[سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الواحدة بعد المائة
101
النبي ﷺ يستطلع خبر قريش .
تقدم جيش قريش إلى بدر لمواجهة المسلمين رغم أن قافلة أبا سفيان قد نجت .
فوصلت أخبار للنبي ﷺ بأن أبا سفيان قد هرب بالقافلة من جهة الساحل .
وأنه استنجد بقريش وأن قريش في طريقها إلى بدر .
فلما وصل ﷺ إلى العدوة الدنيا
قال تعالى :
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
سورة الأنفال .
العدوة القصوى يعني الأبعد . والعدوة يعني حافة الوادي ..
بدر منطقة وادي لها حافتين . حافتها القصوى أي البعيد جهة مكة .
فكل من يأتي من جهة مكة ويقترب من بدر يكون عند حافة الوادي القصوى البعيدة .
والعدوة الدنيا تكون أقرب للمدينة التي وصل إليها النبي ﷺ .
وأيضاً وصلت قريش للعدوة القصوى .
لما وصلت قريش أناخوا بها واستراحوا
وكان النبي ﷺ قد وصل إلى العدوة الدنيا .
أي حافة الوادي من الجهة الأخرى .
وكان بينهم تلال لا يرى من خلالها أي فريق الآخر .
فلما وصل النبي ﷺ هناك خرج ﷺ بنفسه واصطحب أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليستطلع الأخبار بنفسه.
فجاء على شيخ من شيوخ العرب كبير يقال له "الضمري"
وسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا عندك من خبر قريش وعيرها ؟
ومحمد و صحبه ؟؟
فقال الشيخ : ممن أنتما.
فقال النبي ﷺ : إن أخبرتنا أخبرناك
فقال الشيخ : هذه بتلك .
قال له النبي ﷺ :نعم .
قال : أما وقد كان "يعني إذا هذا شرطك"
فإني سمعت أن محمد وأصحابه "وهو لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم "
أن محمداً وأصحابه خرجوا بغية عير قريش في يوم كذا وكذا .
فإن كان قد صدق من أخبرني فإن محمد وأصحابه اليوم في مكان كذا وكذا
" بالضبط العدوة الدنيا"
"لأن العرب كانت تعرف المراحل في كذا يوم أين يكونون"
وسمعت أيضآ أن أبا سفيان أرسل يستنصر قريش وخرجت كلها لتحمي عيرها في يوم كذا وكذا .
فإن كان الذي حدثني صدقني فإن قريش اليوم ستكون في مكان كذا وكذا .
"أخبره بالمكان اللي فيه قريش بالتمام العدوة القصوى"
قال وأما أبو سفيان فقد علم الخبر .
فساحل بعيره : هرب و سلك طريق ساحل البحر"
فلا أعرف أين اليوم كان :
"يعني ما بعرف مكانه هرب"
قال : ها أنا قد أخبرتكم . فأخبرني ممن أنتما ؟
فقال له النبي ﷺ : نحن من ماء .. ومضى .
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فنظرت إلى الرجل يقلب كفيه.
ويقول : من ماء ؟ أي ماء ؟
أمن ماء العراق هما ؟
فنظر النبي ﷺ إلى أبا بكر ووجده مستغربا
فضحك النبي ﷺ .
وقال يا أبا بكر قد أجبناه وصدقناه
قال تعالى :
فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
سورة الطارق .
فنحن من ماء .
هذه حكمة نبينا ﷺ .
هكذا علم النبي ﷺ أن قريش تقترب من ماء بدر .
فلما كان المساء أرسل إلى بدر كتيبة استطلاعية :
1- علي بن أبي طالب .
2- والزبير بن العوام .
3- وسعد بن أبي وقاص .
فوجدوا عند ماء بدر غلامين لقريش.
يملئون أسقية قريش فقاموا بأسرهما وذهبا بهما إلى معسكر المسلمين .
وكان ﷺ قائم يصلي فأخذ المسلمون يستجوبوهما
فقالا لهما : بعثتنا قريش نسقيهم من الماء .
وكان المسلمون لا يريدون مواجهة جيش قريش، وإنما يريدون عير قريش .
فأخذوا يضربوهما حتى اضطروا أن يقولا لهما.
نحن لأبي سفيان فتركوهما.
"كذبوا عليهم يعني نحن مع قافلة أبو سفيان"
فلما فرغ ﷺ من صلاته .
قال للصحابة إذا أصدقاكم ضربتموهم .
وإذا كذباكم تركتموهما .
صدقا والله إنهما لقريش ثم قال لهما :
أخبراني عن قريش.
قالا : هم والله وراء هذا الكثيب .
"أي عند العدوة القصوى"
فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم كم القوم .
"اي كم عددهم"
قالا . كثير .
قال : ما عدتهم ؟
قالا : لا ندري .
قال : كم ينحرون كل يوم ؟
قالا : يوما تسعا ويوما عشرا.
فقال النبي ﷺ : القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف.
ثم قال لهما :فمن فيهم من أشراف قريش؟
قالا :
عتبة بن ربيعة .
وشيبة بن ربيعة .
وأبو الحكم بن هشام .
وأمية بن خلف .
وزمعة بن الأسود .
وغيرهم من سادة قريش .
فأقبل النبي ﷺ على الناس .
وقال : هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
هنا تأكد للرسول ﷺ أن العير قد فلتت وأن جيش مكة قد خرج للقتال .
وأن جيش مكة جيشاً كبير وأن قوامه تقريباً "ثلاثة أضعاف" جيش المسلمين.
وأن قريش خرجت بجيش مدجج بالسلاح .
ويعلم الرسول ﷺ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يخرجوا للقتال وإنما خرجوا لمهاجمة قافلة تجارية حراستها أربعون رجلاً.
لتعلم الأمة جميعآ أن نصر الله لا يأتي بالعدة والعتاد .
صحيح هي أسباب يجب الأخذ بها.
قال تعالى .
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
سورة الأنفال .
ولكن الحقيقة المطلقة أن النصر من الله سبحانه وتعالى.
جمع الرسول ﷺ الصحابة رضي الله عنهم ليعرف مدى استعدادهم للقتال ولمواجهة جيش مكة جمعهم ليستشيرهم.
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية بعد المائة
102
النبي ﷺ يستشير أصحابه رضي الله عنهم
عندما أيقن النبي ﷺ استعداد قريش للقتال .
جمع أصحابه رضي الله عنهم ليستشيرهم في الأمر .
ومن حكمته ﷺ وتشريعه السمح مبدأ الشورى .
قال :
أشيروا علي أيها الناس . ما ترون في قتال القوم ؟
فقال بعض الصحابة : لا والله مالنا طاقة بقتال العدو .
ولكن أردنا العير .
وقال البعض : لم نعلم أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم .
فظهرت الكراهة في وجهه ﷺ .
وقال : ما ترون في قتال القوم ؟
أشيروا علي أيها الناس .
فقام أبو بكر رضي الله عنه : فقال خيراً .
فأثنى عليه النبي ﷺ بخير .
ثم قام عمر رضي الله عنه : فقال خيراً .
فأثنى عليه النبي ﷺ بخير .
ثم قال : أشيروا علي أيها الناس .
ثم قام المقداد بن الأسود رضي الله عنه : وهو أيضا من المهاجرين وقال : إمض يارسول الله لما أمرت به فنحن معك .
والله لا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسى .
قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
فوالذي بعثك بالحق نبياً لنقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك حتى لو وصلت بنا إلى برك الغماد .
"برك الغماد موقع يقال في أقصى اليمن وقيل أنه عند البحرين تضرب العرب في مكة المثل به في البعد "
"أي : نقاتل ونقطع المسافات الطويلة ونحن بين يديك"
فأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ودعى له بخير .
ثم قال ﷺ :
أشيروا علي أيها الناس
لماذا يكررها ﷺ
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعرف رأي الأنصار.
لأن الذين تكلموا هم أبو بكر وعمر والمقداد بن عمرو رضي الله عنهم. من المهاجرين
وهو يريد أن يعرف رأي الأنصار.
في بيعة العقبة الثانية عندما بايع الأنصار النبي ﷺ وبنود المعاهدة والبيعة .
فإن المعاهدة التي كانت بين الأنصار ورسول الله صلى الله عليه وسلم : أن تحمونني إذا دخلت دياركم وليس فيها أن تقاتلوا معي خارج المدينة "
فأراد ﷺ أن يتأكد لهذا السبب
ولأن الأنصار أكثر عدد فهم فوق 200 رجل والمهاجرين بضع وسبعين .
ولذلك حتى بعد أن سمع الرسول ﷺ قول أبو بكر وعمر والمقداد .
قال : أشيروا علي أيها الناس
ففطن لذلك الصحابي الجليل سيد الأنصار "سعد بن معاذ" رضي الله عنه.
ذلك البطل الذي اهتز له عرش الرحمن.
سعد بن معاذ رضي الله عنه أسلم وعمره 30 سنة ومآت وعمره 36 سنة .
فوثب قائماً : وقال والله لكأنك تريدنا يا رسول الله .
قال ﷺ له : أجل .
فقال سعد بعد أن حمد الله تعالى
قال : يا رسول الله لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق .
وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة .
وإنك خرجت تريد أمراً .
ولعل الله أراد غيره .
امضي يارسول الله لما أراك الله.
فوالله ما نكره بأن تلاقي بنا عدونا غداً .
ولو استعرضت بنا هذا البحر وخضته لخضناه معك .
ِصل ِحبال َمن شئت واقطع حبال من شئت .
ساِلم َمن شئت . و عاد من شئت . وُخذ ِمن أموالنا ما شئت .
والله إن الذي تأخذه من أموالنا أحب إلينا من الذي تدعهُ لنا .
وإنا لنصبر بالحرب صدق عند اللقاء.
ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك وما تخلف رجل منا عنك قط.
فامض بنا على بركة الله يا رسول الله.
يقول الصحابة رضي الله عنهم فتهلل وجهُ النبي ﷺ وأشرق وسر .
وقال : أبشروا وسددوا وقاربوا .
فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين : والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم .
ومضى الحبيب المصطفى ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم إلى مواجهة قريش .
وهذا الموقف يظهر مدى شجاعة النبي ﷺ .
هو الوحيد الذي فكر في قتال قريش ولم يفكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم في هذا الأمر .
ويظهر كذلك حنكته السياسية لأسباب عدة :
1- لأن المسلمون في حاجة ماسة في تلك المرحلة إلى تثبيت هيبتهم في الجزيرة.
2- لأنهم دولة ناشئة وكل الأنظار مركزة عليهم.
3- انسحاب المسلمون من المواجهة .
كانت ستستغله قريش في الدعاية لنفسها وضد المسلمين.
4- انسحابهم كان سيضعف جداً من هيبة المسلمين عند العرب وكان سيجريء القبائل على المسلمين .
وسيكون له آثار سلبية كثيرة وخطيرة جداً على المسلمين في المدينة .
5- انسحاب المسلمين إلى المدينة كان ربما يشجع قريش على أن تواصل سيرها وتهاجم المسلمين في عقر دارهم في المدينة.
وصل ﷺ إلى بدر وأمامه الآبار وهو في انتظار جيش قريش للمواجهة.
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة بعد المائة
103
المسلمون في بدر .
مضى النبي ﷺ وقد علم أن قريش وراء التل في بدر بالجهة المقابلة.
فأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يأتوا أقرب ماء من بدر ويعسكروا فيه.
موقع بدر وادي فيه مجموعة من الآبار .
فجاء إلى النبي ﷺ شاب من الأنصار كان شجاعاً وجريئا ومتكلما "الحباب بن المنذر بن الجموح" رضي الله عنه .
وهو جندي من الجنود
جاء وقال : يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه ؟
أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟
فقال له ﷺ : بل هو الرأي والحرب والمكيدة.
"النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي سيد خلق الله أجمعين وسيد القوم وحاكمهم لا يخدع رعيته ولا يجد حرج إذا سمع رأي من أي شخص من أصحابه رضي الله عنهم.
فماذا ترى ؟
قال : ما أراه لك منزل يا رسول الله .
أرى أن تمشي بالناس حتى نكون أقرب ماء من الجيش "يعني من جهة قريش"
وإني يا رسول الله أعلم هذه البئر وغزارته .
نبني عليه حياض ثم نغور غيرها من الآبار .
"اي نردم فنشرب ولا يشربون"
قال له ﷺ : لقد أشرت بالرأي فانهضوا على رأي أخيكم .
فقام الجيش كله ونزلوا على رأي الحباب بن المنذر رضي الله عنه.
أرأيتم نبينا وحبيبنا ﷺ طبق ما يريده الله منه قبل أن تنزل عليه الآيات والوحي ..
بدر : أول معركة وأنزل الله بعد معركة أحد هذه الآية
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
شاورهم النبي ﷺ في الأمر . طبق هذه الخصال قبل أن تنزل الآيات عليه.
تقدم النبي ﷺ بجيشه وفعل كما أشار عليه "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه.
فجاء النبي ﷺ إلى أغزر بئر فيه ماء في بدر
وجعل كل الآبار خلف ظهره وردم كل هذه الآبار.
"دفنوها بالتراب والحجارة"
ولم يترك إلا بئرا واحده .
وبنى حوضاً على هذا البئر وملؤوها بالماء حتى يسهل الشرب على المسلمين وعلى دوابهم .
ووضعوا حولها المغارف مثل الكاسات مباشرة يشرب ويرجع يقاتل .
وهكذا تحكم المسلمون في مصدر المياه .
واستخدم النبي ﷺ هذا السلاح الهام جداً وهو سلاح المياه .
وخصوصا في تلك البيئة الصحراوية لتحقيق ميزة نسبية كبيرة للمسلمين في مواجهة جيش مكة .
تقدم جيش قريش حتى نزل في الجهة الأخرى من الوادي .
وقد صور لنا القرآن الكريم جغرافية ميدان المعركة بصورة رائعة :
فقال تعالى :
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ .
ثم يقول تعالى :
وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ
أي العير أو الجمال التي تحمل تجارة قريش التي مع أبو سفيان الذي اتجه بها ناحية مكة بمحاذاة ساحل البحر .
وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ
يعني ناحية الجنوب وأيضا للتعبير عن ساحل البحر
"لأن ساحل البحر يكون دائما أسفل من أي أرض يابسة .
حتى أنهم اتخذوا سطح البحر الآن مقياسا للإرتفاعات والانخفاضات .
فيقال هذا ارتفاعه كذا متر أعلى سطح البحر .
هكذا رسم لنا القرآن العظيم جغرافية أرض المعركة بدقة شديدة ، وفي كلمات قليلة وبأسلوب معجز رائع .
سبحانك ربي ما أعظمك وما أجملك وما ألطفك.
الأنوار المحمدية......
يتبع بإذن الله تعالى....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة بعد المائة
104
بدر قبل بدء المعركة .
أخذ النبي ﷺ برأي "الحباب بن المنذر" وتقدم بجيشه وجعل كل آبار بدر خلف ظهره وردم كل هذه الآبار ولم يترك إلا بئرا واحده
ثم وقف سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه .
قال يارسول الله إني أرى أن نبني لك عريش على هذا التل
فتكون بعيد عن ساحة المعركة مشرفاً عليها وأن نضع عندك الراحلة .
