممن شهدوا بدر...
وقد قال فيهم : وما أدراك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال قد غفرت لكم فاصنعوا ما شئتم .
هؤلاء ثلاثة تخلفوا من غير عذر "غلبتهم أنفسهم "

وقصتهم يرويها لنا الصحابي الجليل "كعب بن مالك" رضي الله عنه :
يقول :لم أتخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك .
غير أني قد تخلفت في غزوة بدر
لأن الله لم يعاتب أحد تخلف عن رسول الله ﷺ لأن النبي ﷺ خرج مع المسلمون يريدون عير قريش .....
فجمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد .
يقول كعب رضي الله عنه : حتى كانت غزوة العسرة فأخذت أقول أنا قادر على التجهز في أي وقت ...
وتجهز الناس حتى أصبح النبي ﷺ على سفر ولم أصنع شيئاً .
فقلت: أنا قادر على أن أنطلق في أي وقت ولم أكن عقدت نية للتخلف عن رسول الله .
وخرج ﷺ لتبوك في حر شديد وسفراً بعيداً .
فخرج معه رجال كثير لا يجمعهم كتاب حافظ .
"يعني عدد الجيش كبير لم كتب أسماء من خرج ومن لم يخرج"

يقول كعب رضي الله عنه : فتجهز النبي ﷺ والمسلمون معه وطفقت أعدو لكي أتجهز معه
أسرعت أجهز نفسي للإنطلاق معهم فأرجع ولم أقض شيئا .
"كلما أراد أن يتجهز تكاسل وغلبته نفسه"
فأقول في نفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت .
وغلبتني نفسي وأصبح رسول الله ﷺ غاديا والمسلمون .. وأنا لم أتجهز .
ثم رجعت إلى بيتي اريد أن أتجهز فلم أزل أتمادى حتى أسرعوا وتفارط الغزو ....

يعني مازال يؤجل خروجه يوم بعد يوم وغلبته نفسه ولم يلحق بالنبي ﷺ والصحابة رضي الله عنهم
يقول كعب رضي الله عنه : كنت إذا خرجت من بيتي وطفت في طرقات المدينة كان يحزنني أني لا أرى لي اسوة .
لا أجد إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .... أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء .
وأنا والله لست من هؤلاء ولا من هؤلاء ....
يقول كعب رضي الله عنه :ولم يذكرني رسول الله ﷺ حتى بلغ تبوك .
فقال : وهو جالس في القوم :
ما فعل كعب بن مالك ؟
فقال له رجل من بني سلمة غفر الله له :
يارسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه ....
فقام له معاذ بن جبل رضي الله عنه : وقال : لا والله . بئس ما قلت .
والله يا رسول الله ما علمنا عن كعب إلا خيرا .
فسكت رسول الله ﷺ

يقول كعب رضي الله عنه :فلما سمعت خبر قدوم النبي ﷺ راجعآ من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب ...
"أي جلس يفكر بأعذار كاذبة إذا سأله رسول الله ﷺ عن سبب تخلفه"
وأقول : بما أخرج من سخطه غداً...
"ما هو العذر الذي أقوله للنبي صلى الله عليه وسلم لكي لا يسخط علي"
وأخذت أستعين بكل ذي رأي من أهلي .
"يستشير أهله أصحاب الرأي ماذا تنصحوني أن أقول لرسول الله"

فلما سمعت بوصول النبي ﷺ زاح عني الباطل ....
فقلت والله لا أجمع على نفسي ذنبين تخلف وكذب
والله سأصدق الله ورسوله .

وكان ﷺ إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس ...
فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له .
وكانوا بضعاً وثمانين رجلاً .
فقبل منهم النبي ﷺ عذرهم وعلانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى .
فلما انتهى الناس .
جئت إليه أمشي الهوينة .
فلما سلمت تبسم تبسُم المغضب .
ثم قال : تعال يا كعب .
فتقدمت أمشي الهوينة إليه
فقال وهو مغضب تعال فاجلس .
قال . فجلست بين يديه
فقال لي ما خلفك عني ؟؟
قلت : يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر .... لقد اعطيت جدلا ..
ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي ...
وإن حدثتك بصدق تسخط علي ويرضى الله ...
والله ماكان لي من عذر .
والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت .
فقال ﷺ : أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك .

هنا تعجب الصحابة رضي الله عنهم :
لأن الذين كذبوا على الله ورسوله واخترعوا أعذار ليس لها أساس من الصحة يصافحهم النبي صلى الله عليه وسلم ويستغفر لهم ويجدد لهم البيعة .
وهذا الذي صدق يعرض عنه ثم لا يقبل له حديثاً .
وبعد ذلك يأمر الناس لمقاطعته
في مقياس العامة هذا أولى بالإستغفار والمصافحة والرضا

وأولئك يجب أن يعرض عنهم النبي صلى الله عليه وسلم؟؟

✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى......












[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية عشر بعد المئتيين 212
المخلفون عن تبوك . الجزء الثاني .

نحن الآن مع قصة هؤلاء الثلاثة من الصحابة .
"كعب وهلال ومرارة" رضي الله عنهم
قال النبي ﷺ لكعب رضي الله عنه : قم حتى يحكم الله فيك .
وهنا تبدأ أول مراحل الإبتلاء
يقول كعب رضي الله عنه : وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني
"من المحبين له من أقاربه وأصحابه يريدون أن ينصحوه "
فقالوا لي : والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا .
لقد عجزت في أن لا تكون إعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما إعتذر به إليه المخلّفون ....
فقد كان كافيك ذنبك إستغفار رسول الله ﷺ لك ....
"طلبوا منه أن يفعل كما فعل غيره من المنافقين .
فكان من شدة إلحاحهم عليه أنه فكر في التراجع ويقدم حجج للنبي ﷺ
قال كعب رضي الله عنه : فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله ﷺ فأكذب نفسي ....
ولكن الله ثبت قلبه وزاد من ثباته أنه تذكر أمرا في غاية الأهمية
قال ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي من أحد ؟
"يعني هل هناك من الصحابة غيري لقوا من النبي ﷺ السخط لتخلفهم عنه"
قالوا : نعم لقيه معك رجلان هلال بن أمية و مرارة بن الربيع
قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قلت...
فقيل لهما مثل ما قيل لك .

فإن كان مثل هذا الأمر الذي حصل معه قد حصل مع غيره من الصحابة رضي الله عنهم فهذا يخفف عنه ....
خاصة إذا كان هؤلاء من المعروفين بصدقهم وصلاحهم"

فقلت : مرارة بن ربيعة ، وهلال بن أمية ؟؟
رجلان أعرف صلاحهما وصدقهما
قال : فاطمأنت نفسي .
لقد ذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرآ فيهما أسوة .

ثم كان الإبتلاء الثاني وهي "المقاطعة"
مقاطعة المجتمع له بكل فئاته
حيث نهى رسول الله ﷺ كافة المسلمين عن التعامل معهم .
وكان ذلك شديداً عليهم ...
يقول كعب رضي الله عنه : حتى تنكرت لي في نفسي الأرض .
فما هي بالأرض التي أعرف .
واستمرت المقاطعة بكل ثقلها وآلامها خمسين يوماً ذاق فيها كعب وأصحابه رضي الله عنهم من المصاعب ما ذاقوا .
يقول كعب رضي الله عنه :
فلم يكلمنا من المسلمين أحد
كنا نطرح السلام على الرجل فلا يرد علينا أحد .
أما صاحبي "هلال ومرارة" لزما بيتهما وأخذهم البكاء وكنت أشب منهما .
فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد من المسلمين .
وآتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ...
فكنت إذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ "
نبي الرحمة ﷺ إذا صلى كعب رضي الله عنه ينظر إليه بشفقة"
وإذا انتهيت من الصلاة صرف نظره عني .
وكنت أخشى أن تقبض روحي وأنا بهذه المقاطعة فإن الأعمار بيد الله وحده فأموت ولا يصلي علي النبي ﷺ فأخسر الدنيا والآخرة ....
أو أن يختار الله نبيه صلى الله عليه وسلم فإن الموت آتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة فتبقى المقاطعة بيني وبين المسلمين أمر لن يغيره أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم

فكنت أتمنى أن تنتهي هذه المقاطعة فأموت فيصلي علي النبي ﷺ .
حتى إذا مضى الشهر جاء رسول من رسول الله .
وقال لي: يا كعب رضي الله عنه: يأمركم رسول الله أن تعتزلوا نسائكم .
"أي هو وصاحبيه ، هلال ومرارة"
فقلت له: أطلقها أم ماذا أصنع ؟؟
قال: إعتزلها
فقلت لزوجتي إلحقي بأهلك حتى يحكم الله فينا .
وأصبحت أبيت على سطح داري وأتوجه إلى الله تعالى بالدعاء

و جاءت زوجة "هلال بن أمية " وكان كبير بالسن وليس عنده من يخدمه ....
فقالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي :
إن هلال كبير في السن وليس هنالك من يخدمه : أتأذن لي أن أصنع له طعامه واغسل له ثيابه ؟
قال اخدميه ولكن لا يقربنك بشيء فإنه لا يحل له ذلك .
فقالت: بأبي وأمي أنت
والله مابه حراك بشيء .
فإنه منذ أن أمرت الناس بمقاطعته ما جف له دمع ولا تناول طعام ولا نام بليل .

وهكذا تستمر المقاطعة بلياليها الطويلة.....
اضطروا فيها إلى ضرورة الإنعزال عن الناس لأنه أخف عليهم .
يقول كعب رضي الله عنه حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إليَّ .
فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فوالله ما ردَّ علي السلام .
فكررتها فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فلم يرد علي السلام....
"ويزداد الألم حتى أصبح كعب رضي الله عنه يشك في نفسه فيبحث عن إجابات يدحض بها هذا الشك عن نفسه عند أعز الناس عليه ابن عمه أبي قتادة وأعز أصحابه رضي الله عنهم

ولكن لا أحد من المسلمين يمكنه أن يخالف أمر رسول الله ﷺ
قال فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال . فسكت .
فأعدت السؤال عليه
وقلت : نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال: فسكت ولم يرد علي بشيء
يقول كعب رضي الله عنه : فكادت أن تزهق روحي فصرخت بأعلى ما أملك من صوت .
نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
فقال : ابا قتادة بصوت منخفض بينه وبين نفسه : الله ورسوله أعلم.
يقول كعب رضي الله عنه: ففاضت عيناي بالبكاء وتوليت حتى تسورت الجدار .

بعد هذه المقابلة الصعبة وبعد هذا اللقاء القاسي المرير مع أبي قتادة رضي الله عنه.

جاءه الابتلاء الثالث
يقول كعب رضي الله عنه وبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة .
يقول :من يدلني على كعب بن مالك ؟
قال : فطفق الناس يشيرون له إليَّ حتى جاءني . فدفع إليَّ كتابا من "ملك غسان" مكتوب بماء الذهب وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه ....
"من ملك غسان إلى كعب بن مالك أما بعد :
فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك
ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة
فالحق بنا نواسك"

استغل ملك غسان هذه الظروف التي يمر فيها كعب رضي الله عنه

فكعب رضي الله عنه له مكانته في المجتمع....
وكان معروف بشعره ومكانته ويعلم ملك غسان لو إرتد كعب رضي الله عنه عن دينه لكان أثر ذلك في شق صف المسلمين .
لذلك كان ملك غسان شديد الحرص على ذلك .

فكان هذا الكتاب بالنسبة إلى كعب رضي الله عنه بمثابة "الإبتلاء "
يقول كعب رضي الله عنه :
فحين قرأت الرسالة فتوجهت مسرعاً إلى منزلي ورميت بها بالتنور فسجرتها به حتى لا تميل لها نفسي يوما .

حرق "كعب بن مالك" رضي الله عنه : ذلك الكتاب ولم يندم وهو يعلم أنه من ملك غسان نفسه
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم توجهت نحو المسجد ، وإذا رسول الله ﷺ بين أصحابه رضي الله عنهم
فدخلت فسلمت فلم يرد علي أحد...
فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد طال هجرك لي حتى طمع بي أهل الروم .....
قال : فلم يرد علي بشيء ولم يحرك ساكناً .
فطفقت أبكي في المسجد بصوت مسموع حتى قارب هجرنا خمسين ليلة .
فصليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ....

والآن ننتقل إلى بيت رسول الله ﷺ وهو في حجرة "أم سلمة" رضي الله عنها .
كان يصلي قيام الليل صلوات ربي وسلامه عليه
تقول أم سلمة رضي الله عنها :
فركع وسجد ثم جلس وأطال جلوسه حتى إذا سلم عن يمينه وإذا وجهه يبرق .
وكان ﷺ إذا أتاه الوحي استنار وجهه كأنه البدر ليلة التمام..
قالت: فسلم عن شماله ثم التفت إلي مبتسماً ضاحكاً مستبشراً .
وهو يقول : بشرى أم سلمة لقد تاب الله على كعب وصاحبيه .
تقول أم سلمة رضي الله عنها فوثبت : "على جلالة قدرها وكبر سنها" وأخذت خماري..
ثم تداركت وقلت : بأبي وأمي يارسول الله أتأذن لي أن أنطلق وأبشر كعب رضي الله عنه
قالت : فقال لي متلطفاً يا أم سلمة إذن يحطمكم الناس .
"إذا انطلقتي الآن بالبشرى وشاع الخبر سيتوافد الناس إلى المسجد "
إذن يحطمكم الناس ويمنعوكم من النوم .
حتى الصبح انتظري بعد صلاة الفجر .
قالت : ومضى ﷺ في قيامه إلى صلاة الفجر وكان لا يخرج إلى مصلاه إلا عند إقامة الصلاة .
"لأن دخوله للمسجد كان إشعاراً لإقامة الصلاة فكان يصلي السنة في حجراته" صلى الله عليه وسلم...
قالت : وخرج إلى صلاة الفجر ثم دخل المسجد فأقام الصلاة بلال رضي الله عنه ثم صلى الفجر بالناس ثم استقبل وجوه أصحابه رضي الله عنهم
تقول أم سلمة رضي الله عنها وكنت أنا في مصلى النساء ورآءهم :
"لم يكن المصلى معزول كما نعرفه اليوم في مساجدنا .
الرجال يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفهم الصبية وخلف الصبية تصلي النساء فكان يرى بعضهم بعضا "
قالت: فاستقبلنا ﷺ وتلى الآيات في التوبة التي نزلت بحق "كعب وهلال ومرارة" وأعلن أن الله قد تاب على كعب وصاحبيه رضي الله عنهم...

