البحر والقمر… ثنائية العاشقين الذين لا يلتقيان، لكن كلٌّ منهما يسكن الآخر.
البحر، هذا الامتداد الأزرق الذي لا يُحدّ، ينام على أسرّته الموجية ويحتضن حكايات الغرباء والعشاق والمنفيين. صدره العريض يتنفس الحنين، وفي أعماقه تقبع أسرار لم يفشها لأحد، كأنّه العاشق الصامت الذي يكتب رسائل شوقه على سطح الماء، ثم يبعث بها إلى الضفة الأخرى من العالم دون أن يتلقى ردًا.
والقمر، هذا العرش المضيء في قبة السماء، يشبه عاشقًا يسهر ليلًا ليراقب حبيبه من بعيد. كل ليلة، يتكئ على كتف السحاب ويطلّ برقة على البحر، يسكب عليه فضّته، فتتموّج المياه كأنها تشتاق لملامسته. لكن، مهما امتد البحر للأعلى، ومهما انحنى القمر للأسفل، يظل بينهما مسافة لا تُقطَع، كأنهما خُلقا ليرتبطا بالضوء والظلال دون أن يلتقيا يومًا.
حين يعلو الموج، يثور البحر كعاشقٍ أغضبه الغياب، يرسل أمواجه تلو الأخرى، لكنها تتحطم عند الشاطئ، كأنها تنهار من فرط الشوق. وحين يهدأ، يرسم وجه القمر على سطحه، يتأمله، يتأمل انحناءاته وضياءه، كأنما يحفظ ملامحه حتى لا تضيع في العتمة.
القمر يراقب، والبحر يبوح، وبينهما نشيدٌ لا يسمعه إلا من أرهقته الأشواق.