ثم نلقي عدونا فان أظهرنا الله عليهم كان ذلك ما أحببنا .
وإن كانت الأخرى جلست على الراحلة ولحقت بإخواننا بالمدينة .
ما تخلفوا عنك رغبة.
ولو كانوا يعلمون أنك تلقى عدوآ ما تخلف منهم رجل قط .
" يحفظ ود إخوانه من الصحابة رضي الله عنهم بالمدينة ملم يخرجوا معهم"
إستحسن النبي ﷺ رأي سعد بن معاذ رضي الله عنه ببناء العريش على تل من تلال بدر .
وجلس النبي صلى الله عليه وسلم في العريش واتخذ صاحبا له في العريش أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه هو الحارس على العريش .
نقف عند هذا الموقف .
هذا يدل على فقه الصحابة رضي الله عنهم وحسن فهمهم لسنن الله تعالى في كونه .
وأن التوكل لا يعني عدم الأخذ بالإسباب .
وانما التوكل هو اعتماد القلب على الله بعد الأخذ بجميع الأسباب .
لماذا قرار الرسول ﷺ عدم الإشتراك بالقتال ؟
١- اشتراك النبي ﷺ بنفسه بالقتال كان سيربك الصحابة رضي الله عنهم ويجعلهم يفقدوا التركيز بسبب قلقهم على النبي ﷺ .
٢- سيجعل جيش قريش يتجمع في نقطة واحدة حول الرسول ﷺ .
فيتجمع المسلمون بدروهم للدفاع عن النبي ﷺ .
ومن ثم يسهل على جيش قريش محاصرة المسلمين في هذه البقعة .
فكان قرار حكيم منه ﷺ .
فبات النبي ﷺ وأصحابه تلك الليلة مشرفين على بدر .
وباتت قريش خلف التلال ليلة خميس على جمعة 17 رمضان .
وكانت الرمال في وادي بدر شديدة النعومة
والمشي عليها مرهق جداً.
وفي تلك الليلة أصاب بعض الصحابة رضي الله عنهم : الحدث "يعني الجنابة" وهبت ريح ودخل الرعب نفوس البعض منهم .
"إننا أصبحنا جنب و أصبحت الريح والعواصف . هذه الريح ستقتلنا بدون قتال"
فأنزل الله عليهم مطر كان في الجهة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه طل .
"يعني ندى" فأصبحت الأرض التي يسير عليها المسلمين متماسكة يسهل عليها المشي بالنسبة للمسلمين وبالنسبة لدوابهم .
وفي جهة قريش كان المطر غزيرا جداً حتى أوحلت الأرض تحت أقدام قريش وجعلت السير على الأرض أكثر صعوبة .
وضاقت نفوس قريش بهذا الشتاء .
قال تعالى :
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)
أما الرسول ﷺ وصحابته رضي الله عنهم.
فلما أصبح الصحابة أصبحوا في نشاط وقوة ونزل الماء وطهرهم وأذهب رجس الشيطان ولبد الأرض تحت أقدامهم .
ثم نام جميع الجيش وكان في ذلك راحة لأجسامهم.
وكانت هذه آية أخرى من الله تعالى .
لأن الإنسان إذا كان قلقا فإن هذا القلق يمنعه من النوم .
أما نبينا وحبيبنا ﷺ وقف يصلي ويدعو الله تعالى ويقول :
اللهم أنجز لي ما وعدتني .
اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض .
ثم أخذ ﷺ يدعو للصحابة رضي الله عنهم.
يدعو ويدعو ويدعو ويتضرع إلى الله ويبكي في دعائه .
حتى أخذته ﷺ سنة من النوم "أي غفوة" ثم أفاق.
وقال
أبشر يا أبا بكر . أتاك نصر الله .هذا جبريل آخذين بعنان فرسه .
"جبريل ذلك الملك الكريم الذي وصفه الله عزوجل شديد القوى يتجهز للحرب مع رسول الله ﷺ .
وطلع فجر يوم 17 من رمضان وكان يوم الجمعة يوم المعركة
فنادى في المسلمين . الصلاة عباد الله .
فجاءه الناس فصلى بهم النبي ﷺ .
"المسلمون الآن في بدر يستعدون لخوض هذه المعركة ."
ننتقل الآن لمعسكر قريش نلقي نظرة سريعة .
أرسلت قريش رجل يستطلع لهم اخبار المسلمون
اسمه "عمير بن وهب الجمحي"
ارسلته قريش ليستطلع قوة جيش المدينة . فدار "عمير" بفرسه حول معسكر المسلمين .
ثم رجع إلى قريش .
وقال : 300 رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون.
ولكن أمهلوني حتى أنظر .
هل هذا العدد صحيح وإلا هذا كمين وخدعة منهم"
فانطلق "عمير" في المنطقة المحيطة ببدر يبحث إذا كان هناك بقية لجيش المسلمين .
فلم ير شيئا فرجع إلى قريش .
وقال : ما وجدت شيئا .
ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا .
صحيح عددهم قليل ولكن من نظر إليهم يشعر أنهم جاءوا بالمصائب والموت .
نواضح يثرب تحمل الموت الناقع.
"أي الدواب التي تحمل المسلمون على ظهرها لا تحمل بشر إنما تحمل الموت الناقع أي الكثير"
قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم .
والله ما أرى أن ُيقتل رجل منهم حتى َيقتل رجلاً منكم.
فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك.
فأنظروا رأيكم :
"المسلمون كما قلنا عددهم 313 فأقل تقدير أن يقتل كل رجل منهم رجلا منكم .
يعني رح ينقتل من قريش 313 رجل . فما خير العيش بعد ذلك فأنظروا رأيكم"
فقام "عتبة بن ربيعة" وقال : يا قوم أطيعوني في هؤلاء القوم .
فإنكم إن فعلتم .
لا يزال ذلك في قلوبكم .
ينظر كل رجل إلى قاتل أخيه أو قاتل أبيه .
فاجعلوا حقها برأسي وارجعوا .
فصاح فيه فرعون هذه الأمة
"أبو جهل"وقال لعتبة : جبنت والله حين رأيت محمداً وأصحابه.
فقال له عتبة : ستعلم من الجبان المفسد لقومه .
أما والله إني لأرى قوماً كأن رؤوسهم الأفاعي وكأن وجههم السيوف.
قال تعالى :
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
الرعب في قريش .
هكذا دب الله الرعب في قلوبهم ووقع الخلاف بين قريش وتزعزعت صفوفهم الداخلية .
في الجانب الآخر كانت الروح المعنوية للمسلمين عالية جدا .
هذا هو نبينا وحبيبنا ﷺ يخطب فيهم ويشجعهم .
قال لهم : إن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين : العير أو النفير .
يعني إما تجارة قريش أو جيش قريش .
وبما أن العير قد أفلتت . فلابد أن يتحقق وعد الله تعالى بالإنتصار على الجيش .
يبشرهم ﷺ بالنصر ويقول لهم إن عددهم هو نفس عدد جند طالوت عندما هزموا جالوت.
قال تعالى :
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ...
نظر النبي ﷺ من بعيد.
كان عتبة كما قلنا يخطب في قريش أن لا يقاتلوا محمداً واصحابه ويتجادل مع أبو جهل .
فوقف ﷺ ونظر .
فكان أول رجل جسيم يتقدم قريش على جمل أحمر ومن بعد المسافة لا يعرف من هو ؟
فقال ﷺ إن يكن في القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر .
يا علي : قل لحمزة يعلم لنا من صاحب الجمل الأحمر من قريش .
فتقدم حمزة رضي الله عنه وكانت العرب رغم كفرها ذات أخلاق :
"لا قتال إلا بالمبارزة . لا يوجد في غدر "
تقدم حمزة ولم يؤذيه أحد ونظر من قريب على الرجل وإذا هو "عتبة بن ربيعة"
فصاح بعلي رضي الله عنه وقال له : أخبر رسول الله صاحب الجمل الأحمر "عتبة بن ربيعة"
فقال النبي ﷺ : ألم أقل لكم .
فهو أعقل رجل في قريش ؟؟
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة بعد المائة
105
معركة بدر الكبرى . الجزء الأول .
طلع فجر يوم 17 رمضان
صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الفجر في جماعة
وبدأ النبي ﷺ بعد ذلك يرتب الجيش استعدادا للقتال.
وجعل جيش المسلمين يقف على هيئة صف وكان هذا أسلوب جديد تماماً.
لم يكن يستخدم في الحروب .
فقد كان العرب يدخلون المعركة جماعة واحدة ثم بعد ذلك يقاتلون بالكر والفر .
"يعني التقدم والتراجع في ميدان المعركة"
سبب اختيار الرسول ﷺ أن يقف جيش المسلمين على هيئة صف .
هو التفوق العددي الكبير لجيش المشركين "حوالي ثلاثة أضعاف جيش المسلمين"
فأراد النبي ﷺ أن يكون القتال مع المشركين موزعا وليس مركزا في مكان واحد .
وحتى يضيع عليهم فرصة أن يقوموا بالإحاطة بالمسملين أوحصارهم .
أخذ النبي ﷺ يسوي صفوف أصحابه رضي الله عنهم وقد إختلت من الفرحة بالبشرى وهم ينتظرون .
وكان بعضهم ينظر لقريش وينظر للنبي صلى الله عليه وسلم.
كان ﷺ بيده عصا تشبه العود .
يقول للصحابة رضي الله عنهم إستقم ادخل أنت في الصف.
وكان رجل إسمه "سواد" قد برز من الصف ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم معجب مدهوش .
"نبي الله يريد أن يقاتل اليوم .
فقال له ﷺ : إستقم يا سواد وأدخل في الصف .
"ولأنه مشدود إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع ولم ينتبه .
فصاح النبي صلى الله عليه وسلم به مرة أخرى . إستقم يا سواد .
ولم ينتبه سواد .
فاقترب منه النبي ﷺ ووكزه بالعود في بطنه .
وابتسم و قال : إستقم يا سواد .
وكان سواد لا يلبس إلا إزار وعاري الصدر ومستعد للحرب .
قال ﷺ : إستقم ياسواد ووكزه بالعود ليشد إنتباهه .
فاغتنمها سواد فرصة ..
قال سواد رضي الله عنه :يا رسول الله قد أوجعتني بعودك هذا ..
فأقدني من نفسك .
"أقدني يعني آخذ حقي منك وأستد ...
فأعطاه النبي ﷺ العود وهو يعلم أن له شأن .
فأعطاه العود وقال له : إستقد يا سواد.
"إستقد يعني خذ حقك وإستد"
فأخذ سواد العود وقال : يارسول الله لقد وكزتني وأنا عاري الصدر وأنت تلبس الثياب .
فاكشف لي عن بطنك حتى نكون سواء .
تعجب الصحابة رضي الله عنهم أيعقل أنه يريد أن يستد من رسول الله ويوكز النبي بالعود في بطنه ؟
فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه حتى بان بياض بطنه ﷺ .
فرمى سواد العود في الأرض وضم النبي ﷺ وأخذ يقبل بطنه ويبكي ويقول فداك أبي وأمي يارسول الله .
فقال له ﷺ ما حملك على هذا يا سواد ؟
قال : بأبي وأمي يارسول الله .
لقد رأيت ما حضر من قريش . وقد يكون هذا اليوم آخر عهدي بالدينا .
فأحببت أن يكون آخر عهدي بها أن يلقى جلدي جلدك .
"وقد فاز بها سواد وكان من شهداء بدر رضي الله عنه"
هكذا أحب الصحابة رسول الله .
وهكذا أطاعوه وهكذا وقفوا معه.
ثم قام ﷺ بتنظيم صف لرماة الأسهم في مقدمة الجيش .
ثم صف بعده لحملة الرماح .
وكان الهدف هو صد هجوم الفرسان المتوقع في بداية المعركة .
وحتى يقوم بارباك العدو واحداث أكبر قدر من الخسائر في صفوفهم مع بداية المعركة.
هكذا استطاع ﷺ بهذا التنظيم المبتكر أن يقلل من آثار تفوق جيش المشركين على المسلمين .
سواء من ناحية عدد المقاتلين .
أو من ناحية امتلاكهم عدد كبير من الفرسان .
وأطلت قريش وكانت تريد الماء وكانوا على عطش يريدون الماء .
فوجدوا المسلمين قد سبقوهم إلى الماء والتفوا حوله .
وذهلت قريش لما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
ورجع النبي ﷺ إلى عريشه وأخذ يدعو الله ويقول .
اللهم نصرك الذي وعدتني .
اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلها وخيلائها تحادك وتكذب رسولك .
اللهم إن تهلك هذه العصابة "أي أصحابه" لا تعبد في الأرض .
فمازال يدعوا ويدعوا
وقريش قد إقتربت من جهة الماء .
فلما نظرت قريش ورأت أن الماء قد أحاط به أصحاب محمد .
أقسم رجال من قريش ليقتحموا حوض المسلمين ويشربوا من الماء .
فلما إقتربوا من الصحابة رضي الله عنهم : رشقوهم بالنبل فقتلوهم قبل أن يقتربوا منهم .
فخرج ﷺ وقال : لا تحملوا عليهم حتى آذن لكم.
فمازال يدعوا ويلح على ربه تعالى بالدعاء حتى سقط رداءه عن منكبيه وهو لا يشعر به وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول:
يارسول الله إن الله منجز لك ما وعدك.
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فما راعني إلا ورسول الله ﷺ يلتفت إلي وقد أشرق وجهه بالنور
وقال .
أبشر أبا بكر .
هذا جبريل قد هبط على رأس كوكبة من الملائكة يقاتل في صفوفكم .
وكان الصحابة رضي الله عنهم يقولون بعد المعركة أحصينا القتلى فكنا نعرف قتيلنا من قتيل الملائكة .
قاتلت الملائكة في صفوف المسلمين. بأمر الله تعالى.
قال النبي ﷺ لأبي بكر الصديق رضي الله عنه : هذا أخي جبريل عليه السلام على فرسه يقود كوكبة من الملائكة يقاتلون في صفوفكم .
وخرج ﷺ من عريشه مسرعاً يبشر أصحابه رضي الله عنهم بنزول الملائكة .
فلما خرج النبي ﷺ نظر إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه وقد أعتم بعمامة صفراء .
فقال ﷺ : يا زبير هذه الملائكة قد نزلت على سيمتك وأعتموا بعمامتك يقاتلون في صفوفكم .
وأخذ الرسول ﷺ يحرض الجيش على القتال ويثير حماستهم ويعمل على رفع روحهم المعنوية ويعد من يموت شهيدًا بالجنة .
ويقول .
والذي نفس محمد بيده .
لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة عرضها السموات والارض .
"عمير بن الحمام" رضي الله عنه
قال للنبي ﷺ وهو متعجب
قال : يارسول الله : جنة عرضها السموات والارض .
فقال له النبي ﷺ . نعم يا عمير .
وكان "عمير" بيده تمرات يأكل منها .
فنظر إلى التمرات بيده . ثم نظر إلى قريش
وقال . بخٍ بخٍ .
ما بيني وما بين دخول الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء .
إنها لحياة طويلة حتى آكل تمرات .