تقول أم سلمة رضي الله عنها : فوثب شيخ الصحابة و وثب عمر وانطلقا يتسابقان أيهما يبشر كعب رضي الله عنهم...
انظروا ياله من مشهد
يقول : أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأدركت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيسبقني فقد كان أخف مني وأسرع .
فصعدت على تل في جوار المسجد وصحت بأعلى صوتي .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك ....
ويكررها أبو بكر بأعلى صوته
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
يقول كعب رضي الله عنه فبينما أنا جالس على سطح داري وقد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ يصيح و يقول بأعلى صوته .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
فلما سمعت الصوت وأيقنت أنه ابو بكر رضي الله عنه
نظرت فإذا عمر رضي الله عنه يجري إلي مسرعاً وعانقني وهو يبكي
ويقول : أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك .
لقد تاب الله عليك وهذا رسول بين أصحابه رضي الله عنهم في المسجد ينتظرونك .
قال : فلم أتمالك نفسي فخررت ساجداً لله
ثم قلت في نفسي البشرى لمن سبق إلي صوته
فالبشرى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ووالله الذي لا إله إلا هو لم أكن أملك في ذلك اليوم شيء ....
لأني تصدقت بكل أملك و كنت لا أملك إلا ثوبان
فقلت : هما لأبي بكر رضي الله عنه واستعرت ثوبين فلبستهما
يقول كعب رضي الله عنه فأقبل الناس يبشروننا أنا وصاحبي "هلال ومرارة" رضي الله عنهم
يقول:فأنطلقت إلى مسجد رسول الله ﷺ .
وأخذ يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة
ويقولون هنيئاً يا كعب توبة الله عليك ويصافحوني ويعانقوني .
حتى دخلت المسجد أمشي الهوينة حتى وقع نظري على رسول الله ﷺ وهو ينظر إلي وقد أشرق وجهه .
فقال : أبشر يا كعب ورفع يده اليمنى أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ أن ولدتك أمك .
فقلت : أمن عندك يارسول الله ، أم من عند الله ؟
قال بل من عند الله .
قال : فأكببت أقبل رأسه ويديه ثم جلست وتلى علينا الآيات .
وبمناسبة هذه الآيات سميت السورة بسورة التوبة .

قال تعالى :
لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ .

يقول كعب رضي الله عنه :
ثم جدد لنا رسول الله البيعة واستغفر لنا .
فقلت : بأبي وأمي أنت يارسول الله إن من توبتي لله وعهد علي أن أخرج من مالي كله لله .
فتقبل مني مالي صدقة يا رسول الله .
فقال النبي ﷺ لا يا كعب احفظ عليك بعض مالك .
فقلت : اتصدق بنصفه
قال لا ...
قلت . ثلثه .
قال ثلثه والثلث كثير ..
قال كعب رضي الله عنه فجئت بثلث مالي .
وجاء هلال بثلث ماله .
وجاء مرارة بثلث ماله .
وجعلناه صدقة بين يدي رسول الله يتصرف بها كيف يشاء .

وأثنى الله على ذلك بنص قرآني .
قال تعالى :
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
يقول كعب رضي الله عنه : ومضى سائر اليوم نستقبل المهنئين ونحن نفرح بهذه التوبة
فقلت على ملأ من الصحابة رضي الله عنهم يارسول إن عهد الله علي بأن لا أتكلم بعد اليوم إلا صدقاً .
فكنت ممن ابلاني الله بالصدق واسأله أن يحفظه علي حتى ألقاه وهو راضٍ عني .

فكان يعرف كعب رضي الله عنه بأنه الصادق والصديق .

في قصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم فوائد وعبر يرجع إلى كتب السيرة النبوية ويستفاد منها
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة عشر بعد المئتيين 213
حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالمسلمين .
ونزول آيات صدر سورة التوبة .

رجع ﷺ من غزوة تبوك ....
وفي شهر "ذي الحجة" من السنة التاسعة من الهجرة خرج المسلمون لأداء فريضة الحج .
ولم يخرج معهم النبي ﷺ وإنما خرج بالمسلمون "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه
وكانت هذه هي السنة الثانية التي لم يخرج فيها النبي ﷺ للحج .....
كانت المرة الأولى في السنة الثامنة
وهذه المرة الثانية في السنة التاسعة

وقيل في كتب السيرة أن سبب عدم خروج النبي للحج في السنة التاسعة هو إنشغال النبي ﷺ بإستقبال الوفود التي تأتي للمدينة لتعلم الإسلام والقرآن الكريم ومبايعة النبي ﷺ

ولكن بعد متابعة السيرة ودراستها هنالك سبب آخر لعدم خروجه ﷺ للحج في هذا العام
لنلقي نظرة عامة عن مكة ومن يحج إليها في ذلك الوقت لنعرف أكثر عن عدم خروجه ﷺ في هذا العام للحج .
فقد ظن الصحابة رضي الله عنهم أن النبي ﷺ سيحج هذا العام بعد أن أصبحت "مكة" دار إسلام....
وها هو ﷺ قد ثبَّتَ هذا الدين والأمن له في أرجاء الجزيرة كلها
ولكن النبي ﷺ لا يسير إلا أن يسيره ربه تبارك وتعالى

وقد إختار له الله أن يكون له حجة واحدة في عمره وهي "حجة الوداع"
وبإلهام من الله سبحانه وتعالى دون نص قرآني إختار النبي ﷺ عدم خروجه للحج في هذا العام
وانتدب "أبا بكر الصديق" رضي الله عنه ليخرج بعدد من أهل المدينة بلغوا 300 رجل ومن أراد أن يرافقهم من أهل الأعراب من حول المدينة فيكون "ابو بكر" رضي الله عنه أمير المسلمين في الحج ....
فإن مكة كانت تستقبل المسلمين وغير المسلمين في ذلك الوقت
فكانت العرب كلها تحج إقتداءً بملة نبي الله إبراهيم عليه السلام
لقوله تعالى :
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ .
فكل الناس كانت تحج على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام
لأن دين إبراهيم عليه السلام هو دين الأنبياء جميعاً
لأنه هو الدين عند الله تعالى .
قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ...

وما دام يأتي إلى الحج المسلم وغير المسلم كانت لهم عادات وتقاليد لا يقرها شرعنا
ولكن لم يأتي للنبي ﷺ نص قرآني يغيرها لهم .
وما كان ﷺ يشرع إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى
ولكن كره أن يحضر موسم حج وفيه ما لا يتفق مع خلق الإنسان الطبيعي ....
فلقد ابتدعت قريش وبعض قبائل العرب بدعة في الحج لم تكن تعرف من قبل وهي الطواف حول الكعبة وهم عراة .
معتقدين بذلك أن الله لا يقبل طوافهم بثياب عصوا الله فيها
فكانوا يتجردون من ثيابهم في حجر إسماعيل ، ويطوفون بالبيت عراةً كما ولدتهم أمهاتهم
فالمرأة تأخذ شيئاً ما يستر فرجها فقط ثم تطوف في البيت عريانة
والرجل يطوف أيضاً عريان
معتقدين أن الله لا يقبل توبتهم بثياب عصوا الله فيها "خرافات وبدع"

ولم يكن النبي ﷺ قد شرَّع للناس وإن كانت مكة دار إسلام
فلم يحب النبي ﷺ أن يحضر هذا الحج ثم يشهد من يطوفون عراة .....
ومن يغيرون في التلبية
فهنالك تلبية توحيد على ملة إبراهيم عليه السلام
وهنالك تلبية فيها شرك فكانوا يقولون :
لبيك لا شريك لك إلا شريكٌ أرتضيته لك
وقريش أيضاً إبتدعت بدعة وهي بأنها لا تقف مع الناس على "عرفة" يوم الحج .
بل تقف عند المشعر الحرام .
ويقولون : نحن أهل الحرم نحن أهل الحمس لا نقف مع الناس ولا نفيض مع الناس .

الخلاصة أن النبي ﷺ إنتدب الصديق "أبو بكر" رضي الله عنه ليكون أميراً على المسلمين و أوصاه بأن لا يغير شيئاً في ما إعتادت عليه قريش لأن الله لم يأمره بشيء

فأمر "أبو بكر" رضي الله عنه أن يكون أمير المسلمين وأن يحج بالمسلمين على ملة التوحيد وأن لا يغير في ما في قريش على الإطلاق
وأرسل معه ﷺ 20 بدناً ليقدمها هديً بإسم النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت الحرام طعمة للفقراء والمساكين .
وأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لنفسه 5 من النياق أيضآ فأصبح العدد 25 بدنا .

وبعد خروج وفد الحج بقيادة "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه ولم يبعدوا عن المدينة المنورة كثيراً..
نزل جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ بأيآت من صدر سورة "التوبة"

فعندما نزلت الآيات أرسل النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ليقرأ هذه الآيات على الناس يوم الحج .
وكتب له كتاب لأمير مكة حتى يعمل بمضمون هذه الآيات .
وأوصاه بأربعة بنود يبلغها للناس يوم "الحج الأكبر"

"الحج الأكبر" هو الحج ذاته في كل عام لأن فيه "وقفة عرفة"
والحج الأصغر هي "العمرة" لأنها تأتي على جميع أركان الحج إلا "الوقفة على عرفة"
فسبب وقوف الناس على عرفة سمي "الحج الأكبر"

فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه بهذا الكتاب وأذن له النبي ﷺ بأن يركب على ناقته "القصواء" كشاهداً عليه أنه نائباً عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأرسل معه أبو هريرة رضي الله عنه يزكي شهادته .
فقال له: تحج مع الناس فإذا كان يوم "الحج الأكبر" "يعني صبيحة يوم النحر" وفاض الناس من عرفة واجتمعوا في منى .
اقرأ عليهم هذا الكتاب والآيات التي نزلت .
لأن الحجيج لا يجتمعون كلهم إلا في منى بعد عرفة .
ويعلم النبي ﷺ أن قريش لا تقف في عرفة .
وقد ذكرنا السبب فخصص له يوم النحر حتى يكون كل الناس قد اجتمعوا .
فإذا كان يوم النحر يستأذن "علي" رضي الله عنه من أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنه أمير الحج ويقرأ على الناس الكتاب

فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه على ناقة النبي ﷺ ومعه كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم مختوم بخاتمه ويصحبه "أبو هريرة" رضي الله عنه .
حتى إذا إقترب من الركب سمع "أبو بكر" رضي الله عنه رغاء ناقة النبي "ﷺ" القصواء فعرفها

"سبحان الله كانوا يهتمون بكل شيء متعلق بالنبي ﷺ حتى أنهم كانوا يميزون صوت ناقته"
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لمن حوله "ألا تسمعون" ؟
إنه رغاء القصواء ناقة النبي ﷺ
قالوا : أجل .
قال : لعل رسول الله ﷺ قد أمُر بالحج فلحق بنا .
فتوقف الركب كله ينتظرون قدوم الناقة .
فلما زال عنها السراب وظهر لهم من يركبها إذا هو "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ابن عم رسول الله ﷺ .
فلما سلم على الصديق ومن معه
سأله أبو بكر : يا ابن عم رسول الله أتابع أم أمير ؟

قال علي رضي الله عنه : بل تابعٌ ، ونائبٌ عن رسول الله لأقرأ على الناس وابلغهم رسالته يوم الحج الأكبر صبيحة النحر واقرأ عليهم ما أنزل الله من آيات .

ومضى الركب بإمارة "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه .
حتى إذا كان يوم الحج "وقفة عرفة" ووقف الناس كما يقفون على عادتهم .
وقريش عند المشعر الحرام والناس كلهم على "عرفة" فأفاضوا فلما افاض الناس وكان يوم صبيحة النحر .
إستأذن "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه من "أبي بكر" أن يبلغ الناس رسالة رسول الله ﷺ فأذن له .
فوقف علي رضي الله عنه خطيباً بالناس .
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم
ثم قال :
ايها الناس .
ولم يقل أيها المؤمنون لأن فيهم المسلم والمشرك فكما شرحت لكم العرب كانت تحج وهي على غير دين الاسلام .
أيها الناس .
إني رسول رسول الله إليكم لأبلغكم ما أنزل الله وأسن سنن تتبع بعد اليوم .
ثم تلى عليهم الآيات من صدر سورة التوبة .
قال تعالى :
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ .
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ .
فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا .
وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا .
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ .
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ .
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ .
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ [[ اي يكون لهم قوة عليكم ]] لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً .


هذه بعض آيات سورة التوبة حتى نصل إلى الآية ٢٨
يقول تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

ثم وقف "علي" رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات من سورة التوبة
وسورة التوبة نزلت من غير بسملة .
قال العلماء : لأن بدايتها كانت بكلمة "براءة" وهي لا تليق مع البسملة .
لماذا ليس فيها بسملة ؟؟
قيل أنها توقيفية
"يعني هكذا أنزلها الله ولا يجوز لنا أن نقول لماذا ؟؟

أعلن علي رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات أربعة أحكام .
١- يمنع الطواف بالبيت بعد هذا اليوم عريان
لأن رسول الله ﷺ سيأتي في العام القادم للحج ولن يرى فيها عريان إلا وضرب عنقه .