فرماها من يده وألقى بنفسه في داخل صفوف العدو يقاتل بقوة وحمية وشراسة حتى مات شهيداً في سبيل الله في معركة بدر رضي الله عنه وأرضاه.
"عوف بن الحارث" رضي الله عنه
يقول : يارسول الله ما يضحك الرب من عبده :
"يعني ما أكثر شيء يجعل الله سعيد من عبده"
فقال له ﷺ
غمسه يده في العدو حاسراً .
"يعني أن يقاتل في سبيل الله ولا يخاف من الموت .
فخلع : "عوف بن الحارث" درعه وألقي خوذته وانطلق في قلب جيش الكفار .
"وهو تصرف يلقي الرعب في قلوب العدو"
وأخذ يقاتل ويقاتل ويقاتل حتى مات شهيدًا في معركة بدر.
رضي الله عنه وأرضاه.
بهذا الإيمان من الصحابة رضي الله عنهم والثقة بالله تعالى نشروا دين الله تعالى حتى كنتم ثمار إيمانهم ووصل الإسلام لنا وأصبحنا بفضل من الله نقول .
لا إله إلا الله محمد رسول الله
رضي الله عن الصحابة أجمعين
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى...
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة بعد المائة
106
معركة بدر الكبرى / الجزء الثاني .
قال تعالى :
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)
ِ
بدأت المعركة :
وقد بدأ الهجوم من قبل المشركين .
وكان تحكم المسلمين في مصدر الماء يغيظ المشركين جدآ.
فخرج من قريش أحد فرسانهم المشهورين وهو "الأسود بن عبد الأسد"
كان رجلا شرسآ سيء الخلق . وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
"وجاء أنه : أول واحد يوم القيامة يعطى كتابه بشماله هو الأسود بن عبد الاسد"
وأقسم ليشرب من الحوض أو أن يهدمه .
فصرخ وقال : أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه .
فأنطلق إلى اتجاه حوض المسلمين :
فتصدى له "حمزة أسد الله ورسوله " وتبارزا .
فضربهُ حمزة ضربة أطاحت ساقه فطارت ساقه قبل أن يصل للحوض .
فوقع على ظهره وساقه تنزف دماً .
فأخذ "الأسود" يزحف حتى يصل إلى الحوض ويبر بقسمه .
فضربه حمزة ضربة أخرى قضت عليه قبل أن يصل إلى الحوض .
وأقبل نفر من قريش حتى وصلوا للحوض .
فقال النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم : دعوهم.
فشربوا منه وكان من بينهم "حكيم بن حزام" رضي الله عنه.
عمته السيدة خديجة رضي الله عنها الذي اهداها زيد بن حارثة .
والذي كان يهرب لهم الطعام في حصار شعب أبو طالب .
كل الذين شربوا من الحوض قتلوا يوم بدر إلا "حكيم بن حزام" فإنه لم يقتل
ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه .
فكان إذا أراد ان يحلف على يمين يقول "لا والذي نجاني يوم بدر"
ما أن سقط "الأسود"
حتى خرج عتبة بن ربيعة .
وأخوه شيبة بن ربيعة .
وابنه الوليد بن عتبة .
وكان الثلاثة من أبطال قريش .
كان عتبة مثلاً من ضخامته ومن ضخامة رأسه لا يجد خوذة يضعها على رأسه .
فكان يقاتل بلا خوذة .
فلما توسطوا بين الجيشين طلبوا "المبارزة"
وكانت هذه هي العادة في الحروب في ذلك الوقت
"أن تبدأ بالمبارزة .
وكانت نتيجة هذه المبارزة لها تأثير كبير في رفع أو خفض معنويات الجيش .
وكانوا يتفائلون أو يتشائمون بنتيجة المبارزة .
ولذلك كان يتصدى لهذه المبارزة دائما الأبطال من كل فريق"
لا قتال من غير مبارزة
فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار وهم .
عوف بن الحارث .
معوذ بن الحارث .
وعبد الله بن رواحة .
ولكن كان عوف ومعوذ وعبد الله بن رواحة من أشد الصحابة حماسة للقتال وحبا للشهادة.
فقالوا لهم : من أنتم .
قالوا : رهط من الأنصار .
فقالوا : كفٌء كرام "أي أنتم قدها وجديرين بالمبارزة"
كفء كرام ولكن ما لنا بكم حاجة .
يا محمد : أخرج لنا أكفاءنا من بني عمنا .
"سبحان الله يريدون سفك دماء أولاد عمهم .
الكفر فيه غلضة لا يعرف حق قرابة ولا رحم .
لذا عاملهم المسلمون بالمثل ..
فقال الرسول ﷺ :
قم ... يا حمزة بن عبد المطلب "عمه"
قم ... يا علي بن ابي طالب "ابن عمه"
قم ... يا عبيدة بن الحارث "ابن عمه"
رضي الله عنهم أجمعين.
فقاموا وتقدموا إليهم واصطف الفريقان :
فقال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطلب
وهذا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب
وهذا علي بن ابي طالب بن عبد المطلب
أقرب الناس لرسول الله "كلهم من بني عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم "
فهل نحن أكفائكم ؟؟
قال عتبة : أجل اكفاء كرام
فتقدموا الثلاثة للمبارزة :
بارز حمزة ... شيبة .
وبارز علي ... الوليد .
وبارز عبيدة ... عتبة .
حمزة وعلي لم يمهلا خصميهما طرفة عين.
فما هي إلا رفعة سيف ونزلة حتى أطاح كل واحد بخصمه .
فضجت ساحة المعركة بالتكبير كبر المسلمون.....
أما عبيدة الذي بارز عتبة .
فجرح كل واحد صاحبه فحمل حمزة على خصم عبيدة فأجهز عليه وقتله "ولذلك انتقمت بنته "هند بنت عتبة" من حمزة رضي الله عنه يوم غزوة أحد
لأنها علمت أن الذي قتل أباها في بدر هو حمزة"
نقطة هامة جداً في بداية المعركة :
المبارزة رفعت معنويات المسلمين وأحبطت المشركين .
انتهت المبارزة وأخذ المشركون قتلاهم وحمل حمزة عبيدة جريحاً يسيل مخ ساقه وأتى به إلى معسكر النبي ﷺ
فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم افرشه قدمه .
"اي مد قدمه ليضع عبيدة راسه وخده عليها حتى لا توضع على الرمال الحارة"
فنظر عبيدة بن الحارث لوجه النبي ﷺ وذرفت عيناه بالدموع.
و قال : يارسول الله .
ما بكيت جزعاً من الموت .
وإني لأعلم أنها الشهادة ..
ولكن تذكرت أبا طالب وقصيدته يوم الشعب .
اذا يقول
كذبتم وبيت الله نبري محمدا
ولما نقاتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وددت يا رسول الله لو أن أبا طالب حي ليرى أني أحق منه بقوله هذا .
فلا والله لا يصلوا إليك وفينا عين تطرف.
فقال له النبي ﷺ ( أشهد أنك شهيد)
مع أنه لم تفارقه روحه في أرض بدر .
فقد مات وهم راجعين بعد المعركة بالطريق إلى المدينة .
ورجع الرسول صلى الله عليه وسلم ساجداً باب العريش .
يقول : يا حي يا قيوم ويدعو الله تعالى..... حتى جاء علي رضي الله عنه
وقال : يارسول الله لقد اكتنفنا القوم " هجموا علينا "
فوقف ينظر فإذا بجبريل عليه السلام على رأس الملائكة عليهم السلام.
فقال لأصحابه رضي الله عنهم. قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض .
فوالذي نفسي بيده لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل مقبل غير مدبر محتسباً لله صابراً إلا أدخله الله الجنة .
فأخذ ﷺ حفنة من الحصى من الأرض وألقاها في اتجاه المشركين وهو يقول
شاهت الوجوه
ثم صاح في المسلمين :
شدوا .....
يعني اهجموا بقوة .
فانطلق المسلمون كالسيل وهم يصيحون بذكر الله تعالى أحد أحد.
وهجمت قريش : وكان فرسان المسلمون في المقدمة .
فلما اقترب جيش المشركين بفرسانهم استقبلهم المسلمون بالسهام كما أمرهم النبي ﷺ بذلك .
ثم استقبلوهم بالحراب
وسبب ذلك ارباكا شديدًا لجيش قريش وكسر حماسهم في بداية المعركة .
صليل السيوف في كل مكان والغبار يغطي أرض المعركة .
ألتحم القتال وتعانقت السيوف .
عندما أخذ ﷺ حفنة من الحصى من الأرض وألقاها في اتجاه المشركين وهو يقول
شاهت الوجوه
ما من رجل من قريش إلا قال شعرت الرمال تدخل في عيني قبل المعركة .
وأخذوا يفركون عيونهم .
قال من أسلم منهم بعد ذلك .
انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع صوتا كوقع الحصى في الطاس .
"كيف لما ترمي حجرة داخل طاسة"
فشعرنا ذلك في أفئدتنا ومن خلفنا "كانوا يشعروا صوت الحصى الذي رماه الرسول صلى الله عليه وسلم يقع في قلوبهم ومن حولهم"
وكان ذلك من أشد الرعب علينا.
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
النبي صلى الله عليه وسلم استغاث بالله فاوحى إليه :
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
وإذ يوحي ربك للملائكة أني معكم
أول : بند معية الله تعالى :
هو معهم بعلمه وإرادته ونصرته وقدرته.
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ .
إنه :
الله جل في علاه
لتعلم الأمة كلها أن الذي مع الله لا يهزم أبداً أبداً
الموضوع : عقيدة إيمان وأخلاق محبة و صدق.
وكان النبي ﷺ ليس مشرفا على المعركة فقط.
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فما راعني إلا والنبي صلى الله عليه وسلم يسل سيفه ويثب في درعه "أي ينهض إلى المعركة"
وهو يصيح ويقول :
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
يقول: أبو بكر الصديق رضي الله عنه والآية نزلت ونحن في مكة.
فوالذي بعثه بالحق ما علمت تؤيلها إلا يوم بدر .
نزلت الآية في مكة وتحققت في بدر .
يجب أن يكون يقيننا بما قال رسول الله صلى الله عليه أعظم من يقيننا أين نقف وأين نجلس .
لماذا نتاول السيرة ؟؟
إن السيرة لنقتدي لا لنقرأ رواية وقصة .
ينبغي أن يعلم المسلمين حقيقية دينهم .
وهي أننا نرتبط بهذا النبي العظيم ﷺ .
وأن نثق بما اخبر به ﷺ عندها تكون لنا المرجعية.
والحمد لله الذي جعل لنا المرجعية في كتابه العزيز وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هكذا بدأت معركة بدر بهذا الحماس والإيمان المطلق بالله تعالى والتوكل عليه والأخذ بالأسباب.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى...
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السابعة بعد المائة
107
معركة بدر الكبرى / الجزء الثالث .
قاتل الصحابة رضوان الله عليهم في بدر بكل شجاعة وإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وعندما كان خضامها مستعر يلتقي "أبو عبيدة بن الجراح" رضي الله عنه.
مع أبيه وجهآ لوجه في المعركة
موقف عصيب جلل
وتحرك الدم في عروق "أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
إنه أبي
فابتعد عنه لأنه لا يريد أن يكون هو قاتل أبيه
فإن قتله غيره لا بأس .
ولكن أنا أقتل أبي لا وإن كان كافراً.
قال تعالى :
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
فأين صحبة المعروف إذا قتله ؟
فابتعد أبو عبيدة رضي الله عنه
عن وجه أبيه ليكن مقتله على يد غيره .
فلما ابتعد أبو عبيده عن والده .
سمع أبو عبيدة أبوه يصرخ في المعركة : أين محمد ؟
دلوني عليه لا نجوت إذا نجا
جعل من نفسه فقط هدف لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
واتجه نحو النبي ﷺ .
فلما رآه أبو عبيدة غضب ورجع مسرعاً إلى والده.
قال لوالده : يا عدو الله تنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريد قتله.
فرفع سيفه وأطاح برأسه
وقد نزلت فيه هذه الاية .
قال تعالى :
لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
ويقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه :خاله ابن المغيرة.
وهكذا لم تمنع القرابات والأرحام من أن ينتصر الصحابة المؤمنون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم
وكان أبو بكر في جوار النبي ﷺ في العريش .
فلما نزل ﷺ لساحة المعركة كان بجانبه ابو بكر الصديق رضي الله عنه.
فسمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابنه ينادي أين محمد .
يريد قتل النبي ﷺ .
إبنه المسمى فيما بعد "عبد الرحمن" وكان اسمه عبد الكعبة .
فلما أسلم غيّر النبي ﷺ اسمه فأصبح عبد الرحمن .
وكان أكبر أولاد أبوبكر الصديق رضي الله عنه.
ولكنه كان في بدر مع المشركين
فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه ابنه عبد الكعبة يصرخ وينادي
أيضآ يريد قتل النبي ﷺ .
فقال أبو بكر رضي الله عنه دعني له يارسول الله صلى الله عليه وسلم.
فامسك النبي ﷺ بأبي بكر رضي الله عنه
وقال : متعنا بنفسك يا أبا بكر رضي الله عنه.
أما تعلم بأنك سمعي وبصري.
أرأيتم قدر أبي بكر رضي الله عنه.
ولحكمة يريدها الله تعالى يؤسر عبد الكعبة ثم يفدى قبل أن يدخل في الإسلام ويصبح من خيار الصحابة رضي الله عنهم.
كان النبي ﷺ قد أوصى أصحابه قبل بدء المعركة .
فقال لهم : إن رجال خرجوا في هذا الجيش مكرهين لا حاجة لهم بقتالنا .
فمن لقي منكم العباس بن عبد المطلب فلا يقتله بل يأسره.
من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله كان لايؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وهو الذي ضرب أبو جهل يوماً على رأسه وشجه.
وعندما كان أبوجهل يمنع حكيم من إدخال الطعام للشعب.
قال له :ما رأيت في العرب لئيم مثلك .
وقام بنقض الصحيفة .
لم ينساها له النبي ﷺ .
ولكنه قتل في بدر .
قتله صحابي اسمه "المجذر" رضي الله عنه أراد أن يأسره .
ولكن أبا البختري رفض فجاء المجذر للنبي ﷺ.
وقال .. والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأثر فآتيك به فأبى إلا أن يقاتلني : فقاتلته فقتلته .
فسمع أبو حذيفة بن عتبة رضي الله تعالى عنه : قول النبي ﷺ .
من لقي العباس لا يقتله .
من لقي أبو البختري لا يقتله .
وكان قد قتل اباه وعمه وأخاه في المبارزة .
لما سمع هذه التوجيهات .
المؤمن يخطيء كل بن ادم خطاء .
قال ابو حذيفة : أنقتل آباءنا وإخواننا وعشيرتنا ولا يقتل العباس بن عبد المطلب ؟
والله لأن لقيت العباس لألجمنه السيف إلجاماً.
غلبته نفسه ففاضت منه كلمة .
سمع النبي ﷺ مقالته .
فنظر ﷺ في وجه عمر بن الخطاب وقال لعمر : يا أبا حفص .
أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟
يقول عمر رضي الله عنه : والله إنه لأول مرة يكنيني النبي بأبي حفص.
فقال عمر : يا رسول الله دعني اضرب عنق هذا المنافق .