٢- لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك .
٣ - من كان بينه وبين رسول الله عهد فهو إلى مدته والذين لا عهد لهم فمعهم مهلة 4 أشهر .

٤ - ألا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا .

بلغ علي رضي الله عنه للناس ذلك مرة ومرتين :
وأمر "أبو بكر الصديق رضي الله عنه " رجال من الصحابة رضي الله عنهم لهم صوت جهوري يبلغون عن لسان "علي" رضي الله عنه حتى يبلغ القاصي والداني .

وكُلف أمير مكة أن ينفذ هذه الأحكام بعد موسم الحج وأن تهيئ مكة .
لإستقبال الحبيب المصطفى ﷺ في العام القادم حاجاً .

هذا ما كان في حج "أبوبكر الصديق" رضي الله عنه ونفذ ذلك كله ورجع المسلمون بعد حجهم هذا وسمي هذا العام بعام "الوفود"
وعلم المشركون بعد هذه البنود أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
وعليهم أن يدخلوا في هذا الدين أو أن يخرجوا من جزيرة العرب .
فجاءت الوفود إلى المدينة أفواجاً يعلنوا إسلامهم .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....







[سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الرابعة عشر بعد المئتيين 214
أحداث وقعت في العام التاسع من الهجرة . :

وفاة النجاشي . ملك الحبشة
وقد تولى النجاشي حكم الحبشة وهو ابن 9 أعوام بعد موت عمه بصاعقة .
وبعد سنوات من حكمه انتشر عدله وسيرته الطيبة في كل مكان
و عندما اشتد إيذاء قريش للمسلمين نصح النبي ﷺ المسلمين في السنة "الخامسة" من البعثة بالهجرة إلى الحبشة .
وقال : إن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد .
هاجر بعض المسلمين الهجرة الأولى
"وقد ذكرنا هذه الأحداث من السيرة في بداية العهد المكي .
وفي رجب من السنة التاسعة للهجرة أخبر النبي ﷺ الصحابة رضي الله عنهم بوفاة النجاشي
فقال : مات اليوم رجل صالح ، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة .
وصلى الحبيب المصطفى ﷺ على النجاشي "صلاة الغائب"
وكان الوحيد الذي صلى عليه ﷺ صلاة الغائب لأنه مات في أرض ليس فيها من يصلي عليه


ومن الأحداث التي وقعت في السنة التاسعة :
هو وفاة بنت النبي ﷺ أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاه
وقد ولدت أم كلثوم قبل البعثة بست سنوات وأمها هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
جاهدت مع أبيها ﷺ وعانت وطأة الحصار مع المسلمين في شعب أبي طالب وكان عمرها 11 عام وعاشت كل لحظات معاناة المسلمين في مكة قبل الهجرة 13 عام كاملة .
وهاجرت رضي الله عنها وكان عمرها 19 عام .
تزوجت من "عثمان بن عفان" رضي الله عنه بعد وفاة أختها "رقية" رضي الله عنها في السنة الثالثة من الهجرة وكان عمرها 22عام .

ولذلك أطلق على "عثمان بن عفان" "ذو النورين" وأصبح الوحيد في التاريخ كله الذي تزوج من ابنتي نبي وظلت مع "عثمان" ستة أعوام ولم تنجب
ثم ماتت رضي الله عنها في شهر "شعبان" من السنة التاسعة من الهجرة بعد عودة المسلمين من "تبوك"
وجلس صلى الله عليه وسلم على قبرها وهو يبكي حزنا عليها .
وواسى النبي ﷺ زوجها "عثمان"
وقال : لو كانت عندنا ثالثة لزوجتها عثمان .
رضي الله عنها.


موت عبد الله بن أبي بن سلول
من الأحداث الهامه وفاته في السنة التاسعة للهجرة والذي عرف برأس المنافقين .

وقصة "عبد الله بن أبي بن سلول" أن المدينة قبل هجرة النبي ﷺ شهدت تاريخاً طويلاً من الحروب بين "الأوس والخزرج" وكانت آخر هذه الحروب هي حرب "بعاث" والتي انتهت بانتصار "الأوس"
"أتينا على ذكر تفاصيلها في حلقة خاصة سابقآ"
وفكر العقلاء بعدها على تنصيب رجل يكون ملكاً أو حاكماً على المدينة ....
واتفق الطرفان على أن يكون هذا الحاكم هو أحد سادات الخزرج وهو "عبد الله بن أبي سلول"
وسبب أختياره ملكاً .
أولا .. لأنه لم يشترك في حرب "بعاث" بل كان رافضاً ومعارضا لها .

ثانياً .. لأنه من "الخزرج" الطرف الذي انهزم في حرب "بعاث"
فلا يكون هذا تنصيب رجل من "الأوس" أحد نتائج هزيمة "الخزرج" وهو لا شك أمر سيرفضوه .

وبعد أن اتفق أهل المدينة من الأوس والخزرج وبعد أن أصبح أمر تنصيب "عبد الله بن أبي" مسألة وقت ....
جاءت هجرة النبي ﷺ واجتمع الأنصار حول رآية النبي ﷺ .
وماتت فكرة أن يكون "عبد الله بن أبي" ملكاً على المدينة .
لذلك حقد "عبد الله بن أبي " على الرسول صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام وأبطن الكفر ....
ولم يتوقف لحظة عن الكيد ضد النبي ﷺ والمسلمون .
وتعاون مع اليهود في ذلك وقاد جماعة المنافقين في المدينة .
وكانت خطورة "عبد الله بن أبي " أن له مكانته الكبيرة بين قومه .
وقد ذكرنا سابقآ مواقفة ضد النبي ﷺ حين انسحب أثناء تحرك المسلمين إلى أحد فانسحب معه ثلث الجيش .
كما أنه قام بإشاعة حادثة الإفك وتكبيره لها .
فقال الله تعالى في ذلك :
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
وفي غزوة "بني المصطلق" في السنة السادسة من الهجرة حاول إحداث وقيعة وفتنة بين المهاجرين والأنصار .
حين قال "والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"
وهو الذي نزلت فيه هذه الآية بقوله :
لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا .
يعني : امنعوا الأموال عن أصحاب الرسول حتى ينفضوا عنه ويتركوه
وقد سجل عليه القرآن العظيم هذه الكلمات .
ولم يتوقف "عبد الله بن أبي بن سلول" لحظة عن التآمر والكيد للنبي ﷺ ومحاولة هدم الدولة الإسلامية حتى مات في السنة التاسعة من الهجرة .

وكان لعبد الله بن أبي ولد اسمه عبد الله على إسم أبيه "أي أن إسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول"
وكان من خيار الصحابة رضي الله عنهم وشهد بدر وجميع المشاهد مع النبي ﷺ
وكان شديد البر بأبيه ومع ذلك كان من أشد الناس على أبيه .
فلما مات "عبد الله بن أبي" ذهب إبنه "عبد الله" إلى النبي ﷺ وسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأعطاه النبي ﷺ قميصه
ثم سأل النبي ﷺ أن يصلي عليه
فقام النبي ﷺ يلبي طلب هذا الصحابي رضي الله عنه المؤمن الصادق ليصلي عليه .
فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ بثوب النبي ﷺ
وقال : يا رسول الله . وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟
فقال النبي ﷺ يا عمر إنما خيرني الله فقال . اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .
وسأزيده على السبعين
ﷺ ما أرحمك :
هذا تحقيق لقوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
وصلى عليه النبي ﷺ .
يقول عمر رضي الله عنه فعجبٌ لي وجرأتي على رسول الله
ولكن نزل بعد ذلك قول الله تعالى :
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ .

وكان موت رأس المنافقين "عبد الله بن أبي " ضربة قاصمة ثالثة للمنافقين في خلال شهرين فقط .
حيث كانت الضربة الأولى :
هي غزوة {"تبوك" نفسها ونزول سورة التوبة .
وقد أظهرت غزوة تبوك وسورة التوبة عدد كبير من المنافقين .

وكانت الضربة الثانية هي هدم وحرق "مسجد الضرار"

ثم كانت الضربة الثالثة :
وهي موت رئيس المنافقين "عبد الله بن ابي بن سلول"
وبموت "عبد الله بن أُبي بن سلول"
انحسرت جداً حركة النفاق في المدينة المنورة وكسرت إلى حد كبير شوكتهم .
ولذلك لم نجد لهم حضوراً يذكر في العام العاشر من الهجرة .
وإن كان استمرار وجودهم مؤكدا لأن المنافقون لا يختفون أبداً من أي مجتمع مسلم منذ أيام النبي ﷺ وحتى يومنا هذا .
هذا كان باختصار شديد ما وقع من أحداث من السنة التاسعة للهجرة...
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة عشر بعد المئتيين 215
إسلام ثقيف ..

العام التاسع هو عام الوفود....
ذكرنا أن السنة التاسعة شهدت المدينة حضور مكثفا للوفود من كل أنحاء الجزيرة العربية
وقد أطلق على العام التاسع من الهجرة : "عام الوفود" :
حيث زادت هذه الوفود عن 60 وفداً وقيل أنها وصلت إلى 100 وفد .....
وقد بدأت هذه الوفود في القدوم إلى المدينة بعد "فتح مكة" وحرب "هوازن" ثم ازدادت كثافة بعد غزوة "تبوك" بعد أن شاهدت القبائل العربية الجيش المسلم العملاق والذي قوامه 30 ألف مقاتل و 1000 فارس وهو يقطع الجزيرة العربية شمالاً حتى وصل إلى "تبوك"

وشاهدت هروب جيوش "الإمبراطورية الرومانية" وهي أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت "لأن آخر مواجهة بين الفرس والروم كانت لصالح الروم وتحكم نصف دول العالم القديم تقريبا"

شاهد العرب جيوش الإمبراطورية الرومانية وهي تنسحب إنسحابا مخزيا أمام الجيش الإسلامي....
فعلمت هذه القبائل أن لا قبل لها بالدولة الإسلامية الناشئة فجاءت إلى المدينة لمبايعة
النبي ﷺ
بعض هذه القبائل جاء إلى المدينة مقتنعا بالإسلام

والبعض جاء خوفاً وطمعا في الدولة الإسلامية الناشئة القوية

وكان أول هذه الوفود قدوماً بعد غزوة تبوك وأهم هذه الوفود من ناحية الأثر كان وفد "ثقيف"

ثقيف : هي أكبر بطون قبيلة "هوازن" و هوازن واحدة من أكبر قبائل الجزيرة العربية تضم عدد كبير من البطون ....
وأكبر هذه البطون وأشهرها هي "ثقيف" وكانت شبه مستقلة عن "هوازن" وتسكن مدينة الطائف على بعد حوالى 100 كم تقريباً جنوب شرق مكة.

وكانت "الطائف" هي المدينة الثانية في الجزيرة العربية بعد "مكة"....

وبعد عودة النبي ﷺ إلى المدينة وفي السنة التاسعة من الهجرة
قدم على النبي ﷺ في المدينة "عروة بن مسعود الثقفي" وهو أكبر زعماء "الطائف"
وأسلم بين يدي النبي ﷺ
وقال عنه النبي ﷺ أنه يشبه المسيح "عيسى" عليه السلام
ثم سأل "عروة بن مسعود" رضي الله عنه : النبي ﷺ أن يرجع إلى قومه بالإسلام .
فقال له رسول الله ﷺ : إن فعلت فإنهم قاتلوك .
فقال عروة رضي الله عنه :
يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم ...
فعاد "عروة" رضي الله عنه وأظهر إسلامه ودعا قومه إلى الإسلام ولكنهم رفضوا الإسلام وسبوه وأغلظوا له القول .

وفي فجر اليوم التالي صعد "عروة" رضي الله عنه على سطح منزله وأذن للصلاة .
فخرج أحد رجال ثقيف ورماه بسهم فوقع على الأرض .
وقال له أهله : ما ترى في دمك
فقال عروة رضي الله عنه :
كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إليَّ .
"ثم أوصى أن يدفن مع شهداء المسلمين الذين قتلوا أثناء حصار الطائف"
فلما بلغ النبي ﷺ ذلك قال : مثلُ عروة في قومه مثلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه .

وبرغم أن "ثقيف" قد قتلت "عروة بن مسعود" في هذا المشهد المؤلم
إلا أن ثقيف كانت في وضع لا يحسد عليه :
١ - بسبب هزيمة "ثقيف" هزيمة نكراء أمام المسلمين في "حنين"
حتى بعد أن حاصر النبي ﷺ الطائف لمدة شهر لم تجرؤ "ثقيف" على الخروج لمواجهة المسلمين بالرغم من أن نسائهم وأبنائهم وأموالهم كانت في أيدي المسلمين .

٢ - أسلمت تقريباً جميع قبائل الجزيرة العربية .
حتى بطون "هوازن" نفسها والتي "ثقيف" أحد بطونها .
ولم يبق منها الا "ثقيف" ولا تستطيع ثقيف" أن تقف أمام كل العرب .

٣ - إسلام ثم مقتل "عروة بن مسعود" كان حدثاً جليلا ومزلزلا في "ثقيف"
لأن "عروة" كان محبوباً ومطاعا في قومه .

٤ - لأن "مالك بن عوف النصري" والذي كان قائد جيش "هوازن" في غزوة حنين ضد المسلمين كان قد أسلم .
وكلفه النبي ﷺ بحصار الطائف
فضيق ذلك عليهم بشدة وأخذ الوضع الإقتصادي في التردي نتيجة هذا الحصار .
وفقدت الطائف مكانتها التجارية لأنها أصبحت مكان غير آمن ولا يستطيع التجار من العرب وغيرهم الدخول إليها .
كل هذه الأسباب جعلت "ثقيف" تفكر في الإسلام .
ولذلك بعد عودة النبي ﷺ من غزوة "تبوك" جاء إلى المدينة وفد من "ثقيف" مكون من ستة أشخاص :
على رأسهم أحد أبرز سادة "ثقيف" وهو "عبدياليل بن مسعود" : وهو نفس الشخص الذي رد الرسول ﷺ منذ 12 عام عندما جاء إلى "الطائف" ليعرض عليهم الإسلام....

فلما قدم هذا الوفد إلى المدينة، كان أول من رآهم
"المغيرة بن شعبة" رضي الله عنه وكان يرعى الإبل خارج المدينة فنهض مسرعاً حتى يبشر النبي ﷺ
فلقيه : "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأخبره بقدوم "ثقيف"
فقال له : "أبو بكر" أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله ﷺ حتى أكون أنا من يحدثه
فذهب "أبو بكر" رضي الله عنه وبشر النبي ﷺ ....

ثم ذهب إليهم "المغيرة بن شعبة" وعلمهم كيف يحيون النبي ﷺ
فلما دخلوا على الرسول ﷺ لم يحيوه كما علمهم المغيرة بتحية الإسلام ....
وإنما حيوه بتحية الجاهلية
"وكانت هذه أول علامة أن وفد "ثقيف" لم يأت مسلماً رغبة في الإسلام"
وإنما جاء رغبا ورهبا في الدولة الإسلامية الجديدة الناشئة القوية ....
استقبل النبي ﷺ وفد "ثقيف" استقبالاً طيباً يليق بنبي كريم
ولم يذكرهم بشيء من هذا التاريخ الطويل من العداء والذي بدأ منذ زيارته أول مرة للطائف في السنة العاشرة من البعثة حتى معركة "حنين" منذ بضعة شهور ....
وأمر النبي ﷺ أن تضرب لهم خيمة في المسجد : حتى يكون ذلك أرق لقلوبهم ويستمعوا إلى حديث النبي ﷺ ويشاهدوا أحوال المسلمين ويتعلموا الإسلام ويسمعوا القرآن الكريم

فكانوا يمكثون في المسجد ثم يذهبون إلى رحالهم للقيلولة أو غير ذلك .
وكانوا قد تركوا رحالهم خارج المدينة .
وكان وفد "ثقيف" قد تركوا عند رحالهم لحراستها أصغرهم سناً وهو "عثمان بن أبي العاص" وكان عمره 27 عام تقريباً
فكانوا إذا ذهبوا إلى رحالهم تركهم "عثمان بن أبي العاص" وذهب إلى النبي ﷺ ليتعلم على يديه ....
وإذا لم يجد النبي ﷺ كان يجلس إلى "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه أو "أبي بن كعب" رضي الله عنه ويتعلم منه القرآن .
وحفظ "عثمان بن أبي العاص" في هذه الأيام سورة "البقرة"
ثم أتى إلى النبي ﷺ وقال :
يا رسول الله إن القرآن يتفلت مني...
فوضع ﷺ يده على صدره وقال يا شيطان اخرج من صدر عثمان .
يقول : عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه .
أعجب النبي ﷺ "بعثمان بن أبي العاص" وأحبه ورأى فيه خيرا كثيرا .
وسنجد بعد ذلك "لعثمان بن أبي العاص" رضي الله عنه سيرة طيبة وعطاءاً عظيماً للدولة الإسلامية وله فتوحات حتى فارس والهند رضي الله عنه وأرضاه ....

جاء الوفد بعد ذلك ليسلم على يدي النبي ﷺ لكنهم أرادوا الإسلام بشروط معينة .
فتحدث زعيمهم كنانة بن عبد ياليل
وقال: أفرأيت الزنى . فإنا قوم نغترب ولا بد لنا منه ؟
فقال له النبي ﷺ : هو عليكم حرام .*
فإن الله عز وجل يقول .
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا .
قال : أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها ؟
قال له النبي ﷺ لكم رءوس أموالكم إن الله تعالى يقول .
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين .
قال : أفرأيت الخمر . فإنه عصير أرضنا لا بد لنا منها ؟
فقال له النبي ﷺ : إن الله قد حرمها .
ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .

ثم طلبوا طلبا أخيرا غريباً :
وهو أن يتم إعفائهم من الصلاة
فرفض النبي ﷺ طلبهم
وقال : لا خير في دين لا صلاة فيه .
ولا شك أن النبي ﷺ كان حزيناً وهو يستمع إلى هذه المناقشة
لأن هذه المساومات كانت تدل على أن هذا الوفد لم يأت مقتنعا بالإسلام وإنما جاءوا خوفاً من الدولة الإسلامية .
وأن هذه الأيام التي قضوها في المدينة وفي مسجد النبي ﷺ لم تؤثر فيهم .
ثم خلا القوم بعضهم ببعض للتشاور
وقالوا : ويحكم إنا نخاف إن خالفناه يوماً كيوم مكة...
انطلقوا نكاتبه على ما سألناه .
فأتوا النبي ﷺ .
وقال زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل"
قال للنبي صلى الله عليه وسلم نعم : لك ما سألت .
ثم قال ..أرأيت الربة ماذا نصنع فيها ؟
الربة هي صنم اللات وقد ذكرنا أنها كانت من أعظم أصنام العرب
وكان يقسم بها ويهدى إليها ويذبح عندها
فرد النبي ﷺ بمنتهى الحزم
وقال : اهدموها .
ففزع الوفد وقال كنانة هيهات . لو تعلم الربة أنك تريد هدمها لقتلت أهلها
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا ابن عبد ياليل :
ما أجهلك إنما الربة حجر
فقال له : إنا لم نأتك يا ابن الخطاب
فلما رأى الوفد حزم النبي ﷺ واصراره بدؤوا يساومون في توقيت هدم صنم اللات .
فطلبوا من النبي ﷺ أن يترك اللات 3 سنوات قبل أن يهدمها .
فرفض النبي ﷺ .
فطلبوا أن يتركها سنتين .
فرفض النبي ﷺ .
فقالوا . سنة .
فرفض النبي ﷺ .
فطلبوا شهراً واحدا .
فرفض النبي ﷺ .
فلما أسقط في أيديهم قالوا : تول أنت هدمها .
فأما نحن فإنا لا نهدمها أبداً
فأجابهم النبي ﷺ إلى ذلك وقال سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها .
فقالوا : ائذن لنا أن نرحل قبل رسولك ونخبر قومنا فإنا أعلم بقومنا .
"يعني لا ترسل من يهدم اللات فوراً ولكن دعنا نمهد لثقيف هذا الأمر"
فوافقهم النبي ﷺ في ذلك
ثم قالوا : يا رسول الله !
أمر علينا رجلاً يؤمنا من قومنا
فأمر عليهم النبي ﷺ "عثمان بن أبي العاص" رضي الله عنه مع أنه كان أصغرهم سنا وهو الذي كانوا يتركونه في رحالهم .
لأن النبي ﷺ وجده أحرص القوم على تعلم الإسلام ووجد فيه كفاءة قيادية .
ورفض النبي ﷺ أن يؤمر عليهم زعيمهم "كنانة بن عبد ياليل" لأنه وضح من خلال مناقشته للرسول ﷺ عدم إقتناعه بالإسلام .
وكان تأمير النبي ﷺ لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه وهو شاب صغير ولم يؤمر "عبد ياليل"
وقد أمر من قبل على مكة "عتبة بن أسيد" وهو أيضا شاب.....
وعزل "أبو سفيان"
وهذا يدل على اقتناع النبي ﷺ بالإمكانيات الهائلة للشباب

انطلق الوفد....
ولكن بقي عندهم مشكلة وهي مواجهة قومهم بكل هذا وكانوا يعلمون أن غالبية "ثقيف" لا تزال ترفض الإسلام .
فقال "كنانة بن عبد ياليل" أنا أعلم الناس بثقيف . فاكتموهم القضية وخوفوهم بالحرب والقتال ....
وأخبروهم أن محمداً سألنا أمورا أبيناها عليه .
"أي رفضنا شروطه"
سألنا أن نهدم اللات والعزى وأن نحرم الخمر والزنى والربا .

فلما وصلوا إلى "الطائف" خرجت ثقيف لاستقبالهم فأظهر الوفد الحزن واتجهوا إلى اللات كما هي عادة "ثقيف" ونزلوا عندها
ثم قالوا لهم .... أتينا رجلاً فظا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء قد ظهر بالسيف وداخ له العرب "يعني خضع له العرب دوخهم" ودان له الناس ....
فعرض علينا أمورا شدادا
أن نهدم اللات ونترك الخمر والزنا والربا وأمرنا بالصلاة .
فقالت ثقيف :
والله لا نقبل هذا أبدآ....
فقال لهم الوفد : فتهيئوا للقتال وتعبئوا له ورمموا حصونكم .
ومكثت "ثقيف" يومين .
ثم ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب فجاؤوا إلى الوفد .
قالوا لهم : والله ما لنا به طاقة وقد داخ له العرب .
فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه عليه .
فلما رأى الوفد ذلك .
قالوا لهم : فإنا قد صالحناه على ذلك ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم .
قالوا : فلم كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا أشد الغم ؟!
قالوا : أردنا أن يذهب الله عنكم نخوة الشيطان .

ولم تمضِ الا أيام حتى جاءت السرية التي أرسلها الحبيب المصطفى ﷺ لهدم صنم "اللات"
وبرغم أن "ثقيف" قد دخلت في الإسلام .
الا أن دخول "الطائف" وهدم صنمها أمر غير مأمون على الإطلاق ومهمة شديدة الخطورة ....
لذلك أرسل النبي ﷺ السرية وأمر عليها القائد الفذ "خالد بن الوليد" رضي الله عنه وأرضاه
وجعل مع هذه السرية "المغيرة بن شعبة" رضي الله عنه
وهو من "ثقيف"
فلا شك أن البطن الذي ينتمي إليه "المغيرة بن شعبة" من ثقيف وهو بطن "بني متعب" سيقوم بحماية "المغيرة" وحماية المسلمين ....

و كما أرسل معهم النبي ﷺ أيضآ "أبو سفيان بن حرب" وهذه أيضآ إشارة هامة إلى أن زعيم الوثنية السابق هو الذي يذهب بنفسه لهدم أشهر أصنام العرب .

فلما وصلت هذه السرية اتجهت فوراً إلى اللات....

فخرجت كل "ثقيف" رجالاً ونساء وأطفالا وتجمعت تشاهد هذا الحدث ....
أغلب "ثقيف" تعتقد أنهم لن يستطيعوا هدم "اللات"
فقام : "المغيرة بن شعبة" وقال لأصحابه لأضحكنكم من ثقيف
أخذ المعول فضرب اللات ضربة ثم سقط على الأرض وأخذ يحرك جسده ورجليه كالمصروع . فاضطربت كل "ثقيف" وأخذت تصيح :
وتقول : قتلته الربة قتلته الربة .
وفرحت "ثقيف" وصاحوا من شاء منكم فليقترب ويهدمها
فوثب "المغيرة" وهو يقول : قبحكم الله يا معشر ثقيف
إنما هي حجارة لا تضر ولا تنفع فاقبلوا عافية الله واعبدوه

ثم قام "المغيرة" وقام معه المسلمون فهدموا اللات عن آخرها ....
ثم قال السادن : "أي الخادم الذي يقوم بعناية اللات"
قال : إن هدموا الأساس ليخسفن بهم .
فسمع المغيرة ذلك فقال لخالد دعني أحفر أساسها
"فحفر الأساس حتى أخرج التراب ....
واسقط في يد ثقيف وبهتت"
وحسن بعد ذلك إسلام "ثقيف"

هذه كانت قصة اسلام ثقيف
ومن حسن إسلامها :
لم تكن من ضمن القبائل التي إرتدت عن الإسلام بعد وفاة الحبيب المصطفى ﷺ

✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٧‏/٨‏/٢٠٢١ ١٠:٠٨ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة عشر بعد المئتيين 216
وفد بنو سعد بن بكر .

كانت العرب قاطبة في الجزيرة ترقب أمر النبي ﷺ مع قومه في مكة ....
فإن العرب كلها تكنُ قدراً و إحتراماً وهيبةً لأهل الحرم ...
وقد علموا جميعاً بحادثة الفيل وأصبحوا على يقين وقناعة أن من يريد بهذا البلد أو أهله بسوء لن يسلم من عقوبة السماء...

هكذا كان إعتقادهم لأنهم لايؤمنون بالله تعالى بل يؤمنون بالأصنام وأن من يرد به سوء يأتيه عقاب الآلهة ولأن قريش هم : حضنة البيت وزرع إسماعيل عليه السلام
وأن قريش هم : من يقومون بحق ضيافة وفود الرحمن في موسم الحج ....

فلما كان أمر النبي ﷺ مع قومه ووقعت عدة معارك كراً وفراً بين قريش والمسلمين .
أخذت العرب ترقبُ مصير قريش مع هذا النبي ﷺ ....

فخرجوا بنتيجة قالوا :
إن يكن محمد غير صادق فلن يسلم إذا اعتدى على قريش أو حاول فتح مكة .
وإن يكن صادقاً وفتحها وظهر على قريش يكن نبياّ حقاً وصدقا

فلما تم "فتح مكة" وتبعها "غزوة تبوك" أخذت العرب تفد إلى المدينة ليلاّ ونهاراً يدخلون في دين الله تعالى...
وكانت هذه الوفود تختلف أعدادها .... فقد تكون عشرة أفراد وقد تكون أكثر أو أقل .
وكانت تمكث في المدينة بضعة أيام ثلاثة أيام أو أكثر أو أقل .