فقال له النبي ﷺ .
لا لا يا عمر إنه لم ينافق ولكنها زلة لسان .
و لم يكن النبي ﷺ يحاسب على الخطأ .
قتل ابوه في المبارزة ، ولما أرادوا حمله إلى قليب بدر مع القتلى .
نظر النبي ﷺ لأبوحذيفة رضي الله عنه وإذا هو قد تغير .
فقال له : يا أبا حذيفة أدخلك شي من قتل أبيك.
قال : لا والذي بعثك بالحق . ولكن كنت أعلم من أبي رأي وحلم .
فاحببت أن يكون في الإسلام فكرهت ما مات عليه .
فدعا النبي ﷺ لأبي حذيفة بخير رضي الله عنه.
ومع ذلك يقول أبو حذيفة رضي الله عنه : مازلت اتخوف تلك الزلة وأقول لا يكفرها إلا شهادة في سبيل الله تعالى.
فما كانت معركة إلا يكون أول الصفوف .
حتى مات في معركة الردة يوم اليمامة رضي الله عنه وأرضاه.
رضي الله عن الصحابة أجمعين
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى.....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثامنة بعد المائة
108
معركة بدر الكبرى / الجزء الرابع والأخير .
في خضم تلك المعركة يأتي رجل صحابي "قتادة" رضي الله عنه
إلى النبي ﷺ وقد نزل نبل في عينه فسالت حدقته على خده.
وهم الصحابة رضي الله عنهم أن يقطعوها حتى لا تعيقه .
ثم صاح بهم رجل اذكروها لرسول الله "أي خذوا رأي النبي صلى الله عليه وسلم فيها"
فجيء بقتادة يقوده اثنان من الرجال وعينه مدلاة على خده
قالوا : يارسول الله سالت حدقة "قتادة" من سهم أصابها . أنقطعها ؟؟
قال : لا . لا تقطعوها .
ادنوه مني .
فقربوه إليه : فوضع كفه اليمنى على عينه فردها إلى مكانها ثم تفل فيها .
يقول قتادة : والله لا أدري أي عيني التي اصيبت ؟
وفي خضم هذه المعركة يأتي عكاشة بن محصن رضي الله عنه وبيده سيف مكسور .
قال : يارسول الله انقطع سيفي.
جاء رضي الله عنه وبيده سيف مكسور بقي مقبضه وشبر من قامته
قال : انقطع سيفي يا رسول الله .
وهو يرجو أن يعطيه النبي صلى الله عليه وسلم سيفاً
وبيد النبي ﷺ عود الذي وكز به بطن سواد بن غزية رضي الله عنه
يقال له : العرجون . عود من نخل راحت أوراقه .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : خذ هذا وقاتل به
اقاتل بعود خشب مقابل سيوف.
فأخد عكاشة رضي الله عنه العرجون من يدي النبي ﷺ .
وهو على يقين أن هذا العرجون سيبلي بالمعركة أكثر من السيوف.
ولم يكن يتوقع أن العرجون سينقلب إلى سيف.
أخذه وهو يريد أن يقابل السيوف بعود خشب.
من كان يحلم أن بلال بن رباح رضي الله عنه الضعيف المعذب على رمضاء مكة الذي كان يردد ويقول .... أحدٌ أحد.
هو الذي سيقتل أمية بن خلف الذي أذاقه أشد العذاب .
يراه بلال الحبشي رضي الله عنه
فيقول بلال رضي الله عنه :رأس الكفر أمية بن خلف.
لا نجوت إن نجا ويوقعه على الأرض.
يقول بلال رضي الله عنه : عندما وقع على الأرض أمية صاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط ،
ثم غرس بلال رضي الله عنه سيفه فيه .
من كان يظن أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه صاحب الساق الدقيقة.
عندما ضحك الصحابة رضي الله عنهم على دقة ساقيه وهو يصعد النخلة .
من كان يحلم أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه هذا يحز بسيفه رأس أبوجهل أكبر رأس في قريش .
اخبرتكم قصة عبدالله بن مسعود من قبل "ارويها باختصار تذكير "
هذه نقلة من أرض بدر إلى مكة عندما كان كفار قريش يعذبون المسلمين .
ذهب ابن مسعود يقرأ على قريش سورة الرحمن .
فلما سمعه أبوجهل قام إليه وكان أقواهم على الشر وأحبهم إليه :
فمشى حتى إقترب منه ..
لما رأى عبدالله بن مسعود أبو جهل يتقدم نحوه تراجع وصعد على درج الكعبة ليكمل القراءة ولم يتوقف .
فصعد أبو جهل ووقف أمامه ونظر إليه .
فأمسك بأذنه ثم رفعه من على الأرض يحمله من أذنه .
وكان أبو جهل ضخم الجثة ، رفعه من أذنه
وقال : يا إبن أم عبد يا رويعي الغنم .
لم نسمع هذا من محمد بن عبدالمطلب حتى نسمعه منك أنت ؟؟
ثم إنتشله فخرجت أذن عبدالله بن مسعود بيد أبو جهل وسقط جسده على الأرض "يعني قطع ذانه" ثم ألقى إليه أذنه.
وقال : خذ هذه لعل محمد ينفعك
فحمل أذنه المقطوعة بيده رضي الله عنه وجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم والدماء تسيل على خده .
ودخل ونظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم محزون ماذا يصنع .
وإذا بالنبي ﷺ يستقبله ضاحكاً
وقال : هات يا إبن مسعود .
فأعطاه إياها والحزن على وجهه فنظر ﷺ إليه وهو يبتسم
وقال له : ألا يرضيك الأذن بالأذن والرأس زيادة ؟
قال : بلى يا رسول الله رضيت "وهو لا يدري ما معنى ما يقول الرسول له"
قال . رضيت يا رسول الله .
ورأى بعدها ابن مسعود في منامه أنه يضع قدمه على عنق أبو جهل
وقد تعرض له أبوجهل يوم في الطريق .
قال : ها يا رويعي الغنم اتعاود إلى ما كنت عليه ؟
"يعني رح ترجع تقرأ قرآن مرة ثانية علينا"
هذه المرة إن فعلتها ... أقتلك
ِفقال له ابن مسعود : بل أوريت يا أبا جهل اضع ساقي هذه على رقبتك .
فإن صدقت رؤياي لأكون أنا الذي يحز رأسك.
وها نحن الآن في معركة بدر . وهذا هو أبوجهل على بعيره .
يقول الصحابة كأنه في حرجة .
"يعني متسلح ومتدرع لا بين منه إلا عيونه"
يصول ويجول ويحمس على القتال .
فجاء إليه غلامان يقال لهما أبناء العفراء
"من أهل المدينة كان يسمعوا مثل ما نحن الآن نسمع عن أبو جهل كيف كان يؤذي النبي ﷺ في مكة وكيف قتل المسلمين الضعفاء"
( معاذ ومعوذ ) يسألوا رجل من المهاجرين وهو "عبد الرحمن بن عوف"
قالوا له يا عم يا عم أين أبو جهل ؟؟
فيتعجب من السؤال وقال وما شأنكما بأبي جهل ؟
قالوا بلغنا أنه كان أشد قريش إيذاء لرسول الله . فنريد قتله .
وإذا أبو جهل يصيح بالناس .
فقال لهما : اترون هذا الذي يصيح . هذا أبو جهل .
فتقدما إليه ولم يأخذوه غدراً .
قالا : يا أبا جهل . انتبه إننا نريد قتلك .
فضحك وقال : لم يبقى عند محمد إلا هذه الصبية .
قالا له : لا تسخر إننا قاتلوك .
فجاء واحد من جنبه وضربه بالسيف فلم يأثرا فيه شيء
كله محصن بدروع حديد .
وجاءه الآخر من هنا وضربه بالسيف فلم يأثر به
إلا أنه قد سقط عن بعيره فلما سقط عن بعيره
والمعركة محتدمة وتأثر بهذه الجراح .
حتى يأتي ابن مسعود يلاقيه.
وقد أشرفت المعركة على الإنتهاء.
قال ﷺ .( إلتمسوا فرعون هذه الأمة في القتلى فإنه مقتول لا محالة )
فأخذوا يبحثون عنه وكان الخبيث لعنه الله يدس وجهه بالرمال حتى لا يعرفه أحد وينتظر من ينقذه من قريش .
فجاء عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
"سبحانك يا من لا تخلف وعدك . يسوق ابن مسعود من دون كل الصحابة رضي الله عنهم إلى موقع أبي جهل .
فينظر إليه عبدالله بن مسعود فيعرفه وهو يواري وجهه بين القتلى سيفه على جانبه .
قال عبد الله بن مسعود : فعرفته فقلت أي عدو الله . أخزاك الله .
قال أبو جهل . وما أخزاني لا . هل أنا ما ماعدا رجل قتلتموه .
"يعني شي عادي انا رجل واحد"
ولكن اخبرني لمن الدائرة ."بده يعرف نتيجة المعركة"
قال له : الدائرة لله ولرسوله وعلى رؤسكم يا أعداء الله .
يقول ابن مسعود : فخشيت أن يكون به قوة فيعاجلني .
فإن سيفي ضعيف لا يغني مع سيفه شيء . فطفت حوله
وجئت من قفاه
فأخذت أخذه بالسيف كي يموت .
قال : فلما رأيت لا حراك به رفعت الخوذة عن عنقه ونقرته فيها .
فقال : يا رويعي الغنم لا تعذبني بسيفك.
لا تعذبني بسيفك هذا . دونك خنجري على جانبي خذه فاقطع به عنقي "طلبها بلسانه"
قال . فاخذت خنجره عن جنبه ثم وكزته برجلي في صدره حتى استلقى إلى قفاه ثم وضعت رجلي على صدره .
ثم قلت له : تذكر يا أبا جهل ما اخبرتك به في مكة.
ها أنا رجلي على عنقك واحز رأسك بيدي ألم أقل لك إني سأذبحك .
قال له أبو جهل : لقد رقيت مرقاً صعبًا يا رويعي الغنم .
فحز رأسه وأراد أن يحمله ليطمئن النبي صلى الله عليه وسلم
فالناس يبحثون عن أبي جهل
قال : فعجزت عن حمله ما قدر يحمله "رأسه مثل الثور"
قال : فخرمت إذنه بالخنجر ثم ربطته بحبل وجررته على الرمال جرآ حتى جئت به النبي ﷺ .
وقلت : يارسول الله أبشر هذا رأس الكفر هذا رأس أبو جهل .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم آالله حقا ما تقول "
فلما نظر النبي ﷺ إلى رأسه.
خر ﷺ ساجداً لله تعالى
ونظر لإبن مسعود رضي الله عنه وابتسم.
وقال : يا ابن مسعود أرضيت الأذن بالأذن والرأس زيادة.
ثم نادى أين عمار . أين عمار ؟
فأقبل عمار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أبشر يا عمار فلقد قتل الله من قتل أمك.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة التاسعة بعد المائة
109
بعد المعركة .
انتهت معركة "بدر الكبرى" بانتصار المسلمين على المشركين نصراً ساحقاً .
فقتل من المشركين 70 مشرك .
وأسر 70 آخرين .
جلهم من سادة قريش .
لقد قتل سادة القوم الذين كانوا ألد أعداء النبي ﷺ وهؤلاء الذين قتلوا من المشركين هم عمالقة الكفر وقادة الضلال وأئمة الفساد في الأرض.
فمنهم فرعون هذه الأمة
1- أبو جهل .
2- الوليد بن المغيرة
3- عتبة بن ربيعة
4- شيبة بن ربيعة
5- النضر بن الحارث
6- عقبة بن أبي ُمعيط
7- وأمية بن خلف
وغيرهم من صناديد ووجهاء قريش.
واستشهد من المسلمين 14 رجل .
6 من المهاجرين و 8 من الأنصار .
رضي الله عنهم جميعاً
إنهزم المشركون وأخذت جموع المشركين في الفرار وتمت عليهم الهزيمة.
القتال بدأ في الصباح واستمر حتى الظهر
أي استمر عدة ساعات فقط وهو وقت قليل جداً بالنسبة لهزيمة جيش في ذلك الوقت .
أخذ المسلمون يطاردون المشركين ويأسرونهم .
ويمر "مصعب بن عمير" بأخيه "أبي عزيز بن عمير" وكان يقاتل مع المشركين أسيرآ في يد أحد من الأنصار وهو يقيد يديه .
فقال مصعب للأنصاري شد يديه، فان أمه ذات متاع وسترسل في فدائه مال كثير .
"يعني أمه ذات مال وثراء" وهي أم مصعب نفسه .
فقال له أخيه : يا مصعب أهذه وصاتك به ؟
قال مصعب رضي الله عنه : إنه أخي دونك "يعني هذا الانصاري اخي أكثر منك"( حتى تسلم ) فتكون القرابة وإخوة الدين.
وقام المسلمون بدفن قتلاهم .
ثم أمر النبي ﷺ بقتلى المشركين فسحبوا جثثهم وألقوها في أحد الآبار .
يقول الصحابة رضي الله عنهم :
فلما أمر النبي ﷺ بجمعهم "أي القتلى" وألقاهم في القليب .
"لان من سنته دفن جثة كل آدمي مسلم كان أو غير مسلم حفاظاً على البيئة"
قالوا : عندما أردنا أن نجمعهم نظرنا.
فوالذي بعثه بالحق ما من رجل ممن ذكره قبل المعركة تعدى موقع إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصرعه.
"قبل المعركة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : يشير لأصحابه رضي الله عنهم :
هذا مصرع فلان بن فلان
وهذا مصرع فلان بن فلان يقولون : فما تعتدى موقع إشارة النبي ﷺ"
عندما هربت قريش وكان الشجاع فيهم من سلم بنفسه .
وقف النبي ﷺ وكان الطقس صيفاً و حاراً فوجد أن الجثث بدأت تتغير وتنتفخ .
فأمر أن تجمع جثث القتلى من المشركين والمسلمين فتتوارى في التراب.
شهداء المسلمين في مكان .
وأما قتلى قريش في قليب بدر "أي بئر ثم تردم عليهم"
فلما أرادوا حمل أمية بن خلف وكان بديناً ويلبس درع قد انتفخ وملئ درعه فتفتت في أرضه
فأمر النبي ﷺ ان يُحفر في الأرض بجانبه ثم يلقى ويهال الرمل عليه ولا تترك جثة بالعراء .
"معلم الانسانية ﷺ .
ثم وقف ﷺ عند القليب بعد دفن الجثث.
دنى من القليب وأخذ يناديهم بأسماءهم .
يا عتبة ببن ربيعة .
يا أمية بن خلف .
يا عمرو بن هشام أبو جهل .
يا فلان بن فلان بأسماءهم .
بئس العشير كنتم .
كذبتموني وصدقني الناس . وأخرجتموني وآواني الناس . وقاتلتموني ونصرني الناس .
لقد وجدت ما وعدني ربي حقاً سيهزم الجمع ويولون الدبر .
فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا .
فقال بعض الصحابة : يا رسول الله أتنادي ناسا أمواتا ؟
ماذا تخاطب من أقوام جيفوا يا رسول الله ؟
[[ اي جثث لا ارواح فيها ]]
قال ﷺ :
ما أنتم بأسمع منهم ما أقول لكنهم لا يملكون الإجابة .