فكانت تتعلم في هذه الأيام أصول العقائد والصلاة والفرائض ....

وفد بنو سعد بن بكر .
وفد مبارك كان ممثلاً برجل واحد إسمه "ضمام بن ثعلبة" رضي الله عنه...
كان من الوفود المباركة التي قدمت المدينة
وهو وفد "بنو سعد بن بكر "أحد بطون هوازن .
وكان هذا الوفد الذي أرسلته "بنو سعد بن بكر" مكون من رجل واحد فقط وهو "ضمام بن ثعلبة"
لم يكن "ضمام" هذا سيد قومه ولكن كان من عقلاء القوم وحكمائهم فوقع الخيار عليه وذلك لثقتهم فيه وفي رأيه .
طلب منه قومه أن يفد إلى المدينة ويجتمع بالنبي ﷺ وأن يحدثه ويرى فيه رأيه ثم يأتيهم بالخلاصة كي يجمعوا رأيهم ليرسلوا وفدهم .
لكن "ضمام" كان خير وفد وخير وافد .
فقد كفى قومه هذه المهمة .
فكان خير و أيمن وافد على قومه .
قدم هذا الرجل : "ضمام" على جمل له وحده لا يرافقه أحد .
دخل المسجد بجمله وأناخه على باب المسجد وعقله ثم دخل المسجد .
و قال : أيكم محمد بن عبد المطلب ؟
وكان النبي ﷺ متكئاً على ذراعه اليمنى .
يقول الصحابة رضي الله عنهم دخل ضمام وله دوي لا يفهم .
"أي بلهجة قومه لأنه كان للعرب لهجات وجاء القران بها كلها
قال : أيكم محمد بن عبد المطلب ؟؟
وكان النبي ﷺ متكئاً على ذراعه اليمنى
قالوا : فاستند النبي ﷺ
"أي جلس على ركبتيه ""
قالوا : فاستند النبي ﷺ وقال نعم أنا بن عبد المطلب .
قال ضمام . أمحمد ؟؟
فقال النبي ﷺ نعم أنا محمد بن عبد المطلب .
انظروا إلى الحبيب المصطفى ﷺ وهو سيد الأنبياء والرسل وخير البشر .
وهو القائد الذي دانت له الجزيرة العربية وخضع له كل العرب للمرة الأولى في تاريخ الجزيرة العربية .
وواجه الروم وانسحبوا من أمامه .
يجلس بين أصحابه رضي الله عنهم وأتباعه وجنوده على الأرض متكئا حتى أن الغريب لا يعرفه من بينهم حتى يسأل عليه .


تقدم "ضمام بن ثعلبة" إلى النبي ﷺ
وقال له : يا ابن عبد المطلب
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك .
قال ضمام : إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك .
"يعني لا تنفعل وتغضب من اسألتي"
فقال له ﷺ في تواضع وسعة صدر سل عما بدا لك فإني لا أجد إن شاء الله تعالى .
قال ضمام : يا محمد .
أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك .
قال النبي ﷺ صدق ..
قال ضمام . فمن خلق السماء ؟
قال له النبي ﷺ الله ..
قال ضمام . فمن خلق الأرض؟
فقال له الله ..
قال ضمام . فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل .
قال له النبي ﷺ الله ..

قال ضمام : اناشدك الله الذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال إلهك وإله أبائك وإله من كائنٌ بعدك آلله .. أرسلك إلينا رسولا .
قال له النبي ﷺ اللهم نعم ..
قال ضمام : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ؟
قال له النبي ﷺ صدق..
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
"انظروا إلى تسلسل صيغة السؤال .
قال فبالذي ارسلك .
دليل على ان الايمان سرى في قلب ضمام لم يكرر ويقول له يا بن عبدالمطلب"
قال . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ نعم..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا . تؤخذ من أغنيائنا فتقسم في فقرائنا .
قال النبي ﷺ صدق..
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ نعم..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا ؟
قال النبي ﷺ صدقك .
قال ضمام . فبالذي أرسلك ... آلله أمرك بهذا ؟
قال النبي ﷺ اللهم نعم ..
قال ضمام . وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً .
قال النبي ﷺ صدق ..
ثم قرأ عليه النبي ﷺ شيء من القران الكريم
فلما انتهى النبي ﷺ .
قال ضمام : آمنت بما جئت به .
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك يا محمد رسول الله . صلى الله عليه وسلم
فوالذي بعثك بالحق وانقذنا بك من الضلالة إلى الهدى لن أزيد عن ما سمعت منك ولا أنقص منهن شيء .
وأنا ضمام بن ثعلبة وأنا رسول من ورائي من قومي إليك من بني سعد بن بكر .
ثم ولى ضمام ورجع إلى قومه مسرعاً ....

فلما خرج ضمام قال النبي ﷺ لمن حوله :
لقد فقه الرجل و لئن صدق ليدخلن الجنة .

عاد "ضمام بن ثعلبة" إلى قومه
واجتمع حوله الناس يستمعون إليه...
فكان أول شيء تكلم به .
فقال : بئست اللات والعزى
قالوا : مه يا ضمام ! "يعني على مهلك لا تستعجل"
مه يا ضمام اتقِ البرص والجذام اتق الجنون .
"يعني احذر أن تصاب بهذه الأمراض لأنك تشتم الآلهة .
هكذا كانوا يعتقدون أن من شتم الآلهة ابتلي بالجذام والبرص والجنون .....
قال : ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان .
إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه .
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله .
إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه .
ولا يزال ضمام بقومه حتى أسلموا جميعاً رجالاً ونساءاً في نفس اليوم الذي عاد فيه .

لذلك يقول "ابن عباس" رضي الله عنه الذي روى لنا هذه القصة
أن "ضمام بن ثعلبة" رضي الله عنه هو أفضل وافد سمعوا به .

و العبرة من قصة "ضمام" رضي الله عنه ليست بالكثرة .
وقد غير شخص واحد من واقع قبيلة بأكملها.
رضي الله عنه
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
[١٨‏/٨‏/٢٠٢١ ١:٤٢ م] احمد عبد الرحمن مصطفى: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة عشر بعد المئتيين 217
آخر محاولة لقتل النبي ﷺ .

نذكر نموذج عن وفد الشر....
وفد خيانة وخداع وكان
ممثل برجل إسمه "عامر بن الطفيل" فكان عامر سيد قومه "بنو عامر"
وقالوا : يا عامر ألا ترى العرب تدخل في دين محمد أفواجاً في الليل والنهار ؟؟
فإنا نخشى أن يظهر أمره على الجزيرة فلنأخذ من أمرنا من الآن .
فنرى أن تفد إليه واختر من تشاء من الرجال .
فاختار رجل واحد ومعهم رجل يخدمهما
اختار رجل يقال له "أربد بن قيس"
قال : يا أربد إني لا أخشى على نفسي رجل في قومي غيرك "يعني كان بينهم منافسة من يكون زعيم في قومه"
وإني كنت والله أليت على نفسي "اي جاهدة نفسي ما أموت وأطلع من الدنيا"
حتى تتبع العرب كلها عقبي
"يعني أصير أنا ملك عليهم و كلهم تحت عقبي أي قدمي"
فاليوم أتبع أنا عقب هذا اليتيم من قريش ....
قم يا أربد : معي ولنا في الطريق حديث وشأن .
فقام معه أربد بن قيس وانطلقا ومعهما خادم يخدمهما .

فقال لأربد في الطريق : إني سأفد على محمد ، وأنت معي فأكلمه وأشاغله وأصرف وجهه عنك ... فإذا رأيت أنت الفرصة فاعلوه بالسيف .
فإذا قتل فلن يستطيع قومه أن تقاتل العرب فيرضون بالدية فنعقلها لهم وتعود العرب لما كانت عليه ....
وكانت خطته غدر من وجهين .
١ - غدر بالنبي ﷺ الذي هو قادم إليه يريد أن يؤمن .

٢ - غدر يتخلص فيه من رجل يخشاه في قومه .
فإذا غدر "أربد" بالنبي ﷺ بالسيف هل يسكت أحد من الصحابة رضي الله عنهم.

ففي ظنه أن أربد يقتل محمداً وأصحاب محمد يقتلون أربد .

فيرجع هو إلى قومه ويستريح من المسألة ويصبح ملكاً للعرب .
ومع ذلك وافقه أربد في ذلك .

فلما قدما على النبي ﷺ تقدم "عامر بن الطفيل" الممثل بالشر
فأخذ يسلم على النبي ﷺ ويحيه بتحية الجاهلية ويدنو منه
وقال : يا محمد خالَّني
جاءت مشدده وغير مشدده :
الكلمة الأولى: فيها الشدة "خالَّني" أي اتخذني خليلاً وصديقا مقرب إليه
"خالني" من غير الشدة :
أي اطلب منك الآن أن تخلو بي لأحدثك على إنفراد"
فأي كان قصده ....
كان جواب النبي ﷺ له
يقول الصحابة رضي الله عنهم فرجع النبي ﷺ عنه إلى الوراء خطوتين .
وقال : لا والله حتى تؤمن بالله وحده .
فأخذ يناقش النبي ﷺ وهو ينظر إلى صاحبه "أربد بن قيس" وأربد يدور حول النبي ﷺ من خلفه ليضربه بالسيف .
فجعل "عامر" يخاصم النبي ﷺ ويجادله ودار أربد خلف النبي ﷺ ليضربه .
فأخرج سيفه قدر شبر ثم يبست يده فلم يستطع أن يسله .
وجعل "عامر" يومىء لأربد .
فالتفت النبي ﷺ ورأى "أربد" وما يصنع بسيفه
فقال النبي ﷺ اللهم اكفنيهما بما شئت .
وقال له "عامر بن طفيل" :
يا محمد مالي أن أسلمت ؟
قال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم .
قال عامر بن طفيل : أتجعل لي الأمر من بعدك ؟
قال النبي ﷺ لا ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء .
قال : إذن تملكني الوبر ولك المدر .
"يعني أكون أنا ملكا على البادية وأنت ملك على المدينة والناس المتحضرين"
فقال له النبي ﷺ ليس هذا لك ولا لقومك .
قالوا : فصاح في وجه النبي ﷺ
"لأنه فقد صوابه الآن وأربد صاحبه لم يصنع شيء"
فصاح في وجه النبي صلى الله عليه وسلم
وقال : أما والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً ، وفتيانًا مرداً .
[[ يعني الخيل ليس عليها شعر كثير لا زلت صغيره ، والفتيان في مقتبل العمر ]]
ولأربطن في كل نخلة في المدينة فرساً
فقال النبي ﷺ له الله يحول بينك وبين ذلك .
فولى وانصرف وهو يرغد ويزبد ويهدد وتبعه صاحبه أربد .
وأشار النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم بالهدوء فلم يصنع أحد منهم معه شيئاً .
ثم بسط النبي ﷺ كفيه للسماء
وقال : اللهم أكفني عامر بن الطفيل بمرض وذلة .

فلما كانا في الطريق أناخا ليلة في دار امرأة سلولية من بني سلول .
"السليليون كانوا يعرفون عند العرب باللئم والبخل وعدم إكرام الضيف .
ولكنها إمرأة لا رجال لها فخشيت ان تؤذى فأذنت لهم أن يقيموا عندها"
فعندما نام ساعة نظر إليه صاحبه أربد
وقال له : ماهذا ؟؟
وإذا بعنقه من الأمام غدة كغدة البعير.....
"إبتلاه الله عزوجل بالطاعون
فانتفخت عنقه فأصبحت غدة كغدة البعير"
وأصبح لا يستطيع أن يتحرك فأضطر أن يقيم يوم ويومين وثلاث ليتدبر أمره .
وابتعد عنه أربد وأبتعد عنه الخادم وأبتعدت عنه المرأة "لأنهم كانوا يخشون العدوة"

فأصبح "عامر بن الطفيل" يصيح بالدار وحده بأعلى صوته .
ويقول : واا ذلاه .أغدةٌ كغدة البعير ؟
وميتة في بيت سلولية . لا واللات هذا لا يكون .
ولكن الله جعله يكون وخسئت اللات والعزى .
فلما فاضت روحه النجسة خافوا من دفنه وأن ينتقل الطاعون إليهم
فأعطوا المراة دراهم تعويضاً عن بيتها وهدموا البيت على جثته وهو ميت .

ثم ارتحل أربد مع الخادم حتى إذا وصل إلى ديار قومه .
قالوا : ما ورائك يا أربد ؟؟
فأخبرهم عن عامر وكيف مات
وقال : لاشي ء لقد دعانا محمد لعبادة شيء لا نعرفه فطلبنا منه أن يرنا أياه .... فلم يرينا
فكيف نعبد من لا نرى ولا نعرف .
وليت إله محمد يبرز أمامي الآن فأمطره نبالي
فامضى يومه وليلته
فلما كان اليوم الثاني خرج على بعير له يريد أن يتفقد غنمه و إبله ورعاته ....
يقول أصحابه وقد أسلموا فيما بعد [[ يعني قومه ]]
يقولون وكان الطقس حاراً قائظاً "حر شديد"
فلما ابتعد عن قومه وأشرف على غنمه ورعاته
تكونت سحابة في السماء وخرجت منها صاعقة ببرق كاد يخطف الأبصار
فأخذت قحف رأس "أربد" وبعيره .
سقط هو وبعيره ميتان ....

فلما رأى قومه ذلك أجمعوا أمرهم أن يرسلوا وفداً ليدخلوا في دين الله جميعاً .

فلما قدم الوفد المدينة حدثوا النبي ﷺ بما وقع ....

وكان النبي ﷺ قد حدث أصحابه رضي الله عنهم قبل أن يأتي وفدهم بما حصل .
فقال : أنزل الله علي في شأن "عامر بن الطفيل" وصاحبه قرآن ثم .
تلى قوله تعالى
آيات من سورة الرعد
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)

✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...
يتبع بإذن الله تعالى...









: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة عشر بعد المئتيين 213
حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالمسلمين .
ونزول آيات صدر سورة التوبة .

رجع ﷺ من غزوة تبوك ....
وفي شهر "ذي الحجة" من السنة التاسعة من الهجرة خرج المسلمون لأداء فريضة الحج .
ولم يخرج معهم النبي ﷺ وإنما خرج بالمسلمون "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه
وكانت هذه هي السنة الثانية التي لم يخرج فيها النبي ﷺ للحج .....
كانت المرة الأولى في السنة الثامنة
وهذه المرة الثانية في السنة التاسعة

وقيل في كتب السيرة أن سبب عدم خروج النبي للحج في السنة التاسعة هو إنشغال النبي ﷺ بإستقبال الوفود التي تأتي للمدينة لتعلم الإسلام والقرآن الكريم ومبايعة النبي ﷺ

ولكن بعد متابعة السيرة ودراستها هنالك سبب آخر لعدم خروجه ﷺ للحج في هذا العام
لنلقي نظرة عامة عن مكة ومن يحج إليها في ذلك الوقت لنعرف أكثر عن عدم خروجه ﷺ في هذا العام للحج .
فقد ظن الصحابة رضي الله عنهم أن النبي ﷺ سيحج هذا العام بعد أن أصبحت "مكة" دار إسلام....
وها هو ﷺ قد ثبَّتَ هذا الدين والأمن له في أرجاء الجزيرة كلها
ولكن النبي ﷺ لا يسير إلا أن يسيره ربه تبارك وتعالى

وقد إختار له الله أن يكون له حجة واحدة في عمره وهي "حجة الوداع"
وبإلهام من الله سبحانه وتعالى دون نص قرآني إختار النبي ﷺ عدم خروجه للحج في هذا العام
وانتدب "أبا بكر الصديق" رضي الله عنه ليخرج بعدد من أهل المدينة بلغوا 300 رجل ومن أراد أن يرافقهم من أهل الأعراب من حول المدينة فيكون "ابو بكر" رضي الله عنه أمير المسلمين في الحج ....
فإن مكة كانت تستقبل المسلمين وغير المسلمين في ذلك الوقت
فكانت العرب كلها تحج إقتداءً بملة نبي الله إبراهيم عليه السلام
لقوله تعالى :
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ .
فكل الناس كانت تحج على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام
لأن دين إبراهيم عليه السلام هو دين الأنبياء جميعاً
لأنه هو الدين عند الله تعالى .
قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ...

وما دام يأتي إلى الحج المسلم وغير المسلم كانت لهم عادات وتقاليد لا يقرها شرعنا
ولكن لم يأتي للنبي ﷺ نص قرآني يغيرها لهم .
وما كان ﷺ يشرع إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى
ولكن كره أن يحضر موسم حج وفيه ما لا يتفق مع خلق الإنسان الطبيعي ....
فلقد ابتدعت قريش وبعض قبائل العرب بدعة في الحج لم تكن تعرف من قبل وهي الطواف حول الكعبة وهم عراة .
معتقدين بذلك أن الله لا يقبل طوافهم بثياب عصوا الله فيها
فكانوا يتجردون من ثيابهم في حجر إسماعيل ، ويطوفون بالبيت عراةً كما ولدتهم أمهاتهم
فالمرأة تأخذ شيئاً ما يستر فرجها فقط ثم تطوف في البيت عريانة
والرجل يطوف أيضاً عريان
معتقدين أن الله لا يقبل توبتهم بثياب عصوا الله فيها "خرافات وبدع"

ولم يكن النبي ﷺ قد شرَّع للناس وإن كانت مكة دار إسلام
فلم يحب النبي ﷺ أن يحضر هذا الحج ثم يشهد من يطوفون عراة .....
ومن يغيرون في التلبية
فهنالك تلبية توحيد على ملة إبراهيم عليه السلام
وهنالك تلبية فيها شرك فكانوا يقولون :
لبيك لا شريك لك إلا شريكٌ أرتضيته لك
وقريش أيضاً إبتدعت بدعة وهي بأنها لا تقف مع الناس على "عرفة" يوم الحج .
بل تقف عند المشعر الحرام .
ويقولون : نحن أهل الحرم نحن أهل الحمس لا نقف مع الناس ولا نفيض مع الناس .

الخلاصة أن النبي ﷺ إنتدب الصديق "أبو بكر" رضي الله عنه ليكون أميراً على المسلمين و أوصاه بأن لا يغير شيئاً في ما إعتادت عليه قريش لأن الله لم يأمره بشيء

فأمر "أبو بكر" رضي الله عنه أن يكون أمير المسلمين وأن يحج بالمسلمين على ملة التوحيد وأن لا يغير في ما في قريش على الإطلاق
وأرسل معه ﷺ 20 بدناً ليقدمها هديً بإسم النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت الحرام طعمة للفقراء والمساكين .
وأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لنفسه 5 من النياق أيضآ فأصبح العدد 25 بدنا .

وبعد خروج وفد الحج بقيادة "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه ولم يبعدوا عن المدينة المنورة كثيراً..
نزل جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ بأيآت من صدر سورة "التوبة"

فعندما نزلت الآيات أرسل النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ليقرأ هذه الآيات على الناس يوم الحج .
وكتب له كتاب لأمير مكة حتى يعمل بمضمون هذه الآيات .
وأوصاه بأربعة بنود يبلغها للناس يوم "الحج الأكبر"

"الحج الأكبر" هو الحج ذاته في كل عام لأن فيه "وقفة عرفة"
والحج الأصغر هي "العمرة" لأنها تأتي على جميع أركان الحج إلا "الوقفة على عرفة"
فسبب وقوف الناس على عرفة سمي "الحج الأكبر"

فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه بهذا الكتاب وأذن له النبي ﷺ بأن يركب على ناقته "القصواء" كشاهداً عليه أنه نائباً عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأرسل معه أبو هريرة رضي الله عنه يزكي شهادته .
فقال له: تحج مع الناس فإذا كان يوم "الحج الأكبر" "يعني صبيحة يوم النحر" وفاض الناس من عرفة واجتمعوا في منى .
اقرأ عليهم هذا الكتاب والآيات التي نزلت .
لأن الحجيج لا يجتمعون كلهم إلا في منى بعد عرفة .
ويعلم النبي ﷺ أن قريش لا تقف في عرفة .
وقد ذكرنا السبب فخصص له يوم النحر حتى يكون كل الناس قد اجتمعوا .
فإذا كان يوم النحر يستأذن "علي" رضي الله عنه من أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنه أمير الحج ويقرأ على الناس الكتاب

فانطلق "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه على ناقة النبي ﷺ ومعه كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم مختوم بخاتمه ويصحبه "أبو هريرة" رضي الله عنه .
حتى إذا إقترب من الركب سمع "أبو بكر" رضي الله عنه رغاء ناقة النبي "ﷺ" القصواء فعرفها

"سبحان الله كانوا يهتمون بكل شيء متعلق بالنبي ﷺ حتى أنهم كانوا يميزون صوت ناقته"
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لمن حوله "ألا تسمعون" ؟
إنه رغاء القصواء ناقة النبي ﷺ
قالوا : أجل .
قال : لعل رسول الله ﷺ قد أمُر بالحج فلحق بنا .
فتوقف الركب كله ينتظرون قدوم الناقة .
فلما زال عنها السراب وظهر لهم من يركبها إذا هو "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه ابن عم رسول الله ﷺ .
فلما سلم على الصديق ومن معه
سأله أبو بكر : يا ابن عم رسول الله أتابع أم أمير ؟

قال علي رضي الله عنه : بل تابعٌ ، ونائبٌ عن رسول الله لأقرأ على الناس وابلغهم رسالته يوم الحج الأكبر صبيحة النحر واقرأ عليهم ما أنزل الله من آيات .

ومضى الركب بإمارة "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه .
حتى إذا كان يوم الحج "وقفة عرفة" ووقف الناس كما يقفون على عادتهم .
وقريش عند المشعر الحرام والناس كلهم على "عرفة" فأفاضوا فلما افاض الناس وكان يوم صبيحة النحر .
إستأذن "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه من "أبي بكر" أن يبلغ الناس رسالة رسول الله ﷺ فأذن له .
فوقف علي رضي الله عنه خطيباً بالناس .
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم
ثم قال :
ايها الناس .
ولم يقل أيها المؤمنون لأن فيهم المسلم والمشرك فكما شرحت لكم العرب كانت تحج وهي على غير دين الاسلام .
أيها الناس .
إني رسول رسول الله إليكم لأبلغكم ما أنزل الله وأسن سنن تتبع بعد اليوم .
ثم تلى عليهم الآيات من صدر سورة التوبة .
قال تعالى :
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ .
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ .
فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا .
وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا .
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ .
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ .
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ .
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ .
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ [[ اي يكون لهم قوة عليكم ]] لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً .


هذه بعض آيات سورة التوبة حتى نصل إلى الآية ٢٨
يقول تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

ثم وقف "علي" رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات من سورة التوبة
وسورة التوبة نزلت من غير بسملة .
قال العلماء : لأن بدايتها كانت بكلمة "براءة" وهي لا تليق مع البسملة .
لماذا ليس فيها بسملة ؟؟
قيل أنها توقيفية
"يعني هكذا أنزلها الله ولا يجوز لنا أن نقول لماذا ؟؟

أعلن علي رضي الله عنه بعد أن تلى الآيات أربعة أحكام .
١- يمنع الطواف بالبيت بعد هذا اليوم عريان
لأن رسول الله ﷺ سيأتي في العام القادم للحج ولن يرى فيها عريان إلا وضرب عنقه .

٢- لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك .
٣ - من كان بينه وبين رسول الله عهد فهو إلى مدته والذين لا عهد لهم فمعهم مهلة 4 أشهر .

٤ - ألا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا .

بلغ علي رضي الله عنه للناس ذلك مرة ومرتين :
وأمر "أبو بكر الصديق رضي الله عنه " رجال من الصحابة رضي الله عنهم لهم صوت جهوري يبلغون عن لسان "علي" رضي الله عنه حتى يبلغ القاصي والداني .

وكُلف أمير مكة أن ينفذ هذه الأحكام بعد موسم الحج وأن تهيئ مكة .
لإستقبال الحبيب المصطفى ﷺ في العام القادم حاجاً .

هذا ما كان في حج "أبوبكر الصديق" رضي الله عنه ونفذ ذلك كله ورجع المسلمون بعد حجهم هذا وسمي هذا العام بعام "الوفود"
وعلم المشركون بعد هذه البنود أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
وعليهم أن يدخلوا في هذا الدين أو أن يخرجوا من جزيرة العرب .
فجاءت الوفود إلى المدينة أفواجاً يعلنوا إسلامهم .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....












[سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الرابعة عشر بعد المئتيين 214
أحداث وقعت في العام التاسع من الهجرة . :

وفاة النجاشي . ملك الحبشة
وقد تولى النجاشي حكم الحبشة وهو ابن 9 أعوام بعد موت عمه بصاعقة .
وبعد سنوات من حكمه انتشر عدله وسيرته الطيبة في كل مكان
و عندما اشتد إيذاء قريش للمسلمين نصح النبي ﷺ المسلمين في السنة "الخامسة" من البعثة بالهجرة إلى الحبشة .
وقال : إن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد .
هاجر بعض المسلمين الهجرة الأولى
"وقد ذكرنا هذه الأحداث من السيرة في بداية العهد المكي .
وفي رجب من السنة التاسعة للهجرة أخبر النبي ﷺ الصحابة رضي الله عنهم بوفاة النجاشي
فقال : مات اليوم رجل صالح ، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة .
وصلى الحبيب المصطفى ﷺ على النجاشي "صلاة الغائب"
وكان الوحيد الذي صلى عليه ﷺ صلاة الغائب لأنه مات في أرض ليس فيها من يصلي عليه


ومن الأحداث التي وقعت في السنة التاسعة :
هو وفاة بنت النبي ﷺ أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاه
وقد ولدت أم كلثوم قبل البعثة بست سنوات وأمها هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
جاهدت مع أبيها ﷺ وعانت وطأة الحصار مع المسلمين في شعب أبي طالب وكان عمرها 11 عام وعاشت كل لحظات معاناة المسلمين في مكة قبل الهجرة 13 عام كاملة .
وهاجرت رضي الله عنها وكان عمرها 19 عام .
تزوجت من "عثمان بن عفان" رضي الله عنه بعد وفاة أختها "رقية" رضي الله عنها في السنة الثالثة من الهجرة وكان عمرها 22عام .

ولذلك أطلق على "عثمان بن عفان" "ذو النورين" وأصبح الوحيد في التاريخ كله الذي تزوج من ابنتي نبي وظلت مع "عثمان" ستة أعوام ولم تنجب
ثم ماتت رضي الله عنها في شهر "شعبان" من السنة التاسعة من الهجرة بعد عودة المسلمين من "تبوك"
وجلس صلى الله عليه وسلم على قبرها وهو يبكي حزنا عليها .
وواسى النبي ﷺ زوجها "عثمان"
وقال : لو كانت عندنا ثالثة لزوجتها عثمان .
رضي الله عنها.


موت عبد الله بن أبي بن سلول
من الأحداث الهامه وفاته في السنة التاسعة للهجرة والذي عرف برأس المنافقين .