وأقام ﷺ والمسلمون في بدر ثلاثة أيام وكانت هذه هي عادة العرب في حروبهم .
أن المنتصر يظل في مكان المعركة ثلاثة أيام
ويعتبرون أن هذا هو دليل انتصاره .
بدليل أنه ظل في مكان المعركة بينما انسحب الطرف الآخر .
ثم أرسل ﷺ عبدالله بن رواحة من الأنصار وزيد بن حارثة من المهاجرين إلى المدينة ليبشر المؤمنين بالنصر
وكان المغضوب عليهم "اليهود" والمنافقين في المدينة
قد اشاعوا أن المسلمين قد هزموا وأن الرسول ﷺ قد قتل في بدر .
فلما وصلت البشرى بانتصار المسلمين إلى المدينة ارتجت المدينة بالتهليل والتكبير .
بينما وصلت أنباء الهزيمة لقريش ونزلت عليهم كالصاعقة وعلت أصوات النياح في مكة على قتلاهم .
ثم منعوا النواح بعد ذلك حتى لا يشمت فيهم المسلمون.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر الكفر و أهله في كل مكان يارب العالمين.
اللهم لطفك بالمسلمين المستضعفين في كل مكان يارب العالمين نعم المولى ونعم النصير.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[١/٥/٢٠٢١ ٩:٣٢ ص] احمد عبد الرحمن مصطفى:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة العاشرة بعد المائة
110
أسرى بدر ووفاة رقية بنت النبي ﷺ .
انتهت المعركة ودفنت أجساد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .
ودفنت جثث المشركين .
وأخذ الصحابة رضي الله عنهم بجمع الغنائم وساقوا الأسرى بين أيديهم مكبلين بالحبال .
فنظر النبي ﷺ إلى الأسرى وكانوا 70 أسير
فوجد الصحابة رضي الله عنهم قد ربطوهم بالحبال
فقال ﷺ
فكوا وثاقهم وأحسنوا صحبتهم وقاسموهم زادكم
فقال قائل : يا رسول الله لو كنا أسرى بين أيديهم لفعلوا بنا أكثر من ذلك .
فقال له النبي صلﷺ
لسنا كمثلهم
فكان الصحابة رضي الله عنهم يعطون للأسرى أطيب طعامهم
ويأكلون هم الطعام الرديء.
وكانوا يجعلونهم يركبون وهم يمشون إلى جوارهم
وذلك لوصية رسول الله ﷺ بهم .
هكذا يعامل نبينا ﷺ الأسرى .
إنها الرحمة صلى الله عليه وسلم.
يقول أحد الأسرى وقد أسلم فيما بعد وهو "سهيل بن عمرو" رضي الله عنه
يقول : كنت في الأسرى فلما سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وصيته بالأسرى كانوا يؤثرونني بطعامهم .
فإذا ما وقعت في يد أحدهم كسرة من خبز إلا نفحني إياها "أي أعطاني إياها " ويأكل هو التمر.
أمر ﷺ أن يفك وثاق الأسرى وأن يعاملوا أحسن معاملة وأن يقاسموهم الأرزاق
هؤلاء أصحاب النبي ﷺ الذين قبل ساعات ضربوا أعناق الآباء والأبناء والأهل والعشيرة
لانهم كفار أعداء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم
والآن بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم : يؤثرونهم على أنفسهم باللقمة وهم كفار أيضاً
إنه دين الله عز وجل.
*دين الحق والعدل والرحمة
فلكل مقام مقال*
هؤلاء الذين عرفوا الله تعالى وعرفوا طاعته وعرفوا رسول الله وعرفوا كيف يتبعوه
المسألة عندهم دين وليست أمور شخصية. رضي الله عنهم أجمعين.
عاد ﷺ إلى المدينة .
وفي الطريق نزلت عليه سورة الأنفال والتي تناولت الكثير من أحداث غزوة بدر كما تناولت كيفية توزيع الغنائم على المسلمين .
رجع المسلمون إلى المدينة وسط أجواء من الفرحة والبهجة عمت المدينة كلها .
فرح المسلمون فرحآ شديدآ حتى فرحهم غطى عليهم حزنهم بوفاة رقية بنت النبي ﷺ زوجة عثمان بن عفان .
خلفهُ النبي صلى الله عليه وسلم عليها لأنها مريضة وهذا الذي منع عثمان بن عفان رضي الله عنه حضور بدر .
ولما دخل البشيرآن :
عبدالله بن رواحة وزيد بن حارثة وجدوا أهل المدينة يحملون نعش بنت الرسول يسيرون به للبقيع.
فمن فرحة النصر غاب الناس عن حزن الفقيدة مع أنها بنت نبيهم قبل دخوله ﷺ للمدينة بعد رجوعه من بدر .
ماتت السيدة "رقية" رضي الله عنها
بنت النبي ﷺ وهي البنت الثانية للنبي ﷺ بعد السيدة زينب رضي الله عنها.
وزوجة "عثمان بن عفان" رضي الله عنهما.
وقد ماتت وعمرها 22 عام .
وتركت ابن لها وهو "عبد الله بن عثمان بن عفان" وكان عمره أربعة أعوام فقط فهي "أم عبدالله " بنت رسول الله .
بنته قطعه منه ، عمرها 22 عام في عمر الشباب ، توفت وعندها ولد صغير عمره 4 سنين فقد أمه .
هذا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا أمر الله تعالى لنعلم جميعاً أن هذه الدنيا فانية .
ولأنه قدوة ﷺ كانت رسالة لنا جميعاً
"أنه ليست هناك سعادة كاملة في الدنيا أبداً "
ففي نفس الوقت وقت أعظم انتصار في التاريخ الإسلامي كله وهو اليوم الذي قال عنه تعالى "يوم الفرقان"
في هذا الوقت الذي كان فيه كل المسلمون سعداء.
والرسول ﷺ في قمة سعادته
يصاب ﷺ بأعظم مصيبة يمكن أن تصيب إنسان وهي مصيبة فقدان الإبن .
درس لنا جميعاً يا من يقولون "يافرحة ما كملت . حظي كذا"
يا مسكين يا ابن آدم ليس السبب حظك.
هذه هي الدنيا على حقيقتها تمامآ .
ليست هناك سعادة كاملة في الدنيا .
ورسالة لنا ألا نركن للدنيا .
ولذلك أي نعمة في الدنيا مهما كانت عظيمة ينغصها أمران :
1- خوفك أن تفارقك هذه النعمة.
2- وخوفك أن تفارق أنت هذه النعمة بالموت.
فالدنيا لم نخلق فيها لنخلد فيها .
هي عبارة عن مرحلة قصيرة نمر بها ثم نتركها ونرحل بعدما نقدم فيها أعمالنا.
نسأل الله تعالى التوفيق للعمل الصالح وحسن الخاتمة.
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)
يقول الإنسان يا ليتني قدمت لحياتي... قال "لحياتي"
ولم يقل "في حياتي" ....
فحياتنا لم تبدأ بعد.
وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون
أي الحياة الحقيقية لبقائها.
فاليوم تزرعون وغداً تحصدون.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الحادية عشر بعد المائة
111
استشارة أصحابه ﷺ في أسرى بدر .
سيق الأسرى
ووصل رسول الله ﷺ للمدينة المنورة.
فلما جمعوا الأسرى بساحة المسجد النبوي.
ولم تكن آيات الحجاب قد فرضت بعد
خرج الرجال والنساء من المهاجرين من قريش يشهدون من يوجد بالاسرى.
فكانت سودة بنت زمعة
"زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين رضي الله عنها
صاحبة الهجرتين ، الهجرة الأولى إلى الحبشة وقد ترملت.
والهجرة الثانية للمدينة.
تزوجها النبي ﷺ بعد موت السيدة خديجة" رضي الله عنها
أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها :
ذات قدم راسخة في الإسلام ولكن "لكل جواد كبوة"
ومن شرف العبد الخطأ .
اللهم إلا أن يصر عليه.
خرجت أم المؤمنين سودة رضي الله عنها ونظرت في الأسرى فوقع بصرها على "سهيل بن عمرو"
وما سهيل من سودة ؟؟
إنه أخو زوجها السابق .
وأخو الزوج يسمى عند العرب الحمو.
وعندما سأل الصحابة رضي الله عنهم : النبي ﷺ : عن الحمو يأتي بيت أخيه في غيابه.
قال ﷺ : الحمو . الموت "
فلما رأت سودة رضي الله عنها سهيل بن عمرو حنت إليه لأنه أخو زوجها .
فقالت : أسهيل ؟
يعني أنت سهيل بن عمرو .
أسهيل : هل لا متم كراماً و خيرآ من أن تعطوا أيدكم للأسر .
"يعني لماذا تقع بالأسر ليش ما قاتلت وتموت أشرف لكم"
أرادت أن تواسيه بجملة.
والنساء عندما تتحكم بهم العواطف يرون الأمور كما هي.
هكذا ظنت نفسها تواسي سهيل وأن هذا لا يضر بالدين شيء رضي الله عنها .
تقول سودة رضي الله عنها : فما راعني إلا ورسول الله ﷺ يقول بملء فمه رافعاً صوته :
يااا سودة : أعلى الله ورسوله تحرضين ؟
وكعادة النساء تقول : فصكت وجهها.
"يعني لطمت ضربت أيديها على خدها"
رضي الله عنها ما أطيب قلبها
وقالت : معذرة يا رسول الله .
والله ما أدري ما قلت حين رأيت سهيل بينهم استغفرلي يارسول الله .
فقال لها : يغفر الله لك.
جلس المسلمون حول النبي ﷺ فاستشارهم في موضوع الأسرى
بين أيدينا سبعين من صناديد قريش.
ولم يكن هناك تشريع يوضح كيفية التعامل مع أسرى الحرب .
فجمع الرسول ﷺ بعض صحابته رضي الله عنهم وتشاور معهم في هذا الأمر .
نظر في أصحابه رضي الله عنهم.
وقال : ماذا تقولون في هؤلاء الأسرى ؟
فقال : أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله :
هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان .
وإني أرى
أن تأخذ منهم الفدية
لعل الله أن يهديهم بك .
فان منّنت فهو ُخلقك .
وإن قبِلت الفداء استغنى به الفقراء .
لأن كل أسير أسره واحد.
فمن أسر أسيراً فله فداءه .
فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار .
وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا.
كان رأي أبو بكر الصديق فيه جانب الرحمة فهو يرى أنهم بنو العم والعشيرة والدولة في حاجة إلى ما سيؤخذ من أموالهم.
وربما يؤمنون بعد ذلك وهذا خير من أن يموتوا على الكفر
وقد كانت اختياراته قريبة من اختيارات رسول الله صلى الله عليه وسلم
نظرا لتقارب طبيعتي الرسول وأبي بكر الصديق رضي الله عنه
فكان يغِلّب جانب الرحمة على جانب القوة كما كان رسول الله ﷺ يصف الصديق .
ويقول
ْأرحم أمتي بأمتي . أبو بكر . رضي الله عنه.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : والله ما أرى ما رأى أبو بكر :يا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
هؤلاء أئمة الكفر وصناديد قريش كذبوك وآذوك وأخرجوك وقاتلوك .
فإني أرى أن تشرد بهم من ورآئهم .
"يعني الفعلة التي تفعلها فيهم تلقي الرعب في قلوب من ورائهم"
قال : دعني اضرب عنق ابن عمي فلان .
ثم قل لعمك "حمزة" فليضرب عنق أخيه العباس .
ثم قل لإبن أخيك "علي" أن يضرب عنق أخيه عقيل.
ولا تبالي بما فعلته بهم بعد ذلك.
حتى يعلم الله تعالى أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين .
كان رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه
شديد الحسم
ففي رأيه أن يقتل السبعون .
وعلى أن يقتل كل قريب قريبه حتى يُظِهر كل مسلم ُحبه لله تعالى.
وأنه ليس في قلبه ولاء لأي مشرك مهما كان حتى وإن كان أقرب الناس إليه.
فهذان رأيان وكلاهما مبني على الحب الكامل لله تعالى ولأمر الدعوة والدولة الإسلامية.
لكن كلا منهما له طريقته. وكلاهما مختلف تمام الإختلاف عن الآخر.
أحدهما يقول : نأخذ الفدية .
والآخر يقول : نقتل الأسرى .
نزل القرآن الكريم بعد ذلك يؤيد رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأيد عمر جماعة رضي الله عنهم
وأيد أبو بكر جماعة رضي الله عنهم
فتركهم النبي ﷺ ودخل إلى بيته فغاب عنهم ساعة ثم خرج.
فقال : إنما مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام .
قال تعالى :
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36)
وإنما مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام :
وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)
وشبه النبي ﷺ الرجلين بأنبياء من أولي العزم عليهم الصلاة والسلام.
ثم قال : إنكم عيلا "أي فقراء" وأرى أن تقبلوا فيهم الفداء تستعينون به ويكن لكم يد في قريش .
وشاع الخبر لقريش في قبول الفداء .
فكان قبول الفداء بنسبة غنى الرجل وفقره .
"يعني الأسير الغني غير الأسير الفقير"
لم يجعلهم النبي ﷺ في رتبة واحدة .
فكان أعلى فداء 4000 درهم من الفضة .
و أدناها كانت 1000 درهم .
ثم قال النبي ﷺ لمن لا يملك
لا هذه ولا تلك.
قال : ومن لا يجد فداء ويعلم القراءة والكتابة :
فليُعلم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة .
ومن كان لا يعرف فهو طليق.
فكان أول من شرع محو الأمية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثانية عشر بعد المائة
112
فداء العباس عم النبي ﷺ وابني اخيه .
العباس بن عبد المطلب عم النبي ﷺ كان من أسرى بدر .
وكان قد خرج مكرهاً وقاتل مع المشركين وكان رجلاً غنياً جدا
والآن يجب أن يدفع الفدية
وانظروا إلى هذا الحوار الذي دار بينه وبين رسول الله ﷺ :
قال العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله :
"ولا يقول رسول الله إلا مؤمن"
ُقال يا رسول الله : لقد أخذ مني بالمعركة 40 وقية ما بين ذهب وفضة ألا تكون فداء لي ؟
فقال له النبي ﷺ لا يا عباس ذلك شيء انفلنا أياه الله تعالى
"يعني أعطانا إياه نفلة غنيمة"
فعليك فداء نفسك وفداء ابني أخيك
1- نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
2- وعقيل بن أبي طالب .
أخ علي رضي الله عنه .
وكان فداء كل رجل 4 الاف درهم .
قال إذن جعلتني أفقر قريش ما حييت...
"يعني : تأخد مني هذا الرقم 12 ألف درهم سأصبح فقير.
قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : لا يا أبا الفضل .
وأين المال الذي وضعته تحت عتبة الدار ليلة خروجك ؟؟ وأوصيت أم الفضل أن لا تخبر به أحد .
وقلت لها : إن أنا قُتلت فهذا يغنيك ما حييتي أنت وأبنائك .
وإن أنا رجعت فاترك كل شيء في مكانه
فقال العباس : أشهد أنك رسول الله.
والذي بعثك بالحق ما علم بحديثنا غيرنا إلا الله وحده
قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال العباس لزوجته كلمة كلمة .