وقصة "عبد الله بن أبي بن سلول" أن المدينة قبل هجرة النبي ﷺ شهدت تاريخاً طويلاً من الحروب بين "الأوس والخزرج" وكانت آخر هذه الحروب هي حرب "بعاث" والتي انتهت بانتصار "الأوس"
"أتينا على ذكر تفاصيلها في حلقة خاصة سابقآ"
وفكر العقلاء بعدها على تنصيب رجل يكون ملكاً أو حاكماً على المدينة ....
واتفق الطرفان على أن يكون هذا الحاكم هو أحد سادات الخزرج وهو "عبد الله بن أبي سلول"
وسبب أختياره ملكاً .
أولا .. لأنه لم يشترك في حرب "بعاث" بل كان رافضاً ومعارضا لها .

ثانياً .. لأنه من "الخزرج" الطرف الذي انهزم في حرب "بعاث"
فلا يكون هذا تنصيب رجل من "الأوس" أحد نتائج هزيمة "الخزرج" وهو لا شك أمر سيرفضوه .

وبعد أن اتفق أهل المدينة من الأوس والخزرج وبعد أن أصبح أمر تنصيب "عبد الله بن أبي" مسألة وقت ....
جاءت هجرة النبي ﷺ واجتمع الأنصار حول رآية النبي ﷺ .
وماتت فكرة أن يكون "عبد الله بن أبي" ملكاً على المدينة .
لذلك حقد "عبد الله بن أبي " على الرسول صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام وأبطن الكفر ....
ولم يتوقف لحظة عن الكيد ضد النبي ﷺ والمسلمون .
وتعاون مع اليهود في ذلك وقاد جماعة المنافقين في المدينة .
وكانت خطورة "عبد الله بن أبي " أن له مكانته الكبيرة بين قومه .
وقد ذكرنا سابقآ مواقفة ضد النبي ﷺ حين انسحب أثناء تحرك المسلمين إلى أحد فانسحب معه ثلث الجيش .
كما أنه قام بإشاعة حادثة الإفك وتكبيره لها .
فقال الله تعالى في ذلك :
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
وفي غزوة "بني المصطلق" في السنة السادسة من الهجرة حاول إحداث وقيعة وفتنة بين المهاجرين والأنصار .
حين قال "والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"
وهو الذي نزلت فيه هذه الآية بقوله :
لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا .
يعني : امنعوا الأموال عن أصحاب الرسول حتى ينفضوا عنه ويتركوه
وقد سجل عليه القرآن العظيم هذه الكلمات .
ولم يتوقف "عبد الله بن أبي بن سلول" لحظة عن التآمر والكيد للنبي ﷺ ومحاولة هدم الدولة الإسلامية حتى مات في السنة التاسعة من الهجرة .

وكان لعبد الله بن أبي ولد اسمه عبد الله على إسم أبيه "أي أن إسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول"
وكان من خيار الصحابة رضي الله عنهم وشهد بدر وجميع المشاهد مع النبي ﷺ
وكان شديد البر بأبيه ومع ذلك كان من أشد الناس على أبيه .
فلما مات "عبد الله بن أبي" ذهب إبنه "عبد الله" إلى النبي ﷺ وسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأعطاه النبي ﷺ قميصه
ثم سأل النبي ﷺ أن يصلي عليه
فقام النبي ﷺ يلبي طلب هذا الصحابي رضي الله عنه المؤمن الصادق ليصلي عليه .
فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ بثوب النبي ﷺ
وقال : يا رسول الله . وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟
فقال النبي ﷺ يا عمر إنما خيرني الله فقال . اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .
وسأزيده على السبعين
ﷺ ما أرحمك :
هذا تحقيق لقوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
وصلى عليه النبي ﷺ .
يقول عمر رضي الله عنه فعجبٌ لي وجرأتي على رسول الله
ولكن نزل بعد ذلك قول الله تعالى :
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ .

وكان موت رأس المنافقين "عبد الله بن أبي " ضربة قاصمة ثالثة للمنافقين في خلال شهرين فقط .
حيث كانت الضربة الأولى :
هي غزوة {"تبوك" نفسها ونزول سورة التوبة .
وقد أظهرت غزوة تبوك وسورة التوبة عدد كبير من المنافقين .

وكانت الضربة الثانية هي هدم وحرق "مسجد الضرار"

ثم كانت الضربة الثالثة :
وهي موت رئيس المنافقين "عبد الله بن ابي بن سلول"
وبموت "عبد الله بن أُبي بن سلول"
انحسرت جداً حركة النفاق في المدينة المنورة وكسرت إلى حد كبير شوكتهم .
ولذلك لم نجد لهم حضوراً يذكر في العام العاشر من الهجرة .
وإن كان استمرار وجودهم مؤكدا لأن المنافقون لا يختفون أبداً من أي مجتمع مسلم منذ أيام النبي ﷺ وحتى يومنا هذا .
هذا كان باختصار شديد ما وقع من أحداث من السنة التاسعة للهجرة...
✨✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
 
Comment

الغريب

الصبر طيب
عضو مميز
إنضم
5 يونيو 2022
المشاركات
42,444
مستوى التفاعل
10,018
مجموع اﻻوسمة
8
دروس في السيرة النبوية
[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة عشر بعد المئتيين 218
وفد نصارى نجران . الجزء الأول .

من هم نصارى نجران ؟

ما زلنا نتحدث عن الوفود التي جاءت إلى المدينة في السنة التاسعة و العاشرة من الهجرة .
من أهم الوفود التي قدمت المدينة هو وفد "نصارى نجران"

نجران
كانت تدين بالنصرانية وكان ولاءهم للروم فكانت ولاية "رومية" في اليمن ...
وكان ﷺ قد أرسل إليهم كتاباً يدعوهم فيه إلى الإسلام...
فإن أبو ورفضت فدفع الجزية...
فلما وصلهم الكتاب قرروا أن يرسلوا وفداً رسمياً إلى المدينة
ليس لإعلان الإسلام
بل لمجادلة النبي ﷺ تحت عنوان ما يعرف اليوم بالحوار السياسي ....
وكان عدد هذا الوفد :
60 رجلاً و فيهم بضع نساء وصبية وكان فيهم 14 رجل من وجهائهم....
يرأسهم 3 من رجال الدين تحت اسماء كانوا يقدسونها :
١- العاقب
٢- والأسقف
٣- والسيد
هذه ألقاب لرجال الدين عند النصارى ....
فالعاقب: هو صاحب المرتبة العليا ......ثم بعده يأتي "الأسقف" ثم "السيد"
فكان أميرهم العاقب واسمه "عبد المسيح" وهو من كندى أي كندي الأصل "

قدم هذا الوفد ووافى وصولهم إلى المدينة المنورة
عند باب مسجد النبي ﷺ عند إنصراف المسلمين من صلاة العصر ....
فخلعوا ثياب السفر وبدلوها ودخلوا المسجد وهم يلبسون الحرير والذهب حتى يبهروا المسلمين
وتوشحوا بالصلبان ....
أي علقوا في صدورهم الصليب من الذهب .
مستعدين لمقابلة النبي ﷺ في هيئة رسمية
فلما رءاهم النبي ﷺ على باب مسجده ... رحب بهم ترحي خير مضاف لخير ضيف....
وأمر ﷺ أصحابه رضي الله عنهم على الفور أن يضربوا لهم قبةً في جانب من جوانب المسجد ....
والقبة تعني الخيمة ...
وأذن لهم أن يدخلوا بصبيانهم ونسائهم وأن يمارسوا حريتهم كأنهم في منازلهم .
وعندما دخلوا كانت صلاة العصر .... فقام المسلمون يصلون وقام الوفد يصلي صلاته في مسجد الحبيب المصطفى ﷺ
فأخذوا يرددون تراتيلهم ورفعوا الأصنام واستقبلوا بيت المقدس
أراد الصحابة رضي الله عنهم منعهم ..لكن النبي ﷺ قال لهم دعوهم
وترك لهم حرية أن يختاروا وقت جلوسهم مع النبي صلى الله عليه وسلم والحديث معه .

كانوا يحملون الهدايا للنبي ﷺ فبدؤوا بتقديمها ....
الثياب . والبسط . وبعض متاع بلادهم . والجلود المدبوغة .
استعرض النبي ﷺ هداياهم فقبل كل شيء إلا ما فيه نقش الصليب رده لهم بكل لطف وأدب معتذرآ منهم ...

وترك لهم كما قلنا الوقت المناسب للدخول في المفاوضات التي يريدونها .
وبعد ثلاثة أيام......
"وهي العرف والعادة عند العرب أن لا يسأل الضيف عن حاجته إلا بعد ثلاثة أيام"
بعد ثلاثة أيام قام قادتهم الثلاث مع بعض الوجهاء وطلبوا من النبي ﷺ أن يجلسوا إليه ويحدثوه ...

وبدء حديثهم بنقاش طويل وفلسفة وجدل : يعني في حلقة مفرغة عن الأديان والكتب السماوية وبعثة النبي...
فلما رأى الحبيب المصطفى ﷺ جدلهم عقيماً لا يريدون به معرفة الحقيقة ....

فكان وفدهم لا يعبر عن الحقيقة إختصر النبي ﷺ الطريق عليهم :
فدعاهم إلى الإسلام
قال لهم : فإني أدعوكم أن تدخلوا في دين الله وأن تسلموا .
فلم يقبلوه بل قال له أميرهم "عبد المسيح" الملقب بالعاقب
قال : نحن مسلمون قبلك يا محمد .
( يعني نحن أتباع المسيح )
فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الذي هو في لفظ البخاري رحمه الله :
قال إنما يمنعكم من الإسلام ثلاثة.
عبادتكم الصليب . وأكلكم لحم الخنزير . وزعمكم أن لله ولداً .


هنا تمسكوا بالأمر الثالث وهو "زعمكم أن لله ولدا"
تمسكوا به لأنه يمس "عيسى عليه السلام" فتوقفوا عندها وأكثروا الجدل فيها
قالوا : ما لك تشتم صاحبنا وتقول إنه عبد لله عز وجل .
فقال النبي ﷺ أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .
فقالوا: _ هل رأيت إنساناً قط من غير أب، فإن كنت صادقاً فأرنا مثله ؟
فلم يجبهم.... وإذا بالوحي يتنزل فأنزل الله الوحي ليرد عليهم :
ورأوا وهم جالسين عند رسول الله ﷺ "صفة الوحي" التي يعرفونها ....
بأنه إذا نزل الوحي على نبي آخر الزمان .
فهو ليس كموسى عليه السلام يكلمه الله تكليماً .
لا .. بل هو وحي .
وأن الوحي له ثقل ....
وأنه يغض غضيض البكر وتدق لحيته ﷺ صدره . ويتصبب منه العرق فيه نور كأنه اللؤلؤ .
رأورا صفاته ﷺ وهو يوحى إليه ...
ثم قرأ عليهم ما أنزل الله عليه
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
فالنصارى لا ينكرون أن آدم قد خلق بلا أب ولا أم .
فاذا كانوا يرون أن عيسى إلهاً لأنه خلق من غير أب .
فالأولى هو "آدم" لأنه خلق بلا أب ولا أم .

فلما سمعوا كلام الله : خرسوا وحبطوا
وقالوا : أجل ....
ولكن بقي جدالهم بأن نسلم أو لا نسلم ....
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....














[: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة عشر بعد المئتيين 219
وفد نصارى نجران . الجزء الثاني .

المباهلة

ذكرنا أن وفد "نجران" أخذ يجادل النبي ﷺ نُسلم ولا نسلم فنحن على دين ...
وأخذ الوفد يجادل النبي ﷺ ساعات طويلة ولعدة أيام....
"والآيات التي في صدر سورة آل عمران حتى الآية رقم (80) كانت كلها ردود على وفد نجران وعلى جميع النصارى .
حتى نصل إلى هذه الآية :
وهي آية "المباهلة"
قال تعالى :
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ .

و "المباهلة" : هي طريق جديدة لإقامة الحجة.
وهي تعني أن يجمع كل طرف أهله ويقف وجهاً لوجه مع الطرف الثاني .
ويبتهل ويدعو كل منهما أن ينزل الله عز وجل لعنته على الذي يكذب وينكر الحق .

فمن حماقة القوم أنهم استعجلوا وقالوا : نعم نباهلك ولكن متى ؟
فقال لهم النبي ﷺ غداً إذا ارتفعت الشمس .
يعني وقت صلاة الضحى .

لماذا بدأت الآية أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ .
بدأت بالأبناء يقال : لأن الأطفال بريئون لا يعرفون الكذب وهم أقرب إلى الله تعالى من غيرهم لم يكسبوا جرماً ولا إثماً بعد .

وقبل القوم "المباهلة"
فغاب عنهم النبي ﷺ بقية اليوم وتلك الليلة ولم يكلمهم .
حتى خرج إليهم النبي ﷺ "للمباهلة" في اليوم الثاني عند شروق الشمس
خرج النبي ﷺ "للمباهلة" "وعلي" رضي الله عنه عن يمينه
وعلى شماله للوراء قليلاً السيدة "فاطمة" رضي الله عنها "شماله "
والحسنين يجريان بين يديه
وأقبل على القوم "للمباهلة"
فلما رأه قادتهم الثلاث :
"العاقب والأسقف والسيد"

فنظر كبيرهم العاقب لصاحبيه
وقال لهم : ويلٌ لكم أتباهلون محمداً وقد خرج إليكم بهذه الوجوه .
والذي بعث موسى وعيسى .
لقد خرج إليكم محمد بوجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال الرواسي لأزالها .
ألا ترون نورهم يسعى بين أيديهم ... كفو عن مباهلته
ثم دخلوا الخيمة وقالوا لقومهم: وربِ موسى وعيسى لو باهلتم محمد اليوم ودعى عليكم بمن معه فلن يبقى لكم مالٌ ولا ولد .
"يعني : ينقطع أثركم من الأرض"
وقد تذكروا غضب الله تعالى على اليهود إذا اعتدوا في سبتهم فمسخهم قردة وخنازير"
ثم خرج ثلاثتهم إلى النبي ﷺ
وقالوا : لا يا محمد معذرة .
إن الذي تعجل إليك بالأمر وقال نعم نباهل هم عامتنا وأمرهم إلينا فنحن رجال الدين فيهم فنحن لا نريد مباهلتك .
ولكن نريدك أن تحكم فينا دون أن ندخل بالإسلام...
"يعني: نتبعك وأنت حاكم علينا من غير أن ندخل في الإسلام "
فبأي شي تحكم فأمرك مطاع !!
فقال لهم النبي ﷺ :
أعرض عليكم واحدة من ثلاث .
إما الإسلام . وإما أن تعطوا الجزية . وإما الحرب بيننا وبينكم .