ُثم قال العباس : يارسول الله أنت تعلم بأني مؤمن أكتم إيماني وما أخرجت إلا كرهاً .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ولكن يا أبا الفضل كان سيفك بالظاهر علينا وقد أسرك أصحابنا رضي الله عنهم.
أرايتم العدل
أنت أسير تدفع الفداء مثلك مثلهم .
وفدا العباس نفسه وابني أخيه 12 ألف.
وأنزل الله تعالى به قرآن كريم يتلى لأنه وجد العباس في نفسه شيء من المال الذي دفعه.
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70)
فبشر النبي صلى الله عليه وسلم بها العباس رضي الله عنه
فكان العباس رضي الله عنه يحدث : ويقول : والذي بعثه بالحق لقد صدقني الله وعده وصدقني الرسول وعده .
لقد أورثني الله بكل فداء عشرة آلاف أضعفه.
فهاهي "أي المماليك والثروة" الغلمان بين يدي اتجر بها حتى أصبحت أثرى قريش .
أرأيتم كيف كان رسول الله ﷺ يطبق القانون على الجميع ؟؟
حتى على عمه العباس بن عبد المطلب .
وكان الصحابة أنفسهم يتعجبون لهذا الأمر وقد كان في قلوب الأنصار رقة عجيبة.
فلما رأوا هذا الأمر أشفقوا على رسول الله من أن يأخذ الفداء من عمه.
وعمه الذي يحبه الصحابة رضي الله عنهم من الأنصار يذكرون العباس رضي الله عنه.
"في بيعة العقبة الثانية كان العباس واقفاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى ذلك أنه كان قريباً جداً من قلب النبي ﷺ .
فجاء الأنصار يتوسطوا إلى الرسول ﷺ في عمه .
حاولوا أن يسامحوا العباس من الفدية لكن بطريقة في غاية اللطف والأدب .
فقد كانوا قمة في الأخلاق وفي الإيمان .
فقالوا له : يا رسول الله
ائذن لنا فلنترك لإبن أختنا العباس فداءه : إبن أختنا .
نعم العباس أبوه عبد المطلب "شيبة الحمد" تذكرون ذلك .
أمه من يثرب من بني النجار مر معنا بداية السيرة"
ولكن رسول الله رفض ذلك تماماً واصر على أخذ الفداء ، وأعلى قيمة فداء 4000 درهم .
العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .
هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه . عم رسول الله ﷺ
ولد قبل رسول الله ﷺ بسنتين و قد أسلم وكتم إسلامه .
فكان عيناً على المشركين يبعث بأخبارهم للنبي ﷺ .
هاجر قبل الفتح بقليل وشهد فتح مكة مع المسلمين .
شهد معركة حنين وكان ممن ثبت ساعة انهزام المسلمين أول المعركة .
وكان لصوته الجهوري فضل كبير عندما حض المنهزمين على الثبات .
كان النبي ﷺ يقول عنه .
من آذى العباس فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه .
كان العباس طويلاً جميلاً
أما عقيل بن أبي طالب الذي فداه العباس "اخو علي رضي الله عنهما" ابن عم النبي ﷺ .
تأخر إسلامه إلى عام الفتح و شهد معركة حنين وكان ممن ثبت فيها .
وشهد معركة مؤتة.
كان من أعلم الناس بأنساب قريش .
وكان شديد الذكاء مشهورا بالجواب المسكت .
نوفل بن الحارث بن عبد الطلب بن هاشم بن عبد مناف "ابن عم رسول الله ﷺ .
دفع عنه الفدية عمه العباس فأطلق سراحه من الأسر كان يتاجر في الرماح و أسلم .
مات نوفل رضي الله عنه في خلافة عمر بن الخطاب ومشى عمر رضي الله عنه في جنازته .
ومن الأسرى أيضاً "السائب بن عبيد" من أبناء عمومة النبي ﷺ .
يكون جد "الإمام الشافعي رحمه الله"
كان في بدر يحمل راية المشركين وكان من الذين وقعوا في الأسر .
فدى نفسه ثم أسلم وحسن إسلامه.
رضي الله عن الصحابة أجمعين.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الثالثة عشر بعد المائة
113
صهر النبي ﷺ من أسرى بدر .
أبو العاص بن الربيع .
نموذج آخر من فداء الأسرى وهو "أبو العاص ابن الربيع"
صهر النبي ﷺ زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم أكبر بناته رضي الله عنهن.
خالته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها .
كان أبو العاص رجلا شهماً مشهور بالأمانة وكان يعرف في قريش بأنه رجل أمين .
وكان أول صهر للنبي ﷺ و قد تزوج من زينب قبل البعثة .
كان أبو العاص يحب زينب حباً كبيراً .
وكذلك زينب بنت النبي ﷺ كانت تحبه.
وفي هذا الجزء سأبين لكم هذه المحبة وكيف فدته زينب من الأسر .
فأعذروني على الإطالة :
لما جاء الوحي وبعث النبي ﷺ
سعت قريش في عداوتها للنبي ﷺ وقالوا ردوا عليه بناته .
كانت " رقية وأم كلثوم بنات النبي صلى الله عليه وسلم : زوجتان لأولاد عمه أبو لهب .
فأمرته زوجته "حمالة الحطب " بأن يطلق البنتين فقاما بتطليقهما فورا.
وكان زوج إبنته الكبيرة زينب "ابو العاص" في تجارته للشام .
رجع من سفره فذهبت قريش كلها إلى "أبي العاص" لكي يقنعوه أن يطلق زينب .
"من باب التضييق على النبي صلى الله عليه وسلم ومحاربته"
فقال أبو العاص : لا ورب هذه البنية "أي الكعبة" لا افارق صاحبتي .
فليس بيني وبينها ما يدعو ذلك . ولم أرى من محمد إلا خيراً .
أنا لست على دينه ولكني لا افارق ابنته.
فقالوا له : فارقها ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت.
قال : لا والله .
وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش .
"عندي زينب بنساء قريش كلها"
ورجع لبيته فوجد في استقباله زوجته وحبيبته "زينب وأولاده علي وبنته أمامة "
فحمل أولاده واقترب من زينب وابتسم وقال لها : لاعليك لن ينال مما بيننا يا زينب أن تكوني على دينك وأثبت أنا على ديني .
تمسك بزينب من شدة حبه لها .
فلما هاجر النبي ﷺ وهي مؤمنة تتبع دين أبيها أمسكها ومنعها من الهجرة "محبة بها"
ولما هاجرت بنات النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل البيت امتنع أبو العاص أن يأذن لزينب رضي الله عنها بالهجرة فبقيت في مكة.
ولما كانت بدر خرج مع قومه مكرهاً فوقع بالأسر.
فرآه النبي ﷺ بين الأسرى وهو يعرف حسن مصاهرته.
"ولكن سيف الميزان والعدل قائم"
"مرحباً بصهرنا .ولكن كان قد سل سيفه علينا"
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يفدي نفسه .
فأرسل إلى قريش يطلب فداء نفسه.
وصل الخبر إلى زينب رضي الله عنها.
دخلت عليها عمتها عاتكة تخبرها بانتصار أبيها في بدر فسجدت شكراً لله تعالى.
ثم سألت عمتها وماذا فعل زوجي ؟
فقالت لها لم يقتل زوجك ولكنه أسير ويطلب الفداء .
فقامت زينب رضي الله عنها على الفور وجمعت ما معها من مال فلم يكفي للفداء
فنزعت قلادتها من عنقها و وضعتها على المال .
"وهذه القلادة لها تاريخ وقصة"
زينب كانت أول بنت لرسول الله تتزوج قبل نزول الوحي .
أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها صاحبة التجارة التي اتجر لها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها وسيدة قريش .
فلما تزوجت بنتها "اعتبرتها مناسبة جميلة وجليلة"
فلما أرادت أن تزف العروس لزوجها "مثل أي أم بنتها الكبيرة و أول فرحة ستتزوج بنتها" لم تجد أكرم من أن تنزع قلادتها من عنقها وتلبسها لبنتها العروس.
والنبي ﷺ يعرف قلادة خديجة رضي الله عنها.
وخديجة أحب الزوجات إلى قلبه ﷺ .
فلما جاء المرسال ليفدي أبا العاص وضع المال بين يدي النبي ﷺ فداء لأبي العاص بن ربيع زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
نظر النبي صلى الله عليه وسلم في المال فوقع نظره على قلادة خديجة رضي الله عنها
فخفق قلبه ﷺ .
أي أب سيعرف هذه المشاعر وجد صورة إبنته وزوجته بهذه القلادة"
تذكر محبته وشوقه لخديجة رضي الله عنها .
تذكر خديجة رضي الله عنها كيف كانت مسرورة بزواج بنتها عندما أعطتها القلادة.
فلم يملك نفسه ﷺ فبكى وذرفت عينه الدموع شوقاً لخديجة أولاً
وتذكر بنته زينب وكيف معزة الزوجة للزوج لم ترسل رسالة لأبيها تستشفع لأبي العاص .
"يجري عليها ما يجري على الجميع"
فلما ذرفت عين النبي صلى الله عليه وسلم سأله أصحابه رضي الله عنهم : ما يبكيك يا رسول الله ؟
فكفكف دمعه بكم قميصه
وقال : لقد تذكرت هذه القلادة لأمكم الأولى خديجة رضي الله عنها ألبستها لزينب ليلة زفافها.
فقالوا : ماذا ترى يا رسول الله ؟؟
قال : إن شئتم فاقبلوا الفداء .
وإن شئتم اطلقوا زوجها وردوا عليها قلادتها.
"يعني خذوا باقي المال وخلوا القلادة إذا أردتم "
فقال الصحابة رضي الله عنهم نفعل يا رسول الله.
فأطلقوه وحملوه القلادة هدية لزينب رضي الله عنها.
وقبل أن ينطلق استوقفه النبي ﷺ .
وقال له :يا أبا العاص
لقد فرق الله بين المؤمنين والكافرين
فزينب لا تحل لك زوجة بعد اليوم فإذا بلغت مكة فأرسلها إلينا فقال له : نعم
ثم استدار عائدآ إلى مكة وهو لا يدري كيف يرجع زينب وهو لا يستطيع أن يفارقها .
خرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة.
فلما رآها قال لها بألم : يا زينب عودي إلى أبيك .
ثم جهز لها زادها وراحلتها
وأخبرها بأن رسل أبيها ينتظرونها غير بعيد عن مكة.
فلقد أرسل رسول الله ﷺ زيد بن حارثة ورجل من الأنصار ليصطحبوها للمدينة .
ومن شدة حبه لها لم يتمالك نفسه بأن يوصلها إلى أطراف البادية ويودعها .
فطلب من أخوه عمرو أن يرافقها ويسلمها في أطراف البادية لزيد بن حارثة .
وقال لأخيه :يا أخي إنك لتعلم موضعها من نفسي، فما أحب أن لي امرأه من قريش غيرها .
وإنك لتعلم ألا طاقة لي بأن أفارقها .
فاصحبها عني إلى طرف البادية حيث ينتظر رسولا محمد صلى الله عليه وسلم.
وارفق بها في السفر وارعها رعاية الحرمات.
وإياك أن يقترب منها أحد.
تنكب أخوه عمرو قوسه وحمل كنانته وجعل زينب في هودجها .
وخرج بها من مكة جهارآ نهاراً على مرأى من قريش .
فهاج القوم وماجوا ولحقوا بهما حتى أدركوهما غير بعيد .
خافت زينب رضي الله عنها وفزعت من قريش .
فوقف عمرو وأخذ سهمه وقوسه.
وقال : والله لا يدنو رجل منها إلا وضعت سهماً في نحره .
"وكان راميا لا يخطئ له سهم"
فأقبل عليه أبو سفيان بن حرب سيد قريش
وقال له : يا بن أخي .
كف عنا نبلك حتى نكلمك
"يعني نزل سلاحك حتى نعرف نتكلم معك"
فكف عنهم :
فقال له أبو سفيان : إنك لم تصب فيما صنعت
فلقد خرجت بزينب علانية على رؤوس الناس وعيوننا ترى .
وقد عرفت العرب جميعها أمر نكبتنا في بدر وما أصابنا على يدي أبيها. صلى الله عليه وسلم.
"يعني الناس في مكة تبكي وتنوح على قتلى بدر وأنت خرجت أمامهم بزينب بنت محمد عدوهم راعي مشاعرهم يا أخي.
فإذا خرجت بإبنته علانية كما فعلت رمتنا القبائل بالجبن ووصفتنا بالهوان والذل.
فأرجع بها واستبقها في بيت زوجها أياما حتى إذا تحدث الناس بأننا رددناها فسلها من بين أظهرنا سراً يعني أخرجها بالسر"
وألحقها بأبيها فما لنا بحبسها عنه حاجة بعد أيام معدودات.
فرضي عمرو بذلك وأعاد زينب إلى مكة.
ثم ما لبث أن أخرجها منها ليلاً وأسلمها إلى رسل أبيها يدآ بيد كما أوصاه أخوه .
ظلت زينب ترفض الخطاب لمدة ست سنوات على أمل أن يعود إليها زوجها وأبو ولديها مسلما.
وكان أبو العاص يوما في تجارة لقريش للشام.
وعند عودته التقته سرية من المسلمين فأصابوا كل ما معهم .
وهرب هو منهم وتسلل حتى وصل إلى المدينة لبيت زينب
فلما رأته ظنت أنه قد أسلم
سألته بلهفة أجئت مسلما ؟؟
قال لها : لا بل جئت هارباً مستجيراً .
فقالت له : لا تخف مرحبًا بابن الخالة .
مرحبا بأبي علي وأمامة .
لما خرج الرسول ﷺ لصلاة الفجر .
"لم يكن يعلم أن أب العاص استجار بزينب "
فلما استوى قائما في المحراب وكبر للإحرام وكبر الناس بتكبيره .
صرخت زينب من صفة النساء وقالت :
أيها الناس "أنا زينب بنت محمد وقد أجرت أبا العاص فأجيروه "
فلما سلم النبي ﷺ وانتهى من الصلاة.
التفت إلى الناس وقال : هل سمعتم ما سمعت ؟
قالوا : نعم يا رسول الله .
فقال ﷺ :أما والذى نفس محمد بيده .
ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم .
وصمت ﷺ فجاءت إليه زينب بنته رضي الله عنها
وقالت : يا رسول الله إن أبا العاص إن بعُد فابن الخالة .
وإن قرب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس إن هذا الرجل ما ذممته صهرا
وإن هذا الرجل حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي .
فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله وأن تتركوه يعود إلى بلده فهذا أحب إلي.
وإن أبيتم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليه .
فقال الناس : بل نعطه ماله يا رسول الله
فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا زينب .
ثم ذهب إليها عند بيتها
وقال لها : يا زينب أكرمي مثواه فإنه ابن خالتك وإنه أبو العيال .
ولكن لا يقربنك فإنه لا يحل لك .
فقالت : نعم يا رسول الله .
فلما ذهب لمكة وقف أمام الكعبة .
وقف أبو العاص يوزع أموال التجارة الرابحة على أصحابها .
وبعد أن فرغ
قال : يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟
فقالوا : لا .. جزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما .
فنظر إليهم ورفع صوته قائلاً
إذآ فأنا : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ثم رجع دخل المدينة فجراً وتوجه إلى النبي ﷺ .
وقال : يا رسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
ثم قال : يا رسول الله هل تأذن لي أن أراجع زينب ؟ فأخذه النبي ﷺ
وقال : تعال معي .
ووقف على بيت زينب وطرق الباب .
وقال يا زينب إن ابن خالتك جاء لي اليوم يستأذنني أن يراجعك فهل تقبلين ؟
فأحمّر وجهها وابتسمت رضي الله عنهما .
عاش أبو العاص مع زينب عامًا بعد أن زوجه النبي صلى الله عليه وسلم إياها من جديد .
وكما قلنا كان لهما من الأولاد علي بن أبي العاص وقد توفي وهو صغير .
أما أمامة رضي الله عنها عاشت إلى خلافة معاوية رضي الله عنه .
أمامة هي التي كان النبي ﷺ يحملها أثناء الصلاة وهي طفلة صغيرة .
فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها .
كان ﷺ يحبها جداً ويعطف عليها .
وفي يوم أهدي لرسول الله ﷺ قلادة من خرز ملمعة بالذهب
ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن وأمامة بنت أبي العاص جارية صغيرة تلعب في جانب البيت بالتراب والرسول الله ﷺ ينظر إليها بحب وحنان .
ابتسم ﷺ وقال :كيف ترين هذه .
فنظرن إليها فقلن :يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه ولا أعجب .
فقال : أرددنها إلي "احضروها لي"
فلما وضعها في ِحجره قال والله لأضعن هذه القلادة في رقبة أحب أهل البيت إلي .
تقول عائشة رضي الله عنها فأظلمت علّي الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن.
"من شدة غيرة عائشة رضي الله عنها اسودت الدنيا بعيونها خافت يحطها برقبة وحدة من زوجاته"
ولا أراهن إلا قد أصابهن مثل الذي أصابني فوجمنا جميعاً
"يعني : حتى كل زوجاته شعروا بنفس شعوري
وجمنا يعني : تجمدنا بأرضنا ننتظر النتيجة"
ثم قام بوضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص.
ُسرِي عنّا "لما وضعها برقبة أمامة ارتاحنا "
ماتت زينب رضي الله عنها وأرضاه بنت النبي ﷺ فبكاها زوجها أبو العاص بكاء شديداً .
ورغم حزن النبي ﷺ على فراق بنته أخذ يهون على أبو العاص حزنه لأنه فجع بزينب لشدة محبته لها .
وأخذ ﷺ يهون عليه ويمسح بيده الشريفة عليه
وأبو العاص يبكي ويقول
"والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب"
فمات بعد سنه من موت زينب لم يتحمل فراقها.
رضي الله عن الجميع.
وجمعنا بهم في جنات النعيم يارب يارب يارب.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الرابعة عشر بعد المائة
114
فداء الأسرى / سهيل بن عمرو .
مازلنا في حديثنا عن فداء الأسرى
وكان من بين الأسرى "سهيل بن عمرو " وكان خطيب مكة وأشدهم عدواة على الإسلام .
فلما رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا رسول الله دعني انتزع ثنيتيه " أسنانه " حتى لا يقوم عليك خطيباً بعد اليوم .
فقال له النبي ﷺ : لا يا عمر لا أمثل بأحد فيمثل الله بي ولو كنت نبياً .
وما يدريك لعل سهيل يقف في يوم من الأيام موقفاً تشكره عليه .
وتمضي الأيام ويفتح النبي ﷺ مكة ويقول النبي ﷺ لأصحابه
من لقي منكم سهيل بن عمرو في الطريق فلا يحدّ النظر إليه فإنه رجل حيي
"يعني رجل يستحي"
هذه شهادة النبي صلى الله عليه وسلم في معدنه الحقيقي لا في تصرفاته الخارجية.
وتبلغ الكلمة أُذن سهيل أن الرسول ﷺ يقول لأصحابه رضي الله عنهم أن لا يحدوا النظر إليه ويصفه أنه رجل حيي.
ويخرج الناس إلى حنين بعد فتح مكة وسهيل على كفره
وعمر رضي الله عنه يقول متى أرى له موقفاً ؟
فأسلم سهيل بعد حنين وحسن إسلامه.
وجاء النبي ﷺ حاجاً حجة الوداع فكان سهيل هو الذي يقرب للنبي صلى الله عليه وسلم البدن "أي النحر"
فقرب له 63 بدنا والنبي ﷺ ينحرها بيده حتى إذا أتم 63 .
قال : قم يا علي وأتمم المئة .
حتى الآن موقف لا يشكر عليه نريد منه خطاباً كما أخبر النبي ﷺ .
ويجلس سهيل بين يدي النبي ﷺ في حجة الوداع
والحلاق يحلق رأس النبي صلى الله عليه وسلم
والنبي صلى الله عليه وسلم يعطي شعره "لأبي طلحة الأنصاري " رضي الله عنه.
ويقول له : قسمه بين أصحابنا
فكان نصيب الصحابة من أخذ شعرتين وثلاث.
أما سهيل فكلما وقعت شعرة من النبي ﷺ على الأرض أخذها عن الأرض ثم قبّلها ووضعها على عينيه ثم أعطاها لأبي طلحة.
وتمضي الأيام وينتقل النبي ﷺ إلى الرفيق الأعلى ويستخلف الصديق رضي الله عنه
وطار الخبر إلى مكة فوقف أبو سفيان الذي أعلن إسلامه قبل سهيل يحمل الناس على الردة .
فقام له " سهيل بن عمرو" متوشحاً سيفه وخطب بالناس وهو أفصح قريش .
حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ﷺ .
ثم قال :
"أما والله إني لأعلم بأن دين الله سيبلغ مشرقه ومغربه وأن الله متم نوره وأن هذا الأعور "يقصد أبو سفيان" فقعت عينه يوم حنين.
أن هذا الأعوار يعلم كما أعلم
لكن طُبع على صدره حقدهُ وكراهيته لبني هاشم .
ولقد جمع الله أمركم على خيركم ألا وهو الصديق رضي الله عنه الذي أثبت الله صحبته لنبينا بنص قرآني :
ألم تقرؤا قول الله تعالى .
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .
ففاز بمعية الله ورسوله من دون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فامضوا على ما أنتم عليه "أي على دين الإسلام "
فوالله الذي لا إله إلا هو ومن بعث محمداً نبياً
ما أرتد رجل في مكة إلا ضربت عنقه وسل سيفه : فأجمعت مكة كلها على الإسلام .
فالذي منع مكة من الردة سهيل بن عمرو رضي الله عنه.
وجاء الخبر للمدينة للصديق أن مكة كادت أن ترتد بإمامة أبو سفيان فحملها على الثبات "سهيل" وقام فيهم خطيباً وقال كذا وكذا وسل سيفه مهدداً بضرب عنق كل من ارتد عن الإسلام .
فنظر الصديق الى عمر
وقال : ها يا عمر ؟؟
هل جاءك خبر النبي ﷺ ؟؟
فبكى عمر رضي الله عنه وقال : أشهد أنه رسول الله حياً وميتاً
لا يا عمر لا أمثل بأحد فيمثل الله بي ولو كنت نبياً .
وما يدريك لعل سهيل يقف في يوم من الأيام موقفاً تشكره عليه .
فلو كان عمر رضي الله عنه خلع ثنيتي سهيل رضي الله عنه
فكيف سيوضح الكلام الذي جعل الناس ترتعد في مكة ؟
وكان في الأسرى "أبو عزة الشاعر"
رجل من شعراء قريش كان يؤذي المسلمين كثيراً... وقع بالأسر يوم بدر ولكنه فقير .
فنظر للنبي ﷺ وقال : يا محمد تعلم عيلتي وكثرة عيالي .
من للصبية يا محمد ؟؟
فامنن جُزيت خيراً .
فقال له النبي ﷺ :
نمُن عليك شريطة ألا تحرك علينا بشعرك أبداً .
ولا تسل سفيك في وجهنا بعد اليوم أبداً .
قال : لك ذلك يا محمد .
وأقسم على ألا يستعمل لسانه ولا سيفه ضد المسلمين وذهب إلى أهله آمنا سالماً .
وذكرها يد بيضاء للنبي ﷺ وأخذ يتحدث بها في مكة.
فما أن أتم الحول حتى خرجت قريش لأخذ ثأرها يوم غزوة أحد
فكان أبو "عزة الشاعر" أول من حرك الناس بشعره ضد المسلمين وخرج إلى المعركة .
وبعد أن أختلت المعركة وليس حديثنا عن أحد الآن ولكن نتناول موطن الشاهد فقط :
في أُحد بعد أن أختل ميزان المعركة وهرب الأسرى من يد المسلمين وألقوا ما بأيديهم من غنائم وذلك لأن الرماة خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم
انقلب ميزان المعركة ولم يقع في أيدي المسلمين أي أسير .
في اليوم الثاني وما زال الصحابة يضمدون جراحهم أمر بلال أن ينادي بباب المسجد .
من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليخرج في إثر قريش .
ولا يخرج معنا إلا من كان معنا بالأمس.
فخرج الصحابة ودمائهم تنزف وبعضهم يزحف سنأتي على ذلك بالتفصيل ...
حتى سمعت بخروجه قريش فهربت سريعاً فادرك فلولهم في حمراء الأسد لأمر يريده الله
فامسك بعض أصحابه "بأبي عزة الشاعر" وهو يقضي حاجة بطرف العسكر .فأتوا به الى النبي ﷺ .
قالوا : هذا أبو عزة يا رسول الله .
فنظر النبي ﷺ إليه قال : أين عهدك يا أبا عزة ؟
ألم نمنن عليك لقاء عهداً بأن لا تحاربنا ولا تحرض علينا .
قال : معذرةً وعفواً يا محمد . أمنُن ولن أعود إليها أبداً .
قال له النبي ﷺ .
لا والله لا تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعة محمداً مرتين .
لا يُلْدَغُ المؤمِنُ مِن جُحْرٍ مَرّتَين .
اضرب عنقه يا علي فضرب عنقه.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة الخامسة عشر بعد المائة
115
محاولة قتل النبي ﷺ أثناء فداء الأسرى .
من الأحداث التي وقعت بعد معركة بدر أيضاً .
أثناء فداء الأسرى ونختم بها حديثنا عن بدر.....
هي محاولة قتل النبي ﷺ .
عمير بن وهب .
من أشد قريش عداوة للإسلام وكان من أشدهم إيذاءاً للمسلمين وللرسول ﷺ قبل الهجرة .
وقد اشترك "عمير بن وهب" في بدر واشترك كذلك ابنه "وهب بن عمير بن بن وهب"
وكانت هزيمة لقريش وهرب "عمير بن وهب" عائدا إلى مكة .
بينما وقع إبنه "وهب بن عمير" في الأسر .
"عمير بن وهب" يعرف في قريش بلقب "شيطان قريش"
"يعني ماعجزت عنه قريش كلها يمكن أن يدبره "عمير بن وهب"
وهو الذي جال بفرسه يوم بدر فحزر عدد المسلمين فقال 300 ينقصون قليلاً أو يزيدون قليلاً فكانوا 313.
"عمير بن وهب" في مكة حزين مهموم بعد بدر .
ذهب للكعبة فوجد صديقه يجلس في حجر الكعبة
اسمه "صفوان بن أمية"
"صفوان بن أمية" أبوه قتيل في بدر "أمية بن خلف"
وهو الذي انتفخ سريعاً وتفسخ بالدرع فلم يستطيعوا أن يحملوه .
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بردمه في مكانه فردموه بالحجارة والتراب.
إبنه صفوان كان من الفارين الناجين يوم بدر وقد رأى مصرع أبيه.
جلس "عمير بن وهب" مع صديقه "صفوان بن أمية" في حجر الكعبة يتحدثون عن مصابهم في بدر .
وكان أبوصفوان وأخوه قد قتلا في بدر .
فقال صفوان بن أمية والله ما في العيش بعدهم خير .
فقال عمير : صدقت والله .
أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضَّيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله .
فإن لي عنده أسير اتحجج به وأقتل محمد غيلة بين أصحابه.
فأنتهزها صفوان قال : أي عمير .
دينك على وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء ويعجز عنهم فانفذ ما تقول.
قال : إذن اكتم علي !!
فقال : قد فعلت!!
فتعاهدا عند الكعبة على ألا يعلم بحديثهم ثالث أبداً.
فانصرف "صفوان" وقام "عمير بن وهب" فوراً إلى داره فأتى غرفة واختلى بها "معزولة"
جهز "عمير بن وهب" سيفه وشحذه وسمَّه .
اي جهز سيفه وسقاه السم حتى إذ لم يكن قاتل وجرح النبي ﷺ سرى السم في النبي صلى الله عليه وسلم فمات بعد أيام.
وتوشح سيفه وركب دابته ثم انطلق حتى قدم المدينة وأناخ راحلته على باب المسجد وهو متقلد سيفه .
فرآه "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه وأرضاه.
عمر رضي الله عنه صاحب الفراسة الكاملة .
النبي ﷺ يقول
اتقوا فراسة المؤمن . فإنه ينظر بنور الله .
فكيف بفراسة عمر رضي الله عنه
نظر عمر رضي الله عنه في عمير فقال لمن حوله : هذا شيطان قريش .
والله ما جاء إلا لشر .
قالوا : يا عمر إن له أسيرا !!
قال : والله ما لهذا قدم !!
فدخل عمر رضي الله عنه على النبي ﷺ وقال له : يا رسول الله هذا "عمير بن وهب" شيطان قريش ينيخ بباب المسجد .
قال : ادخله علي يا عمر .
فجاء عمر رضي الله عنه إلى عمير وقال : ما الذي جاء بك ؟؟
قال : جئت في هذا الأسير الذي عندكم لعلكم تحسنون فيه .
فأمسك به عمر رضي الله عنه وأخذ منه سيفه وعلقه في عنقه
وجذبه عمر جذبة شديدة ودخل به إلى المسجد.....
وأدخله على رسول الله ﷺ بهذه الهيئة فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم متمكن منه
قال : أرسله يا عمر ادنو يا عمير
فلما اقترب عمير قال : أنعم صباحا .
"وكانت هذه تحية أهل الجاهلية"
فقال له النبي ﷺ
قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة .
ثم قال له النبي ﷺ
ما جاء بك يا عمير ؟
قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه .
قال ﷺ
بل اصدقني يا عمير لماذا جئت ؟
قال : ما جئت لغير هذا .
قال ﷺ
فما بال السيف الذي في عنقك ؟
قال : قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا بالأمس شيئاً "أي ببدر" إنه سلاح المسافر .
فنهض النبي ﷺ على ركبتيه وجذبه من ثيابه
ورضه على الأرض على ركبتيه .
وصاح به وقال .
اجلس امامي واصدقني لما جئت ؟
قال : ما جئت يا محمد إلا لهذا .
قال :
بل أنا اخبرك بما جئت .
بل قعدت أنت و "صفوان بن أمية" في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش .
ثم قلت : لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا .
فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك على أن تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك.
"أعاد عليه ﷺ الكلام و كأنه كان جالساً معهم"
فقال عمير : أشهد أنك رسول الله لقد كنا نكذبك يا رسول الله
بالخبر يأتي من السماء لاننا لا نعرفه .
أما هذا فوالله الذي لا إله غيره ، ما اطلع عليه ثالث.
ما كنت غير أنا وصفوان فمن أنبأك به إلا الله فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صدره
وقال : فقهوا أخاكم في دينه واطلقوا له أسيره .
ذهب "عمير بن وهب" مع الصحابة رضي الله عنهم وعلموه الصلاة والقرآن .
ثم ذهب "عمير بن وهب" إلى النبي ﷺ وقال : يا رسول الله إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله .
فأذن لي يا رسول الله أن أقدم مكة وأدعوهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم .
وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم .
فاذن له النبي ﷺ فانطلق إلى مكة .
وهكذا أصبح "عمير بن وهب" هو الحالة الوحيدة والمسلم الوحيد الذي أذن له ﷺ أن يظل في مكة بعد الهجرة.
وفي مكة كان "صفوان بن أمية" الذي اتفق مع "عمير بن وهب" على قتل رسول الله يقول لأهل مكة أبشروا بوقعة تأتيكم في أيام تنسيكم وقعة بدر.
وكان "صفوان" يسأل الركبان عن "عمير بن وهب" حتى قدم راكب
وأخبره عن إسلام "عمير بن وهب" فأنصعق صفوان .
ووصل "عمير بن وهب" إلى مكة وأخذ يدعو إلى الإسلام
كان رجل قوي شجاع وقبيلته قوية لذلك لا أحد يقربه .
وأسلم على يده الكثير من قريش، وظل كذلك حتى فتح مكة فأسلم على يده بعد فتح مكة صديقه القديم "صفوان بن أمية" رضي الله عنهم أجمعين.
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
.[:
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .
الحلقة السادسة عشر بعد المائة
116
غزوة بني قينقاع / كاملة .
انتهينا بفضل الله تعالى من الحديث عن غزوة بدر .
بدر التي سماها الله تعالى في القرآن العظيم
يوم الفرقان لأن الله تعالى فرق بها بين الحق والباطل...
ولأنها فرقت بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية
1- مرحلة الدعوة الإسلامية قبل بدر .
2- مرحلة الدعوة الإسلامية بعد بدر .
وهناك فرق كبير بين حال المسلمين في المرحلة ما قبل بدر وبعدها وكان من نتائج بدر أن أصبح للدولة الإسلامية هيبة كبيرة في قلوب العرب .
لأن قريش التي هزمها المسلمون هي واحدة من أكبر قبائل الجزيرة العربية .
كما أنها رفعت جداً من الروح المعنوية للمسلمين سواء الذين شاركوا في المعركة أم لم يشاركوا .
وامتدت آثار "معركة بدر" للمدينة إن آثار هذا النصر في بدر الذي فرح به المسلمون انعكس على غيرهم ألماً وغمة وقهر.
أنسيتم أن من يجاوره في المدينة "المغضوب عليهم يهود" .
وهكذا شغلوا المدينة بكفرهم وغطرستهم ونقضّهم للعهود .
لم ننسى أن النبي ﷺ عندما هاجر ورآهم يسكنون المدينة ثلاثة قبائل .
بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة جعل بينه ﷺ وبينهم عهد .
فبيّن لهم حقوقهم وأعلّمهم بواجباتهم ولكن :
عهود ويهود ضدان لا يجتمعان أبداً أبداً منذ أن خلقهم الله إلى أن تقوم الساعة .
كتب النبي ﷺ بينه وبينهم عهداً
وماهي إلا أول فرصة لم يستطيعوا كتمها أبداً هو نصر المؤمنين في بدر وهزيمة المشركين وكأن شيئآ أصابهم في سويدة قلوبهم .
لا يحبون محمداً إطلاقاً .
قد قال أحبارهم منذ الساعة الأولى أول دخوله للمدينة أنهم لن يؤمنوا به أبداً .
وهم يعلمون أنه هو عندما قال "حيي بن أخطب" لأخيه ياسر :
عندما سأله اخوه .. أهو ؟؟؟
قال : أجل هو ، هو وربِ موسى إنه هو وإني أعرفه أكثر من ابنتي هذه .
قال ياسر : ما موقفك منه ؟؟
قال حيي بن أخطب : عداوته ما حييت قال ياسر : لماذا ؟؟
قال حيي : لما يبعثه من العرب .
ولكن بمعاهدة ألزموا أنفسهم على مضض .
فما أن جاءت أول مناسبة يعلو بها كعب المسلمين ويذل بها قريش والمشركين كشفوا النقاب عن حقيقتهم بأنهم يكرهون هذا النبي صلى الله عليه وسلم.
يكرهون لا يحبونه ولن يسالموه أبداً
فأخذوا ينالون من المسلمين في الأسواق بألسنتهم ويلمزون ذماً بالنبي ﷺ على أسماعهم ويتألمون على قتلى قريش ويضيقون سبل المعيشة على المسلمين فكانوا مثلاً : لايؤدون للمسلمين الأموال التي لهم و الدخول في مصادمات لا تنتهي مع المسلمين وإثارة الشائعات المغرضة المدمرة .
ومحاولة الوقيعة بين المسلمين .
شيخ يهودي اسمه "شاس بن قيس" مر بنفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه .
فغاظه جداً ما وجده من ألفتهم وجماعتهم
"وقد ذكرت من قبل لكم كيف كان اليهود قبل الإسلام يشعلون الفتنة بين أولاد العم كل فترة
فهم جنود إبليس في الأرض منذ أن خلقهم الله أهل فتنة وخبث .
لم يعجبه هذا الإجتماع فجلس إليهم "شاس بن قيس" وأخذ يذكرهم بيوم "بعاث"
سأذكر قصة يوم بعاث في الحلقة القادمة .. إن شاء الله تعالى
"وهي آخر حرب وقعت بين الأوس والخزرج وكانت أشهر وأدمى حروبهم وقد وقعت قبل الهجرة بخمس سنوات فقط "
أخذ الصحابة يذكرون تلك الحرب وذكروا بعض الشعر عن ذلك اليوم فاشتد النقاش وأخذتهم الحمية فغضب الفريقين الأوس والخزرج وقالوا الحرب بيننا :
وانصرف كل فريق ليستعد للحرب
فلما وقفوا مستعدين للقتال وقد بلغ النبي ﷺ ذلك فقام مسرعاً إليهم مغضباً ووقف بين الفريقين ورفع يديه باعد بينهما .
وقال
يا معشر المسلمين ، الله الله . أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟
بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم .
ثم تركهم ومشى ﷺ مغضباً
فلما رأوا رسول الله ﷺ وسمعوا كلامه بكى الصحابة رضي الله عنهم من الأوس والخزرج ندماً .
وارتفع صوتهم بالبكاء وقاموا وتعانقوا.
فعلم النبي ﷺ من فعل يهود أنهم يريدون غدراً واحتار في أمرهم لأن بينه وبينهم عهود .
وهو خير من وفىَّ بعهد وأصدق من نطق بكلمة صلى الله عليه وسلم... فبينه وبينهم عهود
فماذا يقول لهم والمدينة المنورة الآن في أمس الحاجة للإستقرار الداخلي
صحيح بعد معركة بدر رفعت هيبة المسلمين في الجزيرة
ولكن في نفس الوقت لفتت أنظار القبائل العربية كلها بأن قوة صاعدة بدأت تظهر .
وهذا يخيف القبائل العربية ويجعلهم يتربصون بالمدينة والمسلمون ويكيدون لهم
فلذلك المدينة المنورة في هذه الفترة بحاجة للأستقرار داخلي أكثر من أي وقت .
فالأوضاع التي كانت في المدينة وحولها لا تحتمل ما يفعله اليهود من خبث وفتنة .
والنبي ﷺ "قائد" .
وهو يعلم أن القائد لا يتجاهل مشاكل بلده بل من واجبه حل جميع المشاكل.....
لأن تجاهل المشكلة لايحلها وإنما يجعلها تكبر وتتفاقم .
فأخذ ﷺ يفكر بحل هذه المشكلة معهم واحتار في أمرهم
فأنزل الله عز وجل :
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ .
"متخوف من غدرهم يا رسول الله وخيانتهم اجمعهم وانبذ إليهم عهدهم علناً أمام الجميع بعد أن تحاججهم .
فأرسل ﷺ إلى سادتهم أن اجتمعوا في سوقكم المعروف في بني قينقاع وكانت بني قينقاع بالذات تسكن وسط المدينة
اما بني النضير وبني قريظة ففي أطرافها.
وكانت قينقاع أكثر القبائل جهراً لعداوة المسلمين وكانوا يملكون أسواقها
وهم أشجع يهود "يعني رجال حرب " وأكثرهم عدد وعدة وأكثرهم ملكاً للمال .
وكانوا يملكون سوق الذهب في المدينة المنورة.
فأرسل إليهم النبي ﷺ أن اجمعوا لي ساداتكم ووجهاءكم في سوقكم.
فأجتمعوا فقدم إليهم النبي ﷺ
ملخص الحوار : حياهم بأدب واحترام وتقدير...
وذكر لهم الإساءة من بعضهم بأنه قد بلغني أن بعضكم يلمزونا ويستفز المؤمنين ويتأسف على قتلى قريش في بدر .
وهذا ليس عهدنا بيننا وبينكم
إنما عهدنا أن تكونوا معنا لا علينا فمدينتنا واحدة .
فما راعه ﷺ إلا تجهمت وجهوهم وقالوا له بلسان فظ غليظ وسوء أدب
قالوا : يا محمد أرأيتنا مثل قومك ؟
"يعني وهل نحن مثل قريش"
لا يغرنك أنك لقيت قوم لا علم لهم بالحرب.
والله لإن حاربناك لتعلمن أنا نحن أهل الحلقة :
يعني أهل السلاح والعدد والعدة.
فأنزل الله تعالى :
قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ♡ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ .
تلى عليهم الآيات
وقال
يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريش ، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم .
فقاموا من مجلسه وتركوه يتكلم
هل رأيتم أخلاق المغضوب عليهم
قاموا وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم : يتكلم بمعنى أننا لا نسمع لك والعداء قائم بيننا وبينك.
فحذر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون منهم وأمرهم أن يأخذوا حذرهم من بني قينقاع .
وإذا أراد الله جل في علاه أمر فلا مرد له وهيئ له الأسباب
"إنه الله العلي الكبير المتعال ، جل في علاه.
في اليوم الثاني مباشرة :
تأتي إمراة مسلمة إلى سوقهم "سوق الصاغة" تريد أن تبيع أو تشتري .
فجلست عند دكان صائغ فأخذوا يهزؤون بها و بلباسها
"لأن لباسها محتشم"
وأخذوا يراودونها عن نفسها
وقام الصائغ بغفلة منها وهي جالسة فشكل ثوبها بشوكة إلى بين كتفيها .
[[لأن لباس المراة العربية قديما له أطراف وثنيات كثيرة شكل ثوبها من الذيل بين كتفيها .
حتى إذا رأت منه سوء قامت مغضبة فلما قامت واقفة انكشفت عورتها فضحكوا منها بصوت مسموع .
فانتبهت لنفسها وسدلت ثوبها ثم صاحت بأعلى صوتها وااا ذُلاه
فسمعها رجل مسلم من الأنصار فأنقض بسيفه على الصائغ فقسمه نصفين.
فتجمع اليهود وتكاثروا على المسلم "لأنه سوقهم فقتلوه"
كان اليهود يريدون بذلك إهانة المسلمين في شخص هذه المرأة المسلمة.
كانت جريمة كشف عورة المرأة المسلمة واهانتها ثم قتل المسلم هي القشة التي قسمت ظهر البعير.
وصل الخبر إلى النبي ﷺ فأخذ قراراً سريعاً وحاسماً وهو ضرورة قتال يهود بني قينُقاع .
مباشرة من غير أن يستنكر أو يدين .
صدر الأمر منه ﷺ فنادى في المسلمين لحصار اليهود فتحصنوا في حصونهم وهذا وصفهم ولا يزال :
لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ .
ما أن سمعوا أن محمداً جمع رجاله أغلقوا أبوابهم ودخلوا حصونهم .
مع أن عدد المقاتلين من بني قينقاع 700 مقاتل .
فأمر النبي ﷺ بمحاصرتهم أن لا يصل لهم ماء ولا طعام ولا يخرج رجل منهم إلا قتل .
واستمر هذا الحصار اسبوعين .
وقذف الله تعالى في قلوب اليهود الرعب فاستسلموا
وكانت شروط الإستسلام هي أن ينزلوا على حكم الرسول ﷺ
في لغتنا اليوم : استسلام بلا قيد ولا شرط
هكذا استسلم يهود "بني قينقاع" فأمر النبي ﷺ بتكتيفهم .
وكان قرار النبي ﷺ هو قتل جميع الرجال المحاربين .
ليس عقاباً لهم على هتك عرض المرأة المسلمة واهانتها .
ولا لقتل هذا الرجل المسلم فقط
لا : فلو كان الأمر كذلك لكان القصاص رجل أمام رجل .
ولكن لأنهم
أولاً : نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين الرسول ﷺ .
ولأن كراهيتهم وعدواتهم وحربهم للمسلمين لن تتوقف والرسول ﷺ يريد أن يحقق الإستقرار للدولة الاسلامية .
وكان حلفائهم رجلان من الأنصار
واحد مسلم والاخر منافق خسيس.
أما الصحابي الجليل "عبادة بن الصامت" رضي الله عنه.
قال : يارسول الله إنهم حلفائي قبل الإسلام .
وإني أبرأ إلى الله ورسوله منهم ومن حلفهم فاصنع بهم ما شئت و لا عهد بيني وبينهم .
اما المنافق "عبدالله بن أبي سلول" هذا المنافق والذي كان قد تظاهر بدخول الإسلام قبل هذا الموقف بأيام قليلة .
جاء وتحدث إلى النبي ﷺ بفظاظة وقال له : يا محمد
"لم يقل له يارسول الله ."
"ساعة الغضب كما يقال تكشف الحقائق ."
"لم يملك نفسه أن يقول يارسول الله ، قال يا محمد
وراع المسلمين ذلك ."
فأعرض عنه النبي ﷺ
يا محمد : أحسن في موالي .
فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية
وتركه النبي صلى الله يتكلم ومشى
فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمسك به من جيب درعه يجذبه إليه....
فغضب النبي ﷺ حتى أحمر وجهه
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أرسلني "أتركني"
قال . لا ... لا أرسلك .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم ويحك أرسلني .
قال : لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي .
"أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر تحصدهم في ساعة واحدة"
لا والله لا أرسلك حتى تعطيني عهداً لا تقتل منهم رجلاً واحدا.
فنفض الرسول ﷺ يده من نفسه .
وقال له : هم لك ..ولكن لا يجاوروني في مدينتي أبداً.
وأرسل إليهم عبادة بن الصامت أن انزلوا على حكم رسول الله خير لكم :
تخرجوامن المدينة فقط بأنفسكم وأهليكم لا مال ولاسلاح .
فتركوا ديارهم وخرجوا إلى إذرع في جنوب سوريا.
"تسمى الآن حوران"
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى...
.*