فقالوا : نعطيك الجزية ونرجع إلى قومنا على ديننا ، ولكن ابعث معنا رجل من أصحابك يكون أمين حق . أمين يستوفي منا الجزية ويقضي فينا فيما يقع بيننا من شجار ....
فقال النبي ﷺ : أجل سأبعث معكم رجل أمين حق أمين .
يقول الصحابة رضي الله عنهم : فوالله ما منا أحد إلا واستشرف لها .
"أي تمنى أن يكون لها"
قالوا : فإذا به ﷺ يقول : قم يا أبا عبيدة .
فوقف أبو عبيدة "عامر بن الجراح" رضي الله عنه .
فقال النبي ﷺ : هذا أمين هذه الأمة .
امضي معهم يا أبا عبيدة فأقضي في ما بينهم واستلم منهم جزيتهم في كل عام .

ثم أمر أن يكتب له كتاب آمان ..
و "الجزية" أن يدفعوا للمسلمين ألف حلة في شهر صفر :
"والحلة تعني الثوب والرداء"
و ألف حلة في شهر رجب ومعها 3 آلاف قطعة من سلاح ما بين درع وسيف ولوازم السلاح في زمانهم .
وشيء من ذهب .....

كُتب ذلك في كتاب بالتفصيل...
وأمر النبي ﷺ أن يكتب في آخر الكلام :
هذه ذمة الله ، وذمة محمد رسول الله لنصارى نجران .

فانقلب القوم إلى قومهم راضين ليدفعوا الجزية لأبي عبيدة رضي الله عنه...
ثم ما أن وصلوا وأخبروا قومهم
فقال لهم قومهم: بئس ما رجعتم به إلينا !!
علمتم أن محمداً صلى الله عليه وسلم على الحق ورضيتم أن يحكم فينا ، ولم تتبعوه ولم تصدقوه ...
فضاج القوم على قادتهم ثم رجعوا جميعاً إلى المدينة إلى المصطفى ﷺ مسلمين


وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ .
✨✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...













: سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العشرون بعد المئتيين 220
وفد عبد القيس من البحرين وإسلامهم .


شهد له النبي ﷺ بالخير قبل أن يفدوا إلى المسجد وحتى قبل أن يراهم ...
وفد البحرين : كان يعرف "بعبد القيس" نسبة لجد لهم إسمه "عبد القيس" فنسبت القبيلة كلها إليه وكانوا يسكنون البحرين .
لم تصلهم رسل ولم يصلهم تهديد ولا جيوش فهم لم يُكرهوا على الإسلام...
وبالتحقيق في روايات كتب السير وخلاصة صحاح الحديث
قيل : أن رجلاً منهم واحد جاء إلى مكة وسمع بالإسلام .
فأتى إلى المدينة فأسلم ولم يعلم به أحد .
ثم انطلق وعرض الإسلام على قومه حين رأوا أنها قد تغيرت أحواله ...
وبدأت قصته من حجرة زوجته...
رأته يقوم في الليل يغسل أطرافه "أي يتوضأ" ثم يتجه إلى جهة معينة "الكعبة القبلة" ثم يركع ويسجد .
فذهبت وأخبرت أباها .
قالت له : إني أنكر حال بعلي منذ أن رجع من أرض الحجاز .
فإنه يقوم في الليل أو النهار يغسل أطرافه ثم يتجه إلى جهة ، ثم يحني ظهره مرتين . ويُلبس جبهته التراب .
فعندما جاء وكلمه عرف منه الإسلام...
فقبله ودعى قومه إليه فأسلموا
ثم علموا أن الوفود تأتي إلى النبي ﷺ فجمعوا منهم وفداً
هم مؤمنون ومسلمون ولكن أرادوا أن يروا النبي ﷺ ويسمعوا منه عن الإسلام
فقدموا في عام الوفود .
"إذآ الخلاصة هم مسلمون وقد تقدم إسلامهم .
لكنهم جاؤوا إلى النبي ﷺ في عام الوفود .
هذا خلاصة التحقيق من عدة كتب من السيرة وكتب الحديث .
فكانوا يعرفون بعبد القيس .

يقول الصحابة رضي الله عنهم : بينما نحن جلوس حول رسول الله ﷺ في مسجده إذ قال لنا .
سيطلع عليكم من ها هنا وأشار بيده إلى جهة المشرق .
ركبٌ هم خير أهل المشرق . لم يُكرهوا على الإسلام .
قد أمضوا الركائب "أي حثوا في السير" وأفنوا الزاد .

يقول الصحابة رضي الله عنهم : فلم يملك نفسه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وقال بأمي أنت وأمي ائذن لي أن أستقبلهم على أبواب المدينة ؟
"لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لهم أنهم خير أهل المشرق"
وانطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستقبلهم على باب المدينة وكان عددهم 40 بين رجال ونساء وصبية .
فقال عمر رضي الله عنه من القوم ؟
فقالوا : عبد القيس من البحرين .
فقال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى ، لقد شهد لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تصلوه .
ثم سار معهم وهو يرحب بهم . حتى إذا كان عند أبواب المسجد
قال لهم عمر رضي الله عنه :
ها هنا صاحبكم فترجلوا .
أي هنا النبي ﷺ انزلوا من على رواحلكم .
يقول عمر رضي الله عنه وهو راوي الحديث كما أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده :
قال عمر رضي الله عنه . فألقوا بأنفسهم من على رواحلهم
"لم يتمهلوا أن يعقلوها ، وذلك شوقاً للحبيب المصطفى ﷺ قفزوا قفزاً من شدة اشتياقهم له"

فألقوا بأنفسهم من على رواحلهم وهرولوا إلى المسجد ، وأخذوا يقبلون رأس الحبيب المصطفى ﷺ و يديه .
إلا رجلاً واحداً ، ويعرف "بأشج عبد القيس" أما اسمه الحقيقي "عبدالله بن عوف الأشج" رضي الله عنه...
وكان يلقب "بالأشج" بسبب جرح في وجهه بليغ
فنزل عن راحلته بكل هدوء .
وجمع رواحل القوم حتى لا تسرح ها هنا . وها هنا ، ثم أناخها وعقلها .
ثم أخرج ثوبين أبيضين نظيفين
ثم غسل وجهه بالماء فذهب عنه غبار السفر ولبس الثياب النظيفة ....
ودخل المسجد بالهدوء والسكينة حتى أقبل على النبي ﷺ وانكب على رأسه يقبله ويقبل يديه
وأخذ الناس ينظرون إليه .
وكان رجلاً ليس حسن الهيئة .
"من الناحية الخلقية كان دميم البشرة والجلد فأخذ الناس ينظرون إليه هذا الذي دخل بهدوء و سكينة وليس في نظر الناس تلك الشخصية في لغة الناس اليوم"
فلما رءآهم ينظرون إليه باستغراب
قال له النبي ﷺ إن فيك يا أشج لخلتين . يحبهما الله عز وجل ورسوله . الحلم والأناة .
فقال . يا رسول الله تخلقتهما أم جبلني الله عليهما ؟
فقال جبلك الله عليهما .
فقال الأشج رضي الله عنه الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله .

فقال النبي ﷺ يخاطب الوفد مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى .
فلما كان يحدثهم نظر ﷺ في رجل منهم وتفرس فيه أنه غير مسلم وكان إسمه "الجارود بن بشر"
"كان نصراني على دين المسيح عليه السلام .
لم يسلم ولكنه صحب القوم ليرى النبي ﷺ أولاً ويسمع منه ثانياً .
كي يقارن بما يرى ويسمع بما عنده من علم الكتاب"
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يرفع رأسه .
يا جارود إني أدعوك إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله .

ناده بلقبه المعروف في قومه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسألهم عن أسمائهم .
يا جارود إن ادعوك إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله فتدخل في دين الله .
فقال الجارود : يا محمد إني كنت على دين .
وإني تارك ديني لدينك . أفتضمن لي ديني ؟
فقال رسول الله إني أنا ضامن لك أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه .
إن الدين عند الله الإسلام فهو دين عيسى وموسى ومحمد والناس أجمعين .

فقال الجارود : والذي بعثك بالحق . لقد وجدت صفتك التي أرى الآن ونطقك الذي أسمع الآن في الإنجيل كما بشر به ابن البتول عليه السلام .
وكان "الجارود" سيد قومه في البحرين فلما عاد أسلم قومه كلهم لم يناقشوه أبداً .
وكان له أثر طيبٌ بعد وفاة النبي ﷺ إذ تسللت الردة إلى بعض الأقوام .
فلما شم "الجارود" رضي الله عنه رائحة الردة قد تقع في البحرين .
وقف وجمع قومه وجدد الشهادة
وقال . إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله . وإن مات فإن الموت حق . وإن الله الحي الذي لا يموت .
أما والله من بعث محمداً بالحق . ما ارتد أحد منكم عن دينه إلا ضربت عنقه .

[[ فمنع الردة في البحرين ]]
رضي الله عنه.....

قال الوفد : يا رسول الله إنا حي من ربيعة وإنا نأتيك شقة بعيدة
"يعني : نحن في بعد عنكم "
وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر .
وإنا لا نصل إليك إلا في شهر الحرام .
فمرنا بأمر فصل ندعوا إليه من وراءنا وندخل به الجنة .
"يعني أوجز لنا شيء نفعله ونقوم به يدخلنا الجنة"
فقال لهم النبي ﷺ :
آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع .
آمركم بالإيمان بالله وحده .
أتدرون ما الإيمان بالله . شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
وإقام الصلاة . وإيتاء الزكاة . وصوم رمضان . وأن تعطوا من المغانم الخمس .

ولم يذكر ﷺ لهم الحج لأن الحج لمن إستطاع إليه سبيلا .
وأنهاكم عن أربع عن الدباء . والحنتم . والنقير . والمزفت .

فقال رجل منهم : بأبي أنت وأمي يا رسول الله وما علمك بالنقير وأنت ابن الحجاز ؟
"لأن النقير كان لا يعرف إلا في منطقة البحرين"
فقال ﷺ بلى . إنكم حين جلستم بين يدي رفع الله لي بلدكم فنظرت فيها فعلمت كل شيء .

ماهو الدباء . والحنتم . والنقير . والمزفت .....

الدباء ...
فكان كل أهل الحجاز لا يعرفونه
الدباء . هو القرع اليابس الأصفر يشبه البطيخ يفرغ من داخله مثل ما يعمل الكوسا للحشي ، يخرجون اللب الداخلي ويضعون فيه الماء ثم ينبذون "يلقون" فيه شيء من الزبيب "عنب مجفف" أو التمر أو القطين "تين مجفف"
وما كان عندهم ثلاجات وفلاتر ماء فتعلموا هذه الطريقة .
يلقون هذه الأشياء داخل القرع المفرغ ويضعون عليه الماء لأن ماء البحرين مالحاً فيحلى الماء ، فيشربون منه ماء حلو وبارد ولكن بعضهم يضع هذا الماء فترة طويلة فيصبح مسكرا .

الحنتم ...
آنية كبيرة مثل الفخار يصنعونها من تراب معين يعجنونه وتبقى طينته طرية ثم يضعون عليه شيء من الدهان كي لا يرشح منها الماء و كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة .

النقير ...
جذع النخل ينقرونه ويفرغونه من الداخل ثم يضعون فيه الخمر .

المزفت ...
الوعاء المطلي بالزفت .

فقال الأشج رضي الله عنه يارسول الله إن بلادنا وخمة
"يعني طبيعتها الجو شديد الرطوبة".
وإذا شربنا الماء مطلقاً عظمة بطوننا ولا يستسقي أحد منا "يعني ما بتروينا الماء"
فهل رخصة لنا بمثل هذه وجمع بين كفيه كالذي يقدم حفنة .
"يعني شوي نشرب منه"
فقال النبي ﷺ وهو مبتسم إلى الأشج .
يا أشج إني إن رخصت لكم في مثل هذه . شربتم في مثل هذه وفرد يديه .
"يعني رح ياخدوها رخصة"
حتى إذا قعدتم وشربتم وثملة العروق .
"ارتوت" قام أحدكم يتفاخر . فقام إليه ابن عمه فلطم ساقه بالسيف فجعله أعرج .
فصاح القوم جميعا "نشهد أنك لرسول الله"
"أخبرهم ﷺ بحادثة وقعت فيهم لا أحد يعلمها"
فقام المضروب ساقه وكان مع الوفد ورفع الثوب عن ساقه
وقال : أشهد أنك رسول الله والله قد فعلت هذا . فقام ابن عمي وضرب ساقي بالسيف وها أنا أعرج عليها يا رسول الله .


وهكذا كان وفد عبد القيس من أفضل الوفود وأطيبها ....
✨✨✨✨✨
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى